إِنَّ وأَخَوَاتُهَا
[عمَلُ "إنَّ" وأخواتِها]:
174 - لِإِنَّ أَنَّ لَيْتَ لَكِنَّ لَعَلْ = كَأَنَّ عَكْسُ مَا لِكَانَ مِنْ عَمَلْ
175 - كَـ "إِنَّ زَيْدًا عَالِمٌ بِأَنِّي = كُفْءٌ وَلَكِنَّ ابْنَهُ ذُو ضِغْنِ"
(لِإِنَّ) و(أَنَّ) و(لَيْتَ) و(لَكِنَّ) و(لَعَلَّ) و(كَأَنَّ عَكْسُ مَا لِكَانَ) الناقصةِ (مِنْ عَمَلْ): فتَنصِبُ المبتدَأَ اسمًا لها وترفعُ الخبرَ خبرًا لهَا.
(كَـ(إِنَّ زَيْدًا عَالِمٌ بِأَنِّي = كُفْءٌ وَلَكِنَّ ابْنَهُ ذُو ضِغْنِ)
أيْ: حقْدٍ، وقِسِ الباقيَ، هذه اللغةُ المشهورةُ وحكى قومٌ – منهمُ ابنُ سِيدَهْ – أنَّ قومًا مِنَ العربِ تنصِبُ بها الجُزْءينِ معًا، مِنْ ذلك قولُهُ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
254 - إِذَا اسْوَدَّ جُنْحُ اللَّيْلِ فَلْتَأْتِ وَلْتَكُنْ = خُطَاكَ خِفَافًا إِنَّ حُرَاسَنَا أُسْدًا
وقولُهُ [مِنَ الرَّجَزِ]:
255 - يَا لَيْتَ أَيَّامَ الصِّبَا رَوَاجِعَا
وقولُهُ [مِنَ الرَّجَزِ]:
256 - كَأَنَّ أُذُنَيْهِ إِذَا تَشَوَّفَا = قَادِمَةٌ أًوْ قَلَمًا مُحَرَّفًا
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ: لَمْ يَذكُرِ الناظِمُ في تسهِيلِهِ أنَّ المفتوحةَ نَظَرًا إلى كَونِها فرْعَ المكسورةِ وهو صنيع سِيبَوَيْهِ حيثُ قالَ: "هذا بابُ الحروفِ الخمسةِ".
الثانِي: أشارَ بقولِهِ "عَكْسُ مَا لِكَانَ" إلى ما لهذه الأحرفِ مِنَ الشَّبَهِ بـ "كَانَ" في لزومِ المبتدَأِ والخبرِ والاستغناءِ بهما فعَمِلَتْ عملَهَا معكُوسًا ليكونَا معهُنَّ كمفعولٍ قُدِّمَ وفاعلٍ أُخِّرَ، تنبيهًا على الفرعيةِ، ولأنَّ معانيَهَا في الأخبارِ فكانَتْ كالعُمَدِ، والأسماءُ كالفضلاتِ فأُعْطِيَا إعرابَيْهِمَا.
[معانِي "إنَّ" وأخواتِها]:
الثالثُ: معنى "إنَّ" و"أنَّ" التوكيدُ.
و"لكِنَّ" الاستدراكُ والتوكيدُ، وليست مركَّبَةً على الأصحِّ.
وقال الفَرَّاءُ: أصلُها "لكِنْ أنْ" فطُرحتِ الهمزةُ للتخفيفِ ونونُ "لكنْ" للساكنَيْنِ؛ كقولِهِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
257 - وَلَسْتُ بِآتِيهِ وَلَا أَسْتَطِيعُهُ = وَلَاكِ اسْقِنِي إِنْ كَانَ مَاؤُكَ ذَا فَضْلِ
وقالَ الكُوفِيُّونَ: مُركَّبَةٌ مِن "لَا" و"إنْ" والكافُ الزائدةُ لا التشبيهيَّةُ وحُذفتِ الهمزةُ تخفيفًا.
ومعنَى "لَيْتَ" التمنِّي في الممْكِنِ والمستحيلِ لا في الواجبِ؛ فلا يقالُ: لَيْتَ غَدًا يجيءُ وأمَّا قولُهُ تعالى: {فَتَمَنَّوُا المَوْتَ} معَ إنَّهُ واجبٌ فالمرادُ تمنِّيهِ قبلَ وقتِهِ وهو الأكثرُ.
ولعلَّ: الترجِّي في المحبوبِ نحوُ {لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} والإشفاقُ في المكروهِ نحوُ {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ} وقدِ اقتصَرَ على هذين في (شَرْحِ الكَافِيَةِ)، وزادَ في (التَّسْهِيلِ) أنَّهَا تكونُ للتعليلِ والاستفهامِ:
فالتعليلُ نحوُ: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ}.
والاستفهامُ نحوُ: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} وَتَابَعَ في الأوَّلِ الأَخْفَشَ وفي الثانِي الكُوفِيِّينَ.
وتَختصُّ لعلَّ بالممكِنِ وليستْ مركَّبَةً على الأصحِّ وفيها عشْرُ لُغاتٍ مشهورةٍ .
و"كَأنَّ": التشبيهُ، وهي مركَّبَةٌ – على الصحيحِ، وقيلَ: بإجماعٍ مِن كافِ التشبِيهِ و"أنْ" فأَصْلُ "كأنَّ زَيْدًا أَسَدٌ". إنَّ زَيْدًا كَأَسَدٍ فقُدِّمَ حرفُ التشبِيهِ اهتمامًا بهِ ففُتِحَتْ همزةُ "أنَّ" لدخولِ الجارِّ.
176 - وَرَاعِ ذَا التَّرْتِيبَ إِلَّا فِي الَّذِي = كَلَيْتَ فِيهَا – أَوْ هُنَا – غَيْرُ البَذِي
(وَرَاعِ ذَا التَّرْتِيبَ): وهو تقديمُ اسمِهَا وتأخيرُ خبرِها وُجُوبًا (إِلَّا فِي) الموضعِ (الَّذي) يكونُ الخبرُ فيهِ ظرفًا أو مَجرورًا (كَلَيْتَ فِيهَا – أَوْ هُنَا – غَيْرُ البَذِي) للتوَسُّعِ في الظروفِ والمجروراتِ، قالَ في (العُمْدَةِ): ويجبُ أنْ يُقدَّرَ العاملُ في الظرفِ بعدَ الاسمِ، كما يقَدَّرُ الخبرُ وهو غيرُ ظرفٍ.
تنبيهانِ: الأوَّلُ: حُكمُ معمولِ خبرِها حكمُ خبرِها؛ فَلا يجوزُ تقديمُهُ إلا إذا كَانَ ظرفًا أو جارًّا ومجرورًا نحوُ: "إِنَّ عِنْدَكَ زَيْدًا مُقِيمٌ" و"إِنَّ فِيكَ عَمْرًا رَاغِبٌ". ومنهُ قولُهُ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
258 - فَلَا تَلْحَنِي فِيهَا فَإِنَّ بِحُبِّهَا = أَخَاكَ مُصَابُ القَلْبِ جَمٌّ بَلَابِلُهْ
وقدْ صَرَّحَ بهِ في غيرِ هذا الكتابِ ومَنَعَهُ بعضُهُمْ.
الثانِي: مَحَلُّ جوازِ تقديمِ الخبرِ إذا كانَ ظرفًا أو مجرورًا في غيرِ نحوِ: "إِنَّ عِنْدَ زَيْدٍ أَخَاهُ" و"لَيْتَ فِي الدَّارِ صَاحِبُهَا" لِمَا سَلَفَ.