دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > كتاب الصيام

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 02:12 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب الصوم في السفر

_ بَابُ الصَّوْمِ في السَّفَرِ وغَيْرِهِ

عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنهَا، أَنَّ حَمْزَةَ بنَ عَمْرٍو الأسْلَمِيَّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ للنَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: أَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ - وَكانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ- قالَ: ((إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأفْطِرْ)).
عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فَلَمْ يَعِب الصَّائِمُ عَلَى المُفْطِرِ، وَلاَ المُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ.
عن أبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في شَهْرِ رَمَضَانَ، في حَرٍّ شَدِيدٍ، حتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ يَدَهُ على رَأْسِهِ مِن شِدَّةِ الحرِّ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلاَّ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَوَاحَةَ )).
عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلاً قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فقالَ: ((مَا هَذَا؟)) قَالُوا: صَائِمٌ، قَالَ: ((لَيْسَ مِن الْبِرِّ الصَّوْمُ في السَّفَرِ)).
ولِمسلمٍ: ((عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ)).
وعن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: ((كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في السَّفَرِ، فَمِنَّا الصَّائِمُ، وَمِنَّا المُفْطِرُ، قالَ: فَنَزَلْنا مَنْزِلاً في يَوْمٍ حارٍّ، وَأَكْثَرُنَا ظِلاً صَاحِبُ الْكِسَاءِ، فَمِنَّا مَن يَتَّقِي الشَّمْسَ بِيَدِه، قالَ: فَسَقَطَ الصُّوَّامُ، وَقَامَ المُفْطِرُونَ فَضَرَبُوا الأَبْنِيَةَ، وَسَقَوا الرِّكَابَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: ((ذَهَبَ المُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ)).

  #2  
قديم 13 ذو القعدة 1429هـ/11-11-2008م, 11:40 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الثاني: التصحيح اللغوي)

قولُه : ((الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ)) .
هو على حذْفِ همزةِ الاستفهامِ .
قولُه : هذان يومان نهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صيامِهما .
يومٌ هو بالرفْعِ على أنه خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ أي أحدُهما أو أوَّلُهما وحُذِفَ لدلالةِ الآخَرِ عليه لأن الآخَرَ لا يُستعمَلُ إلا بعدَ أوَّلٍ .

  #3  
قديم 13 ذو القعدة 1429هـ/11-11-2008م, 11:42 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

بابُ الصومِ في السفرِ

الْحَدِيثُ الثمانونَ بَعْدَ الْمِائَةِ
عنْ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهَا، ((أَنَّ حَمْزَةَ بنَ عَمْرٍو الأسْلَمِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ للنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَصُومُ فِي السَّفَرِ؟- وَكانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ- قالَ: ((إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأفْطِرْ)).


الْحَدِيثُ الحادي والثمانونَ بَعْدَ الْمِائَةِ
وعنْ أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: ((كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَعِب الصَّائِمُ عَلَى المُفْطِرِ، وَلَا المُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ)).


الْحَدِيثُ الثاني والثمانونَ بَعْدَ الْمِائَةِ
عنْ أبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: ((خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شَهْرِ رَمَضَانَ، في حَرٍّ شَدِيدٍ، حتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ يَدَهُ على رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الحرِّ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بنُ رَوَاحَةَ)).

فِيهِ مَسَائِلُ من الأحاديثِ الثلاثةِ:
الأُولَى: الرُّخْصَةُ في الفطرِ في السفرِ؛ لأنَّهُ مَظِنَّةُ المَشَقَّةِ.
الثَّانِيَةُ: جوازُ الصيامِ للمُطِيقِ، فقدْ أَقَرَّ الشارعُ كُلًّا من الصائمِ والمُفْطِرِ.


الْحَدِيثُ الثالثُ والثمانونَ بَعْدَ الْمِائَةِ
عنْ جابرِ بنِ عبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عنهُمَا قالَ: ((كانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فقالَ: ((مَا هَذَا؟)) قَالُوا: صَائِمٌ، قَالَ: ((لَيْسَ مِن الْبِرِّ الصُّوْمُ في السَّفَرِ)).
ولِمسلمٍ: ((عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: جوازُ الصيامِ في السفرِ وجوازُ الأخذِ برخصةِ الفطرِ وهوَ أفضلُ.
الثَّانِيَةُ: أنَّ الصيامَ في السفرِ ليسَ من البِرِّ الذي يُثَابُ عَلَيْهِ الصائمُ، وإنما يَجْزِي الصيامُ عنْ صاحبِهِ ويسقُطُ الواجبُ.



الْحَدِيثُ الرابعُ والثمانونَ بَعْدَ الْمِائَةِ
وعنْ أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: ((كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السَّفَرِ، فَمِنَّا الصَّائِمُ، وَمِنَّا المُفْطِرُ، قالَ: فَنَزَلْنا مَنْزِلًا في يَوْمٍ حارٍّ، وَأَكْثَرُنَا ظِلًا صَاحِبُ الْكِسَاءِ، فَمِنَّا مَنْ يَتَّقِي الشَّمْسَ بِيَدِه، قالَ: فَسَقَطَ الصُّوَّامُ، وَقَامَ المُفْطِرُونَ فَضَرَبُوا الأَبْنِيَةَ، وَسَقَوا الرِّكَابَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ذَهَبَ المُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: جوازُ الصومِ والفطرِ في السفرِ، والفطرُ أَفْضَلُ لا سِيَّمَا عندَ المصلحةِ.
الثَّانِيَةُ: ما عَلَيْهِ الصحابةُ رَضِيَ اللَّهُ عنهم منْ رقَّةِ الحالِ في الدنيا، ولم يَمْنَعْهُم منْ ركوبِ الصِّعابِ في الجهادِ في سبيلِ اللَّهِ تَعَالَى.
الثَّالِثَةُ: فضلُ خدمةِ الصَّحْبِ في السفرِ، وأنَّها من الدينِ والشهامةِ والنجدةِ.
الرَّابِعَةُ: حثُّ الإسلامِ على العملِ ونَعْيُهُ على الخمولِ والكسلِ.

  #4  
قديم 13 ذو القعدة 1429هـ/11-11-2008م, 11:47 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

بابُ الصَّومِ في السَّفرِ وغيرِه
جاءت هذه الشَّريعةُ بالأحكامِ المُيسَّرَةِ السَّمْحَةِ تحقيقاً لقولِه تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وقولِه: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).
فلما كان السَّفرُ غالباً فيه مشقَّةٌ وصعوبةٌ، وأنه قطعةٌ من العذابِ، خُفِّفَ فيه.
ومن تلك التخفيفاتِ الرُّخصةُ في الفِطرِ في نهارِ رمضانَ.
وهي رخصةٌ مستحبَّةٌ؛ لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ)).
وهي رخصةٌ، تعُمُّ الذي ينالُهُ بالسفرِ مشقَّةٌ، وغيرُه ممَّن تكونُ أسفارُهم راحةً ومتعةً؛ لأن الحُكْمَ للغالبِ.
وبمثلِ هذه الأحكامِ اللَّطِيفَةِ نعلمُ مَدَى ما تُراعيه هذه الشَّريعةُ الكريمةُ من تخفيفٍ ورحمةٍ ومُلاءمةٍ للأوقاتِ والظُّروفِ، ومطالبةِ النَّاسِ بقدرِ ما يستطيعونَ.
رَضِينا باللهِ ربًّا، وبالإسلامِ ديناً، وبمحمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبيًّا.
الحديثُ الحادي والثمانونَ بعدَ المائةِ
عن عائشةَ رَضِي اللهُ عَنْهُا، أنَّ حمزةَ بنَ عمرٍو الأسْلَميَّ قال للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَأَصُومُ فِي السَّفرِ؟ – وَكانَ كَثِيرَ الصِّيَام ِ-
قال: ((إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأفْطِرْ)) .
(181) المعنَى الإجماليُّ:
علِمَ الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عَنْهُم أن الشَّارعَ الرَّحيمَ، ما رخَّصَ في الفطرِ في السَّفرِ إلا رحمةً بهم وإشفاقاً عليهم.
فكان حمزةُ الأسلميُّ عندَه جَلَدٌ وقوَّةٌ على الصِّيامِ، وكان محِبًّا للخيْرِ، كثيرَ الصِّيامِ رَضِي اللهُ عَنْهُ .
فَسَألَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أيصومُ في السَّفرِ؟.
فخيَّرَه النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الصِّيامِ والفطرِ، فقال : ((إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ)).
ما يُؤْخَذُ من الحديثِ:
1ـ الرُّخصةُ في الفطرِ في السَّفرِ؛ لأنه مظِنَّةُ المشقَّةِ.
2ـ التَّخْييرُ بين الصِّيامِ والفطرِ، لمن عندَه قوَّةٌ على الصِّيامِ. والمرادُ بذلك صومُ رمضانَ، ويُوَضِّحُه ما أخرجه أبو داودَ والحاكمُ من أن حمزةَ بْنَ عمرٍو قال : ((يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي صَاحِبُ ظَهْرٍ أُعَالِجُهُ أُسَافِرُ عَلَيْهِ ، وَأَكْرِيهِ ، وَإِنَّهُ رُبَّمَا صَادَفَنِي هَذَا الشَّهْرُ - يَعْنِي رَمَضَانَ - وَأَنَا أَجِدُ الْقُوَّةَ ، وَأَنَا شَابٌّ ، وَأَجِدُ بِأَنْ أَصُومَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ أَنْ أُؤَخِّرَهُ ، فَيَكُونَ دَيْنًا أَفَأَصُومُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْظَمُ لِأَجْرِي أَوْ أُفْطِرُ ، قَالَ: أَيَّ ذَلِكَ شِئْتَ يَا حَمْزَةُ )).

الحديث ُالثاني والثمانونَ بعدَ المائةِ
عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ قال: كُنَا نُسَافِرُ مَعَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى المُفْطِرِ، وَلاَ المُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ .
(182) المعنَى الإجماليُّ:
كان الصَّحابةُ يسافرونَ مع النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فيُفْطِرُ بعضُهم، ويصومُ بعضُهم، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقِرُّهم على ذلك؛ لأن الصِّيامَ هو الأصلُ ، والفِطرَ رخصةٌ، والرُّخصةُ ليس في ترْكِها إنكارٌ، ولذا فإنه لا يَعيبُ بعضُهم على بعضٍ في الصِّيامِ أو الفطرِ.
ما يُؤْخَذُ من الحديثِ:
1ـ جَوازُ الفطرِ في السَّفرِ.
2ـ إقرارُ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابَه على الصِّيامِ والفطرِ في السَّفرِ، مما يدلُّ على إباحةِ الأمريْنِ.

الحديثُ الثالثُ والثمانونَ بعدَ المائةِ
عن أبي الدَّرْدَاءِ رَضِي اللهُ عَنْهُ قال: خَرَجْنَا معَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شهرِ رَمَضَانَ، في حَرٍّ شَدِيدٍ، حتَّى إنْ كان أَحَدُنَا لَيَضَعُ يَدَهُ على رأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الحرِّ، وما فينا صائِمٌ إلا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعبدُ اللهِ بنِ رَوَاحَةَ .
(183) المعنَى الإجماليُّ:
خرجَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأصحابِه في رمضانَ، في أيَّامٍ شديدةِ الحرِّ.
فمن شدَّةِ الحرِّ، لم يَصُمْ منهم إلا النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وعبدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ الأنصاريُّ رَضِي اللهُ عَنْهُ .
فهما تحمَّلا الشِّدَّةَ وصاما، ممَّا يدلُّ على جَوازِ الصِّيامِ في السَّفرِ ، وإن كان ذلك مع المشقَّةِ التي لا تصلُ إلى حدِّ التَّهلُكةِ.

الحديثُ الرابعُ والثمانونَ بعدَ المائةِ
عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِي اللهُ عَنْهُ قال: كان رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَاماً وَرَجُلاً قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فقالَ: ((مَا هَذَا؟)) قالُوا: صَائِمٌ، قَالَ: ((لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصيامُ في السَّفَرِ)) .
وفي لفظٍ لمسلمٍ: ((عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ)).
(184) المعنَى الإجماليُّ:
كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أحدِ أسفارِه، فرأى النَّاسَ متزاحمينَ , ورجُلاً قد ظُلِّلَ عليه، فسأَلهم عن أمرِه. فقالوا: إنه صائمٌ ، وبلغَ به الظَّمأُ هذا الحدَّ.
فقال الرَّحيمُ الكريمُ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الصِّيامَ فِي السَّفَرِ لَيْسَ مِنَ البِرِّ، ولكنْ عليكم برُخْصةِ اللهِ التي رخَّصَ لكم،
فهو لم يُرِدْ منكم بِعِبَادَتِه تعذيبَ أنفسِكُم.
ما يُؤْخَذُ من الحديثِ:
1ـ جَوازُ الصِّيامِ في السَّفرِ، وجوازُ الأخذِ بالرُّخصةِ بالفِطرِ.
2ـ أن الصِّيامَ في السَّفرِ ليس بِرًّا، وإنما يُجْزِئُ ، ويُسْقِطُ الواجبَ.
3ـ أن الأفضلَ إتيانُ رُخَصِ اللهِ تعالى، التي خَفَّفَ بها على عبادِه.
اختلافُ العلماءِ :
اختلفَ العُلماءُ في صومِ رمضانَ في السَّفرِ.
فشدَّدَ بعضُ السَّلفِ، كالزُّهْرِيِّ ، والنَّخَعِيِّ، وذهبوا إلى أن صيامَ المسافرِ لا يُجزئُ عنه، وهو مرويٌّ عن عبدِ الرَّحمنِ بْنِ عوفٍ، وأبِي هُريرةَ، وابنِ عمرَ، وهو مذْهبُ الظَّاهريةِ.
وذهب جماهيرُ العلماءِ، ومنهم الأَئِمَّةُ الأربعةُ، إلى جَوازِ الصِّيامِ والفِطرِ.
واحتجَّ الأوَّلونَ بقولِه تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).
ووجهُه: أن اللهَ لم يَفْرِضِ الصَّومَ إلا على مَن شَهِدَهُ، وَفَرَضَ على المريضِ والمُسافِرِ في أيَّامٍ أُخَرَ.
وما رواهُ مسلمٌ عن جابرٍ: أن النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عامَ الفتحِ في رمضانَ، فصامَ حتَّى بلغَ كُرَاعَ الغَمِيمِ، فصامَ النَّاسُ، ثم دعا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ، ثُمَّ شَرِبَ، فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ، فَقَالَ: ((أَولَئِكَ الْعُصَاةُ، أَولَئِكَ الْعُصَاةُ)). فَنَسَخَ قولُه: ((أَولَئِكَ الْعُصَاةُ)) لصيامِه.
وما رواه الْبُخَارِيُّ عن جابرٍ: ((لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيامُ فِي السَّفَرِ)).
واحتجَّ الجمهورُ بحُجَجٍ قوِيَّةٍ، منها أحاديثُ البابِ.
الأوَّلُ: حديثُ حمزةَ الأسلميِّ: ((إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ)).
والثاني: حديثُ أنسٍ: ((كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ , ولاَ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ)).
والثالثُ: حديثُ أبي الدَّرداءِ، فيه صيامُ رسولِ اللهِ ، وعبدِ اللهِ بْنِ رواحةَ.
وأجابوا عن أدلَّةِ الأوَّلينَ بما يأتي:
أمَّا الآيةُ: فالذي أُنْزِلت عليه، صامَ بعدَ نُزولِها، وهو أعلمُ الخلْقِ بمعناها ، فَيَتَحَتَّمُ أنَّ معناها غيرُ ما ذكرْتُم.
وأكثرُ العلماءِ ذكروا أن فيها مُقَدَّراً، تقديرُه [فَأَفْطَرَ].
أما قولُه: ((أُولَئِكَ الْعُصَاةُ)). فهي واقعةُ عينٍ لأُناسٍ شقَّ عليهم الصِّيامُ، فأفطرَ هو عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ليَقْتَدُوا به، فلم يفعلوا فقال: ((أُولَئِكَ الْعُصَاةُ)) لعدمِ اقتدائِهم به عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ.
وأمَّا حديثُ: ((لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيامُ فِي السَّفَرِ)). فمعناه أن الصِّيامَ في السَّفرِ ليس من البِرِّ الذي يُتَسابقُ إليه، ويُتنافَسُ فيه.
فقد يكونُ الفطرُ أفضلَ منه، إذا كان هناك مشقَّةٌ، أو كان الفطرُ يساعدُ على الجهادِ، واللهُ يُحبُّ أن تُؤْتَى رُخَصُهُ، كما يَكْرَهُ أن تُؤْتَى معاصِيه.
والجمهورُ الذين يَرَوْنَ جَوازَ الصِّيامِ في السَّفرِ اختلفوا، أيُّهُما أفضلُ، الصِّيامُ أم الفطرُ؟
فذهب الأَئِمَّةُ الثَّلاثةُ: أبو حنيفةَ، ومالكٌ، والشَّافعيُّ إلى أن الصَّومَ أفضلُ لمَن لا يلْحَقُه مشقَّةٌ.
وذهب الإمامُ أحمدُ إلى أن الفِطرَ في رمضانَ أفضلُ ، ولو لم يلحقِ الصَّائمَ مشقَّةٌ.
ويقولُ باستحبابِ الفطرِ أيضاً سعيدُ بْنُ المسيِّبِ، والأوْزَاعيُّ , وإسحاقُ.
استدلَّ الأئِمَّةُ الثّلاثةُ بأحاديثَ:
منها ما رواه أبو داودَ عن سلمةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ، عن النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
((مَنْ كَانَتْ لَهُ حُمُولَةٌ يَأْوِي إِلَى شِبَعٍ، فَلْيَصُمْ رَمَضَانَ حَيْثُ أَدْرَكَهُ)).
وَ[الْحُمُولَةُ] بالضمِّ، : الأحمالُ التي يسافرُ بها صاحبُها.
أمَّا أدلةُ الحنابلِة فمنها حديثُ ((لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيامُ فِي السَّفَرِ)). متَّفَقٌ عليه.
وحديثُ: ((إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ)).
فائِدَةٌ:
أما مقدارُ السَّفرِ الذي يُباحُ في الفطرِ وقَصْرِ الصَّلاةِ، فقد اختلفَ العُلماءُ في تحديدِه.
والصَّحيحُ أنه لا يُقَيَّدُ بهذه التَّحديداتِ التي ذكروها؛ لأنه لم يَرِدْ فيه شيءٌ عن الشَّارعِ.
فالمُشرِّعُ أطلقَ السَّفرَ، فَنُطْلِقُه كما أطلقه.
فما عُدَّ سفراً، أُبيحَ فيه الرُّخَصُ السَّفريَّةُ، وتقدَّمَ بأبسطَ مِن هذا في [صلاةِ أهلِ الأعذارِ].

الحديثُ الخامسُ والثمانونَ بعدَ المائةِ
عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: كُنَّا مَعَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفَرٍ، فَمِنَّا الصَّائِمُ، وَمِنَّا المُفْطِرُ.
قال: فَنَزَلْنا مَنْزِلاً في يَوْمٍ حارٍّ، وَأَكْثَرُنَا ظِلاًّ صَاحِبُ الْكِسَاءِ، فَمِنَّا مَنْ يَتَّقِي الشَّمْسَ بِيَدِه.
قالَ: فَسَقَطَ الصُّوَّمُ، وَقَامَ المُفْطِرُونَ فَضَرَبُوا الأَبْنِيَةَ، وَسَقَوُا الرِّكَابَ.
فقال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ذَهَبَ المُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ)) .
(185) المعنَى الإجماليُّ:
كان الصَّحابةُ مع النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أحدِ أسفارِه، فبعضُهم مُفطرٌ، وبعضُهم صائمٌ.
والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقِرُّ كلاًّ منهم على حالِه.
فنزلوا في يومٍ حارٍّ ليستريحوا من عناءِ السَّفرِ وحرِّ الهاجرَةِ.
وكانوا رَضِي اللهُ عَنْهُم مُتَقَشِّفينَ، لا يجدُ أكثرُهم ما يُظِلُّه عن الشَّمسِ، إلا أن يضعَ يدَه على رأسِه ، أو أن يضعَ كِساءَه فوقَ عودٍ أو شجرةٍ فيستظلَّ به.
فلما نزلوا في هذه الهاجرةِ ، سقَط الصَّائمونَ من الحرِّ والظمإِ ، فلم يستطيعوا العملَ.
وقام المُفطرونَ، فضربوا الأبنيةَ بنصبِ الخيامِ والأَخْبِيَةِ، وسَقَوُا الإبلَ، وخدَموا إخوانَهم الصَّائمينَ.
فلمَّا رأى النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعلَهم ، وما قاموا به من خدمَةِ الجيشِ شجَّعهم، وبيَّن فَضْلَهم ، وقال: ((ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ)).
ما يُؤْخَذُ من الحديثِ:
1ـ جَوازُ الإفطارِ والصِّيامِ في السَّفرِ؛ لأن النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقرَّ كلاًّ على ما هو عليه.
2ـ ما كان عليه الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عَنْهُم من رقَّةِ الحالِ في الدُّنيا، ومع ذلك لم تمنعْهم رقَّةُ الحالِ من ارتكابِ الصِّعابِ في الجهادِ في سبيلِ اللهِ تعالى.
3ـ فضلُ خدمةِ الإخوانِِ والأهلِ، وأنها من الدِّينِ ومن الرُّجولةِ التي سَبَقَنَا فيها صفوةُ هذه الأُمَّةِ، خلافاً لفعلِ كثيرٍ من المترفِّعينَ المتكبِّرينَ.
4ـ أن الفطرَ في السَّفرِ أفضلُ، لا سِيَّما إذا اقترن بذلك مصلحةٌ من التَّقَوِّي على الأعداءِ ونحوِه؛ فإن فائدةَ الإفطارِ في مثلِ ذلك اليومِ ؛ فإنها تتعدَّى المُفْطِرَ إلى غيرِه، ومن هنا كان الإفطارُ أولى.
5ـ حثُّ الإسلامِ على العملِ وترْكِ الكسلِ، فقد جعل للعاملِ نصيباً كبيراً من الأجْرِ، وفضَّلَه على المنقطعِ للعبادَةِ.
وأين هذه من النَّاعِقينَ الذين يروْنه دِيناً عائقاً عن العملِ والتَّقدُّمِ والرُّقيِّ؟! قَبَّحَهُم اللهُ ، فإنهم يَهْرِفُونَ بما لا يعرِفونَ.

  #5  
قديم 13 ذو القعدة 1429هـ/11-11-2008م, 11:49 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

بابُ الصَّومِ فِي السَّفرِ

186 - الحديثُ الأوَّلُ: عن عائشةَ، رضيَ اللهُ عنهَا: أنَّ حمزَةَ بنَ عمرٍو الأسلميَّ قال للنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ - وكان كَثِيرَ الصَّيَامِ - فقالَ: ((إنْ شِئْتَ فَصُمْ، وإِنْ شِئْتَ فأفْطِرْ)).
وَفِي الحديثِ دليلٌ على التَّخييرِ بينَ الصَّومِ والفطْرِ فِي السَّفرِ، وليسَ فيهِ تصريحٌ بأنهُ صومُ رمضانَ. ورَّبما استدَلَّ بهِ من يُجِيزُ صومَ رمضانَ فِي السَّفرِ، فمنعوا الدّلالةَ من حيثُ ما ذكرناهُ من عدمِ الدلالةِ على كونهِ صومَ رمضانَ.

187 - الحديثُ الثاني: عنْ أَنسِ بنِ مالكٍ، رضيَ اللهُ عنهُ، قالَ: كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى المُفْطِرِ، وَلاَ المُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ.
وهذَا أقربُ فِي الدّلالةِ على جوازِ صومِ رمضانَ فِي السَّفرِ، من حيثُ إنه جعَلَ الصومَ فِي السَّفرِ بفَرْضِ كونه يعابُ على عدمهِ بقولهِ: فلم يَعِب الصائمُ على المفطرِ، ولا المفطرُ على الصَّائِمِ. وذلكَ إنَّما هو فِي الصَّومِ الواجبِ. وأما الصومُ المرسَلُ: فلا يناسبُ أن يُعابَ، ولا يحتاجُ إِلَى نفِي هذا الوَهمِ فيهِ.

188 - الحديثُ الثالثُ: عن أبي الدَّرداءِ، رضيَ اللهُ عنهُ، قالَ: خَرَجْنَا مَعَ رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، حَتَّى إِنْ كانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الحَرِّ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلاَّ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَوَاحَةَ.
وهذا تصريحٌ بأنَّ هذا الصَّومَ وقعَ فِي رمضانَ. ومذهبُ جمهورِ الفُقهاءِ: صحةُ صومِ المسافِر، والظاهريَّةُ خالفتْ فيهِ - أو بعضُهم - بناءً على ظاهرِ لفظِ القرآنِ من غيرِ اعتبارِهم للإضمارِ، وهذا الحديثُ يردُّ عليهم.

189 - الحديثُ الرَّابعُ: عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ، رضيَ اللهُ عنهمَا، قال: كانَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلاً قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: ((مَا هَذَا؟)) قالوا: صَائمٌ، قالَ: ((لَيْسَ مِنْ البِرِّ الصِّيامُ فِي السَّفَرِ)).
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: ((عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللهِ الَّتِى رَخَّصَ لَكُمْ)).
أُخِذَ من هذَا: أنَّ كراهةَ الصَّومِ فِي السَّفرِ لمنْ هوَ فِي مثلِ هذهِ الحالةِ، ممَّنْ يجهدُهُ الصَّومُ ويشقُّ عليهِ، أو يؤدِّي بهِ إِلَى ترْكِ ما هوَ أولَى من القرُباتِ. ويكونُ قولُه: ((ليسَ من البِرِّ الصيامُ فِي السَّفرِ)) منزَّلاً على مثلِ هذه الحالةِ، والظاهريَّةُ المانعونَ من الصَّومِ فِي السَّفرِ يقولونَ: إن الَّلفظَ عامٌّ. والعبرةُ بعمومِ اللَّفْظِ لا بخصوصِ السَّببِ. ويجبُ أنْ تَتنبَّهَ للفرقِ بينَ دلالةِ السِّياقِ والقَرائنِ الدَّالةِ على تخصيصِ العامِّ، وعلى مُرادِ المتكلِّمِ، وبينَ مُجرَّدِ ورودِ العامِّ على سببٍ، ولا تُجرِيهمَا مَجرىً واحدًا. فإنَّ مجرَّدَ ورودِ العامِّ على السَّببِ لا يقتضِي التخَصيصَ بهِ. كقولِه تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا) [المائدةِ: 38] بسببِ سرقةِ رداءِ صفوانَ، وأنهُ لا يقتضِي التخصيصَ بهِ بالضَّرورةِ والإجماعِ. أما السِّيَاقُ والقرائنُ: فإنهَا الدَّالةُ علَى مرادِ المتكلِّمِ من كلامِهِ، وهيَ المُرشِدةُ إِلَى بيانِ المُجمَلاتِ، وتعيينِ المحتملاتِ. فاضبطْ هذهِ القاعدَةَ، فإنها مفيدةٌ فِي مواضعَ لا تُحصَى. وانظرْ فِي قولِه عليه الصلاةُ و السلامُ: ((ليسَ مِنَ البرِّ الصِّيامُ فِي السَّفَرِ)) معَ حكايةِ هذهِ الحالةِ من أيِّ القَبيلَتين هو؟ فنزِّلْهُ عليه.

وقولُه: ((عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللهِ الّتِي رَخَّصُ لَكُمْ)) دليلٌ علَى أَنَّهُ يُستحِبُّ التَّمسُّكُ بالرُّخصةِ إذا دعت الحاجةُ إليهَا، ولاتُتركُ على وجهِ التشديدِ على النَّفسِ والتنطُّعِ والتَّعَمُّقِ.

190 - الحديثُ الخامسُ: عن أنسِ بنِ مالكٍ، رضيَ اللهُ عنهُ، قالَ: كُنِّا مَعَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ فَمِنَّا الصَّائِمُ، وَمِنَّا المُفْطِرُ، قالَ: فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فِي يَوْمٍ حَارٍّ، وَأَكْثَرُنَا ظِلاً: صَاحِبُ الكِسَاءِ، وَمِنِّا مَنْ يَتَّقِي الشَّمْسَ بِيَدِهِ، قالَ: فَسَقَطَ الصُّوَّامُ، وَقَامَ المفْطِرُونَ فَضَرَبُوا الأَبْنِيَةَ، وَسَقَوُا الرِّكابَ، فَقَالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ذَهَبَ المُفْطِرُونَ الْيَوْم بِالأَجْرِ)).

أمَّا قولُهُ: ((فمنَّا الصائمُ ومنَّا المفطرُ)) فدليلٌ على جوازِ الصَّومِ فِي السَّفرِ، ووجهُ الدّلالةِ: تقريرُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للصائمينَ على صومِهمْ.
وأما قولُه: ((ذهبَ المفطرونَ اليومَ بالأجرِ)) ففيهِ أمرانِ: أحدُهما: أنهُ إذا تعارضتِ المصالحُ، قُدِّمَ أولاها وأقواها. والثاني: أنَّ قولَه عليه الصلاةُ و السلامُ: ((ذهبَ المفطرونَ اليومَ بالأجرِ)) فيه وجهانِ: أحدُهما: أنْ يرادَ بالأَجْرِ، أجرُ تلكَ الأفعالِ التي فعلوهَا، والمصالَحِ التِي جرتْ على أيديِهمْ، ولا يُرادُ مطلقُ الأجرِ على سبيل ِ العمومِ. والثانِي: أن يكونَ أجرُهم قد بلغَ فِي الكثرةِ بالنَّسبةِ إِلَى أجرِ الصَّومِ مبلغًا ينغمرُ فيهِ أجرُ الصَّومِ فتحصُل المبالغةُ بسببِ ذلكَ، ويجعلُ كأنَّ الأجرَ كلَّه للمفطرِ، وهذا قريبٌ مِمَّا يقولُه بعضُ النَّاسِ فِي إحباطِ الأعمالِ الصَّالحةِ ببعضِ الكبائرِ، وأنَّ ثوابَ ذلكَ العملِ صارَ مغمورًا جدًّا بالنِّسبةِ إِلَى ما يحصُل من عقابِ الكبيرةِ، فكأنَّهُ كالمعدومِ المحبَطِ، وإن كانَ الصومُ ههنَا ليسَ من المُحبَطاتِ، ولكنَّ المقصودَ: التشبيهُ فِي أنَّ ما قلَّ جدًّا قد يجعلُ كالمعدومِ مبالغةً، وهذا قدْ يوجدُ مثلُه فِي التصرُّفاتِ الوجوديَّةِ، وأعمالِ الناسِ فِي مقابلتِهمْ حسناتِ من يفعلُ معهم منها شيئًا بسيئاتهِ، ويجعلُ اليسيرَ منها جدًّا كالمعدومِ بالنسبةِ إِلَى الإحسانِ والإساءةِ، كحجَامةِ الأبِ لوالدهِ فِي دفعِ المرضِ الأعظمِ عنهُ. فإنهُ يُعَدُّ مُحسِنًا مطلقًا، ولا يُعدُّ مسيئًا بالنِّسبةِ إِلَى إيلامِه بالحجامةِ، ليَسَارَةِ ذلكَ الأَلَمِ بالنِّسبَةِ إِلَى دفْعِ المرَضِ الشَّديدِ.

  #6  
قديم 13 ذو القعدة 1429هـ/11-11-2008م, 11:54 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

باب الصوم في السفر وغيره
- عن عائشة رضي الله عنها أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال النبي صلى الله عليه وسلم: أصوم في السفر؟ - وكان كثير الصيام – قال: إن شئت فصم، وإن شئت فافطر.
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم.
- وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حر شديد حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، ومافينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبدالله بن رواحة.
- وعن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه فقال: ماهذا؟ قالوا: صائم، قال: << ليس من البر الصوم في السفر>>.
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه،
أما بعد / فهذه الأحاديث الأربعة تتعلق بالصوم في السفر، وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما دل القرآن على أنه لا حرج في الصوم في السفر، ولا حرج في الإفطار، وأنه رخصة من الله عزوجل كما قال عز وجل: ( ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) يعني فأفطر فعليه عدة من أيام أخر، فالمسافر مخير، إن شاء صام وإن شاء أفطر، إلا إذا كان في الصوم شدة وحرج فالسنة له الإفطار، ويكره له الصوم لما فيه من المشقة لقوله صلى الله عليه وسلم: << ليس من البر الصوم في السفر >> ليس من البر الكامل الصوم في السفر وذلك لما رأى رجلا ظلل عليه واشتد عليه الزحام بسبب ما أصابه من الشدة، كره له الصوم عليه الصلاة والسلام، قال: ليس من البر، أي البر الكامل الصوم في السفر، ليس من البر الصوم في السفر إذا كان فيه مشقة، وجمعا بين الأحاديث الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
ولهذا في الحديث الأول، حديث حمزة بن عمرو الأسلمي قال له: إن شئت فصم وإن شئت فأفطر. وفي اللفظ الآخر: الفطر رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه.
وفي حديث أنس أنهم كانوا يسافرون مع النبي صلى الله عليه وسلم: فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم. وكان معهم النبي صلى الله عليه وسلم فربما أفطر وربما صام عليه الصلاة والسلام.
وفي حديث أبي الدرداء أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر، وكانوا مفطرين، ليس فيهم امرؤ صائم إلا الرسول صلى الله عليه وسلم وعبدالله ابن رواحة، وكان السفر شديدا، وهذا لعله كان أولا، قبل أن ينزل الوحي بكراهة الصوم في حال الشدة، يحمل حديث أبي الدرداء على أن هذا كان أولا، ثم أنزل الله التخفيف والتيسير والحث على الإفطار في السفر إذا كان فيه شدة لحديث جابر، وهذا هو الجمع بين الأخبار، إن كان هناك شدة كره الصوم وشرع الإفطار بتأكد قوله صلى الله عليه وسلم: ليس من البر الصوم في السفر، ليس من البر الكامل الصوم في السفر، أو ليس من البر الصوم في السفر إذا كان الوقت شديد الحرارة يشق على المؤمن، أما إذا كان الوقت ليس فيه شدة فالأمر بالخيار، إن شاء صام وإن شاء أفطر، والفرط أفضل بكل حال لعموم قوله: ليس من البر الصوم في السفر.
فالفطر أفضل لما فيه من قبول الرخصة، قال عليه الصلاة والسلام: إن الله يحب أن تؤتي رخصه، وقال في حديث حمزة بن عمرو من رواية مسلم: ورخصة من الله فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه، فدل على أن الصوم ليس فيه جناح، والفطر أفضل، ولأن الغالب على المسافر أن يتأثر بالصوم ويشق عليه حتى ولو كان في غير شدة الحر، فإذا أفطر فهو أفضل، وإن صام فلا حرج. أما مع الشدة ومع شدة الحر والتكلف فإنه يشرع له الفطر ويتأكد عليه الفطر.
وفق الله الجميع وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فمنا الصائم ومنا المفطر، قال: فنزلنا منزلا في يوم حار، وأكثرنا ظلا صاحب الكساء، فمنا من يتقي الشمس بيده، قال: فسقط الصوام وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسقوا الركاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذهب المفطرون اليوم بالأجر.
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان.
- وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: << من مات وعليه صيام صام عليه وليه >> وأخرجه أبو داود وقال: هذا في النذر خاصة، وهو قول أحمد بن حنبل رضي الله عنه.
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد / فهذه الأحاديث الثلاثة أحدها يتعلق بالصوم في السفر، وهو حديث أنس رضي الله عنه أنهم كانوا مع النبي في سفر عليه الصلاة والسلام فنزلوا منزلا في يوم حار شديد الحر، صائف، وأكثرهم ظلا صاحب الكساء، وفيهم الصائم وفيهم المفطر، قال: فسقط الصوام، أي ضعفوا وسقطوا في الأرض للراحة من شدة الحر، وقام المفطرون فضربوا الأبنية أي الخيام فسقوا الركاب وسقوا الإبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذهب المفطرون اليوم بالأجر.
هذا يدل على أفضلية الفطر في السفر، ولا سيما عند شدة الحر، فإنه أولى من الصوم، الرخصة ينبغي أن تقبل، فالله يقول سبحانه: ( ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) وقال عليه الصلاة والسلام: << ليس من البر الصوم في السفر >> بل الفطر أفضل، والله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته، فإذا اشتد الحر صار الفطر متأكدا حتى يقوم كل واحد بحاجته وبعمله وينشط في خدمة إخوانه.
أما إذا صام وأفطر غيره صار عبئا على إخوانه وصار مشقة عليهم لضعفه وعجزه، ولأنه في الحقيقة لم يقبل هذه الفرحة التي فيها نعم الله عليه و إحسانه إليه ورفقه به، فينبغي له أن يقبلها.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الصوم, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:41 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir