دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الجهاد

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 صفر 1430هـ/17-02-2009م, 04:55 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي يتفقد الإمام الجيش، وله أن ينفل من يغير، ويجب على الجيش طاعته، ولا يجوز الغزو إلا بإذنه

ويَتَفَقَّدُ الإمامُ جَيْشَه عندَ الْمَسيرِ، ويَمْنَعُ الْمُخَذِّلَ والْمُرْجِفَ، وله أن يُنَفِّلَ في بِدايتِه الربُعَ بعدَ الْخُمُسِ، وفي الرَّجْعَةِ الثلُثَ بعدَه، ويَلْزَمُ الجيشَ طاعتُه والصبرُ معَه , ولا يَجوزُ الغزوُ إلا بإذنِه ـ إلا أن يَفْجَأَهُمْ عَدُوٌّ يَخافونَ كَلَبَه.


  #2  
قديم 24 صفر 1430هـ/19-02-2009م, 03:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

....................

  #3  
قديم 24 صفر 1430هـ/19-02-2009م, 04:02 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

(ويَتَفَقَّدُ الإمامُ) وجوباً (جَيْشَه عندَ المسيرِ، ويَمْنَعُ) مَن لا يَصْلُحُ لحربٍ مِن رجالٍ وخيلٍ كـ (المُخَذِّلِ) الذي يُفَنِّدُ الناسَ عَن القتالِ ويُزَهِّدُهم فيه، (والمُرْجِفِ) كالذي يَقُولُ: هَلَكَت سَرِيَّةُ المُسلمِينَ وما لهم مَدَدٌ أًو طَاقَةٌ. وكذا مَن يُكَاتِبُ بأخبَارِنَا أو يَرْمِي بينَنا بفِتَنٍ. ويُعَرِّفُ الأميرُ عليهم العُرَفَاءَ، ويَعْقِدُ لهم الأَلْوِيَةَ والرَّاياتِ، ويَتَخَيَّرُ لهم المنازلَ، ويَحْفَظُ مَكَامِنَها، ويَبْعَثُ العيونَ ليَتَعَرَّفَ حالَ العدوِّ. (وله أن يُنْفِلَ)؛ أي: يُعْطِيَ زِيادةً على السَّهْمِ (في بدايَتِه)؛ أي: عندَ دُخُولِه أرضَ العدوِّ، ويَبْعَثُ سَرِيَّةً تُغِيرُ، ويَجْعَلُ لها (الرُّبُعَ) فأقلَّ (بعدَ الخُمْسِ وفي الرَّجْعَةِ)؛ أي: إذا رَجَعَ مِن أرضِ العدوِّ أو بَعَثَ سَرِيَّةً ويَجْعَلُ لها (الثُّلُثَ) فأقلَّ (بعدَه)؛ أي: بعدَ الخُمْسِ، ويَقْسِمُ الباقِيَ في الجيشِ كُلِّه لحديثِ حَبِيبِ بنِ مَسْلَمَةَ: (شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ نَفَّلَ الرُّبُعَ فِي البَدْأَةِ والثُّلُثَ فِي الرَّجْعَةِ) رواه أَبُو دَاوُدَ. (ويَلْزَمُ الجيشَ طاعَتُه) والنُّصحُ (والصبرُ معَه) لقولِه تَعَالَى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}. (ولا يَجُوزُ) التعلُّفُ والاحتطابُ و (الغَزْوُ إلا بإِذْنِه، إلا أنْ يَفْجَأَهُم عدوٌّ يَخَافُونَ كَلَبَه) بفتحِ اللامِ؛ أي: شرَّه وأذَاه؛ لأنَّ المصلحةَ تتَعَيَّنُ في قتالِه إذاً، ويَجُوزُ تبييتُ الكفَّارِ ورميُهم بالمَنْجَنِيقِ، ولو قُتِلَ بلا قصدٍ صَبِيٌّ ونحوُه، ولا يَجُوزُ قتلُ صبيٍّ ولا امرأةٍ وخُنْثَى وراهبٍ وشيخٍ فانٍ وزَمِنٍ وأَعْمَى لا رَأْيَ لهم ولم يُقَاتِلُوا أو يُحَرِّضُوا ويَكُونُونَ أَرِقَّاءَ بسَبْيٍ، والمَسْبِيُّ غيرُ بالغٍ مُنْفَرِداً أو معَ أحدِ أبوَيْهِ مُسلِمٌ، وإن أَسْلَمَ أو مَاتَ أحدُ أبَوَي غيرِ بالغٍ بدارِنا فمُسلِمٌ، وكغيرِ البالغِ مَن بَلَغَ مجنوناً.


  #4  
قديم 24 صفر 1430هـ/19-02-2009م, 04:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

(ويتفقد الإمام) وجوبا (جيشه عند المسير)([1]).
ويمنع من لا يصلح لحرب من رجال وخيل([2]) كـ (المخذل) الذي يفند الناس عن القتال، ويزهدهم فيه([3]).
(والمرجف) كالذي يقول: هلكت سرية المسلمين([4])
ومالهم مدد أو طاقة([5]) وكذا من يكاتب بأخبارنا([6]) أو يرمي بيننا بفتن([7]).
ويعرف الأمير عليهم العرفاء([8]) ويعقد لهم الألوية والرايات([9]).
ويتخير لهم المنازل([10]) ويحفظ مكامنها([11]) ويبعث العيون، ليتعرف حال العـدو([12]) (وله أن ينفل) أي يعطي زيادة على السهم([13]).
(في بدايته) أي عند دخوله أرض العدو([14]) ويبعث سرية تغير، ويجعل لها (الربع) فأقل (بعد الخمس([15]) وفي الرجعة) أي إذا رجع من أرض العدو([16]) وبعث سرية([17]) ويجعل لها (الثلث) فأقل (بعده) أي بعد الخمس([18]).
ويقسم الباقي في الجيش كله([19]) لحديث حبيب بن مسلمة: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ((نفل الربع في البدأة، والثلث في الرجعة)) رواه أبو داود([20]) (ويلزم الجيش طاعته) ([21]) والنصح (والصبر معه) ([22]).
لقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} ([23]).
(ولا يجوز) التعلف والاحتطاب و (الغزو إلا بإذنه([24]) إلا أن يفجأهم عدو يخافون كلبه) بفتح اللام أي شره وأذاه([25]) لأن المصلحة تتعين في قتاله إذًا([26]) ويجوز تبييت الكفار([27]).
ورميهم بالمنجنيق([28]) ولو قتل بلا قصد صبيا ونحوه([29]).
ولا يجوز قتل صبي، ولا امرأة وخنثى، وراهب([30]) وشيخ فإن([31]) وزمن وأعمى لا رأي لهم([32]) ولم يقاتلوا أو يحرضوا([33]).
ويكونون أرقاء بسبي([34]).
والمسبي غير بالغ منفردًا أو مع أحد أبويه مسلم([35]) وإن أسلم أو مات أحد أبوي غير بالغ بدارنا فمسلم([36]) وكغير البالغ من بلغ مجنونًا([37])



([1]) فيعرض جيشه، ويتعاهد الخيل والرجال، ويلزم كل أحد من إمام ورعية
إخلاص النية لله تعالى في الطاعات كلها، من جهاد وغيره، لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، ويلزم كل أحد بذل وسعه في ذلك، ويستحب أن يدعو سرا بحضور قلب، وكان صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال: ((اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أحول، وبك أصول، وبك أقاتل)) رواه أبو داود.
([2]) كفرس حطيم، وشيخ هرم، ونحو ذلك، لكونه كلاًّ على الجيش، ومضيقًا عليهم، وربما كان سببًا للهزيمة.
([3]) كالقائل: الحر شديد، أو البرد شديد، والمشقة شديدة، أو لا تؤمن هزيمة الجيش، فلا يصحبهم ولو لضرورة، قال تعالى: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} .
([4]) وتشتت أمرهم، وضعفوا.
([5]) أي بالكفار، ونحو ذلك، ويحدث بقوة الكفار، وكثرتهم، وضعفنا وقلتنا، وغير ذلك، مما يوهن عزائم الجيش، ويفت في أعضادهم.
([6]) أي ويمنع أيضا من يكاتب بأخبارنا ويفشي أسرارنا.
([7]) ومعروف بنفاق وزندقـة، ويمنع صـبي لم يشتـد، ونسـاء إلا لمصـلحة.
ولا يغزى مع مخذل ومرجف، ومعروف بهزيمة، أو تضييع المسلمين، ويمنع جيشه من المعاصي والفساد، ويقدم الأقوى، لحديث ((إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر)) ويحرم أن يستعين بمشرك، اختاره الشيخ وغيره، وقال غير واحد: لا تختلف الرواية أنه لا يستعان بهم، لقوله ((ارجع فلن أستعين بمشرك)) رواه مسلم، ولأن الكافر لا يؤمن مكره وغائلته، لخبث طويته إلا لضرورة، لما روى الزهري أنه صلى الله عليه وسلم استعان بناس من المشركين في حرب خيبر، وشهد صفوان حنينًا.
والضرورة مثل كون الكفار أكثر عددًا أو يخاف منهم، وإن جوز اشترط أن يكون حسن الرأي في المسلمين، قال الشيخ: وتحرم الاستعانة بأهل الأهواء في شيء من أمور المسلمين، لأن فيه أعظم الضرر، ولأنهم دعاة بخلاف اليهود والنصارى، ويحرم أن يعينهم المسلمون على عدوهم إلا خوفا من شرهم، لقوله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ} الآية.
([8]) جمع عريف وهو القائم بأمر القبيلة أو الجماعة من الناس، كالمقدم عليهم ينظر في حالهم ويتفقدهم ، ويتعرف الأمير منه أحوالهم، لأنه صلى الله عليه وسلم جعل على كل عشرة عريفًا يوم خيبر، و«يعرف» بضم المثناة التحتية مضارع «عرف» المشدد ويؤمر في كل ناحية أميرًا يقلده أمر الحرب، وتدبير الجهاد، ويكون من له رأي، وعقل، وخبرة بالحرب ومكائد العدو، مع أمانة، ورفق بالمسلمين، ونصح لهم، ومدار القتال على قوة البدن وصنعته للقتال، وعلى قوة القلب وخبرته به.
([9]) اللواء هو العلم الذي يحمل في الحرب، يعرف به موضع صاحب الجيش، والراية بمعنى اللواء، وصرح جماعة بترادفهما، لكن روى أحمد والترمذي عن ابن عباس: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء، ولواؤه أبيض
وينبغي أن يغاير بين ألوانها ليعرف كل قوم رايتهم، ويجعل لكل طائفة شعارًا يتداعون به عند الحرب، قال سلمة: تمرونا مع أبي بكر،وشعارنا: أمت أمت.
([10]) أي أصلحها لهم كالخصبة، وأكثرها ماءً ومرعى.
([11]) جمع مكمن وهو المكان الذي يختفي فيه العدو، ليأمنوا هجوم العدو عليهم، ولا يغفل الحرس والطلائع، لئلا يأخذهم العدو بغتة.
([12]) ويتجسسون أخباره، ويكونون ممن لهم خبرة بالفجاج، لأنه صلى الله عليه وسلم بعث الزبير يوم الأحزاب، وحذيفة أيضا وغيرهما، وينبغي أن يبتدئ الإمام بترتيب قوم في أطراف البلاد، يكفون من بإزائهم، من المشركين، ويأمر بعمر حصونهم، وحفر خنادقهم، وجميع مصالحهم، لأن أهم الأمور الأمن، ويجوز أن يجعل مالا لمن يعمل ما فيه غناء، أو يدل على طريق، أو قلعة أو ماء ونحوه، وبلا شرط، ويعد الصابر في القتال بأجر ونفل، ويف الجيش، لقوله تعالى:{إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ }.
ولأن فيه ربط الجيش بعضه ببعض، ويجعل في كل جنبة كفوا، فقد جعل صلى الله عليه وسلم خالدا عن إحدى الجنبتين، والزبير على الأخرى، وأبا عبيدة على الساقة، ولأنه أحوط في الحرب، وأبلغ في إرهاب العدو.
([13]) أي المستحق مع سائر الجيوش، لعنايته، وقتاله، وغير ذلك، مأخوذ من النفل وهو الزيادة، ومنه نفل الصلاة، وجمهور العلماء على جوازه قال:
الشيخ: وعلى القول الصحيح أن يقول: من أخذ شيئا فهو له، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وكما قال ذلك في غزوة بدر، لمصلحة راجحة على المفسدة، وكل ما دل على الإذن كهو، وأما إذا لم يأذن، أو أذن إذنا غير جائر، فللإنسان أن يأخذ مقدار ما يصيبه بالقسمة، متحريا للعدل في ذلك.
ومن حرم على المسلمين جميع الغنائم، والحالة هذه، أو أباح للإمام أن يفعل فيها ما يشاء، فقد تقابل الطرفان، ودين الله وسط، واستمر فعله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده على قسمة الغنائم، والإذن قد يفضي إلى اشتغالهم بالنهب عن القتال، وظفر العدو بهم، ولأن الغزاة إذا اشتركوا في الغنيمة على سبيل التسوية فقسمتها بينهم هي العدل والإنصاف.
([14]) وذلك أنه إذا دخل أمير دار حرب، بعث سرية تغير وإذا رجع بعث سرية أخرى، فما أتت به أخرج خمسه، وأعطى السرية ما وجب لها، وقسم الباقي في الكل.
([15]) مما غنموا، ويقسم الباقي في الجيش كله، للخبر الآتي.
([16]) الثلث مما غنموا بعد الخمس، إذا أوقعوا بالعدو مرة ثانية، وزيد في الرجعة على البدأة لمشقة الرجعة، لأجل ما لحق الجيش من الكلال، وعدم الرغبة في القتال.
([17]) بعد القفول تغير على العدو.
([18]) وهذا مذهب جمهور أهل العلم.
([19]) أي يقسم ما بقي بعد الخمس والتنفيل في الجيش كله، ومنهم السرية
المنفلة.
([20]) وغيره، ورواه ابن ماجه بمعناه وعن عبادة بن الصامت مرفوعًا نحوه رواه الترمذي وغيره.
وقال شيخ الإسلام: كان صلى الله عليه وسلم ينفل السرية الربع، وإذا رجعوا الثلث بعد الخمس، وقال: ويجوز أن ينفل السرية من أربعة الأخماس، وإن كان فيه تفضيل بعضهم على بعض، ويأتي حديث ابن عمر وأنه صلى الله عليه وسلم كان ينفل بعض السرايا، قال: ويجوز أن ينفل من ظهر منه زيادة نكاية، كسرية تسري من الجيش، أو رجل صعد على حصن ففتحه، أو حمل على مقدم العدو فقتله ، ونحو ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه يفعلون ذلك.
([21]) أي طاعة ولي أمرهم، والطاعة والانقياد، وهو امتثال أمره، ما لم يأمر
بمعصية.
([22]) في اللقاء، وأرض العدو لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} قال الوزير: اتفقوا على أنه إذا التقى الزحفان، وجب على المسلمين الحاضرين الثبات، وحرم عليهم الانصراف والفرار، إذ قد تعين عليهم إلا أن يكون متحرفًا لقتال، أو متحيزًا إلى فئة، أو يكون الواحد مع ثلاثة، أو المائة مع ثلاثمائة.
وقال ابن رشد: لا يجوز الفرار عن الضعف إجماعًا لقوله: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} وذهب مالك إلى أن الضعف إنما يعتبر في القوة،
لا في العدد، وأنه يجوز أن يفر الواحد عن واحد، إذا كان أعتق جوادًا منه، وأجود سلاحًا وأشد قوة، وهو مع ظن تلف أولى من الثبات، ويسن الثبات مع عدم ظن التلف، والقتال مع ظنه، فهما أولى من الفرار، وكذا قال الشيخ وغيره.
وقال الشيخ: لا يخلو إما أن يكون قتال دفع أو طلب، فالأول بأن يكون العدو كثيرا لا يطيقهم المسلمون، ويخافون إن انصرفوا عنهم عطفوا على من تخلف من المسلمين، فهنا صرح الأصحاب بوجوب بذل مهجهم في الدفع حتى يسلموا، ومثله لو هجم عدو على بلاد المسلمين، والمقاتلة أقل من النصف، لكن إن انصرفوا استولوا على الحريم، والثاني لا يخلو إما أن يكون بعد المصافة، أو قبلها فقبلها وبعدها حين الشروع في القتال لا يجوز الإدبار مطلقا، إلا لمتحرف أو متحيز وقال: يسن انغماسه في العدو لمنفعة المسلمين، وإلا
نهي عنه، وهو من الهلكة وإن ألقي في مركبهم نار فعلوا ما يرون السلامة فيه بلا نزاع.
([23]) أي وأطيعوا أولي الأمر منكم، وهم أمراء المسلمين، في عهده صلى الله عليه وسلم وبعده، ولقوله صلى الله عليه وسلم ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن عصى أميري فقد عصاني)) رواه النسائي، ولا نزاع في وجوب طاعته ما لم يأمر بمعصية، ولا نزاع في وجوب الغزو معه، برًّا كان أو فاجرًا، لحديث أبي هريرة مرفوعًا «الجهاد واجب عليكم مع كل أمير، برًّا كان أو فاجرًا» رواه أبو داود، وفي الصحيح ((إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر)) .
وفي الصحيحين من حديث عبادة: بايعناه على السمع والطاعة، في منشطنا، ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثره علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروًا كفرًا بواحًا، عندكم، فيه من الله برهان، ولأن تركه مع الفاجر يفضي إلى تركه مطلقًا، وإلى ظهور الكفار على المسلمين، واستئصالهم وإعلاء كلمة الكفر.

([24]) وكذا خروج من عسكر، وتعجيل، وبراز، وإحداث أمر إلا بإذنه، لأنه أعرف بحال الناس، وحال العدو، وقوتهم لقوله تعالى:{وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} قال ابن رشد: اتفقوا على محاربة جميع المشركين، لقوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ} وقال: شرط الحرب بلوغ الدعوة باتفاق، أي لا تجوز حرابتهم حتى يكونوا قد بلغتهم الدعوة، وذلك شيء مجمع عليه بين المسلمين لقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}وقال: ((فادعهم إلى الإسلام)).

([25]) فلا يحتاجون إلى الإذن إذًا، لأن دفع الصائل عن الحرمة والدين واجب إجماعًا.

([26]) لا يشترط فيه الإذن ولا غيره، بل يجب الدفع بحسب الإمكان، ولا شيء بعد الإيمان أوجب من دفع الصائل الذي يفسد الدين والدنيا.

([27]) بلا نزاع، وهو كبسهم، وقلتهم وهم غارون، وقد ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم أنه كان يبيت العدو، ويغير عليهم مع الغدوات.

([28]) فإنه صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف، ونصبه عمرو بن العاص على الإسكندرية، ويجوز رميهم بنار، وقطع سابلة، وماء، وهدم عامر، وقال الشيخ: اتفقوا على جواز إتلاف الشجر والزرع الذي للكفار، إذا فعلوا بنا مثل ذلك، ولم نقدر عليهم إلا به، وقال: اتفقوا على جواز قطع الشجر، وتخريب العامر، عند الحاجة إليه، وليس ذلك بأولى من قتل النفوس، وما أمكن غير ذلك، وفي الإنصاف، ولا يجوز عقر دابة، ولا شاة إلا لأكل يحتاج إليه، وذكره الموفق وغيره إجماعا في دجاجة وطير، واختار جواز عقر دواب قتالهم، إن عجز المسلمون عن سوقه، ولا يدعها لهم.
وفي البلغة: يجوز قتل ما قاتلوا عليه في تلك الحال، جزم به الموفق وغيره، وقال: لأنه يتوصل به إلى قتلهم، وهزيمتهم، وليس فيه خلاف، وإن أحرزنا دوابهم إلينا لم يجز إلا للأكل، وإن تعذر حمل متاع، ولم يشتر، فللأمير أخذه لنفسه وإحراقه، وإلا حرم، ويجوز إتلاف كتبهم المبدلة، وقيل: يجب إتلاف كفر وتبديل.
والزرع والشجر ثلاثة أصناف، ما تدعو الحاجة إلى إتلافه لغرض ما، فيجوز قطعه وحرقه، قال الموفق: بلا خلاف نعلمه، والثاني ما يتضرر المسلمون بقطعة، فيحرم قطعه وما عداهما فقيل: يجوز, وهو المذهب، وقيل: لا إلا أن لا يقدر عليهم إلا به، أو يكونوا يفعلونه بنا، قال أحمد: يكافئون على فعلهم، وكذا رميهم بالنار، وفتح الماء ليغرقهم، وهدم عامرهم، وجزم الموفق وغيره بالجواز إذا عجزوا عن أخذه بغير ذلك وإلا لم يجز.

([29]) كنساء وشيوخ ورهبان، لجواز النكاية بالإجماع في جميع المشركين،
وقال ابن رشد: النكاية جائزة بطريق الإجماع، في جميع أنواع المشركين
ذكرانهم، وإناثهم، شيوخهم، وصبيانهم، صغارهم وكبارهم، إلا الرهبان، فإن قوما رأوا أن يتركوا، ولا يؤسروا، بل يتركون دون أن يعرض لهم، لا بقتل ولا استعباد، لقوله عليه الصلاة والسلام ((ذرهم وما حبسوا أنفسهم عليه)) واتباعا لفعل أبي بكر، وفي الإنصاف: وإن تترسوا بمسلم لم يجز رميهم، إلا أن يخاف على المسلمين فيرميهم، ويقصد الكفار، وهذا بلا نزاع، قال القاضي: يجوز رميهم حال قيام الحرب، لأن تركه يفضي إلى تعطيل الجهاد.

([30]) لا رأي لهم ولم يقاتلوا، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والصبيان، وقال الوزير وغيره: اتفقوا على أن النساء ما لم يقاتلن فإنهن لا يقتلن، إلا أن يكون ذوات رأي فيقتلن، ولأنهم يصيرون أرقاء بنفس السبي، ففي قتلهم إتلاف المال، ونبه بذكر الخنثى لاحتمال أن يكون امرأة، وأما الرهبان فقال الشيخ: هم قوم منقطعون عن الناس، محبوسون في الصوامع، يسمَّى أحدهم حبيسًا، لا يعاونون أهل دينهم على أمر فيه ضرر على المسلمين أصلا، ولا يخالطونهم في دنياهم، ولكن يكتفي أحدهم بقدر ما يتبلغ به، والجمهور على أنه لا يقتل، ولا تؤخذ منه جزية.

([31]) لا رأي له، ولم يقاتل، أو يحرض على القتال، وإلا فيقتل اتفاقًا.

([32]) فإن شاركوا العدو في الرأي قتلوا اتفاقًا.

([33]) أي على القتال، فيقتلون، قال الوزير وغيره: اتفقوا على أنه إذا كان الأعمى والمقعد، والشيخ الفاني، وأهل الصوامع لهم رأي وتدبير وجب قتلهم، وإن تترس الكفار بهم جاز رميهم، قال الشيخ: والمثلة حق لهم، فلهم فعلها للاستيفاء وأخذ الثأر، ولهم تركها، والصبر عنها أفضل، وهذا حيث لا يكون في التمثيل
بهم زيادة في الجهاد، أو يكون نكالا لهم عن نظيرها، وأما إذا كان فيه دعاء لهم إلى الإيمان، وزجر لهم عن العدوان فإنه هنا نوع من إقامة الحدود، والجهاد المشروع، والمندوب إليه، وكذا قال الخطابي وغيره.

([34]) أي الصبي وما عطف عليه، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يسترق النساء والصبيان إذا سباهم، وأجمعت الصحابة على استعباد أهل الكتاب، ذكرانهم وإناثهم حكاه أبو عبيد وغيره، ويجوز استرقاق من لا تقبل منهم جزية عند بعض أهل العلم، ومن أسر أسيرا لم يجز قتله حتى يأتي به الإمام وإن قتله فلا شيء عليه، ويخير الإمام بين قتل لقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} واسترقاق لقوله صلى الله عليه وسلم ((أعتقيها)) ومنٍّ، وفداء لقوله تعالى:{فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} ولفعله صلى الله عليه وسلم بمنه على ثمامة وغيره، وفدائه الرجلين بالرجل.
قال الوزير وغيره: اتفقوا على أن الإمام مخير في الأسرى بين القتل والاسترقاق وبين المن والفداء، واختار الشيخ: يعمل المصلحة في المال وغيره، كما فعل صلى الله عليه وسلم بأهل مكة، ومن أسلم منهم قبل حكمه فكمسلم قبل القدرة عليه، فيعصم نفسه، وولده الصغير، وماله، وحمل امرأته، لا هي ولا ينفسخ نكاحه برقها، ومن أسلم بعده لزمه حكمه.
ويجب هدم الأوثان، لقصة وفد ثقيف، وسؤالهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع لهم اللات ولو شهرا، فأبى وكذلك جميع القباب على القبور، وفي الإنصاف: وإن سألوا الموادعة بمال أو غيره جاز، إن كانت المصلحة فيه، وإذا نزلوا على حكم حاكم جاز، ولا يحكم إلا بما فيه الحظ للمسلمين، من القتل والسبي، والفداء بلا نزاع، وإن حكم بقتل أو سبي فأسلموا ، عصموا دماءهم، بلا نزاع، وإن سألوا أن ينزلوا على حكم الله لزمه أن ينزلهم، ويجري فيهم كالأسرى.

([35]) ولو مميزًا إن سباه مسلم تبعًا، لحديث ((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، أو يمجسانه، أو ينصرانه)) رواه مسلم، وقد انقطعت تبعيته لأبويه، لانقطاعهما عنه، أو أحدهما وإخراجه من دارهما إلى دار الإسلام.

([36]) وظاهره أن الحربي والذمي في ذلك سواء، وقال ابن القيم: الراجح في الدليل قول الجمهور أنه لا يحكم بإسلامه بذلك، وهي رواية عن أحمد، اختارها الشيخ، والفرق بينهما وبين مسألتي السبي أن المسبي قد انقطعت تبعيته لمن هو على دينه، وصار تابعًا لسابيه المسلم، بخلاف من مات أبواه أو أحدهما، فإنه تابع لأقاربه، أو وصي أبيه، فإن انقطعت تبعيته لأبويه، فلم تنقطع لمن يقوم مقامهما من أقاربه، وأوصيائه، ويدل عليه العمل المستمر من عهد الصحابة إلى اليوم، بموت أهل الذمة وتركهم الأطفال، ولم يتعرض أحد من الأئمة وولاة الأمور لأطفالهم، ولم يقولوا: هؤلاء مسلمون.

([37]) أي فحكمه حكمه فيما ذكر.



  #5  
قديم 14 ربيع الثاني 1432هـ/19-03-2011م, 10:46 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

وَيَتَفَقَّدُ الإِمَامُ جَيْشَهُ عِنْدَ المَسِير، وَيَمْنَعُ المُخَذِّلَ والمُرْجِفَ وَلَهُ أَنْ يُنفِّلَ فِي بِدَايتِهِ الرُّبُعَ بَعْدَ الخُمُسِ، وَفِي الرَّجعَةِ الثُّلثَ بَعْدَهُ. وَيَلْزَمُ الْجَيْشَ طَاعَتُهُ وَالصَّبْرُ مَعَهُ...
«ويتفقد الإمام جيشه عند المسير» الجيش الآن فيه طائرات ودبابات وصواريخ، فإذا ذهب الجيش المكون من إبل وخيل فما ينوب منابه مثله، نقول للإمام: تفقد إما بنفسك إن كنت ذا خبرة، أو بمن تثق به من ذوي الخبرة، وينظر الصالح فيقره، والفاسد فيمنعه حتى يكون صالحاً؛ لأنه لو ترك وأهمل فربما يكون في السلاح أو في المجاهدين من تكون الهزيمة بسببه لو ذهب به إلى المعركة، فلا بد أن يتفقد الجيش.
قوله: «ويمنع المخذِّل والمرجف» لو قال المؤلف: ويمنع كل من لا يصلح للجهاد لكان أعم، والمخذِّل هو الذي يزهد الناس في القتال يقول مثلاً: لماذا نجاهد؟ فهذا يفت في عضد الجيش بلا شك.
والمرجف هو الذي يهوّل قوة العدو، أو يضعف قوة المسلمين، فيقول مثلاً: السرية التي ذهبت قبلنا هُزِمَت، أو يقول: العدو جيشهم كثير، عندهم قوة وعندهم صواريخ وقنابل، وعندهم كيماويات، فمثل هؤلاء يجب على الإمام أن يمنعهم ولا يأذن لهم بالجهاد؛ لأن ضرر هؤلاء أكثر من نفعهم إن كان فيهم نفع.
مسألتان:
الأولى: إذا كان الجيش الذي أعد للقتال تربيته الجهادية ضعيفة، وغالبه مخذل ومرجف، فهل يقاتلون؟.
الجواب: لا، إذا كان الجيش على ما ذكر، والمخذل كثير والمرجف كثير، فإنه لا يجاهد؛ لأن الجهاد لا بد أن يغلب على الظن أننا ننتصر، أما إذا غلب على الظن الهزيمة فلا يجوز أن يُغرر بالمسلمين، المسألة ليست هينة، وليست مسألة أشخاص يفقدون، بل هذا يعتبر ذلًّا حتى على الإسلام، إلا إذا اضطر الإمام لذلك، لأن الجهاد نوعان: جهاد هجوم، وجهاد دفاع، أما الدفاع فيجب بكل حال، وأما الهجوم فهو الذي ذكرنا.
الثانية: يجب على الإمام أن ينظم الجيش، ويرتبه، ويقسمه بحسب ما تقتضيه الحاجة، وفق خطط علمية مدروسة يضعها أهل الاختصاص، فبالضرورة نعلم أن الجيوش في عصرنا الحاضر تختلف عن الجيوش في الماضي، ففي الماضي كان يسمى الجيش خميساً؛ لأنه كان يقسم إلى خمسة أقسام: مقدمة، وميمنة، وميسرة، ومؤخرة، وقلب، ويوضع لكل قسم قائد، إلى غير ذلك، أما في الحاضر فقد تعددت الأسلحة وكثرت التخصصات، فينبغي للإمام مراعاة كل ذلك، حتى لا يبدو الجيش في حالة فوضى عند التحام الجيشين.
وهل له أن يبعث العيون يعني الجواسيس الذين يتطلعون إلى العدو ويعرفون أخباره؟.
الجواب: نعم، بل يجب عليه إذا دعت الحاجة إلى ذلك؛ لأن هذا من جملة ما يستعين به على القتال.
قوله: «وله أن ينفِّل في بدايته الربع بعد الخمس، وفي الرجعة الثلث بعده» ، «وله» أي: للإمام، ومعنى هذا أن الإمام إذا دخل أرض العدو، وبعث سرية يعني دون أربعمائة نفر يبدؤون القتال فله أن يقول لهم: لكم بعد الخمس الربع؛ لأن هذه السرية إذا ذهبت فإنها تذهب وهي أقل خوفاً من السرية التي تبعث بعد رجوع الإمام؛ لأنهم يقولون: الجيش خلفنا فيقول: اذهبوا وقاتلوا وما تغنمون نأخذ الخمس منه، ولكم بعد ذلك الربع خاصة لكم، ثم يقسم الباقي على الجيش.
وكذلك ـ أيضاً ـ له أن ينفل الثلث بعده، أي: بعد الرجوع، وانتهاء القتال فيبعث سرية ربما تتفقد من بقي من العدو ويجعل لها الثلث، وزادت عن السرية الأولى؛ لأنها أشد خوفاً، ولأن العدو في البداية ربما يكون على غفلة وعلى غرة، وهنا العدو قد انتبه، وربما يكون في قلبه حنق، يريد أن ينتقم؛ ولأن الجيش لما فرغ من القتال صار متشوفاً ومتشوقاً لأهله ففي ذلك مشقة شديدة، ولذلك كان التنفيل في الرجعة أكثر من التنفيل في البدأة، فلذلك تعطى مقابل هذا أربعة من اثني عشر، أي: تزاد على الأخرى واحداً من اثني عشر؛ لأن الأولى لها ثلاثة من اثني عشر وهذه لها أربعة من اثني عشر.
وقوله: «له» عبَّر باللام الدالة على الإباحة في مقابلة المنع، فلا ينفي أن تكون سنة أو واجبة أحياناً، فإذا رأى أن السرية لن ترجع إلا بإعطاء شيء زائد أو لن تتقدم إلا بإعطاء شيء زائد ورأى من المصلحة إرسال السرية فإنه يكون واجباً.
قوله: «ويلزم الجيش طاعته» أي: طاعة أميره الذي هو نائب عن الإمام، وهو ما يسمى في عرفنا الآن القائد أو حسب ما يعرف، فيلزم الجيش طاعته فيما أمر، ودليل ذلك قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] ، ولكن يشترط لوجوب طاعته فيها ألاَّ يخالف أمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، فإن خالف أمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ويدل لهذا:
أولاً: الآية الكريمة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}، أطيعوا الله هذا فعل، وأطيعوا الرسول فعل أيضاً، فأعاد الفعل بالنسبة لطاعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن طاعته مستقلة يجب أن يطاع بكل حال. أما الثالث فلم يُعد الفعل، فقال: {وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} ولم يقل: أطيعوا؛ لأن طاعة أولي الأمر تابعة لطاعة الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، ولهذا لو أمر ولي الأمر بمخالفة أمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، قلنا: لا سمع ولا طاعة.
وظاهر كلام المؤلف أنه تجب طاعته ولو كان فاسقاً، وهو كذلك، فتجب طاعة ولي الأمر ولو كان من أفسق عباد الله؛ وذلك لعموم الأدلة الدالة على وجوب طاعة ولاة الأمور، والصبر عليهم وإن رأينا منهم ما نكره في أديانهم وعدلهم واستئثارهم، فإننا نسمع ونطيع فنؤدي الحق الذي أوجب الله علينا، ونسأل الله الحق الذي لنا، هكذا أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم[(1)]، وهكذا جرى عليه سلف هذه الأمة.
فإن أمر بمعصية فإنه لا طاعة له؛ لأنه هو نفسه عبد لله مأمور لله، فكيف يأمر بما يخالف أمر الله، نقول: ربنا وربك الله، ولا طاعة لك في معصية الله أبداً، ويدل لهذا قصة السرية الذين بعثهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأَمَّرَ عليهم رجلاً وأمرهم أن يطيعوا أميرهم، وفي يوم من الأيام أغضبوه فأمرهم أن يجمعوا حطباً، فقالوا: سمعاً وطاعة فجمعوا الحطب، وأمرهم أن يوقدوا فيه النار، قالوا: سمعاً وطاعة وأوقدوا النار، قال: ألقوا أنفسكم فيها، فتردد القوم؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمرهم أن يطيعوه، ولكن لماذا آمنوا؟ آمنوا خوفاً من النار، فقال بعضهم لبعض: كيف نلقي أنفسنا في النار، ونحن إنما آمنا فراراً منها، وهذا قياس صحيح، فأبوا أن يلقوا أنفسهم في النار، فلما رجعوا إلى المدينة، وأخبروا النبي صلّى الله عليه وسلّم بهذا، قال: ((لو دخلوا فيها ما خرجوا منها)) [(2)]؛ لأنهم قتلوا أنفسهم، ومن قتل نفسه بالنار عُذِّب بها في نار جهنم؛ لأن كل من قتل نفسه بشيء فإنه يعذب به في نار جهنم[(3)]، فلو قتل نفسه بخنجر فإنه يوم القيامة يعذب بهذا الخنجر في نار جهنم، ولو قتل نفسه بالتردي من شاهق فإنه يخلق له في النار شاهق فيتردى منه يعذب به في نار جهنم، ومن قتل نفسه بسُمٍّ بأن تحسَّى هذا السم عُذب به في نار جهنم، ولو دخلوا النار عذبوا بها في نار جهنم ثم قال:((إنما الطاعة في المعروف)) [(4)] أي: الذي ليس بمنكر، أما هذا فإنه منكر، إذاً إذا أمر بالمعصية فإنه لا سمع له ولا طاعة.
مسألة: في بعض البلاد الإسلامية لا يمكن أن يدخل الإنسان الجيش حتى يحلق لحيته فيأمرونه بحلق اللحية، فهل يلزمه طاعتهم؟.
الجواب: لا، بل يقول وبكل صراحة: لا سمع ولا طاعة، ولا أوافقك على معصية الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: ((أعفوا اللحى)) [(5)]، وأنت تقول: احلقوا اللحى! فهذا مصادمة فلا قبول.
وليت أن الجيوش في البلاد الإسلامية تتفق على هذا وتمانع، لكن مشكلتنا أن أكثرهم لا يهتم بمثل هذه الأمور فيبقى الإنسان منفرداً إذا أراد أن يمتنع عن المعصية، وحينئذ تبقى المسألة مشكلة، ولكن لو أن الجيش كله قال: نحن لا نطيعك في معصية الله وصمموا على هذا، لم يستطع الضابط ولا من فوق الضابط أن يجبرهم على ذلك، لكن مشكلتنا التخاذل، وعدم الاهتمام بمثل هذه الأمور، والناس يتهاونون في هذه المعصية، ولا يهتمون بعظمة من عصوه، ولا يرون أن الإصرار على الصغيرة يكون كبيرة، ولا يرون أن المعاصي سبب للفشل والهزيمة؛ لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ولم يقل: وللمسلمين، لأن الإيمان أخص من الإسلام، فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمناً، قال تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14] .
فالمعصية سبب الهزيمة، ولا أدل على ذلك من جيش هُزم بمعصية، مع أنه أفضل جيش مشى على الأرض منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة، وهم الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وقائدهم محمد صلّى الله عليه وسلّم في غزوة أحد، قال الله تعالى فيهم: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 152] ، أي: حصلت الهزيمة بسبب هذه المعصية، وهي معصية واحدة، مع أنها معصية كان فيها نوع من التأويل؛ لأنهم لما رأوا انهزام المشركين، وأن المسلمين بدأوا يجمعون الغنائم ظنوا أن الأمر انتهى، فنزلوا من المكان الذي جعلهم النبي صلّى الله عليه وسلّم فيه حتى جاء المشركون من الخلف وحصل ما حصل.
إذاً يلزم الجيش طاعته بشرط ألا يأمر بمعصية الله، فإن أمر بمعصية الله فلا سمع له ولا طاعة، وإذا قلنا: لا سمع له ولا طاعة، فهل المعنى لا سمع له ولا طاعة مطلقاً، أو في هذه المعصية التي أمر بها؟.
الجواب: الثاني هو المراد.
قوله: «والصبر معه» أي: يلزم الصبر معه، وألاّ نتخاذل وننصرف؛ لأن في هذا كسراً لقلوب المسلمين، وإعزازاً لقلوب الكافرين، فالواجب أن نصبر، وهذا في غير ما إذا تقابل الصفَّان، فإن تقابل الصفان؛ فالتولي من كبائر الذنوب.

وَلاَ يَجُوزُ الغَزوُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِلاَّ أَنْ يَفْجَأَهُمْ عَدُوٌّ يَخَافُونَ كَلَبَهُ
قوله: «ولا يجوز الغزو إلا بإذنه إلا أن يفجأهم عدو يخافون كَلَبَه» أي: لا يجوز غزو الجيش إلا بإذن الإمام مهما كان الأمر؛ لأن المخاطب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمور، وليس أفراد الناس، فأفراد الناس تبع لأهل الحل والعقد، فلا يجوز لأحد أن يغزو دون إذن الإمام إلاّ على سبيل الدفاع، وإذا فاجأهم عدو يخافون كلَبه فحينئذ لهم أن يدافعوا عن أنفسهم لتعين القتال إذاً.
وإنما لم يجز ذلك؛ لأن الأمر منوط بالإمام، فالغزو بلا إذنه افتيات وتعدٍّ على حدوده، ولأنه لو جاز للناس أن يغزوا بدون إذن الإمام لأصبحت المسألة فوضى، كل من شاء ركب فرسه وغزا، ولأنه لو مكن الناس من ذلك لحصلت مفاسد عظيمة، فقد تتجهز طائفة من الناس على أنهم يريدون العدو، وهم يريدون الخروج على الإمام، أو يريدون البغي على طائفة من الناس، كما قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] ، فلهذه الأمور الثلاثة ولغيرها ـ أيضاً ـ لا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام.
وقوله: «إلا أن يفجأهم عدو يخافون كلَبه» أي: شره وأذاه.
قال في الروض[(6)]: ((ويجوز تبييت الكفار)) أي: مباغتتهم بالليل، ولكن هذا مشروط بأن يقدم الدعوة لهم، فإذا دعاهم ولم يستجيبوا فإنه لا بأس أن يباغتهم، ويدعوهم إلى أمور ثلاثة:
الأول: الإسلام.
الثاني: الجزية.
الثالث: فإن أبوا فالقتال.
هكذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يبعث البعوث على هذا الأساس[(7)].
وقال: ((ورميهم بالمنجنيق)) والمنجيق بمنزلة المدفع عندنا، وكانوا في الأول يضعون المنجنيق بين خشبتين وعليهما خشبة معترضة، وفيها حبال قوية، ثم يُجعل الحجر بحجم الرأس أو نحوه في شيء مقبب، ثم يأتي رجال أقوياء يشدونه ثم يطلقونه، وإذا انطلق الحجر انطلق بعيداً، فكانوا يستعملونه في الحروب، فيجوز أن يُرمى الكفار بالمنجنيق، وفي الوقت الحاضر لا يوجد منجنيق، لكن يوجد ما يقوم مقامه كالطائرات والمدافع والصواريخ وغيرها.
وقال: ((ولو قُتِلَ بلا قصد صبي ونحوه)) من المعلوم أننا إذا رميناهم بالمنجنيق فإنه سوفَ يُتلف من مرّ عليه من مقاتل وشيخ كبير لا يقاتل، وامرأة وصبي، لكن هذا لم يكن قصداً، وإذا لم يكن قصداً فلا بأس، أما تعمد قصف الصبيان والنساء ومن لا يقاتل فإن هذا حرام ولا يحل، لكن يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، وقد رمى الرسول صلّى الله عليه وسلّم: أهل الطائف بالمنجنيق[(8)]، فالسنة جاءت به، والقتال قد يحتاج إليه.
وقال: ((لا يجوز قتل صبي ولا امرأة وخنثى وراهب وشيخ فانٍ وزمن وأعمى لا رأي لهم ولم يقاتلوا أو يُحرضوا)) هؤلاء سبعة أجناسٍ لا يجوز قتلهم إلا بواحد من أمور ثلاثة:
الأول: أن يكون لهم رأي وتدبير، فإن بعض كبار الشيوخ ولو كان شيخاً فانياً لا يستطيع أن يتحرك، فإن عنده من الرأي والتدبير ما ليس عند الشاب المقاتل.
الثاني: إذا قاتلوا كما لو اشترك النساء في القتال فإنهم يقتلن.
الثالث: إذا حرَّضوا المقاتلين على القتال وصاروا يغرونهم بأن افعلوا كذا، اضربوا كذا إلى آخره، فإنهم يقتلون؛ لأن لهم تأثيراً في القتال.
وقال: ((ويكونون أرقاء بسبي)) أي هؤلاء السبعة يكونون أرقاء بسبي، والباء للسببية، أي: بمجرد أخذهم يكونون أرقاء في الحال، ولا يخير فيهم الإمام، وإذا كانوا أرقاء صاروا تبع الغنيمة؛ لأنهم صاروا مماليك، فإذا كانوا مماليك صاروا كجملة المال الآخر يضافون إلى الغنيمة.
وأما إذا سبي البالغ المقاتل، فإن الإمام يخير فيه بين أمور أربعة:
إما القتل، وإما أخذ الفداء، وإما الاسترقاق، وإما المنُّ بدون شيء.
والفداء قد يكون بمال أو منفعة أو أسير مسلم، فمثلاً: لو أننا أسرنا أحد المقاتلين نأتي به للإمام، والإمام إن شاء قتله، وإن شاء مَنَّ عليه مجاناً، وقال له: اذهب إلى أهلك، وإن شاء استرقه، أي جعله رقيقاً، وإن شاء طلب الفدية منه إما مالاً وإما منفعة وإما بأسير مسلم.
وهذه التخييرات الأربعة هل هي حسب اختيار الإمام أو حسب المصلحة؟.
الجواب: حسب المصلحة؛ لأن القاعدة الشرعية أن كل من يتصرف لغيره إذا خيِّر بين شيئين فإن تخييره للمصلحة وليس للتشهي، أما من لا يتصرف لغيره فإذا خير بين شيئين فهو للتشهي، إن شاء كذا وإن شاء كذا، ولهذا نقول في كفارة اليمين: يخير بين إطعام، وكسوة، وعتق رقبة، فهل ينظر للمصلحة أو يفعل ما شاء؟.
الجواب: يفعل ما شاء؛ لأن هذا التخيير للإرفاق بالمكلف فيختار ما يشاء.



[1] أخرجه البخاري في المناقب/ باب علامات النبوة في الإسلام (3603)؛ ومسلم في المغازي/ باب وجوب الوفاء ببيعة الخليفة الأول فالأول (1843)، عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ.
[2] أخرجه البخاري في المغازي/ باب سرية عبد الله بن حذافة... (4340)؛ ومسلم في الإمارة/ باب وجوب طاعة الأمراء... (1840) عن علي ـ رضي الله عنه ـ.
[3] أخرجه البخاري في الأدب/ باب ما ينهى من السباب واللعن (6047)؛ ومسلم في الإيمان/ باب بيان غلظة تحريم قتل الإنسان نفسه (110)، عن ثابت بن الضحاك ـ رضي الله عنه ـ.
[4] أخرجه البخاري في الأحكام/ باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية (7145)؛ ومسلم في الإمارة/ باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية (1840)، عن علي ـ رضي الله عنه ـ.
[5] أخرجه البخاري في اللباس/ باب إعفاء اللحى (5893)؛ ومسلم في الطهارة/ باب خصال الفطرة (259) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ.
[6] «الروض مع حاشية ابن قاسم» (4/269).
[7] أخرجه مسلم في الجهاد/ باب تأمير الإمام الأمراء على الجيوش (1731) عن بريدة ـ رضي الله عنه ـ.
[8] أخرجه أبو داود في «المراسيل» (335) عن مكحول مرسلاً، ووصله العقيلي في «الضعفاء» (2/244) عن علي ـ رضي الله عنه ـ، وإسناده ضعيف كما قال الحافظ في «البلوغ» (1282).


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الإمام, يتفقد

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:14 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir