دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 10:23 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي العدد: 1: العدد المفرد

العَدَدُ

ثلاثةً بالتَّاءِ قُلْ للعَشَرَةْ= في عَدِّ ما آحَادُهُ مُذَكَّرَةْ
في الضِّدِّ جَرِّدْ والمُمَيِّزَ اجْرُرِ = جَمْعًا بلفظِ قِلَّةٍ في الأكثَرِ
ومائةً والألْفَ للفَرْدِ أَضِفْ = ومائةٌ بالجمْعِ نَزْرًا قدْ رُدِفْ


  #2  
قديم 26 ذو الحجة 1429هـ/24-12-2008م, 09:56 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


العَدَدُ
ثَلاثَةٌ بالتاءِ قُلْ للعَشْرَه = فِي عَدِّ مَا آحادُهُ مُذَكَّرَهْ([1])
في الضِّدِّ جَرِّدْ، وَالمُمَيِّزَ اجْرُرِ = جَمْعًا بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ([2])
تثبُتُ التاءُ في ثلاثةٍ وأربعةٍ وما بعدَهما إلى عشْرَةٍ([3]) إنْ كانَ المعدودُ بهما مذكَّرًا، وتسقُطُ إنْ كانَ مؤنَّثًا، ويضافُ إلى جمعٍ نحو: "عندي ثلاثةُ رجالٍ وأربعُ نساءٍ" وهكذا إلى عَشْرَةٍ.
وأشار بقولِه: جَمْعًا بِلَفْظِ قِلَّةٍ في الأَكْثَرِ) إلى أَنَّ المعدودَ بها إن كانَ له جمعُ قِلَّةٍ وكثرةٍ لم يُضَفِ العددُ في الغالبِ إلا إلى جمعِ القِلَّةِ فتقولُ: "عندي ثلاثةُ أَفْلُس، وثلاثُ أنفسٍ" ويَقِلُّ "عندي ثلاثةُ فلوسٍ، وثلاثُ نفوسٍ".
ومما جاءَ على غيرِ الأكثرِ قولُه تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} فأضافَ "ثلاثةَ" إلى جمعِ الكثرةِ معَ وجودِ جمعِ القِلَّةِ وهو "أَقْرَاء"([4]).
فإن لم يكن للاسمِ إلا جمعُ الكثرةُ لم يُضَفْ إلا إليه نحو: "ثلاثةُ رجالٍ".

وَمِائَةً وَالأَلْفُ للفَرْدِ أَضِفْ = وَمِائَةٌ بِالجَمْعِ نَزْرًا قَدْ رُدِفْ([5])
قد سبقَ أنَّ "ثلاثةَ" وما بعدَها إلى "عشرةَ" لا تُضافُ إلا إلى جمعٍ، وذكَرَ هنا أنَّ "مِائَةَ" و"أَلْفًا" مِنَ الأعدادِ المضافةِ، وأنهما لا يضافانِ إلا إلى مفردٍ نحو: "عندي مِائَةُ رجلٍ وألفُ درهمٍ" ووَرَدَ إضافةُ "مِائَةٍ" إلى جمعٍ قليلاً، ومنه قراءةُ حمزةَ والكِسَائِيِّ (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاَثَ مِائَةٍ سِنِينَ) بِإِضَافَةِ مِائَةٍ إِلَى سِنِينَ([6]).
والحاصلُ: أنَّ العددَ المضافَ على قسمينِ:
أحدُهما: ما لا يضافُ إلا إلى جمعٍ، وهو ثلاثةٌ إلى عشرةٍ.
والثاني: ما لا يضافُ إلا إلى مفردٍ، وهو مِائَةٌ وألفٌ وتَثْنِيَتُهُمَا نحو: "مِائَتَا درهمٍ، وَأَلْفَا دِرْهَمٍ" وأما إضافةُ مائةٍ إلى جمعٍ فقليلٌ.


([1])(ثلاثة) بالنصب: مفعول مقدم على عامله وهو قوله (قل) الآتي المتضمن معنى اذكر، أو بالرفع: مبتدأ، وقصد لفظه، (بالتاء) جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من ثلاثة (قل) فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت والجملة في محل رفع خبر المبتدأ وهو (ثلاثة) إذا رفعته بالابتداء والرابط ضمير منصوب محذوف والتقدير: ثلاثة قله (للعشره في عد) جاران ومجروران متعلقان بقوله (قل) السابق وعد مضاف و(ما) اسم موصول: مضاف إليه مبني على السكون في محل جر (آحاده) آحاد: مبتدأ، وآحاد مضاف والهاء مضاف إليه (مذكره) خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ وخبره لا محل لها صلة الموصول المجرور محلا بالإضافة.

([2])(في الضد) جار ومجرور متعلق بقوله (جرد) الآتي (جرد) فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت (والمميز) مفعول به مقدم على عامله وهو قوله (اجرر) الآتي (اجرر) فعل أمر وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت (جمعا) حال من المميز (بلفظ) جار ومجرور متعلق بقوله (جمعا) السابق، ولفظ مضاف و(قلة) مضاف إليه (في الأكثر) جار ومجرور متعلق بقوله (قلة).

([3])العشرة داخلة متى كانت مفردة كعشرة أيام وإنما كان شأن هذه الأعداد ما ذكر لأنها أسماء جموع مثل زمرة وفرقة وأمة، فحقها أن تؤنث كهذه النظائر فأعطيت ما هو من حقها في حال عد المذكر، لكونه سابق الرتبة على المؤنث فلما أرادوا عد المؤنث لزمهم أن يفرقوا بينه وبين المذكر، فلم يكن إلا حذف التاء.

([4])الأصل في جمع قرء – بفتح القاف وسكون الراء – أن يكون على أفعل، نظير فلس وأفلس والمستعمل من جمع هذا اللفظ – وهو أقراء – شاذ بالنسبة إليه وإن كان جمع القلة شاذا، أو قليل الاستعمال فهو بمثابة غير الموجود، وهذا هو سر استعمال جمع الكثرة في الآية الكريمة.

([5])(ومائة) مفعول تقدم على عامله، وهو قوله (أضف) الآتي (والألف) معطوف على مائة (للفرد) جار ومجرور متعلق بقوله (أضف) الآتي (أضف) فعل أمر وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت (ومائة) مبتدأ (بالجمع) جار ومجرور متعلق بقوله (ردف) الآتي (نزرا) حال من الضمير المستتر في قوله (ردف) (ردف) فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى (مائة) الواقع مبتدأ، والجملة من الفعل – الذي هو (ردف) – ونائب فاعله المستتر فيه في محل رفع خبر المبتدأ.

([6])قرئ في هذه الآية الكريمة بإضافة مائة إلى سنين، فسنين: تمييز، وفي ذلك شذوذ عن القياس من جهة واحدة، وسهله شبه المائة بالعشر، في أن كل واحد منهما عشرة من آحاد الذي قبله في المرتبة، فالعشرة والمائة كل واحد منهما عشرة من آحاد المرتبة التي قبله، وقرئ بتنوين مائة فيجب أن يكون سنين بدلا من ثلاثمائة أو بيانا له ولا يجوز جعله تمييزا لأنك لو جعلته تمييزاً لاقتضى أن يكون كل واحد من الثلاثمائة سنين فتكون مدة لبثهم تسعمائة سنة على الأقل، وليس ذلك بمراد قطعا.

  #3  
قديم 26 ذو الحجة 1429هـ/24-12-2008م, 09:56 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


هذا بابُ العَدَدِ([1])

اعْلَمْ أنَّ الواحدَ والاثنيْنِ يُخَالِفَانِ الثلاثةَ والعَشَرَةَ وما بينَهما في حُكْمَيْنِ:
أَحَدُهما: أنهما يُذَكَّرَانِ معَ المذكَّرِ، فتقولُ: واحدٌ واثنانِ، ويُؤَنَّثَانِ معَ المؤنَّثِ، فتقولُ: واحدةٌ واثنتانِ، والثلاثةُ وأَخَوَاتُها تَجْرِي على العكسِ مِن ذلك([2])، تقولُ: ثلاثةُ رجالٍ، بالتاءِ، وثلاثُ إماءٍ، بِتَرْكِها، قالَ اللهُ تعالى: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ}([3]).
والثاني: أنهما لا يُجْمَعُ بينَهما وبينَ المعدودِ، لا تقولُ: واحِدُ رَجُلٍ، ولا اثنا رَجُلَيْنِ؛ لأنَّ قَوْلَكَ: (رَجُلٌ) يُفِيدُ الجِنْسِيَّةَ والوَحْدَةَ، وقولُكَ: (رَجُلانِ) يُفِيدُ الجِنْسِيَّةَ وشَفْعَ الواحدِ، فلا حاجةَ إلى الجَمْعِ بينَهما([4])، وأمَّا البَوَاقِي فلا تُسْتَفَادُ العِدَّةُ والجِنْسُ إلاَّ مِن العددِ والمعدودِ جميعاً؛ وذلك لأنَّ قَوْلَكَ: (ثلاثةٌ) يُفِيدُ العِدَّةَ دُونَ الجِنْسِ، وقَوْلَكَ: (رِجَالٌ) يُفِيدُ الجِنْسَ دُونَ العِدَّةِ، فإنْ قَصَدْتَ الإفادتيْنِ جَمَعْتَ بينَ الكلمتيْنِ([5]).
فَصْلٌ([6]): مُمَيِّزُ الثلاثةِ والعَشَرَةِ وما بينَهما إنْ كانَ اسمَ جنسٍ([7])؛ كـ (شَجَرٍ) و(تَمْرٍ)، أو اسمَ جَمْعٍ([8])؛ كـ (قَوْمٍ) و(رَهْطٍ) خُفِضَ بمِن، تقولُ: (ثَلاَثَةٌ مِن التمْرِ) و(عَشَرَةٌ مِن القومِ)، قالَ اللهُ تعالى: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ}([9])، وقد يُخْفَضُ بإضافةِ العددِ، نحوُ: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ}([10])، وفي الحديثِ: ((لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ))، وقالَ الشاعِرُ:
523- ثلاثةُ أَنْفُسٍ وثلاثُ ذَوْدٍ([11])
وإنْ كانَ جَمْعاً خُفِضَ بإضافةِ العددِ إليه، نحوُ: (ثلاثةٌ رِجَالٍ).
ويُعْتَبَرُ التذكيرُ والتأنيثُ معَ اسْمَيِ الجمعِ والجنسِ بحَسَبِ حَالِهِما، فيُعْطَى العددُ عَكْسَ ما يَسْتَحِقُّه ضَمِيرُهما، فتقولُ: (ثلاثةٌ مِنَ الغَنَمِ) بالتاءِ؛ لأنَّكَ تقولُ: (غَنَمٌ كَثِيرٌ) بالتذكيرِ، و(ثلاثٌ مِن البَطِّ) بتركِ التاءِ؛ لأنك تقولُ: (بَطٌّ كثيرةٌ) بالتأنيثِ، و(ثلاثةٌ مِن البقرِ)، أو (ثلاثٌ)؛ لأنَّ في البقرِ لُغَتَيْنِ؛ التذكيرَ والتأنيثَ؛ قالَ اللهُ تعالى: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا}([12])، وقُرِئَ: (تَشَابَهَتْ)([13]).
ويُعْتَبَرَانِ معَ الجمعِ بحالِ مُفْرَدِهِ؛ فلذلك تقولُ: (ثلاثةُ إِصْطَبْلاَتٍ) و(ثلاثةُ حَمَّامَاتٍ) بالتاءِ فيهما؛ اعتباراً بالإصطبلِ والحمَّامِ؛ فإنَّهما مُذَكَّرَانِ، ولا تقولُ: (ثلاثُ) بتَرْكِها اعتباراً بالجمعِ، خِلافاً للبَغْدَادِيِّينَ([14]).
ولا يُعْتَبَرُ من حالِ الواحدِ حالُ لَفْظِه حتى يقالَ: (ثلاثُ طَلْحَاتٍ) بتركِ التاءِ، ولا حالُ معناه حتى يقالَ: (ثلاثُ أَشْخُصٍ) بتركِها، تُرِيدُ نِسْوَةً، بل يُنْظَرُ إلى ما يَسْتَحِقُّهُ المفردُ باعتبارِ ضميرِه، فيُعْكَسُ حُكْمُه في العددِ، فكما تقولُ: (طَلْحَةُ حَضَرَ) و(هِنْدٌ شَخْصٌ جَمِيلٌ) بالتذكيرِ فيهما، تقولُ: (ثلاثةُ طَلْحَاتٍ)، و(ثلاثةُ أَشْخُصٍ) بالتاءِ فيهما، فأمَّا قولُه:
524- ثلاثُ شُخُوصٍ كَاعِبَانِ ومُعْصِرُ([15])
فضرورةٌ، والذي سَهَّلَ ذلك قولُه: (كاعبانِ ومُعْصِرُ)، فاتَّصَلَ باللفظِ ما يُعَضِّدُ المعنى المرادَ، ومعَ ذلك فليسَ بقياسٍ، خلافاً للناظِمِ.
وإذا كانَ المعدودُ صِفَةً فالمُعْتَبَرُ حالُ الموصوفِ المنويِّ، لا حالُها، قالَ اللهُ تعالى: {فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}([16])؛ أي: عَشْرُ حَسَنَاتٍ أَمْثَالُها، ولولا ذلك لقِيلَ: (عَشْرَةُ)؛ لأنَّ المِثْلَ مُذَكَّرٌ، وتقولُ: (عِنْدِي ثلاثةُ رَبْعَاتٍ) بالتاءِ، إنْ قَدَّرْتَ رِجَالاً، وبترْكِها إنْ قَدَّرْتَ نِساءً؛ ولهذا يقولونَ: (ثلاثةُ دَوَابَّ) بالتاءِ إذا قَصَدُوا ذُكُوراً؛ لأنَّ الدابَّةَ صِفَةٌ في الأصلِ، فكأنهم قالُوا: ثلاثةُ أَحْمِرَةٍ دَوَابَّ، وسُمِعَ: (ثلاثُ دَوَابَّ ذُكُورٌ) بتركِ التاءِ؛ لأنَّهم أَجْرَوُا الدابَّةَ مَجْرَى الجامدِ، فلا يَجُرُّونَهَا على موصوفٍ.


([1]) العَدَدُ – بوزنِ سَبَبٍ وطَلَلٍ، وبفكِّ الإدغامِ مِثْلِهما – في اللغةِ: اسمٌ للمعدودِ، ومنه قولُه تعالى: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً}، وأمَّا العَدُّ بتشديدِ الدالِ، مُدْغَماً فهو مصدرُ (عَدَّهُ يَعُدُّهُ)، مثلُ: مَدَّهُ يَمُدُّهُ مَدًّا، وشَدَّهُ يَشُدُّهُ شَدًّا، وقالَ اللهُ تعالى: {لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا}، وأمَّا العددُ في اصطلاحِ النُّحَاةِ فهو (ما يُسَاوِي نصفَ مجموعِ حَاشِيَتَيْهِ الصُّغْرَى والكُبْرَى)، وبيانُ ذلك أنَّ الاثنيْنِ مَثَلاً تُسَاوِي نِصْفَ مجموعِ الواحدِ والثلاثةِ؛ لأنَّ مَجْمُوعَهُما أربعةٌ، ونِصْفُ الأربعةِ اثنانِ، فالاثنانِ هو العددُ المرادُ، وحاشِيَتُه الصُّغْرَى الواحدُ، والكُبْرَى ثلاثةٌ، لكنَّ المرادَ مِن العَدَدِ المعقودِ له هذا البابُ: الألفاظُ الدالَّةُ على المعدودِ، كما قالُوا: (الجَمْعَ) وأَرَادُوا الألفاظَ الدالَّةَ على المجموعِ.

([2]) ذَكَرَ ابنُ مالِكٍ أنَّ السرَّ في ذِكْرِ التاءِ في الثلاثةِ والعَشَرَةِ وما بينَهما في عددِ المذكَّرِينَ هو أنَّ الثلاثةَ وأَخَوَاتِها أسماءُ جُمُوعٍ مُؤَنَّثَةٍ، مِثْلُ فِرْقَةٍ وزُمْرَةٍ وأُمَّةٍ، فأَصْلُها أنْ تكونَ بالتاءِ على غِرَارِ نَظَائِرِها، ولَمَّا كانَ المذكَّرُ سابقاً في الاستعمالِ على المؤنَّثِ اسْتَعْمَلُوا هذه الألفاظَ على أَصْلِها معَ المذكَّرِ، فقالوا: (ثلاثةُ رِجَالٍ)، فلَمَّا أَرَادُوا اسْتِعْمَالَهَا معَ المؤنَّثِ احْتَاجُوا إلى الفرقِ بينَه وبينَ المذكَّرِ، فلم يَكُنْ بُدٌّ مِن حَذْفِ التاءِ مِنها؛ فقالوا: (ثلاثُ إِمَاءٍ) و(ثلاثُ جَوَارٍ)، وهكذا.

([3]) سورةُ الحاقَّةِ، الآيةُ: 7.

([4]) الأصلُ أنه لا يُجْمَعُ بينَ الواحدِ والاثنيْنِ ومَعْدُودِهِما، لا على طريقِ الإضافةِ بأنْ يقالَ: (واحِدٌ رَجُلٌ) و(اثنانِ رَجُلَيْنِ)، ولا على طريقِ الوصفِ، بحيثُ يقالُ: (رَجُلٌ واحدٌ) و(رَجُلانِ اثنانِ)؛ للعِلَّةِ التي ذَكَرَها المؤلِّفُ، ويُسْتَثْنَى مِن هذا الأصلِ ما إذا أُرِيدَ بيانُ أنَّ المقصودَ باسمِ الجنسِ المعدودُ، لا الجِنْسِيَّةُ، فإنْ أُرِيدَ ذلك جِيءَ بالمعدودِ موصوفاً باسمِ العددِ، ومنه قولُه تعالى: {وَقَالَ اللهُ لاَ تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ}.
فإنَّ الآيةَ مَسُوقَةٌ لإثباتِ الوَحدانيَّةِ ونفيِ التعدُّدِ، ولو حَذَفْتَ الوَصْفَ بالعددِ لأَوْهَمَ الكلامُ أنَّ المرادَ إثباتُ الإلهيَّةِ.

([5]) اعْلَمْ أنَّ للثلاثةِ والعَشَرَةِ وما بينَهما ثلاثةُ أحوالٍ؛ لأنَّك إمَّا أنْ تُرِيدَ بكلِّ واحدٍ مِن هذه الألفاظِ العددَ الذي يَدُلُّ عليه لَفْظُها، وإما أنْ تُرِيدَ المعدودَ ولكنَّكَ لا تَذْكُرُ هذا المعدودَ، وإمَّا أنْ تُرِيدَ المعدودَ وتَذْكُرُه معَها.
الحالةُ الأولى: أنْ تُرِيدَ بها العددَ المطلَقَ، ويجبُ في هذه الحالةِ أنْ تَأْتِيَ باللفظِ مقروناً بالتاءِ؛ لأنَّها على هذا وُضِعَتْ كما قَرَّرَه ابنُ مالكٍ وبَيَّنَّاهُ لكَ آنِفاً، ويَجِبُ معَ ذلك أنْ تَمْنَعَها من الصرفِ؛ لأنَّه قد اجْتَمَعَ فيها العَلَمِيَّةُ والتأنيثُ، فتقولُ: (ثلاثةُ نِصْفُ سِتَّةَ) وتقولُ: (سِتَّةُ ضِعْفُ ثَلاَثَةَ)، وتقولُ: (تِسْعَةُ ثلاثةَ أمثالُ ثَلاَثَةَ).
الحالةُ الثانيةُ: أنْ تُريدَ بكلٍّ منها المعدودَ، ولكنَّكَ لا تَذْكُرُ معَها المعدودَ الذي تُرِيدُه، ولكَ في هذه الحالةِ وجهانِ:
الأوَّلُ: أنْ تَأْتِيَ بها كما لو ذَكَرْتَ المعدودَ تماماً: بالتاءِ إنْ كانَ المعدودُ المقصودُ مُذَكَّراً، ومن غيرِ تاءٍ إنْ كانَ المعدودُ المقصودُ مُؤَنَّثاً، فتقولُ: (صُمْتُ خَمْسَةً)، وأنتَ تُرِيدُ أَيَّاماً، وتقولُ: (سَهِرْتُ أَرْبَعاً)، وأنتَ تريدُ لَيَالِي، وهذا الوجهُ أفصحُ الوجهيْنِ.
والثاني: أنْ تأتِيَ بها موافِقةً للمعدودِ في التذكيرِ والتأنيثِ: بغيرِ تاءٍ معَ المذكَّرِ، وبالتاءِ معَ المؤنَّثِ، فتقولُ (صُمْتُ خَمْساً) وأنتَ تريدُ أيَّاماً، وتقولُ: (سَهِرْتُ أَرْبَعَةً) وأنتَ تُرِيدُ ليالي، وعلى هذا جاءَ الحديثُ الشريفُ: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ))، وقد خَصَّ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ هذا الوجهَ بِمَا إذا كانَ المعدودُ المحذوفُ أيَّاماً، ولا نَرَى لكَ أنْ تَلْتَزِمَ هذا التَّقْيِيدَ.
الحالةُ الثالثةُ: أنْ تُرِيدَ بكلِّ واحدٍ مِنها المعدودَ، وتَذْكُرُ المعدودَ الذي أَرَدْتَه معَ العددِ، وهذه الحالةُ تُسْتَعْمَلُ على صورتيْنِ:
الصورةُ الأُولَى: أنْ تَذْكُرَ العددَ وتُضِيفَه إلى المعدودِ، وفي هذا الوجهِ يَجِبُ أنْ يُؤْتَى باسمِ العددِ مُخَالِفاً للمعدودِ في التذكيرِ والتأنيثِ، بالتاءِ معَ المذكَّرِ، وبحذفِ التاءِ معَ المؤنَّثِ، فتقولُ: (ثلاثةُ رِجَالٍ)، وتقولُ: (خَمْسُ نِسَاءٍ)، وعلى هذا وَرَدَ قولُه تعالى: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً}.
الصورةُ الثانيةُ: أنْ تَذْكُرَ المعدودَ ثُمَّ تَصِفُه باسمِ العددِ، وهذه الصورةُ تَتَجَاذَبُها قاعدتانِ:
الأُولَى: قاعدةُ العددِ معَ المعدودِ، وهي تَقْتَضِي تأنيثَ العددِ معَ المعدودِ المذكَّرِ وعَكْسَه، فتقولُ تَطبيقاً لها: (عندي رِجَالٌ ثلاثةٌ)، و(عندي فَتَيَاتٌ ثلاثٌ).
والقاعدةُ الثانيةُ: قاعدةُ الصفةِ معَ الموصوفِ، وهي تَقْتَضِي موافقةَ الصفةِ للموصوفِ في التذكيرِ والتأنيثِ، فتقولُ تَطْبِيقاً لها: (عِنْدِي رِجَالٌ ثَلاثٌ)، و(عِنْدِي فَتَيَاتٌ ثلاثةٌ)، فلَمَّا تَجَاذَبَتْ هذه الصورةُ قاعدةَ العددِ معَ المعدودِ وقاعدةَ النعتِ معَ المنعوتِ جازَ لكَ أنْ تُرَاعِيَ الأُولَى؛ فتُؤَنِّثُ العددَ معَ المعدودِ المذكَّرِ، وتُذَكِّرُ العددَ معَ المعدودِ المؤنَّثِ، وجازَ لكَ مراعاةُ الثانيةِ؛ فتُذَكِّرُ العددَ معَ المعدودِ المذكَّرِ، وتُؤَنِّثُ العددَ معَ المعدودِ المؤنَّثِ.

([6]) اعْلَمْ أنَّ ألفاظَ العددِ بالنظرِ إلى الاستعمالِ على أربعةِ أَضْرُبٍ:
الضربُ الأوَّلُ، ويقالُ له العددُ المفرَدُ، وهو عَشَرَةُ أَلْفَاظٍ: واحدٌ، واثنانِ، وعِشْرُونَ، وثلاثونَ، وأربعونَ، وخمسونَ، وسِتُّونَ، وسبعونَ، وثمانونَ، وتِسعونَ.
الضَّرْبُ الثاني: ويقالُ له: العددُ المضافُ، وهو عَشَرَةُ أَلْفَاظٍ أيضاً، وهي: مائةٌ، وألفٌ، وثلاثةٌ، وأربعةٌ إلى عَشَرَةٍ.
الضربُ الثالِثُ، ويقالُ له: العددُ المُرَكَّبُ، وهو سَبْعَةُ ألفاظٍ، وهي ثَلاثَةَ عَشَرَ، وأَرْبَعَةَ عَشَرَ – إلى تِسْعَةَ عَشَرَ.
الضربُ الرابِعُ، ويقالُ له: العددُ المعطوفُ، وهو أَحَدٌ وعِشْرُونَ، إلى تِسْعَةٍ وتِسْعِينَ.
فأمَّا تَمْيِيزُ هذه الأنواعِ فيكونُ مُفْرَداً منصوباً معَ العشرينَ والتسعينَ وما بينَهما، ومعَ الأحدَ عَشَرَ والتسعةَ عَشَرَ وما بينَهما، ومعَ الأحدِ والعشرينَ والتسعةِ والتسعينَ وما بينَهما، تقولُ: (عِشْرُونَ ثوباً، وتسعونَ رَجُلاً، وأَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً، وتِسْعَةَ عَشَرَ يَوْماً، وتِسْعَةٌ وتِسْعُونَ جَمَلاً) ويكونُ التمييزُ مُفْرَداً مجروراً بالإضافةِ معَ المائةِ والألفِ، تقولُ: (مائةُ ثوبٍ وألفُ دِينارٍ)، ويكونُ التمييزُ إمَّا مجروراً بمِن أو بالإضافةِ إنْ كانَ المعدودُ اسمَ جمعٍ أو اسمَ جِنْسٍ، وإمَّا مجروراً بالإضافةِ لا غَيْرُ إنْ كانَ المعدودُ جَمْعاً – على التفصيلِ الذي ذَكَرَه المؤلِّفُ – معَ الثلاثةِ والعَشَرَةِ، تقولُ: (ثلاثةُ رِجَالٍ، وعَشْرُ نِسَاءٍ).

([7]) لا تَنْسَ أنَّ اسمَ الجنسِ الجمعيِّ هو اللفظُ الدالُّ على جمعٍ، وله واحدٌ مِن لَفْظِه، ويُفَرَّقُ بينَه وبينَ واحدِه بالتاءِ؛ بأنْ تكونَ التاءُ في المفردِ، نحوُ شَجَرَةٍ وشَجَرٍ، وبَقَرَةٍ وبَقَرٍ، وهذا هو الغالِبُ، أو تكونَ التاءُ في الدالِّ على الجمعِ، نحوُ كَمْأَةٍ وكَمْءٍ، وهذا نادرٌ، وقد يُفَرَّقُ بينَ الواحدِ والدالِّ على الجمعِ بياءٍ مُشَدَّدَةٍ، نحوُ: رُومٍ ورُومِيٍّ، وزِنْجٍ وزِنْجِيٍّ، وعَجَمٍ وعَجَمِيٍّ.

([8]) لا تَنْسَ أنَّ اسمَ الجمعِ هو ما دَلَّ على معنى الجمعِ، وليسَ له واحدٌ مِن لَفْظِهِ غالباً، وليسَ على وزنٍ مِن أوزانِ جموعِ التكسيرِ المحفوظةِ، ومِثَالُه: قومٌ، ورَهْطٌ، وذَوْدٌ، ومن العلماءِ مَن يَعُدُّ من هذا النوعِ لفظَ (رَكْبٍ، وصَحْبٍ، وسَفْرٍ)؛ لأنَّها لَيْسَتْ على وزنٍ مِن أوزانِ جموعِ التكسيرِ المحفوظةِ، وإنْ كانَ وَاحِدُها رَاكِباً وصاحباً ومسافراً، ومن العلماءِ مَن يَعُدُّهَا جُمُوعاً، وإنْ لم تَكُنْ على وزنٍ مِن الأوزانِ المحفوظةِ لجمعِ التكسيرِ، ويَدَّعِي أنَّ أوزانَ جُمُوعِ التكسيرِ لَيْسَتْ محصورةً في هذه الأوزانِ التي رَوَاهَا سِيبَوَيْهِ وتَنَاقَلَهَا عنه العلماءُ.

([9]) سورةُ البقرةِ، الآيةُ: 260.

([10]) سورةُ النملِ، الآيةُ: 48.

([11]) 523- يُنْسَبُ هذا الشاهِدُ إلى الحُطَيْئَةِ، ويقولون: إنَّ سَبَبَه أنه كانَ في سفرٍ ومعَه امْرَأَتُه أُمَامَةُ وابْنَتُه مُلَيْكَةُ، فسَرَحَ إِبِلُه ثمَّ افْتَقَدَ منها ناقةً، والذي ذَكَرَه المؤلِّفُ ههنا صَدْرُ بيتٍ مِن الوافِرِ، وعَجُزُهُ معَ بيتٍ سابقٍ عليه قولُه:
أَذِئْبُ الْقَفْرِ أَمْ ذِئْبٌ أَنِيسٌ = أَصَابَ الْبَكْرَ أَمْ حَدَثُ اللَّيَالِي
ثلاثةُ أَنْفُسٍ......... = لقد جارَ الزمانُ على عِيَالِي
اللغةُ: (ذَوْدٍ) بفتحِ الذالِ وسكونِ الواوِ وآخِرَه دالٌ مهملةٌ – يُطْلَقُ على عددٍ مِن الإبلِ، يقالُ: هو ما بينَ الثلاثةِ إلى العَشَرَةِ، ويقالُ غيرُ ذلك، وفي أمثالِهِم: (الذَّوْدُ إلى الذَّوْدِ إِبِلٌ) يُرِيدُونَ أنك إذا جَمَعْتَ القليلَ إلى القليلِ صارَ كثيراً، وهو حَثٌّ على الادِّخَارِ وعدمِ الإسرافِ والتبذيرِ، وقالَ المُبَرِّدُ: أرادَ بثلاثِ ذَوْدٍ ثلاثَ نُوقٍ، وقد أُخِذَ ذلك من قِصَّتِهِ التي قَصَصْنَاها عليكَ، وذَكَرُوا أنها سَبَبٌ لقولِهِ البيتيْنِ.
الإعرابُ: (ثَلاَثَةُ) مبتدأٌ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وهو مضافٌ و(أَنْفُسٍ) مضافٌ إليه مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ، (وثلاثُ) الواوُ حرفُ عطفٍ، ثلاثُ: معطوفٌ على المبتدأِ، وهو مضافٌ و(ذَوْدٍ) مضافٌ إليه، والخبرُ محذوفٌ يُفْهَمُ مِن المَقامِ، والتقديرُ: ثلاثةُ أَنْفُسٍ وثلاثُ ذَوْدٍ مُتَسَاوُونَ، أو نحوُ ذلك، والعَيْنِيُّ يَجْعَلُ (ثلاثةُ أَنْفُسٍ) خبرَ مبتدأٍ محذوفٍ؛ أي: نحنُ ثلاثةُ أَنْفُسٍ، وقَدَّرَ (ثلاثُ ذَوْدٍ) مبتدأً خَبَرُه محذوفٌ؛ أي: ولنا ثلاثُ ذَوْدٍ، ولا بأسَ به، (لقد) اللامُ مُوَطِّئَةٌ للقَسَمِ، وقد: حرفُ تحقيقٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، (جارَ) فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، (الزمانُ) فاعلُ جَارَ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، (على عِيَالِي) الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بجارَ، وعِيَالِ مضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه.
الشاهدُ فيه: إضافةُ العددِ إلى مَعْدُودِهِ في قَوْلِهِ: (وثلاثُ ذَوْدٍ) والمعدودُ اسمُ جَمْعٍ، وجوازُ إضافةِ اسمِ العددِ إلى المعدودِ إذا كانَ اسمَ جمعٍ هو أحدُ ثلاثةِ مذاهِبَ:
أَوَّلُها: القولُ بجوازِه في السَّعَةِ على قِلَّةٍ، وهو الذي يُؤْخَذُ مِن كلامِ ابنِ هِشَامٍ هنا؛ حيثُ يقولُ: (وقد يُخْفَضُ بإضافةِ العددِ) وهو تابعٌ في ذلك لابنِ عُصْفُورٍ.
وثانيها: أنه يُقْتَصَرُ فيه على ما وَرَدَ السَّمَاعُ به، وليسَ لنا أنْ نَقِيسَ عليه، وهو مَذْهَبُ جَمْهَرَةِ النُّحاةِ.
وثالِثُها: التفصيلُ؛ فإنْ كانَ اسمُ الجمعِ لا يُسْتَعْمَلُ إلاَّ في القليلِ – نحوُ: ذَوْدٍ ونَفَرٍ ورَهْطٍ – جازَ أنْ يُضَافَ العددُ إليه؛ كما في الآيةِ الكريمةِ: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ}، وكما في الحديثِ: ((لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ))، وإنْ كانَ اسمُ الجمعِ يُسْتَعْمَلُ في القليلِ وفي الكثيرِ – نحوُ: قَوْمٍ ونِسْوَةٍ – لم يَجُزْ أنْ يُضَافَ العددُ إليه، وهذا التفصيلُ ذَكَرَه أبو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ، وعَزَاهُ إلى أبي عُثْمَانَ المَازِنِيِّ، وقد ذَكَرَ أبو العَبَّاسِ المُبَرِّدُ أنَّ العِلَّةَ في ذلك هي أنَّ اسمَ العددِ مِن ثلاثةَ إلى عَشَرَةَ لا يُضافُ إلى المفردِ؛ فلا يقالُ: (ثلاثةُ رَجُلٍ) كما لا يُضَافُ إلى ما يَدُلُّ على الكثرةِ؛ ولهذا يَلْتَزِمُونَ أنْ يكونَ المضافُ إليه جمعَ قِلَّةٍ إلاَّ أنْ يُهْمَلَ جمعُ القِلَّةِ أو يكونَ شاذًّا.

([12]) سورةُ البَقَرَةِ، الآيةُ: 70

([13]) ذَكَرَ المؤلِّفُ حُكْمَ العَدَدِ مِن ثلاثةَ إلى عَشَرَةَ معَ اسمِ الجنسِ، ومعَ اسمِ الجمعِ، ولكنَّه عندَ التمثيلِ لم يُمَثِّلْ لاسمِ الجمعِ، وإنما مَثَّلَ لاسمِ الجِنْسِ.
ونحنُ نُحَدِّثُكَ عن كلِّ واحدٍ مِن اسمِ الجنسِ واسمِ الجمعِ حَدِيثاً مُسْتَقِّلاً؛ لاختلافِ ما يقالُ عن كلٍّ مِنهما، فنقولُ:
خُلاصَةُ الكلامِ عن اسمِ الجِنْسِ أنه على ثلاثةِ أنواعٍ: نوعٍ يعودُ الضميرِ إليه من الفعلِ ومن الوصفِ مُذَكَّراً لا غيرُ، وهذا يقالُ عنه: إنه واجِبُ التذكيرِ، ونوعٍ يعودُ الضميرِ إليه من الفعلِ أو الوصفِ مُؤَنَّثاً لا غيرُ، وهذا يقالُ عنه: إنه واجبُ التأنيثِ، ونوعٍ يعودُ الضميرُ إليه مُذَكَّراً في بعضِ العباراتِ ومُؤَنَّثاً في بعضِها الآخَرِ، وهذا يقالُ عنه: إنه جائزُ التذكيرِ والتأنيثِ.
فأنتَ تَنْظُرُ أوَّلَ الأمرِ إلى الضميرِ الذي يعودُ إلى اسمِ الجنسِ، فإنْ وَجَدْتَه يعودُ إليه مُذَكَّراً لا غيرُ اعْتَبَرْتَهُ مُذَكَّراً وجِئْتَ معَه باسمِ العددِ مقروناً بالتاءِ، وقد مَثَّلَ المؤلِّفُ لهذا النوعِ بالغَنَمِ، والقاعدةُ صحيحةٌ، لكِنَّ المثالَ غيرُ صحيحٍ؛ فقد وَرَدَ في القرآنِ الكريمِ: {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ}، فأَنَّثَ الفعلَ المُسْنَدَ إلى الغَنَمِ، فدَلَّ ذلك على أنه يُؤَنَّثُ، والمثالُ الصحيحُ: (الرُّطَبُ، والقَمْحُ)، وإنْ وَجَدْتَ الضميرَ يعودُ إليه مؤنَّثاً لا غيرُ اعْتَبَرْتَهُ مُؤَنَّثاً وجِئْتَ معَه باسمِ العددِ مِن غيرِ تاءٍ، ومن هذا النوعِ البَطُّ كما ذَكَرَ المؤلِّفُ، وإنْ وَجَدْتَ الضميرَ يعودُ إليه مُذَكَّراً أحياناً ومُؤَنَّثاً في أحيانٍ أُخْرَى اعْتَبَرْتَهُ ذا وجهيْنِ، وساغَ لكَ أنْ تَأْتِيَ معَه باسمِ العددِ مِن غيرِ تاءٍ على اعتبارِهِ مُؤَنَّثاً، وبالتاءِ على اعتبارِه مُذَكَّراً، ومن هذا النوعِ البَقَرُ؛ فإنَّ الضميرَ قدْ عادَ إليه مُذَكَّراً في قراءةِ الجماعةِ في قَوْلِهِ تعالى: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا}، وعادَ إليه مُؤَنَّثاً في القراءةِ الأُخْرَى: (تَشَابَهَتْ).
وأما اسمُ الجمعِ فظاهرُ كلامِ المؤلِّفِ أنه على التفصيلِ الذي ذَكَرَه وشَرَحْنَاهُ لكَ في اسمِ الجنسِ، وقد فَصَّلَ ابنُ عُصْفُورٍ اسمَ الجمعِ على تفصيلٍ آخَرَ، وحاصلُه أنه إنْ كانَ يُسْتَعْمَلُ في العقلاءِ – وذلك مثلُ القومِ والنَّفَرِ والرَّهْطِ – جَعَلْنَاه في حُكْمِ المذكَّرِ؛ فجِئْنَا باسمِ العددِ معَه مقروناً بالتاءِ، وفي القرآنِ الكريمِ: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ}، وإنْ كانَ اسمُ الجمعِ يُسْتَعْمَلُ في غيرِ العقلاءِ – مثلُ الجامِلِ لجماعةِ الجِمَالِ، والباقِرِ لجماعةِ البَقَرِ – جَعَلْنَاه في حُكْمِ المؤنَّثِ وجِئْنَا معَه باسمِ العددِ خالياً مِن التاءِ، فقُلْنا: (ثلاثٌ مِن الباقِرِ).
ونحنُ لا نُقِرُّ هذا التفصيلَ الذي ذَكَرَه ابنُ عُصْفُورٍ؛ أمَّا أَوَّلاً فلأنَّ (النِّسْوَةَ، والنساءَ، والجماعةَ) ثَلاثَتُها مِن أسماءِ الجموعِ التي تُسْتَعْمَلُ في العقلاءِ، وهي لا تُعَامَلُ في كلامِ العربِ مُعَامَلَةَ المذكَّرِينَ، وأمَّا ثانياً فلأنَّه جَعَلَ (الجامِلَ) الذي هو جماعةُ الجمالِ مِمَّا يعاملُ معاملةَ المؤنَّثِ؛ على أساسِ أنه لِمَا لا يَعْقِلُ، وقد عَامَلَه العربُ معاملةَ المذكَّرِ، وذلك في قولِ الشاعِرِ:
رُبَّمَا الْجَامِلُ الْمُؤَبَّلُ فِيهِمْ = وَعَنَاجِيجُ بَيْنَهُنَّ الْمِهَارُ
والصوابُ فيما نَرَى بقاءُ تفصيلِ الكلامِ في اسمِ الجمعِ على ما قالَه المؤلِّفُ، ومِن المذكَّرِ منه لا غيرُ: قومٌ ورَهْطٌ ونَفَرٌ، ومن المؤنَّثِ مِنه: إِبِلٌ وخَيْلٌ ونِسْوَةٌ، ومن جائزِ التذكيرِ مِنه: بَقَرٌ وغَنَمٌ.
وهذا الذي قَرَّرْنَاهُ – من أنَّ العِبْرَةَ في اسمِ الجنسِ واسمِ الجمعِ بِحَالِهما تذكيراً وتأنيثاً، ولا يُنْظَرُ إلى المعنى المرادِ منهما – مخصوصٌ بما إذا لم يُفْصَلْ بينَ اسمِ العددِ وبينَ أَحَدِهما بوَصْفٍ يَدُلُّ على المعنى المرادِ منه – بألاَّ يُذْكَرَ وَصْفٌ أصلاً، نحوُ: (ثلاثٌ مِن البَقَرِ، أو ثلاثةٌ مِن البَقَرِ)، ونحوُ: (ثلاثٌ مِن البَطِّ)، ونحوُ: (ثلاثةٌ مِن الرُّطَبِ)، أو يُذْكَرَ وَصْفٌ لكِنْ يُؤْتَى به مُتَأَخِّراً، نحوُ: (ثلاثٌ مِن البَطِّ ذُكُورٌ)، أو (ثلاثٌ مِن البَطِّ إناثٌ) – فإنْ ذُكِرَ وصفٌ وجِيءَ به بينَ اسمِ العددِ والمعدودِ نُظِرَ إلى المعنى المرادِ: فإنْ كانَ المرادُ به مُذَكَّراً جِيءَ باسمِ العددِ مَقْرُوناً بالتاءِ، فتقولُ: (ثلاثةُ ذُكُورٍ مِن البَطِّ)، ونحوُ: (ثلاثُ سُنْبُلاَتٍ مِن القَمْحِ)، وابنُ مالِكٍ يَجْعَلُ الوصفَ المتأخِّرَ كالواقعِ بينَ العددِ والمعدودِ، ويَجْعَلُ البَدَلَ كالنَّعْتِ.

([14]) هذا الذي اخْتَارَهُ المؤلِّفُ – مِن أنَّ العِبْرَةَ معَ الجمعِ بحالِ مفردِه، فإذا كانَ المفردُ مُذَكَّراً جِيءَ باسمِ العددِ مَقْرُوناً بالتاءِ، نحوُ: (ثلاثةُ حَمَّامَاتٍ، وثلاثةُ اصْطَبْلاَتٍ)؛ لأنَّ المفردَ حَمَّامٌ وإِصْطَبْلٌ، وهما مذكَّرَانِ، ولا تجوزُ مُرَاعَاةُ حالِ الجمعِ، فلا تقولُ: (ثلاثُ حَمَّامَاتٍ وثلاثُ إِصْطَبْلاَتٍ)، وإنْ كانَ الجمعُ جمعَ مؤنَّثٍ سَالِماً – هو مَذْهَبُ البَصْرِيِّينَ مِن النحاةِ، وقد خَالَفَ في ذلك البَغْدَادِيُّونَ والكِسَائِيُّ، فأَجَازُوا مراعاةَ حالِ أيِّهما شِئْتَ: حالِ المفردِ، وحالِ الجمعِ، وعلى ذلك يجوزُ لكَ أنْ تقولَ: (ثلاثةُ حَمَّامَاتٍ) وأنْ تقولَ: (ثلاثُ حَمَّامَاتٍ)، الأوَّلُ بمراعاةِ حالِ المفردِ، والثاني بمراعاةِ حالِ الجمعِ، وقد حَكَىَ سيِبَوَيْهِ والفَرَّاءُ أنَّ الاستعمالَ في كلامِ العربِ جارٍ على مراعاةِ حالِ المفردِ دونَ مراعاةِ حالِ الجمعِ.
ونُرِيدُ أنْ نُنَبِّهَكَ إلى أنَّ الكلامَ يُتَصَوَّرُ في جمعٍ يُخَالِفُ مفردَه في التذكيرِ والتأنيثِ، وذلك يَتَحَقَّقُ في جمعِ المُؤَنَّثِ السالِمِ الذي مُفْرَدُه مذكَّرٌ لا يَعْقِلُ، فإنِ اتَّفَقَ الجمعُ والمفردُ في التأنيثِ، نحوُ (سَحَابَةٍ وسَحَابَاتٍ) لم يَكُنْ ثَمَّةَ ما يَدْعُو إلى الخلافِ، فأنتَ تقولُ: (ثلاثُ سَحَابَاتٍ)؛ لأنَّ المفردَ سَحَابَةٌ وهو مُؤَنَّثٌ، وجَمْعُه مُؤَنَّثٌ أيضاً، فلا يَقْتَضِي خلافَ ما اقْتَضَاهُ مُفْرَدُهُ.

([15]) 524- هذا الشاهدُ مِن كلامِ عمرَ بنِ أبي رَبِيعَةَ المَخْزُومِيِّ، من قصيدتِه الرائيَّةِ المشهورةِ، وسَيَذْكُرُ المؤلِّفُ هذا الشاهِدَ مَرَّةً أُخْرَى في هذا البابِ (ص232)، والذي أَنْشَدَهُ المؤلِّفُ عَجُزُ بَيْتٍ مِن الطويلِ، وصَدْرُه قولُه:
*فكانَ مِجَنِّي دُونَ مَنْ كُنْتُ أَتَّقِي*

اللغةُ: (مِجَنِّي) المِجَنُّ – بكسرِ الميمِ وفتحِ الجيمِ وتشديدِ النونِ – أَصْلُه التُّرْسُ، ويُجْمَعُ على مِجَانٍّ، وأرادَ ههنا ما يَتَّقِي به الكاشِحِينَ والرُّقَبَاءَ، (أَتَّقِي) أَحْذَرُ وأُجَانِبُ وأُجَافِي وأَجْعَلُ بينِي وبينَهم وِقَايَةً، (شُخُوصٍ) جمعُ شَخْصٍ، والأصلُ فيه الشَّبَحُ يُرَى مِن بَعِيدٍ، وأرادَ هنا الإنسانَ، وكأنه قد قالَ: كانَ ما أَتَّقِي به الرُّقَبَاءَ ثلاثةَ أَنَاسِيٍّ، (كاعبانِ) مُثَنَّى كاعِبٍ، وهي الجارِيَةُ حِينَ يَبْدُو ثَدْيُها، تقولُ: كَعَبَتِ الجاريَةُ تَكْعُبُ، مِن بابِ قَتَلَ، فهي كَاعِبٌ وكَعَابٌ، إذا صارَتْ كذلك، (ومُعْصِرُ) بضمِّ الميمِ وسكونِ العينِ وكسرِ الصادِ – الجاريَةُ مَتَى دَخَلَتْ في عَصْرِ شَبَابِها.
الإعرابُ: (كانَ) فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ، (مِجَنِّي) مِجَنِّ: خبرُ كانَ تَقَدَّمَ على اسمِها منصوبٌ بفتحةٍ مُقَدَّرَةٍ على ما قبلَ ياءِ المتكلِّمِ، ومِجَنِّ مضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ جرٍّ، (دُونَ) ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بِمِجَنٍّ، أو بمحذوفٍ حالٌ مِنه، وهو مضافٌ و(مَن) اسمٌ موصولٌ مضافٌ إليه مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ جرٍّ، (كُنْتُ) كانَ: فِعْلٌ ماضٍ ناقصٌ، وتاءُ المتكلِّمِ اسمُه، (أَتَّقِي) فعلٌ مضارِعٌ فاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنا، والجملةُ في مَحَلِّ نصبٍ خبرُ كُنْتُ، وجملةُ كانَ واسمِه وخبرِه لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ صِلَةُ مَن الموصولةِ، والعائدُ ضميرٌ منصوبٌ بِأَتَّقِي محذوفٌ، والتقديرُ: دونَ الذي كُنْتُ أَتَّقِيهِ، (ثلاثُ) اسمُ كانَ في أَوَّلِ البيتِ تَأَخَّرَ عن خبرِه، وهو مضافٌ و(شُخُوصٍ) مضافٌ إليه مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ، (كاعِبَانِ) بَدَلٌ مِن ثلاثُ مرفوعٌ بالألِفِ نيابةً عن الضمَّةِ؛ لأنَّه مُثَنًّى، والنونُ عِوَضٌ عن التنوينِ في الاسمِ المُفْرَدِ، (ومُعْصِرُ) معطوفٌ على قولِهِ: كاعِبَانِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (ثلاثُ شُخُوصٍ)؛ فإنَّ شُخُوصاً جمعٌ، ومِن حَقِّهِ أنْ يُلاَحَظَ في عَدَدِهِ حالُ مُفْرَدِهِ، ومفردُه الذي هو شَخْصٌ مُذَكَّرٌ، وإنْ كانَ المقصودُ به هنا مُؤَنَّثاً فكانَ يَنْبَغِي أنْ يقولَ: (ثلاثُ شُخُوصٍ) كما يقولُ: (ثلاثةُ كَوَاكِبَ)، إلاَّ أنه رَاعَى المعنَى المقصودَ الذي رَشَّحَهُ وقَوَّاهُ ذِكْرُ الكَاعِبَيْنِ والمُعْصِرِ، وهذا ضرورةٌ عندَ جَمْهَرَةِ النُّحاةِ، وزَعَمَ ابنُ مالِكٍ أنه يجوزُ القياسُ على مثلِ ذلكَ، وقد بَيَّنَّا لكَ مَذْهَبَه في كلامِنا الماضي (ص225)، وأنه يَرَى الإبدالَ مِن المعدودِ مِثْلَ نَعْتِهِ يُجِيزُ مُرَاعَاةُ المَعْنَى.

([16]) سورةُ الأنعامِ، الآيةُ: 160.



  #4  
قديم 26 ذو الحجة 1429هـ/24-12-2008م, 09:57 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


العَدَدُ

726- ثَلاثَةٌ بالتاءِ قُلْ لِلْعَشْرَهْ = فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ
727- فِي الضِّدِّ جَرِّدْ، والمُمَيِّزَ اجْرُرِ = جَمْعًا بلفظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ
(ثلاثةٌ بالتاءِ قُلْ للعَشَرَهْ * فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ * فِي الضِدِّ) وهُوَ مَا آحَادُهُ مُؤَنَّثَةٌ، وَلَوْ مَجَازًا (جَرِّدْ) مِنَ التاءِ، نحوُ: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ}، هَذَا إِذَ ذُكِرَ المَعْدُودُ، فَإِنْ قُصِدَ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي اللفظِ فالفصيحُ أَنْ يكونَ كَمَا لَوْ ذُكِرَ، فتقولُ: "صُمْتُ خَمْسَةً" تُرِيْدُ أَيَّامًا و"سِرْتُ خَمْسًا" تُرِيْدُ ليَالِيَ، ويجوزُ أَنْ تَحْذِفَ التاءَ فِي المُذَكَّرِ، ومنهُ: ((وأَتْبَعَهُ بِسِتٍ مِنْ شَوَّالٍ)) أَمَّا إِذَا لَمْ يُقْصَدْ معدودٌ، وإِنَّمَا قُصِدَ العَدَدُ المطلقُ كانتْ كُلُّهَا بالتاءِ، نحوُ: "ثلاثةٌ نِصْفُ سِتَّةٍ"، ولَا تَنْصَرِفُ لِأَنَّهَا أَعْلَامٌ، خِلَافًا لبعضِهِمْ، وأَمَّا إِدْخَالُ "أَلْ" عليهَا فِي قولِهِمْ: "الثلاثةُ نِصْفُ السِّتَّةِ" فكدخُوْلِهَا علَى بعضِ الأَعْلَامِ كقولِهِم: إِلَاهَةَ، وهو اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الشمسِ حينَ قالُوا: الإِلَهَةَ، وكذلكَ قولُهُم: "شَعُوبُ" و"الشَّعُوبُ" للمَنِيَّةِ، وهذِهِ لَمْ يَشْمَلْهَا كلامُهُ، وشَمِلَ الأَوَّلَيْنِ.
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ: فُهِمَ مِنْ قَولِهِ: "مَا آحَادُهُ" أَنَّ المُعْتَبَرَ تَذْكِيْرُ الواحِدِ وتَأْنِيْثُهُ، لَا تَذْكِيْرَ الجَمْعِ وتأنيثَهُ، فيُقَالُ: ثَلاثَةُ حَمَّامَاتٍ، خِلَافًا للبُغْدَادِيِّيْنَ فَإِنَّهُم يقولونَ: "ثلاثُ حَمَّامَاتٍ" فيعتَبِرُونَ لفظَ الجَمْعِ، وقَالَ الكِسَائِيُّ تَقولُ: مَرَرْتُ بثلاثِ حَمَّامَاتٍ، ورَأَيْتُ ثلاثَ سِجِلَّاتٍ، بِغَيْرِ هَاءٍ، وإِنْ كَانَ الوَاحِدُ مُذَكَّرًا، وقاسَ عليهِ مَا كانَ مِثْلَهُ، ولَمْ يَقُلْ بِهِ الفَرَّاءُ.
الثانِي: اعتبارُ التأنيثِ فِي واحدِ المعدودِ، إنْ كانَ اسْمًا فبلَفْظِهِ، تقولُ: "ثلاثةُ أَشْخُصٍ" قَاصِدَ نِسْوَةٍ، و"ثلاثَ أَعْيُنٍ" قَاصِدَ رِجَالٍ؛ لِأَنَّ لفظَ شَخْصٍ مُذَكَّرٍ، ولفظَ عَيْنٍ مُؤنثٌ، هَذَا مَا لَمْ يَتَّصِلْ بالكلامِ مَا يُقَوِّي المعنَى، أو يُكْثِرُ فيهِ قَصْدَ المعنَى، فإنِ اتصلَ بِهِ ذَلكَ جَازَ مُرَاعَاة المعنىَ..
فالأوَّلُ كقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1131- فكَانَ مِجَنِّي دُوَنَ مَنْ كُنْتُ أَتَّقِي = ثَلاثُ شُخُوصٍ كاعبانِ ومُعَصِرُ
وقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1132- وإِنْ كِلَابًا هَذِهِ عَشْرُ أَبْطُنٍ = وأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ قَبَائِلِهَا العَشْرُ
وجُعِلَ مِنْهُ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ): {وقَطَّعْنَاهُمْ اثْنَتَي عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} قَالَ: فَبِذِكْرِ {أُمَمٍ} تَرَجَّحَ حُكْمُ التأنيثِ، لكنَّهُ جَعَلَ {أَسْبَاطًا} فِي (شَرْحِ التَّسْهِيْلِ) بَدَلًا مِنْ "اثْنَتَي عَشْرَةَ"، وهو الوجهُ كَمَا سَيَأْتِي.
والثانِي كقولِهِ [مِنَ الوَافِرِ]:
1133- ثَلاثَةُ أَنْفُسٍ وثَلاثُ ذَوْدٍ = لَقَدْ جَارَ الزمانُ عَلَى عِيَالِي
فَإِنَّ "النَّفْسَ" كَثُرَ اسْتِعْمَالُهَا مقصودًا بِها إِنْسانٌ.
وإَنْ كَانَ صفةً، فبِمَوُصُوفِهَا المَنْوِيِّ، لا بِهَا، نحوُ: {فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} أَيْ: عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وتقولُ: ثلاثةُ رَبْعَاتٍ، إذَا قَصَدْتَ رِجَالًا، وَكَذَا تقولُ ثلاثةُ دوَّابٍ، إذَا قَصَدْتَ ذُكُورًا؛ لأَنَّ الدابةَ صِفَةٌ فِي الأَصْلِ.
الثالثُ: إِنَّمَا تكونُ العِبْرَةُ فِي التأنيثِ والتذكيرِ بِحَالِ المُفْرَدِ مَعَ الجَمْعِ، أَمَّا مَعَ اسْمَيِ الجِنْسِ والجمعِ فالعبرةُ بحَالِهِمَا، فيُعْطِي العددُ عكسَ مَا يَسْتَحِقُّهُ ضَمِيْرُهُمَا، فتقولُ: "ثَلاثَةٌ مِنَ القومِ وأربعةٌ مِنَ الغَنَمِ"، بالتاءِ لِأَنكَّ تقولُ "قومٌ كَثِيرُونَ" و"غَنَمٌ كَثِيْرٌ" بالتذكيرِ، و"ثلاثٌ مِنَ البَطِّ" بتركِ التاءِ؛ لأنَّكَ تقولُ: "بَطٌ كَثِيْرَةٌ" بالتأنيثِ، و"ثلاثةٌ مِنَ البَقَرِ" أو "ثَلاثٌ" لِأَنَّ فِي البَقَرِ لُغَتَيْنِ: التذكيرُ والتأنيثُ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} وقُرِئَ: (تَشَابَهَتْ).
هَذَا مَا لَمْ يَفْصِلْ بينَهُ وبينَ العددِ صفةٌ دالةٌ عَلَى المَعْنَى، وإِلَّا فالمُرَاعَى هُو المَعْنَى، أو يكونُ نَائِبًا عَنْ جمعِ مُذَكَّرٍ، فالأوَّلُ نحوُ: "ثلاثُ إِنَاثٍ مِنَ الغَنَمِ"، و"ثَلاثَةُ ذُكُورٍ مِنَ البَطِّ" ولا أَثَرَ للوصفِ المُتْأَخرِ كقولِكَ: "ثلاثةٌ مِنَ الغَنَمِ إِنَاثٌ، وثلاثٌ مِنَ البَطِّ ذُكُورٌ" والثانِي نحوُ: "ثَلاثَةٌ رَجْلَةٍ" فـ"رَجْلَةٌ" اسْمُ جَمْعٍ مؤنثٍ إَلَّا أَنَّهُ جَاءَ نَائِبًا عَنْ تَكْسِيْرِ "رَاجِلٍ" عَلَى "أَرْجَالٍ"، فَذَكَرَ عَدَدَهُ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ بالمَنُوبِ عَنْهُ.
الرابعُ: لا يُعْتَبَرُ أيضًا لفظُ المُفْرَدِ إذَا كانَ عَلمًا، فتقولُ: "ثلاثةُ الطلحاتِ وخَمْسُ الهِنْدَاتِ".
الخامسُ: إِذَا كانَ فِي المَعْدُودِ لُغَتَانِ: التذكيرُ والتأنيثُ كالحالِ جَازَ الحذفُ والإثباتُ، تقولُ: "ثَلاثُ أَحْوَالٍ وثلاثةُ أحوالٍ" ا هـ.
(والمُمَيِّزُ اجْرُرْ جَمْعًا بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ) أَيْ: مُمَيِّزُ الثلاثةِ وأخواتِهَا لا يكونُ إلا مَجْرُورًا، فَإِنْ كَانَ اسْمَ جِنْسٍ أو اسْمَ جَمْعٍ جُرَّ بِـ "مِنْ"، نحوُ: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ}، و"مَرَرْتُ بثلاثةٍ مِنَ الرَّهْطِ" وقَدْ يُجَرُّ بإضافةِ العَدَدِ، نحوُ: {وَكَانَ فِي المَدِيْنَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} وفِي الحديثِ: ((لَيْسَ فِيْمَا دُوْنَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ)) وقولِهِ [مِنَ الوَافِرِ]:
ثَلاثَةُ أَنْفُسٍ وثَلاثُ ذَوْدٍ = لَقَدْ جَارَ الزَّمانُ عَلَى عِيَالِي
والصحيحُ قَصْرُهُ عَلَى السَّمَاعِ، وإِنْ كَانَ غيرُهُمَا فبإضافةَ العَدَدِ إليهِ، وحقُّهُ حينئذٍ أَنْ يكونَ جَمْعًا مُكَسَّرًا مِنْ أَبْنِيَةِ القِلَّةِ، نحوُ: "ثَلاثَةُ أَعْبُدٍ وثَلاثُ آمٍ" وقدْ يَتَخَلَّفُ كلُّ واحدٍ مِنْ هَذِهِ الثلاثةِ فيُضَافُ للمفردِ، وذلكَ إِنْ كَانَ مائِةً، نحوُ: "ثَلاثُمَائِةٍ" و"سَبْعَمَائِةٍ" وشذَّ فِي الضرورةِ قولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1134- ثَلاثُ مِئِينٍ للملوكِ وفِى بِهَا = رِدَائِي، وَجَلَّتْ عَنْ وُجُوهِ الأَهَاتِمِ
ويضافُ لجمعِ التصحيحِ فِي ثَلاثِ مَسَائِلَ:
أحَدُهَا: أَنْ يُهْمَلَ تَكْسِيْرُ الكلمةِ، نحوُ: {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} و"خَمْسَ صَلَوَاتٍ" {وسَبْعَ بَقَرَاتٍ}.
والثانيةُ: أَنْ يُجَاوِرَ مَا أُهْمِلَ تَكْسِيْرَهُ، نحوُ: {سُنْبُلَاتٍ} فإنَّهُ فِي التنزيلِ مُجَاورٌ لـ {سَبْعَ بَقَرَاتٍ}.
والثالثةُ: أَنْ يَقِلَّ استعمالُ غَيْرِهِ، نحوُ: "ثلاثُ سَعَادَاتٍ" فيجوزُ لِقِلَّةٍ "سَعَائِدٍ"، ويجوزُ "ثَلاثُ سَعَائِدٍ" أيْضًا، بَلِ المُخْتَارُ فِي هاتينِ الأخيرتينِ التصحيحُ، ويُتَعَيَّنُ فِي الأُوْلَى، لإِهْمَالِ غيرِهِ.
فَإِنْ كَثُرَ استعمالُ غيرِهِ، وَلَمْ يُجَاوِرْ مَا أُهْمِلَ تكسيرُهُ لَمْ يُضَفْ إِلَيْهِ إلا قليلًا، نحوُ: "ثلاثةُ أَحْمَدِيْنَ وثلاثُ زَيْنَبَاتٍ"، والإضافةُ إِلَى الصفةِ مِنْهُ ضعيفةٌ، نحوُ: "ثلاثةُ صَالِحِيْنَ"، فالأَحْسَنُ الإِتْبَاعُ عَلَى النَّعْتِ، ثُمَّ النصبُ عَلَى الحَالِ.
ويضافُ لِبِنَاءِ الكَثْرَةِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ:
إحدَاهُمَا أَنْ يُهْمَلَ بِنَاءُ القِلَّةِ، نحوُ: "ثَلاثُ جَوَارٍ، وأربعةُ رِجَالٍ وخمسةُ دراهمَ".
والثانيةُ: أَنْ يكونَ لَهُ قِلَّةٌ، ولكنَّهُ شذَّ قِيَاسًا أو سَمَاعًا، فيُنَزَّلُ لذلكَ مَنْزِلَةَ المَعْدُومِ فالأوَّلُ نحوُ: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}، فَإِنَّ جَمْعَ "قَرْءٍ" بالفتحِ عَلَى "أَقْرَاءٍ" شاذٌّ، والثانِي نحوُ: ثلاثةُ شُسُوعٍ فَإِنَّ "أَشْسَاعًا" قليلُ الاستعمالِ.
728- و مَائَةً والأَلْفَ للفردِ أَضِفْ = ومَائَةٌ بالجَمْعِ نَزْرًا قَدْ رُدِفْ
(ومَائَةً والأَلْفَ للفردِ أَضِفْ) نحوُ: "عِنْدِي مَائَةُ دِرْهَمٍ، ومائَتَا ثَوْبٍ، وثَلْثمائةِ دِيْنارٍ، وأَلْفُ عَبْدٍ، وأَلْفًا أَمَةٍ، وثلاثَةُ آلافِ فَرَسٍ" (ومَائَةٌ بِالْجَمْعِ نَزْرًا قَدْ رُدِفْ) فِي قراءةِ حَمْزَةَ والكِسَائِيِّ {ثَلْثَمَائَةِ سِنِيْنَ}.
تنبيهٌ: شَذَّ تمييزُ "المَائَةِ" بمفردٍ منصوبٍ كقولِهِ [مِنَ الوَافِرِ]:
1135- إِذَا عَاشَ الفَتَى مَائتينِ عَامًا = فَقَدْ ذَهَبَ اللَّذَاذَةُ والفَتَاءُ
فَلَا يُقَاسُ عليهِ، وأَجَازَ ابْنُ كَيْسَانَ المَائَةَ = دِرْهَمًا والألفَ دِيْنَارًا.

  #5  
قديم 26 ذو الحجة 1429هـ/24-12-2008م, 09:58 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


العَدَدُ
1- العَدَدُ الْمُفْرَدُ:
أ- حُكْمُ العددِ مِنْ واحدٍ إلى عَشَرَةٍ تَذكيراً وتَأنيثاً، وحُكْمُ تمييزِهِ.
ب- حُكْمُ العددِ مِائَةٍ وألْفٍ، وحُكْمُ تَمْييزِهِما.
726- ثَلاثَةً بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعشَرَهْ = فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ
727- في الضِّدِّ جَرِّدْ وَالْمُمَيِّزَ اجْرُرِ = جَمْعاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ
728- وَمِائَةً وَالأَلْفَ لِلْفَرْدِ أَضِفْ = وَمِائَةٌ بِالْجَمْعِ نَزْراً قَدْ رُدِفْ
1- الْمُفْرَدُ: وهوَ العددُ الخالِي مِن التركيبِ والعطْفِ، وهوَ الواحدُ والعَشَرَةُ وما بَيْنَهما، وكَلِمَةُ (بِضْعٍ وبِضْعةٍ)، والمائةُ والألْفُ. ويُسَمِّيهِ بعضُ النُّحاةِ: (العددَ الْمُضافَ)؛ لأنَّهُ يُضافُ إلى تَمييزِهِ - عَدَا الواحِدِ والاثْنَيْنِ - كما سَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ.
2- المُرَكَّبُ: وهوَ ما تَرَكَّبَ تَركيباً مَزْجِيًّا مِنْ عددَيْنِ، وهوَ أَحَدَ عشَرَ وتِسعةَ عَشَرَ، وما بَيْنَهما.
3- العِقْدُ: وهوَ في اصطلاحِ النُّحاةِ يُطْلَقُ على العددِ مِنْ عِشْرِينَ إلى تسعينَ. وبعضُهم يُسَمِّيهِ: (العددَ المُفْرَدَ)؛ لأنَّهُ غيرُ مُضافٍ ولا مُرَكَّبٍ.
4- المَعْطُوفُ: وهوَ العددُ الذي بَيْنَ عِقْدَيْنِ؛ كالأعدادِ المحصورةِ بَيْنَ عشرينَ وثلاثينَ، أوْ بَيْنَ ثلاثينَ وأربعينَ، وهكذا.
وسَأَتَكَلَّمُ بِعَوْنِ اللَّهِ عنْ هذهِ الأقسامِ في ضَوءِ الألفيَّةِ مِنْ خلالِ الْمَبَاحِثِ الآتيَةِ:
1- تذكيرُ العَدَدِ وتَأْنِيثُهُ.
2- حُكْمُ تمييزِهِ.
3- إعرابُ العدَدِ.
فأمَّا القِسْمُ الأوَّلُ، وهوَ العددُ الْمُفْرَدُ، فالعددانِ واحدٌ واثنانِ يُوَافقانِ المعدودَ في التذكيرِ والتأثيثِ، فيُذَكَّرَانِ معَ الْمُذَكَّرِ، ويُؤَنَّثانِ معَ المؤَنَّثِ، نحوُ: في القَريَةِ مَسجدٌ واحدٌ، ومَدرسةٌ واحدةٌ. اشْتَرَيْتُ كِتَابَيْنِ اثْنَيْنِ، وكُرَّاسَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ.
وهذانِ العددانِ يُعْرَبَانِ على حَسَبِ مَوْقِعِهما مِن الْجُملةِ، ولا يُذْكَرُ بعدَهما تَمْيِيزٌ، فلا يُقَالُ: في القَريَةِ واحدُ مَسْجِدٍ، ولا اشْتَرَيْتُ اثْنَيْ كِتَابَيْنِ؛ لأنَّ ذِكْرَ التمييزِ مُبَاشَرَةً (مَسْجِدٍ، كِتَابَيْنِ) يُحَدِّدُ المرادَ، ويُغْنِي عنْ ذِكْرِ العَدَدِ قَبْلَهُ.
والأعدادُ ثلاثةٌ وعشرةٌ وما بينَهما، وكَلِمَةُ (بِضْعٍ وبِضعةٍ) على عَكْسِ العددِ، فَتُذَكَّرُ معَ الْمُؤَنَّثِ، وتُؤَنَّثُ معَ الْمُذَكَّرِ، نحوُ: عِندي سَبْعَةُ رجالٍ، وثلاثُ نِسْوَةٍ، وصافَحْتُ بِضعةَ رجالٍ، ونَصَحْتُ بضْعَ نِساءٍ، قالَ تعالى: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً}.
وقالَ تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ}.
وقالَ تعالى: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}؛ لأنَّ مُفْرَدَ (شَهَادَاتٍ): شَهادةٌ وهوَ مُؤَنَّثٌ، ومُفْرَدَ (شُهَدَاءَ): شاهِدٌ أوْ شهيدٌ، وهوَ مُذَكَّرٌ.
وإذا اجْتَمَعَ لِعَدَدٍ واحدٍ تَمْيِيزَانِ؛ أَحَدُهما مُذَكَّرٌ، والآخَرُ مُؤَنَّثٌ، رُوعِيَ في تذكيرِ العددِ وتأنيثِهِ السابقُ منهما، نحوُ: حَضَرَ سبعةُ رجالٍ ونساءٍ، وأقبَلَ خمسُ نساءٍ ورجالٍ. وهذا يَختلِفُ عن العددِ الْمُرَكَّبِ والعددِ الْمَعطوفِ، وسأَذْكُرُ ما يَتَعَلَّقُ بهما إنْ شاءَ اللَّهُ.
وهذهِ الأعدادُ تُعْرَبُ على حَسَبِ مَوْقِعِها مِن الْجُملةِ، وتَحتاجُ إلى تمييزٍ مجرورٍ بالإضافةِ، ويكونُ في الأَغْلَبِ جَمْعَ تكسيرٍ للقِلَّةِ كما تَقَدَّمَ في الأَمْثِلَةِ.
وقدْ يتَخَلَّفُ كلُّ واحدٍ مِنْ هذهِ الأمورِ الثلاثةِ؛ وهيَ الجمْعُ والتَّكْسِيرُ والقِلَّةُ، فَتُضَافُ هذهِ الأعدادُ إلى الْمُفْرَدِ إذا كانَ التمييزُ هوَ لفْظَ (مِائَةٍ)، نحوُ: في المعْهَدِ ثَلَثُمِائَةِ طَالِبٍ، وأَرْبَعُمِائَةِ مَقْعَدٍ.
وقدْ يتَخَلَّفُ الأمْرُ الثاني فَتُضَافُ هذهِ الأعدادُ إلى جَمْعِ التصحيحِ، وذلكَ إذا لم يَكُنْ للكلمةِ جَمْعُ تكسيرٍ، نحوُ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ، قالَ تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}، فجاءَ بـ(سَمَاوَاتٍ) جَمْعَ تَصْحِيحٍ؛ لأنَّهُ ليسَ للسماءِ جَمْعٌ غيرُهُ. وقالَ تعالى: {ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ}، وليسَ لِعَوْرَةٍ جَمْعُ تكسيرٍ.
وقدْ يكونُ جَمْعُ التكسيرِ وارداً ولكنَّهُ قليلُ الاستعمالِ؛ كقولِهِ تعالى: {فِي تِسْعِ آيَاتٍ}؛ فإنَّ تكسيرَ (آيَةٍ) على (آيِي) واردٌ عن العرَبِ، لكنَّهُ ليسَ كثيراً في استعمالِهم.
وقدْ تُضافُ لِجَمْعِ التصحيحِ؛ لِمُجَاوَرَتِهِ ما أُهْمِلَ تَكْسِيرُهُ، كما في قولِهِ تعالى: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ}، فجاءَ (سُنْبُلاتٍ) جمْعَ تصحيحٍ؛ لأنَّهُ مُجاوِرٌ لـ(سَبْعِ بَقَرَاتٍ) المُهْمَلِ تَكسيرُهُ. وجاءَ (سَنَابِلُ) بصيغةِ جَمْعِ التكسيرِ حينَ لم يُجَاوِرْ جَمْعَ التصحيحِ في قولِهِ تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ}.
وقدْ يتَخَلَّفُ القيدُ الثالثُ، فيَأْتِي تمييزُ الثلاثةِ والعَشَرَةِ وما بينَهما جَمْعَ كَثْرَةٍ لا جَمْعَ قِلَّةٍ، كما في قَوْلِهِ تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}، فأضافَ (ثَلاثَةَ) إلى جَمْعِ الكثرةِ معَ وجودِ جَمْعِ القلَّةِ، وهوَ (أَقْرَاءُ).
وأمَّا العَدَدَانِ (مِائَةٌ وألْفٌ) فَهُمَا على لَفْظِهما، سَوَاءٌ كانَ المعدودُ مُذَكَّراً أمْ مُؤَنَّثاً، ولا بُدَّ لَهُمَا مِنْ تمييزٍ مُفْرَدٍ مَجرورٍ غالباً، نحوُ: قَلَّ مَنْ يَعِيشُ مِائَةَ سَنَةٍ، على فَضْلِ العِلْمِ مِائَةُ بُرهانٍ، قالَ تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}، وقالَ تعالى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ}.
وقدْ يَأْتِي تَمييزُ (المِائَةِ) جَمْعاً مَجروراً، كما في قولِهِ تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً}، فَقَدْ قَرأَ حَمْزَةُ والكِسائيُّ - مِن السَّبْعَةِ - بإضافةِ (مِائَةٍ) إلى (سِنِينَ).
وفي العددِ الْمُفْرَدِ يقولُ ابنُ مالكٍ: (ثلاثةً بالتَّاءِ قُلْ للعَشَرَةِ.. إلخ)؛ أيْ: أَنِّثِ العددَ ثلاثةً وعَشَرَةً وما بينَهما، إذا كُنْتَ تَعُدُّ جَمْعاً (آحَادُهُ)؛ أيْ: مُفْرَدَاتُهُ، (مُذَكَّرَهْ)، فأفادَ أنَّ العِبْرَةَ في التذكيرِ والتأنيثِ بحالِ الْمُفْرَدِ، لا بحالِ الْجَمْعِ.
وقولُهُ: (فِي الضِّدِّ جَرِّدْ)؛ أيْ: إذا كانَ مُفْرَدُ المعدودِ مُؤَنَّثاً فيَجِبُ تذكيرُ العددِ.
ثمَّ بَيَّنَ أنَّ تمييزَ ألفاظِ العددِ مِنْ ثلاثةٍ إلى عَشَرَةٍ جَمْعُ قِلَّةٍ مَجرورٌ بالإضافةِ، وفُهِمَ مِنْ قولِهِ: (في الأَكْثَرِ) أنَّهُ يُمَيَّزُ بجَمْعِ الكثرةِ قَليلاً كما تَقَدَّمَ. ثمَّ قالَ: أَضِفْ مائةً والألْفَ للمُفْرَدِ؛ ليكونَ هذا الْمُفْرَدُ المضافُ إليْهِما هوَ التمييزَ، ثمَّ ذَكَرَ أنَّ (المِائَةَ) قدْ تُضَافُ قليلاً للجمْعِ، وهوَ يشيرُ إلى قِرَاءَةِ حمزةَ والكِسائيِّ كما تَقَدَّمَ. وقولُهُ: (نَزْراً)؛ أيْ: قليلاً جِدًّا، وقولُهُ: (قدْ رُدِفْ)، فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمجهولِ؛ أيْ: تُبِعَ بالجمْعِ؛ أيْ: وَقَعَ بعدَهُ.
وإنَّما قَدَّمَ ابنُ مالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ الكلامَ على (مِائَةٍ) و(أَلْفٍ) على ما دُونَهُمَا مِن العَدَدِ إلى أَحَدَ عَشَرَ؛ لاشتراكِهما معَ ثلاثةٍ وعشَرةٍ وما بينَهما في كَوْنِ تمييزِهما مجروراً بالإضافةِ. وبعدَ ذلكَ رَجَعَ إلى الكلامِ على الأعدادِ حَسَبَ ترتيبِها:

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
1, العدد

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:01 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir