دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > الناسخ والمنسوخ > الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي بن أبي طالب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27 رجب 1432هـ/28-06-2011م, 04:11 PM
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 3,529
افتراضي باب بيان النسخ والتخصيص وتمثيله

باب بيان النسخ والتخصيص وتمثيله



قال الله –عز وجل-: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}.
فعم هذا اللفظ بتحريم نكاح كل مشركة من كتابية وغيرها.
ثم خصص ذلك بقوله في المائدة: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} -الآية- فأحل نكاح الكتابية.
فخرج الكتابيات من عموم آية البقرة. وبقيت الآية مخصوصة في تحريم نكاح كل مشركة غير كتابية. فبين بالتخصيص الأعيان المحرمات.
ولا يكون هذا نسخًا، لأن حكم النسخ إزالة الحكم الأول بكليته. ولأن النسخ إنما هو بيان الزمان الذي انتهى إليه العمل بالفرض المنسوخ.
وليس ذلك في هذا.
وقد روي عن ابن عباس أنه قال: آية المائدة ناسخة لآية البقرة.
وهذا إنما يجوز على أن تكون آية البقرة يراد بها الكتابيات خاصة
[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 88]
حرّمن إلى وقت، ثم نسخت بآية المائدة في وقت آخر.
فبيّن الأزمان بالنسخ، وذهب الحكم الأول بكليته.
والاستثناء والتخصيص يزيلان بعض الحكم الأول. والنسخ يزيل الحكم كله فاعرفه.
ويكون تحريم نكاح المشركات من غير أهل الكتاب بالسنة.
فكون آية المائدة مخصصة لآية البقرة أولى من كونها ناسخة لها؛ ليكون تحريم نكاح المشركات من غير أهل الكتاب بنص القرآن.
فذلك ظاهر (اللفظ).
ومن هذا أيضًا قوله تعالى في سورة الشورى إخبارًا عن الملائكة: {يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض}.
(فظاهر اللفظ عموم الاستغفار لكل من في الأرض).
ثم قال –تعالى ذكره- في سورة غافر: {ويستغفرون للذين آمنوا}.
فعلم أن آية الشورى ليست بعامة، وأن معناها: ويستغفرون لمن في الأرض من المؤمنين.
فآية غافر خصصت آية الشورى، وبينتها أنها في بعض الأعيان دون
[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 89]
بعض. وقد قلنا إن التخصيص: بيان الأعيان.
وقد زعم قومٌ أن التخصيص نسخ. وليس الأمر على ذلك؛ لما بيّنا من الفرق بين النسخ والتخصيص.
وإنما يقول هذا من قال: لا عموم، ومن قال: لا يجوز تأخير البيان.
وهذه أصول تحتاج إلى بسط نذكرها –إن شاء الله في غير هذا الكتاب.
فافهم هذه المعاني التي بنى عليها أحكام النسخ والتخصيص. فبها تتحصل الأصول وتجري الأحكام على أصل ثابت.

باب:
اعلم أن هذا الذي ذكرنا من تخصيص آيةٍ لآيةٍ أخرى، إنما يجوز على قول من قال بالعموم في اللفظ المطلق –وهو مذهب مالكٍ وأصحابه-، وعلى قول من أجاز تأخير البيان.
فتكون الآية الأولى مما ذكرنا وما نذكر نزلن ولا بيان معهن يدل على المراد.
ثم نزلت الآية الثانية فبينت ما المراد بالآية الأولى.
[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 90]
فأما من منع تأخير البيان، وقال: لا يجوز أن يتأخر البيان.
فإنه يجعل الثانية أبدًا ناسخة للأولى؛ لأن الناسخ حقه أن يأتي بعد المنسوخ في الزمان.
وجواز النسخ في مثل هذا بعيدٌ لأنه خبرٌ والأخبار لا تنسخ. إنما تخصص وتبين ويستثنى منها.
والنسخ في هذا مروي عن وهب بن منبه وغيره.
ويدل على جواز تأخير البيان، أن هذه الآيات إذا امتنع فيها النسخ لأنها خبر وجب أن تكون مبينة ومخصصة؛ إذ لا يمتنع ذلك في الخبر. وإذا كانت مبيّنة ومخصصة بآيةٍ أخرى، وجب تأخير البيان وجوازه.
ويدل على ذلك أيضًا قوله تعالى: {فإذا قرآناه فاتّبع قرآنه ثم إن علينا بيانه}. و{ثم} توجب المهلة بين الأول والثاني. فدل على جواز تأخير البيان بهذا النص.
وبين أصحاب مالكٍ في جواز تأخير البيان اختلافٌ.
ومن منعه لم يكن له بد أن يجعل آية غافر ناسخة لآية الشورى، فيجيز النسخ في الأخبار. ولا يقدر أن يدعي أن الآيات كلها نزلت في
[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 91]
وقتٍ واحد؛ لأن المائدة نزلت بعد البقرة بسنين.
ولم يختلف أحدٌ من العلماء أن تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه لا يجوز.
إنما وقع الاختلاف في جواز تأخير البيان في الآية التي لم يضطر إلى معرفة بيانها في الوقت الذي نزلت فيه إلى وقت آخر. فاعرفه.

فصل من هٰذا الباب يزيده بيانًا
قال الله –جل ذكره-: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} -الآية-.
فظاهر هذا اللفظ العموم في كل ما عبد من دون الله، وقد عبدت الملائكة وعبد عيسى، وعبد عزير.
لكن الآية مخصصة ومبينة بقوله تعالى بعد ذلك: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون} -الآيات-.
فبيّن ذلك أن الآية الأولى ليست على ظاهر عمومها في كل من عبد من دون الله تعالى. وأن معناها: وما تعبدون من دون الله ممن لم يسبق لهم من الله الحسنى.
[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 92]
(وقد) ذهب الكلبي إلى أن قوله تعالى: {إن الذين سبقت} -الآيات- نسخت قوله: {إنكم وما تعبدون من دون الله} -الآية-.
وهذا لا يجوز فيه نسخٌ لأنه خبرٌ. فكلّ آية عامةٍ يجوز فيها التخصيص. وليس كل آية (عامة) يجوز فيها النسخ إذا كانت خبرًا.
ومن هذا الباب قوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها}.
فعمّ. "ثم خصّصه" بقوله: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون}.
فعلم أن إيجاب الورود إنما هو لمن لم يسبق له عند الله الحسنى. فهي في الكفار خاصة.
ومن هذا قوله: {فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون} فعمّ. ثم قال: {وأقبل بعضهم على بعضٍ يتساءلون}.
فعلم أنه موطن لا يتساءلون فيه: وموطن آخر يتساءلون فيه، وقد بينت اختلاف الناس في هذه الآيات وما قيل فيها في كتاب "الهداية".
[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 93]
ومن هذا قوله: {لا تدركه الأبصار} فعمّ. ثم قال: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة}.
فعلم أن الأولى في منع الإدراك (إنّما هو) في الدنيا خاصة.
ومن هذا قوله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم}.
فعمّ بالإباحة ملك اليمين.
[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 94]
فدخل تحته الجمع بين الأختين من ملك اليمين ومن يحرم بالرضاع من ملك اليمين، وشبه ذلك.
ثم بيّن ذلك وخصصه بعموم قوله: {وأخواتكم من الرضاعة} وبقوله - صلى الله عليه وسلم-: ((يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب)) –(فالسنة) تخصص القرآن بلا اختلاف، لأن التخصيص بيانٌ، وقد قال تعالى: {لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} -.
وكذلك بينه وخصصه بعموم قوله تعالى: {وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف}.
فحرم ذلك كله تحريمًا عامًا، فدخل تحته ملك اليمين وغيره.
فصار قوله: {أو ما ملكت أيمانكم} غير عام مخصصًا مبينًا بما ذكرنا؛ لأنها نزلت قبل آيات النساء، إذ هي مكية، والنساء مدنية، والآخر يبين الأول ويخصصه وينسخه.
[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 95]
وقد تأول قومٌ أن آية النساء مخصوصة في الحرائر غير عامة في غيرهن. واحتجوا بقول عثمان –رضي الله عنه- في الجمع بين الأختين من ملك اليمين: أحلتها آية، يعني: آية سورة قد أفلح، لظاهر عمومها، وحرمتها آيةٌ، يعني: آية النساء.
وروى مثله عن علي وابن عباس.
وقد احتج قومٌ في إباحة الجمع بين الأختين من ملك اليمين بقوله في النساء: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت إيمانكم} فعم ملك اليمين بالتحليل.
وهذا عند أهل المعاني والنظر مردودٌ إلى "المحصنات" خاصّة، فهو مخصوص غير عام.
ولو رجع ذلك على كل من تقدم من المحرمات المذكورات قبله لوجب تحليل جميع من ذكر من المحرمات إذا ملك ولم يعتق على مالكه.
ولجواز رجوع {إلا ما ملكت أيمانكم} إلى جميع ما تقدم من المحرمات، ولعموم آية قد أفلح والمعارج؛ أسقط مالك
[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 96]
–رحمه الله- الحد عن من اشترى ذات محرم منه ممن لا يعتق عليه فوطئ بعد علمه أو قبل علمه جاهلاً بالتحريم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: ((ادرؤوا الحدود بالشبهات)).
ولو كانت ممن يعتق عليه فلا حد عليه إن وطئ قبل العتق والعلم. وإن وطئ قيل بعد العلم حد على قول من قال: بعقد شرائه يجب العتق –وهو قول أكثر أصحاب مالك-.
ومن قال: لا يجب العتق بعقد الشراء حتى يعتق عليه السلطان أو إحداث عتقٍ منه.
فيجب على قياس قوله: أنه إن وطئ قبل عتق السلطان عليه وبعد علمه جاهلاً بالتحريم أن لا يحد، للشبهة التي في جواز عموم الآية في النساء، ولعموم آية قد أفلح والمعارج.
فإن وطئ في كل ما ذكرنا بعد علمه بالتحريم حد إذ لا عذر له.
ومن هذا الباب أيضًا قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}.
فظاهر حكم الآية ولفظها يقتضي أن كل مطلقة تعتد بثلاثة قروء
[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 97]
–والأقراء: الأطهار –عند مالكٍ وأصحابه –وأصله: الوقت وهو يصلح للأطهار والحيض، لكن جعلها مالك للأطهار لدلائل كثيرة ليس هذا موضعًا لذكرها-.
فلما وقع لفظ الآية عامًّا بيّن الله –جل وعز- ذلك وخصصه:
فقال في سورة الطلاق: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن} تم الكلام على معنى: واللائي لم يحضن كذلك عدتهن ثلاثة أشهر. وحذف الثاني لدلالة الأول عليه.
ثم قال: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن}.
فصارت بذلك آية البقرة غير عامة في جميع المطلقات إذ خرج منها اليائسة والتي لم تحض والحامل.
وبقيت الآية على عمومها في كل مطلقة بعدما خرج منها ما في سورة الطلاق.
فبين الله وخص مما بقي المطلقة غير المدخول بها فبين الله أنها لا عدة عليها، فقال في سورة الأحزاب: {ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} فخرجت التي لم يدخل بها من عموم آية البقرة.
[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 98]
فحصل في آية سورة البقرة تخصيصات من سورتين.
كذلك أيضًا آية سورة الطلاق عامة في كل من المطلقات اليائسات، والمطلقات اللواتي لم يحضن.
فخصصها وبينها آية الأحزاب، فبينت أن ذلك إنما هو في المدخول بها دون من لم يدخل بها.
فهذا كله تخصيص وبيان لا نسخ.
وقد قيل إن آية الطلاق غير مخصصة ولا مبينة لآية البقرة؛ لأن ذكر الأقراء في سورة البقرة يدل على أنها نزلت في ذوات الأقراء خاصة، فخرج من ذلك بظاهر نص آية البقرة اليائسة من الأقراء، والتي لم تحض، والحامل؛ لأنهن لسن في حالهن من ذوات الأقراء.
ففي آية البقرة إنما أريد بذكر الأقراء بيان ذلك، ولا تحتاج إلى أن تبينها وتخصصها في ذلك غيرها من الآي.
فبين في سورة البقرة حكم ذوات الأقراء في العدة، وبيّن في "الطلاق" حكم غير ذوات الأقراء في العدة فليس واحدة منهما تخصص الأخرى ولا تبيّنها.
[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 99]
فعلى هذا القول يكون في آية البقرة تخصيصٌ واحدٌ بآية الأحزاب، فثبت أن آية البقرة في المدخول بهن من النساء، وآية الأحزاب في غير المدخول بهن.
فهذا ما حفظته في هذه الآية من أقوال العلماء.
والذي عندي أن آية الأحزاب غير مخصصة لآية البقرة؛ لأنه تعالى قد قال: {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن}.
فدل هذا النص على أنها في ذوات الحيض، وأنها في المدخول بها، وأنها في غير اليائسات من المحيض، فآية البقرة قائمة في حكمها غير محتاجة إلى تخصيصٍ بغيرها.
فعلى هذا قياس التخصيص والنسخ والاستثناء، فاعرفه كله.
[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 100]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, بيان

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:12 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir