دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الأقسام العامة > الأقسام العلمية العامة > القراءة المنظمة

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13 جمادى الأولى 1431هـ/26-04-2010م, 02:12 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الدرس الثاني: التعرف على جوانب القوة العلمية لدى الكاتب

الدرس الثاني: التعرف على جوانب القوة العلمية لدى الكاتب:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فكان درسنا السابق في التعرف على مقاصد الكتاب وهو اللبنة الأولى في بناء القراءة الصحيحة ، وفي هذا الدرس نبدأ سلسلة الاستفادة مما وراء الكتاب من الفوائد العلمية التي تعود ثمارها على طالب العلم .
وهذه الدروس التي نتعلمها في المرحلة الأولى تعنى بتصحيح طريقة القراءة وتعلم المهارات التي تفيد القارئ وتبصره بطرق الاستفادة المثلى من الكتاب الذي يقرؤه ، وتفتح له آفاق الاستفادة من مدلولاته التي قد تكون ثمارها أعظم من ثمار قراءة الكتاب الذي بين يديه، وهذه المرتبة ينالها القراء الألباء؛ فتجد همتهم إذا قرؤوا كتاباً أن يتعرفوا على ما وراء الكتاب من الفوائد العلمية التي تبين لهم مسالك العلم الذي يقرؤون فيه، وتوضح لهم مناراته التي متى تبينت لهم أبصروا الهدف الذي إذا وصلوه عرفوا أنهم أدركوا بغيتهم وقضوا نهمتهم.
فقراء الكتب على مرتبتين:
المرتبة الأولى: قراء وجهوا عنايتهم وهمتهم لفهم الكتاب الذي يقرؤونه، وهؤلاء هم غالب القراء.
المرتبة الثانية: قراء توجهت عنايتهم لمعرفة مسالك ما يحتاجون إليه من العلم من خلال الكتاب الذي يقرؤونه؛ فأتقنوا مهارة التعرف عليها ، ولم ينحصر نظرهم في فهم مسائل الكتاب الذي بين أيديهم.
فأصحاب المرتبة الأولى يحصلون تحصيلاً جيداً لكنهم بحاجة إلى وقت أطول وخطة منهجية في القراءة قد يطول أمدها في بعض العلوم.
وأما أصحاب المرتبة الثانية فهم القراء السباقون إلى المعرفة وحسن التحصيل، ومن رزق منهم ملكة حسنة في هذه الطريقة نبغ نبوغاً مبكراً وانفتحت له آفاق واسعة من العلم النافع.
والذي نسعى إليه في هذه الدروس هو تكوين هذه الملكة لدى طلاب العلم وصقلها وتنميتها بإذن الله تعالى، حتى إذا ما قرأ الطالب كتاباً انتفع به انتفاعاً عظيماً أعظم من مجرد فهم مسائل الكتاب.
وسنتعرف في هذا الدرس على طريقة من طرق الاستفادة مما وراء الكتاب، بل هي من أعظم طرق القراءة نفعاً لأنها تعين الطالب على المنهجية المثلى في القراءة وهي التي تناسب حاله وعنايته العلمية فينميها بكثرة الاطلاع على ما يفيده فيها.
وقبل الولوج في هذا الدرس لا بد من تقديم مقدمتين مهمتين، وسأوجز الكلام فيهما.
المقدمة الأولى: هي بيان أركان عملية القراءة .
القراءة هي اتصال معرفي ذو اتجاه واحد بين الكاتب والقارئ .
فلها أربعة أركان:
الركن الأول: الكاتب.
الركن الثاني: الكتاب.
الركن الثالث: القارئ
الركن الرابع: طريقة القراءة.
وقولي: (اتصال معرفي ذو اتجاه واحد) لأن انتقال المعرفة فيه يسير باتجاه واحد من الكاتب إلى كتابه ومن ثم إلى القارئ بواسطة القراءة ، ولا ينعكس هذا الاتجاه في عملية القراءة.
وهذا التفصيل يفيدنا في فهم عملية القراءة ومعرفة معايير القراءة الناجحة، لأن منها ما يتعلق بالركن الأول، ومنها ما يتعلق بالركن الثاني ، ومنها ما يتعلق بالركن الثالث، ومنها ما يتعلق بالركن الرابع.
وخلاصة الكلام في هذه المقدمة أن الكاتب صاحب رسالة يريد أداءها بواسطة كتابه، والقارئ الجيد هو الذي يفهم مقصد الرسالة، ويتعرف على الكاتب من خلال كتابه، فيعرف جوانب القوة العلمية لديه، ويعرف استمداده المعرفي، ويتعرف على جوانب التوافق المعرفي بينه وبين الكاتب، ويستفتح بذلك آفاقاً من العلم والمعرفة من خلال قراءته للكتاب.
والقراء يختلفون في اهتماماتهم العلمية وجوانب الإجادة لديهم وما يرغبون في تحصيله من العلوم، وهذا العنصر مهم في سلوك المنهج الأمثل للقارئ فيما يقرأ من الكتب.
ومنه تعرف أن المنهجية المثلى في القراءة ليست منهجية موحدة لجميع القراء، بل يحصل بينهم من التفاضل والتفاوت في المناهج كما حصل بينهم من التفاوت في المهارات والقدرات.
لكن من الخطأ الكبير أن يكون صاحب المهارات العالية والملكات الحسنة متذبذباً في القراءة فيضيع وقته وجهده، أو هاضماً نفسه في المنهج الذي يسير عليه في القراءة فلا يراعي مناسبته لما أنعم الله به عليه من المهارات والقدرات.
المقدمة الثانية: وهي مهمة أيضاً بل هي معيار عظيم النفع في رسم المنهج الملائم للقارئ، وهي أن في كل علم من العلوم منارات يهتدي بها الطالب لتحصيله، وليختصر الطالب على نفسه كثيراً من الجهد والوقت ينبغي له أن يتعرف على منارتين في كل علم:
المنارة الأولى: العلماء الراسخون في ذلك العلم، الذين هم أئمته وهداة طريقه، فيقرأ سيرهم، ويستخرج طرق تعلمهم لذلك العلم ونبوغهم فيه، ويحرص على سلوك أوفق الطرق لتحصيل ما قدر له من علومهم.
المنارة الثانية: الكتب الأصول في ذلك العلم التي هي مرجع مسائله، ومهوى أفئدة طلابه، يتدارسونها جيلاً بعد جيل، فيحرص على اقتنائها، وقراءتها ، وفهمها جيداً، وضبط مسائلها ودلائلها.
فإذا حقق الطالب معرفة هاتين المنارتين في كل علم، وعمل بما أرشد إليه فيهما أصبح من أهل ذلك العلم بإذن الله تعالى.
وليكن طالب العلم صاحب تيقظ لما ينفعه، وعناية بالعلم الذي يدرسه ويريد النبوغ فيه، فإذا سمع فيه بفائدة جديدة أرعاها سمعه ووعاها قلبه، وأعمل فكره فيما وراءها، حتى يفهم نظائرها، وهذه كانت طريقة الحذاق من العلماء، قال ابن سعد في الطبقات الكبرى: أخبرنا إسماعيل ابن إبراهيم عن أيوب [السختياني] قال: قال عكرمة: إني لأخرج إلى السوق، فأسمع الرجل يتكلم بالكلمة، فينفتح لي خمسون باباً من العلم.
ولنبدأ الآن درسنا وهو : التعرف على جوانب القوة العلمية لدى الكاتب .
هذا الدرس موجه لطلاب العلم في علوم الشريعة واللغة العربية، وسنعتني بادئ الأمر بكتب العلماء المتقدمين رحمهم الله، فالغالب عليهم أنهم لا يتصدون للتأليف إلا بعد تمكن وتأهل للكتابة ، وغالبهم إنما يؤلف في العلم الذي يتقنه ويبرع فيه.
وإذا ما كتب بعضهم في علم آخر تجده يستطرد إلى ذكر مسائل في العلم الذي يتقنه ويبرع فيه.
وهذه فائدة مهمة لطالب العلم في توظيف استفادته من المسائل الاستطرادية في الكتب التي يقرؤها فإذا وجد عالماً من العلماء يكثر من الاستطراد في مسائل تتعلق بعلم من العلوم فاعلم أن له بهذا العلم عناية كبيرة، وقد قيل: (من أكثر من شيء عرف به)
فعلى سبيل المثال: نجد شيخ الإسلام ابن تيمية إذا ما كتب كتاباً يستطرد كثيراً في ذكر مسائل تتعلق بالعقيدة وأقوال الفرق والرد عليهم وبيان فساد أقوالهم فيعلم القارئ بذلك أن له عناية كبيرة بهذا العلم ، فإذا عرضت له مسألة في العقيدة حرص على الرجوع لكتب شيخ الإسلام ابن تيمية لما عرف عنه من العناية بهذا العلم، مع إجادة لعلوم كثيرة لكن غلب عليه هذا العلم في أكثر مؤلفاته.
ولبعض العلماء ملكات حسنة في جوانب من التأليف عظيمة النفع لطلاب العلم ، وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: (قيمة كل امرئ ما يحسنه) وهذه الكلمة ميزان نقدي مهم في كثير من الأمور، وهذا المعنى نظمه بعض الشعراء فيما أورده البيهقي صاحب كتاب المحاسن والمساوئ:


قال علي بن أبي طالب = وهو اللبيب الفطن المتقن
كلّ امريءٍ قيمته عندنا = وعند أهل العلم ما يحسن
فقيمة الكاتب فيما يحسنه،وقيمة الكتاب في جوانب الإحسان فيه.
وهذا الإحسان قد يكون مباشراً فيعرف بالتعرف على مقاصد الكتاب كما في تعلمنا في الدرس السابق، وقد يكون غير مباشر؛ فيُعرف بدلالة الكتاب عليه.
فيقرأ طالب العلم كتاباً فيجده يدله على كتاب آخر نافع فيحرص على قراءته ، وإذا بذلك الكتاب يدله على كتاب نافع آخر أو عدة كتب في ذلك العلم فلا يزال طالب العلم يقرأ منها كتاباً فكتاباً حتى يحصل خيراً كثيراً .
لكن من فقه طالب العلم أن يعلم أن العالم المتمكن في فن من فنون العلم إذا أثنى على كتاب في ذلك الفن فهي شهادة قيمة لذلك الكتاب فيحرص على قراءته والاستفادة منه، لكن إذا أثنى على كتاب في علم تبين للقارئ أن الكاتب غير مجيد له فلا يقتضي ذلك حسن الكتاب بل غاية ما يدل عليه أنه أعجب الكاتب وهو كتاب في فن لا يجيده، وإنما يؤخذ كل علم عن أهله.

وينبغي لطالب العلم أن يعود نفسه على أخذ أحسن ما في الكتاب إما من مقاصده أو دلائله اهتداء بقول الله تعالى: {فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأؤلئك هم أولوا الألباب}.
فبعض الكتب قوتها العلمية فيما تتضمنه من مباحث جليلة القدر، عظيمة النفع.
ومنها كتب قوتها في حسن دلائلها على مواضع نفيسة من العلم.
ومنها كتب جمعت بين الحسنيين.
وسنذكر أمثلة وتطبيقات لكل ذلك توضح ما أردنا بيانه ويستجلي بها الطالب هذه الحقيقة النافعة.
لكن ينبغي أن ننبه إلى أمرين مهمين:
الأمر الأول: أن بعض العلماء كثير التأليف مجيد لعلوم كثيرة فلا يتعجل طالب العلم بالحكم على جوانب القوة العلمية لديه من خلال كتاب أو كتابين من كتبه، بل ينبغي أن يستقرئ غالب كتبه ليتبين بجلاء جوانب القوة العلمية لديه ، وما يحصل بين تآليفه من تفاوت فيها، أو يأخذ بيان جوانب القوة العلمية لديه من عالم يثق به قرأ كتب ذلك الكاتب وسبر غورها، واعتنى بها جيداً.
الأمر الثاني: أن العالِم متعدد العلوم لديه من التفاوت في إتقانها ما يكون ظاهرا للقارئ البصير ، فيجده إماماً مقدماً في بعض العلوم، ومجتهداً مشاركاً في بعضها، وهذا يفيده في معرفة طبقات العلماء في المعرفة في العلم الذي يبحث فيه، وهي مَلَكَةٌ يحتاجها طالب العلم المتقدم كثيراً.

اللهم إنا نسألك حسن التعلم ، وحسن العمل، وحسن التعليم.
وأن تجعل لك محيانا ومماتنا ، وتسلم لك وجوهنا وقلوبنا إنك سميع الدعاء.


رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثاني, الدرس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الدرس الأول: التعرف على مقاصد الكتاب عبد العزيز الداخل القراءة المنظمة 47 17 ذو الحجة 1437هـ/19-09-2016م 01:34 AM


الساعة الآن 10:01 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir