دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > السلوك والآداب الشرعية > متون الآداب الشرعية > منظومة الآداب

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14 ذو الحجة 1429هـ/12-12-2008م, 10:29 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي بيان النميمة وذمها

13-

وَيَحْرُمُ : بُهْتٌ وَاغْتِيَابٌ نَمِيْمَةٌ ................ وَإِفْشَاءُ سِرٍّ، ثُمَّ لَعْنُ مُقَيَّدِ


  #2  
قديم 14 ذو الحجة 1429هـ/12-12-2008م, 10:34 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي غذاء الألباب للشيخ : محمد بن أحمد السفاريني

مطلب فِي بَيَانِ النَّمِيمَةِ وَمَا وَرَدَ فِي ذَمِّهَا
وَتَحْرُمُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ (نَمِيمَةٌ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: النَّمِيمَةُ نَقْلُ الحَدِيثِ مِنْ قَوْمٍ إلَى قَوْمٍ عَلَى جِهَةِ الإِفْسَادِ وَالشَّرِّ، وَقَدْ نَمَّ الحَدِيثَ يَنُمُّهُ نَمًّا فَهُوَ نَمَّامٌ، وَالِاسْمُ النَّمِيمَةُ . وَنَمَّ الحَدِيثُ إذَا ظَهَرَ فَهُوَ مُتَعَدٍّ وَلَازِمٌ . انْتَهَى .
وَقَالَ فِي القَامُوسِ: النَّمُّ التَّوْرِيشُ وَالإِغْرَاءُ، وَرَفْعُ الحَدِيثِ إشَاعَةً وَإِفْسَادًا وَتَزْيِينُ الكَلَامِ بِالكَذِبِ، يَنِمُّ وَيَنُمُّ فَهُوَ نموم وَنَمَّامٌ وَمِنَمٌّ كَمِجَنٍّ . وَالنَّمِيمَةُ الِاسْمُ وَصَوْتُ الكِتَابَةِ وَالكِتَابَةُ وَوَسْوَاسُ هَمْسِ الكَلَامِ . وَنَمَّ المِسْكُ سَطَعَ . وَالنَّمَّامُ نَبْتٌ طَيِّبٌ مُدِرٌّ مُخْرِجٌ لِلْجَنِينِ المَيِّتِ وَالدُّودِ وَيَقْتُلُ القَمْلَ وَخَاصِّيَّتُهُ النَّفْعُ مِنْ لَسْعِ الزَّنَابِيرِ شُرْبًا مِثْقَالاً بسكنجبين .انْتَهَى . وَيُسَمَّى النَّمَّامُ قَتَّاتًا . قَالَ فِي القَامُوسِ: رَجُلٌ قَتَّاتٌ وَقَتُوتٌ وَقَتَّنِي نَمَّامٌ . أَوْ يَسْتَمِعُ أَحَادِيثَ النَّاسِ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ سَوَاءٌ نَمَّهَا أَوْ لَمْ يَنِمَّهَا .
وَلِي مِنْ قَصِيدَةٍ:

لَامَ العَذُولَ وَفِي الحَشَا لَوْعَاتِي = وَهُوَ الظَّلُومُ لَنَا الغَشُومُ العَاتِي
يَا وَيْحَهُ مَا يَعْذُرُ الصَّبَّ الَّذِي = يَبْكِي مَدَى الأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ
أَوْ مَا يَرِقُّ عَلَى رَقِيقٍ فِي الهَوَى = قَدْ صَارَمَ الأَفْرَاحَ وَاللَّذَّاتِ
عَافَ المَنَامَ وَقَامَ فِي غَسَقِ الدُّجَى = يَشْكُو الغَرَامَ لِعَالِمِ الذَّرَّاتِ
أَهْوَى بِهِ دَاءُ الهَوَى فَتَرَاهُ = فِي حَالَاتِهِ مُتَغَيِّرَ الحَالَاتِ
أَحْفَى هَوَاهُ عَنْ الأَنَامِ لَعَلَّهُ = يَخْفَى فَبَانَ لِدَمْعِهِ القَتَّاتُ
يَعْنِي النَّمَّامَ . وَسَمَّى الدَّمْعَ نَمَّامًا لِأَنَّهُ يَنِمُّ عَلَى صَاحِبِهِ وَيُظْهِرُ مِنْ حاله مَا يَكْرَهُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ .
أَخْرَجَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ " وَفِي رِوَايَةٍ " قَتَّاتٌ " قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ: القَتَّاتُ وَالنَّمَّامُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ . وَقِيلَ النَّمَّامُ الَّذِي يَكُونُ مَعَ جَمَاعَةٍ يَتَحَدَّثُونَ حَدِيثًا فَيَنِمُّ عَلَيْهِمْ، وَالقَتَّاتُ الَّذِي يَتَسَمَّعُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ثُمَّ يَنِمُّ . انْتَهَى . وَقَالَ ابْنُ الأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ فِيهِ " لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتَّاتٌ " هُوَ النَّمَّامُ، يُقَالُ قَتَّ الحَدِيثَ يَقُتُّهُ إذَا زَوَّرَهُ وَهَيَّأَهُ وَسَوَّاهُ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ المُنْذِرِيِّ وَزَادَ: وَالعَسَّاسُ الَّذِي يَسْأَلُ عَنْ الأَخْبَارِ ثُمَّ يَنُمُّهَا . وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ فَقَالَ إنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ بَلَى إنَّهُ كَبِيرٌ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ " الحَدِيثَ . وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ .
وَأَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ " مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الحَرِّ نَحْوَ بَقِيعِ الغَرْقَدِ، قَالَ فَكَانَ النَّاسُ يَمْشُونَ خَلْفَهُ، قَالَ فَلَمَّا سَمِعَ صَوْتَ النِّعَالِ وَقَرَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ فَجَلَسَ حَتَّى قَدَّمَهُمْ أَمَامَهُ لِئَلَّا يَقَعَ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ مِنْ الكِبْرِ، فَلَمَّا مَرَّ بِبَقِيعِ الغَرْقَدِ إذَا بِقَبْرَيْنِ قَدْ دَفَنُوا فِيهِمَا رَجُلَيْنِ، قَالَ فَوَقَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَنْ دَفَنْتُمْ هَهُنَا اليَوْمَ؟ قَالُوا فُلَانٌ وَفُلَانٌ، قَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَتَنَزَّهُ مِنْ البَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ . وَأَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا ثُمَّ جَعَلَهَا عَلَى القَبْرِ قَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ لِمَ فَعَلْت هَذَا؟ قَالَ لِيُخَفِّفْنَ عَنْهُمَا . قَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ حَتَّى مَتَى هُمَا يُعَذَّبَانِ؟ قَالَ غَيْبٌ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ، وَلَوْلَا تَمَزُّعُ قُلُوبِكُمْ وَتَزَيُّدُكُمْ فِي الحَدِيثِ لَسَمِعْتُمْ مَا أَسْمَعُ " .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا " النَّمِيمَةُ وَالشَّتِيمَةُ وَالحَمِيَّةُ فِي النَّارِ " وَفِي لَفْظٍ " أَنَّ النَّمِيمَةَ وَالحِقْدَ فِي النَّارِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ مُسْلِمٍ " .
وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " كُنَّا نَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَرَرْنَا عَلَى قَبْرَيْنِ، فَقَامَ فَقُمْنَا مَعَهُ، فَجَعَلَ لَوْنَهُ يَتَغَيَّرُ حَتَّى رَعَدَكُمْ قَمِيصُهُ، فَقُلْنَا مَا لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ أَمَا تَسْمَعُونَ مَا أَسْمَعُ؟ فَقُلْنَا وَمَا ذَاكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ هَذَانِ رَجُلَانِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا عَذَابًا شَدِيدًا فِي ذَنْبٍ هَيِّنٍ، قُلْنَا فِيمَ ذَاكَ؟ قَالَ كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ البَوْلِ، وَكَانَ الآخَرُ يُؤْذِي النَّاسَ بِلِسَانِهِ وَيَمْشِي بَيْنَهُمْ بِالنَّمِيمَةِ . فَدَعَا بِجَرِيدَتَيْنِ مِنْ جَرَائِدِ النَّخْلِ فَجَعَلَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً . قُلْنَا وَهَلْ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ؟ قَالَ نَعَمْ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا دَامَا رَطْبَتَيْنِ " .
قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ: قَوْلُهُ " فِي ذَنْبٍ هَيِّنٍ " أَيْ هَيِّنٍ عِنْدَهُمَا وَفِي ظَنِّهِمَا لَا أَنَّهُ هَيِّنٌ فِي نَفْسِ الأَمْرِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " بَلَى إنَّهُ كَبِيرٌ " قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعَتْ الأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ النَّمِيمَةِ وَأَنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .انْتَهَى .
أَوْ يُقَالُ: أَرَادَ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ هَيِّنٌ تَرْكُهُ وَالتَّحَرُّزُ مِنْهُ . قَالَ الإِمَامُ ابْنُ القَيِّمِ فِي كِتَابِهِ الرُّوحِ: قَدْ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ رَآهُمَا يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، يَمْشِي أَحَدُهُمَا بِالنَّمِيمَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَتْرُكُ الآخَرُ الِاسْتِبْرَاءَ مِنْ البَوْلِ، فَهَذَا تَرَكَ الطَّهَارَةَ الوَاجِبَةَ . وَذَلِكَ ارْتَكَبَ السَّبَبَ المُوقِعَ لِلْعَدَاوَةِ بَيْنَ النَّاسِ بِلِسَانِهِ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا . قَالَ وَفِي هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ المُوقِعَ بَيْنَهُمْ العَدَاوَةَ بِالكَذِبِ وَالزُّورِ وَالبُهْتَانِ أَعْظَمُ عَذَابًا . كَمَا أَنَّ فِي تَرْكِ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ البَوْلِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ الَّتِي الِاسْتِبْرَاءُ مِنْ البَوْلِ بَعْضُ وَاجِبَاتِهَا وَشُرُوطِهَا فَهُوَ أَشَدُّ عَذَابًا . انْتَهَى .
وَقَدْ أَبْدَى بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ نُكْتَةَ ذَلِكَ وَهِيَ مِمَّا يُكْتَبُ بِالذَّهَبِ عَلَى صَفَحَاتِ القُلُوبِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الإِنْسَانُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَقْضِي فِيهِ الحَقُّ جَلَّ جَلَالُهُ الصَّلَاةُ وَالدِّمَاءُ . وَالطَّهَارَةُ أَقْوَى شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَمُقَدِّمَتُهَا، فَإِذَا لَمْ يَتَنَزَّهْ مِنْ البَوْلِ وَلَمْ يَسْتَبْرِئْ مِنْهُ فَقَدْ فَرَّطَ فِي شَرْطِ الصَّلَاةِ . وَسَبَبُ وُقُوعِ النَّاسِ فِي سَفْكِ الدِّمَاءِ وَإِرَاقَتِهَا بِغَيْرِ حَقِّ العَدَاوَةُ، وَمُقَدِّمَتُهَا النَّمِيمَةُ، فَإِنَّهَا سَبَبُ العَدَاوَةِ، وَعَذَابُ القَبْرِ مُقَدِّمَةُ عَذَابِ النَّارِ، فَنَاسَبَ أَنْ يَبْدَأَ بِالمُقَدِّمَاتِ أَوَّلاً . فَانْظُرْ هَذِهِ المُنَاسَبَةَ وَتَأَمَّلْهَا تَجِدْهَا فِي غَايَةِ المُطَابَقَةِ جَزَاءً وِفَاقًا . وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ مَرْفُوعًا " لَيْسَ مِنِّي ذُو حَسَدٍ وَلَا نَمِيمَةٍ وَلَا كِهَانَةٍ وَلَا أَنَا مِنْهُ . ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاَلَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدْ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا " .
وَأَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ الَّذِينَ إذَا رُءُوا ذُكِرَ اللَّهُ، وَشِرَارُ عِبَادِ اللَّهِ المَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ المُفَرِّقُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ، البَاغُونَ البُرَآءَ العَنَتَ " .
وَأَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَالبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ ذُو الوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ " وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا " تَجِدُونَ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ " وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالتَّرْمِذِيِّ " أَنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ " .
قَالَ فِي الآدَابِ الكُبْرَى: وَهَذَا لِأَنَّهُ نِفَاقٌ وَخِدَاعٌ وَكَذِبٌ وَتَحَيُّلٌ عَلَى اطِّلَاعِهِ عَلَى أَسْرَارِ الطَّائِفَتَيْنِ، لِأَنَّهُ يَأْتِي كُلَّ طَائِفَةٍ بِمَا يُرْضِيهَا وَيُظْهِرُ أَنَّهُ مَعَهَا، وَهِيَ مُدَاهَنَةٌ مُحَرَّمَةٌ .
قَالَ الإِمَامُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الفُنُونِ: قَالَ تَعَالَى {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ} أَيْ مَقْطُوعَةٌ مُمَالَةٌ إلَى الحَائِطِ لَا تَقُومُ بِنَفْسِهَا وَلَا هِيَ ثَابِتَةٌ، إنَّمَا كَانُوا يَسْتَنِدُونَ إلَى مَنْ يَنْصُرُهُمْ وَإِلَى مَا يَتَظَاهَرُونَ بِهِ، يَحْسِبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ لِسُوءِ اعْتِقَادِهِمْ، هُمْ العَدُوُّ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الشَّرِّ بِالمُخَالَطَةِ وَالمُدَاخَلَةِ .
وَفِي الآدَابِ الكُبْرَى قَالَ مُوسَى صلوات الله عليه: يَا رَبِّ إنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ فِي مَا لَيْسَ فِي، فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ يَا مُوسَى لَمْ أَجْعَلْ ذَلِكَ لِنَفْسِي فَكَيْفَ لَك .
وَقَالَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ عليه السلام: لَا يُحْزِنُك قَوْلُ النَّاسِ فِيك، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا كَانَتْ حَسَنَةً لَمْ تَعْمَلْهَا، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا كَانَتْ سَيِّئَةً عُجِّلَتْ عُقُوبَتُهَا .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: قَالَ مَنْصُورٌ الفَقِيهُ شِعْرًا:

لِي حِيلَةٌ فِيمَنْ يَنُمُّ = وَلَيْسَ فِي الكَذَّابِ حِيلَهْ
مَنْ كَانَ يَخْلُقُ مَا يَقُولُ= فَحِيلَتِي فِيهِ قَلِيلَهْ
مطلب هَلْ يَكْفِي فِي التَّوْبَةِ مِنْ الغِيبَةِ الِاسْتِغْفَارُ لِلْمُغْتَابِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِحْلَالِ؟
(تَنْبِيهٌ) لَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِ الغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ .
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ الغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ فِي غَيْرِ النَّصِيحَةِ الوَاجِبَةِ .
انْتَهَى , يَعْنِي سِوَى مَا قَدَّمْنَا , وَهَلْ هُمَا مِنْ الكَبَائِرِ أَوْ مِنْ الصَّغَائِرِ , المُعْتَمَدُ أَنَّهُمَا مِنْ الكَبَائِرِ . قَالَ فِي الإِنْصَافِ عَنْ النَّاظِمِ: وَقَدْ قِيلَ صُغْرَى غِيبَةٌ وَنَمِيمَةٌ وَكِلْتَاهُمَا كُبْرَى عَلَى نَصِّ أَحْمَدَ فَتَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهُمَا وَاسْتِحْلَالُ مَنْ اغْتَابَهُ أَوْ بَهَتَهُ أَوْ جَبَهَهُ بِأَنْ وَاجَهَهُ بِمَا يَكْرَهُ أَوْ نَمَّ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ فِتْنَةٌ فَيَتُوبُ وَيَسْتَغْفِرُ لَهُ وَلِلْمُغْتَابِ بِأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ لَنَا وَلَهُ كَمَا وَرَدَ فِي الحَدِيثِ .
قَالَ الإِمَامُ ابْنُ القَيِّمِ فِي كِتَابِهِ الكَلِمِ الطَّيِّبِ: يَذْكُرُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " أَنَّ مِنْ كَفَّارَةِ الغِيبَةِ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لِمَنْ اغْتَبْته تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلَهُ " ذَكَرَهُ البَيْهَقِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ وَقَالَ فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ .
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ: وَهَذِهِ المَسْأَلَةُ فِيهَا قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ , وَهُمَا هَلْ يَكْفِي فِي التَّوْبَةِ مِنْ الغِيبَةِ الِاسْتِغْفَارُ لِلْمُغْتَابِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِهِ وَتَحَلُّلِهِ .
قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعْلَامِهِ بَلْ يَكْفِيهِ الِاسْتِغْفَارُ لَهُ وَذِكْرُهُ بِمَحَاسِنِ مَا فِيهِ فِي المَوَاطِنِ الَّتِي اغْتَابَهُ فِيهَا . وَهَذَا اخْتِيَارُ شَيْخِ الإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَغَيْرِهِ .
قَالَ وَاَلَّذِينَ قَالُوا لَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِهِ جَعَلُوا الغِيبَةَ كَالحُقُوقِ المَالِيَّةِ , وَالفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ , فَإِنَّ فِي الحُقُوقِ المَالِيَّةِ يَنْتَفِعُ المَظْلُومُ بِعَوْدِ نَظِيرِ مَظْلِمَتِهِ إلَيْهِ , فَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهَا . وَأَمَّا فِي الغِيبَةِ فَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ بِإِعْلَامِهِ إلَّا عَكْسُ مَقْصِدِ الشَّارِعِ , فَإِنَّهُ يُوغِرُ صَدْرَهُ وَيُؤْذِيهِ إذَا سَمِعَ مَا رُمِيَ بِهِ , وَلَعَلَّهُ يُهَيِّجُ عَدَاوَتَهُ وَلَا يَصْفُو لَهُ أَبَدًا . وَمَا كَانَ هَذَا سَبِيلُهُ فَالشَّارِعُ الحَكِيمُ لَا يُبِيحُهُ وَلَا يُجِيزُهُ , فَضْلاً عَنْ أَنْ يُوجِبَهُ وَيَأْمُرَ بِهِ . وَمَدَارُ الشَّرِيعَةِ عَلَى تَعْطِيلِ المَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا لَا عَلَى تَحْصِيلِهَا وَتَكْمِيلِهَا .
انْتَهَى . وَهُوَ كَمَا تَرَى فِي غَايَةِ التَّحْقِيقِ وَاَللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ .
(تَتِمَّةٌ) ذَكَرَ القُرْطُبِيُّ عَنْ قَوْمٍ أَنَّ الغِيبَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي الدِّينِ لَا فِي الخِلْقَةِ وَالحَسَبِ , وَأَنَّ قَوْمًا قَالُوا عَكْسَ هَذَا , وَأَنَّ كُلاً مِنْهُمَا خِلَافُ الإِجْمَاعِ , لَكِنَّ قَيْدَ الإِجْمَاعِ فِي الأَوَّلِ إذَا قَالَهُ عَلَى وَجْهِ العَيْبِ , وَأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الغِيبَةَ مِنْ الكَبَائِرِ . قَالَ فِي الآدَابِ الكُبْرَى وَفِي الفُصُولِ وَالمُسْتَوْعِبِ: أَنَّ الغِيبَةَ وَالنَّمِيمَةَ مِنْ الصَّغَائِرِ . انْتَهَى .
وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُمَا مِنْ الكَبَائِرِ وَجَزَمَ بِذَلِكَ فِي الإِقْنَاعِ


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الوليمة, بيان

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:34 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir