الأقوال في مَعْنى الرِّبِّيِّينَ خَمْسَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّهُمُ الأُلُوفُ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عَبّاسٍ و الضحاك، واخْتارَهُ الفَرّاءُ.
والثّانِي الجَماعاتُ الكَثِيرَةُ، قاله ابْنِ عَبّاسٍ، و مُجاهِدٌ، وعِكْرِمَةُ، والضَّحّاكُ، وقَتادَةُ، والسُّدِّيُّ، والرَّبِيعُ.
والثّالِثُ: أنَّهُمُ الفُقَهاءُ والعُلَماءُ، رَواهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ الحَسَنُ.
والرّابِعُ: أنَّهُمُ الأتْباعُ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ.
والخامِسُ: أنَّهُمُ المُتَألِّهُونَ العارِفُونَ بِاللَّهِ تَعالى، قالَهُ الأخفش و ابْنُ فارِس كما ذكر ابن الجوزي و ابن تيمية، ونسبه ابن جرير لبعض نحوي البصرة.
•
تخريج الأقوال مع ما تيسر مما قيل فيهم من الصنعة الحديثية:
ا
لقول الأول: أنَّهُمُ الأُلُوفُ جمع ألف، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، ، ابْنُ عَبّاسٍ ، و الضحاك، عطاء الخرساني، واخْتارَهُ الفَرّاءُ.
O
قول ابن مسعود:
o رواه ابن عيينة ( كما ذكر عبد الرزاق في تفسيره
[عبد الرزاق تلميذ سفيان بن عيينة فيُحمل روايته عنه على السماع] )، و الثوري، و ابن حميد، و ابن جرير، و ابن أبي حاتم، و ابن المنذر في تفاسيرهم، و الطبراني في المعجم الكبير، من طريق عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عنه به.
O و رواه الفريابي عنه في تفسيره كما ذكر السيوطي في الدر المنثور
o قال الهَيْثَميُّ في مجمع الزوائد؛ رواه الطّبرانيّ، وفيه عاصم ابن بهدلة وثّقه النّسائيّ وغيره، وضعّفه جماعةٌ.
[وعاصم بن بهدلة هو نفسه عاصم بن أبي النجود]
قول ابن عباس: حكاه ابن عطية و أبي حيان
قول الضحاك:
رواه سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ في سننه، و ابن المنذر في تفسيره من طريق سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا أبو إسحاق، عن الضّحّاك بن مزاحم - في قوله عزّ وجلّ: {قاتل معه ربّيّون كثيرٌ} -، قال: الرّبة الواحدة ألف).
O قال المحقق لسنن سعيد بن منصور( د سعد بن عبد الله بن عبد العزيز آل حميد): سنده ضعيف، وآفته أبو إسحاق الذي يرويه عن الضحاك.
O
قول عطاء الخرساني:
o رواه الترمذي
[إذا أطلقتِ قول (الترمذي) انصرف الذهن إلى أبي عيسى الترمذي صاحب السنن وهو غير أبي جعفر محمد بن أحمد بن نصر الرملي الترمذي الذي روى هذه الأجزاء التفسيرية، وعند التخريج ننسب الرواية لصاحب الجزء؛ فتقولين: قاله عطاء الخراساني في تفسيره، لأنه من قول عطاء، ثم يمكنكِ التوضيح ولو في الحاشية أنك اعتمدت على نسخة تفسير عطاء التي من رواية محمد بن أحمد بن نصر الرملي]
في كتابه جزء فيه تفسير القرآن برواية أبي جعفر الترمذي، وابن المنذر في تفسيره، من طريق يوسف بْن عدي، قَالَ: حَدَّثَنَا رشدين، عَنْ يونس بْن يزيد، عَنْ عطاء الخرساني، قَالَ " الربوة عشر آلاف فِي العدد "
و هذه الروايات تعضد بعضها بعضًا، وتجبر الضعف للضعيف منها.
القول الثّانِي الجَماعاتُ الكَثِيرَةُ، قاله ابْنِ عَبّاسٍ، و مُجاهِدٌ، وعِكْرِمَةُ، والضَّحّاكُ، وقَتادَةُ، والسُّدِّيُّ، والرَّبِيعُ، واخْتارَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، والمثني و البخاري و ابن جرير و ابن تيمية و غيرهم.
O
قول ابن عباس:
o رواه ابن جرير و ابن أبي حاتم و ابن المنذر( في تفاسيرهم)، من طريق عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: (قتل معه ربّيّون كثيرٌ) قال: جموعٌ.
- علي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس باتفاق العلماء، والأقرب أنه لم يدركه أيضاً؛ فإنّ وفاة ابن عباس رضي الله عنهما كانت سنة 68هـ،ولم يتلقّ هذه الصحيفة بالدراسة كما تلقّى مجاهد التفسير عن ابن عباس، وإنما هي صحيفة فيها تفسير منسوب إلى ابن عباس؛ فمنه ما يصحّ عنه، ومنه ما لا يصحّ لمخالفته لما ثبت عن ابن عباس بالأسانيد الصحيحة( جمهرة العلوم).
O وأخرجه ابن الأنباري في إيضاح الوقف والابتداء، و الطستي في مسائله ( كما ذكر السيوطي في الدر المنثور) عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله {ربيون} قال: جموع قال: وهل يعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت قول حسان:
وإذا معشر تجافوا القصد أملنا عليهم ريبا.
O و مسائل نافع عن ابن عباس في إسنادها محمد بن زياد و مما قيل فيه:
*في الجرح و التعديل لابن أبي حاتم؛ قال عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل فيما كتب إلي قال: سألت أبي عن محمد بن زياد الميموني قال: كان أعور كذابا خبيثا يضع الأحاديث .
و في تهذيب الكمال للمزي ،قال أبو زرعة: كان يكذب .
- و رواه ابن جرير من طريق آخر فيه مجهول بلفظ فيه زيادة كثيرة:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا عوفٌ، عمّن حدّثه عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ربّيّون كثيرٌ} قال: جموعٌ كثيرةٌ
- و رواه ابن جرير بإسناد ضعيف إلى ابن عباس:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ: (وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ) الرّبّيّون: الجموع الكثيرة.
- قال أحمد شاكر في تعليقه على تفسير الطبري: أن هذا إسناد مسلسل بالضعفاء من أسرة واحدة، إن صح هذا التعبير! وهو معروف عند العلماء بـ "تفسير العوفي"، لأن التابعي -في أعلاه- الذي يرويه عن ابن عباس، هو"عطية العوفي"
ثم نقل قال السيوطي في الإتقان 2: 224: " وَطَرِيقُ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَ مِنْهَا ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ كَثِيرًا وَالْعَوْفِيُّ ضعيف لبس بِوَاهٍ وَرُبَّمَا حَسَّنَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ "
و أتبع أحمد شاكر بعد هذا بتفصيل سبب الضعف.
- حكاه عن ابن عباس رضي الله عنهما سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ في سننه
o
قول عكرمة
- رواه سعيد الخرساني في سننه و ابن جرير، و أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ في المكتفي ،من طريق سفيان، عن عمرٍو، عن عكرمة، قال: الجموع الكثيرة.
O قال د سعد بن عبد الله بن عبد العزيز آل حميد في تحقيقه لسنن سعيد بن منصور :سنده صحيح.
O
قول مجاهد:
o رواه مسلم بن خالد الزنجي، عبد بن حميد، و ابن جرير و ابن المنذر من طريق ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: (قتل معه ربّيّون كثيرٌ) قال: جموعٌ كثيرةٌ.
قول عطاء الخرساني:
o رواه الرملي، قالَ ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول اللّه عزّ وجلّ: {ربّيّون كثيرٌ} قال: جموعٌ كثيرةٌ.
( تفسير عطاء الخرساني)
o
قول الحسن:
o رواه ابن جرير، قال : حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أبي رجاءٍ، عن الحسن، في قوله: وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ قال: الجموع الكثيرة
o
قول قتادة:
o رواه ابن جرير، قال: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: (وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ) يقول: جموعٌ كثيرةٌ.
- يزيد بن زريع قال ابن حجر في تقريب التهذيب: ثقة ثبت
- سعيد بن أبي عروبة؛ قال ابن حجر: ثقة حافظ، له تصانيف ؛ لكنه كثير التدليس واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة .تقريب التهذيب (1/ 384)]
. وسعيد اختلط، لكن يزيد سماعه منه قديم.
O
قول الربيع:
o رواه ابن جرير، قال: حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: (قتل معه ربّيّون كثيرٌ) يقول: جموعٌ كثيرةٌ.
-
قول الضحاك:
-رواه ابن جرير بإسنادين مختلفين إليه،
قال: حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك في قوله: (وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ) يقول: جموعٌ كثيرةٌ قتل نبيّهم.
و قال: حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضّحّاك يقول في قوله: (قتل معه ربّيّون كثيرٌ) يعني الجموع الكثيرة قتل نبيّهم.
O
قول السدي:
o رواه ابن جرير، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {قاتل معه ربّيّون كثيرٌ} يقول: جموعٌ كثيرةٌ.
قول ابن اسحق:
- رواه ابن جرير، قال: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قوله: (وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ) قال: وكأيّن من نبيٍّ أصابه القتل، ومعه جماعاتٌ.
و حكاه ابن المنذر عن عكرمة، والضحاك، وقتادة وعطاء الخرساني.
O و رواه عبد بن حميد في تفسيره عن مجاهد وعكرمة و قتادة و عن عطية جموع دون كثيرة
ا
لقول الثّالِثُ: أنَّهُمُ الفُقَهاءُ والعُلَماءُ، قاله ابْنِ عَبّاسٍ، و الحَسَنُ، واخْتارَهُ اليَزِيدِيُّ.
o
قول ابن عباس:
- رواه ابن جرير، قال: حدّثني به سليمان بن عبد الجبّار، قال: حدّثنا محمّد بن الصّلت، قال: حدّثنا أبو كدينة، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: (وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ) قال: علماء كثيرٌ.
O رجاله ثقات، و سليمان بن عبد الجبار فيه من قال أنه ثقة كالذهبي ،و من قال أنه صدوق كابن حجر.
قول الحسن:
- رواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ ، وابن جرير و ابن أبي حاتم، من طريق معمر عن الحسن في قوله تعالى معه ربيون كثير قال علماء كثير، و رواه عنه ابن جرير.
- وأخرجه عنه به عبد بن حميد كما قال السيوطي في الدر المنثور.
- و رواه سعيد بن منصور، وابن جرير و ابن المنذر بلفظ فقهاء علماء، من طريق هشيمٌ، قال: أخبرنا عوفٌ، عن الحسن، في قوله: (وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ) قال: فقهاء علماء.
قال د سعد بن عبد الله بن عبد العزيز آل حميد في تحقيقه لسنن سعيد بن منصور ؛ سنده صحيح إلى الحسن البصري، وأما إلى ابن عباس فضعيف للانقطاع بين عوف وابن عباس
- و رواه ابن جرير من طريق آخر بزيادة صبروا؛ حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن جعفر بن حبّانٍ، والمبارك، عن الحسن، في قوله: {وكأيّن من نبيٍّ قاتل معه ربّيّون كثيرٌ} قال جعفرٌ: علماء صبروا.
- رواه ابن أبي حاتم و ابن المنذر من طريق أبي الأشهب، عن الحسن في هذه الآية: وكأيّن من نبيٍّ قاتل معه ربّيّون كثيرٌ قال: علماء صبرٌ
القول الرّابِعُ: أنَّهُمُ الأتْباعُ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ.
- رواه ابن جرير، قال :حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: (وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ) قال: الرّبّيّون: الأتباع، والرّبّانيّون: الولاة، والرّبّيّون: الرّعيّة، وبهذا عاتبهم اللّه حين انهزموا عنه، حين صاح الشّيطان إنّ محمّدًا قد قتل، قال: كانت الهزيمة عند صياحه في سببةٍ صاح: أيّها النّاس إنّ محمّدًا رسول اللّه قد قتل، فارجعوا إلى عشائركم يؤمّنوكم).
- ذكر ابن حجر قول ابن عدي عن ابن وهب : ولا أعلم له حديثا منكرا إذا حدث عنه ثقة من الثقات [تهذيب التهذيب (2/ 453)]
القول الخامِسُ: أنَّهُمُ الذين يعبدون الرب، المُتَألِّهُونَ العارِفُونَ بِاللَّهِ تَعالى، قاله الأخفش و نسبه ابن الجوزي في زاد المسير إلى ابْنُ فارِس , و نسبه ابن جرير إلى بعض نحويّي البصرة: هم الّذين يعبدون الرّبّ، واحدهم ربّيّ.
- و رواه ابن أبي حاتم بلفظ آخر يصفهم فيه، قال:- حدّثني أبي، ثنا أبو عمر الحوضيّ، ثنا مباركٌ، عن الحسن وكأيّن من نبيٍّ قاتل معه ربّيّون كثيرٌ قال: أبرارٌ أتقياء صبرٌ.
•
توجيه الأقوال:
لتوجيه الأقوال لا بد أن نبين الاشتقاق اللغوي لكلمة ( ربيون) و القراءات التي ذكرت فيها ، و أقوال العلماء فيها.
O
أولًا: الأصل اللغوي لربيين:
أختلف فيه على أقوال:
1- جمع مفرده ربّي، معناه الجماعة الكثيرة، قاله أبو عبيدة المثني في مجاز القرآن، و مكي القيسي في تفسير مشكل القرآن، ابن جرير في تفسيره، و البخاري في صحيحه و نسبه أبوحيان و ابن عطية إلى يونس بن حبيب.
أصله من الرِبَة وهي الجماعة، كما قال ابن قتيبة الدينوري في تفسير غريب القرآن، و النحاس في معاني القرآن، و ابن سيده في المخصص،و مكي، و قال مكي: كأنه نُسب إلى الرِبَة ثم جمع .
و قَالَ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ في تفسير غريب القرآن: ثم يجمع ربّي بالواو والنون، فيقال: ربّيون.
و عبر النحاس عن هذا الرأي أنه معروف، و قال: ويقال للخرقة التي يجمع فيها القدح ربة وربة والرباب قبائل تجمعت.
نقل ابن دريد في كتاب جمهرة اللغة إقرار الأصمعي لأبي حاتم لمعنى الرِبة الجماعة، فقال: قلت للأصمعي: الرِّبّة: الْجَمَاعَة من النَّاس فَلم يقل فِيهِ شَيْئا، وأوهمني أَنه تَركه لِأَن فِي الْقُرْآن رِبِّيّونَ، أَي جَماعيّون، منسوبة إِلَى الرِّبّة والرُّبّة والرَّبّة.
و قال ابن سيده المرسي في المخصص: سِيبَوَيْهٍ، الرُّبَّة - الفِرْقة من النَّاس وَجمعه رِبَاب وَكَذَلِكَ نُسِب إِلَيْهِ فَقيل رُبِيُّ.
و قد ذكر أبو حيان و ابن عطية أن قطرب خص قول يونس بن حبيب بجماعة العلماء.
2- نسبة إلى الرُّبَّة، والربة: عشرة آلاف في العدد، قاله الرملي في جزء تفسير عطاء الخراساني، وابن الأنباري في كتاب الزاهر في معاني كلمات الناس، و يؤيد ذلك قراءة الضم.
و نسب النحاس إلى أبان بن تغلب قوله: الربي عشرة آلاف.
و نسب ابن عطية إلى بعض المفسرين قولهم :هم عشرة آلاف فصاعدا، و قال :أخذ ذلك من بناء الجمع الكثير في قولهما: هم الألوف.
و في المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم (مؤصَّل ببيان العلاقات بين ألفاظ القرآن الكريم بأصواتها وبين معانيها) قال د. محمد حسن حسن جبل: "الرِبَّة: الفِرقة من الناس عشرة آلاف أو نحوها.
3- نسبة إلى الرب؛ مفردها رِبي، عابد الرب كما عبر عنه أبو حيان في البحر المحيط، و نسبه ابن جرير لبعض نحوي البصرة، اختاره الأخفش واليزيدي في غريب القرآن و تفسيره، و أرجع إليها النحاس و ابن عطية قول من قال أن ربّيّون معناه علماء، و قال مكي القيسي في تفسيره: والربيون" الذين يعبدون الرب نسبوا إليه لعبادتهم إياه وإقرارهم له، واحدهم ربي منسوب إلى الرب ولكن كسرت الراء اتباعاً للكسرة التي بعدها كما قالوا: نسي وعصي فكسروا الأول للاتباع.
ذكر ابن عطية مظنة هذا التفسير: إما لأنهم مطيعون له، أو من حيث هم علماء بما شرع، و ويقوي هذا القول في قراءة من قرأ «ربيون» بفتح الراء وأما في ضم الراء وكسرها فيجيء على تغيير النسب، كما قالوا في النسبة إلى الحرم: حرمي بكسر الحاء، وإلى البصرة، بصري بكسر الباء، وقال : في هذا نظر.
و يعود لهذه النسبة قول من قال أن المعنى: الأتباع، و فسر ذلك ابن عطية، فقال من حيث هم مربوبون.
نقل فخر الدين الرازي في تفسيره طَعَنَ ثَعْلَبٌ في هذا القول، وقالَ: كانَ يَجِبُ أنْ يُقالَ: رَبِّيٌّ لِيَكُونَ مَنسُوبًا إلى الرَّبِّ، وأجابَ مَن نَصَرَ الأخْفَشَ وقالَ: العَرَبُ إذا نَسَبَتْ شَيْئًا إلى شَيْءٍ غَيَّرَتْ حَرَكَتَهُ، كَما يُقالُ: بِصْرِيٌّ في النَّسَبِ إلى البَصْرَةِ، ودُهْرِيٌّ في النِّسْبَةِ إلى الدَّهْرِ.
و ممن رده ابن تيمية في جامع المسائل، (سنذكر تفصيل ما ذكره لاحقَا)، و نسب رد هذا القول العيني في عمدة القارئ إلى بعضهم، و عقب على ذلك أنه لا وجه له لأن الكسرة من تغييرات النّسبة كما تقرر عنده.
4- : اشتقاق ربي من ربا الشيء يربو إذا كثر، فسمي بذلك الكثير العلم، نسبه
أبي حيان و ابن عطية إلى النقاش، و عقب عليه ابن عطية بقوله: وهذا ضعيف، و خطأه
أبي حيان و السبب عنده؛ ِاخْتِلافِ المادَّتَيْنِ؛ لِأنَّ رِبا أُصُولُهُ راءٌ وباءٌ وواوٌ، وأُصُولُ هَذا راءٌ وباءٌ وباءٌ.
القراءات:
قرئ:
1- بكسر الراء، وهى قراءة الجمهور.
2- بضم الراء، وهو من تفسير النسب، وهى قراءة على، وابن مسعود، وابن عباس، وعكرمة، والحسن، وأبى رجاء، وعمرو بن عبيد، وعطاء بن السائب.
3- بفتح الراء، وهى قراءة ابن عباس، وهى لغة تميم.
( لقراءات — الموسوعة القرآنية — إبراهيم الأبياري)
و نقل ابن عطية في تفسيره قول ابن جني: الفتح في الراء لغة تميم وكلها لغات.
ذكر ابن حجر في فتح الباري و العيني و القسطلاني أنه قيل في قراءة الضم و الكسر ترجع لتغيير النسبة، و هو ما اختاره أبو حيان.
و ابن حجر يرى أنه لا تغيير إذا كانت النسبة للربة و هي الجماعة، و قد ذكر القسطلاني في إرشاد الساري أن فيها لغتان الكسر والضم، و هو ما اختاره ابن تيمية.
الدراسة:
بمراجعة كلام العلماء نجد أن منهم من جمع بين أكثر من قول لبيان معنى ربيين، و من ذلك:
- روى ابن أبي حاتم في تفسيره قولا يجمع بين القول أنه الجماعة الكثيرة و لقول أنها الآلاف: قال أخبرنا العبّاس بن الوليد قراءةً، أخبرني محمّد بن شعيب بن شابور أخبرني عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه: وأمّا ربّيّون كثيرٌ، فالرّبوّة عشرة آلافٍ في العدد، والرّبّيّون الجموع الكثيرة.
[لا فرق كبير في المعنى بين هذين القولين فالآلاف من الناس جموع كثيرة]
- اختار الزجاج جماعات كثيرة، و ذكر الزجاج قول من قال أنه عشرة آلاف و من قال اَلْعُلَماءُ الأتْقِياءُ، الصُّبُرُ عَلى ما يُصِيبُهم في اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ -، و عقب على ذلك بقوله: كِلا القَوْلَيْنِ حَسَنٌ جَمِيلٌ
- اختار الزمخشري في الكشاف : أن الرِبِّيُّونَ هم الرَبّانِيُّونَ، والرَبّانِيُّ عنده مَنسُوبٌ إلى الرَبِّ بِزِيادَةِ الألِفِ والنُونِ، وهو شَدِيدُ التَمَسُّكِ بِدِينِ اللهِ وطاعَتِهِ، و كذا قال النسفي 710 في تفسيره.
- و جعل البيضاوي في أنوار التنزيل: القول يدور بين أنهم علماء أتقياء، أو عابدون لربهم، و الربانيين عنده ذكره في تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبّانِيِّينَ﴾ ولَكِنْ يَقُولُ كُونُوا رَبّانِيِّينَ، والرَّبّانِيُّ مَنسُوبٌ إلى الرَّبِّ بِزِيادَةِ الألِفِ والنُّونِ كاللِّحْيانِي والرُّقْبانِيِّ، وهو الكامِلُ في العِلْمِ والعَمَلِ.
- قال الشيخ السعدي: جماعات كثيرون من أتباعهم، الذين قد ربتهم الأنبياء بالإيمان والأعمال الصالحة، فأصابهم قتل وجراح وغير ذلك.
- قال ابن عاشور في التحرير والتنوير قولًا جمع بين القول بالأتباع وبين المتألهين و المتعبدين و العالمين، فقال: والرِّبِّيُّونَ جَمْعُ رِبِّيٍّ وهو المُتَّبِعُ لِشَرِيعَةِ الرَّبِّ مِثْلُ الرَّبّانِيِّ، والمُرادُ بِهِمْ هُنا أتْباعُ الرُّسُلِ وتَلامِذَةُ الأنْبِياءِ.
ومَحَلُّ العِبْرَةِ هو ثَباتُ الرَّبّانِيِّينَ عَلى الدِّينِ مَعَ مَوْتِ أنْبِيائِهِمْ ودُعاتِهِمْ.
و قد اختار ابن تيمية (728) أنها الجماعة الكثيرة ورد قول من قال أنهم الربانين نسبة إلى الرب، و فصل في ذلك، و هم العلماء -مستندًا إلى الدلالات العقلية، والسياق، والنظائر، ولغة العرب- فقال وجوهًا :
أحدها: أن الربانيين غيرُ الأحبار، وهم الذين يُرَبُّون الناس، وهم أئمتهم الذين يقتدون بهم في دينهم. ومعلوم أن هؤلاء لا يكونون إلا قليلًا، فكيف يقال: هم كثير؟.
والثاني: أن الأمر بالجهاد والصبر لا يختصُّ بهؤلاء، والصحابة لم يكونوا كلهم ربانيين، فيقولون: أولئك أُعطُوا علمًا منعهم [من] الخوف.
الثالث: أن استعمال لفظ "الربِّي" في هذا ليس معروفًا في اللغة، بل المعروف الأول.
والذين قالوا ذلك قالوا: هو نسبة إلى الربّ بلا نون، والقراءة المشهورة: "رِبِّيّ" بالكسر، وما قالوه إنما يتوجَّه على قراءة من قرأ "ربيُّون" بالفتح، وقد قُرِئَ "رُبّيُّون" بالضم. فعُلِمَ أنها لغات.
الرابع: أن الله تعالى يأمر بالصبر والثبات كلَّ من يأمره بالجهاد، سواء كان من الربانيين أو لم يكن.
الخامس: أنه لا مناسبة في تخصيص هؤلاء بالذكر، وإنما المناسب ذكرهم في مثل قوله: (لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ) (١)، وفي مثل قوله: (وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ) (٢)، وهناك ذكرهم بلفظ الربانيين.
السادس: أن "الرباني" قيل: منسوب إلى الربّ بزيادة الألف والنون، كالرقباني واللحياني، وقيل: إنه منسوب إلى ربَّان السفينة. وهذا أصحّ، فإن الأصل عدم الزيادة في ال تربية الناس وكونهم يُرَبُّونهم، وهذه النسبة تختص بهم. وأما نسبتهم إلى الربّ فلا اختصاص لهم بذلك، بل كلُّ عبدٍ فهو منسوبٌ إليه. ولم يُسمِّ الله تعالى أولياءه المتقين ربانيين، ولا سَمَّى أنبياءه والرسلَ ربانيين، فإن الربَّانيِ من يَرُبُّ الناسَ كما يَرُبُّ الرَّبَّانُ السفينةَ. ولهذا كان الربانيون يُذمُّون تارةً ويُمدَحون أخرى، ولو كانوا منسوبين إلى الربّ بأنهم عرفوه وعبدوه لم يكونوا مذمومين قطُّ، وهذا هو الوجه السابع:
أن نسبتهم إلى الرب إن جُعِلَتْ مدحًا فقد ذمَّ الله الربانيين في موضعٍ آخر، وإن لم تُجعَل مدحًا لم يكن لهؤلاء خاصَّةٌ يمتازون بها من جهة المدح. وإذا كان الربَّاني منسوبًا إلى ربَّان السفينة لا إلى الربّ بَطَلَ قولُ من يجعل الربَّانيَّ منسوبًا إلى الربّ، فنسبة "الربيون" إلى الرب أولى بالبطلان.
الثامن: أنه إذا قُدِّر أنهم منسوبون إلى الرب فهذه النسبة لا تدلُّ على أنهم علماء، نعم تدلُّ على إيمان وعبادة وتألُّهٍ، قاله ابن فارس. وهذا يَعُمُّ جميع المؤمنين، فكلُّ من عبدَ الله وحدَه لا يُشرِك به شيئًا فهو متألِّهٌ عارفٌ بالله.
والصحابة كلُّهم كانوا يعبدون الله وحدَه لا يُشركون به شيئا، وكانوا متألهين عارفين بالله، ولم يُسَمَّوا "ربيون" ولا "ربَّانيون".
خلاصة الأمر:
نستطيع أن نخلص مما سبق والله أعلم أن معنى ربيين يدور بين معنين:
أحدهما: الجماعة الكثيرة التي عددها عشرة آلاف فما فوق لجمع الكثرة، و الذي يعود للأصل اللغوي ربة بالكسر و الضم و الفتح، و تكون القراءات هنا لغات.
والمعنى الثاني: الأتباع؛ ويكون كل ما ذكر هو وصفًا لهم وبيان لمن هم؟ فهم العارفون بالله العابدون له، الثابتون مع أنبيائهم، والذي يؤيده من أرجع القراءات المختلفة لاختلاف النسب، وهنا تعود النسبة للرب.
و يظهر مما ذكرنا و الله أعلم أن الربيون تحتمل المعنيين، أحدهما يدل على العدد و الآخر وصف لهم، فهم جماعات كثيرة، عددها عشرة آلاف فما فوق، و هم الأتباع ؛ من عرفوا ربهم و أطاعوه، و كان علمهم و طاعتهم سببًا لثباتهم؛ ويظهر ذلك من سياق الآية في الإخبار عن فئة ثبتت.
<u></u>
• لمصادر و مراتبها:
المرتبة الأولى: المصادر الأصلية في استخراج أقوال السلف في التفسير :
-تفسير عبد الرزاق الصنعانى
- قطعة من تفسيرعبد بن حميد
-تفسير ابن جرير الطبري
- تفسير ابن أبي حاتم
- تفسير ابن المنذر
-الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن أبي طالب.
- الرملي في جزء تفسير عطاء الخراساني
التفسير من كتب السنة:
- كتاب تفسير القرآن من صحيح البخاري،
- المعجم الكبير للطبراني في معجمه الكبير
- ابن وهب في الجامع في علوم القرآن
- سنن سعيد بن منصور الخرساني
- كتاب جزء فيه تفسير القرآن برواية أبي جعفر الترمذي
- الهَيْثَميُّ في مجمع الزوائد للطبراني
-المصادر البديلة:
1-
مصادر ناقلة بإسناد:
- تفسير ابن كثير
- الدر المنثور للسيوطي
2-
المصادر الناقلة للأقوال دون إسناد:
- تفسير المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز» ابن عطية
- زاد المسير لابن الجوزي
- مفاتيح الغيب في التفسير الكبير لفخر الدين الرازي
- الكشاف للزمخشري
- أنوار التنزيل للبيضاوي
- ابن تيمية في جامع المسائل
- التحرير و التنوير للطاهر ابن عاشور
السعدي
-
كتب التفسير اللغوى:
- معاني القرآن للفراء.
- ومجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى.
- معاني القرآن للأخفش
- واليزيدي في غريب القرآن و تفسيره
- ومعاني القرآن وإعرابه لأبي إسحاق الزجاج .
- ومعاني القرآن لأبي جعفر النحاس.
-- إعراب القرآن للنحاس
- ابن دريد في كتاب جمهرة اللغة
- ابن الأنباري في كتاب الزاهر في معاني كلمات الناس
- و ابن سيده في المخصص
- تفسير مشكل القرآن لمكي القيسي
- المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم (مؤصَّل ببيان العلاقات بين ألفاظ القرآن الكريم بأصواتها وبين معانيها) د. محمد حسن حسن جبل
ك
تب الوقف والابتداء:
- إيضاح الوقف والابتداء لابن الأنباري
-
كتب شروح السنة
- فتح الباري لابن حجر
- عمدة القاري للعيني
- إرشاد الساري للقسطلاني
كتب الجرح و التعديل:
- الجرح والتعديل لابن أبي حاتم
- تهذيب الكمال (25/ 222)]
- تهذيب التهذيب