دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الديات

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #5  
قديم 11 ربيع الثاني 1432هـ/16-03-2011م, 10:56 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

فَصْلٌ
وَفِي كُلِّ حَاسَّةٍ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَهِيَ السَّمْعُ، وَالْبَصَرُ، وَالشَّمُّ، وَالذَّوْقُ وَكَذَا فِي الكَلاَمِ وَالْعَقْلِ، وَمَنْفَعَةُ الْمَشْيِ، وَالأَْكْلِ، وَالنِّكَاحِ، وَعَدَمِ استِمْسَاكِ الْبَوْلِ، أَوِ الْغَائِطِ،.........
هذا الفصل يتكلم فيه المؤلف عن المنافع؛ والمنافع هي الحواس.
قوله: «وفي كل حاسة دية كاملة، وهي السمع والبصر، والشم، والذوق» المؤلف لم يعد من الحواس إلا أربعاً، والمعروف أن الحواس خمس، فأسقط اللمس.
وقوله: «السمع» بمعنى أن يجني عليه حتى يصير لا يسمع، وإن بقيت الأذن، فتجب الدية كاملة، وورد حديث لكنه ضعيف: «في السمع الدية» [(57)]، فإن نقص السمع فحكومة؛ لأنه لا يمكن تقدير السمع.
ولكن لو ادعى المجني عليه زواله، وأنكر الجاني، فإنه يُتَحايل عليه، فيأتيه أحدٌ بغتة، ويطلق عنده أشياء لها صوت مزعج، فإن تحرك، أو التفت فهو يسمع، وإلا فلا.
وقوله: «والبصر» إذا جنى على البصر حتى أذهبه ففيه الدية، وسواء كان ذلك عن طريق العين، أو عن طريق الدماغ، فإن أذهب البصر في عين فعليه دية العين، وإن كان في العينين فعليه دية كاملة، فإن أضعف البصر فحكومة.
وهذا يقال فيه ما قيل في السمع: فإذا ادعى المجني عليه أنه لا يبصر وأنكر الجاني، فيُتحايل عليه، قال بعضهم: نفتح عينه بالشمس فإن أدمعت عينه، أو أغضى فهو يبصر، وإلا فلا.
وقال بعضهم: نستغفله، ثم نحذف شيئاً أمام عينه، فإن أحس فهو دليل على أنه يبصر وإلا فلا، والآن الطب الحديث يمكنه تحديد ذلك فنرجع إليه، ولا حاجة لهذه الأشياء.
وقوله: «والشم» وأصله في الدماغ، وطريقه الأنف، فإذا جنى عليه حتى أذهب شمه، فعليه دية كاملة، وإذا ادعى المجني عليه أنه قد ذهب شمه وأنكر الجاني، فقال العلماء: يُؤتى له بأخبث رائحة وتوضع عنده، فإن اقشعرَّ منها علمنا أنه يشم، وإلا فلا.
وقوله: «والذوق» إذا جنى عليه فأذهب ذوقه ففيه الدية كاملة؛ لأن الذوق نعمة من الله ـ عزّ وجل ـ فالإنسان يتلذذ بالطعام، أو الشراب قبل أن ينتفع به من الناحية الجسمية.
وإذا ادعى المجني عليه أن ذوقه قد ذهب وأنكر الجاني فإنه يُختبر بالأشياء التي لا يمكن أن يصبر عنها لو كان ذوقه باقياً.
فإذا جنى عليه فأذهب حاسة اللمس من يده فصارت لا تحس بالخشن واللين فعليه دية اليد، حتى لو كانت تتحرك، فهناك فرق بين زوال اللمس والشلل، فزوال اللمس في الجلد، والشلل في الأعصاب.
وقال بعض العلماء: إن جنى على عضو فأذهب إحساسه فعليه حكومة؛ لأنه فرق بين الشلل واللمس، اللمس يستطيع أن يحرك يده، ويأخذ ويعطي بها، لكنه ما يحس، والشلل لا يحركها فَقَدْ فَقَدَ منفعتها بالكلية.
وأما إذا جنى عليه فأذهب لمسه من جميع بدنه، وصار جميع بدنه ليس له لمس فعليه الدية كاملة؛ لأنه أفقد البدن نفعاً مستقلاً، بخلاف ما إذا أذهب لمس شيء معين من البدن، فإن فيه حكومة، وهذا ـ والله أعلم ـ هو السر في أن المؤلف لم يذكره، وهو أن فيه هذا الخلاف، وهذا التفصيل.
والأقرب عندي أن يقال: إن أذهب لَمْسَه بالكلية من جميع البدن فعليه الدية كاملة، وإلاّ فعليه حكومة، ولا يصح أن يقاس إذهاب اللمس على الشلل، لأن بينهما فرقاً عظيماً.
قوله: «وكذا في الكلام» الكلام إذا أذهبه بالكلية حتى صار أخرسَ فعليه دية كاملة، وأمّا إن أذهب بعض الحروف ففيه قسطه من الدية، فتقسم على ثمانية وعشرين حرفاً، فإذا أذهب الراء مثلاً فيجب عليه قسطه من الدية، وإن أذهب حرفين فبقسطهما وهكذا، فإن أذهب أربعة عشر حرفاً فنصف الدية.
وأما إذا لم يُذهب الحروف، ولكنه صار يتأتِئُ أو يفأفِئُ، فالواجب حكومة؛ لأن تقدير هذا بالنسبة للدية صعب، ولا يمكن الإحاطة به فعليه حكومة.
قوله: «والعقل» أي: إذا جنى عليه حتى أذهب عقله فعليه دية كاملة، وهذا أشد شيء، فإذا ادعى المجني عليه زوال عقله، وأنكر الجاني فإن المجني عليه يُراقَب.
وأما إذا فقد الذاكرة فالظاهر أن عليه دية كاملة.
فإذا نقص عقله، بأن كان من قبل مِن أذكى الناس، ثم خفَّ ذكاؤه ففيه حكومة.
قوله: «ومنفعة المشي» أي: لو جني عليه حتى أذهب منفعة مشيه، كأن شُلَّت رجلاه فأصبح لا يمشي، وهذا يقع كثيراً كما لو ضرب صلبه مثلاً، وفصل المخ حتى صار لا يتصل بالأسفل فعليه دية كاملة؛ لأنه أذهب منفعة لا نظير لها في الجسم.
قوله: «والأكل» إذا أذهب منفعة الأكل فعليه دية كاملة، وهي ذات شُعَب، فقد يذهب اشتهاؤه الأكل، أو صار يأكل ولكنه لا ينتفع بالأكل، أو صار يأكل ولكنه لا يهضم، فيبقى الطعام في معدته لا ينزل أبداً، ففي هذه الأحوال دية كاملة؛ لأن الأكل ينتفع به في مذاقه، وفي اشتهائه، وفي هضمه، وفي منفعة الجسم به، فإن أفقده أكل بعض المأكولات كمرض السكري مثلاً، فهذا فيه حكومة.
قوله: «والنكاح» أي: جني عليه حتى صار لا يشتهي النساء، أو يشتهي ولكنه لا يستطيع الجماع، كأن يصير عنيناً، أو يجامع ولكن لا ينزل، أو ينزل ولكنه لا يلقح، فإذا أفسد واحدة من هذه الأربع ففيه الدية كاملة.
قوله: «وعدم استمساك البول» فإذا جنى عليه حتى صار لا يستطيع إمساك البول فعليه دية كاملة؛ لأنه أتلف منه منفعة ليس في جسمه منها إلا شيء واحد.
قوله: «أو الغائط» أي: لا يستمسك الغائط، كأن يضربه على صلبه ويرتخي، فلا يستطيع إمساك الغائط، فعليه دية كاملة، وكذلك إذا جنى عليه حتى صار لا يمسك الريح فعليه دية كاملة.

وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّعُورِ الأَرْبَعَةِ الدِّيَةُ، وَهِيَ شَعْرُ الرَّأْسِ، وَاللِّحْيَةِ، وَالْحَاجِبَيْنِ، وَأَهْدَابِ الْعَيْنَيْنِ فَإِنْ عَادَ فَنَبَتَ سَقَطَ مُوجَبُهُ، وَفِي عَيْنِ الأَْعْوَرِ الدِّيَةُ كَامِلَةً،........
قوله: «وفي كل واحد من الشعور الأربعة الدية، وهي شعر الرأس، واللحية، والحاجبين، وأهداب العينين» فقوله: «شعر الرأس» أي: إذا جنى على شخص جناية حتى أذهب شعر رأسه وصار لا ينبت فإن فيه الدية كاملة؛ لأن شعر الرأس لا شك أنه جمال ووقاية، وفي فقده عيب وقذر عند الناس، ففيه ثلاثة أمور: الجمال، والوقاية، وأن فقده عيب وقذر عند الناس، ولهذا في قصة الثلاثة الذين ابتلوا، كان أحدهم أقرع يقذره الناس[(58)].
وقوله: «واللحية» فإذا جنى عليه جناية حتى صارت لحيته لا تنبت فعليه دية كاملة، حتى لو كان هذا المجني عليه ممن اعتاد حلق لحيته، فظاهر كلام المؤلف أنَّ له الدية؛ وذلك لأنه أذهب شيئاً ليس في الإنسان منه إلا واحد، وأيضاً فيها جمال، فإن جمال الرجل باللحية أمر ظاهر.
وقوله: «والحاجبين» وهما العظمان الناتئان فوق العينين، وفي شعرهما الدية كاملة، وفي الواحد نصف الدية، والحاجبان من نعم الله على الإنسان؛ لأنهما يحميان العين من نزول ما يضرها من ناحية الجبهة من عرق أو غيره، وأيضاً يظللانها من أشعة الشمس، ولهما فوائد أكثر من هذا.
وقوله: «وأهداب العينين» ففيها الدية كاملة، وفي الواحد ربع الدية، ولو جنى عليه حتى أذهب شعر شاربه فما الذي عليه؟ عليه حكومة، والعنفقة فيها حكومة؛ لأنها ليست من اللحية، وأما شعر الإبطين فإنه يُنظر، فإذا قال الأطباء: إن وجود هذا الشعر خير وأن إزالته بالنتف فيه مصلحة للبدن، فإن هذا المجني عليه يعطى حكومة، وإن قالوا: هذا إحسان إليه فلا شيء في إزالته، وشعر العانة كالإبط، فيقال فيه ما قيل في شعر الإبط.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن هذه الشعور الأربعة لا تجب فيها الدية، وقالوا: إنه لا منفعة منها إلا الجمال، فهي كاليد الشلاء، والعين القائمة، وعلى هذا ففيها حكومة، كما لو جنى عليه فخدش وجهه حتى ذهب جماله ففيه حكومة، وهذا رواية عن الإمام أحمد، ومذهب الشافعي، ومالك رحمهم الله.
ولكن المشهور من المذهب أنه يجب فيها الدية، بخلاف الشعور الأخرى فإنه يجب فيها حكومة، والظاهر أن المذهب أصح، لا سيما شعر الرأس واللحية.
قوله: «فإن عاد فنبت سقط موجَبه» «موجَبه» بفتح الجيم وهذا متعين؛ لأن موجِب الشيء ما كان سبباً لوجوبه، وموجَب الشيء ما وجب بسببه، فبينهما فرق، ونظير ذلك المقتضي والمقتضى، فمقتضي الشيء ما كان سبباً لوجوده، ومقتضاه ما وجد بسببه.
وقوله: «فإن عاد فنبت سقط موجبه» فإن كان هذا الرجل قد سلَّم الدية، مثل أن يجني عليه حتى ذهب شعر رأسه، وأعطاه الدية، مائة بعير، ثم بعد ذلك نبت، فإن المجني عليه يردّ الدية على الجاني.
فإن مات قبل أن يرجع ثبتت الدية، فإن طالب المجني عليه بالدية، وقال الجاني: انتظر ربما يرجع الشعر، يُرجع إلى أهل الخبرة، فيمهل مدةً يُعلم أن الشعر إن لم يُنبت فيها فليس بنابت.
والحاصل أنَّ عندنا حالات:
أولاً: إذا نبت الشعر ولو بعد مدة يسقط موجَبه، فإن كان المجني عليه قد قبض الدية فإنه يردها.
ثانياً: إذا مات قبل أن ينبت، استقر وجوب الدية.
ثالثاً: إذا طالب الجاني بالإمهال، فإنه يرجع إلى أهل الخبرة، فإن قالوا: إن هذه الجناية لا يمكن أن يرجع معها الشعر أبداً ثبت الموجَب، وإن قالوا: يمكن في خلال ستة أشهر، أُنْظِرَ ستة أشهر، حسب ما يقرِّره أهل الخبرة.
فإن قلع سنه، وقال الجاني: ننتظر ربما يعود، نقول: إن كان سن اللبن، فإنه يعود، وينتظر، وإن كان غيره فإنه لا ينتظر؛ لأن الأصل عدم نباته.

وَإِنْ قَلَعَ الأَْعْوَرُ عَيْنَ الصَّحِيحِ المُمَاثِلَةَ لِعَيْنِهِ الصَّحِيحَةِ عَمْداً فَعَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَلاَ قِصَاصَ. وَفِي قَطْعِ يَدِ الأَْقْطَعِ نِصْفُ الدِّيَةِ كَغَيْرِهِ.
قوله: «وفي عين الأعور الدية كاملة» لماذا جعل دية كاملة وهي عين واحدة؛ قالوا: من أجل إذهاب المنفعة؛ لأن الأعور ينظر بالواحدة نَظَره بالثنتين، وإن كان نظره قاصراً؛ لأن الذي ينظر بالثنتين ينظر من كل الجوانب، والذي ينظر بعين واحدة ينظر من جانب واحد.
فلو أن إنساناً فقع عين أعور حتى فقد بصره فعليه دية كاملة؛ لأنه أفقده منفعة البصر، صحيح أن العين الواحدة ليست فيها إلاَّ نصف الدية، ولكن هذا ليس من أجل أنها عين واحدة، ولكن من أجل أنه أفقده منفعة البصر فوجبت الدية كاملة، وهذا القول هو الصحيح، وإن كان بعض العلماء أخذ بالعموم، وأن في العين الواحدة نصف الدية، وكونه أفقده البصر كله هذا تابع للعين.
مسألة: لو أن رجلاً لا يسمع إلا من جانب واحد فجني عليه حتى ذهب السمع كله، فما الواجب؟
المذهب يقولون: عليه نصف الدية، ولكن عند التأمل تجد أنه لا فرق بين هذه المسألة وبين عين الأعور.
فإن قالوا: الفرق أن الذي يسمع من أذن واحدة إذا كنت تتكلم بجانبه لا يسمعك، ولهذا إذا أراد أن يسمع منك يلوي عنقه، أو يقول: تعال من الجانب الآخر، وهذا بخلاف الأعور.
والجواب: أن نقول: وكذلك الأعور لو يأتي أحد عن يساره، وعينه اليسرى لا تبصر فإنه لا يشعر به، إذاً لا فرق بين المسألتين.
واستدل بعض أهل العلم لذلك بأن من نظر من خَصاص البيت فإنها تفقأ عينه بدون إنذار، وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في الصحيحين أن رجلاً اطلع في حجر في باب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومع رسول الله مِدرىً يحك به رأسه، فلما رآه صلّى الله عليه وسلّم قال: «لو أعلم أنك تنتظرني لطعنت به في عينك»[(59)].
وكذلك قال العلماء: إذا تسمَّعَ فلك أن تطعن أُذُنه، وهذه المسألة خلافية؛ لأن النص إنما ورد في العين، ولكن ما دمنا ألحقنا السمع بالبصر في مسألة الذي ينظر من خصاص البيت، فإننا نقول: إذن نلحق السمع في مسألة الدية بالبصر.
فالقول بأنه إذا أذهب سمعه من جانب واحد يلزمه دية كاملة لا شك أنه هو القياس والعدل، ولا فرق بينه وبين البصر.
قوله: «وإن قلع الأعور عين الصحيح المماثلة لعينه الصحيحة عمداً فعليه دية كاملة ولا قصاص» رجل عنده العين اليمنى سليمة، والعين اليسرى عوراء، فقلع من رجلٍ صحيح العينين عينه اليمنى، فلو قلعنا عين الأعور صار أعمى، مع أن هذا الأعور لما قلع عين الصحيح صار أعور لا أعمى، فلا قصاص على هذا الرجل الأعور، مع أن ظاهر القرآن {{وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ}} [المائدة: 45] القصاص، وإذا تلف بصر هذا الأعور فهو الذي جنى على نفسه وتعمد، فلماذا لم يَتَعمد أن يفقأ عينه اليسرى لأجل أن تبقى عينه؟!
قالوا: نعم، الله ـ عزّ وجل ـ يقول: {{وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ}}، والباء تدل على العوض، وعين هذا قيمتها ليست كقيمة عين الأعور، فعين الأعور أغلى فهو أفضل منه، وزيادة على كونها عيناً فهي محتفظة بالبصر كله، ولهذا لا يمكن أن تتحقق المماثلة حتى يثبت القصاص.
وقال بعضهم: إنه لا قصاص، وعليه نصف الدية، وهؤلاء اعتبروا عين المجني عليه، وقالوا: المجني عليه لم يذهب منه إلاّ نصف البصر فله نصف الدية، فالأقوال إذاً ثلاثة:
الأول: القصاص.
الثاني: لا قصاص، وعليه الدية كاملة.
الثالث: لا قصاص، وعليه نصف الدية اعتباراً بحال المجني عليه، فإنه لم يفت في حقه إلا نصف البصر، فكيف نوجب عليه دية كاملة؟!
وحُجّة المذهب أنه مروي عن عمر، وعثمان رضي الله عنهما[(60)]، ولا يعرف لهما مخالف، ولأننا أسقطنا عنه القصاص لمصلحته وأبقينا له حاسة كاملة، فلزمه ديةٌ كاملة.
مسألة: إذا قلع الصحيح عين الأعور الصحيحة فعليه الدية كاملة، وإن كان عمداً فعليه القصاص، وهل يُلزَم الجاني مع القصاص بأن يدفع نصف الدية؟ المذهب أنه يلزم بذلك؛ لأنه أفقده حاسة كاملة، وهي البصر.
والقول الثاني: أنه لا يلزم بنصف الدية؛ لأنها عين بعين كما قال تعالى، وكون الصحيح تبقى له عين ثانية فهذا ليس من جهة المجني عليه، وهذه المسألة تحتاج إلى تأمل ونظر؛ لأن كلا القولين قوي.
ولو قلع الأعور عين الصحيح التي لا تماثل عينه، فلا يقتص منه؛ لعدم المماثلة.
قوله: «وفي قطع يد الأقطع نصف الدية كغيره» الأقطع الذي ليس له إلاّ يد واحدة، فجاء إنسان وقطع اليد الأخرى فعليه نصف الدية فقط، والفرق بينه وبين العين أنه في العين أذهب البصر كلّه، أما اليد التي بقيت فإنه لا ينتفع بها إلا نصف انتفاع، ولهذا من أمثلة العامة «اليد الواحدة لا تصفق»، فلما كانت نصف المنفعة مفقودة في الأول صار الواجب نصف الدية.
وقوله: «كغيره» أي: كغير الأقطع، فإن غير الأقطع ليس في يده إلاّ نصف الدية.
مسألة: أقطع الرِّجْل، ما الحكم فيمن قطع رِجْله الثانية؟
كلام المؤلف يدل على أنه ليس له إلاّ نصف الدية؛ لأنه لمَّا قطعت رجله الأولى زال عنه نصف المشي، ففُقد من المنفعة نصفها، فليس من له إلاّ رِجْل واحدة كمن له رجلان.
فإن قيل: الأقطع كان يمشي على عصا، أما بعد الجناية فلا يستطيع المشي مطلقاً؟ الجواب: هذا صحيح، لكن الجاني لم يُذهب إلاّ نصف المنفعة فقط، فعليه نصف الدية فقط.




[57] أخرجه البيهقي وضعفه (8/85) من حديث معاذ رضي الله عنه، وانظر: الإرواء (7/321).
[58] أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء باب حديث أبرص وأقرع وأعمى في بني إسرائيل (3464)، ومسلم في الزهد باب الدنيا سجن للمؤمن وجنة للكافر (2964) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[59] أخرجه البخاري في الديات باب من اطلع في بيت قوم ففقأوا عينه فلا دية (6901)، ومسلم في الآداب باب تحريم النظر في بيت غيره (2157) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ واللفظ للبخاري.
[60] أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (9/333)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/94).

 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
في, فصل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:27 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir