دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب النكاح

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23 ربيع الثاني 1432هـ/28-03-2011م, 04:14 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

فَصْلٌ

وَإِذَا قَالَ: مَتَى، أَوْ: إِذَا، أَوْ: إِنْ أَعْطَيْتِني أَلْفاً فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلَقَتْ بِعَطِيَّتِهِ، وَإِنْ تَرَاخَى،..........
قوله: «وإذا قال: متى أو إذا أو إن أعطيتني ألفاً فأنت طالق» «متى» اسم شرط وهي للمستقبل، وكذلك «إذا» ، و «إن» ، لكن «متى» تعود على الزمان، و «إذا» تدل على الظرفية، لكن «إن» أداة شرط محض، وكل الثلاث تدل على الشرط، فإذا قال: متى أعطيتني ألفاً فأنت طالق، أو: إذا أعطيتني ألفاً فأنت طالق، وهذا عام في جميع الأزمنة؛ فتشمل من الآن إلى أن تعطيه، وأما «إن أعطيتني» فدلالتها على الظرفية ليس من نفس الكلمة، لأن «إن» حرف لا معنى لها، لكن الدلالة على العموم من فعل الشرط الذي للمستقبل، فيشمل جميع الزمن المستقبل.
وقوله: «إن أعطيتِني» بكسر التاء بدون ياء، وحكي لغة ـ لكنها ضعيفة جداً ـ أنها تلحقها الياء، لكن للإشباع، فيقال: أعطيتيني، وهذه اللغة توافق العامية عندنا، فنحن نقول: أعطيتيني ولا نقول: أعطيتني، وهذه هي اللغة الفصحى؛ لأنه يفرق بين المذكر والمؤنث بكسر التاء، أو فتحها.
وقوله: «ألفاً» المؤلف ما ذكر تمييز الألف، لكنه ألف من الدراهم؛ لأنه الغالب.
قوله: «طلقت بعطيَّته وإن تراخى» أي تطلق بعطيته، ولو بعد شهر، أو شهرين، أو عشرة أشهر فمتى أعطته ما قال طلقت، مثال ذلك: رجل بينه وبين زوجته مشاكل، وطلبت منه الطلاق، فقال: إن أعطيتني عشرة آلاف ريال فأنت طالق، ويسر الله لها هذا المبلغ، وجاءت به، وقالت: خذ، فتطلق، وإن تأخر، فلو تبقى شهراً، أو شهرين، أو سنة، أو سنتين ثم تأتي بذلك فإنها تطلق؛ وجه ذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل»[(329)]، فمفهومه أن كل شرط لا ينافي كتاب الله فهو ثابت، وهذا الرجل اشترط، والمرأة جاءت بما اشترط عليها وتكلفت، ولا يملك أن يرجع في هذا؛ لأنها كلمة خرجت من فمه، وهو عاقل بالغ؛ وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء.
وقال بعض العلماء: إن رجع قَبْل قبولها فله ذلك، مثلاً: إن قال: إن أعطيتني ألفاً فأنت طالق، قالت: نعم، أنا أعطيك، فهنا لا يرجع، وإن رجع قبل أن تقول ذلك فله ذلك؛ لأن هذا شبه معاوضة، فلا بد فيها من اتفاق الطرفين: إيجاب، وقبول، وكذلك إذا أتت بالدراهم فلا يمكن الرجوع.
واختار شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: أن له أن يرجع ما دامت لم تسلمه، وقال: إنه علق الطلاق على شرط، ورجع فيه قبل أن يتم هذا الشرط، فهو نظير الإيجاب في البيع قبل القبول، فلو أوجب البيع على شخص ولم يقبل لم يتم العقد؛ لأنه لم يحصل قبول، فما دامت المرأة لم تأتِ بالألف فله أن يبطله، بخلاف الشرط المحض، فليس له أن يبطله، مثاله: أن يقول: إذا دخل شهر رجب فأنت طالق، فهنا لا يملك إبطاله حتى عند الشيخ، فالشيخ يفرق بين الطلاق المعلق على عوض، والطلاق المعلق على شرط محض.
وفي النفس من اختيار الشيخ ـ رحمه الله ـ شيء؛ لأنه كلام صدر من عاقل عالم بمعناه فلا يمكن أن يرجع فيه، بل يقال: إذا أعطته ألفاً فهي طالق، ويكون ذلك خلعاً على القول الراجح، أو طلاقاً على عوض ولا تحل له إلا بعقد جديد؛ لأنها بانت منه بالعوض الذي أخذه.
لكن هل يجوز للقاضي في هذه المسألة أن يقضي بما يراه أصلح، فإذا رأى ـ مثلاً ـ أن الزوج فراقه خير من بقائه يأخذ برأي بالمذهب، وإذا رأى أن الزوج أصلح للزوجة يأخذ برأي شيخ الإسلام؟
الجواب: ما دامت المسألة ليس فيها نص وإنما اجتهاد، فإذا رأى القاضي أن يعامل الزوج بأحد القولين للمصلحة فلا بأس به.

وَإِنْ قَالَتْ: اخْلَعْنِي عَلَى أَلْفٍ، أَوْ بِأَلْفٍ، أَوْ وَلَكَ أَلْفٌ فَفَعَلَ بَانَتْ وَاسْتَحَقَّهَا،........
قوله: «وإن قالت: اخلعني على ألف، أو بألف، أو ولك ألف ففعل بانت واستحقها» ، كل هذه الصور الثلاث على المذهب حكمها واحد، مثال ذلك: قالت: اخلعني بألف فقال: خلعتك، أو قالت: اخلعني ولك ألف، فقال: خلعتك، وما ذكر ألفاً فإنه يستحق الألف؛ لأن كلامه وإن كان مطلقاً، فالمراد به القيد بلا ريب، فعلى هذا نقول: يستحق الألف.
وقوله: «ففعل» الفاء هنا للترتيب والتعقيب، إن فعل الآن استحق، وإن تأخر فإنه لا يستحق؛ لأن المؤلف ـ رحمه الله ـ عبر بالفاء، أما إذا تأخر فإنه لا يصح الخلع؛ لأنه صار على غير عوض.
وقال بعض الأصحاب ـ رحمهم الله ـ: إنه يستحق العوض وإن تأخر؛ لأن قولها: اخلعني على ألف، أو بألف، أو لك ألف ليس مقيداً بالحاضر، وعلى هذا فمتى خالعها استحق الألف، لكن لها أن ترجع قبل أن يقبل.
وقوله: «بانت» أي: لا تحل له إلا بعقد؛ لأن كل فداء فلا رجعة فيه، تبين به المرأة، ثم ينظر هل تحل له بعد ذلك أو لا؟

وَطَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلاَثاً اسْتَحَقَّهَا، وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ،.......
قوله: «وطلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثاً استحقها» أي: قالت زوجته: طلقني واحدة وأعطيك ألف ريال، قال لها: أنت طالق ثلاثاً فإنه يستحق الألف؛ لأنه أعطاها ما تريد وزيادة.
وقال بعض الأصحاب: لا يستحق الألف؛ لأن هذه الزيادة قد تكون فيها مضرتها؛ لأنه إذا طلقها واحدة بألف بانت منه، لكن تحل له بدون زوج، وإذا طلقها ثلاثاً بانت ولا تحل إلا بعد زوج، وهي قد لا تريد هذا.
وهذا القول هو الصحيح أنه لا يستحقها إلا على القول الراجح بأن الثلاث واحدة، ولكن هل تبين، أو نقول: إن هذا الطلاق معلق على استحقاق الألف، وهو الآن لا يستحقها فلا يقع الطلاق؟ يحتمل وجهين، فيحتمل أن يقال: إنه طلق ثلاثاً فتطلق، ويحتمل أن يقال: أنه طلقها ثلاثاً بناءً على أنه يستحق الألف، والآن حرمناه منه، والطلاق المعلق على شيء لا يقع حتى يوجد ذلك الشيء.
قوله: «وعكسه بعكسه» يعني لو قالت: طلقني ثلاثاً بألف فطلقها واحدة فإن الطلاق يقع، لكن لا يستحق الألف؛ لأنها طلبت طلاقاً ثلاثاً، ولو قيل بأنه يستحقها لكان له وجه:
أولاً: الطلاق الثلاث محرم، وقد عدل عن المحرم إلى المباح فالواحدة حلال، والثلاث محرم.
ثانياً: أن المرأة لم يفت مقصودها فيما إذا طلقها واحدة؛ لأنه على عوض إذ لا يملك الرجعة فيه.
ثالثاً: أنه زادها خيراً لأنه لو تغيرت الحال وتحسنت حل له أن يتزوجها بعقد، بخلاف الثلاث فإنها لا تحل إلا بعد زوج، فالصحيح في هذه المسألة أنه يستحقها.

إِلاَّ فِي وَاحِدَةٍ بَقِيَتْ، وَلَيْسَ لِلأَبِ خَلْعُ زَوْجَةِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ، وَلاَ طَلاَقُهَا، وَلاَ خُلْعُ ابْنَتِهِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهَا،.........
قوله: «إلا في واحدة بقيت» يعني فإنه يستحق الألف، بأن قالت: طلقني ثلاثاً بألف، وسبق أن طلقها مرتين وبقيت واحدة، فقال: أنت طالق واحدة فإنه يستحق الألف، فلو قالت: أنا طلبت أن تطلقني ثلاثاً، نقول: لو طلقك ثلاثاً، فالثنتان لاغيات؛ والسبب أنه ما بقي له إلا واحدة، ولهذا سأل رجل بعض السلف قال: إني طلقت امرأتي مائة طلقة، فقال: حَرُمَت عليك بثلاث، وسبع وتسعون معصية[(330)].
قوله: «وليس للأب خلع زوجة ابنه الصغير ولا طلاقها» أي: ليس للأب أن يخالع زوجة ابنه الصغير، سواء من ماله هو، أو من مال الولد؛ لأن الخلع بيد الزوج وليس بيد أحد سواه، وكذلك ليس له أن يطلق زوجة ابنه الصغير، والعلة ما سبق أن الفراق بيد الزوج، والزوج الآن صغير، فإن كان مميزاً ولم يشأ الطلاق فالأمر ظاهر؛ لأنه سيأتينا ـ إن شاء الله ـ في الطلاق أن المميز الذي يعقل الطلاق ويفهمه يقع طلاقه، وإن كان دون التمييز، فكذلك ليس لأبيه أن يطلق، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الطلاق لمن أخذ بالساق» [(331)]، وقد أضاف الله ـ تعالى ـ النكاح والطلاق للزوج نفسه، فقال الله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ}} [الأحزاب: 49] فأضاف الله الطلاق للناكح، فيكون الطلاق بيده.
وظاهر كلام المؤلف: أنه لا فرق بين أن يكون ذلك لمصلحة الابن، أو لغير مصلحته، ولا بين أن يكون من مال الابن، أو من غير ماله.
والصحيح في هذه المسألة أنه إذا كان لمصلحة الابن فلا حرج عليه أن يخالع أو يطلق، سواء كان من مال الابن، أو من ماله هو، أما إذا كان من ماله هو فإن الابن لم يتضرر بشيء؛ لأن المال على أبيه، وأما إذا كان من مال الابن؛ فلأن ذلك من مصلحته، فهو كعلاجه من المرض، ولكن بشرط أن تكون المصلحة في الفراق محققة، كأن تكون المرأة بذيئة، سيئة الخلق، غير عفيفة، جرَّت إلى بيته الويلات، والبلاء والتهم.
لكن ينبغي قبل أن يطلق على الابن أن يأمره بالطلاق كما فعل عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ مع ابنه عبد الله[(332)]، فإذا أبى أن يطلق وعرفنا أن هذه زوجة لا خير فيها، فحينئذٍ لا بد أن نقول: إن الأب له أن يطلق زوجة ابنه.
وهل إذا طلقها يلزمه أن يزوج الابن؟ نعم، يلزمه ذلك من مال الابن إذا كان له مال، أو من ماله إذا لم يكن للابن مال.
وقوله: «وليس الأب» مفهومه أن الجد لا يملك ذلك من باب أولى.
قوله: «ولا خلع ابنته بشيء من مالها» أي: ليس للأب أن يخلع ابنته من زوجها بشيء من مالها، والمراد بالبنت هنا غير العاقلة، أما إذا كانت البنت عاقلة رشيدة، وطلبت من أبيها أن يخالعها من زوجها، وأن تبذل من مالها، فالأمر واضح أنه يجوز، لكن إذا كانت غير رشيدة فليس له أن يخالعها بشيء من مالها؛ لأنه لا يجوز للأب أن يتبرع بشيء من مال مَنْ هو ولي عليه، لقوله تعالى: {{وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أْحْسَنُ}} [الأنعام: 152] ، والخلع بالمال يتضمن التبرع؛ لأنه لا يقابله مال، وإنما هو فكاك من الزوجية.
مثال ذلك: رجل له ابنة لم تبلغ، زَوَّجها بشخص ـ وهذا بناءً على قولنا إنه يصح تزويج الأب من لم تبلغ ـ ثم إنه رأى أن حالها مع زوجها لا تستقيم، فأراد أن يخالعها من زوجها، نقول: إن بذلت المال من عندك فهو جائز؛ لأنه سبق أن الخلع يصح بذله من الزوجة، ومن وليها، ومن الأجنبي وهذا ولي، وإن بَذَلْتَهُ من مالها فليس بجائز؛ لأن الخلع تبرع وليس للأب أن يتبرع بشيء من مال مَنْ هو ولي عليه، وهذا الذي ذكره المؤلف هو المذهب.
القول الثاني: أنه يجوز للأب أن يخلع ابنته بشيء من مالها، إذا كان ذلك لمصلحتها، وهذا القول هو الصحيح؛ لأن قوله تعالى: {{وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أْحْسَنُ}} [الأنعام: 152] يشمل ما كان أحسن له في ماله، أو في دينه، أو في بدنه، أو في أي شيء، فإذا كان يجوز أن يشتري لابنته ثوباً من مالها، ويجوز أن يداويها من المرض بشيء من مالها، فإن هذا من باب أولى، بشرط أن يرى في ذلك مصلحة.

وَلاَ يُسْقِطُ الخُلعُ غَيْرَهُ مِنَ الحُقُوقِ،.........
قوله: «ولا يسقط الخلع غيره من الحقوق» لأنه عقد مستقل، فلا يسقط شيئاً من الواجبات، فإذا خالعت المرأة زوجها بشيء من المال، وكان قد بقي لها في ذمته شيء من المال، أو من النفقات الأخرى، أو من أي حق من حقوقها، فإن هذا الخلع لا يسقطها.
مثاله: تزوج رجل امرأة بمهر قدره عشرة آلاف ريال، فسلم خمسة آلاف ريال ودخل عليها، ثم خالعها على خمسة آلاف ريال، تبذلها له، ثم سلمته إياها وتم الخلع، يبقى لها حق على زوجها، وهو بقية المهر خمسة آلاف ريال، فلا نقول: إن الخلع يسقط غيره من الحقوق؛ لأنه ما دام السبب باقياً فإنه يجب أن يبقى المُسبَّب، وإنما ذكر المؤلف ذلك؛ لأن بعض أهل العلم قال: إن الخلع يسقط ما سبقه من الحقوق؛ لأن المقصود الفداء والفراق التام، بحيث لا يبقى له علقة، ولا يبقى لها علقة، ولكن القول الراجح ما قاله المؤلف: أنه إذا خالعها بشيء وجب العوض الذي خالعها عليه، وأما غيرُه من الحقوق الواجبة لها على زوجها فهي باقية.

وَإِنْ عَلَّقَ طَلاَقَهَا بِصِفَةٍ ثُمَّ أَبَانَهَا فَوُجِدَتْ، ثُمَّ نَكَحَهَا فَوُجِدَتْ بَعْدَهُ طَلَقَتْ كَعِتْقٍ، وَإِلاَّ فَلاَ.
قوله: «وإن علق طلاقها بصفة ثم أبانها فوُجدت، ثم نكحها فوجدت بعده طَلَقَتْ» .
مثال ذلك: أن يقول: إن كلمت فلاناً فأنت طالق، ثم بعد هذا الكلام طرأ بينهما سوء تفاهم فطلقها، وخرجت من العدة، وكلمت فلاناً بعد أن خرجت من العدة، ثم تزوجها ثانياً، ثم بعد الزواج الثاني كلمت فلاناً تطلق؛ لأنه علق طلاقها في حال يملك التعليق، فوجدت الصفة المعلق عليها في حال يملك التطليق، فإذاً يقع الطلاق.
فإذا قال قائل: أليست الصفة وجدت في حال البينونة فانحلت اليمين بها؟ لأن اليمين والطلاق ينحلان بأول مرة وينتهيان.
نقول: نعم، هذا صحيح، لكن الصفة وجدت في حال لا يملك طلاقها، ولا يقع عليها طلاقه؛ لأنها ليست في عصمته، فوجودها قبل أن يتزوجها المرة الثانية كعدمه، وعلى هذا فتطلق في المرة الثانية.
فلو أن الرجل قال لزوجته: إن كلمت زيداً فأنت طالق فكلمته وهي في عصمته تطلق، فإذا راجعها ثم كلمته ما تطلق؛ لأن الطلاق المعلق انحل بأول مرة، فصار وقوعه في الثانية غير معلق عليه الطلاق.
فإذا قال قائل: ما الفرق بين هذه الصورة والصورة الأولى؟
فالجواب: أن الصورة الأولى وقعت الصفة وهي في غير عصمته، فلم يكن المحل قابلاً، فلا يقع الطلاق.
وقوله: «ثم أبانها» يشمل ما إذا كانت البينونة بالثلاث، أو بما دونه، فالبينونة بالثلاث تبين بمجرد أن يقول: أنت طالق ثلاثاً، والبينونة بغير الثلاث تكون إذا انتهت العدة، أو إذا كان الطلاق على عوض، وكلام المؤلف يشمل ما إذا كانت البينونة بالطلاق الثلاث، أو بغير الطلاق الثلاث، ما دام بانت منه ووجدت الصفة في حال البينونة، فإنه إذا تزوجها مرة ثانية فإنه تعود الصفة.
وقال جمهور أهل العلم: إنه إذا كانت البينونة بالطلاق الثلاث فإن الصفة لا تعود؛ لأن النكاح الأول انتهت أحكامه بالطلاق الثلاث؛ فإذا طلقها ثلاثاً ثم تزوجت بزوج آخر، ثم فارقها الزوج الثاني، ثم تزوجها الزوج الأول تعود على طلاق ثلاث.
فإذا وجدت الصفة في النكاح الجديد لم تطلق الزوجة، مثال ذلك: رجل قال لزوجته: إن كلمت زيداً فأنت طالق ولم يبق له إلا طلقة واحدة فقط، فطلقها الطلقة الثالثة، وقبل انتهاء العدة كلمت زيداً، ثم إنها تزوجت بزوج آخر، وفارقها، ثم تزوجها زوجها الأول، ثم كلمت زيداً، فعلى رأي الجمهور لا تطلق، وعلى رأي المؤلف تطلق؛ لأن قوله: «ثم أبانها» عام، ولا شك أن رأي الجمهور أصح في هذه المسألة لقوة تعليله.
وهناك قول آخر: أنها لا تعود مطلقاً، ولو كانت البينونة بغير الطلاق الثلاث، قالوا: لأن ظاهر الحال أنه لما قال الرجل لزوجته: إن كلمت فلاناً فأنت طالق أن قصده في هذا النكاح، ولم يكن يطرأ على باله أنه حتى لو طلقها وتزوجها بعد، وهي ـ أيضاً ـ إذا بانت منه فقد انقطعت علائقها منه، فالتعليق إنما كان في نكاح سابق، والنكاح السابق بانت منه، وهذا نكاح جديد فلا تطلق؛ لأن الله ـ تعالى ـ إنما جعل الطلاق بعد النكاح، فقال: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ}} [الأحزاب: 49] فلا طلاق قبل النكاح، وهذا قد علق الطلاق في نكاح سابق قبل النكاح الثاني.
فعندنا ثلاثة أقوال:
الأول: أن الصفة تعود مطلقاً وهو المذهب.
الثاني: أنها لا تعود مطلقاً.
الثالث: رأي الجمهور، أنها لا تعود إن بانت بالطلاق الثلاث، وتعود إن بانت بغير الثلاث.
وكل هذا فيما إذا وجدت الصفة في حال البينونة، لكن إذا لم توجد، بأن قال: إن كلمتِ زيداً فأنت طالق، ثم طلقها وبانت منه، ثم تزوجها قبل أن تكلم زيداً ثم كلمت زيداً بعد التزويج، فعلى المذهب وغير المذهب تطلق؛ لأن يمينه لم تنحل، فالصفة لم توجد فتطلق بكل حال.
وعند شيخ الإسلام في هذه المسألة أنها لا تطلق؛ لأن الظاهر أنه أراد وقوع الصفة في النكاح الأول الذي علق عليه، وفي الحقيقة أنك إذا تدبرت الأمر، وجدت أن هذا القول أرجح من غيره؛ لأن الظاهر من هذا الزوج أنه لم يطرأ على باله أن هذا التعليق يشمل النكاح الجديد، اللهم إلا إذا كان علقها على صفة يريد ألا تتصف بها مطلقاً، فهذا قد يقال: إنها تعود الصفة.
قوله: «كعتقٍ» يعني كما لو علق الإنسان عتق عبده على شيء، ثم باع العبد فوجدت الصفة التي علق عتقه عليها، ثم اشتراه فوجدت بعد شرائه، مثاله: قال لعبده: إن فعلت كذا وكذا فأنت حر، ولم يفعله فباعه على زيد، ثم فعله في ملك زيد فإنه لا يعتق؛ لأنه ليس في ملكه، ثم اشتراه من زيد، وفعله بعد أن اشتراه، فإنه يعتق؛ لأنه وجد الفعل وهو في ملكه.
قوله: «وإلا فلا» يعني وإن لم توجد الصفة في النكاح الثاني، فإنها لا تطلق إذا وجدت حال البينونة؛ لأنها حال البينونة ليست زوجة، كما أن الشرط الذي عُلق عليه العتق إذا وجد بعد خروج ملكه عنه لا يحصل به العتق.




[329] سبق تخريجه ص(165).
[330] انظر: مصنف عبد الرزاق (11348)، والدارقطني (3925) ط/ الرسالة.
[331] أخرجه ابن ماجه في الطلاق/ باب طلاق العبد (2081) عن ابن عباس ـ رضي الله عنها ـ وانظر: التلخيص (1612) والإرواء (2041).
[332] أخرجه أحمد (2/20)؛ وأبو داود في الأدب/ باب في بر الوالدين (5138)؛ والترمذي في الطلاق/ باب ما جاء في الرجل يسأله أبواه أن يطلق امرأته (1189)؛ وابن ماجه في الطلاق/ باب الرجل يأمره أبوه بطلاق امرأته (2088) عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ، وقال الترمذي: «حسن صحيح»، وصححه ابن حبان (427) ط/الأفكار الدولية، وصححه الحاكم (2/197) على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
متفرقة, مسائل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:57 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir