دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > لمعة الاعتقاد

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 2 ذو القعدة 1429هـ/31-10-2008م, 11:43 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي قول الإمام أحمد: (ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت، ولا نتعدى القرآن والحديث...)

قَالَ الإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَل رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللهَ يَنْزلُ إِلى السَمَاءِ الدُّنيَا)) وَ((إِنَّ اللهَ يُرى في القِيامَةِ)) وَمَا أَشْبَهَ هَذِهِ الأَحَادِيثَ: (نُؤْمِنُ بهَا، وَنُصَدِّقُ بِهَا، ولاَ كَيْفَ، وَلاَ مَعْنَى، وَلاَ نَرُدُّ مِنْهَا شَيْئاً، وَنَعْلَمُ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ، وَلاَ نَرُدُّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ نَصِفُ اللهَ بِأَكْثَرَ مِمَّا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ بِلاَ حَدٍّ وَلاَ غَايةٍ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى: 11]
وَنَقُولُ كَمَا قَالَ، وَنَصِفُهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ لاَ نَتَعَدَّى ذَلِكَ، وَلاَ تبلغه صفة الوَاصِفِينَ، نُؤْمِنُ بِالقُرْآنِ كُلِّهِ مُحْكَمِهِ وَمُتَشَابِهِهِ، وَلاَ نُزِيلُ عَنْهُ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ لِشَنَاعَةٍ شُنِّعَتْ، وَلاَ نَتَعَدَّى القُرْآنَ وَالحَدِيثَ، وَلاَ نَعْلَمُ كَيْفَ كُنْهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِتَصْدِيقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلّمَ وَتَثْبِيتِ القُرْآنِ).


  #2  
قديم 23 ذو القعدة 1429هـ/21-11-2008م, 02:38 PM
محمد العاني محمد العاني غير متواجد حالياً
هيئة التدريس
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 32
افتراضي شرح فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

ما تَضَمَّنَهُ كلامُ الإِمامِ أحْمَدَ في أحاديثِ النُّزُولِ وشِبْهِها:
تَضَمَّنَ كلامُ الإِمامِ أحمدَ - رحِمَهُ اللهُ - الذي نقَلَهُ عن المؤلِّفِ ما يأتي:
1 - وجوبُ الإِيمانِ والتصديقِ بما جاءَ عنْ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ منْ أحاديثِ الصفاتِ منْ غيرِ زيادةٍ ولا نَقْصٍ، ولا حَدٍّ ولا غَايَةٍ.
2 - أنَّهُ لا كَيْفَ ولا مَعْنًى ، أيْ: لا نُكَيِّفُ هذه الصفاتِ ؛ لأنَّ تكييفَها مُمْتَنِعٌ لما سبَقَ ، وليسَ مُرادُهُ أن لا كيفيَّةَ لصفاتِهِ ؛ لأنَّ صفاتِهِ ثابِتَةٌ حقًّا، وكلُّ شيءٍ ثابِتٌ فلا بدَّ لَهُ مِنْ كيفيَّةٍ، لكنَّ كيفيَّةَ صفاتِ اللهِ غيرُ معلومَةٍ لنَا(1).
وقولُهُ: (ولا مَعْنًى) أيْ : لا نُثْبِتُ لها معْنًى يُخَالِفُ ظاهِرَها كمَا فعَلَهُ أهْلُ التأويلِ ، وليسَ مرادُهُ نفيَ المعنَى الصحيحِ الموافِقِ لظاهرِها الذي فسَّرَها بهِ السَّلَفُ ؛ فإنَّ هذا ثابِتٌ ، ويدُلُّ على هذا قولُهُ: (ولا نَرُدُّ شيئًا منهَا، ونَصِفُهُ بما وَصَفَ بهِ نفسَهُ، ولا نُزِيلُ عنه صِفَةً منْ صفاتِهِ لشناعَةٍ شُنِّعَتْ، ولا نعلَمُ كيفَ كُنْهُ ذلكَ) فإنَّ نفيَهُ لردِّ شيءٍ مِنها ونفيَهُ لعلْمِ كيفِيَّتِها دليلٌ على إثباتِ المعنى المرادِ مِنها(2).
3 - وجوبُ الإِيمانِ بالقرآنِ كلِّهِ ؛ مُحْكَمِهِ: وهوَ ما اتَّضَحَ معناهُ، ومتشابِهِهِ: وهوَ ما أَشْكَلَ معناهُ، فَنَرُدُّ المتشابِهَ إلى المُحْكَمِ ليتَّضِحَ معناهُ ، فإن لم يَتَّضِحْ وَجَبَ الإِيمانُ بِهِ لَفْظًا وتَفْويضُ معناهُ إلى اللهِ تعالَى.



حاشية الشيخ صالح العصيمي حفظه الله
(1) فنفي الكيف في كلام الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ لا يقصد به إفراغ الصفة من الكيفية ، فإن كيفية الصفة مقارنةٌ لها ، وإنما مراده نفي علمنا بالكيفية فلا نتكلم فيها.
(2) فصار معنى قوله: (ولا معنى) أي : ولا معنى خلاف ما تعرفه العرب من كلامها ، فمراده بهذا نفي المعاني الباطلة التي ذكرها المؤولة ، وهذا قد عرف من طريقة الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ وصريح كلامه في آيات الصفات وأحاديثها.


  #3  
قديم 23 ذو القعدة 1429هـ/21-11-2008م, 02:41 PM
محمد العاني محمد العاني غير متواجد حالياً
هيئة التدريس
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 32
افتراضي شرح فضيلة الشيخ عبدالله بن جبرين حفظه الله

(1) نَقَلَ ابنُ قُدَامَةَ رَحِمَهُ اللهُ بعضَ الآثارِ عن الأئِمَّةِ ، وقَصْدُهُ بذلكَ الاسْتِئْنَاسُ بها ، وليسَ اعْتِمَادَهَا ، فقدْ قَالَهَا أَئِمَّةٌ مُقْتَدًى بهم ، مَعْرُوفَةٌ مَكَانَتُهُم ، مُعْتَرَفٌ بِفَضْلِهِم ، مَشْهُورٌ عِلْمُهُم وَكُتُبُهُم ، يُتَرَحَّمُ عَلَيْهِم وَيُدْعَى لهُمْ في كلِّ زمانٍ ، فَهُمْ أَئِمَّةُ الهُدَى ، وَمَصَابِيحُ الدُّجَى، الَّذينَ بِهِمْ قَامَ الكتابُ وبهِ قَامُوا ، وبهِ نَطَقُوا وبِهِمْ نَطَقَ ، هؤلاءِ سُرُجُ الأرضِ ، وأَئِمَّةُ الدُّنيا في زمانِهِم وبعدَ زمانِهِم ، فإذا جاءَت الآثارُ عنْهُم فإنَّها تَكُونُ مَحَلَّ قَبُولٍ .
هذا الأثرُ عن الإمامِ أحمدَ قدْ يَكُونُ فيهِ بعضُ الإشكالاتِ ، وهُوَ أَثَرٌ ثابتٌ عنهُ ، رَوَاهُ عنهُ بالإسنادِ القاضِي أبو يَعْلَى الْفَرَّاءُ المَشْهُورُ الْحَنْبَلِيُّ في كتابٍ لهُ مَطْبُوعٍ ، اسْمُهُ : (إِبْطَالُ التَّأويلِ) .
لَمَّا سُئِلَ الإمامُ أحمدُ عنْ أحاديثِ الصِّفاتِ ، كأحاديثِ النُّزُولِ ، أوْ أحاديثِ الرُّؤْيَةِ ، وكذلكَ آياتِ الصِّفاتِ ، جاءَ فيها بالصَّوابِ ، وإنْ كانَ لَفْظًا مُجْمَلاً ، وقدْ أَفْصَحَ فيها رَحِمَهُ اللهُ بما هوَ الصَّوابُ في كثيرٍ منْ كُتُبِهِ ، وَأَثْبَتَ بأنَّ اللهَ تَعَالَى يُرَى حقيقةً بِالأَبْصَارِ، وأنَّهُ يَنْزِلُ كما يَشَاءُ إلى سماءِ الدُّنيا ، وأنَّهُ على عَرْشِهِ اسْتَوَى ، وعلى المُلْكِ احْتَوَى ، وأنَّهُ يَسْمَعُ كلَّ شيءٍ ، ولا يَسْتُرُ سَمْعَهُ شَيْءٌ ، وأنَّهُ يَرَى ولا يَسْتُرُ بَصْرَهُ شيءٌ ، ونحوَ ذلكَ من الصِّفاتِ ، أَثْبَتَهَا إِثْبَاتًا حَقِيقِيًّا .
قدْ يَتَوَقَّفُ في بعضِ الكلماتِ ، ولكنَّ قَصْدَهُ في ذلكَ الردُّ على المُمَثِّلَةِ الَّذينَ يُبَالِغُونَ في الإثباتِ حتَّى يَخْرُجُ بِهِمْ هذا الإثباتُ إلى نَوْعٍ من التَّشبيهِ .
فَذَكَرَ أنَّا نُؤْمِنُ بهذهِ الصِّفاتِ ، ونُؤْمِنُ بهذهِ الآياتِ ، يَعْنِي : نُصَدِّقُ بها ، وَنَعْتَقِدُ صِحَّتَهَا وَصِحَّةَ مَعْنَاهَا وَدَلاَلَتِهَا ؛ وذلكَ لأِنَّها كَلاَمُ اللهِ ، أوْ كلامُ الرَّسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، صَحَّتْ عنهُ ، وَثَبَتَتْ عنهُ ، وقدْ أُمِرْنَا باتِّبَاعِهِ ، وَأُمِرْنَا بطاعتِهِ ، وقدْ عُرِفَ نُصْحُهُ لأمَّتِهِ ، وعُرِفَ بفصاحتِهِ وبيانِهِ وبلاغتِهِ .
وإذا اجْتَمَعَتْ فيهِ هذهِ الصِّفاتُ : كونُهُ ناصِحًا للأمَّةِ حَرِيصًا على نجاتِهَا ، وكونُهُ فصيحًا بَلِيغًا يُعَبِّرُ بالكلماتِ المفهومةِ الَّتي لا لَبْسَ فيها أوْ خَفَاءَ ، وكَوْنُهُ قدْ بَلَّغَ كلَّ شيءٍ ، وَعَلَّمَ الأمَّةَ كلَّ ما يَهُمُّهُم ، وما يَحْتَاجُونَ إليهِ ، وأنَّ هذهِ البياناتِ الَّتي رُوِيَتْ عنهُ ثَابِتَةٌ قَطْعِيَّةُ الثُّبوتِ ، لا رَادَّ لها ولا طَعْنَ في أَسَانِيدِهَا ، فَكَيْفَ معَ ذلكَ نَرُدُّهَا ؟!
بل الواجبُ أنْ نَقْبَلَهَا ، وَنَجْعَلَهَا في ضِمْنِ مُعْتَقَدِنَا ، ولكنْ لا نُكَيِّفُهَا كَمَا ثَبَتَ ذلكَ عن السَّلفِ أنَّهُم قالُوا : (أَمِرُّوهَا كما جاءَتْ بلا كَيْفٍ) ، أيْ : لا تَسْأَلُوا عن الكَيْفِيَّةِ .
والكلمةُ الَّتي تُشْكِلُ في هذا الأثرِ قولُهُ : (لاَ كَيْفَ وَلاَ مَعْنَى) ونحنُ نَعْتَقِدُ أنَّ للصِّفاتِ مَعْنًى ، وَنَعْتَقِدُ أنَّ المعانيَ مَفْهُومَةٌ ؛ ولذلكَ فَمُرَادُهُ بالمعنَى هنا هوَ الْمَاهيَّةُ ، وَقَصْدُهُ أنَّ ماهيَّةَ تلكَ الصِّفةِ لا نَخُوضُ فيها ، فلا نَقُولُ مَثَلاً : إنَّ اللهَ تَعَالَى يُبْصِرُ بِعَيْنٍ مُرَكَّبَةٍ منْ طبقاتٍ ، وَيُحِيطُ بها مَشَافِرُ - مَثَلاً - وأهدابٌ ، وَيَسْمَعُ مثلاً بِآذَانٍ وَبِأَصْمِخَةٍ وبكذا وبكذا ، وَيَتَكَلَّمُ مثلاً بِقَصَبَةٍ هَوَائيَّةٍ ، وبلسانٍ وشفتَيْنِ ، لا نَقُولُ مثلَ هذا ، ولكنَّا إذا أَثْبَتْنَا الصِّفاتِ أَثْبَتْنَاهَا حقيقةً دونَ أنْ نَبْحَثَ عنْ هذا.
فَلَعَلَّ هذا هوَ مُرَادُ الإمامِ أحمدَ بقولِهِ : (لا كَيْفَ ولا مَعْنَى) ، فالْكَيْفُ مجهولٌ : يَعْنِي: كَيْفِيَّةُ الصِّفةِ ، وأمَّا المعنَى فهوَ مفهومٌ بِدَلالتِهِ اللُّغَوِيَّةِ، وخَفِيٌّ بِكَيْفِيَّتِهِ وَكُنْهِهِ.
وأمَّا الكلامُ فهوَ : الكلامُ المسموعُ الَّذي يَفْهَمُهُ مَنْ سَمِعَهُ.
فقولُهُ: (لا كَيْفَ): على ظاهرِهِ ، يَعْنِي لاَ نَخُوضُ في الكيفيَّةِ .
وقولُهُ: (وَلاَ مَعْنَى): يُرَادُ بهِ الكُنْهُ ، أيْ : وَلاَ نَتَدَخَّلُ في كُنْهِ الصِّفةِ وَمَاهِيَّتِهَا، وما هيَ عليهِ.
وأمَّا المعنَى الظَّاهرُ الَّذي تُفَسَّرُ بهِ الكلمةُ فإنَّهُ معلومٌ للأُمَّةِ ، ولوْ لمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لكانَ يُخَاطِبُهُم بكلامٍ لا يُفْهَمُ كأنَّهُ أَعْجَمِيٌّ وهمْ عَرَبٌ ، وقدْ نَزَّهَهُ اللهُ تَعَالَى عنْ ذلكَ فقالَ تَعَالَى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ}[فُصِّلَت:44] ، وَأَخْبَرَ بأنَّهُ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ.
وَلَمَّا قالَ المُشْرِكُونَ: {إنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل:103] رَدَّ عليهم بقولِهِ تَعَالَى: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانُ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل:103] .
فلا يَلِيقُ أنْ يَكُونَ الرَّسولُ وهُوَ عَرَبِيٌّ وَيُخَاطِبُ العربَ ، ثمَّ يُخْبِرُهُم بشيءٍ لا يَدْرُونَ مَعْنَاهُ ، فلا بُدَّ أنَّا نَعْرِفُ المَعْنَى ، ولكنْ نَتَوَقَّفُ عن الكيفيَّةِ ، وعن الماهيَّةِ ، وَنَتَقَبَّلُ كلَّ مَا جاءَ بهِ الرَّسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلاَ نكونُ من الَّذينَ يَقُولُونَ : {نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ} [النساء:150] ، وهؤلاءِ يَنْطَبِقُ عليهم قولُهُ تَعَالَى: {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} [النساء:150] .
فالواجبُ ألاَّ نَرُدَّ شَيْئًا من المقالاتِ الَّتي قَالَهَا الرَّسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معَ ثُبُوتِهَا ، بلْ نُثْبِتُهَا ، ولا نَرُدُّ شَيْئًا ، ولا نَزِيدُ منْ عندِ أَنْفُسِنَا شَيْئًا لا دَلِيلَ عليهِ .
هذهِ هيَ طريقةُ أهلِ السُّنَّةِ ، فَطَرِيقَتُهُم نَفْيُ التَّشبيهِ ، وإثباتُ الصِّفاتِ بلا تَشْبِيهٍ ، عَمَلاً ببعضِ الآيَةِ الَّتي رَدَّتْ على الطَّائفتَيْنِ المُتَطَرِّفَتَيْنِ ؛ طائفةٌ مُشَبِّهَةٌ رَدَّ اللهُ عليهم بقولِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشُّورَى:11] ، وَطَائِفَةٌ مُعَطِّلَةٌ رَدَّ اللهُ عليهم بقولِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشُّورَى:11] .
فَكُلُّ طائفةٍ مُنَحَرِفَةٍ يُوجَدُ ما يُبْطِلُ قَوْلَهَا في كلامِ اللهِ تَعَالَى وكلامِ رسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(2) (الحدُّ) فيهِ خِلافٌ ؛ فَأَثْبَتَهُ كثيرٌ من العلماءِ، وَنَفَاهُ بَعْضُهُم.
والمرادُ بـ(الحَدِّ) : النِّهايَةُ.
فالصَّحيحُ أنَّا نَقُولُ : إنَّ اللهَ تَعَالَى بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ ، ليسَ في ذاتِهِ شيءٌ منْ مخلوقاتِهِ ، ولا في مخلوقاتِهِ شيءٌ منْ ذاتِهِ .
والَّذينَ نَفَوا الحدَّ فقالُوا : ليسَ للهِ حَدٌّ ، يَعْنِي: ليسَ لهُ نهايَةٌ، آلَ بهم القولُ إلى أن اعْتَقَدُوا مُعْتَقَدَ أهلِ الْوَحْدَةِ ، الَّذينَ قالُوا: إنَّ الوجودَ وَاحِدٌ ، وإنَّ وُجُودَهُ هذا هوَ عَيْنُ وُجُودِ المخلوقاتِ ، وهذا قولٌ شَنِيعٌ ، تَسْتَوْحِشُ منهُ عِنْدَمَا تَسْمَعُهُ .
فإذا وَرَدَت الأَدِلَّةُ قُلْنَا بِهَا ، وَتَجَرَّأْنَا عليها ، وَجَسَرْنَا على الكلامِ بها ، ولوْ أَنْكَرَ ذلكَ مَنْ أَنْكَرَ .
فَلاَ نَرُدُّ شَيْئًا منْ أجلِ إنكارِ هؤلاءِ ، ولا نَتَأَوَّلُهَا تَأْوِيلاً يُبْطِلُ مِنْ مَعْنَاهَا ما هوَ صَحِيحٌ ثابتٌ ، ولوْ شَنَّعَ مَنْ شَنَّعَ ، ولوْ عَابَنَا مَنْ عَابَنَا.
والتَّشْنِيعُ هوَ : الإنكارُ والعَيْبُ ؛ كما في البيتِ الَّذي قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ - واللهُ حَسِيبُهُ - عندَمَا يَسْمَعُ قولَ أهلِ السُّنَّةِ : ( إنَّ اللهَ اسْتَوَى بِلاَ كَيْفٍ ، وَإِنَّ اللهَ يَنْزِلُ بِلاَ كَيْفٍ ، وَإِنَّ اللهَ يَرَى بِلاَ كَيْفٍ) ، قالَ:

قـدْ شـَبَّهـُوهُ بــِخَلْقـِهِ فَتَخَوَّفُوا = شُنْعَ الوَرَى فَتَسَتَّرُوا بِالْبَلْكَفَهْ
سَمَّاهَا (البَلْكَفَةَ) لِقَوْلِهِم: ( بِلاَ كَيْفٍ) ، هكذا قالَ .
وَرَدَّ عليهِ علماءُ أهلِ السُّنَّةِ ، بلْ وَعُلَمَاءُ الأشاعرةِ أَيْضًا ، نَظْمًا وَنَثْرًا ؛ وذلكَ لأنَّهُ على مذهبِ المعتزلةِ ، وهُوَ صاحبُ (الكَشَّافِ) التَّفسيرِ المشهورِ .
وما دُمْنَا مُتَّبِعِينَ لِلدَّليلِ فإنَّنا نَخْتَصُّ بهِ وَيَفُوتُ غَيْرَنَا ، فَكُلُّ شيءٍ أَثْبَتَهُ اللهُ تَعَالَى نُثْبِتُهُ ، أوْ نَفَاهُ عنْ نَفْسِهِ نَنْفِيهِ .
وأمَّا ما أَنْكَرَهُ عَلَيْنَا أَضْدَادُنَا أوْ عَابُونَا بهِ فإنَّا لا نُبَالِي بِعَيْبِهِم وَثَلْبِهِم ، بلْ نَقُولُ : الحقُّ مَعَنَا ولوْ كُنْتُم جَمِيعًا ضِدَّنَا وَخِلاَفَنَا ، فَنَحْنُ نُثْبِتُ ما أَثْبَتَهُ القرآنُ الَّذي دَلاَلَتُهُ واضحةٌ ، وأنْتُمْ تَتَكَلَّفُونَ في نَفْيِهِ وفي تَحْرِيفِهِ ، وَتَرْكَبُونَ الصُّعُوبَاتِ في تأويلِهِ وفي صَرْفِهِ عنْ ظاهرِهِ، فَتَقُولُونَ : إنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75] ، أيْ: بِنِعْمَتِي، أوْ تَقُولُونَ في قولِهِ تَعَالَى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64] ، أيْ : قُدْرَتُهُ أوْ ما أَشْبَهَ ذلكَ ، هذا مِن التَّأويلِ الَّذي فيهِ تَكَلُّفٌ ، وكذلكَ بَقِيَّةُ الصِّفاتِ .
وهذا الأثرُ عن الإمامِ أحمدَ مَعْمُولٌ بهِ ، والكلماتُ الَّتي تُنْكَرُ - مثلُ قَوْلِهِ: (لا حدَّ ولا غَايَةَ) ، (لا كيفَ ولا معنَى ) - مَحْمُولٌ مَحْمَلاً يُنَاسِبُ المَقَامَ ، أنَّ المرادَ بالمعنَى الكُنْهُ ، وأنَّ المرادَ بالحَدِّ والغايَةِ المُنْتَهَى ، لا أنَّهُ يُرِيدُ بذلكَ التَّفسيرَ ، فإنَّا نُفَسِّرُهَا وَنَفْهَمُ مَدْلُولَهَا .
(3) هذا تَكْمِيلُ الأثرِ الَّذي رُوِيَ عن الإمامِ أحمدَ رَحِمَهُ اللهُ في أنَّهُ يُثْبِتُ أنَّ التَّمَسُّكَ يكونُ بالقرآنِ ، وأنَّ القرآنَ هوَ المُعْتَمَدُ ، وكذلكَ الصَّحيحُ من السُّنَّةِ ، وأنَّ طَرِيقَتَنَا أنْ نَتَقَبَّلَ كلَّ ما جاءَ بهِ القرآنُ والسُّنَّةُ ، ولا نَرُدَّ شَيْئًا مِنْ ذلكَ ، وأنَّا لا نَأْتِي بِشَيْءٍ منْ قِبَلِ أَنْفُسِنَا ، فَنَكُونَ زِدْنَا في الصِّفاتِ ما ليسَ منها ، وإنَّما نَقْتَصِرُ على ما وَرَدَ ، نَصِفُ اللهَ بما وَرَدَ ، وبما أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ أوْ أَثْبَتَهُ لهُ مَنْ أَرْسَلَهُ .


  #4  
قديم 23 ذو القعدة 1429هـ/21-11-2008م, 02:44 PM
محمد العاني محمد العاني غير متواجد حالياً
هيئة التدريس
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 32
افتراضي شرح الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله تعالى

هذا الكلامُ من إمام أهلِ السنَّةِ والجماعةِ أبي عبدِ اللهِ أحمد بنِ محمَّدِ بنِ حنبلَ الشَّيبانيِّ ، المتوفَّى سنةَ إحدى وأربعين ومئتين للهجرةِ ، الإمامُ الَّذي نصرَ اللهُ - جلَّ وعلا - بهِ السنةَ ، وقمعَ به البدعةَ ، وجعله - جلَّ وعلا - في وقتِهِ ميزاناً يوزَنُ به النَّاسُ ، يقول فيه : إنَّنَا نؤمنُ بما جاء من النُّزولِ وغيرِ ذلك من آياتِ الصّفاتِ كما جاء ، لا نتجاوزُ القرآنَ والحديثَ .
قال: (بلا كيفٍ ولا معنى) وهذا الكلامُ منه -رحمه اللهُ تعالى رحمةً واسعةً- أشكلَ على بعضِهِم كيف يقولُ: (بلا كيفٍ ولا معنًى).
وحقيقةُ هذا اللفظِ الَّذي ورد عنه أنَّهُ يوافقُ مذهبَ المفوّضةِ .
والمفوِّضةُ : طائفةٌ كانت تقولُ : (نؤمنُ بالألفاظِ بلا معانٍ) ، يعني: نفوِّضُ المعنى والكيفيَّةَ جميعاً ، وهذا معتقدٌ باطلٌ وبدعةٌ شنيعةٌ.
وإنَّما الواجبُ تفويضُ العلمِ بالكيفيَّةِ ، أمَّا المعنى فهو ظاهرٌ ؛ لأنَّ القرآنَ أنزلَ بلسانٍ عربيٍّ مبينٍ .
فإذا كان أهلُ السّنَّةِ والجماعةِ يؤمنون بالألفاظِ والمعاني ، يعني: بما دلّ عليه اللفظُ من كلامِ العربِ ، فكيف إذاً يُحمَلُ كلامُ الإمامِ أحمدَ في قولِهِ : (بلا كيفٍ ولا معنى) ؟
وهذه أيضاً ممَّا أُخذَ على المؤلِّفِ ، حيثُ لم يوضحِ المرادَ بكلمةِ الإمامِ أحمدَ ، وأهلُ العلمِ يقولون :
إنَّ الإمامَ أحمدَ أرادَ بقولِهِ: (بلا كيفٍ ولا معنىً) الردّ على طائفتينِ:
الطَّائفةِ الأولى : المشبّهةِ المجسّمةِ ، ردَّ عليهم بقولِهِ: (بلا كيفٍ) يعني: الكيفيَّةَ الَّتي تتوهَّمُها العقولُ ، أو وَصفَ اللهَ - جلَّ وعلا - بها المجسِّمةُ أو الممثِّلةُ .
وقولُهُ: (ولا معنًى) ردّ بها -رحمهُ اللهُ- على المعطِّلةِ الَّذين جعلوا معانيَ النّصوصِ على خلافِ الظَّاهرِ المتبادرِ منها، فقالُوا: (إنَّ معنى النّزولِ: الرَّحمةُ).
وقالوا: (إنَّ معنى الاستواءِ : الاستيلاءُ).
وقالوا: (إنَّ معنى الرَّحمةِ: الإرادةُ ، إرادةُ الإحسانِ أو إرادةُ الخيرِ ، وإنَّ الغضبَ معناه إرادةُ الانتقامِ ) ونحوُ ذلك ، فهذا تأويلٌ منهم .
فالإمامُ أحمدُ يقول : (بلا كيفٍ) الكيفُ الَّذي جعله المجسّمَةُ ، و(لا معنى) الَّذي جعله المعطّلةُ ، يعني: المعنى الباطلَ الَّذي صرفَ الألفاظَ إليه المبتدعةُ المؤوِّلةُ .
فإذاً قولُهُ: (بلا كيفٍ ولا معنىً) يريد بقولِهِ: (ولا معنىً) : المعنى الباطلُ الَّذي تَأوَّلَ به وإليه المبتدعةُ نصوصَ الصِّفاتِ والنُّصوصَ الغيبيَّةَ.
وهذا نأخذُ منه قاعدةً مهمَّةً: وهي أنَّ طالبَ العلمِ الَّذي يعتني بأمرِ الاعتقادِ يجبُ عليه أن يفهمَ اعتقادَ أهلِ السّنَّةِ والجماعةِ تماماً ، فإذا فهمَهُ وورد بعد ذلك ألفاظٌ مشكلةٌ عن الأئمَّةِ ، عن التَّابعينَ ، عن تابعي التَّابعينَ ، عن بعضِ الأئمةِ ، فإنَّهُ بفهمِهِ للاعتقادِ الصَّحيحِ سيوجِّهُ معناها إلى معنًى مستقيمٍ ؛ لأنَّهُ لا يُظنُّ بالإمامِ أحمدَ وهو إمامُ أهلِ السّنَّةِ والجماعةِ الَّذي حكمَ بالبدعةِ على المفوِّضةِ أنَّه يقولُ : (ولا معنًى) يعني : ليس للآياتِ والأحاديثِ معنى يُفهَمُ منها بتاتاً.
فإذاً؛ فهمُكَ لأصول الاعتقادِ وأصولِ ما كان عليه أهلُ السّنَّةِ والجماعةِ، وضبطك لذلك ، به يمكنكَ أن تجيبَ عن كثيرٍ من الإشكالاتِ.
ونحن في هذا الزَّمانِ ربَّما كتبَ بعضُ النَّاسِ كتاباتٍ في أنَّ السَّلفَ يقرُّونَ التَّأويلَ ، وأنه وُجدَ التَّأويلُ للصِّفاتِ في زمنِ الصَّحابةِ ، أو وُجدَ مثلُ الصَّحابةِ من ينكرُ بعضَ الصِّفاتِ ، أو وُجد في التَّابعين من يؤوِّلُ ، أو الإمامُ أحمدُ أوَّلَ ، ونحوُ ذلك!.
وهذا من جرَّاءِ عدمِ فهمِهِم لأصولِ أهلِ السّنَّةِ والجماعةِ ، وابتغاءِ الفتنةِ وابتغاءِ التَّأويلِ الَّذي وصف اللهُ - جلَّ وعلا - به الزَّائغين .
وإذا فهمت الصَّوابَ ، وفهمت المنهجَ الحقَّ والاعتقاد الحقَّ ، فإنَّه يمكن بذلك أن تجيبَ عمَّا ورد عن بعضِ أئمَّةِ أهلِ السّنَّةِ من ألفاظٍ ربَّما خالف ظاهرُها المعتقدَ ، أو ظُنَّ أنَّ فيها شيئا من التَّأويلِ ، يمكن أن تجيبَ عليها بأجوبةٍ محقَّقةٍ واضحةٍ ، وهذه قاعدةٌ مهمَّةٌ ، مثل ما ترون من كتاباتٍ نُشِرَتْ فيما مضى ، بل ربَّما تنشر إلى الآن ، من أنَّ الأمرَ في التَّأويلِ وأمرِ الاعتقادِ ، السَّلفُ اختلفوا في الاعتقادِ ، فلا تجعلوا الاختلافَ في العقيدةِ سبباً للتَّفريقِ وسبباً لكذا! ثمَّ يستدلُّ ببعضِ أقوالِ الإمامِ أحمدَ ، وبعضِ أقوالِ الصَّحابةِ ، وبعضِ أقوالِ التَّابعين ، وهو كأنَّما يتصيَّد تلك ليلبِّسَ بها ، ولو كان يفهم معتقدَ أهلِ السّنَّةِ والجماعةِ فهماً كاملاً ، لأمكنَ الإجابةَ عن تلك بوضوحٍ .
وذلك من مثل ما يُذكرُ ، بل ما ثبتَ عن ابنِ عبَّاسٍ أنَّه قال في قولِهِ تعالى: {يومَ يُكْشَفُ عن سَاقٍ ويدعونَ إلى السجودِ فلا يستطيعونَ} قال: {يُكشفُ عن ساقٍ} يعني : (يكشفُ عن شدَّةٍ ، كما يُقالُ: كشفَتِ الحربُ عن ساقِها ، يعني : كشفت الحربُ عن الشّدَّةِ والبأسِ) .
قال: فهذا يدلُّ على أنَّ ابنَ عبَّاسٍ لا يُثبتُ صفةَ السَّاقِ للهِ جلَّ وعلا، وأين هذا من المدّعَى ؟ لا شكَّ أنَّ هذا خلافُ ما يقتضيه العلمُ ؛ كونُ هذا القولِ ثابتاً عن ابنِ عبَّاسٍ -رضي اللهُ عنه- لا يعني أنَّهُ ينفي صفةَ السَّاقِ ؛ لأنَّ صفةَ السَّاقِ جاءت موضّحةً في حديثِ أبي سعيدٍ الخدريِّ وفي غيرِهِ حيثُ قال : ((ثمَّ يكشفُ ربُّنا عن ساقِهِ )) فإذا أضيف لم يحتملْ إلا الصّفةَ ؛ لأنَّ الذَّواتِ إذا أضيفت فإمَّا أن تقتضي الإضافة التَّشريفَ أو الصّفةَ ، وهذا لا يقتضي التَّشريفَ وإنَّما يقتضي الوصفَ .
وأمَّا إذا لم يُضَفْ في الآيةِ فصحيحٌ ، يمكنُ أن يحملَ على ما فَسَّرتْ به العربُ من أنَّها تقول: (كُشفَ اليومَ عن ساقٍ) يعني: عن شدَّةٍ ؛ لأنَّه في الآية لم ترد مضافةً ، فاحتمل أن يكون المرادُ الكشفَ عن الشِّدَّة ، ولهذا فسَّر ابنُ عبَّاسٍ وغيرُهُ الآيةَ بهذا .
بينما نقول : إنَّ الصَّحيحَ هو ما فَسَّرَ الآيةَ بهِ عامةُ الصحابةِ والتابعين من أن المراد بـ: {يوم يكشف عن ساق} أنَّه يكشفُ عن ساقِ اللهِ جلَّ وعلا ، لأنَّه دلّ على ذلك ، وفسَّرَه النَّبيُّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - وهل يُؤخَذُ تفسيرُ القرآنِ عن أحدٍ أفهمَ من رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وهو - عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ - بيّن ذلك فيما رواه البخاريُّ في (صحيحه) من حديثِ أبي سعيدٍ الخدريِّ، ورواه غيرُهُ أيضاً.


  #5  
قديم 23 ذو القعدة 1429هـ/21-11-2008م, 02:46 PM
محمد العاني محمد العاني غير متواجد حالياً
هيئة التدريس
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 32
Post شرح الشيخ:صالح الفوزان .حفظه الله (مفرغ)

المتن:قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ـ رضي الله عنه ـ.
الشرح: قول: رضي الله عنه الأصل ألا يقال إلا في الصحابة، لكن يجوز أيضاً أن يقال للأئمة، أئمة العلم،يقال رضي الله عنهم؛ لأن هذا دعاء، دعاء لهم بالرضى، والدعاء للعلماء وللمؤمنين مشروع.

المتن: في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينزل إلى سماء الدنيا)و(إن الله يُرى في القيامة).
الشرح: المصنف ـ رحمه الله ـ: لما ذكر وجوب الإيمان بنصوص الأسماء والصفات على ما جاءت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ أراد أن يذكر مذهب السلف، فذكر كلاماً للإمام أحمد وكلام للإمام الشافعي، وكلاماً لعبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ، وكلاماً لأمير المؤمنين الخليفة ـ الراشد ـ عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وكلاماً للأوزاعي، إمام أهل السنة في وقته، وكل هذا سيأتي إن شاء الله، فهذه نماذج من أقوال السلف الصالح في هذا الباب.

المتن: (في قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله ينزل إلى سماء الدنيا) و(إن الله يرى يوم القيامة) وما أشبه هذه الأحاديث نؤمن بها، ونصدق بها).
الشرح: يقول الإمام أحمد: نؤمن بها، بهذه النصوص،
نزول الله ـ جل وعلا ـ إلى سماء الدنيا وما أشبه ذلك، وأنه يُرى يوم القيامة عياناً بالأبصار، يراه المؤمنون بأبصارهم عياناً،وما أشبه هذه النصوص يقول: نؤمن بها ونصدق بها، خلافاً للمبتدعة الذين لا يؤمنون بها، ويقابلونها بالتكذيب أو بالتأويل والتحريف.

المتن: (نؤمن بها، ونصدق بها لا كيف ولا معنى؟) لكن هذا العطف من باب التأكيد
الشرح: نؤمن بها ونصدق بها بمعنى واحد، لكن هذا العطف من باب التأكيد،(لا كيف)،لا نبحث عن كيفيتها، فيقال: ينزل إلى سماء الدنيا، كيف ينزل؟ الكيفية لا يعلمها إلى الله، ينزل كما شاء ـ سبحانه وتعالى ـ، لأنه لا يعلم عظمته ـ سبحانه ـ، وقدرته إلا الله ـ جل وعلا ـ، فنحن لا نبحث عن كيفية نزوله، هل يخلو منه العرش أو لا يخلو؟ وكيف ينزل إلى سماء الدنيا وثلث الليل يختلف باختلاف الأقاليم؟ من الذي خلق الأقاليم؟ ومن الذي خلق الليل والنهار؟ هو الله ـ جل وعلا ـ فهو القادر ـ سبحانه وتعالى ـ أن ينزل كيف يشاء، وإن كانت تختلف الأقاليم في ثلث الليل، هذا بالنسبة لنا، أما بالنسبة لله ـ جل وعلا ـ فهو قادر على كل شيء، لا نتدخل في كيفية نزوله ولا نسأل عنها.
وكيف يرى يوم القيامة؟ نقول: لا نبحث في هذا، نثبت أنه يرى بالأبصار عياناً، كما يرى القمر ليلة البدر، وكما ترى الشمس صحواً ليس دونها سحاب، نؤمن بهذا، ولا نبحث في كيفية الرؤية؛ لأن هذا لا يعلمه إلا الله ـ سبحانه وتعالى ـ، (وجاء ربك) كيف يجيء؟ نقول: لا نبحث عن الكيفية، لكن نثبت أنه يجيء ـ سبحانه وتعالى ـ كما يليق بجلاله فنحن نؤمن بالصفات، ونعرف معناها، ولكن لا نبحث عن الكيفية، ولهذا قال: ولا كيف.(ولا معنى) المراد بهذه اللفظة، لا معنى، أي المعنى الذي يفسره به المبتدعة، وهو التأويل، ليس المراد نفي المعنى الحقيقي، فإن معناها معروف كما يقول الإمام مالك: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه ـ أي عن الكيفية ـ بدعة. فمعنى قوله: (ولا معنى) أي المعنى الذي يريده أهل الضلال. وهو التأويل: كتأويل اليد بالقدرة، والمجيء بمجيء أمره، والنزول نزول أمره، وما أشبه ذلك،
هذه معاني جاؤوا بها من عند أنفسهم، فنحن ننفيها، وليست هي المعاني التي أرادها الله ـ سبحانه وتعالى ـ، فهو لا يريد نفي المعنى الذي هو معنى الكلام في اللغة العربية، وإنما يريد نفي المعنى المحدث؛ لأنه يرد على المبتدعة، فهو يرد المعنى الذي قصدوه وأحدثوه، هذا المقصود، فلا يتعلق بهذه العبارة من يريد التلبيس ويقول:إن الإمام أحمد مفوض، يقول: لا معنى، هذه طريقة المفوضة، والإمام أحمد ليس من المفوضة، هو من المفوضة في الكيفية، الكيفية يجب تفويضها، أما المعنى اللُغوي فهذا واضح، لا يفوض بل يفسر ويبين.
المتن: (لاكيف و لامعنى).
الشرح:عرفنا ولامعنى، لاكيف هذا واضح،يعني لا نبحث في الكيفية، ولا معنى، هذا نفي للمعنى الذي يريده أهل الضلال، التفسير الذي يفسره أهل الضلال، ويصرفون به الألفاظ عن ظواهرها، فهذا المعنى مردود.

المتن: (ولا نرد شيئاً منها؟)
الشرح: لا نرد شيئاً منها، كما يرده المبتدعة؛ الذين زعموا أنها تخالف عقولهم، فيردون النصوص، ويُحكمون العقول،هذه طريقتهم يحكمون العقول ويردون النصوص.

المتن: (ونعلم أن ما جاء به الرسول حق؟)
الشرح:ماجاء به الرسول حق، ليس فيه خطأ، وليس فيه تضليل ولا تلبيس، وإنما هو حق على حقيقته، جاء به أصدق الخلق عليه الصلاة والسلام، الذي لا ينطق عن الهوى، الأمين المأمون عليه الصلاة والسلام، فما جاء به حق على ظاهره وعلى حقيقته.

المتن: (ولا نرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم)
الشرح: كما يفعل أهل الضلال الذين يردون على الرسول صلى الله عليه وسلم، قَوَله فالرسول يقول: "ينزل ربنا" وهم يقولون: لا ينزل بذاتته بل ينزل أمره، فيستدركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقولون: الرسول ما بين الحقيقة، قال: ينزل ربنا، والواقع أنه ينزل أمره، فهذا استدراك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك (وجاء ربك) يقولون: و إنما يجي أمره،هذا استدراك على القرآن، استدراك على رب العالمين ـ سبحانه وتعالى ـ.

المتن: (ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه)
الشرح: كذلك نحن نتبع ولا نبتدع، لا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه؛ لأن الأسماء والصفات توقيفية، فنحن لا نسمي ربنا، ولا نصفه إلا بما جاء في الكتاب و السنة، ولا نحدث له أسماء من عند أنفسنا، ولا نحدث له صفات من عند أنفسنا، فهذه قاعدة: أن الأسماء والصفات توقيفية، لا يثبت منها إلا ما جاء في الكتاب والسنة.

المتن: (ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه، بلا حد ولا غاية).
الشرح: (بلاحدولاغاية) أي ـ أننا لا نكيف صفات الله ـ سبحانه وتعالى ـ فنذكر حدودها وغاياتها وكيفيتها، هذا ليس من علمنا ولا هو في مقدورنا، لا يعلم حدودها وغاياتها وكيفيتها إلا الله ـ سبحانه وتعالى ـ.

المتن: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
الشرح: هذه الآية الكريمة هي القاعدة في هذا الباب، أن الله ـ جل وعلا ـ ليس كمثله شيء، فله أسماء وصفات لا تشبهها صفات المخلوقين وأسمائهم، وإن كانوا يوصفون بها، ويسمون بها، لكن مع الفارق العظيم، فالخالق له سمع،والمخلوق له سمع، الخالق له بصر، والمخلوق له بصر، الله يتكلم، والمخلوق يتكلم، لكن مع الفارق بين صفات الخالق وصفات المخلوق،فنحن لانشبه صفات الرب بصفات الخلق، بل نؤمن أن صفات الخالق تليق به، وهي خاصة به ـ جل وعلا ـ، وصفات المخلوقين خاصة بهم وتليق بهم، (ليس كمثله شيء) ليس السمع كالسمع، ولا البصر كالبصر، ولا القدرة كالقدرة، ولا اليد كاليد، ولا الوجه كالوجه، فلا مشابهة بين صفات الخالق وصفات المخلوقين (ليس كمثله شيء) هذا رد للتشبيه،{ وهو السميع البصير}، هذا رد للتعطيل،رد على الذين ينفون أسماء الله وصفاته، فالله أثبت لنفسه الأسماء والصفات{ وهو السميع البصير} السميع هذا اسم من أسمائه، والبصير اسم من أسمائه، والسمع والبصر صفتان من صفاته ـ سبحانه وتعالى ـ يبصرـ سبحانه وتعالىـ ما يفعله الخلق، (والله بما تعملون بصير) يبصر ما تعملونه، لا تَخفون عليه ـ سبحانه ـ (الذي يراك حين تقوم، وتقلبك في الساجدين، إنه هو السميع العليم)، (إنني معكما أسمع وأرى) يقول: لموسى وهارون، (إنني معكما أسمع وأرى) معناه: يسمع ما يقوله لهم فرعون، ويرى ما يقابلهم به من الجبروت والطغيان وهو سبحانه معهما بحفظه ونصره وتأييده.


المتن: (ونقول كما قال)
الشرح: ونقول كماقال الله ـ سبحانه وتعالى ـ (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) هذه الآية نتخذُها قاعدة في باب الأسماء والصفات، ونرد بها على المشبهة، ونرد بها على المعطلة.
المتن: (ونصفه بما وصف به نفسه، لا نتعدى ذلك)
الشرح: كما سبق نصفه بما وصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، لا نتعدىذلك؛ لأن هذا الباب توقيفي، لا مدخل فيه للعقول والأفكار والإستحسانات.

المتن:(ولا يبلغه وصف الواصفين.)
الشرح: لا أحد يستطيع أن يصف الله ـ جل وعلا ـ، وإنما الله ـ جل وعلا ـ هو الذي يصف نفسه، أو يصفه نبيه عليه الصلاة والسلام، أما غير النبي من الخلق فلا يستطيع أن يصف الله ـ جل وعلا ـ قال تعالى: (ولا يحيطون به علما) ولا يحيطون به أي بالله ـ جل وعلا ـ علم، أنت إذا كنت تجهل الشيء، هل تستطيع أن تصفه؟ ما تستطيع أن تصف الشيء الذي لا تعلمه، فأنت لا تعلم ذات الله ـ جل وعلا ـ، فلا تستطيع أن تصف ذاته ـ سبحانه وتعالى ـ، وإنما هو الذي يصفها، أو يصفه رسوله صلى الله عليه وسلم بما يوحيه إليه؛ لأنه أعلم بنفسه، وبغيره ـ جل وعلا ـ أما أنت لا تعلمه.

المتن:(ونؤمن بالقران كله، محكمه ومتشابهه.)
الشرح: هذه طريقة الراسخين في العلم، نؤمن بالقرآن كله، محكمه ومتشابهه، فنرد المتشابه إلى المحكم، ونفسره به، كل من عند ربنا، أما الذي يأخذ المتشابه، ويترك المحكم، فهذا يؤمن ببعض الكتاب، ويكفر ببعض، فالذي يأخذ أول الآية ويقول: (ليس كمثله شيء) ويقول: هذا يدل على نفي الصفات؛ لأننا لو أثبتنا الصفات أثبتنا المشابهة، هذا من الذين في قلوبهم زيغ؛ لأنه لم يأخذ بالآية كلها، في آخرها يقول: (وهو السميع البصير) أثبت لنفسه الأسماء والصفات، فدل على أن إثباتها لا يقتضي المشابهة.
وكذلك الذي يأخذ آخر الآية، ويقول: (وهو السميع البصير) هذا معناه أنه يشابه خلقه، لا فرق بين سمع الخلق وسمع الخالق، نقول هذا مشبه- والعياذ بالله- يترك أول الآية (ليس كمثله شيء) ويأخذ بآخرها هذا مشبه، والذي يأخذ بأولها ويترك آخرها، هذا معطل.
وأما المؤمن المؤحَّد؛ فهو الذي يأخذ الآية كلها، ويقول: (كل من عند ربنا).

المتن:(ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت)
الشرح: نثبت لله ما وصف به نفسه، ولو شَّنَع علينا المعطلة، وقالوا، أنتم مشبهة، أنتم مجسمة، أنتم حشوية، إلى آخر ما يقولون، فأهل الضلال يصفون أهل التوحيد والإثبات يصفونهم بأنهم مجسمة، ويصفونهم بأنهم مشبهة، إلى آخر ما يقولون، عنهم ويصفونهم به من الأوصاف القبيحة. فنحن لا نعبأ بهذه المقالات، ما دمنا متبعين كتاب الله وسنة رسوله؛ فلا يضيرنا أن يقولوا فينا ما قالوا من الألقاب، لأننا نريد إرضاء ربنا، ولا نريد إرضاء الخلق.

المتن:(ولا نتعدى القرآن والحديث.)
الشرح: هذا يؤكد ما سبق، فإن الأسماء والصفات توقيفية، وكذلك كل علم الغيب، من أمور الآخرة، وأمور القبر، كلها من علم الغيب، لا نتكلم إلا بما جاء به الدليل ولا نتعدى الأدلة.

: (ولا نعلم كيف كنه ذلك إلا بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم.)
الشرح: لا نعرف الكيفية، نحن نعرف المعنى، ونثبته، لكننا لا نعرف الكيفية، كيفية الأسماء والصفات، ولذلك لما قال: رجل للإمام مالك ـ رحمه الله ـ: (الرحمن على العرش استواء) كيف استوى؟ يسأله عن الكيفية، فأطرق الإمام مالك ـ رحمه الله ـ ثم رفع رأسه، وقد علته الرحضاء يعني العرق، حياءً من الله ـ سبحانه وتعالى ـ فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا رجل سوء، ثم أمر به، فأخرج من المجلس.
فنحن نصدق الرسول صلى الله عليه وسلم وإن لم نعلم كيفية ذلك، نصدقه؛ لأنه رسول الله، مبلغ عن الله ـ سبحانه وتعالى ـ، (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)، (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) فالذي لا يصدق الرسول في هذه الأمور وهي أعظم الأمور؛ لأنها من العقيدة، بل هي صلب العقيدة، فالذي لا يصدق الرسول فيها لا يكون مطيعاً للرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يكون مؤمناً به صلى الله عليه وسلم حتى يؤمن بالأسماء والصفات.
المتن: (إلا بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وتثبيت القران)
الشرح: نحن نتبع الرسول، ونتبع القرآن، فما أثبته الرسول أثبتناه، وما أثبته القرآن أثبتناه، وما نفاه القرآن أو نفاه الرسول نفيناه، ولا نتعدى القرآن والسنة في النفي والإثبات، هذه طريقة السلف الصالح.


  #6  
قديم 23 ذو القعدة 1429هـ/21-11-2008م, 02:48 PM
محمد العاني محمد العاني غير متواجد حالياً
هيئة التدريس
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 32
Post تيسير لمعة الاعتقاد للشيخ: عبد الرحمن بن صالح المحمود .حفظه الله (مفرغ)

ولهذا نقل الشيخ رحمه الله تعالى كلام إمام أهل السنة ؛ أبي عبدالله أحمد ابن حنبل رحمه الله تعالى في قول الرسول r : (( إن الله ينزل إلى سماء الدنيا ))(1) ,
و(( إن الله يُرى في القيامة ))(2) وما أشبه هذه الأحاديث موضحاً موقف أهل الإيمان والسنة من هذه النصوص .
ويلاحظ أن الإمام أحمد هنا استشهد بأحاديث , فيها دليل على إثبات الصفات لله سبحانه وتعالى بالسنة الصحيحة , فنزول الله تعالى إلى سماء الدنيا ثابت , دلت عليه أحاديث صريحة صحيحة كثيرة , ونزوله كما يليق بجلاله وعظمته , هكذا يثبته أهل أسنة والجماعة .
كذلك أيضاً رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة عياناً بأبصارهم , دلت عليها الأحاديث المتواترة(3) , وغيرها من الأحاديث التي قال عنها الإمام أحمد : ((نؤمن بها ونصدق بها لا كيف )) أي لا نكيفها؛ لأننا لا نعلم ذات الله تعالى فلا نكيف صفاته.
ثم قال : (( ولا معنى )) أي لا نتأولها إلى المعاني الأخرى الباطلة , فنأتي لها بمعان جديدة تخالف ما دلت عليه النصوص , ولهذا قال : (( ولا نرد شيئاً منها , ونعلم أن ما جاء به الرسول حق ولا نرد على رسول الله r )).
ولما كان أحد الأئمة وهو إسحاق بن راهوية عند ابن طاهر أمير خراسان , يحدث ويقرأ عليه الأحاديث , قرأ عليه بأسانيده أحاديث النزول بطرقها (( إن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر , فيقول : هل من سائل فأعطيه , هل من مستغفر فأغفر له , هل من تائب فأتوب عليـه ))(4), فقال عبدالله بن طاهر ـ وفي إحدى روايات القصة أحد الجالسين ـ: كيف تحدث بهذه الأحاديث التي فيها : إن الله ينزل ؟! وهذا الإعتراض قد يقع لبعض من يسمع مثل هذه الأحاديث فلا يقبلها ,بل يستنكرها ثم يتأولها ويقول : إن الذي ينزل هو رحمته , أو أمره , أو ملك من الملائكة .
وإنما يقولون ذلك لأنهم يستثقلون مثل هذا الحديث , الذي ثبت عن النبي r بطرق عديدة صحيحة , ويظنون أنه يلزم منه التشبيه , وأن نزول الله سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا كنزول المخلوقين .
فلما اعترض هذا الرجل أو هذا لأمير , وقال : كيف تحدث بهذه الأحاديث ؟ قال له إسحاق بن راهوية : يا أمير , هذه أحاديث رسول الله r نرويها ؛ بها نحرم الحرام , وبها نحلُّ الحلال , وبها نستحل الفروج , وبه تُقطع الرقاب . يعني نثبت بها الأحكام , فنفس الإسناد الذي نقطع به رقبة فلان شرعاً هو نفسه الإسناد الذي نحدث عن طريقه بمثل هذا الحديث عن رسول الله r , فإذا رددنا مثل هذا لزم رد الشريعة الإسلامية من أولها إلى آخرها , ورد سنة الرسولr كلها .
وقد كان الأئمة رحمهم الله تعالى يروون هذه الأحاديث لا يفرقون بينها , ما دامت صحيحة الإسناد , ثابتة إلى رسول الله r , فما دلت عليه من صفة فإنهم يثبتونها كما لودل عليها القرآن , فلا يفرقون بين القرآن والسنة في إثبات ذلك .
ومن ثم قال الإمام أحمد : (( ولا نردُّ على رسول اللهr )) . فما دام الإسناد ثابتاً , فإننا نؤمن به نصدق ونثبت هذه الصفات , كما يليق بجلاله وعظمته من غير تحريف ولا تعطيل , ومن غير تكييف ولا تمثيل .
ثم قال : (( ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية , {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] ونقول كما قال ونصفه بما وصف به نفسه )) .
قوله : (( ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه )) , هذا قيدٌ مهم في منهج أهل السنة والجماعة , بمعنى أن الأسماء والصفات توقيفية ؛ إذ ليس كل معنى صحيح نثبته لله سبحانه وتعالى صفة بحجة أن معناه صحيح .
كما أنه لا يجوز أن نأتي إلى كل عبارة صحيحة ونقول : قال رسول الله r:
ثم نذكر هذه العبارة فلا نقول مثلاً : قال رسول الله r : افعل الخير , وأحسن
إلى جارك إحساناً في الليل وفي النهار . فليس لنا لكون هذا المعنى صحيحاً أن نقول : لا يمتنع أن يقوله الرسول r , فالمعنى ولو كان صحيحاً , لا يجوز أن ننسبه إلى رسول الله r ما لم يثبت عنه بالإسناد الصحيح .
وكذلك أيضاً لا نأتي إلى صفة من الصفات وإن كان معناها صحيحاً
ونقول : هذه صفة يجوز أن نثبتها لله .
ومثال ذلك أن بعض الناس تعجبهم كلمة مهندس , ويقولون : إن فن الهندسة الآن يعتبر من الفنون الدقيقة الرائعة التي تدل على الإحكام والدقة إلى آخره , وإن هذا الكون بخلقه رائع وعظيم جداً , فما المانع أن نقول : إن الله هو مهندس هذا الكون , فنجعل المهندس من أسمائه تعالى ومن صفاته هذه الصفة ؟
فنقول : هذا لا ينبغي وإن كان المعنى صحيحاً , لأنه لا يجوز لنا أن نصف الله إلا بما ورد.
ولكن بعض العلماء قال : يُتسأهل في باب الإخبار , أي حينما تخبر أو تشرح أو تترجم ، فلا مانع من أن تأتي بكلمات صحيحة المعنى لا نقص فيها تنسبها إلى الله سبحانه وتعالى ولو لم ترد وذلك من باب الإخبار والشرح والتوضيح . فتقول : إن الله صنع هذا الكون مثلاً ؛ تريد أن تشرح أو توضح , ولكن لا يعني ذلك أن تقول : إن من أسمائه سبحانه وتعالى (( الصانع )) ما لم يثبت هذا الاسم , ونوضح هذا فنقول : في باب الإثبات , حينما تثبت لله اسماً من أسمائه أوصفة من صفاته , لابد أن يكون قد دل عليها الدليل من كتاب الله أو من سنة الرسول r . وفي باب الإخبار قد يتسأهل في ذلك , فيجوز وأنت تخبر أو توضح أو تشرح أو تترجم إذا كان كلامك يتعلق بالله سبحانه وتعالى أن تأتي بالعبارات اللائقة بالله تعالى وإن لم يكن ورد بها النصّ , شريطة ألا تثبتها لله اسماً من أسمائه أو صفة من صفاته .
فقول الإمام أحمد رحمه الله : (( ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه , بلا حد ولا غاية )) لتقرير منهج أهل السنة والجماعة في باب أسماء الله وصفاته , وهو أنهم يثبتون ما أثبته الله وأثبته رسوله r و من غير نقص ؛ سواء كان هذا النقص بنفي أو تعطيل أو نحو ذلك , وبغير زيادة , فلا يأتون من عند أنفسهم بصفات ولو ظنوها عليا ، أو بأسماء ولو ظنوها حسنى , ليصفوا الله سبحانه وتعالى بها ، بل صفات الله سبحانه وتعالى عمادها التوقيف عل ما ورد ، حيث نثبت ما ورد إثباته , وننفي ما ورد نفيه , ونتوقف عما لم يرد إثباته ولا نفيه .
وقوله : (( بلا حدٍ ولا غاية )) . مقصوده رحمه الله : أننا نثبت لله سبحانه وتعالى هذه الصفات على ما يليق بجلاله وعظمته , ونقول : إن صفاته ليس لها غاية , فليس لعلم الله - مثلاً - غاية ومنتهى , كما أنه ليس لكلام الله سبحانه وتعالى غاية ومنتهى .
فالله سبحانه وتعالى بكل شيء عليم , يعلم ما كان , وما لم يكن لو كان كيف كان يكون , كما أن كلامه تعالى لا ينقضي كما قال تعالى : {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّه} [لقمان: 27] وفي الآية الأخرى : {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} [الكهف:109] .
قال العلماء في تفسير هاتين الآيتين : إن العدد غير مراد , ولا يعني أنه لو جئنا بسبعة أبحر نفدت كلمات الله , بل لو جئنا بسبعة وسبعة وسبعة ما نفدت كلمات الله أبداً . ومعنى الآيتين : أننا لوقطَّعنا الأشجار التي على الأرض ، وبرينا غصونها وأعوادها لتتحول إلى أقلام , ثم تحول البحر إلى مدادٍٍ وحبر , وكتب بتلك الأقلام وبذلك المداد كلمات الله , ما نفدت كلمات الله أبداً ، وهذا من عظمة الله سبحانه وتعالى , فلكل مخلوق منتهى , أما الخالق سبحانه وتعالى فلا منتهى لأمره وعلمه , ولا لكلامه سبحانه وتعالى .
فإن ربنا تبارك وتعالى عظيم عظمة لا يمكن أن يتصورها مخلوق , ومهما تصور المخلوق فالله أعظم من ذلك . وأقرب مثالٍ على ذلك أننا إذا قلنا إن السموات والأرض كلها بمجراتها , وأفلاكها , في يد الرحمن سبحانه وتعالى كخردلة في يد أحدكم , تبين جلال عظمة الله سبحانه وتعالى , وكيف أننا لا نستطيع ولن نستطيع أن نقدر الله حق قدره سبحانه وتعالى .
هذا معنى قول ابن قدامة أن صفاته نثبتها بلاحدٍّ ولا غاية , أي لا نجعل لصفاته منتهى ، فهو العظيم الذي لا عظيم فوقه سبحانه وتعالى .
ولكن كلمة الحدِّ هنا فيها إجمال , حيث ورد عن بعض السلف إثبات الحدِّ لله سبحانه وتعالى . فأين ورد إثبات الحد وما معناه ؟ وما هو القول الحق في هذه المسألة ؟
نقول : ورد إثبات الحد لله سبحانه وتعالى في باب الاستواء ، فقد سئل عبدالله بن المبارك رحمه الله تعالى : نثبت أن الله على العرش استوى ؟ قال : نعم ؛
نثبت أن الله على العرش استوى . قال السائل : بحدٍّ ؟ قال : بحدّ (5).
فما الذي قصده ابن المبارك وغيره من السلف من إثبات الحد لله ؟ الذي قصده هؤلاء هو أن يثبتوا الفارق بين المخلوق والخالق فنحن مخلوقون مربوبون , نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى فوقنا , ونصدق بأنه على العرش استوى استواء يليق بجلاله وعظمته سبحانه وتعالى . ولكن قد يخطر ببال بعض عوام الناس , أو ببال بعض الصوفية الحلولية , أو ببال بعض الذين يقولون : إن الله في كل مكان , قد يخطر ببالهم أن الله عظيم لا منتهى لعظمته , وإذا كان لا منتهى لعظمته في ذاته ، فمعنى ذلك : أننا مهما تصورنا شيئاً , فالله
يمكن أن يكون أعظم من ذلك , بحيث يشمل حتى مخلوقاته ، والنتيجة أن لا يكون هناك فارق بين الخالق وبين المخلوق .
فأراد هؤلاء العلماء أن يقرروا البينونة بين الخالق والمخلوق ، حتى يردوا على الحلولية , وعلى الاتحادية , وعلى غيرهم من الصوفية , الذين لا يفرقون بين الخالق والمخلوق ، وينكرون علو الله تعالى فوق خلقه وبينونيته لهم .
فقال هؤلاء الأئمة : نؤمن بأن الله على العرش استوى ، ونؤمن ببينونة الله لخلقه , وهذه البينونة مقتضاها كما أشار بعضهم ـ أن يكون هناك لله حدٌّ لا يعلمه إلا هو ، حتى نفصل بين الخالق وبين المخلوق ، ولهذا قال بعض السلف لما سئل: بحدٍّ ؟ قال : تعم بحد لا يعلمه إلا هو ، لإثبات وتقرير البينونة بين الخالق وبين المخلوق ، أما إذا أطلقنا هذا الأمر وقلنا : إن الله عظيم وبلا حد , فقد يتوهم متوهم أن هذه المخلوقات هي داخل ذاته سبحانه وتعالى أو أن الله حال في مخلوقاته , فأراد أن يبين هذه البينونة بين الخالق والمخلوق التي دلت عليها النصوص الكثيرة من كتاب الله ومن سنة رسوله r , وهذا ما قرره بعض العلماء الخبيرين بمذاهب الصوفية والمتكلمين حين قال : التوحيد إفراد القديم عن المحدث , أي التمييز بين الخالق الأزلي والمخلوق المحدث حتى يتم تحقيق توحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات .
وبعض السلف رحمهم الله تعالى قالوا : كلمة الحدّ هذه لم ترد لا في كتاب الله ولا في سنة رسوله r , ومن ثم فنحن لا نثبتها , ولا نقول بحد
وإنما نقول : (( على العرش استوى )) , ونثبت لله الصفات , ونقف عند هذا .
إذن انتهينا إلى خلاصة مهمة في هذا الباب مفادها : أن من السلف من لم يطلق إثبات الحد لله ، وكأن عبارة ابن قدامة هنا موحية بهذا القول ، ولهذا قال: (( بلا حد ولا غاية )) لأن هذا اللفظ لم يرد ، لا في كتاب الله ولا في سنة رسوله r .

وبعض السلف أثبتوا الحد لله , لكنه حد لا يعلمه إلا هو , وإنما أثبتوه للرد على الحلولية , وعلى كثير ممن ينكر علو الله سبحانه وتعالى واستواءه على العرش , وليثبتوا البينونة بين الخالق وبين المخلوق .
ونحن نقول : إن لفظ الحد من الألفاظ المجملة , فنستفسر من هذا الذي يثبت لفظ الحد : إن قصد به أن الله يحدُّه شيء فنقول : هذا باطل لأن الله سبحانه وتعالى قد أحاط بكل شيء , و الله سبحانه وتعالى لا يقدر قدره إلا هو .
وإن قصد بلفظ الحدِّ بيان البينونة بين الخالق والمخلوق , وأن الله تعالى العرش استوى , فنقول : المعنى الذي أثبتَّه صحيح , ولكن إثباتك للفظ الحدَّ لم يرد لا في كتاب الله ولا في سنة رسوله r , فنُلحق لفظ الحد بلفظ : الجسم , والجهة , والتحيز ونحو ذلك ونستفصل عن قائلها ؛ فإن أراد معنى صحيحاً قبلنا المعنى , وإن إراد معنى باطلاً رددنا الكل ، ونتوقف في إثبات هذه الألفاظ ، حتى ترد إلى كتاب الله , وإلى سنة رسوله r .
ثم قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ : (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)) وهذه قاعدة مشهورة لأهل السنة والجماعة : إثبات الصفات من غير تشبيه , ومن غير تعطيل .
(( ليس كمثله شيء )) ردٌّ على المشبهة , (( وهو السميع البصير )) ردٌّ على المعطلة .
ثم قال : ((ونقول كما قال , ونصفه بما وصف به نفسه , لا نتعدى ذلك ))
ثم قال : (( ولا يبلغه وصف الواصفين )) بمعنى أن الله سبحانه وتعالى هو العظيم , وهو ذو الجلال والإكرام , فإن الواصفين له مهما وصفوه لم يبلغوا المبلغ اللائق به سبحانه وتعالى , فإنه تبارك وتعالى له الأسماء الحسنى والصفات العلى ونحن إنما نعلم بعضاً من هذه الصفات , ونعلم بعضاً من المعاني اللائقة بالله سبحانه وتعالى من هذه الصفات , ولا يستطيع العباد , البشر , القاصرون , أن يصلوا إلى وصف الله سبحانه وتعالىبكل وصف وبكل اسم ثبت له .
لا نستطيع أن نصل في ذلك إلى المبلغ والغاية ولهذا فإن الرسول r أخبرنا أن لله سبحانه وتعالى أسماء استأثر بها تبارك وتعالى في علم الغيب عنده , كما قال r في الدعاء المشهور : (( أسألك بكل اسم هو لك , سميت به نفسك , أو أنزلته في كتابك , أو علمته أحداً من خلقك أو أستأثرت به فيعلم الغيب عندك )) (6) .
فلله أسماء وصفات استأثر الله بها , فمن أين لبشر أن يحيط بذلك ؟ لكن نثبت لله سبحانه وتعالى ما عَلِمْنَا مما ورد في الكتاب والسنة من أسمائه وصفاته كما يليق بجلاله وعظمته .
ثم قال : (( ونؤمن بالقرآن كلِّه ؛ محكمه ومتشابهه , ولا نُزيل عنه صفة من صفاته ؛ لشناعة شنعت , ولا نتعدى القرآن والحديث , ولا نعلم كيف كُنْهَ ذلك , إلا بتصديق الرسول r وتثبيت القرآن )) .
وهذا الكلام دل على عدة أمور :
دل على بعض الأمور التي سبقت , مثل أننا لا نكيف , ولا نعلم كنه الصفة , أي لا نعلم كيفية الصفة وحقيقة صفات الله سبحانه وتعالى ؛ لأن هذه الأمور لا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى , ولكن نحن نثبت الصفات لله كما يليق بجلاله وعظمته , أما كيفيتها فلا يعلمها إلا الله .
وكذلك أيضاً ما سبق من أننا لا نتعدى القرآن والحديث فنثبت ما ورد فيهما , ولا نتعدى ذلك .
لكن نقف عند قوله : (( ولا نُزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت )) ؛
أي أنه إذا ثبت بالدليل من كتاب الله أو من سنة الرسول r صفة لله , فإننا نثبتها , ولا نرد هذه الصفة أو نتأولها لأجل تشنيع المخالفين , مثل أن يأتي قائل ويقول : إثبات الوجه واليدين والعين لله تجسيم , وتشبيه له بالمخلوقين , ومن أثبت لله الوجه واليدين فقد أثبت أبعاضاً فهو مجسم , فيشنع علينا عندما نثبت هذه الصفات بمثل هذه الشناعات , بأن هذا تشبيه لله بخلقه , أو تجسيم , ونحو ذلك .
فمنهج أهل السنة والجماعة ألا ننظر إلى تشنيع هؤلاء , فنثبت لله ما ثبت ولو شنعوا , فإذا جاءوا وقالوا : إثبات الوجه لله تجسيم , نقول : نحن نثبت لله الوجه , سمِّه تجسيماً , أو تشبيهاً ، سمِّه ما شئت فنحن لا نلتفت إلى قولك .
نحن نثبت لله اليدين كما يليق بجلاله وعظمته , وإذا سميت هذا تشبيهاً وتجسيماً فنحن لا نلتفت إليك , ولن نردّ الصفة لأجل تشنيعك علينا بأننا مجسمة , أو مشبهة , أو حشوية , أو نابتة , أو غير ذلك .
كما أننا مثلاً لا نردُّ محبة أصحاب الرسول r لأجل تشنيع الرافضة حينما يقولون : لا ولاء إلا ببراء , أي : من لم يبغض الصحابة فهو ناصبي .
نقول : حتى لو سميتمونا ناصبة فنحن لا يهمنا هذه الشناعة , فنحن نحب أصحاب النبي r جميعاً .
وبالمقابل لو قال لنا ناصبي : لا تنبغي محبة آل البيت ؛ لأن محبة آل البيت رفضٌ . نقول : حتى لو شنعتم علينا وقلتم : إن محبة آل بيت رسول الله r رفضٌ فلن نخضع لقولكم , بل نحب آل بيت رسول الله r المحبة اللائقة بهم , ولو أنكم شنعتم وسميتم ذلك رفضاً , كما قيل :
إن كان رفضاً حبُّ آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي
ويقول الآخر :
إن كان نصباً حبُّ صحب محمد يشهد الثقلان أني ناصبي
يعني أن العبارات والشناعات لا تغير من حقائق الأمور , فنحبُّ أصحاب الرسول r , ونحب آل بيت رسول الله r , ولو أن هؤلاء سموه نصباً وأولئك سمَّوه رفضاً .
كذلك أيضاً نثبت لله الوجه , واليدين , والاستواء , والنزول , كما يليق بجلاله وعظمته , ولو أن المعطلة سمَّوا هذا تشبيهاً , أو سموه تجسيماً أو غير ذلك .
فلا ينبغي للمتمسك بمنهج أهل السنة والجماعة أن يستسلم لتشنيع هؤلاء . ومثل
ذلك تماماً ما يفعله كثير من الناس اليوم ،إذا رأوا الشاب المسلم الملتزم قالوا : هذا متطرف , متزمت , أصولي , إلى آخره .
فلا ينبغي للإنسان أن يترك سنة الرسول r , أو أن يترك التمسك بما أوجب الله عليه , وأوجب عليه الرسول r لأجل شناعات هؤلاء , إذا كان الذي يرفع ثوبه فوق الكعبين يقال عنه : إنه متطرف , ويستهزئون به ويصفونه بشناعات حتى يترك هذه السنة , نقول لا ينبغي للمسلم أن يلبس ثوباً وينزله تحت الكعبين حتى تزول عنه هذه الشناعة ،وإنما يلتزم هدي الرسولr , ولو شنع المشنعون , وكذا الالتزام بكل سنة الرسول r .
وهكذا فمسيرة أهل الزيغ والضلال على مدار التاريخ متشابهة , منذ عهد
الرسولr وإلى ما شاء الله , في كل وقت يخترعون ألقاباً جيجة يشنعون بها على المتمسكين والمتشبثين بكتاب ربهم وبسنة رسولهم r . والمؤمن الصادق الواثق من نفسه , الواثق من منهجه , هو الذي لا يعبأ بمثل هذه العبارات , ولا بمثل هذه الشناعات , بل يعتز بدينه اعتزازاً قوياً , والله سبحانه وتعالى مؤيده وناصره ومثبته .





(1)تقدم تخريجه ص 35
(2) تقدم تخريجه ص 35
(3) كما دلت الآيات في كتاب الله تعالى على إثبات الرؤية
(4) تقدم تخريجه ص 35
(5) رواه البيهقي في الأسماء والصفات ص427
(6) أخرجه أحمد في المسند (1/391 ) وصححه الألباني وهو في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (199)


  #7  
قديم 5 محرم 1430هـ/1-01-2009م, 12:23 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
افتراضي شرح فضيلة الشيخ: يوسف بن محمد الغفيص




?عقيدة الإمام أحمد في آيات الصفات


ثم قال المصنف رحمه الله: [قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينزل إلى سماء الدنيا)، وإن الله يرى في القيامة، وما أشبه هذه الأحاديث: نؤمن بها ونصدق بها لا كيف ولا معنى، ولا نرد شيئاً منها، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق، ولا نرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم] . هذا الكلام نسبه الموفق للإمام أحمد رحمه الله ، وإن ما ينسبه الحنابلة -أو غيرهم ممن ينسبون إلى أئمتهم هذا الكلام أو مثله- يكون على وجهين: فتارة يكون الكلام نصاً، وتارة يكون الكلام فهماً، وفي مذهب الإمام أحمد خاصة إشكال في نقل أصحابه عنه في العقيدة، وهذا الإشكال مُحصَّله أن جملة من الحنابلة فهموا مذهب الإمام أحمد في الصفات على حسب علمهم ومداركهم، ثم صار بعضهم يلخص فهمه وينقله على أنه من قول الإمام أحمد ، ومن هؤلاء -كما ذكر ذلك الإمام ابن تيمية - أبو الحسن التميمي من الحنابلة؛ فقد صنَّف كتاباً في عقيدة الإمام أحمد ، وجعل هذا الكتاب على لسان الإمام أحمد ، فجعل يقول: وكان أبو عبد الله يقول.. ثم يأتي بجمل من فهمه هو، ويقول: وكان أبو عبد الله يذهب إلى كذا وكذا مما يراه هو، ولم ينقل ذلك بالرواية عن كبار أصحاب أحمد : كحنبل و عبد الله و صالح وأمثال هؤلاء، إنما هو فقه فقهه التميمي ، فنقله على لسان الإمام أحمد محاكاة، والتميميون من الحنابلة في الجملة متأثرون بالكلاَّبية، بمعنى: أنهم يؤولون صفات الأفعال، ولهذا لما ذكر قول الله تعالى: وَجَاءَ رَبُّكَ [الفجر:22] قال: وكان أبو عبد الله يقول: وَجَاءَ رَبُّكَ [الفجر:22] أي: جاء أمره؛ فهذه الرواية من فقه التميمي في كلام الإمام أحمد ، وكذلك الإمام البيهقي وهو شافعي لكنه يميل إلى طريقة الأشاعرة، وقد صنَّف في مناقب الإمام أحمد ، فلما ذكر عقيدته نقل هذا الكلام، وجاء من هو أدرى بهذه الأمور ونقلها كما هي؛ كابن كثير في البداية والنهاية؛


فإنه لما ترجم للإمام أحمد روى عن البيهقي أن الإمام أحمد كان يقول: وَجَاءَ رَبُّكَ [الفجر:22] أي: جاء أمره، وهناك أغلاط عند أبي الحسن التميمي أكثر من هذا في نقله لعقيدة الإمام أحمد ، فإن مسألة المجيء قد يكون لها استثناء؛ لأن حنبل بن إسحاق روى عن الإمام أحمد أنه قال في قوله تعالى: وَجَاءَ رَبُّكَ [الفجر:22] جاء أمره، لكن جمهور تلامذة الإمام أحمد غلَّطوا حنبلاً في هذا؛ لتواتر النقل عن أحمد في إثبات الصفات الفعلية. والمقصود من هذا: أن هذا النقل الذي نقله ابن قدامة ليس نصاً عن الإمام أحمد ، إنما هو فهم فهمه بعض الحنابلة عن الإمام أحمد فنقلوه. والإشكال في هذا النقل هو في قوله: (ولا معنى)، وأحسن ما يُجاب به عن ذلك أن يقال: إن هذا فهم فهمه طائفة من الحنابلة عن الإمام أحمد فقالوه، وهذا الفهم يكون بحسب قائله؛ فإن كان قائله محققاًَ عارفاً، فقد يكون توسع العبارة، وأراد بالمعنى: أي الذي اخترعه المتكلمون على معاني الصفات، أي: ولا معنى يخالف الظاهر. وإن كان القائل بذلك مفوضاً أو ممن يميل للتفويض، فقد أراد بذلك المعاني الظاهرة، وهذا غلط على الإمام أحمد ، وتقويل له بما لم يقله. وينبغي لطالب العلم ألا يقف عن الأشياء التي لا تحتاج إلى وقوف، والإمام أحمد قد انضبط في مذهبه أنه يثبت الصفات الفعلية، وهو من أشهر الأئمة في هذا؛ فهو بريء من مادة التفويض للمعاني جملة وتفصيلاً، فهذا الذي نُقل عنه، ليس نصاً عنه بإسناد منضبط، إنما هو فهم فهمه بعض أصحابه، قد يكون ابن قدامة أو غيره، وعليه لا ينسب إليه هذا التقرير، كما أن هذا لا يدل على أن ابن قدامة يفوض تفويضاً عاماً كما سبق تقرير ذلك، ولهذا نقل عن الإمام أحمد مسألة النزول في هذا النص، وأنها مما يُؤمن به من الصفات. ......

?عقيدة المصنف في صفات الباري جل وعلا



- قال الموفق رحمه الله: [ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، ونقول كما قال، ونصفه بما وصف به نفسه، لا نتعدى ذلك، ولا يبلغه وصف الواصفين، نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت] . قوله هذا فيه تبرئة واضحة له من التفويض: (ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت) ولو كان الموفق مفوضاً لما أمكنه أن يقول هذا. ......

?مذهب السلف تفويض الكيفية لا المعنى
قال الموفق رحمه الله: [ولا نتعدى القرآن والحديث، ولا نعلم كيف كُنْه ذلك إلا بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وتثبيت القرآن] . قوله: (ولا نعلم كيف كُنْه ذلك) وهذا النص براءة له من التفويض أيضاً؛ لأنه علَّق التفويض العام بالكيف لا بالمعنى، وجعله مطلقاً وليس خاصاً بشيء مشكل؛ أي: أن المصنف لما ذكر التفويض العام، التزمه بالكيف، قال: (ولا نعلم) أي: ونفوض، فماذا يفوض؟ هل يفوض المعاني؟ كلا؛ لأنه قال: (ولا نعلم كيف كُنْه ذلك)، فهو إذاً التزم التفويض العام في الكيفية، وهذا هو مذهب السلف كما قال الإمام مالك : "والكيف مجهول". ......


  #8  
قديم 5 محرم 1430هـ/1-01-2009م, 12:24 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post العناصر


العناصر
- منهج السلف الصالح في آيات وأحاديث الصفات .
- قول الإمام أحمد في وجوب الإيمان بأدلة الصفات .
- شرح قول الإمام أحمد رحمه الله .
- توجيه قول الإمام أحمد: "بلا كيف ولا معنى " .
- توجيه قول الإمام أحمد: (و لا معنى) .
- ترجمة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى .
- فهم عقيدة أهل السنة والجماعة يعين على توجيه أقوال الأئمة المشكلة .
- فرع : ما روي عن ابن عباس لا يعني أنه يؤول صفة الساق .
- ظواهر النصوص مرادة ، والصحابة تلقوها بالتسليم .
- بيان مذهب المفوضة .


  #9  
قديم 5 محرم 1430هـ/1-01-2009م, 12:25 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post الأسئلة

الأسئلة
س1: عرف السنة واذكر الدليل على وجوب اتباعها .
س2: عرف البدعة وبين حكمها .
س3: ما هو مذهب المفوضة ؟ وتحدث بإيجاز عن خطورة مذهبهم .
س4: كيف توجه عبارة الإمام أحمد رحمه الله حيث يقول في أحاديث الصفات: (نؤمن بها ، وتصدق بها لا كيف ولا معنى) ؟
س5: ما الذي ينبغي عند سماع ما يستغرب من كلام الأئمة ؟
س6: بين منهج السلف الصالح في آيات وأحاديث الصفات .
س7: اشرح بإيجاز حديث العرباض بن سارية ، مع بيان أهميته في باب الأسماء والصفات .
س8: من هم الخلفاء الراشدون ؟ ولم سموا بذلك ؟
س9: اشرح بإيجاز مذهب أهل السنة والجماعة في مسألة الحدَّ و البينونة ؟
س10: اشرح قول الإمام أحمد: (ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت ولا نتعدى القرآن والحديث) .


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الإمام, قول

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:19 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir