دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25 محرم 1440هـ/5-10-2018م, 01:42 PM
منيرة محمد منيرة محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: السعودية
المشاركات: 668
افتراضي


- اختر آية من سورة البقرة ذكر بعض المفسرين في تفسيرها أخباراً إسرائيلية ثمّ اكتب رسالة في تفسيرها بأسلوب التقرير العلمي مبيناً أحكام تلك الإسرائيليات.
الآية ..
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)


بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم .
يقول الله تعالى في صدر هذه السورة العظيمة سورة البقرة التي بيّن الله فيها أصول العقيدة وجوانب التشريع مترددة بين ثناياها وآياتها كلمة التقوى ومشتقاتها ،قال عز من قائل : ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ )).

بعدما ذكر الله عز وجل ما امتن به على عباده من خلقِ جميع ما في الأرْضِ لَهم وتسخير مافي السماء ، أتبع ذلك بذكر بدء خلقهم مخاطباً به نبييه صلى الله عليه وسلم على وجه التشريف والتنبيه لما سيقال بعده من تكريم أبيهم آدم وجعله خليفة وإسكانه دار كرامته وإسجاد الملائكة له تعظيماً لشأنه وتنبيها على ما خصه الله به من العلم الذي به كمال الذات وتمام الصفات ،ولا شكَّ أنّ الإحسان إلى الأصْل إحسانٌ إلى الفرع، وشرفُ الفرْع بشرف الأصْل ، وفي لفظة الربوبية وتنوع الخطاب من العام إلى حيث خوطب به النبي صلَّى الله عليه وسلَّم تذكيراً بهذا الشرف وتشويقاً لما سيذكر بعده ..
ذكر الزّجاج " أن في هذه الآية احتجاج على أهل الكتاب بتثبيت نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث أنّ خبر آدم وما كان من سجود الملائكة له معلوم عندهم، وليس من علم العرب الذي كانت تعلمه ، وإنما هو خبر لا يعلمه إلا من قرأ الكتاب أو أوحي إليه به .
ولعل مقصد الآية "بيان حال الخلق مع الابتلاء " فالملائكة وهم أشرف الخليقة امتحنهم الله بالسجود لمن زعموا أنه يفسد في الأرض ويسفك الدماء فأسجدهم له وأظهر فضله عليهم لما أثنوا على أنفسهم وذموا الخليفة كما فعل سبحانه بموسى لما أخبر عن نفسه أنه أعلم أهل الأرض فامتحنه بالخضر، وكذلك ابتلاؤه لآدم حيث ابتداؤه بالإكرام والإنعام ثم جاءت المحنة والبلية فكانت المصيبة التي لحقته محفوفة بإنعامين، إنعام قبلها وبعدها ولذريته المؤمنين نصيب مما لأبيهم فإن الله تعالى أنعم عليهم بالإيمان ابتداء وجعل العاقبة لهم فما أصابهم بين ذلك من الذنوب والمصائب، وابتلى أبليس بالسجود مستخرجاً ما كان كامنا في نفسه من الكبر والمعصية ،وما كان يكن ليعاقبه ويلعنه على علمه به بل على وقوع معلومة سبحانه وتعالى .

🔺المسائل الواردة في الآية :
🔹المسألة الأولى : في قوله :((وإذ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ))
- قوله "وإذ
"
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى : " إذ " زائدة ، والتقدير : وقال ربك ، واستشهد بقول الأسود بن يعفر :
فإذ وذلك لا مهاة لذكره.. والدهر يعقب صالحابفساد
وأنكر هذا القول الزجاج والنحاس وجميع المفسرين .
قال النحاس : وهذا خطأ ; لأن " إذ " اسم وهي ظرف زمان ليس مما تزاد .
وقال الزجاج : هذا إقدام من أبي عبيدة ، لأن القرآن لا ينبغي أن يتكلم فيه إلا بغاية تجري إلى الحق، "إذ" معناها الوقت وهي اسم فكيف يكون لغواً والحجة في (إذ) أنّ اللّه تعالى ذكر الله عز وجل خلق الناس وغيرهم ، فالتقدير وابتدأ خلقكم إذ قال ، فكان هذا من المحذوف الذي دل عليه الكلام ، كما قال :
فإن المنية من يخشها فسوف تصادفه أينما يريد أينما ذهب .
قال القرطبي: يحتمل أن تكون متعلقة بفعل مقدر تقديره واذكر إذ قال .
- قوله " للملائكة "
الملائكة جمع ملأكٍ، غير أنّ واحدهم بغير الهمز أكثر وأشهر في كلام العرب منه بالهمز، وذلك أنّهم يقولون في واحدهم ملكٌ من الملائكة، فيحذفون الهمز منه، ويحرّكون اللاّم الّتي كانت مسكّنةً لو همز الاسم ...."
وربّما جاء الواحد منهم مهموزًا كما قال الشّاعر:
فلست بجنى ولكن لملأكٍ.......تحدّر من جوّ السّماء يصوب* .
- معنى قوله تعالى :(إنّي جاعلٌ )
روى ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله تعالى : {إنّي جاعلٌ في الأرض خليفةً} قال لهم: إنّي فاعلٌ» ورواه ابن جرير عن قتادة .
وروى عن أبي روقٍ، أنه قال: «كلّ شيءٍ في القرآن "جعل" فهو "خلق"».
وقال البغوي ومعنى "جاعل" خالق ومستخلف، وقيل مصير وكلها مرادفات لكلمة جاعل .
قال ابن جرير : والصّواب في تأويل قوله: {إنّي جاعلٌ في الأرض خليفةً} أي: مستخلفٌ فيها خليفةً ومصيّرٌ فيها خلفًاء، والأرض هي مكة كما روى ذلك
ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن سابطٍ أنّ النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «دحيت الأرض من مكّة، وأوّل من طاف بالبيت الملائكة فقال: {إنّي جاعلٌ في الأرض خليفةً}»، يعني مكّة.
وقد ضعف ابن كثير هذا الحديث وذكر أنه مرسل ، وفي سنده ضعف ، ورجح أن المراد بالأرض أعم من ذلك .
وأما في قوله : خليفة ،فاللمفسرين وجهان في تفسيرها .
🔸- الأول : أن المراد أبونا آدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم ،ومن قام مقامه فيه بعده لأنه خليفة الله في أرضه في تنفيذ أوامره ، رواه ابن جرير عن ابن مسعود وابن عباس .
وقيل: لأنه صار خلفا من الجن الذين كانوا يسكنون الأرض قبله، وعليه فالخليفة: فعيلة بمعنى فاعل. وقيل: لأنه إذا مات يخلفه من بعده، وعليه فهو من فعيلة بمعنى مفعول.
واحتج من قال بأن الخليفة آدم لكونه هو الظاهر المتبادر من السياق ، وبقوله تعالى خطاباً لنوع الإنسان ، {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ}، وبقول موسى لقومه:{ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} وغيرها من الآيات والأحاديث .
واحتجوا كذلك بقول الراعي يخاطب أبا بكر رضي الله عنه:
خَلِيفَةَ الرَّحْمَنِ إِنَّا مَعْشَرٌ ............ حُنَفَاءُ نَسْجُدُ بُكْرَةً وَأَصِيلاَ
عُرْبٌ نَرَى للهِ فِي أَمْوَالِنَا ............ حَقَّ الزَّكَاةِ مُنَزَّلاً تَنْزِيلاَ .

ومن رد هذا القول احتج بقوله أن الخليفة إنما يكون عمن يغيب، ويَخْلُفُه غَيْرُه، والله تعالى شاهدٌ غيرُ غائب، قريبٌ غير بعيد، راءٍ وسامع؛ فمحال أن يَخْلُفَهُ غيرُهُ؛ بل هو سبحانه الذي يَخْلُف عبده المؤمن، فيكون خليفته؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الدجال الذي في الصحيح : ((إنْ يَخرُج وأنا فيكم فأنا حَجِيجُه دونكم، وإن يَخرُج ولست فيكم فامرؤ حَجِيجُ نَفْسِه، والله خليفتي على كُلِّ مؤمن)) .
قالوا: ولقد أنكر الصديق رضى الله عنه على مَن قال له: يا خليفة الله، قال: لستُ بخليفة الله، ولكني خليفة رسول الله، وحسبي ذلك .
وقال ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" وإن أريد بالإضافة أن الله استخلفه عن غيره ممن كان قبله، فهذا لا يمتنع فيه الإضافة، وحقيقتها خليفة الله الذي جعله الله خَلَفًا عن غيره ، والله أعلم.
🔸- القول الثاني : أن المراد به قومًا، يخلف بعضهم بعضا قرناً بعد قرن وجيلاً بعد جيل ،كما قال تعالى: {ويجعلكم خلفاء الأرض} . رواه ابن جرير عن الحسن البصري .
وخليفة مفرد أريد به الجمع، أي خلائف، ويكثر في كلام العرب إطلاقه مرادا به الجمع كقوله تعالى: {إن المتقين في جنات ونهر} يعني وأنهار بدليل قوله: {فيها أنهار من ماء غير آسن} الآية وقوله: {واجعلنا للمتقين إمامًا}،
ونظيره من كلام العرب قول عقيل بن علفة المري :
وكان بنو فزارة شرعم ... وكنت لهم كشر بني الأخينا.

وهو اختيار ابن كثير واحتج لذلك بقوله : إذ لو كان كذلك لما حسن قول الملائكة: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء}
وقد أوضح الشنقيطي ماقد يرد من إشكال فقال في "أضواء البيان" ويمكن الجواب عن هذا بأن المراد بالخليفة آدم، وأن الله أعلم الملائكة أنه يكون من ذريته من يفعل ذلك الفساد، وسفك الدماء. فقالوا ما قالوا، وأن المراد بخلافة آدم الخلافة الشرعية، وبخلافة ذريته أعم من ذلك، وهو أنهم يذهب منهم قرن ويخلفه قرن آخر.
وقال رحمه الله :وإذا كانت هذه الآية الكريمة تحتمل الوجهين المذكورين. فاعلم أنه قد دلت آيات أخر على الوجه الثاني، وهو أن المراد بالخليفة: الخلائف من آدم وبنيه لا آدم نفسه وحده. كقوله تعالى: ﴿قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾ .
وعلى هذا تكون (خليفة) صالحة لاسم الفاعل واسم المفعول، كل هذا محتمل وكلّه واقع .
وقال ابن القيم : فلا خلاف أن المراد به آدم وذريته ، وجمهور أهل التفسير على هذا .

والذي يترجح والله أعلم أن المراد بالخليفة -آدم عليه السلام وذريته - لأنه يخلف بعضهم بعضاً في عمارة الأرض ، واستغنى بذكره عن ذكر ذريته لكونه الأصل والتاء فيه للمبالغة ،

🔸المسألة الثانية : قوله تعالى :( قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ )
- قوله (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا)
ورد في معنى الإستفهام عدة أقوال :
-الأول
: أنه على وجه الاستعلام منهم لربّهم، لا على وجه الإيجاب أنّ ذلك كائنٌ كذلك، رواه ابن جرير من طريق الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ وتابعه عليه الرّبيع بن أنسٍ .
وبين ابن جرير رحمه الله : أن هذا القول غير فاسدٍ وذلك إن الملائكة قالت ذلك لما كان عندها من علم سكّان الأرض قبل آدم من الجنّ .
-الثاني : أنه على وجه التّعجّب منها من أن يكون للّه خلقٌ يعصي خالقه ، قال به ابن زيد ورواه ابن جرير من طريق وهب .
قال ابن جرير رحمه الله تعالى :"وأمّا دعوى من زعم أنّ اللّه جلّ ثناؤه كان أذن لها بالسّؤال عن ذلك فسألته على وجه التّعجّب، فدعوى لا دلالة عليها في ظاهر التّنزيل ولا خبر بها من الحجّة يقطع العذر، وغير جائزٍ أن يقال في تأويل كتاب اللّه بما لا دلالة عليه من بعض الوجوه الّتي تقوم بها الحجّة .
-الثالث : إنه على وجه الاستخبار عن حالهم عند وقوع ذلك، وهل ذلك منهم؟
رواه ابن جرير عن ابن عبّاسٍ وابن مسعودٍ من القول الّذي رواه السّدّيّ ووافقهما عليه قتادة من التّأويل.
وقال ابن جرير وأولى التّأويلات بها إنّ ذلك منها استخبارٌ لربّها؛ بمعنى: أعلمنا يا ربّنا، أجاعلٌ أنت في الأرض من هذه صفته وتاركٌ أن تجعل خليفتك فيها، ونحن نسبّح بحمدك، ونقدّس لك؟
لا إنكار منها لما أعلمها ربّها أنّه فاعلٌ، وإن كانت قد استعظمت لمّا أخبرت بذلك أن يكون للّه خلقٌ يعصيه.
وذكر أن وجه استخبارها سؤالاً عن حالها عند وقوع ذلك، وهل ذلك منهم؟ ومسألتهم ربّهم أن يجعلهم الخلفاء في الأرض حتّى لا يعصوه.
مستدلاً لذلك بقوله :"إذ كان فيما أظهر من كلامه دلالةٌ على معنى مراده" .
ومما يعضد به قوله تعالى:( أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ....) يعني كمن هو غير قانت، وهو اختيار الحسن بن الفضل.
وكقول الشّاعر:
فلا تدفنوني إنّ دفني محرّمٌ.......عليكم ولكن خامري أمّ عامر
فحذف قوله: دعوني للّتي يقال لها إذا أريد صيدها خامري أمّ عامر، إذ كان فيما أظهر من كلامه دلالةٌ على معنى مراده ، فكذلك هذه الآية .
وذكر ابن جرير أن نظائر ذلك في القرآن وأشعار العرب وكلامها أكثر من أن يحصى.
وبين إن أولى الأقوال ما كان عليه من ظاهر التّنزيل دلالةً ممّا يصحّ مخرجه في المفهوم، وأن سبب ترك بعض الأقوال أنه لا يوجد خبر بالّذي قيل من وجهٍ يقطع مجيئه العذر ويلزم سامعه به الحجّة.

_وقد ورد في هذه الآية عدداً من الروايات الإسرائلية والتي لا تعدمصدراً يعتمد عليه في التعلم والتحصيل، وإنما أوردها المفسرون في كتبهم، من باب الأذن الوارد فيها والذي يدخله التقييد، وتلك القيود منها ما نصّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه ما نصّ عليه بعض أصحابه مما علموه وأدركوه من هدي النبي صلى الله عليه وسلم لهم وتعليمه إيّاهم .
قال ابن تيمية: (وَمَعْلُوم أَن هَذِه الاسرائيليات لَيْسَ لَهَا إسناد، وَلَا يقوم بهَا حجَّة فِي شَيْء من الدّين إلا إذا كَانَت منقولة لنا نقلا صَحِيحا، مثل مَا ثَبت عَن نَبينَا أَنه حَدثنَا بِهِ عَن بني اسرائيل).
وقال ابن كثير: "وإنما يرد إما لبسط مختصر ، أو تسمية لمبهم ورد به شرعنا مما لا فائدة في تعيينه لنا فنذكره على سبي التحلي به لا على سبيل الاحتياج إليه والاعتماد عليه.
ومما ورد في ذلك ما رواه ابن جرير عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك عن ابن عباس قال: «أوّل من سكن الأرض الجنّ، فأفسدوا فيها، وسفكوا الدّماء، وقتل بعضهم بعضًا». قال: «فبعث اللّه إليهم إبليس في جندٍ من الملائكة، فقتلهم إبليس ومن معه، حتّى ألحقوهم بجزائر البحور وأطراف الجبال؛ ثمّ خلق آدم فأسكنه إيّاها، فلذلك قال: {إنّي جاعلٌ في الأرض خليفةً}».
ورواها بن أبي حاتم عن مجاهد .
وإذا نظرنا في هذا الآثر وجدناه لا يصح لا متناً ولاسنداً،وإنما هو من الأسرائيليات المذكورة في كتب التفسير حيث لا يصح الاستدلال بها ولا الاعتماد عليها ،
وكذلك ما رواه بن أبي حاتم ،عن أبا جعفر محمد بن علي قال : السجل ملك ، وكان هاروت وماروت من أعوانه ، وكان له في كل يوم ثلاث لمحات ينظرهن في أم الكتاب ، فنظر نظرة لم تكن له فأبصر فيها خلق آدم وما كان فيه من الأمور ، فأسر ذلك إلى هاروت وماروت ، وكانا من أعوانه ، فلما قال تعالى : ( إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) قالا ذلك استطالة على الملائكة .
قال ابن كثير:"وهذا أثر غريب ، وبتقدير صحته إلى أبي جعفر محمد بن علي بن الحسن الباقر ، فهو نقله عن أهل الكتاب ، وفيه نكارة توجب رده ، ومخالف للسياق .
قال ابن كثير: وأغرب منه ما رواه ابن أبي حاتم - أيضا - عن يحيى بن أبي كثير ، قال : سمعت أبي يقول : إن الملائكة الذين قالوا : ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ) كانوا عشرة آلاف ، فخرجت نار من عند الله فأحرقتهم .
وهذا - أيضا - إسرائيلي منكر كالذي قبله ، والله أعلم .
- ومن الأقوال التي وردت ، أن الملائكة قالت ذلك لما علمت أن المعصية ستظهر من ذرية هذا الخليفة، وذلك للأثر الذي رواه ابن جرير عن ابن زيد من طريق وهب قال :لمّا خلق اللّه النّار ذعرت منها الملائكة ذعرًا شديدًا، وقالوا: ربّنا لم خلقت هذه النّار، ولأيّ شيءٍ خلقتها؟ قال: لمن عصاني من خلقي».
قال: «ولم يكن للّه خلقٌ يومئذٍ إلاّ الملائكة، والأرض ليس فيها خلقٌ، إنّما خلق آدم بعد ذلك».
وقرأ قول اللّه: {هل أتى على الإنسان حينٌ من الدّهر لم يكن شيئًا مذكورًا}.
وقيل : إن الملائكة قالت هذا لما يعرف بطريقة الالتزام أي إن الحكم والقضاء لايكون إلا عند نزاع وتخاصم ووقوع شر وفساد ،فلما أخبر الله بهذا الخليفة كان ذلك اخباراً ضمنياً بحصول هذا الفساد المتوقع ،وذلك ممارواه ابن جرير عن الحسن وقتادة.
وقيل : أن الملائكة ما قالت هذا القول إلا بعد أن أعلمها الله صفات هذا المخلوق ،فقالته على سبيل اليقين لا على سبل الظنّ ، وهوالذي قال به عبدالله بن مسعود وابن عباس ، ومجاهد والحسن وقتادة ، وهذا القول هو الذي رجحه ابن جرير ،ودل عليه قوله تعالى في الآية التي بعدها (سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا إنّك أنت العليم الحكيم )

🔷قوله :(وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ)
*قيل هي على سبيل الاستفهام، كأنهم أرادوا: ﴿ونحن نسبح بحمدك﴾ أم نتغير عن هذه الحال؟
فتكون الواو واو الحال للإشارة إلى أن هذا أمر مستحضر لهم في حال قولهم ﴿أتجعل فيها من يفسد﴾ وليس شيئا خطر لهم .
قال "ابن عطية" وهذا القول يحسن مع القول بالاستفهام المحض في قولهم: "أتجعل".
*وقيل : معناه التمدح ووصف حالهم والتعريض بأنهم أولى بالاستخلاف ، كما قال يوسف عليه السلام: ﴿إني حفيظ عليم﴾. قال ابن عطية وهذا يحسن مع التعجب والاستعظام لأن يستخلف الله من يعصيه .
🔹وفي معنى تسبيحهم أربعة أقوال :
الأول : أنه الصلاة ،قال به ،ابن مسعود، وابن عباس ،رواه ابن جرير ورواه بن أبي حاتم عن السدي ،واستشهد له، بقوله ﴿فلولا أنه كان من المسبحين﴾ أي من المصلين ،قال ابن عباس: كل ما في القرآن من التسبيح فالمراد منه الصلاة .
*الثاني : أنه قول ، سبحان الله قال به قتادة، رواه عبدالرزاق،وابن جرير ،وبن أبي حاتم ،وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي ذر أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:«أحب الكلام إلى الله ما اصطفاه الله لملائكته، سبحان ربي وبحمده»، وفي لفظ: «سبحان الله وبحمده». ورجحه ابن جرير،مستشهداً له بقول أعشى بني ثعلبة:
أقول لمّا جاءني فخره.......سبحان من علقمة الفاخر
يريد: سبحان اللّه من فخر علقمة. أي: تنزيهًا للّه ممّا أتى علقمة من الافتخار على وجه النّكير منه لذلك،
وقال القرطبي وهو الصحيح لما رواه أبو ذر أن رسول الله ﷺ سئل: أي الكلام أفضل؟ قال: (ما اصطفى الله لملائكته "أو لعباده" سبحان الله وبحمده). أخرجه مسلم.
وأورد حديثاً ذكره البيهقي لعبد الرحمن بن قرط أن رسول الله ﷺ ليلة أسري به سمع تسبيحا في السموات العلا: سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى .
*الثالث : أنه التعظيم والحمد،قال به مجاهد في تفسيره ،وذكره ابن جرير عند تفسيره للآية،فقال : يعني: إنّا نعظّمك بالحمد لك والشّكر، كما قال الله تعالى ذكره: {فسبّح بحمد ربّك} ونسبه ابن الجوزي في تفسيره إلى أبو صالح .
*الرابع: أنه الخضوع والذل ،نسبه ابن الجوزي إلى محمد بن القاسم الأنباري .
*وقيل تسبيحهم :رفع الصوت بالذكر، قاله المفضل، واستشهد بقول جرير:
قبح الإله وجوه تغلب كلما ... سبح(٢١) الحجيج وكبروا إهلالا .
وقوله ﴿ بحمدك﴾ أي وبحمدك نخلط التسبيح بالحمد ونصله به. والحمد كما علمنا هو الثناء . ويحتمل أن يكون قولهم: "بحمدك" اعتراضا بين الكلامين، كأنهم قالوا: ونحن نسبح ونقدس، ثم اعترضوا على جهة التسليم، أي وأنت المحمود في الهداية إلى ذلك .
*قوله: {ونقدس لك} أي نصلي لك قيل :إنّ تقديس الملائكة لربّها صلاتها له،قال به قتادة ،رواه عبدالرزاق ،وابن جرير وبن أبي حاتم، وبه فسره السدّي ،لكن ابن عطية ضعف هذا القول، وتعقبه القرطبي بقوله: بل معناه صحيح، فإن الصلاة تشتمل على التعظيم والتقديس والتسبيح، وكان رسول الله ﷺ يقول في ركوعه وسجوده: (سبوح قدوس رب الملائكة والروح).

*وقيل أنه التمجيد والتعظيم : رواه ابن جرير عن مجاهد، وأبو صالح ،وذكره النهدي عن الثوري في تفسيره ، ورجحه ابن جرير بقوله: التّقديس هو التّطهير والتّعظيم؛ سبّوحٌ: تنزيهٌ للّه؛ وقدّوسٌ: طهارةٌ له وتعظيمٌ؛ ولذلك قيل للأرض: أرضٌ مقدّسةٌ، يعني بذلك المطهّرة.
ولعله يدخل في هذا المعنى مارواه ابن جرير عن ابن إسحاق قوله «لا نعصي ولا نأتي شيئًا تكرهه».
*وقيل التقديس : هو التطهير ، رواه ابن جرير عن الضحاك ،ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عبّاسٍ ، ورجحه ابن عطية بقوله :التقديس التطهير بلا خلاف، وأيد هذا المعنى القرطبي .
🔹قوله :{إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}
ورد في معنى هذه الآية أقوال :
لأول : يعني ما في نفس إبليس من الاستكبار والمعصية ، قال به ،ابن مسعود،وابن عباس، ومجاهد ،ورواه عنهما ابن جرير، و بن أبي حاتم .
قال ابن جرير : وحدّثني موسى ..إلى أن قال عن ابن عباس ،عن مرّة، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ، من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {إنّي أعلم ما لا تعلمون}: «يعني من شأن أبليس >> ورواه عن مجاهد من طرق متعددة .
*الثاني: أفعال الفضلاء من بني آدم ،قال به قتادة،ورواه ابن جرير، وبن أبي حاتم ،من طريق سعيد، قال: «{إنّي أعلم ما لا تعلمون} فكان في علم اللّه أنّه سيكون من تلك الخليفة أنبياء ورسلٌ وقومٌ صالحون وساكنو الجنّة».
*الثالث: أعلم بمصالح العباد وما يكون ومما هو كائن، قال به القرطبي في تفسيره ،وذكره المارودي دون نسبة .
وزاد ابن الجوزي قولاً رابعاً نسبه لابن زيد ،قال "أعلم أني أملأ جهنم من الجنة والناس "
وقد حوت هذه الآية على وجازتها من المسائل العقيدية ،والأمور الكونية ،والمعاني البلاغية والدلالات اللفظية ،ما يزيد الإيمان ،ويثبت الجنان، ويقوي الصلة بالواحد الديان،معترفاً بمنته وفضله،موقناً بعلمه واحاطته،
ولله في كل تحريكة ∗∗∗ وتسكينة أبدا شاهد
وفي كل شيء له آية ∗∗∗ تدل على أنه واحد


هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد

المراجع :
من المصادر الأصيلة :

-التفاسير المسندة ، تفسير عبد الرزاق، وتفسير ابن جرير، وتفسير ابن أبي حاتم الرازي، وتفاسير الثعلبي والواحدي والبغوي،
- كتب التفسير في دواوين السنّة: كتاب التفسير في صحيح البخاري وصحيح مسلم وأبواب التفسير من جامع الترمذي وكتاب تفسير القرآن من جامع ابن وهب ومن سنن سعيد بن منصور الخراساني والسنن الكبرى للنسائي ومستدرك الحاكم .
وكذلك كتب التفسير في جوامع الأحاديث والزوائد، كجامع الأصول لابن الأثير، ومجمع الزوائد للهيثمي، والمطالب العالية لابن حجر، وإتحاف الخيرة المهرة للبوصيري،
-تفسير الدر المنثور للسيوطي .
-الكتب التي تجمع أقوال المفسرين ،وتعتني بتحرير المسائل :
تفسير تفسير ابن جرير، مكي بن أبي طالب ، والكشف والبيان للثعلبي، والنكت والعيون للماوردي، والمحرر الوجيز لابن عطية، وزاد المسير لابن الجوزي، وأحكام القرآن للقرطبي، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير،وابن عاشور، ومحمد الأمين للشنقيطي، وما جمع من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن رجب في التفسير.
وما درس في دورات معهد أفاق .

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تجب, نشر

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:39 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir