القارئ:
(فإن قل عدده، فإما أن ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو إلى إمام ذي صفة علية كشعبة).
الشيخ:
هذا الإسناد إما أن يقل عدده وينتهي إلى النبي عليه الصلاة والسلام، أو يقل عدده لا إلى النبي عليه الصلاة والسلام، يقل ما بين الراوي ومن روى عنه، وهذا المروي عنه يكون له صفة علية:
- إما لكونه حافظاً.
- وإماماً من أئمة أهل الحديث، له ضبط وإتقان.
- أو يكون إماماً معروفاً بسعة الرواية وكثرتها.
- أو يكون مصنفاً من المصنفين المشهورين من علماء السنة.
القارئ:
(فالأول العلو المطلق، والثاني النسبي).
الشيخ:
الأول: العلو المطلق، يعني: العلو الذي لم يقيد بشيءٍ، وهو: الحديث الذي يقل عدد رواة إسناده بين الراوي وبين النبي صلى الله عليه وسلم، فكلما كان العدد قليلاً بين الراوي وبين النبي عليه الصلاة والسلام، فإن الإسناد يعلو، يكون في الإسناد علو، وهذا علوٌ مطلقٌ إلى النبي عليه الصلاة والسلام.
هذا العلو كيف نعرفه؟
العلو هذا يعرف عن طريقين:
- إما المقارنة.
- وإما العادة.
العادة: أن يكون الراوي هذا الغالب أن بينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام خمسة رواة،
فإذا جاء في حديث ورواه عن النبي عليه الصلاة والسلام، وبينه وبينه ثلاثة نقول: هذا الإسناد الذي رويته الذي كان بينك وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيه ثلاثة أنفس، هذا إسناد عال.
ولهذا العلماء ألفوا (ثلاثيات الإمام أحمد)(ثلاثيات البخاري)؛ لأنها منـزلةٌ عاليةٌ، الترمذي رحمه الله له حديث واحدٌ ثلاثي، يعني: بينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام ثلاثة أنفس، العادة أن الترمذي بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أنفس، أو ستة، فإذا روى حديثاً بثلاثة أنفس، هذا يكون إسناده فيه عالياً.
أو بالمقارنة:نقارن هذا الراوي في روايته لهذا الحديث بطبقته، أو بشيوخه، فعندنا الإمام أحمد روى حديثاً، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن الإمام مالك، عن نافع، عن ابن عمر، بينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام أربعة أنفسٍ، جاء أبو داود تلميذ الإمام أحمد فروى الحديث عن قتيبة، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، نقول: إسناد أبي داود هذا إسنادٌ عالٍ؛ لأن الإمام أحمد من شيوخه. فالأصل إذا كان الإمام أحمد، من شيوخ أبي داود، أن يكون بين أبي داود والنبي صلى الله عليه وسلم خمسة، فلما روى هذا الحديث رباعياً دل على علوه فيه، بالمقارنة مع رواية الإمام أحمد.
***
القارئ:
(والثاني النسبي، وفيه الموافقة).
الشيخ:
النسبي يعني: الذي يكون العلو فيه إلى إمام ذي صفة علية، يعني: يقل عدد الرواة بين الراوي وبين هذا الإمام ذي الصفة العلية، سواءً كان ما بين هذا الإمام وبين النبي عليه الصلاة والسلام قليلاً، أو كثيراً.
في العلو النسبي، ننظر إلى ما بين الراوي وبين هذا الإمام، ونقطع النظر عما بين الإمام وبين النبي صلى الله عليه وسلم.
قال العلماء: هذا مثل: سفيان بن عيينة، لو روى البخاري عن سفيان بواسطة واحدة فقط، نقول: إسناد البخاري عالٍ، لكن لو روى عن سفيان بن عيينة بينه، وبينه أربعة قلنا: إسناده ليس بعالٍ؛ لو لم يجعل بينه وبين ابن عيينة، واسطة لكان منقطعاً، فأقل الوسائط بينه وبين ابن عيينة واحد، فإذا مثلاً روى عن ابن وهب، عن سفيان بن عيينة نقول: عال. لكن لو جعل بينه، وبين سفيان بن عيينة ثلاثة أنفس أو أربعة، ليس بعال، إذاً صار بين البخاري، وبين سفيان واسطة واحدة نقول: هذا إسناد عال، ونريد به علواً نسبياً؛ لأن علوه إلى إمام ذي صفة علية، وهو سفيان بن عيينة؛ لأنه من أئمة الحديث حفظاً وسعة في الرواية وشهرة. لكن قد يكون بين ابن عيينة وبين النبي عليه الصلاة والسلام عددٌ كثيرٌ، وقد يكون بينهم عدد قليل سفيان بن عيينة أحياناً يكون بينه، وبين النبي عليه الصلاة والسلام راويان، فيروي سفيان، عن الزهري، عن أنس، عن النبي عليه الصلاة والسلام.
وأحياناً يكثر الرواة؛ فقد روى سفيان، عن محمد بن عجلان، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن معمر بن أبي حبيب، عن عبيد الله بن عدي بن خيار، عن عمر رضي الله عنه، فبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أنفس.
***
القارئ:
(وفيه الموافقة، وهي الوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه).
الشيخ:
وفيه، في العلو النسبي، يعني: أن الموافقة نوعٌ من أنواع العلو النسبي.
القارئ:
(وفيه البدل، وهو الوصول إلى شيخ شيخه كذلك وفيه المساواة، وهي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره).
الشيخ:
البدل، والموافقة وأنواع هذا العلو لا يصلح فيها التعريف قبل المثال.
الموافقة، والبدل هذان نوعان من أنواع العلو النسبي، مثال ذلك: أبو داود، روى حديثاً عن يحيى بن معين، عن حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي عليه الصلاة والسلام، نجد الذهبي في سير أعلام النبلاء يروي هذا الحديث عن أحمد من طريق أحمد بن الحسين الصوفي، عن يحيى بن معين، عن حفص بن غياث، إلى آخر الإسناد، أبو داود مصنف، والذهبي روى هذا الحديث، لكن ليس في إسناده أبو داود؛ لأن في الموافقة الوصول إلى شيخ المصنف.
شيخ المصنف:
هو يحيى بن معين، شيخ أبي داود هو يحيى بن معين، والذهبي وصل إلى يحيى بن معين، من غير طريق أبي داود، الذي يقابل أبا داود في سند الذهبي هو أحمد بن الحسين الصوفي.
إذاً:
الذهبي لما خرج الحديث وافق أبا داود في شيخه هذه تسمى الموافقة. الموافقة تكون:
- أحياناً مساوية.
- وأحياناً نازلة.
- وأحياناً عالية.
الموافقة يعني يقصدون بها الموافقة بعلو هنا؛لأنها من الإسناد العالي.
كيفية الموافقة:
قالوا: لو روى الحديث الذهبي، من طريق أبي داود، سيكون بينه وبين يحيى بن معين - ويحيى بن معين إمام له صفة علية - سيكون بينه، وبين يحيى بن معين أكثر من ستة أنفس، لكن لما رواه من هذه الطريق أحمد بن حسين الصوفي كان بينه وبين ابن معين ستة، لكن لو رواه من طريق أبي داود سيكون بينه وبين يحيى أقل الأحوال سبعة أنفس.
ولهذا مثل هؤلاء العلماء، كالذهبي،والمزي في (تهذيب الكمال) والحافظ ابن حجر في بعض كتبه.. في تخاريجه يكثرون وافقناه بعلو، وقع لنا موافقة بعلو، هذا هو يقصدون هذا؛ لأنهم يفرحون بهذا العلو، للقرب من الأئمة.
البدل:
هو الوصول إلى شيخ شيخ المصنف في نفس المثال.
هذا، المثال هذا شيخ أبي داود، يحيى بن معين؛ لأن المصنف هو أبو داود صاحب (السنن)، شيخ شيخه هو حفص بن غياث، فإذا روى الذهبي، حديثاً من طريق أحمد بن الحسين الصوفي، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن حفص بن غياث، يكون الذهبي قد وقع له الحديث الذي في (سنن أبي داود) بدلاً، يكون هذا هو البدل، لماذا؟
لأنه أبدل شيخ أبي داود، شيخ ابي داود كان ابن معين؛ فأبدله هنا، وجعله أبا بكر بن أبي شيبة، والتقى مع أبي داود في شيخ شيخه حفص بن غياث، هذا يسمى البدل، الذهبي لو روى مثل: هذا الحديث من طريق أبي داود عن حفص بن غياث، سيكون بينه، وبين حفص بن غياث ما لا يقل عن ثمانية أنفس، لكن هنا لما رواه من طريق أحمد بن الحسين، صار بينه وبين حفص بن غياثسبعة أنفس، فهنا يسمى بدلاً عالياً.
الموافقة:
هي الوصول إلى شيخ المصنف من غير طريقه؛ فإن كان كانت رواته أقل مما لو رواه من طريق المصنف، فهي الموافقة العالية.
والبدل:هو الوصول إلى شيخ شيخ المصنف من غير طريقه، فإن كان عدد الرواة أقل مما لو رواه من طريقه كان بدلاً عالياً، وهذان النوعان دائماً تكثر في كتب العلماء، خاصة الثلاثة المذكورون ويلحق بهم العراقي وغيرهم، لكن هؤلاء لهم كتب كثيرة.
أيهما أفضل البدل أو الموافقة؟
تعتمد على عدد الرواة أو على من نسب إليه من حيث الإتقان والضبط فقط، وهذه الموافقة والبدل لا تعني لا صحة ولا ضعفاً.
القارئ:
(وفيه المساواة، وهي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد أحد المصنفين، وفيه المصافحة، وهي الاستواء مع تلميذ ذلك المصنف).
الشيخ:
عندنا نوعان:
- المساواة.
- والمصافحة.
وهما قليلان في كلام العلماء، البدل والموافقة كثيرة.
المساواة:
معناها أن يكون عندنا مصنفٌ، ثم يأتي من جاء بعده، فيروي الحديث الذي يرويه هذا المصنف بإسناد يساوي عدد رجاله عدد إسناد صاحب الكتاب، مع أنه متأخر عنه.
السخاوي متوفى سنة تسعمائة واثنين للهجرة.
- والنسائي متوفى سنة ثلاثمائة وثلاثة، بينهما ستمائة سنة.
- والترمذي متوفى سنة مائتين وتسع وسبعين، بينه وبين السخاوي أكثر من ستمائة سنة، في حديثٍ لأبي أيوب الأنصاري أن {قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن، هذه رواها النسائي، والترمذي، وبينهما وبين النبي صلى الله عليه وسلم عشر أنفس، هذا إسناد نازل بالنسبة للنسائي، وأبي داود؛ لأن العادة النسائي ستة أو سبعة بينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام، والترمذي خمسة أو ستة، هذا عشرة، فجاء فيما يظهر السخاوي فروى هذا الحديث من غير طريق النسائي، ولا أبي داود، فرواه وبينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام عشر أنفس، مساوياً لرواية النسائي، مع أن بينهما ستمائة سنة. هذه الرواية رواية السخاوي، أو من عاصره، هذه تسمى المساواة؛ لأنه ساوى النسائي، والترمذي في عدد الرواة بينهم وبين النبي عليه الصلاة والسلام، وهذه الأشياء نادرةٌ في الكتب الأولى، تقع لهم كثيراً مثل: البغوي؛ لأن البغوي متأخر في القرن السادس، فبينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام وسائط كثيرون، قد يكون الذي في القرن العاشر يروي ، الحديث بإسناد مساو لما في القرن السادس، إذا رواه عن طريق المعمرين الذين طالت أعمارهم أصحاب مائة سنة، أصحاب تسعين، أصحاب مائة وعشرين، هذه تسمى المساواة.
إذاً: المساواة هي: تساوي عدد الإسناد بين راوي الحديث وصاحب الكتاب المصنف، يقصدون براو الحديث يعني: الراوي المتأخر عن صاحب الكتاب، وهذا يحصل في المستخرجات:
- مثل: (مستخرج أبي عوانة)، أحياناً يروي الحديث يرويه الإمام مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي معاوية، عن الأعمش، الإمام مسلم رحمه الله متوفى سنة مائتين وواحد وستين، فيأتي أبو عوانة وهو متوفى سنة ثلاثمائة وست عشرة فيروي الحديث عن علي بن حرب، عن أبي معاوية، بل هو أعلى من مسلم؛ لأنه الآن صار في منزلة شيخ مسلم، هذا علو عظيم.
أما المصافحة:
هي نفس مثال المساواة، ولكن تختلف أنه في المصافحة يكون شيخ الراوي هو الذي يكون بمنزلة النسائي، أو الترمذي، يعني: بدلاً من أن يكون بين السخاوي مثلاً والنبي عليه الصلاة والسلام عشر أنفس يكون بينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام إحدى عشر نفساً، فيكون شيخ السخاوي لو فرضنا أنه ابن حجر يكون ابن حجر بينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام عشر أنفس، كما بين النسائي والنبي عليه الصلاة والسلام.
يقولون: سميت مصافحة؛
لأن هذا الراوي الذي هو السخاوي كأنه صافح النسائي، والترمذي بمن معه؛ لأنه التقى معهم، فكأنه حصلت له مصافحتهم؛ لأن العادة أن من لقي الآخر أنه يصافحه.
المساواة والمصافحة لا ينبني عليها حكم،
العادة أن هذه لا تخلو من أمرين:
الأمر الأول:
إما أن تكون أصلاً هي مروية بالأسانيد العالية قديماً، وهذه يحتمل أن المتأخرين تجوزوا في الانقطاعات وفي الإجازات، يعني: تجوزوا فيها وأخذوا إجازات أحياناً معدومة، إجازات لمعدوم، وجعلوها بمنزلة: السماع والاتصال، وإلا تكون أصلها ضعيفة، هذا هو الغالب عليها.
أما الموافقة والبدل،هذه أصول الأحاديث موجودة في الكتب والسنن.
القارئ:
(ويقابل العلو بأقسامه النزول).
الشيخ:
هذا واضح .