(والضادَ باستطالةٍ ومَخْرَجٍ) بالإشباعِ، والضادُ منصوبٌ، ويَجُوزُ رفعُه، والعاملُ فيه قولُه (مَيِّزْ) أي: مَيِّزْهَا بصفةِ اسْتِطَالِتِها وبإخراجِها من مَخْرَجِها(من الظاءِ) فإنَّ الضادَ مِن حافَةِ اللسانِ , والظاءَ مِن رأسِ اللسانِ (وكُلُّها تجي) بحذفِ الهمزةِ على قاعدةِ حمزةَ، لا كما قالَ الروميُّ إنَّهُ للضرورةِ، وضميرُه راجعٌ إلى الكُلِّ، والتأنيثُ باعتبارِ المعنى وهو الجماعةُ، أو إلى الظاءاتِ،
ثمَّ الاستطالةُ هي: الامتدادُ مِن أَوَّلِ حافَةِ اللسانِ إلى آخرِها كما قالَ الجُعْبُرِيُّ.
وقد انفردَ الضادُ بالاستطالةِ، حتى تتَّصِلَ، بمَخْرَجِ اللامِ؛ لما فيه من قوَّةِ الجهرِ والإطباقِ والاستعلاءِ، وليسَ في الحروفِ ما يَعْسُرُ على اللسانِ مثلُه، وألسنةُ الناسِ فيه مختلفةٌ، فمنهم مَن يُخْرِجُه ظاءً، ومنهم مَن يُخْرِجُهُ دالًا مُهْمَلَةً أو مُعْجَمةً، ومنهم من يخرجُه طاءً مهملةً كالمصريِّين، ومنهم مَن يُشِمُّه ذالًا ومنهم مَن يَشُوبُها بالظاءِ المُعْجَمةِ، لكن لمَّا كانَ تمييزُه عن الظاءِ مُشْكِلًا بالنسبةِ إلى غيرِه أمرَ الناظمُ بتمييزِه عنه نطقًا، ثمَّ بيَّنَ ما جاءَ في القرآنِ بالظاءِ لفظًا، والمعنى أنَّ جميعَ موادِ الظاءاتِ المُشَالَةِ , وهي تسعةٌ وعشرونَ ظاءً مِن الكلماتِ الواردةِ في القرآنِ مجموعةٌ باعتبارِ أصولِها في الأبياتِ الستَّةِ الآتيةِ، وإنَّما ضبطَ الظاءَ لكونِها أقلَّ من الضادِ، فهو أقربُ إلى ضبطِ المرادِ، يتعلَّقُ بتجِىء قولُه (في الظَّعْنِ ظلُّ الظهر) بفتحِ الأَوَّلِ وكسرِ الثاني وضمِّ الثالثِ،
( وعُظْمُ الحفظِ) بضمِّ العينِ (أَيْقَظَ وأَنْظِرْ) بفتحِ الهمزةِ وكسرِ الثالثِ منها (عَظُمَ ظَهرُ اللفظِ) بفتحِ العينِ والظاءِ الأُولَى وحذفِ العاطفةِ غالبًا للضرورةِ، فالظَّعْنُ: منحصرٌ في قولِه تعالى:}يومَ ظعْنِكم{ وهو بفتحِ العينِ لنافعٍ وابنِ كثيرٍ وأبى عمرٍو، ومَعْناه الرحلةُ مِن مكانٍ إلى آخرَ ضدُّ الإقامةِ، وبابُ الظلِّ: جميعُه كيفما تصرَّفَ منهَ، وأَوَّلُ ما جاءَ منه في سورةِ النساءِ }وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاّ ظَلِيلًا{ ووقعَ منه في القرآنِ اثنانِ وعشرونَ موضعًا، والظاهرُ أنَّهُ أربعةٌ وعشرونَ، منها اثنانِ في البقرةِ: وهي قولُه تعالى: }وظَلَّلْنَا عليكمُ الْغَمَامَ { وقولُه: }في ظُلَلٍ مِن الغَمَامِ{ وكانَ ابنُ المصنِّفِ ومَن تبعَه في عدِّ اثنينِ وعشرينَ غَفَلَ عن موضعينِ في البقرةِ، بدليلِ قولِهم: وأَوَّلُها في سورةِ النساءِ }وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاّ ظَلِيلًا{، ومنه الظُّلَّةُ (كأنَّه ظُلَّةٌ) في الأعرافِ و (يومِ الظُّلَّةِ) في الشعراءِ، ومنه قولُه تعالى: }في ظُلَلٍ على الْأَرَائِكِ{ بضمِّ الظاءِ وفتحِ اللامِ , كما قرأَ به حمزةُ والكِسَائِيُّ، ومنه قولُه: } وَظَلَّلْنَا عليهمُ الغَمَامَ{.
وبابُ الظهرِ: وهو وقتُ انتصافِ النهارِ في سورةِ النورِ: } حينَ تَضَعُونَ ثَيَابَكُمْ مِن الظَّهِيرةِ{ وفي سورةِ الرومِ }حينَ تُظْهِرُونَ { أي تدخلونَ في الظهيرةِ، وبابُ العُظْمِ: بمعنى العَظَمَةِ كيفما تصرَّفَ منهَ، وأَوَّلُ ما جاءَ منْه في القرآنِ }وَلَهُمْ عَذَابٌ عظيمٌ{، ووقعَ منه في القرآنِ مائةُ موضعٍ وثلاثةُ مواضعَ، وبابُ الْحِفْظِ: وما تصرَّفَ منه، وأَوَّلُ ما جاءَ منه في البقرةِ }حَافِظُوا على الصلوات{ووقعَ في اثنين وأربعينَ موضعًاَ، وقالَ المصريُّ في أربعٍ وأربعينَ، وأيقظَ: من اليقظةِ ضدُّ النومِ، ليسَ في القرآنِ منه إلا في الكهفِ }وَتَحْسَبُهُمْ أيقاظًا وهمْ رقودٌ{، وبابُ أَنْظِرْ: وهو الإنظارُ، بمعنى التأخيرِ والإمهالِ، وقعَ منه في القرآنِ اثنانِ وعشرونَ موضعًا، أَوَّلُه }لا يُخَفَّفُ عنهم العذابُ ولا هم يُنْظَرُونَ{، كذا ذكرَه ابنُ المصنِّفِ وتبعَه غيرُه، لكنَّه يحتملُ أنْ يكونَ صيغةَ المجهولِ مِن الْإِنْظَارِ، وأنْ يكونَ مِن النظرِ، كما فُسِّرَ بهما، فالمثالُ المُتَّفَقُ عليه }قالَ أَنْظِرْنِي إلى يومِ يُبْعَثُون{ ومِن المُخْتَلِفِ قولُه تعالى: }انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُورِكُمْ{ فقرأَ حمزةُ مِن الْإِنْظَارِ والباقونَ مِن النظرِ، ثمَّ اعلمْ أنَّ مادةَ النظرِ والإنظارِ والانتظارِ مُتَّحِدَةٌ في أصلِ اللغةِ، والاختلافُ إنَّما هو بحسبِ الأبوابِ الواردةِ، وإنَّما غايَرَ المصنِّفُ بينهما للإيضاح، لاسيَّما وهو قد خَفِيَ على بعضِ الشرَّاحِ، وبابُ العَظْمِ: وقعَ في أربعةَ عشرَ موضعًا جمعًا وفردًا، وقالَ المِصْرِيُّ: خمسةَ عشرَ وأَوَّلُه{ وانْظُرْ إلى العِظَامِ{ في البقرةِ،وبابُ الظَّهْرِ: من الآدميِّ كقولِه تعالى }وَرَاءَ ظُهُورِهم{ أوَّلُ ما جاءَ في البقرةِ، ومن غيرِها كقولِه تعالى: }لِتَسْتَوُوا على ظهورِه{ ووقعَ منه في القرآنِ أربعةَ عشرَ موضعًا، وقالَ المصريُّ: ستَّةَ عشرَ، أمَّا قولُ خالدٍ وقعَ في القرآنِ موضعٌ واحدٌ فخطأٌ فاحشٌ، واللفظُ لم يجىءْ منه إلا حرفٌ بقافٍ {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ} (ظاهِرْ) بكسرِ الهاءِ وسكونِ الراءِ ضرورةً أو تنزيلًا للوصلِ منزلةَ الوقفِ، وقد يُكْسَرُ على ارتكابِ زحافِ }لَظَى شُوَاظِ{ بالجرِّ غيرِ مُنَوَّنٍ (كَظْمٍ) بالتنوين مَجْرُورًا (ظَلَمَا) فعلٌ ماضٍ مِن الظلمِ، وَأَلِفُه للإطلاقِ، وفي نسخةٍ (ظُلْمَا) بضمٍّ وسكونٍ، فألفُه مُبْدَلٌ من التنوينِ وقفًا، ونصبُه على الحكايةِ (اغْلُظْ) بضمِّ الهمزةِ واللامِ (ظَلاَّمِ) بفتح الظاءِ وكسرِ الميمِ (ظَفَرٍ) بالتنوينِ مجرورًا (انْتَظِرْ ظَمَا) بالألفِ كوقفِ حمزةَ، لا قَصْرَ للوزنِ كما قيلَ، والمعنى أنَّ كُلَّ ما جاءَ من لفظٍ ظاهرٍ، وهو ضدُّ الباطنِ، وهو ستَّةٌ، ويأتي بمعنى العُلُوِّ وهو ثلاثةٌ: }لِيُظْهِرَه على الدينِ كُلِّه{، وبمعنى النصرِ والعونِ نحوَه }تَظَاهَرُونَ عليهم بالْإِثْمِ والعُدْوَانِ{ فجميعُه بالظاءِ، ونحوُ }وذَرُوا ظاهرَ الإثمِ{ في الأنعامِ، وهو أَوَّلُ ما جاءَ، ونحوُ قولِه تعالى }وإنْ تَظَاهَرَا عليه{، وبمعنى الاطلاعِ أيضًا }أَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ{ }فلا يُظْهِرُ على غَيْبِه أحدًا{ كذا ذكرَه شارحٌ، والظاهرُ أنَّهُما مُتَعَدِّيا ظَهَرَ، فَتَدَبَّرْ، وأغربَ زكريَّا: وبمعنى الظَّفَرِ وقعَ منه في القرآنِ ثلاثةُ مواضعَ قولُه تعالى في (براءةٌ): {كيفَ وإنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكَم} وقولُه في الكهفِ:{إنَّهُمْ إنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ} وقولُه في التحريمِ: {وَأَظْهَرَهُ اللهُ} ا.هـ.
ومِن غرابتِه إدخالُ ما في التحريمِ في سِلْكِ ما تقدَّمَ، والفِرَاقُ أنَّ أَظْهَرَهُ هو بمعنى أَطْلَعَهُ، لا بمعنى أَظْفَرَهُ، ولا بمعنى ظَفَرَ، كما يدلُّ عليه تعديَةُ الأَوَّلَيْنِ بعلى وتعديَةُ الأخيرِ بنفسِه في المفعولِ الأَوَّلِ، فَتَأَمَّلْ، قالَ ابنُ المصنِّفِ: وظاهرٌ مُشْتَرِكٌ بينَ هذا المعنى وبينَ الذي بمعنى الظِّهَارِ الذي هو الحلفُ / ا.هـ.
وتبِعَه الشرَّاحُ، وأقولُ: الظاهرُ أنَّ الظِّهَارَ مِن مادةِ الظَّهْرِ لا مِن مادةِ الظَّاهِر؛ لأنَّ الظِّهَارَ هو أنْ يقولَ الرجلُ لامرأتِه أنتِ عليَّ كظهرِ أُمِّي، وقد جاءَ في موضعٍ مِن الأحزابِ، وموضعينِ من المُجَادَلَةِ، وَمَحلُّ بيانِ اختلافِ قراءتِها الكتبُ المبسوطةُ فيها. ثمَّ اعلمْ أنَّ الظهرَ والبطنَ مادَّتُهُمَا مُتَّحِدَةٌ مَعَ الظاهرِ والباطنِ في الحقيقةِ بحسبِ أصلِ اللغةِ، على احتمالِ أنَّ أيَّهُمَا هو السابقُ منهما، إلا أنَّهُ لما غايَرَ الناظمُ بينهما وجبَ على الشرَّاحِ أن يتبِّعُوهُ فيما بينَهما، وبابُ لَظَى في سورةِ المَعْارجِ {كَلاَّ إنَّها لَظَى} وهو: اسمٌ من أسماءِ جَهَنَّمَ، أو طبقةٌ مِن طبقاتِها، وفي الليلِ {فَأَنْذَرْتُكُمْ نارًا تَلَظَّى} أي تَتَلَهَّبُ وَتَتَوَقَّدُ، فهذا يدلُّ على أنَّ أصلَ هذه المادةِ بمعنى الاشتعالِ، الذي هو من الصفةِ اللازمةِ للنارِ، وأمَّا قولُ ابنِ المصنِّفِ ومَن تبعَه مِن الشرَّاحِ: إنَّ أصلَه اللزومُ والإلحاحُ، يقالُ: أَلَظَّ بكذا إذا لزِمَه وألحَّ به، ومنه قولُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلِظُّوا بياذَا الجلالِ والإكرامِ) أي: أَلْزِمُوا أَنْفُسَكُم وَأَلِحُّوا بكثرةِ الدعاءِ بهما، وسُمِّيَتْ جَهَنَّمُ بها للزومِها العذابَ على مَن يدخلُها، قالَ تعالى: {وما هم بخارجينَ منها} أَجَارَنَا اللهُ وَأبعدَنا عنها / ا.هـ.
فخطأٌ ظاهرٌ، لأنَّ مادَّةَ لَظَى وأَلَظَّ مُخْتَلِفَانِ، إذ الأَوَّلُ مُعْتَلُّ اللامِ والثاني مُضَاعَفٌ بلا كَلاَمٍ، وأمَّا قولُ المصريِّ: إلا أنْ يكونَ من بابِ ما أُبْدِلَ منه أحدُ حرفي في التضعيفِ ياءً نحوُ (يَتَمَطَّى) في قولِ مَن جعلَ أصلَه يَتَمَطَّطُ، فغيرُ مستقيمٍ؛ إذ الصحيحُ في القاموسِ مِن أنَّ اللَّظَى كالفَتَى: النارُ أو لَهَبُها، أو لَظَيْتُ كرضى، والْتَظَّتْ وتَلَظَّتْ لَهِبَتْ، هذا في المَعْتلِّ، وذكرَ في الأجوفِ أنَّ اللَّظَّ اللزومُ والإلحاحُ وأَلَظَّ لازمَ وداومَ / ا.هـ.
فَافْتَرَقَا في المبنى والمعنى، فلا يَصِحُّ وضعُ أَحَدِهما مكانَ الآخرِ، وأمَّا مطَّهُ بمعنى مدَّهُ، وَتَمَطَّطَ تَمَدَّدَ، وكذا أَمْطَى بالقومِ مدَّ بهم في السيرِ، وتَمَطَّى النهارُ وغيرُه امتدَّ وطالَ، كذا في القاموسِ أيضًا، فاتَّحَدَا معنىً , وإن اختلفا مبنىً، فيصحُّ إبدالُ إحدى الطاءينِ ياءً كما في تَقَضَّى بمعنى تَقَضَّضَ، بخلافِ الأَوَّلِ، فَتَأَمَّلْ، وأمَّا شُواظٌ فجاءَ في سورةِ الرحمنِ { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِن نارٍ} وهو لَهَبٌ لا دُخَانَ معَهُ، وقيلَ معَه دُخَانٌ، وقَرَأَ المكيُّ بكسرِ شِينِه، وأمَّا بابُ الكَظْمِ وهو اجتراعُ الغيظِ وابتلاعُ الغضبِ وعدمُ إظهارِه باحتمالِه وتركِ المؤاخذةِ به، فوقعَ منه ستَّةُ ألفاظٍ، أَوَّلُها ما في آلِ عمرانَ {والكَاظِمِينَ الغيظَ} وأمَّا بابُ الظلمِ وهو وضعُ الشيءِ في غيرِ موضعِه والتعدِّي في ملكِ غيرِه أو على نفسِه، فوقعَ منه مائتانِ واثنانِ وثمانونَ موضعًا، أَوَّلُه في البقرةِ {فَتَكُونَا مِن الظَّالِمِينَ} وأمَّا الغِلْظةُ ضدُّ الرِّقَّةِ وما تصرَّفُ منها فثلاثةَ عشَرَ موضعًا، أَوَّلُها ما في آلِ عمرانَ {غَلِيظُ القلبِ} وأمَّا الظُّلْمَةُ وهي ضدُّ النورِ فوقعتْ في مائةِ موضعٍ، كذا ذكَرُه ابنُ المصنِّفُ وتبِعَه زكريَّا، وفي شرحِ الروميِّ والمصريِّ في ستةٍ وعشرينَ موضعًا، وهو الصوابُ، أَوَّلُها في البقرةِ {وَتَرَكَهُمْ في ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ} وأمَّا الظُّفُرُ بضمتين، ويجوزُ إسكانُ الفاءِ لغةً وَقُرِيءَ بها، فليسَ إلا في سورةِ الأنعامِ {كُلُّ ذي ظُفُرٍ} وإلا فقدْ قُرِئَ شاذًّا بالسكونِ، وهو لغةٌ، كما في القاموسِ، قالَ ابنُ المصنِّفِ وأَتْبَاعُه: وسكَّنَ الناظمُ الفاءَ في ظُفُرٍ ضرورةً، يعني لأنَّه وقعَ في القرآنِ بضمِّ الفاءِ، وقالَ الروميُّ أو لم يَقْصِدْ ذِكْرَها في القرآنِ بعينِه بل قصَدَ الإشارةَ إلى ذلكَ ا.هـ.
وبعدَه لا يَخْفَى، وأمَّا بابُ الانتظارِ وهو الارتقابُ للشيءِ فأربعةَ عشرَ موضعًا، أَوَّلُها في الأنعامِ { قُلِ انْتَظِرُوا إنَّا مُنْتَظِرُونَ} وأمَّا الظمأُ وهو العطشُ فثلاثةُ أحرفٍ في آخرِ (براءةٌ) {لا يُصِيبُهُمْ ظمأٌ} وفي (طه) {وأنَّكَ لا تَظْمَأُ} وفي النورِ {يَحْسَبُهُ الظمآنُ ماءً}. (أَظْفَرَ ظَنّا) بالنصبِ حكايةً (كيفَ جاءَ) بالقصرِ ضرورةً، وهو قيدٌ للثاني أو لقولِه (وَعْظٌ) وهو بفتحٍ فسكونٍ وفي أصلِ خالدٍ وَعِظْ بالواوِ العاطفةِ وكسرِ العينِ على أنَّهُ أمرٌ حاضرٌ، وضَبْطُ الروميِّ بفتحتينِ على أنَّهُ فعلٌ ماضٍ سَكَنَ آخرُه ضرورةً، من العظةِ والوعظِ بمعنى التذكيرِ والنصيحةِ (سوى) بكسرِ السينِ ويجوزُ فتحُه مَقْصُورًا أيضًا وفتحُه ممدودًا، وهو استثناءٌ منقطعٌ أي لكن (عِضِينَ) بالضادِ لِمَا سيأتي من بيانِ لامُرَادَ (ظلِّ النحلِ) أي: ظلِّ الكائنِ فيها (زُخْرُفِ) بحذفِ العاطفِ أي وفي زُخْرُفٍ، وفي نسخةٍ بالنصبِ على الحكايةِ أو على نزعِ الخافضِ (سِوَا) بالقصرِ على لغةٍ وقراءةٍ، أي: حالةَ كونِهما في السورتينِ مُسْتَوِيَتَيْنِ، وهو قولُه تعالى: {ظلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} في السورتين، وجعَلُ الروميُّ (زُخْرُفًا) نصبًا على أنَّهُ مفعولُ (سِوَا) بِناءً على أنَّهُ فعلٌ بمعنى ساوى، أي لفظُ (ظلٍّ) الواقعُ في سورةِ النحلِ سِوَا (ظلَّ) الواقعُ في الزخرفِ بمعنى ساواهُ في التلفُّظِ بالظاءِ، ولا يخفى ما فيه من التكَلُّفِ في المبنى والتعسُّفِ في المعنى، والغريبُ أنَّهُ أتَى بهذا المعنى العجيبِ وهو أنَّ (سواءً) في المصراعِ الثاني بمعنى العدلِ، ثمَّ اعْتُرِضَ على ابنِ المصنِّفِ بقولِه: ولا حاجةَ إلى حملِ الثاني على الفتحِ ثمَّ العُذْرِ عن قصرِه بما فعلَه حمزةُ وهشامٌ في حالةِ الوقفِ، أمَّا (أَظْفَرَ) فمِن الظَّفَرِ بفتحتينِ، بمعنى الفوزِ والنصرِ، فليسَ إلا في سورةِ الفتحِ {مِن بعدِ أنْ أَظْفَرَكُم} وأمَّا بابُ (الظَّنِّ) بمعنى ترجيحِ أحدِ الأمرينِ، أو الشكِّ، ومنه قولُه { وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ} وقد يُطْلَقُ علي اليقينِ ومنه قولُه تعالى {فَظَنُّوا أنَّهُم مُوَاقِعُوهَا} وقد يأتي بمعنى التُّهَمَةِ كما في "بِظَنِينٍ" فكيفَ وردَ ماضيًا أو مضارعًا أو وصفًا أو مصدرًا فهو بالظَّاءِ، وأَوَّلُ ما جاءَ منه في البقرةِ {الذين يَظُنُّونَ أنَّهُم مُلاَقُوا ربِّهِمْ} وعبارةُ ابنِ المصنِّفِ مُوهِمَةٌ أنَّهُ بمعنى التُّهَمَةِ، وليسَ كذلكَ، فإنَّه ههنا بمعنى العلمِ واليقينِ لا بمعنى الحسبانِ والتَّخْمين، فإنَّهُ لا ينفعُ في أمرِ الديِن. ثُمَّ اعلمْ أنَّ اصطلاحَ الفقهاءِ أنَّ الظنَّ هو التردُّدُ بينَ أمرينِ، سواءٌ اسْتَوَيَا أورُجِّحَ أحدُهما على الآخرِ، وأمَّا عندَ المُتَكَلِّمِينَ فالشكُّ تجويزُ أمرينِ لا مَزِيَّةَ لأحدِهما على الآخرِ، والظنُّ تَجْوِيزُ أَمْرَيْنِ أحدُهما أرجحُ مِن الآخرِ، والمرجوحُ هو الوهمُ، ووقعَ منه في القرآنِ سبعةٌ وستُّونَ موضعًا، وأمَّا بابُ (الوعظِ) بمعنى التخويفِ من العذابِ والترغيبِ في الثوابِ فكُلُّه باعتبارِ جميعِ ما يتصرَّفُ منه بالظاءِ تسعةُ مواضعَ، كذا قيلَ: والصوابُ خمسةٌ وعشرونَ، وأَوَّلُ ما جاءَ منه في البقرةِ {وَمَوْعَظَةً لِلْمُتَّقِينَ} لكنْ قولُه تعالى في سورةِ الحِجْرِ {الذينَ جَعَلُوا القُرْآنَ عِضِينَ} ليسَ منه، فإنَّهُ بالضادِ بلا خلافٍ، وهو جمعُ عِضَةٍ، على أنَّ أصلَها إمَّا عِضَةٌ ثمَّ حُذِفَت الهاءُ الأصليَّةُ، كما في شِفَاهٍ، بدليلِ أنَّهَا تُجْمَعُ على عِضَاه مثلَ شِفَاه، وإمَّا عِضْوَةٌ، ثمَّ حُذِفَت الواوُ، فعلى الأَوَّلِ معْناها الكذبُ والبهتانُ , وعلى الثاني معْناها التفرُّقُ، أي: فَرَّقُوا فيه القولَ وقالُوا: هو شِعْرٌ وكهانةٌ وسحرٌ، أي: متفرِّقِين فيهَ، فآمَنُوا ببعضِه وكفرُوا بباقِيه، وقالَ شارحٌ: (عِضِينَ) جمعُ عِضَةٍ بمعنى الجزءِ من الشيءِ , ومنه أعضاءُ الإنسانِ، وقالَ زكريَّا بمعنى فرقةٍ. وأمَّا بابُ (ظلَّ) إذا كانَ بمعنى دامَ أو صارَ فجاءَ في تسعةِ مواضعَ، استوعبَها المصنِّفُ، ففي النحلِ {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} ومثلَه في الزخرفِ، قالَ ابنُ المصنِّفِ: وإلى المثليَّةِ أشارَ بقولِه (سواءٌ) وأصلُه سَوَاءٌ بالمدِّ ففعلَ فيه كما فعل حمزةُ وهشامٌ في حالةِ الوقفِ، يعنى مِن حذفِ الهمزةِ وتجويزِ المدِّ والقصرِ، قالَ اليَمَنيُّ: أي سواءٌ في كونِها بالظاءِ , وغيرُهما بالضادِ، كقولِه تعالى {وقالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا} بمعنى غِبْنَا، ومنه {قالُوا ضَلُّوا عَنَّا} و {لا يَضِلُّ رَبِّي ولا يَنْسَى} وكذا الضلالةُ ضدُّ الهِدَايَةِ بالضادِ، وكذا الضلالُ بمعنى الهلاكِ، كقولِه تعالى: {إنَّ المُجْرِمِينَ في ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ} أو بمعنى البطلانِ كقولِه تعالى: {الذينَ ضلَّ سَعْيُهُمْ} و {أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} أو بمعنى التَّحَيُّرِ {وَوَجَدَكَ ضَالاّ} وقالَ خالدٌ: ولكونِهما بمعنىً أشارَ إلى ذلكَ بقولِه: (سواءٌ). أقولُ: الصوابُ أنَّهُ لما كانَ التركيبُ في الجملتينِ مُسْتَوِيًا بحسبِ المبنى والمعنى فقالَ: (سِوَا) والحاصلُ أن سوى الأَوَّلَ مقصورٌ من أصلِه، وسواءٌ الثاني ممدودٌ لكن قُصِرَ لوزنِه، وقالَ الروميُّ وسواءٌ إذا كانَ بمعنى غيرِ كما في آخرِ المصراعِ الأَوَّلِ، أو بمعنى العدلِ كما في آخرِ المصراعِ الثاني يكونُ فيه ثلاثُ لغاتٍ، إنْ ضَمَمْتَ السينَ أو كَسَرْتَ قَصَرْتَ فيهما جميعًا، وإنْ فَتَحْتَ مَدَدْتَ، ولابدَّ أنْ يُحْمَلَ هنا على الضمِّ، أو على الكسرِ فيهما، لِيَتَعَادَلَ الكلمتانِ قلت: الصوابُ أنَّ الأَوَّلَ مكسورةٌ أو مضمومٌ، والثاني مفتوحٌ سواءٌ أُرِيدَ به المصدرُ بمعنى التسويَةِ، أو يُقْصَدُ به الوصفُ، أي مستوٍ، كقولِه تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِم}، أو أُرِيدَ به الفعلُ الماضي، كما اختارَه الروميُّ على ما سبقَ، بل يَتَرَتَّبُ على مُخْتَارِه أنْ يكتبَ (سِوَى) بالياءِ كما لا يخفى على أربابِ الرسومِ بالمبنى , ولا يبعُدُ أنْ يقالَ: المرادُ به سواءٌ أُرِيدَ بظلٍّ في الموضعينِ بمعنى دامَ، أو صارَ، فإنَّهُ بالظاءِ المُشَالَةِ لا محالةَ. وأمَّا قولُ ابنِ المصنِّفِ: (والنحلُ) في البيتِ مخفوضٌ، (وَزُخْرُفًا) منصوبٌ، وكِلاَهما على الحكايةِ، فلعلَّه محمولٌ على ما عندَه من الروايةِ، وإلا فيجوزُ جرُّ (النحلِ) على الإضافةِ، معَ أنَّ وجهَ الحكايةِ يحتاجُ إلى تَكَلُّفٍ في مقامِ الدِّرايةِ، رزقَنَا اللهُ الهدايةَ في البدايةِ والنهايةِ.
(وَظَلَّتْ ظَلْتُمْ وَبِرُومٍ ظَلُّوا = كالحِجْرِ ظَلَّتْ شُعَرَا نَظَلُّ)
بإشباعِ اللامِ وقصرِ همزِ (شُعَرَا)، يعني: الثالثُ مِن (ظَلَّ) بمعنى دامَ، في سورةِ (طه) {إلى إلَهِكَ الذي ظَلْتَ عليه عَاكِفًا} والرابعُ في سورةِ الواقعةِ {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} وَأَصْلُهُمَا ظَلَلْتَ وظَلَلْتُمْ، باللامينِ، فحذفَ الثانيَ منهما تخفيفًا، والخامسُ في الرومِ {لَظَلُّوا مِن بعدِه يَكْفُرُونَ} والسادسُ في الحِجْرِ {فَظَلُّوا فيه يَعْرُجُونَ} وإليه أشارَ بقولِه: كالحِجْرِ , والسابعُ في الشعراءِ {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ} والثامنُ فيها {فَنَظَلُّ لها عَاكِفِينَ} والتاسعُ في الشُّورى {فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ على ظَهْرِهِ} وإليه أشارَ بقولِه: (يَظْلَلْنَ محظورًا معَ المُحْتَظِرِ) بكسرِ الظاءِ (وكنتَ فظًّا وجميعِ النَّظَرِ) يجوزُ في لفظِ (جميعِ) جميعُ أنواعِ الإعرابِ، والجرُّ أظهرُ، فَتَدَبَّرْ، وأمَّا بابُ (الحَظْرِ) بمعنى المنعِ والحَجْرِ فمنه في القرآنِ حرفانِ، أَوَّلُهما في سبحانَ {وما كانَ عطاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا } والثاني في القمرِ {كَهَشِيمِ المُحْتَظِرِ} أي: كالنباتِ اليابسِ المُتَكَسِّرِ، والمُحْتَظِرُ، صاحبُ الحظيرةِ كانوا كهشيمٍ يجمعُه صاحبُ الحظيرةِ، وهي التي تُعْمَلُ للغنمِ مِن أغصانِ شجرٍ وشوكٍ يمنعُها البردُ والريحُ، ويمنعُها من الخروجِ ودخولِ غير عليها وقيلَ المُتَّخِذِ حَظِيرَةً على زَرْعَةٍ يمنعُ الداخلَ، وما عدَاهما من الضادِ؛ لأنَّه من الحُظُورِ ضدُّ الغَيْبةِ، وأمَّا الفَظَاظَةُ وهي الجَفَاءُ والغِلاَظَةُ ففي القرآنِ موضعٌ واحدٌ في آلِ عمرانَ {ولو كُنْتَ فَظًّا} ولم يذكرْهُ ابنُ المصنِّفِ، وليسَ منه قولُه: {لانْفَضُّوا مِن حولِكَ} وقولُه: {انْفَضُّوا إِلَيْهَا} أي: تَفَرَّقُوا، وأمَّا بابُ (النظرِ) بجميعِ أنواعِ تصرُّفِه فستَّةٌ وثمَّانونَ مَوْضِعًا. أَوَّلُها قولُه تعالى في البقرةِ: {وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} لكن اسْتُثْنِيَ منه ثلاثةُ مواضعَ، فلا يُتَوَهَّمُ أنَّهَا منه في بادىءِ النظرِ بقولِه: (إلا بويلٍ هلْ وأُولِى نَاضِرَه) إلا قولَه تعالى: {نَضْرَةَ النعيمِ} في سورةِ ويلٌ للمُطَفِّفِينَ، وقولَه سبحانَه وتعالى: {ولَقَّاهُم نَضْرَةً وَسُرُورًا} في سورةِ هلْ أتى على الإنسانِ، وقولَه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلى ربِّها نَاظِرَةٌ} في سورةِ القيامةِ، فإنَّ هذه الثلاثةَ الضادُ مِن النضارةِ وهي الحُسْنُ والبهجةُ، ونَضُرَ ككَرُمَ وفَرُحَ، ونَضُرَ بمعنى نَعِمَ، والتشديدُ للتعديةِ، أو للتقويةِ، ورُوِيَ بهما حديثُ (نَضَّرَ اللهُ امرءًا سَمِعَ مقالَتي فَوَعَاهَا وَأَدَّاهَا كما سمِعَها) واحْتُرِزْ بالأُولَى عن الثانيَةِ وهو قولُه: {إلى ربِّها نَاظِرَةٌ} فإنَّها بالظاءِ، ثمَّ (النَّظَرُ) بالظاءِ سواءٌ كانَ بمعنى الرؤيةِ نحوُ: {وأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}و {تَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ} وهذا يتعدَّى بإلى، أو بمعنى الفكرِ لكنَّه متعدٍّ بفي، نحوُ قولِه تعالى: {أَوَ لَمْ يَنْظُرُوا في مَلَكُوتِ السَّمَواتِ} فقولُ زكريَّا: وجميعَ النظرِ بمعنى الرؤيةِ ففيه نظرٌ (والغيظُ لا الرعدُ وهودٌ قاصِرَهُ) أي وجميعُ موادِّ (الغيظِ) وهو غضبٌ كما مَن للعَجْزِ، وأصلُه فورانُ حرارةِ القلبِ، فوقعَ منه في القرآنِ أحدَ عشرَ مَوْضِعًا، وأَوَّلُها في آلِ عمرانَ {عَضُّوا عَلَيْكُم الأناملَ مِن الغيظِ} ويُشْبِهُ هذا اللفظَ في المبنى لكنَّه مغايرٌ له في المعنى حرفانِ: أحدُهما في سورةِ هودَ {وَغِيضَ الماءُ} وثانيهما في سورةِ الرعدِ {وما تَغِيضُ الأرحامُ وما تَزْدَادُ} فكِلاَهما بالضادِ؛ لأنَّ معْناهما النُّقْصَانُ، وهوَ لازمٌ ومتعدٍّ، لا من الغيظِ، فأشارَ باستثنائِهما منقطعًا بقولِه (لا الرعدُ وهودُ) أي: ليسَ الواقعُ فيها من هذا البابِ؛ فإنَّ ضادَهما قاصرةٌ، أو حالَ كونِ ضادِهما قاصرةً، لا ظاءً مُشَالَةً، فالمعنى قَصْرُ ألفِ ظائِهما فصارا ضادًا في تلفُّظِهِمَا، وذلكَ لأنَّ الضادَ بخطِّ الكوفيِّ لابدَّ لَها مِن ألفٍ قصيرةٍ، دونَ ألفِ الظاءِ فإنَّها طويلةٌ في الكتابةِ، تفرقةً بينهما في الكلماتِ المُرَكَّبَةِ، وأمَّا بخطِّ غيرِهم على حسبِ العُرْفِ، فالفرقُ بينهما بزيادةِ المركزِ في الضادِ، وتركُها في الظاءِ، كما لايخفى عَلَى مَن يَعْرِفُ تحقيقَ حروفِ الهجاءِ،
وأمَّا ما ذكرَهُ الروميُّ: مِن أنَّ الناظمَ عبَّرَ عن معنى النقصانِ بالقصورِ فقصورٌ عن دَرَجِ المبنى ودَرَكِ المعنى، وأمَّا قولُ زكريَّا: قاصرةٌ عليهما، فإشارةٌ إلى أنَّ القَصْرَ بمعنى الحَصْرِِ، أي: النفيُ مُنْحَصِرٌ فيهما، ومُقْتَصِرٌ عليهما، (والحظِّ لا الحضِّ) بالجرِّ فيهما، ويجوزُ الرفعُ، خصوصًا في ثانيهما (على الطعامِ) أي: وبابُ الحظِّ بمعنى النصيبِ فسبعةُ ألفاظٍ، أَوَّلُها في آلِ عمرانَ {يريدُ اللهُ أنْ لا يجعلَ لهم حظًّا في الآخرةِ} ويُشْبِهُهُ في المبنى ويخالِفُهُ في المعنى ثلاثةُ أحرفٍ لا رابعَ لها، الأَوَّلُ قولُه تعالى: {ولا يحضُّ على طعامِ الْمَسْكِينِ} في الحاقَّةِ، والثاني قولُه تعالى: {ولا تَحَاضُّونَ على طعامِ الْمَسْكِينِ} على وجوهِ قراءتِه الثلاثةِ في سورةِ الفجرِ، والثالثُ {ولا يَحُضُّ على طعامِ الْمَسْكِينِ} في سورةِ الماعونِ، فإنَّها من الحضِّ بمعنى التحريضِ على فعلِ الشيءِ، واللامُ في الطعامِ للجنسِ إذا أُشِيرَ إلى ما في القرآنِ تَلْوِيحًا أو للعوضِ عن المضافِ إليه أي: على طعامِ المسكينِ إذا أُرِيدَ به ذِكْرُ ما في القرآنِ تصريحًا، والأَوَّلُ أظهرُ، فَتَأَمَّلْ وَتَدَبَّرْ ( وفي ضَنِينٍ الخلافُ سامي) بإثباتِ الياءِ كقراءةِ ابنِ كثيرٍ في نحوِ باقي وواقي، ولا يبعُدُ أنْ يكونَ بإشباعِ كسرةِ الميمِ بعدَ حذفِ تنوينِها، أي: وفي قولِه تعالى: {وما هو على الغيبِ بِضَنِينٍ} في سورةِ التكويرِ المكتوبِ في مصحفِ الإمامِ بالضادِ خلافَ القُرَّاءِ، باعتبارِ القِراءةِ مشهورٌ شهرةَ حالِ مرتفعٍ ظاهرٍ في القراآتِ السبعِ المتواترةِ، فقرأَ ابنُ كثيرٍ وأبو عمرٍو والكِسَائِيُّ بالظاءِ، على أنَّهُ فَعِيلٌ بمعنى مَفْعُولٍ، مِن ظننتُ فلانًا اتَّهَمْتُه، وعليه رسمُ ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه وقراءتُه، أي: وما مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُتَّهَمٍ فيما يُوحِيه اللهُ سبحانَه إليه مِن تحريفٍ أو تصحيفٍ أو تغييرٍ بزيادةٍ أو نقصانٍ، وهذا تأكيدٌ لقولِه تعالى: {وما يَنْطِقُ عن الْهَوَى} والباقونَ قَرَءُوا بالضادِ، إلى أنَّهُ فعيلٌ بمعنى فاعلٍ من ضنَّ يَضِنُّ بكسرِ ضادِه وَفَتْحِه: بَخِلَ، وهو رسمُ الإمامِ وسائرِ المصاحفِ العثمانيَّةِ، وعليه رسمُ ما في النظمِ على ما في الأصولِ المُعْتَمَدةِ، وأمَّا قولُ المصريِّ: وفي إيثارِ الناظمِ ذكرَ (ظَنِينٍ) بالظاءِ إيماءٌ إلى اختيارِه الظاءَ على الضادِ في القِراءةِ، وهو اختيارُ المُحَقِّقِ الجُعْبُرِيِّ، على أنَّ نفيَ المُحَقَّقِ أَوْلَى من نفيِ المُقَدَّرِ، فَمَحلُّ بحثٍ ونظرٍ ظاهرٍ؛ إذ الترجيحُ في المعنى لا يُغَيِّرُ رسمَ المبنى، وما مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَخِيلٍ على الناسِ في بيانِ الوحيِ مِن اللهِ سبحانَه وتعالى إليه، وهو تحقيقٌ لقولِه: {يا أيُّها الرسولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إليكَ مِن ربِّكَ} الآيةَ