دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السابع ( المجموعة الأولى)

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 7 ربيع الثاني 1440هـ/15-12-2018م, 05:04 PM
صالحة الفلاسي صالحة الفلاسي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
المشاركات: 242
افتراضي

تفسير قوله تعالى: ﴿رَبُّ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ لا إلَهَ إلا هو فاتَّخِذْهُ وكِيلا﴾.
إن الحمدلل، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

وردت هذه الآية العظيمة في سورة المزمل ، وهي السورة التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في أول الوحي وقبل تبليغ الرسالة لتثبته على ما سيلقاه من المصاعب في دعوته لقومه ،ثم دلّه سبحانه بأعظم ما يعينه على ذلك ، فأمره سبحانه بالصلاة في أفضل وآكد أوقاتها وهو قيام الليل ، ثم أمره بإشغال لسانه بالذكر والتسيبح ، ثم أمره بأعظم عبادة يشغل بها قلبه وهو التوكل على الله وتفويض أمره إليه.
فإذا علمت أنه هو{ رَبُّ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ} المالك المتصرف في المشارق والمغارب{ لا إلَهَ إلا هو} أي: لا معبود إلا وجهه الأعلى، الذي يستحق أن يخص بالمحبة والتعظيم ،{ فاتَّخِذْهُ وكِيلا} أي اتخذه حافظا مدبرا لأمورك كلها فأنه سيكفيكها.
يقول ابن جرير :{فاتخذه وكيلا} أيْ: فِيما يَأْمُرُكَ، وفَوِّضْ إلَيْهِ أسْبابَكَ .
والتوكل من أعظم العبادات القلبية التي يجب أن تقوم في قلب العبد في أحواله كلها، فما معنى الوكيل ، ولماذا يحتاج الإنسان إلى وكيل؟ ومتى يحتاج الإنسان لهذا الاسم ؟ وهل الأخذ بالأسباب ينافي التوكل؟ ثم كيف يعاملك الله إذا اتخذته وكيلا؟
والوكيل: هو اسم من أسماء الله الحسنى وهو على وزن فعيل بصيغة المبالغة ومعناه : الكفيل بأرزاق العباد ، القائم عليهم بمصالحهم .
ويحتاج الإنسان لوكيل لأنه بطبيعة حاله فقير مفتقر إلى من يدبر شؤونه وأموره كلها ، فطالما هو يحيا في هذه الدنيا فهو يحتاج إلى من يوكل إليه أمره ، يقول تعالى مخبرا عن طبيعة الإنسان {وخلق الإنسان ضعيفا} النساء(28)
فهو ضعيف لأنه خلق من ماء مهين ، {لــَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا} ، وهو ضعيف لأنه يستميله هواه وشهوته ، وهو ضعيف في أمر النساء
يقول ابن القيم رحمه الله في تفسير قوله تعالى {وخلق الإنسان ضعيفا}:
" فَإنه ضعيف البنية، ضعيف القوة، ضعيف الإرادة، ضعيف العلم، ضعيف الصبر، والآفات إليه مع هذا الضعف أَسرع من السيل في الحدور" انتهى من طريق الهجرتين (1/228).
فمن كان هذا حاله ، فلا يغترن بنفسه ولا يتجبر على خلقه، وليعلم أنه بحاجة لاسم الوكيل بعدد أنفاسه ، فهو كل يوم لا يخلو من حاجات واستغاثات ومخاوف وكربات، فهو محتاج إلى كامل الصفات يصمد إليه في جميع شؤونه ، يصرف أمره ، يؤمن مخاوفه ، ينير بصيرته ، ويخرجه من الظلمات إلى النور ، لذلك يقول الله سبحانه لك في هذه الآية ، فكما أفردته في العبادة فأفرده بالتوكل.
فكيف يكون إفراده بالتوكل؟
إفراده بالتوكل هو أن لا يكون في قلبك غيره ، وأن يمتلأ قلبك ثقة بما يدبره لك وأنه حكيم وأنه لا يصدر منه إلا كل خير فهو موصوف بالكمال ، وأن ترضى بأفعال الله وتسلم ولا تتسخط ، وأن تتيقن بأن كل من أسهم في تدبير شؤونك ، قد فعل ذلك لأن الله وحده هو الذي سخره ليكون سببا في وصولك لمصالحك ، وأن المدبر وحده هو الله سبحانه وتعالى.
ولكن هل الأخذ بالأسباب ينافي التوكل؟
قال البقاعي: وليس ذلك بأن يترك الإنسان كل عمل فإن ذلك طمع فارغ بل بالإجمال في طلب كل ما ندب الإنسان إلى طلبه ليكون متوكلاً في السبب، منتظراً المسبب، فلا يهمل الأسباب ويتركها طامعاً في المسببات، لأنه حينئذ يكون كمن يطلب الولد من غير زوجة، وهو مخالف لحكمة هذه الدار المبنية على الأسباب.
فإذا قلت: أن هذا الكون خلق على مبدأ التسبب ، , وأن كل شيء يكون له سبب ،فاعلم أنه الله هو خالق تلك الأسباب ، وأنه هو وحده الذي يهديك للسبب ، وأنه وحده سبحانه يستطيع أن ينفعك به ، وأنه من تمام التوكل هو عدم التعلق بالأسباب ، وإنما التعلق بالمسبب ، وأن تستغيث به وحده في أن يسخر لك الأسباب ويهديك لها ، ثم ينفعك بها . واستغث بالله أن لا تكون هذه الأسباب سببا في الحول بينك وبين الله ، فكم من رجل تعلق بالأسباب حتى أفسد عليه صدق توكله على ربه.
فإذا صدقت في اتخاذ وكيلا ، فكيف سيعاملك سبحانه؟
أخرج البخاري في صحيحه ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عن قصص لبني إسرائيل :
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ. فَقَالَ: ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ. فَقَالَ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا. قَالَ: فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ. قَالَ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا. قَالَ: صَدَقْتَ. فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ).
(فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلَانًا أَلْفَ دِينَارٍ فَسَأَلَنِي كَفِيلَا فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا فَرَضِيَ بِكَ وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا فَرَضِيَ بِكَ وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا. فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ. فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ، فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ. ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالْأَلْفِ دِينَارٍ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ. قَالَ: هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ. قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ. فَانْصَرِفْ بِالْأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا).
فانظر كيف سبحانه يدبر أمر من توكل عليه ، فيستحيل أن يخذل الله سبحانه من اتخذه وكيلا ، فالرجل من بني إسرائيل لم يطلب شهودا ولم يوثق عهودا وإنما صدق في توكله ، فصدق الله معه.
فهو سبحانه يأمرك بأن تتخذه وكيلا في كل أحوالك ، فإذا خفت سوء تدبير أحد لك فاتخذه وكيلا ، وإذا مكر بك أحد فاتخذه وكيلا ، وإذا ضاق صدرك وعجزت عن تصديق الناس لك فاتخذه وكيلا ، فهو كافيك لا محاله ، ناصرك ولو بعد حين. يقول تعالى:
{آلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} آل عمران(173)
{وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلا} النساء (81)
{فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكيل} هود 12
فإذا علمت أن وكيلك كامل الصفات ، رحيم ، فلا تظنه لا يرحمك وأنت منكسر بين يديه تستغيث به ، كريم يستحي أن يرد يدي عبده خاليتين ، قدير لا يعجزه تدبير أمرك ، عزيز خضع لعزته كل شيء ، يعز أولياؤه وينصرهم ولو بعد حين ، ويذل أعدائه، فاطمئن واتخذه وكيلا ، ووحده بالتوكل بأن لا تتخذ معه غيره وكيلا ، ووحده بالتوكل بأن تتعلق به وحده دون الأسباب ، ووحده بالتوكل بالرضى عنه فيما دبر من أمرك ، فقد وصف نفسه بالعليم الحكيم ، فهو لا يدبر لك إلا الخير لسابق علمه وحكمته فيما يصلح من أمرك.

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:37 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir