دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الواسطية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 05:56 PM
فاطمة فاطمة غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 758
افتراضي التنبيهات السنية للشيخ: عبد العزيز بن ناصر الرشيد

وَقَولُهُ: ( الرَّحْمنُ عَلى العَرْشِ اسْتَوى ) في [ سبعة ] مواضعَ: [ في سورةِ الأعرافِ قولُه: ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذي خَلَقَ السَّمَاواتِ وَالأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ).
وقوله تعالى: (يُغْشِي الْلَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً)
وَقَوْله سُبْحَانه: (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ) وقوله: (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ).
وقالَ سبحانه في سورةِ يونُسَ عليهِ السَّلامُ: ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذي خَلَقَ السَّمَاواتِ والأرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ)، وقالَ في سورةِ الرَّعدِ: ( اللهُ الَّذي رَفَعَ السَّمَاواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ ).

وقالَ تعالى في سُورةِ طه: ( الرَّحْمنُ عَلى العَرْشِ اسْتَوَى )،وقالَ في سُورَةِ الفُرْقانِ: ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلى العَرْشِ الرَّحْمنُ )، وقالَ في سُورةِ السَّجدة: ( اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا في سِتَّة أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلى العَرْشِ )، وقالَ في سُورةِ الحَديدِ: ( هُوَ الَّذي خَلَقَ السَّمَاواتِ وَالأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّام ثُمَّ اسْتَوَى عَلى العَرْشِ )
(89) قَولُهُ: (الرَّحْمنُ عَلى العَرْشِ اسْتَوى): في سبعةِ مواضعَ، أي إنَّه نصٌّ في معناه لا يحتملُ التَّأويلَ، وصريحٌ في أنَّه بذاتِه استوى استواءً يليقُ بجلالِه وعظمتِه.
قَولُهُ: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ): أي هو المعبودُ وحدَه لا شريكَ له وعبادةُ غيرهِ باطلةٌ.
قَولُهُ: (الَّذي خَلَقَ السَّمَاواتِ وَالأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ): خَلَقَ، أي أَنْشَأَ وَأَوْجَدَ، والخلقُ هو: اختراعُ الشَّيءِ على غيرِ مثالٍ سبقَ، ففيه إضافةُ الفعلِ والخلقِ إليه -سُبْحَانَهُ- على جهةِ الحقيقةِ؛ لأنَّها الأصلُ، وقد ردَّ ابنُ القيِّمِ رحمه اللهُ على مَن زعمَ أنَّ خلقَهُ وفِعلَه مجازٌ من وجوهٍ عديدةٍ.
قَولُهُ: (في سِتَّةِ أَيَّامٍ): أوَّلُها يومُ الأحدِ وآخرُها يومُ الجمعةِ، وفيه اجتمعَ الخلقُ كلُّهم وهذه الأيَّامُ كأيَّامنا، هذا هو المُتبادرُ إلى الأذهانِ وهو ظاهرُ الأدلَّةِ.
قَولُهُ: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ) أي استوى استواءً يليقُ بجلالِه وعظمتِه، لا تُكيِّفُه ولا تُمثِّلُه ولا يَعلمُ كيف هوَ إلا هوَ، كما قال مالكٌ: الاستواءُ معلومٌ والكيفُ مجهولٌ والإيمانُ به واجبٌ والسُّؤالُ عنه بدعةٌ، فقولُ مالكٍ: الاستواءُ معلومٌ، أي في لغةِ العربِ، وقَولُهُ: والكيفُ مجهولٌ، أي كيفيَّةُ استوائِه لا يعلمُها إلا هوَ، والإيمانُ به أي بالاستواءِ واجبٌ لتكاثُرِ الأدلَّةِ في إثباتِه، والسُّؤالُ عنه، أي عن الكيفيَّةِ بدعةٌ إذ لاَ يَعلمُ كيفيَّةَ استوائِه إلا هو، فإنَّ الكلامَ في الصِّفاتِ فرعٌ عن الكلامِ في الذَّاتِ، فكما نعلمُ أنَّ للهِ ذاتًا لا تشبهُ الذَّواتِ، فكذلك يجبُ أَنْ نُثبتَ له صفاتٍ لا تُشبهُ الصِّفاتِ، فإثباتُنا للصِّفاتِ إثباتُ وجودٍ لا إثباتُ تكييفٍ وتمثيلٍ، إذ العلمُ بالصِّفةِ فرعٌ عن العلمِ بالموصوفِ، ولا يعلمُ كيفَ هو إلا هو، وكذلك يُقالُ في بقِيَّةِ الصِّفاتِ، كصفةِ المجيءِ والنُّزولِ والإتيانِ والوجهِ واليدِ ونحوِ ذلك، فهذا الجوابُ الواردُ عن مالكٍ رحمه الله كافٍ شافٍ في سائرِ الصِّفاتِ.
قال الذَّهبيُّ: فانْظُر إليهم كيفَ أثبتُوا الاستواءَ للهِ وأخبروا أنَّه معلومٌ لا يحتاجُ لفظهُ إلى تفسيرٍ، ونفَوا عنه الكيفيَّةَ، أمَّا معنى الاستواءِ في اللغةِ فلها أربعةُ معانٍ تأتي بمعنى عَلا وبمعنى ارتفعَ وبمعنى صَعِد واستقرَّ كما قال ابنُ القيِّمِ رحمه اللهُ في كتابِه المُسمَّى بـ (النُّونيَّةِ):


ولهم عباراتٌ عليها أربـــعٌ=قد فُسِّرتْ للفارسِ الطَّعَّـانِ
وهي استقَرَّ وقد علاَ وكذلك=ار تفعَ الَّذي ما فيه من نُكرانِ
وكذاكَ قد صَعِدَ الَّذي هو رابعٌ=وأبو عبيدةَ صاحبُ الشَّيباني
يختارُ هذا القولَ في تفســيرهِ=أدرى من الجهميِّ بالقـرآنِ
والأشعريُّ يقولُ تفسيرُ استوى=بحقيقةِ استولى على الأكـوانِ

فهذه الأربعةُ الَّتي ذكرَها ابنُ القيِّمِ رحمه اللهُ هي الَّتي تدورُ عليها تفاسِيرُ السَّلفِ رحمهم اللهُ، قال البخاريُّ رحمه اللهُ في صحيحِه: قال مجاهدٌ: استوى عَلى العرشِ، وقال إسحاقُ بنُ راهَويهِ سمعتُ غيرَ واحدٍ من المُفسِّرين يقولون: (الرَّحْمنُ عَلى العَرْشِ اسْتَوى)، أي ارتفعَ، وقال محمَّدُ بنُ جريرٍ في قَولِهِ: (الرَّحْمنُ عَلى العَرْشِ اسْتَوى)، أي علا وارتفعَ، وشواهدُه في أقوالِ الصَّحابَةِِ والتَّابعين وأتباعِهم معروفةٌ.
وأمَّا تفسيرُ: (اسْتَوى) باسْتَولى أو مَلَكَ أو قَهَرَ فهو تفسيرٌ باطلٌ مردودٌ من وجوهٍ عديدةٍ.
منها: أنَّ هذا التَّفسيرَ لم يفسِّرْه به أحدٌ مِن السَّلفِ لا مِن الصَّحابة ولا مِن التَّابعيَن، بل أوَّلُ من عُرِفَ عنه هذا التَّفسيرُ بعضُ الجهميَّةِ والمعتزلةِ.
ثانيا: أنَّ الاستواءَ في لغةِ العربِ الَّذين نزلَ القرآنُ بلغتِهم نوعانِ: مطلقٌ ومقيَّدٌ، فالمطلقُ ما لم يقيَّدْ بحرفٍ، كقَولِهِ تعالى: (لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى) وهذه معناها تمَّ وكمُلَ، وأمَّا المقيَّدُ فثلاثةُ أنواعٍ: أحدُها مقيَّدٌ بإلى كقَولِهِ: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّماءِ) وهذا بمعنى العلُوِّ والارتفاعِ بإجماعِ السَّلفِ، الثَّاني: مقيَّدٌ بِعلى كقَولِهِ: (لِتَسْتَوُواْ عَلَى ظُهُورِهِ) وقَولِهِ: (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) وهذا أيضًا معناه العلوُّ والارتفاعُ والاعتدالُ بإجماعِ أهلِ اللغةِ، الثَّالثُ: المقرونُ بواوِ المعيَّةِ، كقَولِهِم: استوى الماءُ والخشبةَ، وهذا بمعنى سَاواها، فهذه معانِي الاستواءِ المعقولةِ في كلامهِم ليسَ فيها معنى استولى ألبتَّةَ، ولا نقلَهُ أحدٌ من أئمَّةِ اللغةِ، وإنَّما قاله متأَخِّرو النُّحاةِ ممَّن سلكَ طريقَ الجهميَّةِ والمعتزلةِ، مستدلِّين ببيتٍ للأخطلِ النَّصرانيِّ وهو قَولُهُ:
قد استوى بشرٌ على العراقِ من غيِر سيفٍ أو دمٍ مِهْراقِ
وهذا البيتُ ليسَ من شعرِ العربِ، وأهلُ اللغةِ لمَّا سَمِعوه أنكرُوه غايةَ الإنكارِ، ولم يجعلوه من لغةِ العربِ.
ثالِثًا: أنَّ معنى هذه الكلمةِ مشهورٌ، كما قال مالكٌ وربيعةُ وغيرُهم.
رابعا: أنَّه لو لم يكنْ معنى الاستواءِ في الآيةِ معلومًا لم يحتجْ أنْ يقولَ: والكيفُ مجهولٌ؛ لأنَّ نفيَ العلمِ بالكيفِ لا يَنفي إلا ما قد عُلمَ أصلُه.
خامسا: أنَّ الاستواءَ خاصٌّ بالعرشِ، وأمَّا الاستيلاءُ فهو عامٌّ على سائرِ المخلوقاتِ، فلو كان معنى الاستواءِ الاستيلاءَ لجازَ أنْ يقولَ اسْتَوى على الماءِ والهواءِ والأرضِ.
سادسا: أنَّه أخبرَ بخلقِ السَّماواتِ والأرضِ في ستَّةِ أيامٍ ثمَّ استوى على العرشِ، وأخبَر أنَّ عرشَه على الماءِ قبلَ خلقِهما، والاستواءُ متأخِّرٌ عن خلقِهنَّ، واللهُ مستولٍ على العرشِ قبلَ خلقِ السَّماواتِ وبعدَه، فَعُلِمَ أنَّ الاستواءَ على العرشِ الخاصِّ به غيرُ الاستيلاءِ العامِّ عليه وعلى غيرهِ.
سابعًا: أنَّه لم يثبتْ في اللغةِ أنَّ معنى (اسْتَوَى) استولى، إذ الَّذين قالوا ذلك عُمْدَتُهم البيتُ المذكورُ، ولم يَثبتْ نقلٌ صحيحٌ أنَّه عربيٌ، وغيرُ واحدٍ من أئمَّةِ اللغةِ أنكروه وقالوا بيتٌ مصنوعٌ لا يُعرفُ في اللغةِ، فكيف تُعارَضُ أدلَّةُ الكتابِ والسُّنَّةِ ببيتِ شعرٍ لنصرانيٍّ، ومع ذلك لم يثبتْ، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّينِ رحمهُ اللهُ في (لاميَّتِه) المشهورةِ:


قبحًا لمن نبذَ الكتابَ وراءَه=وإذا استدلَّ يقولُ قالَ الأخطلُ

وقال ابنُ القيِّمِ رحمهُ اللهُ في كتابهِ النُّونيَّةِ:
ودليلُهم في ذاكَ بيتٌ قالهَ فيما يقالُ الأخطلُ النَّصراني
إلى غيرِ ذلك من الوجوهِ الَّتي ذكرَها أهلُ العلمِ في ردِّ وإبطالِ هذا التفسيرِ، وقد أنْهاها ابنُ القيِّمِ رحمه اللهُ إلى اثْنينِ وأربعينَ وجهًا.
قَولُهُ: (العَرْشِ) هو لغةً: عبارةٌ عن السَّريرِ الَّذي للملكِ، كما قال تعالى عن بلقيسَ: (وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) فالعرشُ سريرٌ ذو قوائمَ تحمِلُه الملائكةُ، وهو كالقبَّةِ على العالمِ وهو سقفُ المخلوقاتِ.
قال البيهقيُّ رحمهُ اللهُ: اتَّفقتْ أقاويلُ أهلِ التَّفسيرِ على أنَّ العرشَ هو السَّريرُ، وأنَّهُ جسمٌ خلقَه اللهُ وأمَرَ ملائكتَه بحملِه، وتَعَبَّدَهُم بتعظيمِه والطَّوافِ به، كما خلقَ بيتًا في الأرضِ وأمر بني آدمَ بالطَّوافِ به واستقبالهِ، وقد اختلفَ العلماءُ في السَّابقِ بالخلقِ هل هو العرشُ أو القلمُ، ونَظَّم ذلك ابنُ القيِّمِ في (النُّونيَّةِ) بقَولِهِ:

والنَّاسُ مختلفونَ في القلمِ الَّذي=كُتبَ القضاءُ به من الديَّانِ
هل كانَ قبلَ العرشِ أو هو بعدَه=قولان عندَ أبي العَلا الهمذانِي
والحقُّ أنَّ العرشَ قبلُ لأنَّـــه=قبلَ الكتابةِ كان ذا أركــانِ
وكتابةُ القلمِ الشِّريفِ تعقَّبـتْ=إيجادَه من غيرِ فصلِ زمـــانِ

(90) قَولُهُ: (يُغْشِي): أي يُغطِّي (اللَّيْلُ النَّهَارَ ) فيذهبُ ظلامُ هذا بضياءِ هذا، وضياءُ هذا بظلامِ هذا، وكلٌّ منهما يطلبُ الآخرَ طلبًا حثيثًا، أي سريعًا لا يتأخَّرُ عنه، بل إذا ذهَب هذا جاء هذا وعكسُه.
قَولُهُ: (الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنَّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ) أي الجميعُ تحتَ قهرِه وتصريفِه ومشيئتِه.
قَولُهُ: (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ): أي هو خالقُ كلِّ شيءٍ، وهذا عامٌّ فيشملُ أفعالَ العبادِ، وله الأمرُ، أي الملكُ والتَّصرُّفُ، فلا رادَّ لأمرِه ولا مُعَقِّبَ لحكمِه، والأمرُ ينقسم إلى قسمين: أمرٍ شرعيٍّ دينيٍّ كقَولِهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ) وأمرٍ كونيٍّ قدريٍّ كقَولِهِ: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نَّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا) الآيةَ. تضمَّنتْ هذه الآيةُ إثباتَ أنواعِ التَّوحيدِ الثَّلاثةِ، وأفادت الرَّدَّ على الفلاسفةِ القائِلين بِقِدَمِ هذه المخلوقاتِ، وأفادتْ عمومَ خلقِه لهذه المخلوقاتِ، فيشملُ ذواتِها وصفاتهِا، وأفادتِ الاستدلالَ بهذه المخلوقاتِ على وجودِ الخالقِ، وأفادتْ إثباتَ أسمائهِ وصفاتهِ وأنَّه المستحقُّ للعبادةِ، وأفادتْ إثباتَ صفةِ الخلقِ، وأفادتْ إثباتَ الأفعالِ الاختياريَّةِ اللازمةِ والمتعدِّيةِ.
وأفادتْ إثباتَ خلقِ السَّماواتِ ووجودِها، وأفادتْ تعدُّدَها، وأفادتْ فضلَ السَّماءِ على الأرضِ، وأفادتْ أنَّ خلقَ هذه المخلوقاتِ في ستَّةِ أيامٍ، أوَّلُها يومُ الأحدِ، وأفادتْ إثباتَ الاستواءِ على العرشِ استواءً يليقُ بجلالهِ، وتضمَّنتْ إثباتَ العلوِّ للهِ، وأفادتْ أنَّ الاستواءَ صفةُ فعلٍ، وأفادتْ أنَّ الاستواءَ خاصٌّ بالعرضِ، وأفادتْ أنَّ العرشَ مخلوقٌ، وقد ثبتَ أنَّ العرشَ مخلوقٌ عظيمٌ ذو قوائمَ وله حملةٌ، خلافًا للمبتدعةِ الَّذين ينفُون وجودَ العرشِ ويقولون عرشُه ملكُه، فعلى قولِ هؤلاء المبتدعةِ يكون قَولُهُ تعالى: (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ) معناه ويحملُ ملكَ ربِّكَ، وهذا قولٌ باطلٌ مردودٌ، وأفادت أنَّ الاستواءَ على العرشِ بعدَ خلقِ السَّماواتِ والأرضِ، لأنَّه عَقَّبَهُ بِثُمَّ، وأفادتِ الرَّدَّ على الجهميَّةِ وأضرابهِم الَّذين يقولون: إنَّ معنى استوى استولى؛ لأنَّه تحريفٌ وزيادةٌ في كتابِ اللهِ وحملٌ له على غيرِ ما يحتملُ، فتواردُ الأدلَّةِ على هذا المعنى نصٌّ فيه، فلا يجوزُ تأويلهُ، قال ابنُ القيَّمِ:
نونُ اليهودِ ولامُ جهميٍّ هما في وحيِ ربِّ العرشِ زائدتان
قالَ الذهبيُّ: وأوَّلُ وقتٍ سمعتُ مقالةَ مَنْ أنكرَ أنَّ اللهَ فوقَ عرشِهِ هو من الجعدِ بنِ درهمٍ، وكذلك أنكرَ جميعَ الصِّفاتِ، وقتله خالدُ بنُ عبدِ الله القسريُّ وقصَّتُه مشهورةٌ، فأخذَ هذه المقالةَ عنه الجهمُ بنُ صفوانَ إمامُ الجهميَّةِ فأظهرَها واحتجَّ لها بالشُّبهاتِ، وكان ذلك في آخرِ عصْرِ التَّابعين، فأنكرَ مقالتَه أئمَّةُ ذلك العصرِ، مثلُ الأوزاعيِّ وأبي حنيفةَ ومالكٍ والليثِ بنِ سعدٍ والثَّوريِّ وحمَّادِ بنِ زيدٍ وحمَّادِ بنِ سلمةَ وابنِ المباركِ ومَن بعدَهم من أئمَّةِ الهُدى.
وأفادت الاستدلالَ بهذه المخلوقاتِ على وجودِ خالقِها وَمُدَبِّرِها وأنَّها آيةٌ واضحةٌ، ودلالةٌ صريحةٌ على وجودهِ سُبْحَانَهُ، وأنَّه المدبِّرُ والمسخِّرُ لهذه المخلوقاتِ، وهي مستلزمةٌ للعلمِ بصفاتِ كمالهِ، وتضمَّنَ ذلك أنَّه المعبودُ الحقُّ، وأنَّ عبادةَ غيرهِ باطلةٌ، إذ ما سواه عاجزٌ، والعاجزُ لا يصلحُ للأهليَّةِ، وأفادتِ التَّفريقَ بين الخلقِ والأمرِ، وفيه الرَّدُّ على الجهميَّةِ والمعتزلةِ القائلين بأنَّ كلامَ اللهِ مخلوقٌ، وأنَّ خلقَهُ وأمرَهُ واحدٌ، ويُروى عن سُفيانَ الثوريِّ رَضِي اللهُ عَنْهُ أنه قالَ: فرقَ اللهُ بينَ الخلقِ والأمرِ فمنْ جمعَ بينهما فهو كافرٌ. انتهى.
وفيها الرَّدُّ على مَن زعمَ من الفلاسفةِ: أنَّ العرشَ هو الخالقُ الصَّانعُ، وفيها الرَّدُّ على مَن زعمَ أنَّ العرشَ لم يزلْ معَ اللهِ وهو مذهبٌ باطلٌ، انتهى. من (فتحِ البارِي).

قَولُهُ: ((اللهُ الَّذي رَفَعَ السَّمَاواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها): أي رفعَ السـَّماواتِ بغيِر عمدٍ بل بإذنـِه وتسخيرهِ، رفَعَها عن الأرضِ بُعدًا لا يُنالُ ولا يُدركُ، مَداها كما في حديثِ: ((إِنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَ السَّماءِ وَالأَرْضِ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، وَكَذَلِكَ بُعْدُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ)) وجاءَ عن بعضِ السَّلفِ: أنَّ ما بين العرشِ إلى الأرضِ مسيرةُ خمسينَ ألفَ سنةٍ، وبُعدَ ما بينَ قُطريهِ خَمسونَ ألفَ سنةٍ، وهو من ياقوتةٍ حمراءَ.
قَولُهُ: (بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها): أي بغيِر عمدٍ.
وقَولُهُ: (تَرَوْنَها): تأكيدٌ للنَّفي، أي هي مرفوعةٌ بغيرِ عمدٍ، كما ترونها. قال ابنُ كثيرٍ: وهذا هو الأكملُ في القدرةِ.
وقَولُهُ في سورةِ طه: (الرَّحْمنُ عَلى العَرْشِ اسْتَوَى) إلخ الآياتِ – فهذه الآياتُ فيها دلالةٌ واضحةٌ على إثباتِ الاستواءِ على العرشِ وأنَّهُ استواءُ حقيقةٍ يليقُ بجلالِه وعظمتِه، وفيها الرَّدُّ على مَن زعَمَ أنَّ ذلكَ مجازٌ عن القهرِ أو الاستيلاءِ، وفيها دليلٌ على إثباتِ العرشِ وأنَّه مخلوقٌ، والرَّدُّ على مَن زعمَ: أنَّ معنى العرشِ المُلكُ، وفيها دليلٌ على أنَّ الاستواءَ صفةُ فعلٍ، وفي هذه الآياتِ دليلٌ على عُلوِّه -سُبْحَانَهُ- على خلقِه، فأدلَّـةُ الاستواءِ كلُّها أدلَّـةٌ على إثباتِ العلوِّ، وينقسمُ العلوُّ إلى ثلاثةِ أقسامٍ:
الأوَّلِ: علوُّ القهرِ. الثَّاني: علوُّ القدرِ. الثَّالثِ: علوُّ الذَّاتِ، خلافًا للمبتدعةِ الَّذين يُنكرون علوَّ الذَّات.
وأدلَّـةُ العلوِّ عقليَّةٌ، فقد تواطأتْ أدلَّةُ السَّمعِ والعقلِ على إثباتهِ، وكذلك قد فُطِرَ الخلقُ على إثباتهِ، أمَّا الاستواءُ فدليلُه سمعيٌّ فقط، وهو أيضًا صفةُ فعلٍ.اهـ.
وفي الآياتِ دليلٌ صحيحٌ على أنَّ اللهَ -سُبْحَانَهُ- ليسَ هو عينَ هذه المخلوقاتِ، ولا صفةً ولا جزءًا منها، فإنَّ الخالقَ غيرُ المخلوقِ، وليسَ بداخلٍ فيها محصورًا، بل هي صريحةٌ في أنَّه مُبايِنٌ لها، وليس حالاً فيها، ولا مَحلاًّ لها سُبْحَانَهُ. انتهى. مِن كلامِ ابنِ القيِّمِ رحمه اللهُ تعالى.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الإيمان, باستواء

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:32 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir