دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج الإعداد العلمي العام > خطة التأسيس العلمي > صفحات الدراسة

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #26  
قديم 1 شعبان 1436هـ/19-05-2015م, 08:50 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

الدرس الثاني والعشرون: باب : {وكان عرشه على الماء} [هود: 7]
(2-2)


شرح الأحاديث التي أوردها البخاري في هذا الباب ، وذكر مناسبتها.

حديث عمران بن حصين مرفوعًا قال: ((كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثمّ خلق السماوات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء))

ترجمة راوي الحديث
عمران، هو أبو نجيد، بضم النون وفتح الجيم، ابن حصين، الخزاعي، البصري.
إسلامه، وما شهده من الغزوات: أسلم عام خيبر، سنة سبع، وشهد ما بعدها من غزوات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
من فضائله: كان من فضلاء الصحابة، وكانت الملائكة تسلم عليه مواجهة، وكان مجاب الدعوة، بعثه عمر إلى أهل البصرة يفقههم، وكان الحسن البصرى يحلف بالله ما قدمها مثله، اعتزل الناس في الفتنة، فلم يشهد شيئاً من حروبها.
وفاته: مات في البصرة سنة اثنتين وخمسين.

مناسبة الحديث للباب
قوله: (وكان عرشه على الماء)
شرح مفردات الحديث
يظهر أن هذه الواقعة في المدينة، في آخر حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولهذا ذكرها البخاري في آخر المغازي، في ذكر الوفود على النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (اقبلوا البشرى يا بني تميم): المراد بهذه البشرى: الخير العظيم الذي يترتب على الإسلام، والنجاة من العذاب العظيم الذي يترتب على عدم الدخول في الإسلام، وذلك في الدنيا والآخرة.
و(تميم): اسم رجل، وهو تميم بن مر بن إد بن طابخة، والتميم في اللغة: الشريد.
قوله: ( قالوا: بشرتنا فأعطنا): يظهر أنهم ما فهموا مقصد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بما أراده بالبشرى، أو أن رغبتهم في العاجلة، فعلقوا بها آمالهم، فقدموا ذلك على التفقه في الدين، والإقبال على تفهم ما قاله الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا كره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قولهم، كما في الرواية الأخرى.
قوله: (فقال: اقبلوا البشرى يا أهل اليمن، إذ لم يقبلها بنو تميم): البشرى: اسم من البشير، وهي الإخبار بما يسر ويفرح غالباً، وسميت بذلك لأنه يظهر أثرها على بشرة الوجه.
والمراد: أي: اقبلوا مني ما يقتضي أن تبشروا بالجنة، إذا أخذتم به، قاله الحافظ.
قوله: (جئناك لنتفقه في الدين): الفقه لغة هو الفهم، أي: فهم المراد.
والمعنى: أننا قد آمنا بك، وبما جئت به، وأتينا إليك لتفهمنا ديننا الذي جئت به، وتعلمنا ما نعتقده، ونعمل به، وهذا من توفيق الله لعبده؛ أن يهتم بالتفقه في دينه، حتى يعبد ربه على علم وبصيرة.
قوله: (ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان ؟): الأمر يطلق ويراد به المأمور، ويراد به المصدر، والمراد به هنا الأول.
والإشارة في قوله: (هذا) تعود إلى شيء مشاهد، حاضر، موجود، وهو هذا الخلق المرئي، من السماوات والأرض، وما بينهما، وما فيهما، والمعنى: جئنا نسأل عن مبدأ خلق هذه المخلوقات المشاهدة، وهذا هو الظاهر.
وفيه قول آخر: يحتمل أن يكونوا سألوا عن أول جنس المخلوقات، ذكره الحافظ، وردّ المصنف هذا القول وقال فيه أنه بعيد وباطل، وأن شيخ الإسلام قد ردّه وبيّن بطلانه من وجوه كثيرة، بيّنها المصنف في الكتاب.
قوله: ( كان الله، ولم يكن شيء قبله ): معناه: أنه تعالى هو الأول قبل كل شيء، فهو الأول بلا بداية، كما أنه الآخر بلا نهاية.
وكلمة (كان) هنا تفيد الأزلية، والأزلية هي: ما لا بداية له، قال ابن عباس: "كان ولا يزال"
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولم يقيد كونه بوقت دون وقت، ويمتنع أن يحدث له غيره صفة، بل يمتنع توقف شيء من لوازمه على غيره - سبحانه- فهو المستحق لغاية الكمال، وذاته هي المستوجبة لذلك الكمال المطلق، وهو المحمود على ذلك، أزلاً وأبداً، ولا يحصي الخلق ثناء عليه بل هو كما أثنى على نفسه.
قوله: ( وكان عرشه على الماء) أي: وقت خلق السموات والأرض كان عرشه على الماء، والمراد هنا: الإخبار بكون العرش على الماء، عند ابتداء خلق السموات والأرض.
وهذه الجملة من الحديث هي محل الشاهد، وهو دليل على عظم العرش، وأن له شأناً غير شأن السماوات والأرض، وأن وجوده قبل وجودهما.
قال ابن خزيمة: "معنى قوله: "وكان عرشه على الماء" كقوله: {وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً}"؛ يعني: أن (كان) هنا لا تدل على أن ذلك أمر قد مضى، وانقضى، بل تدل على ثبوته، فهو كان، ولا يزال على ما كان.
وليس معنى ذلك أن شيئاً من مفعولاته قديم معه، بل هو خالق كل شيء، وكل شيء سواه مخلوق له، وكل مخلوق محدث كائن بعد أن لم يكن، مع أنه -تعالى- لم يزل بصفاته خالقاً فعالاً لما يريد.
وسيأتي بيان ذلك بإذن الله في مسألة: إن الله تعالى لم يزل بصفاته، فعّالًا لما يريد.
قوله: ( ثم خلق السماوات والأرض ): نص في ذلك؛ لأن (ثم) تفيد الترتيب مع التراخي، أي: ترتيب خلق السماوات والأرض على وجود العرش والماء.
وقوله: ( وكتب في الذكر كل شيء): المقصود بالذكر هنا: محل الكتابة، وهو اللوح المحفوظ.
والمراد: أنه -تعالى- كتب كل ما أراد إيجاده من تلك الساعة التي جرت فيها الكتابة إلى قيام الساعة.
والمراد بقوله (كل شيء): هذه اللفظة تعمّ في كل موضع بحسب ما سيقت له، كما في قوله -تعالى-: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ، {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} .
قوله: (فإذا السراب ينقطع دونها): أي يشاهدها من خلق السراب، فهو ينقطع بينه وبينها لبعدها، فيراها مرة، وأخرى يكاد يخفيها السراب.
قوله: (وايم الله): قيل معناه: يمين الله.
قوله: (لوددت أنها ذهبت، ولم أقم): يقول إن رغبتي والأحب إليَّ أني بقيت في مجلسي عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتعلم منه الإيمان والعلم، ولم أقم في طلب راحلتي، بل أتركها مؤثراً ما أسمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من غذاء القلب والروح، على راحلتي، وهذا شأن صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورضي الله عنهم - في حرصهم على التعلم منه، والبحث عن الهدى والخير.
مسائل أوردها أهل العلم في شرحهم للحديث
المسألة الأولى: الأيام التي خلقت فيها السماوات والأرض.
فيه أقوال:
الأول: أن تلك الأيام غير هذه الأيام، وغير هذا الزمان الذي هو مقدار حركة هذه الأفلاك، فتلك الأيام مقدرة بحركة أجسام موجودة قبل خلق السماوات والأرض، وهذا ما رجحه المصنف.
وقيل: تلك الأيام بمقدار هذه الأيام المعروفة بطلوع الشمس وغروبها.
وقيل: أكبر منها، فكل يوم منها قدره ألف سنة.
المسألة الثانية: مادة خلق السماوات والأرض.
الدخان، فقد أخبر - سبحانه وتعالى - أنه {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} .
وقيل: أنها خلقت من بخار الماء، وهو الماء الذي كان العرش عليه، قبل وجود هذا الخلق، وقد جاءت الآثار عن السلف بذلك.
فأخبر -تعالى- أنه خلق السماوات والأرض في مدة، ومن مادة.
المسألة الثالثة: هل تفيد الكتابة المضافة أنه تعالى باشر الكتابة بنفسه؟
لا يتعيّن من الإضافة ذلك، بل يجوز أن يأمر بذلك ما يشاء، يوضّح هذا ما جاء في حديث عبادة بن الصامت مرفوعًا: ((إنّ أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: رب، وما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة )) الحديث رواه أبو داود
المسألة الرابعة: إن الله تعالى لم يزل بصفاته، فعّالًا لما يريد.
- الخلق صفة كمال، لا تنفك عن الله تعالى.
- وكل مخلوق فهو محدث، مسبوق بالعدم، وليس مع الله شيء قديم، ومن جعل المفعول المعين مقارناً له -تعالى- أزلاً وأبداً، فقوله باطل عقلاً وشرعاً، ولا يقول ذلك إلا جاهل أو معطل.
- فالعرش والماء مخلوقان، ولم يذكر الله - جل وعلا- لنا وقت خلق العرش والماء، كما لم يذكر لنا أن له مخلوقات قبلهما، ولكن النصوص من الوحي، والفطرة والعقل السليم، تدل على أن الله -تعالى- لم يزل يفعل ما يشاء، ويتكلم بما يشاء، وهذا من الكمال الواجب له، والذي يليق به -تعالى-.
- وأما ما يقوله المتكلمون من المعتزلة، والأشاعرة، ومن تبعهم، من أن هذا الكون المشاهد لنا، وما يتصل به من السموات والأرض، وكذلك العرش والماء، هو مبدأ فعله وخلقه، وليس قبله شيء من مفعولاته، يخالف كماله الواجب له -تعالى-.
- ومذهب السلف، مثل الإمام أحمد والدارمي والبخاري وغيرهم: أن الله لم يزل فعالاً لما يريد.
وهم يريدون بذلك الرد على من يقول: كان الله ولا شيء معه، أي: لا مخلوق، ولا فعل، ولا مفعول، ثم صار يخلق ويفعل بعد أن لم يكن يفعل ويخلق، وهذا هو قول الجهمية، والمعتزلة.
- فوصفه -تعالى- بأنه لم يكن قادراً على الفعل والكلام ونحوهما من صفات الكمال، ثم صار قادراً على ذلك، فيه نقص يجب أن ينزه عنه، وقدرته التامة الكاملة التي هي من لوازم ذاته -تعالى- تفيد خلاف هذا القول، وهي من أظهر صفات الكمال، ولا يجوز أن تقيد صفاته -تعالى- وأفعاله بوقت دون وقت.
- فيمتنع أن يكون قادراً بعد أن لم يكن كذلك، كما يمتنع أن يكون عالماً بعد أن لم يكن كذلك، وأن يكون سميعاً بصيراً، بعد أن لم يكن، أما المخلوق المفعول، مثل الإنسان، فإنه كان غير عالم، ولا قادر، فجعله الله عالماً قادراً.
قال الإمام أحمد في رده على الجهمية: "بل نقول: إن الله لم يزل متكلماً إذا شاء، ولا نقول: إنه كان، ولا يتكلم حتى خلق الكلام، ولا نقول: إنه قد كان لا يعلم، حتى خلق علماً فعلم، ولا نقول: إنه قد كان ولا قدرة له، حتى خلق لنفسه القدرة، ولا نقول: إنه كان ولا نور له، حتى خلق لنفسه نوراً، ولا نقول: إنه كان ولا عظمة له، حتى خلق لنفسه عظمة.
إلى أن قال: ولكن نقول: لم يزل بقدرته ونوره، لا متى قدر، ولا كيف."
- فنخلص من ذلك، أنّ مذهب السلف:
أنّ مفعولات الله تعالى باعتبار أعيانها لها مبدأ، فهي كائنة بعد العدم.
أما باعتبار كون الفعل صفة من صفات الله تعالى –وإن لم يكن متعلقه موجودًا- فهو لا أول له.
من فوائد الحديث
- أنه يتعين قبول ما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، بدون توقف أو استفسار، أو طلب للعلة والسبب.
- حرص صحابة النبي صلى الله عليه وسلم على التعلم منه، والبحث عن الهدى والخير، ولهذا حفظوا كل ما قاله صلى الله عليه وسلم وفعله، ونقلوه للأمة، فجزاهم الله خيرًا، وقاتل من يبغضهم وينتقصهم.


حديث أبي هريرة مرفوعًا: ((إن يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحّاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم ينقص ما في يمينه، وعرشه على الماء، ...)).
مناسبة الحديث للباب
قوله: (وعرشه على الماء)
شرح الحديث
- تقدّم هذا الحديث في باب قول الله تعالى: (لما خلقت بيديّ)
والذي هنا يختلف عنه في السند وفي بعض ألفاظه على عادة المؤلف، أنه إذا كرّر الحديث فلابد أن يأتي بما يغاير السابق، إمّا في السند والمتن، وإمّا في أحدهما، إلّا إذا لم يتيسّر له ذلك، وهو نادر.
- والمقصود من الحديث: قوله: (وعرشه على الماء): أي أنه تعالى لما خلق السماوات والأرض، كان عرشه على الماء، فوجود العرش والماء سابق وجود السماوات والأرض بزمن طويل جداً، الله أعلم بمقداره.

أثر زينب رضي الله عنها: "زوّجكنّ أهاليكنّ، وزوّجني الله تعالى من فوق سبع سماوات".

ترجمة راوي الحديث
هو زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي، مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم-.
ومن قصته: أنه سباه قوم وهو غلام، فباعوه في سوق عكاظ، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بن خويلد، ثم إن خديجة رضي الله عنها لما تزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهبته له، وتبنّاه النبي صلى الله عليه وسلم، وزوّجه زينب بنت جحش، وهي ابنة عمته، ثم لم يتلاءما، فطلقها زيد، فزوجها الله -تعالى- نبيه؛ لحكمة ذكرها الله -تعالى- في القرآن.
وكان زيد هو الأمير في غزوة مؤتة، واستشهد فيها رضي الله عنه.

مناسبة الحديث للباب
قول زينب رضي الله عنها: "زوّجكنّ أهاليكنّ، وزوّجني الله تعالى من فوق سبع سماوات".
شرح مفردات الحديث
قوله: (جاء زيد بن حارثة يشكو): أي: جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشكو زوجه زينب ويستشيره في طلاقها؛ لأنها كانت تترفع عليه، وتقابله ببعض الكلام غير المناسب؛ لحدة كانت فيها.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اتق الله يا زيد، وأمسك عليك زوجك)
وذلك أنّ الله تعالى قد أوحى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه سوف يتزوج زينب، أوحى الله بذلك إليه قبل أن يطلقها زيد، فلما جاء يشكوها إليه، ويستشيره في طلاقها، قال له: (اتق الله يا زيد، وأمسك عليك زوجك) فعاتبه الله -تعالى- على ذلك، وعلى ما كان يخشاه من أقوال الناس في ذلك، فقال: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} الآية.
والمعنى: لما فرغ زيد منها وطابت نفسه عنها، وطلقها، أمرناك بتزوجها؛ لئلا يبقى في قلوب المؤمنين حرج في تزوج زوجات أدعيائهم، الذين تبنوهم.
والذي كان -صلى الله عليه وسلم- يخفيه، هو كراهيته لزواجها؛ خوفاً من قالة الناس أنه تزوج زوجة ابنه.
قال ابن حجر: " والحاصل: أن الذي كان يخفيه هو إخبار الله إياه أنها ستصير زوجته، والذي كان يحمله على إخفاء ذلك خشية قول الناس: تزوج امرأة ابنه، وأراد الله إبطال ما كان الجاهلية عليه، من أحكام التبني، بأمر لا أبلغ في الإبطال منه، وهو تزوج امرأة الذي يدعي ابناً {له} ، ووقوع ذلك من إمام المسلمين؛ ليكون أدعى لقبولهم".
قوله: (قال أنس: لو كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كاتماً شيئاً لكتم هذه): أي: لو قدر على سبيل الفرض الممتنع شرعاً كتم شيء من الوحي، لكان في هذه الآية، ولكنه غير واقع بل ممتنع شرعاً.
وهذه الآية من أعظم الأدلة لمن تأملها على صدق الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فإنه بلّغها كما قال الله -تعالى- مع ما تضمنه من لومه.
قوله: ( فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم): الفخر: هو ذكر المحاسن، وعدها، مباهاة بها غيره.
فزينب - رضي الله عنها - تعتد بأن زواجها برسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان بأمر الله له بذلك، وأنه من أعظم فضائلها، وأنه لا يساويها في ذلك من أزواجه أحد.
قوله:(تقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله - تعالى - من فوق سبع سماوات): هذا القدر من الحديث هو محل الشاهد، وهو ثبوت علو الله -تعالى- وتقرره لدى المؤمنين.
فعلّوه تعالى من الصفات المعلومة بالسمع، والعقل، والفطرة، عند كل من لم تنحرف فطرته.
ومعنى قولها: (وزوجني الله) أي: أمر رسوله بأن يتزوجها بقوله -تعالى-: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا} وتولى -تعالى- عقد زواجها عليه.
وقوله في الرواية الأخرى: (نزلت آية الحجاب في زينب بنت جحش).
آية الحجاب هي قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} إلى آخر الآية

حديث أبي هريرة مرفوعًا: (إن الله لما قضى الخلق، كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي)

مناسبة الحديث للباب
قوله: (كتب عنده فوق عرشه)
شرح مفردات الحديث
- هذا الحديث تقدم في باب قول الله: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ} وقد غاير بين سنده هنا وهناك، وفي متنه بعض الاختلاف.
قوله: (قضى الله الخلق): قضى: يأتي بمعنى حكم، وأمر، وقدر، وفرغ، وأمضى، وأتقن.
ومعناها هنا: فرغ من خلق المخلوقات، نحو قوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ}
أو فرغ من تقدير الخلق، يدل لذلك الرواية الأخرى: (قبل أن يخلق الخلق).
قوله: (عنده فوق عرشه): هذه الجملة من الحديث هي محل الشاهد من الحديث، فعند، وفوق، ظرفان مختصان بالمكان، وقد أضيفا إلى الله -تعالى-، وهذه الإضافة تقتضي تخصيصاً للعرش على غيره من السماوات والأرض، وهو ما علمه المسلمون أنه تعالى استوى على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته، كما أخبرهم ربهم بذلك، ونبيهم صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (عنده فوق عرشه): على ظاهره، فهو كتاب خاص، وضعه عنده فوق عرشه، مثبتاً فيه ما ذكر؛ لزيادة الاهتمام به، ولا ينافي ذلك أن يكون مكتوباً أيضاً في اللوح المحفوظ، فهو كتاب حقيقة، كتبه -تعالى- كما ذكر لنا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- حقيقة، وهو عند الله حقيقة، فوق عرشه حقيقة.


حديث أبي هريرة مرفوعًا: ((... فإذا سألتم الله، فسلوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة)).
مناسبة الحديث للباب
قوله: (وفوقه عرش الرحمن)
شرح مفردات الحديث
قوله: (من آمن بالله ورسوله ): فيه بيان للأساس الذي يبنى عليه العمل، وهو الإيمان بالله ورسوله، فكل عمل مشروط لصحته أن يكون العامل مؤمناً، قال الله -تعالى-: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة} .
وأول دعوة الرسل جميعًا هي الإيمان بالله، وعبادته وحده لا شريك له، كما تقدّم في الباب الأوّل.
وأركان الإيمان بالله تعالى؛ الإيمان بربوبيته، والإيمان بألوهيته، والإيمان بأسمائه صفاته.
قوله: (وأقام الصلاة): إقامة الصلاة: الإتيان بها على وفق أمر الله -تعالى- وأمر رسوله، كاملة في أفضل أوقاتها.
قوله: (وصام رمضان): الصيام في اللغة: هو الإمساك، وفي الشرع: إمساك مخصوص، عن أشياء مخصوصة، من طلوع الفجر، إلى غروب الشمس، تعبداً لله تعالى.
سبب عدم ذكر الحجّ والزكاة وهما من أركان الإسلام:
الأول: أنّ الحديث لم يذكر لبيان الأركان، فيجوز أنه اقتصر على ذكر البعض المتكرر غالباً، لأن الزكاة لا تجب إلا على من له مال، بشرطه، والحج لا يجب إلا مرة على التراخي.
الثاني: سقط ذكر الحج، على أحد الرواة؛ لأنه قد جاء ذكره في الترمذي.
ذكره الحافظ.
والمقصود من الحديث: أن من حصل له الإيمان بالله، وما يلزم له، من إيمان برسله، وملائكته، وكتبه، واليوم الآخر، وبقضاء الله وقدره، مع التزام ما شرعه الله لعباده من الأمر، والنهي، وجاهد في سبيل الله، مع ما ذكر، استحق دخول الجنة على الله، ولا بد أن يوفي الله -تعالى- بذلك.
قوله: (كان حقاً على الله أن يدخله الجنة): هو حق أحقه الله -تعالى- على نفسه كما قال تعالى: {كتب ربكم على نفسه الرحمة}، فهو تعالى الذي أوجبه على نفسه، فلابد من وقوعه كما أخبر تعالى.
قال الحافظ: " ...وإنما معناه إنجاز ما وعد به من الثواب، وهو لا يخلف الميعاد"
قوله: ( هاجر في سبيل الله، أو جلس في أرضه التي ولد فيها): الهجرة في اللغة هي: الترك، والمفارقة. والمقصود بها هنا: الانتقال من بلد الشرك والكفر إلى بلد الإسلام، وهي واجبة على المسلم إذا خاف الفتنة في دينه، أو منع من ممارسة شعائر دينه، وإعلانه ظاهراً.
ويدخل في ذلك هجران المعاصي، والشهوات، والأخلاق الذميمة، وجميع المعاصي ورفضها واجتنابها.
قوله: (أو جلس في أرضه التي ولد فيها) وفي رواية: " في بيته".
والمعنى: أنه بقي في بلده يعبد ربه، ولا يشرك به شيئاً، ولم يهاجر إلى المدينة النبوية، وذلك أن الهجرة كانت فرضاً على كل قادر، فلما فتحت مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وأصبحت جزيرة العرب كلها دار إسلام، إلا القليل، نسخت الهجرة لأجل ذلك، ولكن حكمها باق إلى يوم القيامة.
قال الحافظ: " فيه تأنيس لمن حرم الجهاد، وأنه ليس محروماً من الأجر، بل له من الإيمان والتزام الفرائض ما يوصله إلى الجنة، وإن قصر عن درجة المجاهدين"
قوله: (فقالوا: يا رسول الله، أفلا ننبئ الناس بذلك؟ ): رأوا أن هذا فيه بشارة للمسلمين، وتسهيل عظيم عليهم، في عدم لزوم الهجرة، فإن ترك الوطن، والأهل والأقارب، والمألوفات، كل ذلك يشق على النفس، ولا يقوى عليه كل أحد.
وقيل: الذي خاطبه بذلك هو معاذ بن جبل ، وقيل: أبو الدرداء، ذكره الحافظ.
قوله: (إن في الجنة مائة درجة): جاء في رواية الترمذي، عن معاذ: قلت: يا رسول الله، ألا أخبر الناس؟ قال: (ذر الناس يعملون، فإن في الجنة مائة درجة)
فظهر أن المراد: لا تبشر الناس بما ذكر من دخول الجنة، لمن آمن وعمل الأعمال المفروضة عليه، فيقفوا عند ذلك، ولا يتجاوزوه إلى ما هو أفضل منه من الدرجات التي تحصل بالجهاد، ولهذا قال: (أعدها الله للمجاهدين).
وفي هذا ردّ على من زعم: أنه صلّى الله عليه وسلم سوى بين الجهاد في سبيل الله، وبين عدمه، وهو الجلوس في الأرض التي ولد فيها.
فيُقال: التسوية ليست على عمومها، وإنما هي في أصل دخول الجنة، لا في تفاوت الدرجات .
- مسألة: هل درجات الجنة هي إلى مائة درجة؟
في ذلك قولان:
الأول: أن تكون هذه المائة من جملة الدرج.
الثاني: أن تكون نهايتها هذه المائة.
ذكره ابن القيّم، ورجّح القول الأول.
ومعنى الجهاد: هو استفراغ الوسع في مدافعة العدو.
وأنواعه: مجاهدة العدو الظاهر، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة النفس، يشملها قوله -تعالى-: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم}، ونحوها من الآيات.
قوله: (كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض): المقصود بالدرجة: المنزلة المعدة لمن يستحقها من أهل الإيمان، والعمل، ودرجات الجنة كثيرة، وكل درجة تختلف عن التي دونها بما فيها من أنواع النعيم والحسن.
وهذا التفاوت العظيم في الدرجات لتفاوت أعمال العاملين في الإيمان، والمقاصد، والخشية، والإخلاص، والمحبة، والإنابة، والجد، وكثرة العمل، وغير ذلك.
قوله: (فإذا سألتم الله، فسلوه الفردوس): الفردوس: اسم يطلق على جميع الجنة، ويطلق على أفضلها وأعلاها، كأنه أحق بهذا الاسم من غيره من الجنات.
قال -تعالى-: {أولئك هم الوارثون (10) الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}
وذكر المصنف أقوال أهل اللغة في معنى الفردوس، فيُرجع إليه.
قوله: (فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة) : المراد بالأوسط هنا: الأعدل والأفضل، ذكره الحافظ، واستدلّ له بقوله -تعالى-: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً}.
وفي فائدة عطف (الأعلى) عليه، فيه أقوال:
قيل: للتأكيد، ذكره الحافظ.
وقيل: المراد بأحدهما: العلو الحسي، وبالآخر: العلو المعنوي، ذكره الطيبي.
وقيل: المراد بالأوسط: السعة، وبالأعلى: الفوقية ، ذكره ابن حبّان.
ورجّح المصنف لزوم ظاهر النص، وهو أن المراد بالفردوس وسط الجنة، وهو أعلاها، يعني: أن الجنان الأخرى عن جوانبه، ومن تحته، وهو أعلاها، واستدلّ لذلك أنّ فوقه عرش الرحمن، فليس فوقه إلا عرش الرحمن، ولأنه تفجر منه أنهار الجنّة، والأنهار عادة تنبع من أعلى، والله أعلم.
قوله: (وفوقه عرش الرحمن ): هذه الجملة هي المقصود من سياق الحديث؛ لأنه يدل على أن أعلى مخلوق هو العرش، وليس فوق العرش مخلوق، ولكن الرحمن - جل وعلا- فوقه.
قال ابن خزيمة: " فالخبر يصرح أن عرش ربنا - جل وعلا - فوق جنته، وقد أعلمنا - عز وجل - أنه مستوٍ على عرشه، فخالقنا عالٍ فوق عرشه، الذي هو فوق جنته"


حديث أبي ذر مرفوعًا في سجود الشمس تحت العرش
مناسبة الحديث للباب
ذكر البخاري - رحمه الله - هذا الحديث في بدء الخلق، وفيه (فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش).
وفي آخر الباب بعد هذا، بلفظ: (قال: مستقرها تحت العرش)
وبذلك تظهر مناسبة الحديث للباب، فذكره لأجل ما فيه من قوله: (تذهب حتى تسجد تحت العرش)، وقوله: (مستقرها تحت العرش) في غير هذه الرواية هنا.
قال الحافظ: " وأخرجه النسائي بلفظ: (تذهب حتى تنتهي تحت العرش، عند ربها) "
فمراد البخاري - رحمه الله - من الحديث، الاستدلال على العرش، وارتفاعه العظيم، ومعلوم أن الله -تعالى- فوق العرش كما سبق.
شرح مفردات الحديث
قوله: (أتدري أين تذهب هذه؟): هذا الأسلوب من التعليم كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعمله مع أصحابه، وفائدته:
أنه يرسّخ المعلومات في الذهن؛ لأن المسئول يبقى بعده يتطلع إلى الجواب بإقبال ولهف، فإذا ورد عليه الجواب وهو بهذه الحال، ثبت في قلبه، ورسخ لديه.
قوله: (ذلك مستقر لها): هذا تفسير لقوله -تعالى-: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا}
وفي المراد بمستقرّها، أقوال:
أحدهما: أن المراد: مستقرها المكاني، وهو تحت العرش مما يلي الأرض، من ذلك الجانب، وهي أينما كانت فهي تحت العرش، هي وجميع المخلوقات؛ لأنه سقفها، ذكره ابن كثير.
الثاني: أن المراد بمستقرها هو منتهى سيرها، عند انتهاء الدنيا، وذلك يوم القيامة، يبطل سيرها، وتسكن حركتها، وتكور، وينتهي هذا العالم إلى غايته، وهذا مستقرها الزماني، ذكره ابن كثير.
الثالث: وقيل: هو غاية ما تنتهي إليه في الارتفاع، وذلك أطول يوم في السنة، وردّ هذا القول الحافظ لما جاء في ألفاظ الحديث: (تسجد تحت العرش)
الرابع: أن المقصود بالمستقرّ، الموضع الذي تسجد فيه لربها، وتستأذن بمواصلة سيرها، وهذا تفسيره بما جاء في السنة، كما في حديث أبي ذر قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قول الله -تعالى-: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا} قال: ((مستقرها تحت العرش)) . رواه مسلم
وهذا القول هو الظاهر في اختيار الحافظ قال: وظاهر الحديث أن المراد بالاستقرار: وقوعه في كل ليلة ويوم عند سجودها، ومقابل الاستقرار: المسير المعبر عنه بالجري .
واختاره المصنف، قال: فسجودها في أرفع ما تكون، وأقرب ما تكون إلى العرش، وهي دائماً تحت العرش كما هو معلوم، ولكن سجودها في مكان معين من مسيرها.
وكونها تسجد تحت العرش لا يقتضي مفارقتها لفلكها وانتظامها في مسيرها بالنسبة للأرض، فهي دائمة الطلوع على جزء من الأرض، والأوقات بالنسبة إلى أهل الأرض تختلف بمقدار سيرها.
قوله: (تستأذن في السجود، فيؤذن لها) أي: تطلب من الله الإذن في مواصلة سيرها في حالة سجودها، فيأذن الله -تعالى- لها إلى الوقت الذي تستأذن، ثم لا يؤذن لها، فتبقي في مكانها، ثم يقال لها: ارجعي من حيث جئت، فينعكس سيرها، حيث تطلع على الناس من المغرب، وعند ذلك يؤمنون، ولكن لا ينفعهم إيمانهم، كما أخبر الله -تعالى- بذلك، وهذا إيذان بانقضاء هذه الدار.

إشكال وجوابه
ربما يقول قائل: أين سجودها تحت العرش؟ ومتى يكون؟ وسيرها مستمر، وبعدها عن الأرض لا يختلف في وقت من الأوقات كما أن سيرها لا يتغير، كما هو مشاهد.
والجواب: أنها تسجد كل ليلة تحت العرش، كما أخبر به الصادق المصدوق، وهي طالعة على جانب من الأرض، مع سيرها في فلكها، وهي دائماً تحت العرش، في الليل والنهار، بل وكل شيء من المخلوقات تحت العرش، لكنها في وقت من سيرها، وفي مكان معين، يصلح سجودها، الذي لا يدركه الخلق، ولكن علم بالوحي، وهو سجود يناسبها على ظاهر النص.
وأما التسخير: فهي لا تنفك عنه أبدًا، والله أعلم.
وقد ذكر الله -تعالى- في كتابه أن الشمس والقمر يسجدان له تعالى فقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ}




حديث زيد بن ثابت موقوفًا: (أرسل إلىَّ أبو بكر، فتتبعت القرآن، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} حتى خاتمة براءة ".
ترجمة راوي الحديث
هو زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان، النجاري، الأنصاري، أبو سعيد، ويقال: أبو خارجة، قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة، وهو ابن إحدى عشرة سنة.
من فضائله:
كان يكتب الوحي.
قال الشعبي: غلب زيد الناس على اثنتين، الفرائض، والقرآن، وكان أحد أصحاب الفتوى من الصحابة.
وقال مسروق: " قدمت المدينة، فوجدت زيد بن ثابت من الراسخين في العلم"، وفضائله كثيرة.
وفاته: توفي سنة 48، وقيل: 51، وقيل: 55، وقيل غير ذلك.

مناسبة الحديث للباب
هو ذكر العرش في الآية الكريمة، حيث قال تعالى: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}
شرح مفردات الحديث
قوله: (حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره) يعني: أنه ما وجدها مكتوبة، مثبتة بالكتابة، إلا عند أبي خزيمة.
وليس معنى ذلك أنه لم يحفظها إلا أبو خزيمة، فإن زيداً وأُبياً، وأبا بكر، وغيرهم من الصحابة، كانوا يحفظون القرآن كله، وهو يريد من كتبها عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بدون واسطة.
قال الحافظ: " الحق أن المراد بالنفي: نفي وجودها مكتوبة، لا نفي كونها محفوظة"
وأبو خزيمة، قيل: هو ابن أوس بن يزيد بن أحرم، مشهور بكنيته، دون اسمه، وقيل: هو الحارث بن خزيمة.
وأما خزيمة، فهو ابن ثابت ذو الشهادتين.
وموضع الشاهد من الحديث: قوله تعالى: {وهو ربّ العرش العظيم} أي: مالكه والمتصرّف فيه.
والآية تدلّ على أنه تعالى هو مالك كل شيء، وخالقه؛ لأن العرش العظيم، هو سقف المخلوقات، وجميع الخلائق من السماوات والأرضيين وما فيهما وما بينهما، تحت العرش، مقهورون بقدرة الله -تعالى-، يُفهم ذلك مما ذكره ابن كثير

حديث ابن عباس مرفوعًا: " لا إله إلا الله العليم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات، ورب الأرض، ورب العرش الكريم ".
مناسبة الحديث للباب
قوله: ((رب العرش العظيم))، وقوله: ((رب العرش الكريم))، وكلاهما وصف للعرش.
شرح مفردات الحديث
قوله: (يقول عند الكرب) الكرب -بفتح الكاف، وسكون الراء- هو: الغم الذي يأخذ النفس، ذكره الأزهري.
ولفظة (كان): تدل على كثرة وقوع ذلك منه -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن لفظة (كان) تدل على الاستمرار غالباً.
قوله: (لا إله إلا الله) الإله هو: المعبود الذي تأله القلوب، وتذل له، وتحبه، وتعظمه، وتخافه، وترجوه، فالإله هو الذي يقصد بالخوف والرجاء، مع الذل والتعظيم.
فقوله: ( لا إله إلا الله) أي: لا أتوجه بقلبي عابداً وخاضعاً، متذللاً، خائفاً، راجياً، إلا إلى الله وحده، فهو إلهي، ومعبودي، الذي يملك نفعي وضري.
وأسعد الخلق أعظمهم عبودية لله تعالى.
قوله: (العليم الحليم) أي: هو تعالى العظيم بكل شيء، فيعلم حالي، وما نزل به، ويعلم أسبابه، وما يترتب عليه، لا يخفى عليه خافية، فعلمه محيط بكل شيء.
وهو -تعالى- حليم لا يعجل بالعقوبة لمن يستحقها، بل يعفو ويتجاوز، وحلمه عن علم وحكمة، فله -تعالى- الكمال المطلق.
قال الكرماني: " [وذكر] لفظ "الحليم"؛ لأن كرب المؤمن غالباً إنما هو على نوع تقصير أو غفلة في الطاعات"
قوله: ( لا إله إلا الله رب العرش العظيم )
وقوله: (لا إله إلا الله رب السماوات والأرض، ورب العرش الكريم) ، والرب هو: المالك المتصرف، القائم على كل مربوب بما يحتاجه من تربية في شئون حياته كلها.
والربوبية نوعان: عامة، وخاصة.
وقد جمع النوعين في هذا الحديث، فتوسل بأنه رب العرش العظيم الكريم، وبأنه رب السماوات والأرض.
قال الكرماني: " وذكر لفظ " الرب" من بين سائر الأسماء الحسنى؛ ليناسب كشف الكروب، الذي هو مقتضى التربية"
فضل هذا الدعاء
- اشتمل هذا الدعاء العظيم على التوجه إلى الله -تعالى- بأنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الإلهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات.
- وفيه تكرار التوسّل بإلـهيته تعالى، الذي هو إخلاص العبادة والتوجه إلى الله بصدق، ورغبة، ورهبة، وهذا من أعظم الوسائل إلى الله -تعالى-، قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ}، فإخلاص التأله والدعاء لله وحده، هو مفزع جميع العقلاء من المؤمنين والكفار.
والمقصود من الحديث: قوله: (رب العرش العظيم) وقوله: (رب العرش الكريم) وكلاهما وصف للعرش، وصف بأنه عظيم، وبأنه كريم، والعظمة تدل على الكبر، والسعة، والكرم يدل على الحسن، والجمال، والسعة أيضاً.

حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا: ((يصعقون يوم القيامة فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش))، وفي رواية أبي هريرة: ((فأكون أول من بعث، فإذا موسى آخذ بالعرش.))

مناسبة الحديث للباب
قوله: ((فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش))، وفي رواية أبي هريرة: ((آخذ بالعرش))، والمراد بالعرش: عرش رب العالمين.
شرح مفردات الحديث
الصعق: غشي يلحق من سمع صوتاً شديداً أو يرى شيئاً هائلاً مفزعاً.
وقد اختلف في هذا الصعق المذكور في هذا الحديث:
فقيل: أنها نفخة البعث، وهي النفخة الثانية في الصور.
وقيل: يحتمل أن يكون المراد بهذه صعقة فزع، بعد النشر، حين تنشق السماوات والأرض، وهذا قول القاضي عياض.
وقرر ابن القيم أن هذا الصعق إنما هو في الموقف، إذا جاء رب العالمين – جل وعلا – لفصل القضاء بين عباده.
والصواب: أن الصعق المذكور هو النفخة الثانية في الصور، وهي نفخة البعث، ففي رواية أبي هريرة: (فإنه ينفخ في الصور، فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى آخذ بالعرش)، وفي رواية أخرى: (إني أول من يرفع رأسه بعد النفخة الآخرة، فإذا أنا بموسى متعلق بالعرش) ، وفي أخرى: (إني أول من يرفع رأسه بعد النفخة الثانية)، وفي رواية مسلم: (ثم ينفخ فيه أخرى، فأكون أول من بعث)
قوله: (فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش)، وفي رواية أبي هريرة: (آخذ بالعرش) أي: أنه –صلى الله عليه وسلم- يجد موسى عليه السلام بعد ما بعث، ممسكاً بأحد قوائم العرش، والمراد بالعرش: عرش رب العالمين.
وفي هذا فضل لموسى عليه السلام، حيث بعث قبل نبينا –صلى الله عليه وسلم- وهذه القبلية في البعث:
1) إما مجرد فضيلة خصه الله بها كما خص بالتكليم.
2) وإما جزاء بالصعقة التي أصابته، يوم سأل ربه الرؤية عندما تجلى الله -تعالى- للجبل، والله أعلم.

خلاصة هذا الباب:
مما تقدم من النصوص التي ذكرها البخاري – رحمه الله – هنا وغيرها، يظهر ما اختصّ الله تعالى به العرش من الشرف، والفضل:
- فإنه تعالى خص العرش من بين مخلوقاته، بأنه استوى عليه.
- وأنه فوق جميع المخلوقات.
- وأنه له حملة اليوم، ويوم القيامة.
- وأنه -تعالى- تعبد من شاء من ملائكته بأن يحفوا به، ويطوفوا به، وأن حملته ومن حوله من الملائكة يسبحون الله -تعالى- ويستغفرون للمؤمنين.
- وأنه أول المخلوقات المعلومة لنا، فقد أخبر تعالى أن عرشه كان على الماء قبل أن يخلق السماوات والأرض، كما قال -تعالى-: {وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء}
- وأنه سقف أعلى الجنان، وهي الفردوس.
- ووصف الله تعالى العرش بأنه عظيم، وأنه كريم، وأنه مجيد.

- وكثيراً ما يمدح الله -تعالى- نفسه بأنه ذو العرش، كما قال -تعالى-: {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً (42) سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً (43) تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده لكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً}، وقال -تعالى-: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ}.
- وجاء في الحديث الصحيح ما يدل على أنه أثقل الأوزان، كما في قوله –صلى الله عليه وسلم- لجويرية: ((لقد قلت بعدك أربع كلمات، ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته)).
وكل ذلك يدل على أن الله فوق العرش مستوٍ عليه، وقد اتفق على هذا الأنبياء كلهم، وذكر في كل كتاب أنزل على كل نبي، واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها من جميع الطوائف، إلا من ضل الحق واتبع غير سبيل المؤمنين من الجهمية والمعتزلة والأشعرية وغيرهم.

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ملخص, شرح


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:09 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir