دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دروس التفسير لبرنامج إعداد المفسّر > دروس تفسير سورة البقرة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 شوال 1435هـ/18-08-2014م, 09:21 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تفسير قول الله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}

تفسير قول الله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}

تفسير قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله عزّ وجلّ: {اهدنا الصّراط المستقيم (6)} معناه: المنهاج الواضح، قال الشاعر:

أمير المؤمنين على صراط.......إذا اعوج المناهج مستقيم
أي: على طريق واضح.
ومعنى {اهدنا} وهم مهتدون: ثبّتنا على الهدى، كما تقول للرجل القائم: قم لي حتى أعود إليك. تعني: أثبت لي على ما أنت عليه). [معاني القرآن: 1 /49]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {اهدنا} رغبة لأنها من المربوب إلى الرب، وهكذا صيغة الأمر كلها، فإذا كانت من الأعلى فهي أمر، والهداية في اللغة الإرشاد، لكنها تتصرف على وجوه يعبر عنها المفسرون بغير لفظ الإرشاد، وكلها إذا تؤملت رجعت إلى الإرشاد، فالهدى يجيء بمعنى خلق الإيمان في القلب، ومنه قوله تعالى: {أولئك على هدىً من ربّهم}[البقرة: 5] وقوله تعالى: {واللّه يدعوا إلى دار السّلام ويهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ} [يونس: 25] وقوله تعالى: {إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ اللّه يهدي من يشاء}[القصص: 56] وقوله تعالى: {فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام} [الأنعام: 125].
قال أبو المعالي: فهذه آية لا يتجه حملها إلا على خلق الإيمان في القلب، وهو محض الإرشاد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد جاء الهدى بمعنى الدعاء، من ذلك قوله تعالى: {ولكلّ قومٍ هادٍ}[الرعد: 7] أي: داع وقوله تعالى: {وإنّك لتهدي إلى صراطٍ مستقيمٍ}[الشورى: 52] وهذا أيضا يبين فيه الإرشاد، لأنه ابتداء إرشاد، أجاب المدعو أو لم يجب، وقد جاء الهدى بمعنى الإلهام، من ذلك قوله تعالى: {أعطى كلّ شيءٍ خلقه ثمّ هدى}[طه: 5].
قال المفسرون: معناه «ألهم الحيوانات كلها إلى منافعها». وهذا أيضا بين فيه معنى الإرشاد، وقد جاء الهدى بمعنى البيان، من ذلك قوله تعالى: {وأمّا ثمود فهديناهم}[فصلت: 17].
قال المفسرون: «معناه بينا لهم». قال أبو المعالي: معناه: دعوناهم ومن ذلك قوله تعالى: {إنّ علينا للهدى}[الليل: 12] أي: علينا أن نبين، وفي هذا كله معنى الإرشاد.
قال أبو المعالي: وقد ترد الهداية والمراد بها إرشاد المؤمنين إلى مسالك الجنان والطرق المفضية إليها، من ذلك قوله تعالى في صفة المجاهدين: {فلن يضلّ أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم} [محمد:5] ومنه قوله تعالى: {فاهدوهم إلى صراط الجحيم} [الصافات: 23] معناه: فاسلكوهم إليها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذه الهداية بعينها هي التي تقال في طرق الدنيا، وهي ضد الضلال وهي الواقعة في قوله تعالى: {اهدنا الصّراط المستقيم} على صحيح التأويل، وذلك بين من لفظ الصّراط، والهدى لفظ مؤنث، وقال اللحياني: «هو مذكر» قال ابن سيده: «والهدى اسم من أسماء النهار» قال ابن مقبل:
حتى استبنت الهدى والبيد هاجمة ...... يخشعن في الآل غلفا أو يصلينا
والصّراط في اللغة: الطريق الواضح، فمن ذلك قول جرير:
أمير المؤمنين على صراط ...... إذا اعوج الموارد مستقيم
ومنه قول الآخر:
فصد عن نهج الصراط الواضح
وحكى النقاش: «الصراط: الطريق بلغة الروم».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف جدا.
واختلف القراء في الصّراط فقرأ ابن كثير وجماعة من العلماء: «السراط» بالسين، وهذا هو أصل اللفظة.
قال الفارسي: «ورويت عن ابن كثير بالصاد». وقرأ باقي السبعة غير حمزة بصاد خالصة وهذا بدل السين بالصاد لتناسبها مع الطاء في الاطباق فيحسنان في السمع، وحكاها سيبويه لغة.
قال أبو علي: روي عن أبي عمرو السين والصاد، والمضارعة بين الصاد والزاي، رواه عنه العريان بن أبي سفيان. وروى الأصمعي عن أبي عمرو أنه قرأها بزاي خالصة.
قال بعض اللغويين: «ما حكاه الأصمعي من هذه القراءة خطأ منه، إنما سمع أبا عمرو يقرأ بالمضارعة فتوهمها زايا، ولم يكن الأصمعي نحويا فيؤمن على هذا».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وحكى هذا الكلام أبو علي عن أبي بكر بن مجاهد. وقرأ حمزة بين الصاد والزاي. وروي أيضا عنه أنه إنما يلتزم ذلك في المعرفة دون النكرة.
قال ابن مجاهد: «وهذه القراءة تكلف حرف بين حرفين، وذلك أصعب على اللسان، وليس بحرف يبنى عليه الكلام ولا هو من حروف المعجم، ولست أدفع أنه من كلام فصحاء العرب، إلا أن الصاد أفصح وأوسع».
وقرأ الحسن والضحاك: «اهدنا صراطا مستقيما» دون تعريف وقرأ جعفر بن محمد الصادق: «اهدنا صراط المستقيم» بالإضافة وقرأ ثابت البناني: «بصرنا الصراط».
واختلف المفسرون في المعنى الذي استعير له الصّراط في هذا الموضع وما المراد به، فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «الصّراط المستقيم هنا القرآن» وقال جابر: «هو الإسلام» يعني الحنيفية. وقال: «سعته ما بين السماء والأرض». وقال محمد بن الحنفية: «هو دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره» وقال أبو العالية: «هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه أبو بكر وعمر». وذكر ذلك للحسن بن أبي الحسن، فقال: صدق أبو العالية ونصح.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويجتمع من هذه الأقوال كلها أن الدعوة إنما هي في أن يكون الداعي على سنن المنعم عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين في معتقداته، وفي التزامه لأحكام شرعه، وذلك هو مقتضى القرآن والإسلام، وهو حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، وهذا الدعاء إنما أمر به المؤمنون وعندهم المعتقدات وعند كل واحد بعض الأعمال، فمعنى قولهم {اهدنا} فيما هو حاصل عندهم طلب التثبيت والدوام، وفيما ليس بحاصل إما من جهة الجهل به أو التقصير في المحافظة عليه طلب الإرشاد إليه.
وأقول إن كل داع به فإنما يريد الصّراط بكماله في أقواله وأفعاله ومعتقداته، فيحسن على هذا أن يدعو في الصراط على الكمال من عنده بعضه ولا يتجه أن يراد بـ{اهدنا} في هذه الآية اخلق الإيمان في قلوبنا، لأنها هداية مقيدة إلى صراط ولا أن يراد بها ادعنا، وسائر وجوه الهداية يتجه، والصّراط نصب على المفعول الثاني، والمستقيم الذي لا عوج فيه ولا انحراف، والمراد أنه استقام على الحق وإلى غاية الفلاح، ودخول الجنة، وإعلال مستقيم أن أصله مستقوم نقلت الحركة إلى القاف وانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها). [المحرر الوجيز: 1 /84-88]

تفسير قوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {صراط الّذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين (7)}
صفة لقوله عزّ وجلّ: {الصراط المستقيم}، ولك في (عليهم) ضم الهاء وكسرها، تقول: الذين أنعمت عليهُم وعليهِم، وعلي هاتين اللغتين معظم القراء، ويجوز (عليهمو) بالواو، والأصل في هذه الهاء في قولك: "ضربتهو يا فتى" و "مررت بهو يا فتى" أن يتكلم بها في الوصل بواو، فإذا وقفت لخط: ضربته ومررت به.
وزعم سيبويه أن الواو زيدت على الهاء في المذكر كما زيدت الألف في المؤنث في قولك: ضربتها ومررت بها، ليستوي المذكر والمؤنث في باب الزيادة.
والقول في هذه الواو عند أصحاب سيبويه والخليل أنها إنما زيدت لخفاء الهاء؛ وذلك أنّ الهاء تخرج من أقصى الحلق، والواو بعد الهاء أخرجتها من الخفاء إلى الإبانة، فلهذا زيدت، وتسقط في الوقف، كما تسقط الصفة والكسرة في قولك: أتاني زيد، ومررت بزيد، أي أنّها واو وصل فلا تثبت لئلا يلتبس الوصل بالأصل.
فإذا قلت: "مررت بهو يا فتى" فإن شئت قلت: "مررت بهي" فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، أعني الياء المنكسرة فإن قال قائل: بين الكسرة والواو: الهاء، قيل الهاء ليست بحاجز حصين، فكأن الكسرة تلي الواو، ولو كانت الهاء حاجزا حصينا ما زيدت الواو عليها. وقد قرئ (فخسفنا بهي وبدارهي الأرض)، و(بهو وبدارهو الأرض)، من قراءة أهل الحجاز.
فإن قلت: "فلان عليه مال"، فلك فيه أربعة أوجه: إن شئت كسرت الهاء، وإن شئت أثبت الياء، وكذلك في الضم: إن شئت ضممت الهاء، وإن شئت أثبتّ الواو، فقلت "عليهِ" و"عليهي"، و"عليهُ" و"عليهو" مال.
وأما قوله عزّ وجلّ: {إن تحمل عليه يلهث} وقوله: {إلا ما دمت عليه قائماً} القراءة بالكسر بغير ياء في " عليه" وهي أجود هذه الأربعة، ولا ينبغي أن يقرأ بما يجوز إلا أن تثبت به رواية صحيحة، أو يقرأ به كثير من القراء، فمن قال: "عليهُ مال" (بالضم) فالأصل فيه: "عليهو مال"، ولكن حذف الواو لسكونها وسكون الياء واجتماع ثلاثة أحرف متجانسة، وترك الضمة لتدل على الواو، ومن قال "عليهو" فإنما أثبت الواو على الأصل، ويجعل الهاء حاجزا، وهذا أضعف الوجوه؛ لأن الهاء ليست بحاجز حصين، ومن قال: "عليهِ مالا" فإنما قدر "عليهي مال" فقلب الواو ياء للياء التي قبلها، ثم حذف الياء لسكونها وسكون الياء التي قبلها، كما قلبت الواو في قوله: "مررت به يا فتى". ومن قال: "عليهي مال"؛ فالحجة في إثبات الياء كالحجة في إثبات الواو ألا ترى أن "عليهي مال" أجود من "عليهو مال".
وأجود اللغات ما في القرآن وهو قول: {عليه قائماً} والذي يليه في الجودة "عليهُ مال" بالضم، ثم يلي هذا "عليهي مال" ثم "عليهو مال" بإثبات الواو، وهي أردأ الأربعة.
فأما قولهم {عليهم} فأصل الهاء فيما وصفنا أن تكون معها ضمة، إلا أن الواو قد سقطت، وإنما تكسر الهاء للياء التي قبلها، وإنّما يكون ما قبل ميم الإضمار مضموماً فإنما أتت هذه الضمة لميم الإضمار، وقلبت كسرة للياء.
وإنّما كثر "عَلَيْهِمْ" في القرآن و(عليهُم)، ولم يكثر (عليهمي) و(عليهمو)؛ لأنّ الضمة التي على الهاء من "عليهم" للميم، فهي أقوى في الثبوت، ألا ترى أن هذه الضمة تأتي على الميم في كل ما لحقته الميم نحو "عليكُم"، و"بكُم"، و"منكُم"، ولا يجوز في عليكم: "عليكِم" (بكسر الكاف) لأن الكاف حاجز حصين بين الياء والميم، فلا تقلب كسرة، وقد روي عن بعض العرب: "عليكِم" و "بكِم" (بكسر الكاف)، ولا يلتفت إلى هذه الرواية، وأنشدوا:

وإن قال مولاهم على جل حادث.......إن الدهر ردوا بعض أحلامكم ردوا
بكسر الكاف وهذه لغة شاذة، والرواية الصحيحة: فضل أحلامكم، وعلى الشذوذ أنشد ذلك سيبويه.
فأما "عليهمو" فأصل الجمع أن يكون بواو، ولكن الميم استغنى بها عن الواو، والواو تثقل على ألسنتهم، حتى إنه ليس في أسمائهم اسم آخره واو قبلها حركة، فلذلك حذفت الواو، فأمّا من قرأ "عليهموا ولا الضالين" فقليل. ولا ينبغي أن يقرأ إلا بالكثير، وإن كان قد قرأ به قوم؛ فإنه أقل من الحذف بكثير في لغة العرب.
وقوله عزّ وجلّ: {غير المغضوب عليهم} فيخفض (غير) على وجهين، على البدل من {الذين} كأنّه قال: صراط غير المغضوب عليهم، ويستقيم أن يكون {غير المغضوب عليهم} من صفة {الذين}، وإن كان (غير) أصله أن يكون في الكلام صفة للنكرة، تقول: مررت برجل غيرك، فغيرك صفة لرجل، كأنك قلت: مررت برجل آخر.
ويصلح أن يكون معناه: مررت برجل ليس بك وإنما وقع ههنا صفة للذين لأن "الذين" ههنا ليس بمقصود قصدهم فهو بمنزلة قولك: "إني لأمرّ بالرجل مثلك فأكرمه".
ويجوز نصب (غير) على ضربين: على الحال وعلى الاستثناء، فكأنك قلت: إلا المغضوب عليهم، وحق غير من الإعراب في الاستثناء: النصب إذا كان ما بعد إلا منصوبا، فأما الحال فكأنك قلت فيها: صراط الذين أنعمت عليهم لا مغضوبا عليهم.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا الضالّين} فإنما عطف بالضالين على المغضوب عليهم، وإنما جاز أن يقع (لا) في قوله تعالى: {ولا الضالين}؛ لأن
معنى (غير) متضمن معنى النفي، يجيز النحويون "أنت زيدا غير ضارب"، لأنه بمنزلة قولك "أنت زيدا لا تضرب"، ولا يجيزون أنت زيدا مثل ضارب، لأن زيدا من صلة ضارب فلا يتقدم عليه.
وقول القائلين بعد الفراغ من الحمد، ومن الدعاء " آمين " فيه لغتان، تقول العرب: أمين، وآمين، قال الشاعر:

تباعد عني فطحل إذ دعوته......أمين فزاد اللّه ما بيننا بعدا
وقال الشاعر أيضاً:

يا ربّ لا تسلبني حبّها أبدا.......ويرحم اللّه عبدا قال آمينا

ومعناه: اللهم استجب، وهما موضوعان في موضع اسم الاستجابة، كما أن قولنا: (صه) موضوع موضع سكوتا.
وحقهما من الإعراب الوقف؛ لأنهما بمنزلة الأصوات إذ كانا غير مشتقين من فعل إلا أن النون فتحت فيهما لالتقاء السّاكنين،
فإن قال قائل: إلا كسرت النون لالتقاء السّاكنين،
قيل: الكسرة تثقل بعد الياء، ألا ترى أن "أين" و"كيف" فتحتا لالتقاء السّاكنين ولم تكسرا؛ لثقل الكسرة بعد الياء). [معاني القرآن: 1 /51-54]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({اهدنا الصّراط المستقيم}
قراءة الجمهور بالصّادّ. وقرئ: "السّراط" وقرئ بالزّاي، قال الفرّاء: وهي لغة بني عذرة وبلقين وبني كلب.
لما تقدم الثناء على المسؤول، تبارك وتعالى، ناسب أن يعقّب بالسّؤال؛ كما قال: [فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل] وهذا أكمل أحوال السّائل، أن يمدح مسؤوله، ثمّ يسأل حاجته [وحاجة إخوانه المؤمنين بقوله: {اهدنا}]، لأنّه أنجح للحاجة وأنجع للإجابة، ولهذا أرشد اللّه تعالى إليه لأنّه الأكمل، وقد يكون السّؤال بالإخبار عن حال السّائل واحتياجه، كما قال موسى عليه السّلام: {ربّ إنّي لما أنزلت إليّ من خيرٍ فقيرٌ}[القصص: 24] وقد يتقدمه مع ذلك وصف المسؤول، كقول ذي النّون: {لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين}[الأنبياء: 87] وقد يكون بمجرد الثناء على المسؤول، كقول الشّاعر:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني ...... حياؤك إنّ شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يومًا ...... كفاه من تعرّضه الثّناء
والهداية هاهنا: الإرشاد والتّوفيق، وقد تعدّى الهداية بنفسها كما هنا {اهدنا الصّراط المستقيم} فتضمّن معنى ألهمنا، أو وفّقنا، أو ارزقنا، أو اعطنا؛ {وهديناه النّجدين}[البلد: 10] أي: بيّنّا له الخير والشّرّ، وقد تعدّى بإلى، كقوله تعالى: {اجتباه وهداه إلى صراطٍ مستقيمٍ}[النّحل: 121] {فاهدوهم إلى صراط الجحيم}[الصّافّات: 23] وذلك بمعنى الإرشاد والدّلالة، وكذلك قوله تعالى: {وإنّك لتهدي إلى صراطٍ مستقيمٍ}[الشّورى: 52] وقد تعدّى باللّام، كقول أهل الجنّة: {الحمد للّه الّذي هدانا لهذا} [الأعراف: 43] أي: وفّقنا لهذا وجعلنا له أهلًا.
وأمّا الصّراط المستقيم، فقال الإمام أبو جعفر بن جريرٍ: أجمعت الأمّة من أهل التّأويل جميعًا على أنّ "الصّراط المستقيم" هو الطّريق الواضح الّذي لا اعوجاج فيه.
وكذلك ذلك في لغة جميع العرب، فمن ذلك قول جرير بن عطيّة الخطفي:
أمير المؤمنين على صراطٍ ...... إذا اعوجّ الموارد مستقيم
قال: والشّواهد على ذلك أكثر من أن تحصر، قال: ثمّ تستعير العرب الصّراط فتستعمله في كلّ قولٍ وعملٍ، وصف باستقامةٍ أو اعوجاجٍ، فتصف المستقيم باستقامته، والمعوجّ باعوجاجه.
ثمّ اختلفت عبارات المفسّرين من السّلف والخلف في تفسير الصّراط، وإن كان يرجع حاصلها إلى شيءٍ واحدٍ، وهو المتابعة للّه وللرّسول؛ فروي أنّه كتاب اللّه، قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا الحسن بن عرفة، حدّثني يحيى بن يمانٍ، عن حمزة الزّيّات، عن سعدٍ، وهو أبو المختار الطّائيّ، عن ابن أخي الحارث الأعور، عن الحارث الأعور، عن عليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «الصّراط المستقيم كتاب اللّه». وكذلك رواه ابن جريرٍ، من حديث حمزة بن حبيبٍ الزّيّات، وقد [تقدّم في فضائل القرآن فيما] رواه أحمد والتّرمذيّ من رواية الحارث الأعور، عن عليٍّ مرفوعًا: «وهو حبل اللّه المتين، وهو الذّكر الحكيم، وهو الصّراط المستقيم».
وقد روي هذا موقوفًا عن عليٍّ، وهو أشبه، واللّه أعلم.
وقال الثّوريّ، عن منصورٍ، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه، قال: «الصّراط المستقيم: كتاب اللّه»، وقيل: هو الإسلام.
وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: «قال جبريل لمحمّدٍ، عليهما السّلام: قل: يا محمّد،{اهدنا الصّراط المستقيم}. يقول: اهدنا الطّريق الهادي، وهو دين اللّه الّذي لا عوج فيه».
وقال ميمون بن مهران، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {اهدنا الصّراط المستقيم} قال: «ذاك الإسلام».
وقال إسماعيل بن عبد الرّحمن السّدّيّ الكبير، عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {اهدنا الصّراط المستقيم} قالوا: «هو الإسلام».
وقال عبد اللّه بن محمّد بن عقيلٍ، عن جابرٍ: {اهدنا الصّراط المستقيم} قال: «الإسلام»، قال: «هو أوسع ممّا بين السّماء والأرض».
وقال ابن الحنفيّة في قوله تعالى: {اهدنا الصّراط المستقيم} قال: «هو دين اللّه، الّذي لا يقبل من العباد غيره».
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: {اهدنا الصّراط المستقيم}، قال: «هو الإسلام».
وفي [معنى] هذا الحديث الّذي رواه الإمام أحمد في مسنده، حيث قال: حدّثنا الحسن بن سوّارٍ أبو العلاء، حدّثنا ليثٌ يعني ابن سعدٍ، عن معاوية بن صالحٍ: أنّ عبد الرّحمن بن جبير بن نفيرٍ، حدّثه عن أبيه، عن النّوّاس بن سمعان، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ضرب اللّه مثلًا صراطًا مستقيمًا، وعلى جنبتي الصّراط سوران فيهما أبوابٌ مفتّحةٌ، وعلى الأبواب ستورٌ مرخاةٌ، وعلى باب الصّراط داعٍ يقول: يا أيّها النّاس، ادخلوا الصّراط جميعًا ولا تعوّجوا، وداعٍ يدعو من فوق الصّراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب، قال: ويحك، لا تفتحه؛ فإنّك إن تفتحه تلجه. فالصّراط الإسلام، والسّوران حدود اللّه، والأبواب المفتّحة محارم اللّه، وذلك الدّاعي على رأس الصّراط كتاب اللّه، والدّاعي من فوق الصّراط واعظ اللّه في قلب كلّ مسلمٍ».
وهكذا رواه ابن أبي حاتمٍ، وابن جريرٍ من حديث اللّيث بن سعدٍ به. ورواه التّرمذيّ والنّسائيّ جميعًا، عن عليّ بن حجرٍ عن بقيّة، عن بجير بن سعدٍ، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفيرٍ، عن النّوّاس بن سمعان، به.
وهو إسنادٌ صحيحٌ، واللّه أعلم.
وقال مجاهدٌ: {اهدنا الصّراط المستقيم}، قال: «الحقّ». وهذا أشمل، ولا منافاة بينه وبين ما تقدّم.
وروى ابن أبي حاتمٍ وابن جريرٍ، من حديث أبي النّضر هاشم بن القاسم؛ حدّثنا حمزة بن المغيرة، عن عاصمٍ الأحول، عن أبي العالية: {اهدنا الصّراط المستقيم} قال: «هو النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وصاحباه من بعده»، قال عاصمٌ: فذكرنا ذلك للحسن، فقال: «صدق أبو العالية ونصح».
وكلّ هذه الأقوال صحيحةٌ، وهي متلازمةٌ، فإنّ من اتّبع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، واقتدى باللّذين من بعده أبي بكرٍ وعمر، فقد اتّبع الحقّ، ومن اتّبع الحقّ فقد اتّبع الإسلام، ومن اتّبع الإسلام فقد اتّبع القرآن، وهو كتاب اللّه وحبله المتين، وصراطه المستقيم، فكلّها صحيحةٌ يصدّق بعضها بعضًا، وللّه الحمد.
وقال الطّبرانيّ: حدّثنا محمّد بن الفضل السّقطيّ، حدّثنا إبراهيم بن مهديٍّ المصّيصي، حدّثنا يحيى بن زكريّا بن أبي زائدة، عن الأعمش، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه، قال: «الصّراط المستقيم الّذي تركنا عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم».
ولهذا قال الإمام أبو جعفر بن جريرٍ، رحمه اللّه: والّذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي -أعني {اهدنا الصّراط المستقيم}- أن يكون معنيًّا به: وفّقنا للثّبات على ما ارتضيته ووفّقت له من أنعمت عليه من عبادك، من قولٍ وعملٍ، وذلك هو الصّراط المستقيم؛ لأنّ من وفّق لما وفق له من أنعم اللّه عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين، فقد وفق للإسلام، وتصديق الرّسل، والتّمسّك بالكتاب، والعمل بما أمره اللّه به، والانزجار عمّا زجره عنه، واتّباع منهاج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ومنهاج الخلفاء الأربعة، وكلّ عبدٍ صالحٍ، وكلّ ذلك من الصّراط المستقيم.
فإن قيل: كيف يسأل المؤمن الهداية في كلّ وقتٍ من صلاةٍ وغيرها، وهو متّصفٌ بذلك؟ فهل هذا من باب تحصيل الحاصل أم لا؟
فالجواب: أن لا، ولولا احتياجه ليلًا ونهارًا إلى سؤال الهداية لما أرشده اللّه إلى ذلك؛ فإنّ العبد مفتقرٌ في كلّ ساعةٍ وحالةٍ إلى اللّه تعالى في تثبيته على الهداية، ورسوخه فيها، وتبصّره، وازدياده منها، واستمراره عليها، فإنّ العبد لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا إلّا ما شاء اللّه، فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كلّ وقتٍ أن يمدّه بالمعونة والثّبات والتّوفيق، فالسّعيد من وفّقه اللّه تعالى لسؤاله؛ فإنّه تعالى قد تكفّل بإجابة الدّاعي إذا دعاه، ولا سيّما المضطرّ المحتاج المفتقر إليه آناء اللّيل وأطراف النّهار، وقد قال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا آمنوا باللّه ورسوله والكتاب الّذي نزل على رسوله والكتاب الّذي أنزل من قبل} الآية [النّساء: 136]، فقد أمر الّذين آمنوا بالإيمان، وليس في ذلك تحصيل الحاصل؛ لأنّ المراد الثّبات والاستمرار والمداومة على الأعمال المعينة على ذلك، واللّه أعلم.
وقال تعالى آمرًا لعباده المؤمنين أن يقولوا: {ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنّك أنت الوهّاب} وقد كان الصدّيق رضي اللّه عنه يقرأ بهذه الآية في الرّكعة الثّالثة من صلاة المغرب بعد الفاتحة سرًّا. فمعنى قوله تعالى: {اهدنا الصّراط المستقيم} استمرّ بنا عليه ولا تعدل بنا إلى غيره).[تفسير ابن كثير: 1/ 136-139]

تفسير قوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : {صراط الذين} بدل من الأول.
وقرأ عمر بن الخطاب، وابن الزبير: «صراط من أنعمت عليهم».
والّذين جمع الذي، وأصله «لذ»، حذفت منه الياء للتنوين كما تحذف من عم، وقاض، فلما دخلته الألف واللام ثبتت الياء. و«الذي» اسم مبهم ناقص محتاج إلى صلة وعائد، وهو مبني في إفراده وجمعه معرب في تثنيته. ومن العرب من يعرب جمعه، فيقول في الرفع اللذون، وكتب الذي بلام واحدة في الإفراد والجمع تخفيفا لكثرة الاستعمال، واختلف الناس في المشار إليهم بأنه أنعم عليهم.
فقال ابن عباس وجمهور من المفسرين: إنه أراد صراط النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وانتزعوا ذلك من قوله تعالى: {ولو أنّهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشدّ تثبيتاً، وإذاً لآتيناهم من لدنّا أجراً عظيماً ولهديناهم صراطاً مستقيماً ومن يطع اللّه والرّسول فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقاً} [النساء: 66- 69] فالآية تقتضي أن هؤلاء على صراط مستقيم، وهو المطلوب في آية الحمد.
وقال ابن عباس أيضا: «المنعم عليهم هم المؤمنون».
وقال الحسن بن أبي الحسن: «المنعم عليهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم».
وحكى مكي وغيره عن فرقة من المفسرين أن المنعم عليهم مؤمنو بني إسرائيل، بدليل قوله تعالى: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم}[البقرة: 40، 47، 122].
وقال ابن عباس: «المنعم عليهم أصحاب موسى قبل أن يبدلوا».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا والذي قبله سواء.
وقال قتادة بن دعامة: «المنعم عليهم الأنبياء خاصة».
وحكى مكي عن أبي العالية أنه قال: «المنعم عليهم محمد صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد تقدم ما حكاه عنه الطبري من أنه فسر الصّراط المستقيم بذلك، وعلى ما حكى مكي ينتقض الأول ويكون الصّراط المستقيم طريق محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما. وهذا أقوى في المعنى، لأن تسمية أشخاصهم طريقا تجوز، واختلف القراء في الهاء من عليهم، فقرأ حمزة «عليهم» بضم الهاء وإسكان الميم، وكذلك لديهم وإليهم. قرأ الباقون في جميعها بكسر الهاء واختلفوا في الميم.
فروي عن نافع التخيير بين ضمها وسكونها. وروي عنه أنه كان لا يعيب ضم الميم، فدل ذلك على أن قراءته كانت بالإسكان.
وكان عبد الله بن كثير يصل الميم بواو انضمت الهاء قبلها أو انكسرت فيقرأ «عليهمو وقلوبهمو وسمعهمو وأبصارهمو».
وقرأ ورش الهاء مكسورة والميم موقوفة، إلا أن تلقى الميم ألفا أصلية فيلحق في اللفظ واوا مثل قوله: {سواءٌ عليهم أأنذرتهم}[البقرة: 6].
وكان أبو عمرو، وعاصم، وابن عامر، والكسائي، يكسرون، ويسكنون الميم، فإذا لقي الميم حرف ساكن اختلفوا فكان عاصم، وابن كثير، ونافع يمضون على كسر الهاء وضم الميم، مثل قوله تعالى: {عليهم الذّلّة}[البقرة: 61، آل عمران: 112] و{من دونهم امرأتين}[القصص: 23] وما أشبه ذلك، وكان أبو عمرو يكسر الهاء والميم فيقول: «عليهم الذّلّة» و«إليهم اثنين» [يس: 14] وما أشبه ذلك.
وكان الكسائي يضم الهاء والميم معا، فيقرأ عليهم الذّلّة ومن دونهم امرأتين.
قال أبو بكر أحمد بن موسى: وكل هذا الاختلاف في كسر الهاء وضمها إنما هو في الهاء التي قبلها كسرة أو ياء ساكنة، فإذا جاوزت هذين لم يكن في الهاء إلا الضم، فإذا لم يكن قبل الميم هاء قبلها كسرة أو ياء ساكنة لم يجز في الميم إلا الضم والتسكين في مثل قوله تعالى: منكم وأنتم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وحكى صاحب الدلائل قال: «قرأ بعضهم عليهم وبواو وضمتين، وبعضهم بضمتين وألغى الواو، وبعضهم بكسرتين وألحق الياء، وبعضهم بكسرتين وألغى الياء، وبعضهم بكسر الهاء وضم الميم».
قال: «وذلك مروي عن الأئمة ورؤساء اللغة».
قال ابن جني: «حكى أحمد بن موسى عليهمو وعليهُمُ بضم الميم من غير إشباع إلى الواو، وعليهم بسكون الميم».
وقرأ الحسن وعمرو بن فائد «عليهمي».
وقرئ «عليهم» بكسر الميم دون إشباع إلى الياء.
وقرأ الأعرج: «عليهم» بكسر الياء وضم الميم من غير إشباع.
وهذه القراءات كلها بضم الهاء إلا الأخيرة وبإزاء كل واحدة منها قراءة بكسر الهاء فيجيء في الجميع عشر قراءات). [المحرر الوجيز: 1/ 88-90]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين}.
اختلف القراء في الراء من غير، فقرأ نافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي بخفض الراء، وقرأ ابن كثير بالنصب، وروي عنه الخفض.
قال أبو علي: «الخفض على ضربين: على البدل، من الّذين، أو على الصفة للنكرة، كما تقول مررت برجل غيرك، وإنما وقع هنا صفة ل الّذين لأن الّذين هنا ليس بمقصود قصدهم، فالكلام بمنزلة قولك إني لأمر بالرجل مثلك فأكرمه».
قال: «والنصب في الراء على ضربين: على الحال كأنك قلت أنعمت عليهم لا مغضوبا عليهم، أو على الاستثناء كأنك قلت إلا المغضوب عليهم، ويجوز النصب على أعني». وحكي نحو هذا عن الخليل.
ومما يحتج به لمن ينصب أن غير نكرة فكره أن يوصف بها المعرفة، والاختيار الذي لا خفاء به الكسر. وقد روي عن ابن كثير، فأولى القولين ما لم يخرج عن إجماع قراء الأمصار.
قال أبو بكر بن السراج: «والذي عندي أن غير في هذا الموضع مع ما أضيف إليه معرفة، وهذا شيء فيه نظر ولبس، فليفهم عني ما أقول: اعلم أن حكم كل مضاف إلى معرفة أن يكون معرفة، وإنما تنكرت غير ومثل مع إضافتهما إلى المعارف من أجل معناهما، وذلك إذا قلت رأيت غيرك فكل شيء سوى المخاطب فهو غيره، وكذلك إذا قلت رأيت مثلك فما هو مثله لا يحصى لكثرة وجوه المماثلة، فإنما صارا نكرتين من أجل المعنى فأما إذا كان شيء معرفة له ضد واحد وأردت إثباته، ونفي ضده، وعلم ذلك السامع فوصفته بغير وأضفت غير إلى ضده فهو معرفة، وذلك كقولك عليك بالحركة غير السكون، وكذلك قولك غير المغضوب لأن من أنعم عليه لا يعاقبه إلا من غضب عليه، ومن لم يغضب عليه فهو الذي أنعم عليه، فمتى كانت غير على هذه الصفة وقصد بها هذا المقصد فهي معرفة».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: أبقى أبو بكر الّذين على حد التعريف، وجوز نعتها ب غير لما بينه من تعرف غير في هذا الموضع، وغير أبي بكر وقف مع تنكر غير، وذهب إلى تقريب الّذين من النكرة إذ هو اسم شائع لا يختص به معين، وعلى هذا جوز نعتها بالنكرة، والمغضوب عليهم اليهود، والضالون النصارى. وهكذا قال ابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد، والسدي، وابن زيد، وروي ذلك عدي بن حاتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بين من كتاب الله تعالى، لأن ذكر غضب الله على اليهود متكرر فيه كقوله: {وباؤوا بغضبٍ من اللّه}[البقرة: 61، آل عمران: 112]، وكقوله تعالى: {قل هل أنبّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبةً عند اللّه من لعنه اللّه وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير}[المائدة: 60] فهؤلاء اليهود، بدلالة قوله تعالى بعده: {ولقد علمتم الّذين اعتدوا منكم في السّبت فقلنا لهم كونوا قردةً خاسئين} [البقرة: 65] والغضب عليهم هو من الله تعالى، وغضب الله تعالى عبارة عن إظهاره عليهم محنا وعقوبات وذلة ونحو ذلك، مما يدل على أنه قد أبعدهم عن رحمته بعدا مؤكدا مبالغا فيه، والنصارى كان محققوهم على شرعة قبل ورود شرع محمد صلى الله عليه وسلم، فلما ورد ضلوا، وأما غير محققيهم فضلالهم متقرر منذ تفرقت أقوالهم في عيسى عليه السلام. وقد قال الله تعالى فيهم: {ولا تتّبعوا أهواء قومٍ قد ضلّوا من قبل وأضلّوا كثيراً وضلّوا عن سواء السّبيل}[المائدة: 77].
قال مكي رحمه الله حكاية: دخلت لا في قوله ولا الضّالّين لئلا يتوهم أن الضّالّين عطف على الّذين.
قال: «وقيل هي مؤكدة بمعنى غير».
وحكى الطبري أن لا زائدة، وقال: هي هنا على نحو ما هي عليه في قول الراجز:
فما ألوم البيض ألا تسخرا ...... ... ... ... ...
أراد أن تسخر، وفي قول الأحوص:
ويلحينني في اللهو أن لا أحبّه ...... وللهو داع دائب غير غافل
وقال الطبري: يريد: ويلحينني في اللهو أن أحبه».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وبيت الأحوص إنما معناه إرادة أن لا أحبه ف «لا» فيه متمكنة.
قال الطبري: ومنه قوله تعالى: {ما منعك ألّا تسجد}[الأعراف: 12] وإنما جاز أن تكون لا بمعنى الحذف، ولأنها تقدمها الجحد في صدر الكلام، فسيق الكلام الآخر مناسبا للأول، كما قال الشاعر:
ما كان يرضي رسول الله فعلهم ...... والطيبان أبو بكر ولا عمر
وقرأ عمر بن الخطاب وأبي بن كعب: «غير المغضوب عليهم وغير الضالين».
وروي عنهما في الراء النصب والخفض في الحرفين.
قال الطبري: «فإن قال قائل أليس الضلال من صفة اليهود، كما أن النصارى عليهم غضب فلم خص كل فريق بذكر شيء مفرد؟ قيل: هم كذلك ولكن وسم الله لعباده كل فريق بما قد تكررت العبارة عنه به وفهم به أمره».
قال القاضي أبو محمد عبد الحق: وهذا غير شاف، والقول في ذلك أن أفاعيل اليهود من اعتدائهم، وتعنتهم، وكفرهم مع رؤيتهم الآيات، وقتلهم الأنبياء أمور توجب الغضب في عرفنا، فسمى تعالى ما أحل بهم غضبا، والنصارى لم يقع لهم شيء من ذلك، إنما ضلوا من أول كفرهم دون أن يقع منهم ما يوجب غضبا خاصا بأفاعيلهم، بل هو الذي يعم كل كافر وإن اجتهد، فلهذا تقررت العبارة عن الطائفتين بما ذكر، وليس في العبارة ب الضّالّين تعلق للقدرية في أنهم أضلوا أنفسهم لأن هذا إنما هو كقولهم تهدم الجدار وتحركت الشجرة والهادم والمحرك غيرهما، وكذلك النصارى خلق الله الضلال فيهم وضلوا هم بتكسبهم.
وقرأ أيوب السختياني: «الضألين» بهمزة غير ممدودة كأنه فر من التقاء الساكنين، وهي لغة.
حكى أبو زيد قال: سمعت عمرو بن عبيد يقرأ: «فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جأن» فظننته قد لحن حتى سمعت من العرب دأبة وشأبة.
قال أبو الفتح: وعلى هذه اللغة قول كثير:
... ... ... ... ...... إذا ما العوالي بالعبيط احمأرّت
وقول الآخر:
وللأرض أما سودها فتجللت ...... بياضا وأمّا بيضها فادهأمّت
وأجمع الناس على أنّ عدد آي سورة الحمد سبع آيات: {العالمين} آية، {الرّحيم} آية، {الدّين} آية، {نستعين} آية، {المستقيم} آية، {أنعمت عليهم} آية، {ولا الضّالّين} آية. وقد ذكرنا في تفسير {بسم الله الرحمن الرحيم} ما ورد من خلاف ضعيف في ذلك). [المحرر الوجيز: 1/ 90-95]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :
({صراط الّذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين}
قد تقدّم الحديث فيما إذا قال العبد: {اهدنا الصّراط المستقيم} إلى آخرها أنّ اللّه يقول: [هذا لعبدي ولعبدي ما سأل]. وقوله: {صراط الّذين أنعمت عليهم} مفسّرٌ للصّراط المستقيم. وهو بدلٌ منه عند النّحاة، ويجوز أن يكون عطف بيانٍ، واللّه أعلم.
و{الّذين أنعمت عليهم} هم المذكورون في سورة النّساء، حيث قال: {ومن يطع اللّه والرّسول فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقًا * ذلك الفضل من اللّه وكفى باللّه عليمًا}[النّساء: 69، 70].
وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «صراط الّذين أنعمت عليهم بطاعتك وعبادتك، من ملائكتك، وأنبيائك، والصّدّيقين، والشّهداء، والصّالحين؛ وذلك نظير ما قال ربّنا تعالى:{ومن يطع اللّه والرّسول فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم}الآية [النّساء: 69]».
وقال أبو جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ: {صراط الّذين أنعمت عليهم} قال: «هم النّبيّون».
وقال ابن جريج، عن ابن عبّاسٍ: «هم المؤمنون». وكذا قال مجاهدٌ.
وقال وكيع: «هم المسلمون».
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: «هم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ومن معه». والتّفسير المتقدّم، عن ابن عبّاسٍ أعمّ، وأشمل، واللّه أعلم.
وقوله تعالى: {غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين} [قرأ الجمهور: "غير" بالجرّ على النّعت، قال الزّمخشريّ: وقرئ بالنّصب على الحال، وهي قراءة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعمر بن الخطّاب، ورويت عن ابن كثيرٍ، وذو الحال الضّمير في {عليهم} والعامل: {أنعمت} والمعنى] اهدنا الصّراط المستقيم، صراط الّذين أنعمت عليهم ممّن تقدّم وصفهم ونعتهم، وهم أهل الهداية والاستقامة والطّاعة للّه ورسله، وامتثال أوامره وترك نواهيه وزواجره، غير صراط المغضوب عليهم، [وهم] الّذين فسدت إرادتهم، فعلموا الحقّ وعدلوا عنه، ولا صراط الضّالّين وهم الّذين فقدوا العلم فهم هائمون في الضّلالة لا يهتدون إلى الحقّ، وأكد الكلام بلا ليدلّ على أنّ ثمّ مسلكين فاسدين، وهما طريقتا اليهود والنّصارى.
وقد زعم بعض النّحاة أنّ {غير} هاهنا استثنائيّةٌ، فيكون على هذا منقطعًا لاستثنائهم من المنعم عليهم وليسوا منهم، وما أوردناه أولى، لقول الشّاعر:
كأنّك من جمال بني أقيش ...... يقعقع عند رجليه بشنّ
أي: كأنّك جملٌ من جمال بني أقيشٍ، فحذف الموصوف واكتفى بالصّفة، وهكذا، {غير المغضوب عليهم}
أي: غير صراط المغضوب عليهم.
اكتفى بالمضاف إليه عن ذكر المضاف، وقد دلّ عليه سياق الكلام، وهو قوله تعالى: {اهدنا الصّراط المستقيم * صراط الّذين أنعمت عليهم} ثمّ قال تعالى: {غير المغضوب عليهم} ومنهم من زعم أنّ (لا) في قوله: {ولا الضّالّين} زائدةٌ، وأن تقدير الكلام عنده: غير المغضوب عليهم والضّالّين، واستشهد ببيت العجّاج:
في بئر لا حورٍ سرى وما شعر
أي: في بئر حورٍ.
والصّحيح ما قدّمناه. ولهذا روى أبو عبيدٍ القاسم بن سلّامٍ في كتاب فضائل القرآن، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه: أنّه كان يقرأ: "غير المغضوب عليهم وغير الضّالّين". وهذا إسنادٌ صحيحٌ، [وكذا حكي عن أبيّ بن كعبٍ أنّه قرأ كذلك] وهو محمولٌ على أنّه صدر منه على وجه التّفسير، فيدلّ على ما قلناه من أنّه إنّما جيء بها لتأكيد النّفي، [لئلّا يتوهّم أنّه معطوفٌ على {الّذين أنعمت عليهم}]، وللفرق بين الطّريقتين، لتجتنب كلٌّ منهما؛ فإنّ طريقة أهل الإيمان مشتملةٌ على العلم بالحقّ والعمل به، واليهود فقدوا العمل، والنّصارى فقدوا العلم؛ ولهذا كان الغضب لليهود، والضّلال للنّصارى، لأنّ من علم وترك استحقّ الغضب، بخلاف من لم يعلم. والنّصارى لمّا كانوا قاصدين شيئًا لكنّهم لا يهتدون إلى طريقه، لأنّهم لم يأتوا الأمر من بابه، وهو اتّباع الرّسول الحقّ، ضلّوا، وكلٌّ من اليهود والنّصارى ضالٌّ مغضوبٌ عليه، لكنّ أخصّ أوصاف اليهود الغضب [كما قال فيهم: {من لعنه اللّه وغضب عليه}] [المائدة: 60] وأخصّ أوصاف النّصارى الضّلال [كما قال: {قد ضلّوا من قبل وأضلّوا كثيرًا وضلّوا عن سواء السّبيل}] [المائدة: 77]، وبهذا جاءت الأحاديث والآثار. [وذلك واضحٌ بيّنٌ].
قال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، قال: سمعت سماك بن حربٍ، يقول: سمعت عبّاد بن حبيش، يحدّث عن عديّ بن حاتمٍ، قال: جاءت خيل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأخذوا عمّتي وناسًا، فلمّا أتوا بهم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صفّوا له، فقالت: يا رسول اللّه، ناء الوافد وانقطع الولد، وأنا عجوزٌ كبيرةٌ، ما بي من خدمةٍ، فمنّ عليّ منّ اللّه عليك، قال: «من وافدك؟»، قالت: عديّ بن حاتمٍ، قال: «الّذي فرّ من اللّه ورسوله!»، قالت: فمنّ عليّ، فلمّا رجع، ورجلٌ إلى جنبه، ترى أنّه عليٌّ، قال: سليه حملانا، فسألته، فأمر لها، قال: فأتتني فقالت: لقد فعل فعلةً ما كان أبوك يفعلها، فإنّه قد أتاه فلانٌ فأصاب منه، وأتاه فلانٌ فأصاب منه، فأتيته فإذا عنده امرأةٌ وصبيانٌ أو صبيٌّ، وذكر قربهم من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: فعرفت أنّه ليس بملك كسرى ولا قيصر، فقال: «يا عديّ، ما أفرّك أن يقال لا إله إلّا اللّه؟ فهل من إلهٍ إلّا اللّه؟»، قال: «ما أفرّك أن يقال: اللّه أكبر، فهل شيءٌ أكبر من اللّه، عزّ وجلّ؟». قال: فأسلمت، فرأيت وجهه استبشر، وقال: «المغضوب عليهم اليهود، وإنّ الضّالّين النّصارى». وذكر الحديث، ورواه التّرمذيّ، من حديث سماك بن حربٍ، وقال: حسنٌ غريبٌ لا نعرفه إلّا من حديثه.
قلت: وقد رواه حمّاد بن سلمة، عن سماكٍ، عن مرّيّ بن قطريّ، عن عديّ بن حاتمٍ، قال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن قول اللّه: {غير المغضوب عليهم} قال: «هم اليهود»،{ولا الضّالّين} قال: «النّصارى هم الضّالّون». وهكذا رواه سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن الشّعبيّ، عن عديّ بن حاتمٍ به. وقد روي حديث عديٍّ هذا من طرقٍ، وله ألفاظٌ كثيرةٌ يطول ذكرها.
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن بديل العقيلي، أخبرني عبد اللّه بن شقيق، أنّه أخبره من سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو بوادي القرى، وهو على فرسه، وسأله رجلٌ من بني القين، فقال: يا رسول اللّه، من هؤلاء؟ قال: «المغضوب عليهم -وأشار إلى اليهود- والضّالّون هم النّصارى». وقد رواه الجريري وعروة، وخالدٌ الحذّاء، عن عبد اللّه بن شقيقٍ، فأرسلوه، ولم يذكروا من سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. ووقع في رواية عروة تسمية عبد اللّه بن عمر، فاللّه أعلم.
وقد روى ابن مردويه، من حديث إبراهيم بن طهمان، عن بديل بن ميسرة، عن عبد اللّه بن شقيقٍ، عن أبي ذرٍّ قال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن المغضوب عليهم قال:«اليهود»، [قال] قلت: الضّالّين، قال: «النّصارى».
وقال السّدّي، عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن أناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «{غير المغضوب عليهم}هم اليهود،{ولا الضّالّين}هم النّصارى».
وقال الضّحّاك، وابن جريج، عن ابن عبّاسٍ: «{غير المغضوب عليهم}اليهود،{ولا الضالين}[هم] النّصارى».
وكذلك قال الرّبيع بن أنسٍ، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، وغير واحدٍ، وقال ابن أبي حاتمٍ: ولا أعلم بين المفسّرين في هذا اختلافًا.
وشاهد ما قاله هؤلاء الأئمّة من أنّ اليهود مغضوبٌ عليهم، والنّصارى ضالّون، الحديث المتقدّم، وقوله تعالى في خطابه مع بني إسرائيل في سورة البقرة: {بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل اللّه بغيًا أن ينزل اللّه من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضبٍ على غضبٍ وللكافرين عذابٌ مهينٌ}[البقرة: 90]، وقال في المائدة: {قل هل أنبّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبةً عند اللّه من لعنه اللّه وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطّاغوت أولئك شرٌّ مكانًا وأضلّ عن سواء السّبيل}[المائدة: 60]، وقال تعالى: {لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} [المائدة: 78، 79].
وفي السّيرة عن زيد بن عمرو بن نفيلٍ؛ أنّه لمّا خرج هو وجماعةٌ من أصحابه إلى الشّام يطلبون الدّين الحنيف، قالت له اليهود: إنّك لن تستطيع الدّخول معنا حتّى تأخذ بنصيبك من غضب اللّه. فقال: أنا من غضب اللّه أفرّ. وقالت له النّصارى: إنّك لن تستطيع الدّخول معنا حتّى تأخذ بنصيبك من سخط اللّه فقال: لا أستطيعه. فاستمرّ على فطرته، وجانب عبادة الأوثان ودين المشركين، ولم يدخل مع أحدٍ من اليهود ولا النّصارى، وأمّا أصحابه فتنصّروا ودخلوا في دين النّصرانيّة؛ لأنّهم وجدوه أقرب من دين اليهود إذ ذاك، وكان منهم ورقة بن نوفلٍ، حتّى هداه اللّه بنبيّه لمّا بعثه آمن بما وجد من الوحي، رضي اللّه عنه.
(مسألةٌ): والصّحيح من مذاهب العلماء أنّه يغتفر الإخلال بتحرير ما بين الضّاد والظّاء لقرب مخرجيهما؛ وذلك أنّ الضّاد مخرجها من أوّل حافّة اللّسان وما يليها من الأضراس، ومخرج الظّاء من طرف اللّسان وأطراف الثّنايا العليا، ولأنّ كلًّا من الحرفين من الحروف المجهورة ومن الحروف الرّخوة ومن الحروف المطبقة، فلهذا كلّه اغتفر استعمال أحدهما مكان الآخر لمن لا يميّز ذلك واللّه أعلم. وأمّا حديث: «أنا أفصح من نطق بالضّاد» فلا أصل له واللّه أعلم).[تفسير ابن كثير: 1/ 140-143]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (فصلٌ
اشتملت هذه السورة الكريمة وهي سبع آيات، على حمد اللّه وتمجيده والثّناء عليه، بذكر أسمائه الحسنى المستلزمة لصفاته العليا، وعلى ذكر المعاد وهو يوم الدّين، وعلى إرشاده عبيده إلى سؤاله والتّضرّع إليه، والتّبرّؤ من حولهم وقوّتهم، وإلى إخلاص العبادة له وتوحيده بالألوهيّة تبارك وتعالى، وتنزيهه أن يكون له شريكٌ أو نظيرٌ أو مماثلٌ، وإلى سؤالهم إيّاه الهداية إلى الصّراط المستقيم، وهو الدّين القويم، وتثبيتهم عليه حتّى يفضي بهم ذلك إلى جواز الصّراط الحسّيّ يوم القيامة، المفضي بهم إلى جنّات النّعيم في جوار النّبيّين، والصّدّيقين، والشّهداء، والصّالحين.
واشتملت على التّرغيب في الأعمال الصّالحة، ليكونوا مع أهلها يوم القيامة، والتّحذير من مسالك الباطل؛ لئلّا يحشروا مع سالكيها يوم القيامة، وهم المغضوب عليهم والضّالّون.
وما أحسن ما جاء إسناد الإنعام إليه في قوله تعالى: {صراط الّذين أنعمت عليهم} وحذف الفاعل في الغضب في قوله تعالى: {غير المغضوب عليهم} وإن كان هو الفاعل لذلك في الحقيقة، كما قال تعالى: {ألم تر إلى الّذين تولّوا قومًا غضب اللّه عليهم} الآية [المجادلة: 14]، وكذلك إسناد الضّلال إلى من قام به، وإن كان هو الّذي أضلّهم بقدره، كما قال تعالى: {من يهد اللّه فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا}[الكهف: 17]. وقال: {من يضلل اللّه فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون} [الأعراف: 186]. إلى غير ذلك من الآيات الدّالّة على أنّه سبحانه هو المنفرد بالهداية والإضلال، لا كما تقوله الفرقة القدريّة ومن حذا حذوهم، من أنّ العباد هم الّذين يختارون ذلك ويفعلونه، ويحتجّون على بدعتهم بمتشابهٍ من القرآن، ويتركون ما يكون فيه صريحا في الرّدّ عليهم، وهذا حال أهل الضّلال والغيّ، وقد ورد في الحديث الصّحيح: «إذا رأيتم الّذين يتّبعون ما تشابه منه، فأولئك الّذين سمّى اللّه فاحذروهم». يعني في قوله تعالى: {فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه}[آل عمران: 7]، فليس -بحمد اللّه- لمبتدعٍ في القرآن حجّةٌ صحيحةٌ؛ لأنّ القرآن جاء ليفصل الحقّ من الباطل مفرّقًا بين الهدى والضّلال، وليس فيه تناقضٌ ولا اختلافٌ؛ لأنّه من عند اللّه، تنزيلٌ من حكيمٍ حميدٍ). [تفسير ابن كثير: 1 /143-144]

التأمين بعد: {ولا الضالين}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (القول في آمين
روى أبو هريرة وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا قال الإمام: {ولا الضّالّين} فقولوا آمين. فإن الملائكة في السماء تقول آمين، فمن وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه».
وروي أن جبريل عليه السلام لما علم النبي عليه السلام فاتحة الكتاب وقت نزولها فقرأها قال له: «قل: آمين».
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «آمين خاتم رب العالمين، يختم بها دعاء عبده المؤمن».
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو فقال: «أوجب إن ختم». فقال له رجل بأي شيء يختم يا رسول الله؟ قال: «بآمين».
ومعنى «آمين» عند أكثر أهل العلم: اللهم استجب، أو أجب يا رب، ونحو هذا. قاله الحسن بن أبي الحسن وغيره، ونص عليه أحمد بن يحيى ثعلب وغيره.
وقال قوم: «هو اسم من أسماء الله تعالى»، روي ذلك عن جعفر بن محمد ومجاهد وهلال بن يساف، وقد روي أن «آمين» اسم خاتم يطبع به كتب أهل الجنة التي تؤخذ بالإيمان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فمقتضى هذه الآثار أن كلّ داع ينبغي له في آخر دعائه أن يقول: «آمين» وكذلك كل قارئ للحمد في غير صلاة، لكن ليس بجهر الترتيل. وأما في الصلاة فقال بعض العلماء: «يقولها كل مصلّ من إمام وفذ ومأموم قرأها أو سمعها».
وقال مالك في المدونة: «لا يقول الإمام «آمين» ولكن يقولها من خلفه ويخفون، ويقولها الفذ».
وقد روي عن مالك رضي الله عنه: أن الإمام يقولها أسرّ أم جهر.
وروي عنه: «الإمام لا يؤمن في الجهر».
وقال ابن حبيب: «يؤمن».
وقال ابن بكير: «هو مخير».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فهذا الخلاف إنما هو في الإمام، ولم يختلف في الفذ ولا في المأموم إلا ابن نافع. قال في كتاب ابن حارث: «لا يقولها المأموم إلا إن سمع الإمام يقول {ولا الضّالّين}، وإذا كان ببعد لا يسمعه فلا يقل».
وقال ابن عبدوس: «يتحرى قدر القراءة ويقول آمين». وهي لفظة مبنية على الفتح لالتقاء الساكنين، وكأن الفتح مع الياء أخف من سائر الحركات، ومن العرب من يقول «آمين» فيمده، ومنه قول الشاعر:

آمين آمين لا أرضى بواحدة ...... حتى أبلغها ألفين آمينا
ومن العرب من يقول «أمين» بالقصر، ومنه قول الشاعر: [جبير بن الأضبط]

تباعد مني فطحل إذ رأيته ...... أمين فزاد الله ما بيننا بعدا
واختلف الناس في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة» فقيل: في الإجابة، وقيل: في خلوص النية، وقيل: في الوقت، والذي يترجح أن المعنى فمن وافق في الوقت مع خلوص النية، والإقبال على الرغبة إلى الله تعالى بقلب سليم، والإجابة تتبع حينئذ، لأنّ من هذه حاله فهو على الصراط المستقيم). [المحرر الوجيز: 1/ 96-97]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (فصلٌ
يستحبّ لمن قرأ الفاتحة أن يقول بعدها: آمين [مثل: يس]، ويقال: أمين. بالقصر أيضًا [مثل: يمينٍ]، ومعناه: اللّهمّ استجب، والدّليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد وأبو داود، والتّرمذيّ، عن وائل بن حجرٍ، قال: سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ: {غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين} فقال: «آمين»، مدّ بها صوته، ولأبي داود: رفع بها صوته، وقال التّرمذيّ: هذا حديثٌ حسنٌ. وروي عن عليٍّ، وابن مسعودٍ وغيرهم.
وعن أبي هريرة، قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا تلا {غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين} قال: «آمين» حتّى يسمع من يليه من الصّفّ الأوّل، رواه أبو داود، وابن ماجه، وزاد: يرتجّ بها المسجد، والدّارقطنيّ وقال: هذا إسنادٌ حسنٌ.
وعن بلالٍ أنّه قال: «يا رسول اللّه، لا تسبقني بآمين». رواه أبو داود.
ونقل أبو نصرٍ القشيريّ عن الحسن وجعفرٍ الصّادق أنّهما شدّدا الميم من آمين مثل: {آمّين البيت الحرام}[المائدة: 2].
قال أصحابنا وغيرهم: ويستحبّ ذلك لمن هو خارج الصّلاة، ويتأكّد في حقّ المصلّي، وسواءٌ كان منفردًا أو إمامًا أو مأمومًا، وفي جميع الأحوال، لما جاء في الصّحيحين، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إذا أمّن الإمام فأمّنوا، فإنّه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدّم من ذنبه».
ولمسلمٍ: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال أحدكم في الصّلاة: آمين، والملائكة في السّماء: آمين، فوافقت إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدّم من ذنبه».
[قيل: بمعنى من وافق تأمينه تأمين الملائكة في الزّمان، وقيل: في الإجابة، وقيل: في صفة الإخلاص].
وفي صحيح مسلمٍ عن أبي موسى مرفوعًا: «إذا قال -يعني الإمام-:{ولا الضّالّين}، فقولوا: آمين. يجبكم اللّه».
وقال جويبر، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: قلت: يا رسول اللّه، ما معنى آمين؟ قال: «ربّ افعل».
وقال الجوهريّ: «معنى آمين: كذلك فليكن»، وقال التّرمذيّ: «معناه: لا تخيّب رجاءنا»، وقال الأكثرون: «معناه: اللّهمّ استجب لنا»، وحكى القرطبيّ عن مجاهدٍ وجعفرٍ الصّادق وهلال بن كيسان: «أنّ آمين اسمٌ من أسماء اللّه تعالى»، وروي عن ابن عبّاسٍ مرفوعًا ولا يصحّ، قاله أبو بكر بن العربيّ المالكيّ.
وقال أصحاب مالكٍ: لا يؤمّن الإمام ويؤمّن المأموم، لما رواه مالكٌ عن سميّ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «وإذا قال -يعني الإمام-: {ولا الضّالّين}، فقولوا: آمين». الحديث. واستأنسوا -أيضًا- بحديث أبي موسى: «وإذا قرأ:{ولا الضّالّين}، فقولوا: آمين».
وقد قدّمنا في المتّفق عليه: «إذا أمّن الإمام فأمّنوا» وأنّه عليه الصّلاة والسّلام كان يؤمّن إذا قرأ {غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين}، وقد اختلف أصحابنا في الجهر بالتّأمين للمأموم في الجهرية، وحاصل الخلاف أنّ الإمام إن نسي التّأمين جهر المأموم به قولًا واحدًا، وإن أمّن الإمام جهرًا؛ فالجديد أنّه لا يجهر المأموم وهو مذهب أبي حنيفة، وروايةٌ عن مالكٍ؛ لأنّه ذكرٌ من الأذكار فلا يجهر به كسائر أذكار الصّلاة. والقديم أنّه يجهر به، وهو مذهب الإمام أحمد بن حنبلٍ، والرّواية الأخرى عن مالك، لما تقدّم: «حتّى يرتجّ المسجد».
ولنا قولٌ آخر ثالثٌ: إنّه إن كان المسجد صغيرًا لم يجهر المأموم، لأنّهم يسمعون قراءة الإمام، وإن كان كبيرًا جهر ليبلّغ التّأمين من في أرجاء المسجد، واللّه أعلم.
وقد روى الإمام أحمد في مسنده، عن عائشة، رضي اللّه عنها، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذكرت عنده اليهود، فقال: «إنّهم لن يحسدونا على شيءٍ كما يحسدونا على الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام: آمين»، ورواه ابن ماجه، ولفظه: «ما حسدتكم اليهود على شيءٍ ما حسدتكم على السّلام والتّأمين»، وله عن ابن عبّاسٍ أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما حسدتكم اليهود على شيءٍ ما حسدتكم على قول: آمين، فأكثروا من قول: آمين» وفي إسناده طلحة بن عمرٍو، وهو ضعيفٌ.
وروى ابن مردويه، عن أبي هريرة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «آمين: خاتم ربّ العالمين على عباده المؤمنين».
وعن أنسٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أعطيت آمين في الصّلاة وعند الدّعاء، لم يعط أحدٌ قبلي إلّا أن يكون موسى، كان موسى يدعو، وهارون يؤمّن، فاختموا الدّعاء بآمين، فإنّ اللّه يستجيبه لكم».
قلت: ومن هنا نزع بعضهم في الدّلالة بهذه الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: {وقال موسى ربّنا إنّك آتيت فرعون وملأه زينةً وأموالا في الحياة الدّنيا ربّنا ليضلّوا عن سبيلك ربّنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتّى يروا العذاب الأليم * قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتّبعانّ سبيل الّذين لا يعلمون}[يونس: 88، 89]، فذكر الدّعاء عن موسى وحده، ومن سياق الكلام ما يدلّ على أنّ هارون أمّن، فنزل منزلة من دعا، لقوله تعالى: {قد أجيبت دعوتكما} [يونس: 89]، فدلّ ذلك على أنّ من أمّن على دعاءٍ فكأنّما قاله؛ فلهذا قال من قال: إنّ المأموم لا يقرأ لأنّ تأمينه على قراءة الفاتحة بمنزلة قراءتها؛ ولهذا جاء في الحديث: «من كان له إمامٌ فقراءة الإمام له قراءةٌ»، وكان بلالٌ يقول: «لا تسبقني بآمين». فدلّ هذا المنزع على أنّ المأموم لا قراءة عليه في الجهريّة، واللّه أعلم.
ولهذا قال ابن مردويه: حدّثنا أحمد بن الحسن، حدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن سلّامٍ، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، حدّثنا جريرٌ، عن ليث بن أبي سليمٍ، عن كعبٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا قال الإمام:{غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين}فقال: آمين، فتوافق آمين أهل الأرض آمين أهل السّماء، غفر اللّه للعبد ما تقدّم من ذنبه، ومثل من لا يقول: آمين، كمثل رجلٍ غزا مع قومٍ، فاقترعوا، فخرجت سهامهم، ولم يخرج سهمه، فقال: لم لم يخرج سهمي؟ فقيل: إنّك لم تقل: آمين»). [تفسير ابن كثير: 1 /144-147]


* للاستزادة ينظر: هنا


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, قول

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:42 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir