دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الأيمان

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 جمادى الآخرة 1431هـ/25-05-2010م, 03:43 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي بيان كفارة اليمين

( فصلٌ ) يُخَيَّرُ مَن لَزِمَتْه كَفَّارَةُ يمينٍ بينَ إطعامِ عَشرةِ مَساكينَ أو كِسوتِهم أو عِتْقِ رَقَبَةٍ، فمَن لم يَجِدْ فصيامُ ثلاثةِ أَيَّامٍ مُتتابِعَةٍ، ومَن لَزِمَتْه أَيمانٌ قَبلَ التكفيرِ مُوجِبُها واحدٌ فعليه كَفَّارَةٌ واحدةٌ، وإن اخْتَلِفَ مُوجِبُها كظِهارٍ ويَمينٍ باللهِ لزِمَاهُ ولم يَتَدَخَّلا.

  #2  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 03:31 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

.........................

  #3  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 03:32 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي


فصلٌ
في كَفَّارَةِ اليَمِينِ: (يُخَيَّرُ مَن لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ بينَ إطعامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ)، لكلِّ مِسْكِينٍ مُدُّ بُرٍّ أو نِصْفُ صَاعٍ مِن غيرِهِ، (أو كِسْوَتِهِم)؛ أي: العَشَرَةِ مساكينَ، للرجلِ ثوبٌ يَجْزِيهِ في صلاتِه، وللمرأةِ دِرْعٌ وخِمارٌ كذلكَ، (أو عِتْقِ رِقْبَةٍ، فمَن لم يَجِدْ) شيئاً مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، (فصِيامُ ثلاثةِ أيَّامٍ)؛ لقولِهِ تعالَى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ} (مُتَتَابِعَةٍ) وُجُوباً؛ لقراءةِ ابنِ مَسْعُودٍ: (فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ). وتَجِبُ كَفَّارَةٌ ونَذْرٌ فَوْراً وبِحِنْثٍ، ويَجُوزُ إِخْرَاجُها قبلَه، (ومَن لَزِمَتْهُ أَيْمَانٌ قبلَ التكفيرِ مُوجِبُها واحدٌ) ولو على أفعالٍ؛ كقولِهِ: واللَّهِ لا أَكَلْتُ، واللَّهِ لا شَرِبْتُ، واللَّهِ لا أَعْطَيْتُ، واللَّهِ لا أَخَذْتُ، (فعليه كَفَّارَةٌ واحدةٌ)؛ لأنَّها كَفَّارَاتٌ مِن جِنْسٍ واحدٍ، فتَدَاخَلَتْ كالحدودِ مِن جِنْسٍ، (وإنِ اخْتَلَفَ مُوجِبُها) أي: مُوجِبُ الأيمانِ، وهو الكَفَّارَةُ (كظِهَارٍ ويَمِينٍ باللَّهِ) تعالَى، (لَزِمَاهُ)؛ أي: الكَفَّارَتَانِ، (ولم يَتَدَاخَلاَ)؛ لعدمِ اتِّحَادِ الجِنْسِ. ويُكَفِّرُ قِنٌّ بِصَوْمٍ، وليسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنه. ويُكَفِّرُ كافرٌ بغيرِ صومٍ.

  #4  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 03:33 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم


فصل في كفارة اليمين([1])

(يخير من لزمته كفارة يمين، بين إطعام عشرة مساكين) لكل مسكين مدبر أو نصف صاع من غيره([2]) (أو كسوتهم) أي العشرة مساكين، للرجل ثوب يجزئه في صلاته، وللمرأة درع وخمار كذلك([3]) (أو عتق رقبة([4]) فمن لم يجد) شيئا مما تقدم ذكره([5]) (فصيام ثلاثة أيام)([6]).


لقوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ([7]) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} (متتابعة) وجوبا([8]) لقراءة ابن مسعود فصيام ثلاثة أيام متتابعة([9]).
وتجب كفارة نذر فورا بحنث([10]) ويجوز إخراجها قبله([11]) (ومن لزمته أيمان قبل التكفير، موجبها واحد) ولو على أفعال([12]).


كقوله: والله لا أكلت، والله لا شربت، والله لا أعطيت والله لا أخذت (فعليه كفارة واحدة لأنها كفارات من جنس واحد، فتداخلت كالحدود من جنس([13]).
و(إن اختلف موجبها) أي موجب الإيمان، وهو الكفارة (كظهار ويمين بالله) تعالى (لزماه) أي الكفارتان (ولم يتداخلا) لعدم اتحاد الجنس([14]) ويكفر قن بصوم([15]) وليس لسيده منعه منه([16]) ويكفر كافر بغير صوم([17]).


([1]) وفيها تخيير وترتيب، فالتخيير بين الإطعام والكسوة والعتق والترتيب فيما بين ذلك وبين الصيام.
([2]) سواء كان المطعم واحدا، أو عددا وسواء أطعم البعض برا، والبعض شعيرا أو تمرا أو زبيبا للآية.
([3]) أي يجزئها في صلاتها، وأي جنس كساهم خرج به من العهدة، ويجزئ الجديد واللبيس، ما لم تذهب قوته، ويجزئ أن يطعم بعضا، وأن يكسوا بعضا لأن الله خير بين الإطعام والكسوة لا بعض الطعام وبعض الكسوة.
([4]) حكاه الوزير وغيره اتفاقا، وأن الحالف مخير في أي ذلك شاء، وأنهم أجمعوا على أنه لا يجزئ فيه إلا عتق رقبة مؤمنة، سليمة من العيوب، خالية من شركة أو عقد عتق، أو استحقاقه، إلا أبا حنيفة فإنه قال: لا يشترط الإيمان.
([5]) أي من الإطعام، أو الكسوة أو العتق قيل: كعجز عن فطرة، وقيل: كثمن الرقبة في الظهار.
([6]) قال الوزير وغيره: اتفقوا على أن من لم يجد شيئا مما تقدم، انتقل إلى صيام ثلاثة أيام اهـ، وإن قدر بعد شروعه في الصوم فكهدي وتقدم.
([7]) أي فكفارة ما عقدتم الأيمان إذا حنثتم {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} أي: من خير وأمثل قوت عيالكم، أو كسوتهم ما يصح أن يصلي فيه، أو عتق رقبة ويشترط أن تكون مؤمنة وهو قول الجمهور بدأ تعالى بالأسهل فالأسهل، مخيرا الحالف، فأي هذه الخصال فعل أجزأ بالإجماع.
([8]) إذا عجز عن أحد ثلاث الخصال المتقدمة، والجمهور على أنها متتابعا.
([9]) فدلت هذه القراءة على مشروعية التتابع.
([10]) لأنه الأصل في الأمر المطلق.
([11]) أي الحنث، فتكون الكفارة محللة لليمين، وإن شاء بعده، فتكون مكفرة، وفي الصحيحين إذا حلفت على يمين، فرأيت غيرها خيرا منها، فأت الذي هو خير، وكفر عن يمينك ولأبي داود فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير، فجاءت الأحاديث بالتأخير وبالتقديم، وإن كان الحنث حراما كفر بعده مطلقا، ولا تجزئ كفارة قبل حلف إجماعا، وفي الصحيحين أيضا: الأمر بإبرار القسم، والجمهور أنه على الندب.
([12]) متغايرة كما مثل.
([13]) كما لو زنا ثم زنا، فلا يحد إلا مرة، هذا المذهب وعنه: لكل يمين كفارة، وهو مذهب أكثر أهل العلم، وإن قال: والله لا أكلت ولا شربت ولا لبست وحنث في واحدة وكفر، انحلت في البقية، لأنها يمين واحدة، قال في المبدع: بغير خلاف، وإن قال: والله لا أكلت، والله لا شربت، فحنث بإحداهما وكفر، ثم حنث في الثاني، لزمته كفارة ثانية.
([14]) بل لكل يمين كفارتها، قال الشيخ: من كرر أيمانا قبل التكفير فروايات ثالثها، وهو الصحيح إن كانت على فعل فكفارة وإلا فكفارات ومثل ذلك الحلف بنذور مكفرة وطلاق مكفر.
([15]) لا بمال لأنه لا مال له، ومرادهم لا يجزئه غيره، ولو أعطاه سيده ما يكفي في الكفارة.
([16]) أي من الصوم سواء كان الحلف والحنث بإذن أولا، وسواء أضر به، أولا.
([17]) لأنه لا يصح من الكافر، ويتصور عتقه للمسلم، كأعتق عبدك عني، وعلي ثمنه، أو يدخل في ملكه بإرث.

  #5  
قديم 14 ربيع الثاني 1432هـ/19-03-2011م, 11:13 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

يُخَيَّرُ مَنْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ بَيْنَ إِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينِ، أَوْ كِسْوَتِهِمْ، أَوْ عَتْقِ رَقَبَةٍ.
قوله: «يخير» أي: يفعل ما يشاء، أو خير الأمرين، وهل هو تخيير إرادة وتشهٍّ، أو هو تخيير مصلحة؟ فيه تفصيل: إذا كان المقصود به التيسير على المكلف فهو تخيير إرادة وتشهٍّ، وإذا كان المقصود به مراعاة المصلحة فهو تخيير مصلحة.
خيَّر الله ـ عزّ وجل ـ الحانث في يمينه بين أمور، فهل هو للمصلحة أو للتيسير والتسهيل؟
الجواب: للتيسير والتسهيل؛ بدليل قوله تعالى: {{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ}} الآية، فإذا كان للتيسير والتسهيل فأنا أفعل ما هو أسهل وأيسر لي.
وقال ـ تعالى ـ في فدية الأذى: {{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}} [البقرة: 196] ، فهذا تخيير تشهٍّ وإرادة، حتى لو كانت المصلحة في ذبح الشاة فلا يلزمه ذلك، والأمر موكول إليه.
وقوله تعالى: {{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ}} [المائدة: 33] ، فهذا التخيير تخيير مصلحة على القول بأن الآية للتخيير، وبعض العلماء يقول: الآية للتنويع، لكن على القول بأنها للتخيير، فهو تخيير مصلحة، يعني يتبع في ذلك ما هو أصلح وأردع.
وإذا قيل لولي اليتيم: أنت بالخيار بين أن تقرض ماله، أو تدفعه مضاربة، أو تحفظه عندك، فالتخيير هنا مصلحة، والدليل قوله تعالى: {{وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أْحْسَنُ}} [الأنعام: 152] .
فالقاعدة أنَّه إذا خير الإنسان بين شيئين، أو أشياء، فإن كان المقصود بالتخيير التيسير فالتخيير تشهٍّ وإرادة، وإذا كان المقصود المصلحة فهو تخيير مصلحة، بناءً على قاعدة أن كل من خُيِّر بين شيئين وهو متصرف لغيره، فتخييره مصلحة، وليس تخيير تشهٍّ.
قوله: «من لزمته كفارة يمين» تلزم الكفارة إذا تمت الشروط السابقة، وهي ثلاثة شروط على كلام المؤلف، وزدنا شرطاً رابعاً وهو أن يكون عالماً.
مثال ذلك: رجل قال: والله ليقدمن زيد غداً، فلم يقدم، فعلى المذهب تلزمه الكفارة، وعلى القول الراجح لا تلزمه؛ لأنه يُخبر عمَّا يغلب على ظنه.
ولو قال رجل لأخيه عند دخول الباب: والله لتدخلن، وقصد عقد اليمين، فقال أخوه: لا أدخل قبلك، بل ادخل أنت، فهل يحنث الحالف وتلزمه الكفارة؟
هذه المسألة فيها خلاف، فالمشهور من المذهب أن الكفارة تلزمه؛ لأنه قصد اليمين وحنث في يمينه.
والقول الثاني: لا تلزمه إذا كان قصده الإكرام؛ لأن الإكرام حصل بيمينه، فقوله: والله لتدخلن، كقوله: والله إني لأكرمك، فهذا هو المقصود؛ لأنه ليس هدفه من أن يدخل قبله إلا الإكرام، فكأنه حلف على الإكرام الحاصل.
قالوا: وعلى هذا تُخَرَّج قصة أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ، لما قدم الطعام للضيفان، فقال الضيفان له: كل، فقال: والله ما آكل، فقالوا لزوجته: كلي، فقالت: والله ما آكل، فقال الضيفان: والله ما نأكل، فحلفوا كلهم، فقال أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ: هذا من الشيطان وأكل، وأكلوا بعد ذلك، فلما أصبحوا غدوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وأخبروه، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر رضي الله عنه: «أنت أبرهم وخيرهم» [(128)]، ولم يأمره بالكفارة.
وهذا الحديث اختلف فيه العلماء، فبعضهم قال: لم يأمره بها؛ لأن الكفارة معلومة، وفعل أبي بكر رضي الله عنه من باب الحنث في اليمين إذا كان خيراً، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لعبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه: «إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفِّر عن يمينك، وائت الذي هو خير» [(129)]، فهذا من باب الحنث للخير، والكفارة لا تسقط به.
وقال بعض العلماء: ليس هذا حنثاً في الواقع؛ لأن أبا بكر لم يقصد إلزامهم بذلك، وإنما قصد إكرامهم به، والإكرام حصل، ثم هؤلاء الذين أبوا أن يأكلوا قصدوا إكرامه أيضاً، فالإكرام حصل من الطرفين، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: إن الحنث معناه الإثم، فأبو بكر ما قصد الإلزام، وهم ما قصدوا تحنيث أبي بكر، فكل منهم قصد الإكرام، والإكرام قد حصل، فحينئذ لا يكون هناك حنث، ولا شك أن دلالة حديث أبي بكر رضي الله عنه على ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ واضحة، وهذا القول في الحقيقة فيه فرج للناس؛ لأن الناس دائماً يحلفون هذه الأيمان، أما إذا قصد الإلزام فواضح أنه يحنث.
تلخّص لنا أن بعض العلماء يقول: إذا لم يكن القصد باليمين الإلزام إنما قصده الإكرام فإنه لا يحنث بالمخالفة؛ لأن الإكرام حصل، فكأن صاحب اليمين يقول: والله إني أكرمك بهذا، وقد تم، وعندي أنه لا ينبغي الإكثار من الحلف للإكرام؛ لأن فيه إحراجاً، ولأنه عند الجمهور فيه كفارة بالحنث فيه.
والكفارة تجب على الفور؛ وقد بينا[(130)] في أصول الفقه أن الواجبات تجب على الفور. ولو قال رجل لآخر: إن فعلت كذا فزوجتي طالق فهل يقع به الطلاق؟
فالجواب: هذا يمين لأن هذا اللفظ جاء به المتكلم للتوكيد. يعني أن أغلى ما عندي زوجتي ومع ذلك سوف أرخصها من أجلك لتأكيد الإلزام، والحلف بالطلاق لم يكن في عهد الصحابة ولذلك لم ترد به الآثار ولكن كان في عهد الصحابة الإقسام بالنذر وقد جعل الفقهاء حكمه حكم اليمين. فكل من حلف قاصداً به الامتناع فهو يمين سواء حلف بالطلاق أو الظهار أو التحريم أو الوقف أو غير ذلك.
وقوله: «يخير من لزمته» احترازاً ممن لا تلزمه.
قوله: «بين إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو عتق رقبة» انتقد النحويون على الفقهاء كلمة «أو» في هذا المكان؛ لأنها لا تستقيم مع التخيير، وكان عليهم أن يقولوا: يخير بين إطعام عشرة مساكين، وكسوتهم، وتحرير رقبة، ولا نستدل بالآية الكريمة؛ لأن الآية الكريمة فيها: {{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}[المائدة: 89] ليس فيها «يخيَّر»، فـ(أو) لا حاجة لنا أن نأتي بها، لأنا إذا أتينا بها جمعنا بين الفعل الدال على التخيير، والحرف الدال على التخيير، وهذا لا حاجة إليه.
ولكن قال بعض النحويين: إن هذا جائز وسائغ، وتكون «أو» هنا بمعنى «الواو» ولا حرج.
وقوله: «بين إطعام عشرة مساكين» المسكين هنا يتناول الفقير، وهو من لا يجد كفايته وكفاية عائلته لمدة سنة.
والإطعام له كيفيتان:
الأولى: أن يصنع طعاماً يكفي عشرة مساكين ـ غداء أو عشاءً ـ ثم يدعوهم؛ وذلك لأن الله ـ تعالى ـ أطلق فقال: {{إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ}} فإذا صنع طعاماً وتغدّوا، أو تعشوا فقد أطعمهم.
الثانية: التقدير، وقد قدَّرناه بنحو كيلو من الأرز لكل واحد، فيكون عشرة كيلوات للجميع، ويحسن في هذه الحال أن يجعل معه ما يؤدِّمه من لحم أو نحوه، ليتم الإطعام؛ لأن الله تعالى يقول: {{إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ}}.
فإن قيل: ما الدليل على تقديره بالكيلو؟ ولماذا لا نقول: نعطيه ما يسد كفايته؟
في الحقيقة ليس هناك دليل واضح في الموضوع، إلا أن يقول قائل: إن دليلنا حديث كعب بن عُجرة ـ رضي الله عنه ـ، حين أذن له النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يحلق، ويطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع[(131)]، فعيَّن لكل مسكين نصف صاع، فيقاس عليه البقية، والمسألة تقريبية، وليست حدّاً معروفاً.
وإذا تأملت وجدت أن الإطعام، والمطعم له ثلاث حالات:
تارة يقدَّر المعطى دون الآخذ، وتارة يقدر الآخذ دون المعطى، وتارة يقدر المعطى والآخذ:
مثال ما قُدر فيه المعطى دون الآخذ: زكاة الفطر، فهي مقدرة بصاع على كل شخص، لكن لم يقدر فيها من يدفع له، ولهذا يجوز أن توزع الفطرة على أكثر من مسكين، ويجوز أن تعطى عدة فطرات لمسكين واحد، فهذا قدر فيه المعطى دون الآخذ، وإن شئت قلت: قدر فيه المدفوع دون المدفوع إليه.
ومثال ما قدِّر فيه المدفوع والمدفوع إليه: فدية الأذى، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع» (1) .
ومثال ما قدر فيه المدفوع إليه دون المدفوع: كفارة اليمين، ولهذا قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: ما دام الشرع لم يقدر لنا، فإن ما يسمى إطعاماً يكون مجزئاً، حتى الغداء أو العشاء.
وقوله: «أو كسوتهم» : أي: كسوة العشرة، سواء كانوا صغاراً أم كباراً.
وكيف نكسوهم، هل بقميص، أو بقميص وسراويل، أو إزار ورداء، وهل مع ذلك عمامة، أو غترة وطاقية، أو مشلح، أو ماذا؟
فنقول: أما الإطعام فقد قال الله تعالى: {{مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}}، و«أوسط» بمعن وسط، وليس بمعنى الأعلى، استدلالاً بقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لمعاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ حين بعثه إلى اليمن: «وإياك وكرائم أموالهم»[(132)] فلو أوجبنا الأعلى لكنا أخذنا من كرائم الأموال.
أما الكسوة فإن الله ـ تعالى ـ لم يقيدها بشيء، وعلى هذا فأي شيء يطلق عليه كسوة يحصل به المقصود، فمثلاً عندنا لو أن شخصاً كسا آخر إزاراً من السرة إلى الركبة فهذا لا يسمى كسوة، فهي في كل بلد بحسبه، ففي بلادنا الكسوة تكون درعاً، وهو الثوب، وغترة، وطاقية، أما السراويل فليست لازمة بل هي من كمال الكسوة.
وظاهر الآية الكريمة أنه لا فرق بين الصغير والكبير، والذكر والأنثى، مع أن كسوة الأنثى غالباً أكثر من كسوة الرجل.
وقوله: «أو عتق رقبة» العتق هو تحرير الرقبة وتخليصها من الرق، وهو مطلق، فظاهره أن الرقبة تجزئ ولو كانت كافرة، وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة، وأصحابه، وابن المنذر، وجماعة من أهل العلم، قالوا: لأن الله ـ تعالى ـ قال: {{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}} [المائدة: 89] وأطلق، بينما قال ـ سبحانه ـ في كفارة قتل الخطأ: {{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}} [النساء: 92] ، فقيدها الله ـ تعالى ـ بالإيمان، وفي كفارة اليمين والظهار أطلق، وليس لنا أن نقيد ما أطلقه الله، وإذا كنا نقول: إنه لا إطعام في كفارة القتل؛ لأنه لم يذكر، فكذلك نقول: إنه لا يشترط الإيمان في كفارة الظهار، وكفارة الأيمان؛ لأنه لم يذكر.
ثم نقول: آية القتل اشترط الله فيها الإيمان في ثلاثة مواضع، فقال سبحانه: {{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}} [النساء: 92] .
فقيدت الرقبة بالإيمان ثلاث مرات، مع أنه لو كنا نقول بحمل المطلق على المقيد لكان يكفي أن تقيد في الآية الكريمة مرة واحدة، ثم يحمل في الموضعين الآخرين عليها، فإذا كان الله ـ تعالى ـ كلما ذكر العتق يقيده بالإيمان، والسبب واحد وهو قتل النفس المحترمة، دل ذلك على أن الإيمان ليس شرطاً في كفارة اليمين، وكفارة الظهار، وكفارة الجماع في نهار رمضان، لا سيما وأن الجماع في نهار رمضان جاء فيه قصة الرجل الذي جامع في نهار رمضان وجاء يسأل: فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «هل تجد ما تعتق رقبة» [(133)]؟ ولم يقل له: مؤمنة، مع أن المقام يقتضي أن يقول له ذلك، ولهذا كان هذا القول قوياً جداً وهو مذهب الإمام أبي حنيفة وابن المنذر وجماعة من العلماء.
أما الذين قالوا: باشتراط الإيمان فاستدلوا بالقاعدة المعروفة: «أنه يحمل المطلق على المقيد إذا كان الحكم واحداً».
فإن لم يستقم الأمر فإن الإيمان شرط فيها من باب القياس، وذلك بأن يقال: رقبة وجب إعتاقها للخروج من الذنب، فاشترط فيها الإيمان، كالرقبة الواجبة في كفارة قتل الخطأ.
ولكن قد يُعارض ذلك، فأما الأول وهو حمل المطلق على المقيد، فقد نقول: إنه لا حمل هنا؛ لأن الحكم مختلف، ففي كفارة القتل عتق، وصيام بدون إطعام، وفي كفارة الظهار والجماع في نهار رمضان عتق، وصيام، وإطعام، وفي كفارة اليمين الاختلاف واضح، فهو إطعام، وكسوة، وعتق، وصيام، فيختلف اختلافاً بيناً عن كفارة القتل.
وأيضاً السبب مختلف، وإن كان اختلاف السبب لا يؤثر، لكن لا بد أنَّ مؤثراً أثَّر في الحكم.
وأما القول بالقياس، فإن القياس هنا قد يكون ممنوعاً؛ وذلك لأن القتل أعظم ذنباً من كفارة اليمين، فكفارة اليمين الحنث فيها مباح، والقتل محرَّم ومغلظ، فلا يقاس هذا على هذا.
فإن قلت: بماذا تجيب عن حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه حين أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن له جارية غضب عليها، فصكَّها ـ أي: ضربها ـ وأنه يريد أن يعتقها، فدعاها النبي صلّى الله عليه وسلّم وقال لها: «أين الله؟» قالت: في السماء، قال: «من أنا؟» ، قالت: أنت رسول الله، قال: «أعتقها فإنها مؤمنة» [(134)].
فقوله صلّى الله عليه وسلّم: «أعتقها فإنها مؤمنة» ، جملة تعليلية، أي: لإيمانها أعتقها، أفلا يدل هذا على أن غير المؤمن ليس محلاً للعتق؟ فالجواب: بلى، هو يدل على أن الإيمان شرط.
أيضاً لو أعتقنا الكافر فإنه يتحرر، ولا يُؤمَن أن يلحق بدار الكفر، فيكون في ذلك ضرر عليه وعلينا، أما الضرر عليه فلأنه إذا لحق بدار الكفر فيكون أبعد لإسلامه، والضرر الذي علينا فلأنه قد يعين الكفار على المسلمين في يوم من الأيام، لا سيما إذا كان فيه حنق على المسلمين وكان جلداً شجاعاً.
ولهذا نقول: لا تعتق الكافر مطلقاً، إلا إذا أسلم.
وهذا في الحقيقة هو الذي يمنع من أن يرجح الإنسان الإطلاق في كفارة اليمين والظهار.
فإذا أردنا أن نخرج من المتشابه فلا نعتق إلاّ مؤمنة؛ لأنك إذا أعتقت مؤمنة أبرأت ذمتك بلا خلاف، وإن أعتقت كافرة فقد أبرأت ذمتك على قولٍ من الأقوال، قد يكون هذا الصواب عند الله تعالى، وقد يكون الصواب خلافه، هذا إذا جاء يسألنا في ابتداء الأمر فنقول له: أعتق رقبة مؤمنة فهو أحوط لك، واتَّقِ الشبهات.
وأما رجل قد أعتق ورأى أنه قد أبرأ ذمته إما جهلاً، وإمَّا تقليداً لقول بعض العلماء، فهذا لا نأمره بإعادة العتق؛ لأن أمرنا إياه بإعادة العتق مقتضاه القضاء عليه بالغرم، وهو أمرٌ غير متيقن، فنكون ارتكبنا مفسدة التغريم بدون دليل بيِّن، وحينئذٍ يكون الحكم عليه بإبراء ذمته هو الاحتياط، ولهذا كثير من العلماء في مثل هذه الأمور المشتبهة التي تعارضت فيها الأدلة، أو تكافأت فيها أقوال العلماء إذا لم يكن هناك دليل، يفرقون بين الشيء إذا وقع، وبين الشيء قبل وقوعه، فيقولون: قبل الوقوع نأخذ بالأحوط، وبعد الوقوع نأخذ بالأحوط أيضاً، وهو عدم إفساد العبادة، أو عدم التغريم، أو ما أشبه ذلك.

فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ،............
قوله: «فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام» وهذا كقوله تعالى: {{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ}} [المائدة: 89] .
ثم قال «فمن لم يجد» هنا المفعول محذوف، وحَذْف المفعول يدل على العموم، وهذا من القواعد.
إذاً فمن لم يجد ما يُطعم به، أو يكسو، أو يعتق، ومن لم يجد من يطعمه، أو يكسوه، أو يعتقه، فكذلك، فمثلاً رجل عنده مال وغني، طلب رقبةً فما وَجد، وطلب مساكين فما وجد، فقيل له: إن هناك مساكين في أقصى ماليزيا، وهو في المغرب الأقصى، فهذا غير واجد.
إذاً من لم يجد شيئاً يشتري به طعاماً، أو كسوة، أو رقبة، أو عنده مال، ولكن لا يجد محلاً لهذا المال، بأن لم يجد رقبة في السوق، أو لا يجد فقراء يطعمهم ويكسوهم، وهذه المشكلة الآن قائمة عندنا ـ والحمد لله ـ فكثيراً إذا ما قلنا للناس: عليكم إطعام عشرة مساكين، يقولون: أأعطيك لتطعم لي؟ فما يجدون فقراء، ولذا أُفتي الناس وأقول: هؤلاء العمال غالبهم ذوو عائلات وفقراء، وإذا أعطيتهم من هذا الطعام ما يكفيهم غداءً، أو عشاء يوماً أو يومين، ويكونون عشرة مساكين مسلمين، فقد أجزأت الكفارة، ولا يُعطى الكافر.
والدليل على أن الكافر لا يعطى من الكفارة القياس على الزكاة، فإن الكافر لا يعطى من الزكاة إلا إذا كان مؤلَّفاً، ولذلك قاس العلماء الإطعام على الزكاة، وقالوا: إن الكفار ليسوا أهلاً، والمسألة فيها شيء من التأمل؛ لأنه قد يقال: حتى في الزكاة يعطى الكافر إذا لم يكن حربياً.
وقول الله تعالى: {{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ}} لاحظ أن الإطعام لا يقابل الصوم، فالإطعام عشرة، والصيام ثلاثة، وفي كفارة الظهار صيام شهرين أو إطعام ستين مسكيناً وهو مقارب، وإن كان الصيام قد يكون ثمانية وخمسين يوماً والإطعام ستين مسكيناً، وفي فدية الأذى صوم ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين فهو متقارب، فدل هذا على أن هناك حِكَماً لله ـ عزّ وجل ـ تخفى على الناس، ما نستطيع أن ندركها، وإلا لقال الإنسان: جعل الله إطعام المسكين في صيام رمضان عن يوم، وفي كفارة الظهار والجماع في نهار رمضان عن يوم تقريباً، فلماذا جعل هنا مختلفاً؟
نقول: هذه من الأمور التي لا ندركها، والله أعلم.
قوله: «متتابعة» أي: واحداً تلو الآخر، فإن صامها متفرقة لم تجزئ، فلو صام يوماً وأفطر يوماً، وصام يوماً وأفطر يوماً، وصام يوماً فيبقى عليه يومان؛ لأن اليومين السابقين أفطر بينهما فلم يصحَّا، فما الدليل، وقد قال الله تعالى: {{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ}}، ولم يقل: متتابعة، والأصل عدم التتابع والله تعالى لما أراد التتابع قال: {{فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ}} [المجادلة: 4] ، ولما أراد الإطلاق قال: {{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}} [البقرة: 196] وهنا عين العدد، ولم يذكر التتابع؟
قال العلماء: الدليل على ذلك قراءة عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: «فصيام ثلاثة أيام متتابعة»[(135)]، وقراءة ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ حجة، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من أراد أن يقرأ القرآن غضّاً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد» [(136)] يعني ابن مسعود؛ إذاً فقراءته إذا صحت عنه تكون ثابتة وحجة، ويكون هذا هو الدليل، وإلا لوجب أن نطلق ما أطلقه الله.
وقال بعض العلماء: إن القراءة إذا لم تكن متواترة فليست بثابتة، وهذا غير صحيح، بل القراءة إذا صحت ولو لم تكن متواترة فهي كالحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، لأن مثلاً ابن مسعود إذا كان يقرؤها، فمعناه أنه رواها عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وسمعها منه، ونحن نقول: لا تُقرأ في الصلاة، مع أن شيخ الإسلام رحمه الله يقول: تقرأ في الصلاة متى صحت، ولو لم تكن متواترة.

وَمَنْ لَزِمَتْهُ أَيْمَانٌ قَبْلَ التَّكْفِيرِ مُوجَبُهَا وَاحِدٌ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ،.......
قوله: «ومن لزمته أيمان قبل التكفير مُوجَبُها واحد فعليه كفارة واحدة» «من» اسم شرط جازم، وفعل الشرط «لزمته» ، وجوابه «فعليه كفارة واحدة» مثال ذلك: أن يقول: والله لا أكلم فلاناً، والله لا أدخل البيت، والله لا أذهب إلى السوق، هذه أيمان ثلاث موجَبها ـ أي: ما يجب بسببها، أو ما توجبه ـ واحد، وهو إطعام، أو كسوة، أو عتق، فإن لم يجد فصيام، فكلها تتفق في الموجب ـ أي: إن كفارتها واحدة ـ فماذا يلزمه إذا حنث في الثلاث؟ يلزمه كفارة واحدة، قياساً على ما إذا تعددت الأحداث، فلا يلزمه إلا وضوء واحد، كرجل نام، وتغوط، وبال، وخرجت منه ريح، وأكل لحم إبل، فهذه خمسة أحداث، ويلزمه الوضوء مرة واحدة.
قالوا: فهذه أسباب متعددة، والمسبَّب واحد، فلا يلزمه إلا كفارة واحدة، وهذا إذا كان قبل التكفير.
أما إذا كان بعد التكفير، مثل ما لو قال: والله لا أكلم فلاناً، والله لا أدخل البيت، والله لا أذهب إلى السوق فهذه ثلاثة أيمان، فكلم فلاناً، ثم كفّر عن تكليمه إياه، ثم دخل البيت، وذهب إلى السوق، فهنا لا تجزئه الكفارة الأولى؛ لأن كفارة اليمينين الآخرين لم تلزمه إلا بعدما كفَّر عن الأول.
ولو نوى بالكفارة عن الأول الكفارة عن الأول، والتحلة عن الثاني، والثالث، فيجزئه؛ لأن الموجَب واحد، وهذا ما مشى عليه المؤلف، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد.
وذهب جمهور العلماء إلى أنه إذا تعدد المحلوف عليه، واليمين فعليه لكل واحدة كفارة، مثل لو قال: والله لا أكلم زيداً، والله لا أدخل البيت، والله لا أذهب إلى السوق، فالأيمان متعددة، والمحلوف عليه متعدد.
قالوا: فيلزمه كفارة لكل يمين، ففي هذه الحال يلزمه ثلاث كفارات، وعللوا ذلك بعموم الآية: {{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ}} [المائدة: 89] ، وهذه أيمان متعددة فيلزمه كفارات بعددها، كما لو قتل المحرم صيداً كعشر حمامات، فالموجَب واحد وهو مثل ما قتل من النعم، فيلزمه عشر شياه، قالوا: فهذا مثله؛ لأن السبب متعدد، وكل يمين مستقلة بنفسها.
وهذه المسألة لها ثلاث حالات:
الأولى: أن تتعدد اليمين والمحلوف عليه واحد، مثل لو قالت له أمه: البس ثوب الصوف، اليوم برد، فقال: والله ما ألبسه، ثم لقيه أخوه فقال له: البس ثوب الصوف للبرد، فقال: والله ما ألبسه، ثم لقيه أبوه فقال: يا ولدي البس هذا الثوب للبرد، قال: والله لا ألبسه، فالأيمان متعددة، والمحلوف عليه شيء واحد، فهذا يجزئه كفارة واحدة قولاً واحداً، ولا إشكال فيه.
الثانية: أن تكون اليمين واحدة، والمحلوف عليه متعدداً، مثاله: قيل له: اذهب إلى صاحبك، قد دعاك إلى وليمة عرس، وكل من طعامه، وهنئه بالزواج، فقال: والله لا أذهب إليه، ولا أهنئه بالزواج، ولا آكل من طعامه.
فالمحلوف عليه ثلاثة أشياء، ولكن اليمين واحدة، فهذا ـ أيضاً ـ تجزئه كفارة واحدة، قولاً واحداً؛ لأن اليمين واحدة.
الثالثة: أن تتعدد الأيمان والمحلوفُ عليه، وهذا هو محل الخلاف بين العلماء، فمنهم من قال: إنه يجزئه كفارة واحدة، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، ومنهم من قال: إنه لا بد لكل يمين من كفارة، وهذا مذهب الجمهور، والظاهر ما ذهب إليه الجمهور، أنه إذا كانت اليمين على أفعال فإن لكل فعل حكماً. ما لم يكن على الصفتين السابقتين.

وَإِنْ اخْتَلَفَ مُوجَبُهَا، كَظِهَارٍ، وَيَمِينٍ بِاللهِ لَزِمَاهُ، وَلَمْ يَتَدَاخَلاَ.
قوله: «وإن اختلف موجَبُها كظهار ويمين بالله لزماه ولم يتداخلا» معلوم أن كفارة الظهار غير كفارة اليمين، فإذا لزمته كفارة ظهار، وكفارة يمين، وجب عليه أن يكفر كفارة ظهار تامة، وكفارة يمين تامة؛ لاختلاف الموجَب.
مثال ذلك: رجل قال: والله لا أكلم زوجتي، وهي عليَّ كظهر أمي، ففي هذا يمين، وظهار، فإن أراد الرجل أن يعود نقول له: عليك كفارة يمين، وكفارة ظهار، فلو قال: أنا أريد أن أعتق رقبة واحدة عن الجميع، فلا يجزئه، ولا بد من رقبتين.
فإن قال: الموجَب واحد، نقول: لكن المعتبر أصل الكفارة، وعلى هذا فلو أراد أن يعتق رقبة واحدة عن اثنين لم يصح.
ولو قال رجل: أنا عليَّ صيام شهرين متتابعين ـ ستين يوماً ـ عن الظهار، وأنوي ثلاثة أيام منها عن اليمين فلا يجزئه، ولا تتداخل الكفارتان.
ولو قال: أنا عليَّ إطعام ستين مسكيناً إذا لم أستطع الصوم عن الظهار، فأنوي إطعام عشرة مساكين من الستين عن اليمين، فهذا لا يجزئ، والعلة اختلاف الموجَب.
فإذا قيل: على أي شيء يقاس هذا؟ قالوا: كالحدث الأصغر، والحدث الأكبر، فالمذهب لا يرتفع الحدث الأصغر بنية ارتفاع الحدث الأكبر فقط، بل لا بد أن ينوي بغُسله رفع الحدثين، وعليه فنقول لهذا الرجل الذي قال: والله لا أكلم زوجتي، وهي عليَّ كظهر أمي، يلزمه إذا عاد كفارتان: كفارة لليمين، وكفارة للظهار.
ولو قال رجل: لله عليَّ نذر ألاَّ آكل من طعامكم، وقال: والله لا أخرج إلى السوق، وقال: إن كلمت فلاناً فزوجتي طالق يريد اليمين، ثم حنث في الثلاثة، فماذا يلزمه على المذهب؟
الجواب: عليه كفارة واحدة؛ لأن موجب هذه الأشياء الثلاثة واحد، فالنذر الذي يقصد به اليمين يمين، والطلاق الذي يقصد به اليمين يمين، فعلى المذهب يجزئه كفارة واحدة، ولكن تطلق الزوجة، والصحيح أنها لا تطلق.
وعلى القول الثاني ـ الذي هو قول الجمهور ـ يلزمه ثلاث كفارات؛ لأن الأفعال متعددة.
قوله: «باب جامع الأيمان» يعني باب جامع أحكام الأيمان، والأيمان جمع يمين، وهو القسم، وهذا الباب يبحث فيه على أي شيء ينزل القسم، هل على العرف، أو على اللغة، أو على النية، أو على السبب؟



[128] أخرجه البخاري في الأدب/ باب ما يكره من الغضب والجزع عند الضيف (6140)، ومسلم في الأشربة/ باب إكرام الضيف وفضل إيثاره (2057) عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما، وهذا لفظ مسلم.
[129] سبق تخريجه ص(126).
[130] انظر: الأصول من علم الأصول وشرحه، ومنظومة أصول الفقه وقواعده لفضيلة الشيخ الشارح رحمه الله.
[131] أخرجه البخاري في المحصر/ باب قوله تعالى: {{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا}} (1814)، ومسلم في الحج/ باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى (1201) عن كعب بن عجرة رضي الله عنه.
[132] أخرجه البخاري في الزكاة/ باب وجوب الزكاة (1395)، ومسلم في الإيمان/ باب الدعاء إلى الشهادتين (19).
[133] أخرجه البخاري في الصوم/ باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر (1936)، ومسلم في الصيام/ باب تحريم الجماع في شهر رمضان... (1111) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[134] أخرجه مسلم في الصلاة/ باب تحريم الكلام في الصلاة... (537) عن معاوية بن الحكم رضي الله عنه.
[135] أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (16103)، والبيهقي (10/60).
[136] أخرجه الإمام أحمد (1/445)، وابن ماجه في المقدمة/ باب في فضائل أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (138)، والحاكم (2/227)، وقال: «صحيح الإسناد على شرط الشيخين».

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
بيان, كفارة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:28 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir