دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب المناسك

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #5  
قديم 14 ربيع الثاني 1432هـ/19-03-2011م, 10:30 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

والأضْحِيَةُ سُنَّةٌ وَذَبْحُهَا أفْضَلُ مِن الصَّدَقَة بِثَمَنِهَا وَيُسَنُّ أنْ يَأكُلَ وَيَهْدِي وَيَتَصدَّقَ أثْلاَثاً وَإنْ أكَلَهَا إِلاَّ أوقيةً تَصَدَّقَ بِهَا جَاز، وَإلاَّ ضَمنها.
قوله: «والأضحية سنة» ، الأضحية هي: ما يذبح من النعم في أيام الأضحى تقرباً إلى الله ـ عزّ وجل ـ.
فقولنا: «ما يذبح في أيام الأضحى» خرج به ما يذبح في غير أيام الأضحى، فإنه ليس بأضحية حتى ولو ذبح ضحى، فالعقيقة ـ مثلاً ـ إذا ذبحناها في الضحى في غير أيام الأضاحي لا تسمى أضحية.
وقولنا: «تقرباً إلى الله» خرج به ما لو ذبح لوليمة عرس في أيام الأضحى فإنها ليست بأضحية، فلا بد أن ينوي بذلك التقرب إلى الله ـ عزّ وجل ـ بهذا الذبح.
وقوله: «سنة» ، أي: سنة مؤكدة جداً؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم داوم عليها وضحى عشر سنوات، وحث عليها حتى قال: ((من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا)) [(1)]، وكان يظهرها على أنها شعيرة من شعائر الإسلام، حتى إنه يخرج بأضحيته إلى المصلى، ويذبحها بالمصلى، ولهذا اختلف العلماء هل هي سنة مؤكدة لا يكره تركها، أو سنة يكره تركها للقادر، أو واجبة؟
فذهب أبو حنيفة ـ رحمه الله ـ وأصحابه إلى أنها واجبة، وأن القادر يأثم إذا لم يضح، ومال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ إلى هذا؛ لأنها شعيرة ظاهرة قرنها الله تعالى بالصلاة في قوله: {فَصَلِّ لِرَّبِكَ وَانْحَرْ *} [الكوثر] ، وفي قوله: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *} [الأنعام] .
والقول بالوجوب للقادر قوي؛ لكثرة الأدلة الدالة على عناية الشارع بها، واهتمامه بها فالقول بالوجوب قوي جداً، فلا ينبغي للإنسان إذا كان قادراً أن يدعها، ولكن إذا كان الناس في بيت واحد، وقيم البيت واحد فإنه يجزئ عن الجميع ولا حاجة إلى أن يضحي كل واحد، خلافاً لما اعتاده بعض الناس الآن تجد الأب يضحي، والزوجة تقول سأضحي والبنات الموظفات يقلن سنضحي، والبنين الموظفين يقولون: سنضحي، فهذا خلاف السنة، ما دام في المسألة سنة واضحة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم فلا ينبغي أن نتجاوز، فالنبي صلّى الله عليه وسلّم ضحى بواحدة عنه وعن أهل بيته[(2)] وعنده تسع زوجات، كل واحدة في بيت واقتصر على ذلك، والمطالب بالتضحية هو رب البيت لأنه من الإنفاق بالمعروف.
ولكن لمن تسن للأحياء أم للأموات؟
الجواب: أنها سنة للأحياء، وليست سنة للأموات، ولذلك لم يضح النبي صلّى الله عليه وسلّم عن أحد ممن مات له، لا عن زوجته خديجة ـ رضي الله عنها ـ وهي من أحب النساء إليه، ولا عن عمه حمزة ـ رضي الله عنه ـ وهو من أحب أعمامه إليه، ولا عن أحد من أولاده ـ رضي الله عنهم ـ الذين كانوا في حياته، وأولاده بضعة منه، وإنما ضحى عنه وعن أهل بيته، ومن أراد أن يدخل الأموات في العموم فإن قوله قد يكون وجيهاً، ولكن تكون التضحية عن الأموات هنا تبعاً لا استقلالاً؛ ولهذا لا يشرع أن يضحى عن الإنسان الميت استقلالاً؛ لعدم ورود ذلك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فإن ضُحي عنه:
قيل: تكون أضحية.
وقيل: تكون صدقة.
والفرق بينهما ظاهر، فإن الأضحية أجرها أكثر من أجر الصدقة.
قوله: «وذبحها أفضل من الصدقة بثمنها» .
فلو قال شخص: أنا عندي خمسمائة ريال، هل الأفضل أن أتصدق بها أو أن أضحي بها؟ قلنا: الأفضل أن تضحي بها.
فإن قال: لو اشتريت بها لحماً كثيراً أكثر من قيمة الشاة أربع مرات، أو خمس مرات، فهل هذا أفضل أو أن أضحي؟
قلنا: الأفضل أن تضحي، فذبحها أفضل من الصدقة بثمنها، وأفضل من شراء لحم بقدرها أو أكثر ليتصدق به؛ وذلك لأن المقصود الأهم في الأضحية هو التقرب إلى الله ـ تعالى ـ بذبحها لقول الله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج: 37] ، كما أن عتق العبد أفضل من الصدقة بثمنه.
فإن قال قائل: لو كان في المسلمين مسغبة، وكانت الصدقة بالدرهم أنفع تسد ضرورة المسلمين فأيهما أولى؟
الجواب: في هذه الحال نقول: دفع ضرورة المسلمين أولى؛ لأن فيها إنقاذاً للأرواح، وأما الأضحية فهي إحياء للسنة، فقد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل من الفاضل.
قوله: «ويسن أن يأكل ويهدي ويتصدق أثلاثاً» ، أي: يشرع، لا على وجه الوجوب، بل على وجه الاستحباب أن يقسمها أثلاثاً، فيأكل الثلث، ويهدي بالثلث، ويتصدق بالثلث.
والفرق بين الهدية والصدقة: أن ما قصد به التودد والألفة فهو هدية؛ لما جاء في الحديث: «تهادوا تحابوا» [(3)]، وما قصد به التقرب إلى الله فهو صدقة، وعلى هذا فتكون الصدقة للمحتاج، والهدية للغني.
وقوله: «أثلاثاً» أي ثلثاً للأكل، وثلثاً للهدية، وثلثاً للصدقة؛ لأجل أن يكون انتفاع الناس على اختلاف طبقاتهم في هذه الأضحية، وقدم الأكل؛ لأن الله قدمه فقال: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] .
وقوله: «ويسن أن يأكل» .
ظاهره: أنه لو تصدق بها كلها فلا شيء عليه ولا إثم عليه، وهذا بناء على أن الأكل من الأضحية سنّة كما هو قول جمهور العلماء.
وقال بعض أهل العلم: بل الأكل منها واجب يأثم بتركه؛ لأن الله أمر به، وقدمه على الصدقة؛ ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع ((أمر أن يؤخذ من كل بدنة قطعة فجعلت في قدر فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها)) [(4)]، قالوا: وتكلف هذا الأمر أن يأخذ من مائة بعير مائة قطعة تطبخ في قدر، ويأكل منها يدل على أن الأمر في الآية الكريمة للوجوب؛ ولأن هذا من باب التمتع بنعم الله ـ عزّ وجل ـ فيدخل في قوله صلّى الله عليه وسلّم: ((أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله ـ عزّ وجل)) ـ[(5)].
وعلى كل حال لا ينبغي للإنسان أن يدع الأكل من أضحيته.
واستحب بعض العلماء : أن يأكل من كبدها.
وعلل ذلك بأن الكبد أسرع نضوجاً؛ لأنها لا تحتاج إلى طبخ كثير، فإذا اختار أن يأكل منها وطبخها صار من الذين يبادرون بالأكل من أضاحيهم، والمبادرة بالمأمور به أفضل من التأخر.
وقوله: «يأكل ويهدي ويتصدق أثلاثاً» ، هذا ما اختاره أصحاب الإمام أحمد ـ رحمهم الله ـ وهذا ما ورد عن السلف ـ رحمهم الله ـ وقيل: بل يأكل ويتصدق أنصافاً لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}، وقوله: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}، ولم يذكر الله تعالى الهدية، والهدية من باب جلب المودة يحصل بهذا أو بغيره، وهذا القول أقرب إلى ظاهر القرآن والسنة، ولكن مع ذلك إذا اعتاد الناس أن يتهادوا في الأضاحي، فإن هذا من الأمور المستحبة؛ لدخولها في عموم الأمر بما يجلب المودة والمحبة بين الناس، ولا شك أنك إذا أهديت من لحم الأضاحي في أيام الأضحية إلى غني أنها تقع في نفسه موقعاً أعظم مما لو أهديت له ما يقابلها من الطعام كالتمر والبر وما أشبه ذلك، وإذا كان في هذا مصلحة فهي مطلوبة، ولكن تحديدها بالثلث يحتاج إلى دليل من السنة.
والرسول صلّى الله عليه وسلّم تصدق بكل لحم الإبل في الهدي، إلا القطع التي اختارها صلّى الله عليه وسلّم أن تجمع في قدر وتطبخ[(6)].
وقوله: «ويسن أن يأكل ويهدي ويتصدق» ، ظاهر كلام المؤلف أن هذا الحكم في كل أضحية حتى الواجب بالنذر فإنه يأكل منها، ويهدي ويتصدق، وهو صحيح، بخلاف الواجب في الهدي فإنه لا يأكل منه إذا كان جبراناً، ويأكل منه إذا كان شكراناً، فدم هدي التمتع والقران يأكل منه، والدم الواجب لترك الواجب أو فعل المحظور لا يأكل منه، والفرق أن الثاني كفارة والأول شكر، فلذلك أكل النبي صلّى الله عليه وسلّم من هديه، وهو واجب بالقران.
إذاً الأضحية يأكل منها، سواء كانت واجبة بالنذر أو غير واجبة، وأما الهدي ففيه تفصيل كما يلي:
أولاً: ما وجب لفعل محظور أو ترك واجب فإنه لا يأكل منه؛ لأنه يقع موقع الكفارة.
ثانياً: ما وجب لشكر النعمة كهدي التمتع والقران، فإنه يأكل منه، كما جاءت بذلك السنة، أما التطوع فلا إشكال أنه يأكل منه ويتصدق ويهدي.
وظاهر كلام المؤلف ـ أيضاً ـ أنه لو كانت الأضحية ليتيم فإنه يأكل منها ويهدي ويتصدق.
وقال بعض العلماء: إذا كانت ليتيم فإنه لا يأكل منها، ولا يهدي، ولا يتصدق إلا مقدار الواجب فقط، وهو أقل ما يقع عليه اسم اللحم؛ لأن مال اليتيم لا يجوز التبرع به.
ولكن الصحيح أنه متى قلنا بجواز الأضحية في مال اليتيم فإنه يعمل فيها ما جاءت به الشريعة، فيؤكل منها، ويهدى، ويتصدق.
مسألة: هل يشرع أن يُضحى من مال اليتيم؟ في هذا تفصيل:
إن جرت العادة بأنه يضحي من أموال اليتامى، وأنه لو لم يضح من أموالهم لانكسرت قلوبهم، فهنا ينبغي أن يضحى من ماله، كما أننا نشتري له ثوباً جديداً للعيد مع أن عنده ثوباً يكفيه، لكن نشتري له الثوب الجديد من أجل أن يوازي غيره من الناس.
فهي إذاً ـ أعني الأضحية ـ من باب النفقة بالمعروف، فإذا كان من المعروف عند الناس أنه يضحى للأيتام فإنه يضحي ولو من ماله، وهذا يقع.
مثال ذلك: أن يكون في هذا البيت أيتام ليس عندهم إلا أمهم، وأمهم فقيرة، ولكن الأيتام لهم أموال ورثوها من إخوانهم أو أعمامهم، أو من أي أنسان، المهم عنده مال، فهل نضحي من أموالهم وندفع لهم الأضحية ليضحوا بها ويفرحوا مع الناس؟ أو نقول هذه أموال يتامى لا يجوز أن يتبرع منها بشيء؟
الجواب: الأول؛ لأن المال يخدم الإنسان، فإذا كان هؤلاء اليتامى لو لم تدخل عليهم شاة الأضحية، ولم يأكلوا اللحم مع الناس، لانكسرت قلوبهم فإنه يضحى عنهم من مالهم.
قوله: «وإن أكلها إلا أوقية تصدق بها جاز وإلا ضمنها» ، الضمير «ها» يعود على الأضحية، أي أكلها كلها ولم يتصدق بمقدار أوقية، فإنه يضمن الأوقية، وهي معيار معروف صنجة يوزن بها. لأن الله قال: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}، أي: وأطعموا منها، ومن للتبعيض، وأدنى جزء من الأضحية يصدق عليه أنه بعض.
وقال بعض العلماء: إن تصدق بها إلا أقل ما يقع عليه اسم اللحم، فإنه لا حرج عليه، ولكن لو أكلها جميعاً فإنه يضمن أقل ما يقع عليه اسم اللحم.
مثال ذلك: رجل ضحى بشاة وجعلها في الثلاجة كلها، وأكلها، نقول له الآن: يجب عليك أن تتصدق بأقل ما يقع عليه اسم اللحم، فاشتر لحماً من السوق، وتصدق به من أجل حق الفقراء، فإن أكلها إلا عضدها ـ مثلاً ـ أجزأه ذلك؛ لأن العضد يقع عليه اسم اللحم.

وَيَحْرُمُ عَلَى مَن يُضَحِّي أن يَأخُذَ فِي العَشْرِ مِن شَعْرِهِ أوْ بَشَرتِهِ شيئاً.
قوله: «ويحرم على من يضحي أن يأخذ في العشر من شعره أو بشرته شيئاً» ، الحرام من تركه لله أثيب، وإن فعله استحق العقاب على فعله.
والدليل على ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((إذا دخل العشر، وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذن من شعره ولا من بشرته ولا من ظفره شيئاً)) [(7)] ، والأصل في النهي التحريم.
والحكمة من ذلك أن الله سبحانه وتعالى برحمته لما خص الحجاج بالهدي، وجعل لنسك الحج محرمات ومحظورات، وهذه المحظورات إذا تركها الإنسان لله أثيب عليها، والذين لم يحرموا بحج ولا عمرة شرع لهم أن يضحوا في مقابل الهدي، وشرع لهم أن يتجنبوا الأخذ من الشعور والأظفار والبشرة لأن المحرم لا يأخذ من شعره شيئاً، يعني لا يترفه، فهؤلاء ـ أيضاً ـ مثله، وهذا من عدل الله ـ عزّ وجل ـ وحكمته، كما أن المؤذن يثاب على الأذان، وغير المؤذن يثاب على المتابعة، فشرع له أن يتابع.
وقوله: «يحرم» ، هذا أحد القولين في المسألة.
والقول الثاني: أنه يكره وليس بحرام.
ولكن الذي يظهر أن التحريم أقرب؛ لأنه الأصل في النهي لا سيما فيما يظهر فيه التعبد، ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أكد النهي بقوله: ((فلا يأخذن)) ، والنون هذه للتوكيد.
وقوله: «على من يضحي» يفهم منه أن من يُضَحَّى عنه لا حرج عليه أن يأخذ من ذلك، والدليل على هذا ما يلي:
أولاً: أن هذا هو ظاهر الحديث، وهو أن التحريم خاص بمن يضحي، وعلى هذا فيكون التحريم مختصاً برب البيت، وأما أهل البيت فلا يحرم عليهم ذلك؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم علق الحكم بمن يضحي، فمفهومه أن من يضحى عنه لا يثبت له هذا الحكم.
ثانياً: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يضحي عن أهل بيته، ولم ينقل أنه كان يقول لهم: لا تأخذوا من شعوركم وأظفاركم وأبشاركم شيئاً، ولو كان ذلك حراماً عليهم لنهاهم النبي صلّى الله عليه وسلّم عنه، وهذا هو القول الراجح.
فإن قال قائل: ما وجه قول من يقول: إنه يحرم على من يضحي أو يضحى عنه؟
قلنا: وجهه أنهم قاسوا المضحى عنه على المضحي؛ لاشتراكهم في الأجر، فكما أن المضحي يؤجر فالمضحى عنه يؤجر أيضاً، فلما اشتركا في الأجر اشتركا في الحكم.
فيقال: هذا القياس لا يصح؛ لأنه في مقابلة النص، وكل قياس في مقابلة النص فإنه فاسد الاعتبار، أي: غير معتبر ولا يرجع إليه، ثم إن التساوي ممنوع، فإنهما وإن أجرا على هذه الأضحية، فإن أجر من بذل المال، وتعب في ذبحها لا يساويه أجر من ضُحي عنه فقط، بل من بذل المال أكثر أجراً ممن لم يبذله.
وقوله: «أن يأخذ في العشر» ، المراد بالعشر عشر ذي الحجة إلى أن يضحي، فإن ضحى يوم العيد انفك ذلك عنه يوم العيد، وإن تأخر إلى اليوم الثاني، أو الثالث لم ينفك عنه ذلك إلا في اليوم الثاني أو الثالث حتى يضحي.
وقوله: «من شعره» الشعر معروف، هو شامل للشعر المستحب إزالته، والمباح إزالته، فلا يأخذ منه شيئاً.
وقوله: «شيئاً» يشمل القليل والكثير.
مثال المستحب إزالته: شعر الإبط والعانة.
والمباح إزالته كالرأس، فلا يحلق رأسه، ولا يقص منه شيئاً حتى يضحي.
وقوله: «أو بشرته» أي جلده، لا يأخذ منه شيئاً، وهل يمكن للإنسان أن يأخذ من جلده شيئاً؟ نقول: يمكن أن يأخذ كما يلي:
أولاً: إذا كان لم يختتن، وأراد الختان في هذه الأيام نقول له: لا تختتن؛ لأنك ستأخذ من بشرتك شيئاً.
ثانياً: بعض الناس يغفل فتجده يقطع من جلده من عقب الرجل، والإنسان الذي يعتاد هذا الشيء لا بد أن يصاب بتشقق العقب، فإن تركه سكن، وإن حركه فتن عليه، ولو كان فيه جلد ميت اتركه حتى لا يتشقق ويزيد.
مسألة: سكت المؤلف عن شيء جاء به الحديث وهو «الظفر» ، ولا أعلم أن أحداً من العلماء أهمل حكمه، ولعل المؤلف ـ رحمه الله ـ تركه اقتصاراً أي ذكر شيئين مما جاء به الحديث وأسقط الثالث، ولكن الحكم واحد فلا يأخذن من ظفره شيئاً، لكن لو أنه انكسر الظفر، وتأذى به فيجوز أن يزيل الجزء الذي يحصل به الأذية ولا شيء عليه، وكذلك لو سقط في عينه شعرة، أو نبت في داخل الجفن شعر تتأذى به العين، فأخذه بالمنقاش جائز؛ لأنه لدفع أذاه.
وفهم من كلام المؤلف أنه إذا أخذ شيئاً من ذلك فلا فدية عليه وهو كذلك، ولا يصح أن يقاس على المحرم؛ لأن الاختلاف ظاهر لما يلي:
أولاً: المحرم لا يحرم عليه إلا أخذ الرأس، وما سواه فإنه بالقياس، وهذا الحديث عام للرأس وغير الرأس.
ثانياً: المحرم لا يحرم عليه أخذ شيء من بشرته، وهذا يحرم.
ثالثاً: المحرم عليه محظورات أخرى غير هذا، فالإحرام أشد وأوكد فلذلك وجبت الفدية فيه، أما هذا فإنه لا فدية فيه.
مسألة: لو أخذ الإنسان وتجاوز هل تقبل أضحيته؟
الجواب: نعم تقبل لكنه يكون عاصياً، وأما ما اشتهر عند العوام أنه إذا أخذ الإنسان من شعره أو ظفره أو بشرته في أيام العشر فإنه لا أضحية له فهذا ليس بصحيح؛ لأنه لا علاقة بين صحة التضحية والأخذ من هذه الثلاثة.
وإذا قدر أن الرجل لم ينو الأضحية إلا في أثناء العشر، وقد أخذ من شعره وبشرته وظفره فيصح، ويبتدئ تحريم الأخذ من حين نوى الأضحية.



[1] أخرجه أحمد (2/321)؛ وابن ماجه في الأضاحي/ باب الأضاحي واجبة هي أم لا (3123)؛ والدارقطني (4/276)؛ والحاكم (2/389) و(4/231) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
وصححه الحاكم، وقال الحافظ في البلوغ (1348): صحح الأئمة وقفه.
[2] سبق تخريجه ص(422).
[3] أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (594)؛ والبيهقي (6/169) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ، وعزاه الحافظ في البلوغ (935) إلى أبي يعلى وحسن إسناده.
[4] سبق تخريجه ص(76).
[5] سبق تخريجه ص(460).
[6] سبق تخريجه ص(76) من حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ.
[7] أخرجه مسلم في الأضاحي/ باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة أن يأخذ من شعره... (1977) عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ.


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأضحية, حكم

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:57 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir