دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > سير المفسرين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27 ربيع الأول 1437هـ/7-01-2016م, 03:54 PM
أمل الجهني أمل الجهني غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 69
افتراضي سيرة الإمام ابن عطية الأندلسي

بسم الله الرحمن الرحيم

سيرة الإمام ابن عطية الأندلسي


* اسمه ونسبه:
هو: عبدالحق بن غالب بن عبدالرحمن بن غالب بن عبدالرؤوف بن تمام بن عبدالله بن تمام بن عطية بن خالد بن عطية بن خالد بن خفاف بن أسلم بن مكرم المحاربي، ويكنى: أبا محمد([1]).

وأسرة القاضي ابن عطية تنحدر من سلالة عربية؛ فهم من ولد زيد بن محارب بن خصفة من قيس عيلان من مضر([2]).

*مولده وعصره:
وُلد أبو مـحمد سنة إحدى وثمانين وأربعمائة([3])، وقيل: سنة ثمانين وأربع مائة([4]).
وقد عاش ابن عطية في ظل دولة المرابطين بالأندلس، وكانت أيامهم أيام معارك وحروب دامية ضد أعداء الإسلام والمسلمين الذين تكالبوا على الأندلس في فترة خطيرة من فترات العدوان على الإسلام.
ويذكر أن ابن عطية ووالده لم يكونا على صلة طيبة بهذه الدولة، فقد غُرِّبَ والده عن وطنه، وألحق بالولد بعض الإهانة، ثم أعيد الوالد إلى وطنه غرناطة، وحسن رأيهما، وقويت صلة ابن عطية بالمرابطين، وتوثقت علاقته بهم فكان يغزو في جيوشهم، ويحرض القادة والأمراء على قتال النصارى الصليبين الذين كانوا يتربصون ببلاد الإسـلام الدوائر، وبقيت دولة المرابطين في الأندلس حتى سقطت سنة 540ﻫ تقريبًا قبل وفاته بعامٍ واحد([5]).

* نشأته وطلبه للعلم:
نشأ ابن عطية في غرناطة، وكانت حافلة بمدارس العلم المختلفة وأساتذة الحديث والفقه، واللغة والأدب. وكانت أسرته مشتهرة بالعلم والدين والفضل([6])؛ فأبوه غالب كان أحد علماء غرناطة، وكان حافظاً للحديث، وطرقه، وعلله، عارفاً بأسماء رجاله ونقلته، ذاكراً لمتونه ومعانيه، وكان أديباً، شاعراً، لغوياً، فاضلاً، أخذ الناس عنه كثيراً([7]).

وقد اعتنى غالب بابنه حتى ألف كتابه في التفسير، فقد رُوِي أنه ربما أيقظ ابنه عبد الحق في الليلة مرتين يقول له: "قم يا بني اكتب كذا وكذا في موضع كذا من تفسيرك"([8]).
ومن شيوخه([9]):
1. أبوه أبو بكر غالب بن عبد الرحمن([10])، المتوفى سنة (518هـ)([11]).
2. أبو عبدالله مـحمد بن فرج القرطبي، ويعرف بابن الطلاع([12])، وكان فقيهاً مشهوراً، محدثاً، مقدماً في الفتوى بقرطبة من أهل الثقة والفضل، توفي سنة: (497هـ)([13]).
3. أبو المطرف عبدالرحمن بن قاسم الشعبي المالقي، وكان من أقران ابن الطلاع سناً وعلماً، وأفتى في بلده منفرداً برئاسة الفتيا نحوا من ستين سنة، توفي سنة (497هـ)([14]).
4. أبو علي الحسين بن مـحمد بن أحمد الغساني، وكان أحد من انتهت إليه الرئاسة بالأندلس في علم الحديث وإتقانه والمعرفة بعلله ورجاله مع تصرف في علم النحو والغريب والأدب والشعر، وتوفي سنة: (498هـ)([15]).
5. أبو علي الحسين بن مـحمد بن فيرة بن حيون الصدفي السرقسطي([16])، وكان عالماً بالحديث وطرقه، عارفاً بعلله وأسماء رجاله ونقلته، وكان حافظاً لمصنفات الحديث، وتوفي سنة: (514هـ)([17]).
وكان لشيوخ ابن عطية أثر بارز في تكوين شخصيته العلمية، وهو إلى جانب هذا غاية في الدّهاء والذكاء، سَرِيُّ الهمّة في اقتناء الكتب([18]).

* تلاميذه:
جلس ابن عطية للرواية والإملاء والفتيا، ورحل إليه الناس، فاجتمع بين يديه خلق كثير حملوا العلم عنه، ومن أشهرهم([19]):
1. أبو القاسم عبدالرحمن بن مـحمد بن عبيدالله بن يوسف الأنصاري، الأندلسي، المعروف بـ (ابن حُبَيْش)، وحبيش: هو خاله، فينسب إليه، وكان عالماً بالقرآن، وإماماً في علم الحديث، مع تقدمه في اللغة والأدب، تصدر للإقراء والتسميع والعربية، وكانت الرحلة إليه في زمانه، توفي سنة: (584هـ)([20]). وقد قرأ ابن حبيش على ابن عطية عليه جميع تفسيره بالمَرِيَّة، إذ كان ابن عطية قاضياً بها([21]).
2. أحمد بن عبد الرحمن بن مـحمد بن مضاء بن مهند بن عمير اللخْمِي، وكان مقرئاً مجوداً، محدثاً مكثراً قديم السماع واسع الرواية، ذاكراً لمسائل الفقه عارفاً بأصوله، متقدماً في علم الكلام، ماهراً في كثير من علوم الأوائل كالطب والحساب والهندسة، وتوفي سنة: (592هـ )([22]).
3. عبدالمنعم بن محمد بن عبدالرحيم بن أحمد الأنصاري الخزرجي، المـعروف بـ(ابن الفَرَسِ)، شيخ المالكية بغرناطة في زمانه، وألف في أحكام القرآن كتابا، توفي سنة: (597هـ)([23]).

* مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه:
كان ابن عطية على جانب من الثقافة، وسعة المعرفة، وأحاط بكل العلوم المعروفة في زمانه مما أهله لثناء العلماء عليه، فقيل فيه:
§ كان " واسع المعرفة قوي الأدب، متفنناً في العلوم، أخذ الناس عنه"([24]).
§ " فقيه، حافظ محدث مشهور، أديب نحوي، شاعر بليغ، كاتب ألف في التفسير كتاباً ضخماً أربى فيه على كل متقدم"([25]).
§ " كان إماماً في الفقه، وفي التفسير، وفي العربية، قوي المشاركة، ذكياً فطناً مدركاً، من أوعية العلم"([26]).
§ " كان عبد الحق فقيهاً، عالماً بالتفسير والأحكام والحديث والفقه، والنحو والأدب واللغة، مقيّداً حسن التّقييد، له نظم ونثر، ولّي القضاء بمدينة المَرِيَّة في المحرم سنة (529هـ)"([27]).


* مؤلفاته:
ألف ابن عطية كتاب التفسير الذي اشتهر- فيما بعد- باسم "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" ([28]).
وألف كتابا آخر ترجم فيه لشيوخه الثلاثين الذين أخذ العلم عنهم، وذكر الكتب التي رواها عنهم قراءة ومناولة وإجازة وعرف بـ"فهرسة ابن عطية".

* عقيدته:
القاضي ابن عطية -رحمه الله - أشعري العقيدة([29]).
وقد درس كتب القاضي أبي بكر الباقلاني([30])، وكتب أبي المعالي الجويني إمام الحرمين ([31])، ونقل عنهما في تفسيره.
وعقيدته أثرت على تفسيره خاصة في آيات الصفات، حيث نجده يصرف تلك الآيات عن ظاهرها، وهذه جملة من أقواله:
§ "والظاهر أن قوله تعالى: ﯯ ﯰ ﯱ([32])عبارة عن إنعامه على الجملة"([33]).
§ " ﯻ ﯼ ([34]) يراد به علو القدر والمنزلة، لا علو المكان؛ لأن الله منَزَّه عن التحيُّز"([35]).
§ "والقاعدة في هذه الآية([36])ونحوها منع النقلة وحلول الحوادث، ويبقى استواء القدرة والسلطان"([37]).

* نقاط مهمة في منهجه وطريقته في تفسير الآيات([38]):
أولاً: جمعه بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي:
تميَّز ابن عطية في تفسيره بالجمع بين المأثور والرأي، فذكر ما ورد في الآية عن الرسول r من المأثور، ثم أضفى عليه من روحه العلمية، واجتهد برأيه، ولكنه ليس رأيًا مطلقًا، بل مبني على علمٍ ونظر.
ثانيًا: اتجاهه في تفسيره إلى اللغة والنحو:
جمع ابن عطية في تفسيره علومًا مختلفة، فالناظر في تفسيره يجده قد حوى - بالإضافة إلى المعاني - اللغة، والنحو، والقراءات، والفقه، والحديث، وقد ذكر ذلك في مقدمته التي أشرت إليها حيث قال: "وسردتُ التفسير في هذا التعليق بحسب رتبة ألفاظ الآية: من حكم، أو نحو، أو لغة، أو معنى، أو قراءة"([39]).
ثالثًا: عنايته بأسباب النزول وفضائل السور:
اعتنى ابن عطية بعد ذكره لاسم السورة وعدد آياتها بذكر ما ورد في فضلها، وسبب نزولها، وبيّن هل هي من المكي أم من المدني؟ وفصِّل إن كانت هناك بعض آياتها مكية أو مدنية.
رابعًا: عنايته بالقراءات:
اهتم ابن عطية بذكر القراءات في الآية، وأشار إلى ذلك في مقدمته حيث قال: "وقصدت إيراد جميع القراءات مستعملها وشاذّها، واعتمدت تبيين المعاني، وجميع محتملات الألفاظ"([40])، فهو يذكر القراءات الصحيحة والشاذة ويعلق عليها، وينقدها ويوجِّه معانيها على أسس نحوية ولغوية، ولا يألو جهدًا في نقد الوجوه الضعيفة.
خامسًا: إعراضه عن ذكر أكثر الإسرائيليات:
غالبًا ما يُعرض ابن عطية عن ذكر القصص الإسرائيلي؛ لأن فهم الآية لا يتوقف عليها، وقد نص في مقدمته السابقة على أنه لا يذكر من القصص إلاّ ما لا يستغني عنه من يريد أن يفهم معاني الآيات، فذكر من الإسرائيليات ما يقتضيه الحال في بيان مجمل الآيات، وقد يرويها بصيغة التضعيف وينقد أسانيدها.
ومن أمثلة تصريحه بالاختصار في إيراد القصص الإسرائيلي: بعد أن ذكر قصة داود u في سورة البقرة قال: "وقد أكثر الناس في قصص هذه الآية، وذلك كله لين الأسانيد، فلذلك انتقيت منه ما تنفك به الآية، وتعلم به مناقل النازلة، واختصرت سائر ذلك"([41]).

* نماذج من تفسيره:
قال ابن عطية في تفسير قوله: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31)} [الأنعام: 31]: "هذا استئناف إخبار عن خسارة المكذبين يتضمن تعظيم المصاب الذي حل بهم، وتستعمل الخسارة في مثل هذا لأنه من أخذ الكفر واتبعه فكأنه قد أعطى الإيمان واطرحه، فأشبهت صفقة أخذ وإعطاء والإشارة بهذه الآية إلى الذين قالوا إنما هي حياتنا الدنيا، وقوله: (بِلِقاءِ اللَّهِ) معناه: بالرجوع إليه وإلى أحكامه وقدرته، كما تقول لقي فلان أعماله أي: لقي عواقبها ومآلها، والسَّاعَةُ يوم القيامة، وأدخل عليها تعريف العهد دون تقدم ذكرها؛ لشهرتها واستقرارها في النفوس وذيعان ذكرها، وأيضا فقد تضمنها قوله تعالى: (بِلِقاءِ اللَّهِ)، وبغتة معناه فجأة، تقول بغتني الأمر أي: فجأني ومنه قول الشاعر:
ولكنهم بانوا ولم أخش بغتة ... وأفظع شيء حين يفجأك البغت
ونصبها على المصدر في موضع الحال كما تقول: قتلته صبرا، ولا يجيز سيبويه القياس عليه ولا تقول جاء فلان سرعة ونحوه، ونداء الحسرة على تعظيم الأمر وتشنيعه، قال سيبويه وكأن الذي ينادي الحسرة أو العجب أو السرور أو الويل يقول: اقربي أو احضري فهذا وقتك وزمنك، وفي ذلك تعظيم للأمر على نفس المتكلم وعلى سامعه إن كان ثم سامع، وهذا التعظيم على النفس والسامع هو المقصود أيضا بنداء الجمادات كقولك يا دار ويا ربع، وفي نداء ما لا يعقل كقولهم يا جمل، ونحو هذا.
و(فَرَّطْنا) معناه قصرنا مع القدرة على ترك التقصير، وهذه حقيقة التفريط، والضمير في قوله :(فِيها) عائد على السَّاعَةُ أي في التقدمة لها، وهذا قول الحسن، وقال الطبري يعود على الصفقة التي يتضمنها ذكر الخسارة في أول الآية، ويحتمل أن يعود الضمير على الدنيا إذ المعنى يقتضيها، وتجيء الظرفية أمكن بمنزلة زيد في الدار، وعوده على السَّاعَةُ إنما معناه في أمورها والاستعداد لها، بمنزلة زيد في العلم مشتغل.
وقوله تعالى: (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ ) الآية، الواو واو الحال، والأوزار جمع وزر بكسر الواو وهو الثقل من الذنوب، تقول منه وزر يزر إذا حمل، قال الله تعالى: {وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} [الأنعام: 164]، وتقول وزر الرجل فهو موزور، قال أبو عبيد: والعامة مازور، وأما إذا اقترن ذلك بما جوز فإن العرب تقول مأزور، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنساء لقيهن مقبلات من المقابر: ارجعن مأزورات غير مأجورات، قال أبو علي وغيره فهذا للإتباع اللفظي، والوزر هنا تجوز وتشبيه بثقل الأحمال، وقوى التشبيه بأن جعله على الظهور إذ هو في العادة موضع حمل الأثقال، ومن قال إنه من الوزر وهو الجبل الذي يلجأ إليه ومنه الوزير وهو المعين فهي مقالة غير بينة، وقال الطبري وغيره: هذا على جهة الحقيقة ورووا في ذلك خبرا أن المؤمن يلقاه عمله في أحسن صورة وأفوحها فيسلم عليه ويقول له طال ما ركبتك في الدنيا وأجهدتك فاركبني اليوم، قال فيحمله تمثال العمل، وأن الكافر يلقاه عمله في أقبح صورة وأنتنها فيشتمه ويقول أنا عملك الخبيث طال ما ركبتني في الدنيا بشهواتك فأنا أركبك اليوم، قال فيحمل تمثال عمله وأوزاره على ظهره، وقوله تعالى: (أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) إخبار عن سوء ما يأثمون مضمن التعظيم لذلك والإشادة به، وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم : "ألا فليبلغ الشاهد الغائب"، وقوله: "ألا هل بلغت"، فإنما أراد الإشادة والتشهير وهذا كله يتضمنه أَلا، وأما (ساءَ ما يَزِرُونَ) فهو خبر مجرد كقول الشاعر: [البسيط]
رضيت خطّة خسف غير طائلة ... فساء هذا رضى يا قيس غيلانا
وساءَ فعل ماض، وما فاعلة به كما تقول ساءني أمر كذا، ويحتمل أن تجري ساءَ هنا مجرى بئس، ويقدر لها ما يقدر ل «بئس» إذ قد جاء في كتاب الله {ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ} [الأعراف: 177]"([42]).

وقال في تفسير قوله: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)} [سورة يونس]: "وقوله: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ)الآية، مقصد هذه الآية أن الحول والقوة لله، ويبين ذلك للناس بما يحسونه من أنفسهم، و «الضر» لفظ جامع لكل ما يكرهه الإنسان كان ذلك في ماله أو في بدنه، وهذه الآية مظهرة فساد حال الأصنام، لكن كل مميز أدنى ميز يعرف يقينا أنها لا تكشف ضرّا ولا تجلب نفعا. وقوله: (وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ) لفظ تام العموم، وخصص النبي صلى الله عليه وسلم الفقه بالذكر في قوله «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» وهو على جهة التشريف للفقه، وقوله تعالى: (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ترجية وبسط ووعد ما"([43]).

وقال في تفسير قوله: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) } [الكهف: 103 - 104]: "المعنى: قل لهؤلاء الكفرة على جهة التوبيخ: هل نخبركم بالذين خسروا عملهم وضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم مع ذلك يظنون أنهم يحسنون فيما يصنعونه فإذا طلبوا ذلك، فقل لهم: أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ، وقرأ ابن وثاب «قل سننبئكم» ، وهذه صفة المخاطبين من كفار العرب المكذبين، بالبعث، و «حبطت» معناه: بطلت، وأَعْمالُهُمْ: يريد ما كان لهم من عمل خير، وقوله: (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) يحتمل أن يريد أنه لا حسنة لهم توزن في موازين القيامة، ومن لا حسنة له فهو في النار لا محالة، ويحتمل أن يريد المجاز والاستعارة، كأنه قال فلا قدر لهم عندنا يومئذ، فهذا معنى الآية عندي، وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «يؤتى بالأكول الشروب الطويل فلا يزن بعوضة» ثم قرأ (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً)، وقالت فرقة: إن الاستفهام تم في قوله: ( أَعْمالًا) ثم قال: هم (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) فقال سعد بن أبي وقاص: هم عباد اليهود والنصارى، وأهل الصوامع والديارات، وقال علي بن أبي طالب: هم الخوارج، وهذا إن صح عنه، فهو على جهة مثال فيمن ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن، وروي أن ابن الكواء سأله عن بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا فقال له أنت وأصحابك، ويضعف هذا كله قوله تعالى بعد ذلك (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ) وليس من هذه الطوائف من يكفر بلقاء الله، وإنما هذه صفة مشركي عبدة الأوثان، فاتجه بهذا ما قلناه أولا، وعلي وسعد رضي الله عنهما ذكرا أقواما أخذوا بحظهم من صدر الآية، وقوله: (أَعْمالًا) نصب على التمييز، وقرأ الجمهور «فحبطت» بكسر الباء، وقرأ ابن عباس وأبو السمال «فحبطت» بفتح الباء"([44]).

وقال في تفسير قوله: { وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (14) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (15) وَأَكِيدُ كَيْداً (16) فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (17)} [سورة الطارق]: " السَّماءِ في هذا القسم يحتمل أن تكون المعروفة، ويحتمل أن تكون السحاب، والرَّجْعِ المطر وماؤه، ومنه قول الهذلي: [السريع]
أبيض كالرجع رسوب إذا ... ما شاخ من محتفل يختلي
وقال ابن عباس: الرَّجْعِ، السحاب فيه المطر، قال الحسن: لأنه يرجع بالرزق كل عام، قال غيره لأنه يرجع إلى الأرض، وقال ابن زيد: الرَّجْعِ مصدر رجوع الشمس والقمر والكواكب من حال إلى حال، ومنه منزلة تذهب وترجع، والصَّدْعِ: النبات، لأن الأرض تتصدع عنه، وهذا قول من قال: إن الرَّجْعِ المطر، وقال مجاهد: الصَّدْعِ: ما في الأرض من شعاب ولصاب وخندق وتشقق بحرث وغيره، وهي أمور فيها معتبر، وهذا قول يناسب القول الثاني في الرَّجْعِ.
والضمير في (إِنَّهُ) للقرآن ولم يتقدم له ذكر من حيث القول في جزء منه والحال تقتضيه، وفَصْلٌ: معناه جزم فصل الحقائق من الأباطيل، و «الهزل» : اللعب الباطل.
ثم أخبر تعالى عن قريش (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ ) في أفعالهم وأقوالهم وتمرسهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وتدبرهم رد أمره، ثم قوى ذلك بالمصدر وأكده وأخبر عن أنه يفعل بهم عقابا سماه (كَيْداً )على العرف في تسمية العقوبة باسم الذنب، ثم ظهر من قوله تعالى: (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ) أن عقابه لهم الذي سماه: كَيْداً، متأخر حتى ظهر ببدر وغيره، وقرأ جمهور الناس:«أمهلهم» ، وقرأ ابن عباس: «مهلهم» ، وفي هذه الآية موادعة نسختها آية السيف، وقوله تعالى: (رُوَيْداً ) معناه: قليلا، قاله قتادة، وهذه حال هذه اللفظة إذا تقدمها شيء تصفه كقولك سر رويدا وتقدمها فعل يعمل فيها كهذه الآية، وأما إذا ابتدأت بها فقلت: رويدا يا فلان، فهي بمعنى الأمر بالتماهل يجري مجرى قولهم: صبرا يا زيد، وقليلا يا عمرو" ([45]).

* وفاته:
اختلف المؤرخون في السنة التي توفي فيها فقيل: توفي بمدينة لُورَقَةسنة (541هـ)([46])، وقيل: سنة (542هـ)([47])، وقيل: سنة (546هـ)([48]).





([1]) انظر: أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن، ابن عطية الأندلسي، فهرسة ابن عطية، ط2، المحقق: محمد أبو الأجفان، محمد الزاهي (بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1983م)، 59-60. أحمد بن يحيى بن أحمد بن عميرة، أبو جعفر الضبي، بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس (القاهرة: دار الكاتب العربي،1967 م)، 389. محمد بن عبد الله بن سعيد السلماني، الشهير بلسان الدين بن الخطيب، الإحاطة في أخبار غرناطة، ج3 (بيروت: دار الكتب العلمية، 1424 هـ)، 412. برهان الدين إبراهيم بن علي بن محمد اليعمري، ابن فرحون، الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، ج2، تحقيق: محمد الأحمدي أبو النور(القاهرة: دار التراث)، 57. جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، ج2، المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم (لبنان / صيدا: المكتبة العصرية)، 73.
([2]) ابن عطية، مرجع سابق، فهرسة ابن عطية، 59-60. محمد بن علي بن أحمد الداوودي، طبقات المفسرين، ج1(بيروت: دار الكتب العلمية)، 266. فايد، مرجع سابق، 14-15.
([3]) ابن عميرة، بغية الملتمس، 1/389. ابن الخطيب، الإحاطة، 3/ 414.
([4]) صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي، الوافي بالوفيات، ج18، المحقق: أحمد الأرناؤوط، تركي مصطفى (بيروت: دار إحياء التراث، 1420هـ= 2000م)، 40. محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي، سير أعلام النبلاء، ط3، ج19، المحقق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1405 هـ = 1985 م)، 587.
([5]) انظر: محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي البلنسي، ابن الأبار، معجم أصحاب القاضي أبي علي الصدفي (مصر: مكتبة الثقافة الدينية، 1420 هـ = 2000 م)، 265-266. عبد الوهاب فايد، منهج ابن عطية في تفسير القرآن الكريم، 58، 67.
([6]) انظر: ابن الأبار، معجم أصحاب القاضي أبي علي الصدفي، 263. أبو الحسن علي بن عبد الله بن الحسن النباهي المالقي، تاريخ قضاة الأندلس، ط5 (بيروت: دار الآفاق الجديدة، 1403 هـ = 1983 م)، 109.
([7])أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال، الصلة في تاريخ أئمة الأندلس، ط2، عني بنشره وصححه وراجع أصله: السيد عزت العطار الحسيني( مكتبة الخانجي، 1374 هـ = 1955 م)، 433.
([8])الضبي، مرجع سابق، 441.
([9]) ألف ابن عطية كتابا سمى فيه شيوخه، وذكر ما رويه عنهم ومن أجازه. انظر: ابن عطية ، فهرسة ابن عطية، 59 وما بعدها.
([10]) ابن عطية، فهرسة ابن عطية، 59.
([11])ابن بشكوال، الصلة، 433.
([12]) ابن عطية، فهرسة ابن عطية، 91.
([13]) الضبي، بغية الملتمس، 123.
([14]) ابن عطية، فهرسة ابن عطية، 96-97.
([15]) المرجع السابق، 77-78.
([16]) المرجع السابق، 99-100.
([17]) ابن بشكوال، الصلة، 144.
([18]) ابن الخطيب، الإحاطة، 3/ 412.
([19]) انظر: الذهبي، سير أعلام النبلاء، 19/ 588.
([20])انظر ترجمته: الذهبي، مرجع سابق، سير أعلام النبلاء، 21/ 118-120.
([21]) الضبي، بغية الملتمس، 389.
([22]) ابن فرحون، الديباج، 1/ 208-211.
([23])الذهبي، سير أعلام النبلاء، 21/ 364.
([24]) قاله ابن بشكوال في الصلة في تاريخ أئمة الأندلس، 368.
([25]) قاله الضبي في بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس، 389.
([26]) قاله الذهبي في سير أعلام النبلاء، 19/ 588.
([27]) قاله ابن الخطيب في الإحاطة في أخبار غرناطة، 3/ 412.
([28])انظر: ابن الخطيب، الإحاطة، 3/ 412. حاجي خليفة، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، (مكتبة المثنى – بغداد)، 2/ 1613
([29]) محمد بن عبد الرحمن المغراوي، المفسرون بين التأويل والإثبات في آيات الصفات، ج2 (بيروت: مؤسسة الرسالة- دار القرآن، 1420هـ= 2000م)، 861.
([30])انظر:ابن عطية، فهرسة ابن عطية، 75، 95.
([31]) انظر: ابن عطية، فهرسة ابن عطية، 77.
([32]) سورة المائدة، الآية: 64.
([33])ابن عطية، المحرر الوجيز، 2/215.
([34]) سورة البقرة، الآية: ٢٥٥.
([35])ابن عطية، المحرر الوجيز، 1/ 342.
([36]) انظر تفسيره لقوله:ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ [البقرة:29].
([37]) ابن عطية، المحرر الوجيز، 1/ 115.
([38]) انظر: فايد، منهج ابن عطية في تفسير القرآن الكريم، 129 ومابعدها.
([39]) ابن عطية، المحرر الوجيز، 1/34.
([40]) ابن عطية، المحرر الوجيز، 1/34.
([41]) ابن عطية، المحرر الوجيز، 1/337.
([42]) ابن عطية، المحرر الوجيز، 2/ 283- 284.
([43]) ابن عطية، المحرر الوجيز، 3/ 147.
([44]) ابن عطية، المحرر الوجيز، 3/ 545.
([45]) ابن عطية، المحرر الوجيز، 5/ 466-467.
([46]) انظر: ابن الأبار، مرجع سابق، معجم أصحاب القاضي أبي علي الصدفي، 265. الذهبي، سير أعلام النبلاء، 19/ 588.
([47]) وبه قال ابن بشكوال، والصفدي. انظر: ابن بشكوال، الصلة، 368. الصفدي، الوافي بالوفيات، 18/ 40.
([48]) وبه قال لسان الدين بن الخطيب، وابن فرحون. انظر: ابن الخطيب، الإحاطة، 3/ 414. ابن فرحون، الديباج، 2/ 58.




قائمة المراجع:

  • · أحمد بن يحيى بن أحمد بن عميرة، أبو جعفر الضبي، بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس (القاهرة: دار الكاتب العربي،1967 م).
  • · برهان الدين إبراهيم بن علي بن محمد اليعمري، ابن فرحون، الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، ج2، تحقيق: محمد الأحمدي أبو النور(القاهرة: دار التراث).
  • · جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، ج2، المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم (لبنان / صيدا: المكتبة العصرية).
  • · حاجي خليفة، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، (مكتبة المثنى – بغداد).
  • · خلف بن عبد الملك بن بشكوال، الصلة في تاريخ أئمة الأندلس، ط2، عني بنشره وصححه وراجع أصله: السيد عزت العطار الحسيني( مكتبة الخانجي، 1374 هـ = 1955 م).
  • · صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي، الوافي بالوفيات، ج18، المحقق: أحمد الأرناؤوط، تركي مصطفى (بيروت: دار إحياء التراث، 1420هـ= 2000م).
  • · عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن، ابن عطية الأندلسي، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، المحقق: عبد السلام عبد الشافي محمد، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1422هـ)
  • · عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن، ابن عطية الأندلسي، فهرسة ابن عطية، ط2، المحقق: محمد أبو الأجفان، محمد الزاهي (بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1983م).
  • · عبد الوهاب فايد، منهج ابن عطية في تفسير القرآن الكريم، (القاهرة، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، 1393هـ =1973م).
  • · علي بن عبد الله بن الحسن النباهي المالقي، تاريخ قضاة الأندلس، ط5 (بيروت: دار الآفاق الجديدة، 1403 هـ = 1983 م).
  • · محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي، سير أعلام النبلاء، ط3، ج19، المحقق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1405 هـ = 1985 م) .
  • · محمد بن عبد الرحمن المغراوي، المفسرون بين التأويل والإثبات في آيات الصفات، ج2 (بيروت: مؤسسة الرسالة- دار القرآن، 1420هـ= 2000م).
  • · محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي البلنسي، ابن الأبار، معجم أصحاب القاضي أبي علي الصدفي (مصر: مكتبة الثقافة الدينية، 1420 هـ = 2000 م).
  • · محمد بن عبد الله بن سعيد السلماني، الشهير بلسان الدين بن الخطيب، الإحاطة في أخبار غرناطة، ج3 (بيروت: دار الكتب العلمية، 1424 هـ).
  • · محمد بن علي بن أحمد الداوودي، طبقات المفسرين، ج1(بيروت: دار الكتب العلمية).

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الإمام, سيرة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:29 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir