دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الجهاد

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #5  
قديم 14 ربيع الثاني 1432هـ/19-03-2011م, 10:46 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

وَيَتَفَقَّدُ الإِمَامُ جَيْشَهُ عِنْدَ المَسِير، وَيَمْنَعُ المُخَذِّلَ والمُرْجِفَ وَلَهُ أَنْ يُنفِّلَ فِي بِدَايتِهِ الرُّبُعَ بَعْدَ الخُمُسِ، وَفِي الرَّجعَةِ الثُّلثَ بَعْدَهُ. وَيَلْزَمُ الْجَيْشَ طَاعَتُهُ وَالصَّبْرُ مَعَهُ...
«ويتفقد الإمام جيشه عند المسير» الجيش الآن فيه طائرات ودبابات وصواريخ، فإذا ذهب الجيش المكون من إبل وخيل فما ينوب منابه مثله، نقول للإمام: تفقد إما بنفسك إن كنت ذا خبرة، أو بمن تثق به من ذوي الخبرة، وينظر الصالح فيقره، والفاسد فيمنعه حتى يكون صالحاً؛ لأنه لو ترك وأهمل فربما يكون في السلاح أو في المجاهدين من تكون الهزيمة بسببه لو ذهب به إلى المعركة، فلا بد أن يتفقد الجيش.
قوله: «ويمنع المخذِّل والمرجف» لو قال المؤلف: ويمنع كل من لا يصلح للجهاد لكان أعم، والمخذِّل هو الذي يزهد الناس في القتال يقول مثلاً: لماذا نجاهد؟ فهذا يفت في عضد الجيش بلا شك.
والمرجف هو الذي يهوّل قوة العدو، أو يضعف قوة المسلمين، فيقول مثلاً: السرية التي ذهبت قبلنا هُزِمَت، أو يقول: العدو جيشهم كثير، عندهم قوة وعندهم صواريخ وقنابل، وعندهم كيماويات، فمثل هؤلاء يجب على الإمام أن يمنعهم ولا يأذن لهم بالجهاد؛ لأن ضرر هؤلاء أكثر من نفعهم إن كان فيهم نفع.
مسألتان:
الأولى: إذا كان الجيش الذي أعد للقتال تربيته الجهادية ضعيفة، وغالبه مخذل ومرجف، فهل يقاتلون؟.
الجواب: لا، إذا كان الجيش على ما ذكر، والمخذل كثير والمرجف كثير، فإنه لا يجاهد؛ لأن الجهاد لا بد أن يغلب على الظن أننا ننتصر، أما إذا غلب على الظن الهزيمة فلا يجوز أن يُغرر بالمسلمين، المسألة ليست هينة، وليست مسألة أشخاص يفقدون، بل هذا يعتبر ذلًّا حتى على الإسلام، إلا إذا اضطر الإمام لذلك، لأن الجهاد نوعان: جهاد هجوم، وجهاد دفاع، أما الدفاع فيجب بكل حال، وأما الهجوم فهو الذي ذكرنا.
الثانية: يجب على الإمام أن ينظم الجيش، ويرتبه، ويقسمه بحسب ما تقتضيه الحاجة، وفق خطط علمية مدروسة يضعها أهل الاختصاص، فبالضرورة نعلم أن الجيوش في عصرنا الحاضر تختلف عن الجيوش في الماضي، ففي الماضي كان يسمى الجيش خميساً؛ لأنه كان يقسم إلى خمسة أقسام: مقدمة، وميمنة، وميسرة، ومؤخرة، وقلب، ويوضع لكل قسم قائد، إلى غير ذلك، أما في الحاضر فقد تعددت الأسلحة وكثرت التخصصات، فينبغي للإمام مراعاة كل ذلك، حتى لا يبدو الجيش في حالة فوضى عند التحام الجيشين.
وهل له أن يبعث العيون يعني الجواسيس الذين يتطلعون إلى العدو ويعرفون أخباره؟.
الجواب: نعم، بل يجب عليه إذا دعت الحاجة إلى ذلك؛ لأن هذا من جملة ما يستعين به على القتال.
قوله: «وله أن ينفِّل في بدايته الربع بعد الخمس، وفي الرجعة الثلث بعده» ، «وله» أي: للإمام، ومعنى هذا أن الإمام إذا دخل أرض العدو، وبعث سرية يعني دون أربعمائة نفر يبدؤون القتال فله أن يقول لهم: لكم بعد الخمس الربع؛ لأن هذه السرية إذا ذهبت فإنها تذهب وهي أقل خوفاً من السرية التي تبعث بعد رجوع الإمام؛ لأنهم يقولون: الجيش خلفنا فيقول: اذهبوا وقاتلوا وما تغنمون نأخذ الخمس منه، ولكم بعد ذلك الربع خاصة لكم، ثم يقسم الباقي على الجيش.
وكذلك ـ أيضاً ـ له أن ينفل الثلث بعده، أي: بعد الرجوع، وانتهاء القتال فيبعث سرية ربما تتفقد من بقي من العدو ويجعل لها الثلث، وزادت عن السرية الأولى؛ لأنها أشد خوفاً، ولأن العدو في البداية ربما يكون على غفلة وعلى غرة، وهنا العدو قد انتبه، وربما يكون في قلبه حنق، يريد أن ينتقم؛ ولأن الجيش لما فرغ من القتال صار متشوفاً ومتشوقاً لأهله ففي ذلك مشقة شديدة، ولذلك كان التنفيل في الرجعة أكثر من التنفيل في البدأة، فلذلك تعطى مقابل هذا أربعة من اثني عشر، أي: تزاد على الأخرى واحداً من اثني عشر؛ لأن الأولى لها ثلاثة من اثني عشر وهذه لها أربعة من اثني عشر.
وقوله: «له» عبَّر باللام الدالة على الإباحة في مقابلة المنع، فلا ينفي أن تكون سنة أو واجبة أحياناً، فإذا رأى أن السرية لن ترجع إلا بإعطاء شيء زائد أو لن تتقدم إلا بإعطاء شيء زائد ورأى من المصلحة إرسال السرية فإنه يكون واجباً.
قوله: «ويلزم الجيش طاعته» أي: طاعة أميره الذي هو نائب عن الإمام، وهو ما يسمى في عرفنا الآن القائد أو حسب ما يعرف، فيلزم الجيش طاعته فيما أمر، ودليل ذلك قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] ، ولكن يشترط لوجوب طاعته فيها ألاَّ يخالف أمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، فإن خالف أمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ويدل لهذا:
أولاً: الآية الكريمة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}، أطيعوا الله هذا فعل، وأطيعوا الرسول فعل أيضاً، فأعاد الفعل بالنسبة لطاعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن طاعته مستقلة يجب أن يطاع بكل حال. أما الثالث فلم يُعد الفعل، فقال: {وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} ولم يقل: أطيعوا؛ لأن طاعة أولي الأمر تابعة لطاعة الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، ولهذا لو أمر ولي الأمر بمخالفة أمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، قلنا: لا سمع ولا طاعة.
وظاهر كلام المؤلف أنه تجب طاعته ولو كان فاسقاً، وهو كذلك، فتجب طاعة ولي الأمر ولو كان من أفسق عباد الله؛ وذلك لعموم الأدلة الدالة على وجوب طاعة ولاة الأمور، والصبر عليهم وإن رأينا منهم ما نكره في أديانهم وعدلهم واستئثارهم، فإننا نسمع ونطيع فنؤدي الحق الذي أوجب الله علينا، ونسأل الله الحق الذي لنا، هكذا أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم[(1)]، وهكذا جرى عليه سلف هذه الأمة.
فإن أمر بمعصية فإنه لا طاعة له؛ لأنه هو نفسه عبد لله مأمور لله، فكيف يأمر بما يخالف أمر الله، نقول: ربنا وربك الله، ولا طاعة لك في معصية الله أبداً، ويدل لهذا قصة السرية الذين بعثهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأَمَّرَ عليهم رجلاً وأمرهم أن يطيعوا أميرهم، وفي يوم من الأيام أغضبوه فأمرهم أن يجمعوا حطباً، فقالوا: سمعاً وطاعة فجمعوا الحطب، وأمرهم أن يوقدوا فيه النار، قالوا: سمعاً وطاعة وأوقدوا النار، قال: ألقوا أنفسكم فيها، فتردد القوم؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمرهم أن يطيعوه، ولكن لماذا آمنوا؟ آمنوا خوفاً من النار، فقال بعضهم لبعض: كيف نلقي أنفسنا في النار، ونحن إنما آمنا فراراً منها، وهذا قياس صحيح، فأبوا أن يلقوا أنفسهم في النار، فلما رجعوا إلى المدينة، وأخبروا النبي صلّى الله عليه وسلّم بهذا، قال: ((لو دخلوا فيها ما خرجوا منها)) [(2)]؛ لأنهم قتلوا أنفسهم، ومن قتل نفسه بالنار عُذِّب بها في نار جهنم؛ لأن كل من قتل نفسه بشيء فإنه يعذب به في نار جهنم[(3)]، فلو قتل نفسه بخنجر فإنه يوم القيامة يعذب بهذا الخنجر في نار جهنم، ولو قتل نفسه بالتردي من شاهق فإنه يخلق له في النار شاهق فيتردى منه يعذب به في نار جهنم، ومن قتل نفسه بسُمٍّ بأن تحسَّى هذا السم عُذب به في نار جهنم، ولو دخلوا النار عذبوا بها في نار جهنم ثم قال:((إنما الطاعة في المعروف)) [(4)] أي: الذي ليس بمنكر، أما هذا فإنه منكر، إذاً إذا أمر بالمعصية فإنه لا سمع له ولا طاعة.
مسألة: في بعض البلاد الإسلامية لا يمكن أن يدخل الإنسان الجيش حتى يحلق لحيته فيأمرونه بحلق اللحية، فهل يلزمه طاعتهم؟.
الجواب: لا، بل يقول وبكل صراحة: لا سمع ولا طاعة، ولا أوافقك على معصية الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: ((أعفوا اللحى)) [(5)]، وأنت تقول: احلقوا اللحى! فهذا مصادمة فلا قبول.
وليت أن الجيوش في البلاد الإسلامية تتفق على هذا وتمانع، لكن مشكلتنا أن أكثرهم لا يهتم بمثل هذه الأمور فيبقى الإنسان منفرداً إذا أراد أن يمتنع عن المعصية، وحينئذ تبقى المسألة مشكلة، ولكن لو أن الجيش كله قال: نحن لا نطيعك في معصية الله وصمموا على هذا، لم يستطع الضابط ولا من فوق الضابط أن يجبرهم على ذلك، لكن مشكلتنا التخاذل، وعدم الاهتمام بمثل هذه الأمور، والناس يتهاونون في هذه المعصية، ولا يهتمون بعظمة من عصوه، ولا يرون أن الإصرار على الصغيرة يكون كبيرة، ولا يرون أن المعاصي سبب للفشل والهزيمة؛ لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ولم يقل: وللمسلمين، لأن الإيمان أخص من الإسلام، فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمناً، قال تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14] .
فالمعصية سبب الهزيمة، ولا أدل على ذلك من جيش هُزم بمعصية، مع أنه أفضل جيش مشى على الأرض منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة، وهم الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وقائدهم محمد صلّى الله عليه وسلّم في غزوة أحد، قال الله تعالى فيهم: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 152] ، أي: حصلت الهزيمة بسبب هذه المعصية، وهي معصية واحدة، مع أنها معصية كان فيها نوع من التأويل؛ لأنهم لما رأوا انهزام المشركين، وأن المسلمين بدأوا يجمعون الغنائم ظنوا أن الأمر انتهى، فنزلوا من المكان الذي جعلهم النبي صلّى الله عليه وسلّم فيه حتى جاء المشركون من الخلف وحصل ما حصل.
إذاً يلزم الجيش طاعته بشرط ألا يأمر بمعصية الله، فإن أمر بمعصية الله فلا سمع له ولا طاعة، وإذا قلنا: لا سمع له ولا طاعة، فهل المعنى لا سمع له ولا طاعة مطلقاً، أو في هذه المعصية التي أمر بها؟.
الجواب: الثاني هو المراد.
قوله: «والصبر معه» أي: يلزم الصبر معه، وألاّ نتخاذل وننصرف؛ لأن في هذا كسراً لقلوب المسلمين، وإعزازاً لقلوب الكافرين، فالواجب أن نصبر، وهذا في غير ما إذا تقابل الصفَّان، فإن تقابل الصفان؛ فالتولي من كبائر الذنوب.

وَلاَ يَجُوزُ الغَزوُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِلاَّ أَنْ يَفْجَأَهُمْ عَدُوٌّ يَخَافُونَ كَلَبَهُ
قوله: «ولا يجوز الغزو إلا بإذنه إلا أن يفجأهم عدو يخافون كَلَبَه» أي: لا يجوز غزو الجيش إلا بإذن الإمام مهما كان الأمر؛ لأن المخاطب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمور، وليس أفراد الناس، فأفراد الناس تبع لأهل الحل والعقد، فلا يجوز لأحد أن يغزو دون إذن الإمام إلاّ على سبيل الدفاع، وإذا فاجأهم عدو يخافون كلَبه فحينئذ لهم أن يدافعوا عن أنفسهم لتعين القتال إذاً.
وإنما لم يجز ذلك؛ لأن الأمر منوط بالإمام، فالغزو بلا إذنه افتيات وتعدٍّ على حدوده، ولأنه لو جاز للناس أن يغزوا بدون إذن الإمام لأصبحت المسألة فوضى، كل من شاء ركب فرسه وغزا، ولأنه لو مكن الناس من ذلك لحصلت مفاسد عظيمة، فقد تتجهز طائفة من الناس على أنهم يريدون العدو، وهم يريدون الخروج على الإمام، أو يريدون البغي على طائفة من الناس، كما قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] ، فلهذه الأمور الثلاثة ولغيرها ـ أيضاً ـ لا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام.
وقوله: «إلا أن يفجأهم عدو يخافون كلَبه» أي: شره وأذاه.
قال في الروض[(6)]: ((ويجوز تبييت الكفار)) أي: مباغتتهم بالليل، ولكن هذا مشروط بأن يقدم الدعوة لهم، فإذا دعاهم ولم يستجيبوا فإنه لا بأس أن يباغتهم، ويدعوهم إلى أمور ثلاثة:
الأول: الإسلام.
الثاني: الجزية.
الثالث: فإن أبوا فالقتال.
هكذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يبعث البعوث على هذا الأساس[(7)].
وقال: ((ورميهم بالمنجنيق)) والمنجيق بمنزلة المدفع عندنا، وكانوا في الأول يضعون المنجنيق بين خشبتين وعليهما خشبة معترضة، وفيها حبال قوية، ثم يُجعل الحجر بحجم الرأس أو نحوه في شيء مقبب، ثم يأتي رجال أقوياء يشدونه ثم يطلقونه، وإذا انطلق الحجر انطلق بعيداً، فكانوا يستعملونه في الحروب، فيجوز أن يُرمى الكفار بالمنجنيق، وفي الوقت الحاضر لا يوجد منجنيق، لكن يوجد ما يقوم مقامه كالطائرات والمدافع والصواريخ وغيرها.
وقال: ((ولو قُتِلَ بلا قصد صبي ونحوه)) من المعلوم أننا إذا رميناهم بالمنجنيق فإنه سوفَ يُتلف من مرّ عليه من مقاتل وشيخ كبير لا يقاتل، وامرأة وصبي، لكن هذا لم يكن قصداً، وإذا لم يكن قصداً فلا بأس، أما تعمد قصف الصبيان والنساء ومن لا يقاتل فإن هذا حرام ولا يحل، لكن يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، وقد رمى الرسول صلّى الله عليه وسلّم: أهل الطائف بالمنجنيق[(8)]، فالسنة جاءت به، والقتال قد يحتاج إليه.
وقال: ((لا يجوز قتل صبي ولا امرأة وخنثى وراهب وشيخ فانٍ وزمن وأعمى لا رأي لهم ولم يقاتلوا أو يُحرضوا)) هؤلاء سبعة أجناسٍ لا يجوز قتلهم إلا بواحد من أمور ثلاثة:
الأول: أن يكون لهم رأي وتدبير، فإن بعض كبار الشيوخ ولو كان شيخاً فانياً لا يستطيع أن يتحرك، فإن عنده من الرأي والتدبير ما ليس عند الشاب المقاتل.
الثاني: إذا قاتلوا كما لو اشترك النساء في القتال فإنهم يقتلن.
الثالث: إذا حرَّضوا المقاتلين على القتال وصاروا يغرونهم بأن افعلوا كذا، اضربوا كذا إلى آخره، فإنهم يقتلون؛ لأن لهم تأثيراً في القتال.
وقال: ((ويكونون أرقاء بسبي)) أي هؤلاء السبعة يكونون أرقاء بسبي، والباء للسببية، أي: بمجرد أخذهم يكونون أرقاء في الحال، ولا يخير فيهم الإمام، وإذا كانوا أرقاء صاروا تبع الغنيمة؛ لأنهم صاروا مماليك، فإذا كانوا مماليك صاروا كجملة المال الآخر يضافون إلى الغنيمة.
وأما إذا سبي البالغ المقاتل، فإن الإمام يخير فيه بين أمور أربعة:
إما القتل، وإما أخذ الفداء، وإما الاسترقاق، وإما المنُّ بدون شيء.
والفداء قد يكون بمال أو منفعة أو أسير مسلم، فمثلاً: لو أننا أسرنا أحد المقاتلين نأتي به للإمام، والإمام إن شاء قتله، وإن شاء مَنَّ عليه مجاناً، وقال له: اذهب إلى أهلك، وإن شاء استرقه، أي جعله رقيقاً، وإن شاء طلب الفدية منه إما مالاً وإما منفعة وإما بأسير مسلم.
وهذه التخييرات الأربعة هل هي حسب اختيار الإمام أو حسب المصلحة؟.
الجواب: حسب المصلحة؛ لأن القاعدة الشرعية أن كل من يتصرف لغيره إذا خيِّر بين شيئين فإن تخييره للمصلحة وليس للتشهي، أما من لا يتصرف لغيره فإذا خير بين شيئين فهو للتشهي، إن شاء كذا وإن شاء كذا، ولهذا نقول في كفارة اليمين: يخير بين إطعام، وكسوة، وعتق رقبة، فهل ينظر للمصلحة أو يفعل ما شاء؟.
الجواب: يفعل ما شاء؛ لأن هذا التخيير للإرفاق بالمكلف فيختار ما يشاء.



[1] أخرجه البخاري في المناقب/ باب علامات النبوة في الإسلام (3603)؛ ومسلم في المغازي/ باب وجوب الوفاء ببيعة الخليفة الأول فالأول (1843)، عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ.
[2] أخرجه البخاري في المغازي/ باب سرية عبد الله بن حذافة... (4340)؛ ومسلم في الإمارة/ باب وجوب طاعة الأمراء... (1840) عن علي ـ رضي الله عنه ـ.
[3] أخرجه البخاري في الأدب/ باب ما ينهى من السباب واللعن (6047)؛ ومسلم في الإيمان/ باب بيان غلظة تحريم قتل الإنسان نفسه (110)، عن ثابت بن الضحاك ـ رضي الله عنه ـ.
[4] أخرجه البخاري في الأحكام/ باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية (7145)؛ ومسلم في الإمارة/ باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية (1840)، عن علي ـ رضي الله عنه ـ.
[5] أخرجه البخاري في اللباس/ باب إعفاء اللحى (5893)؛ ومسلم في الطهارة/ باب خصال الفطرة (259) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ.
[6] «الروض مع حاشية ابن قاسم» (4/269).
[7] أخرجه مسلم في الجهاد/ باب تأمير الإمام الأمراء على الجيوش (1731) عن بريدة ـ رضي الله عنه ـ.
[8] أخرجه أبو داود في «المراسيل» (335) عن مكحول مرسلاً، ووصله العقيلي في «الضعفاء» (2/244) عن علي ـ رضي الله عنه ـ، وإسناده ضعيف كما قال الحافظ في «البلوغ» (1282).


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الإمام, يتفقد

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:18 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir