دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الطحاوية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 02:57 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الإيمان باللوح والقلم

وَنُؤْمِنُ باللَّوْحِ والقلمِ وَبِجَمِيعِ ما فيهِ قَدْ رُقِمَ.
فَلَو اجْتَمَعَ الخلقُ كُلُّهُم على شيءٍ كَتَبَهُ اللهُ تعالى فيه أَنَّهُ كَائِنٌ، لِيَجْعَلُوهُ غيرَ كَائِنٍ –لم يَقْدِرُوا عليهِ.
ولو اجْتَمَعُوا كُلُّهُم على شيءٍ لم يَكْتُبْهُ اللهُ تعالى فيه، لِيَجْعَلُوهُ كَائِنًا – لم يَقْدِرُوا عليه.
جَفَّ القلمُ بما هُوَ كَائِنٌ إلى يومِ القيامةِ، وَمَا أَخْطَأَ العبدَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ، وما أَصَابَهُ لم يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ.

  #2  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 04:39 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات على الطحاوية لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز


[لا يوجد تعليق للشيخ]


  #3  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 05:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات المختصرة للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

(1) وَنُؤْمِنُ باللَّوْحِ والقلمِ وَبِجَمِيعِ ما فيهِ قَدْ رُقِمَ.
(2) فَلَو اجْتَمَعَ الخلقُ كُلُّهُم على شيءٍ كَتَبَهُ اللهُ تعالى فيه أَنَّهُ كَائِنٌ، لِيَجْعَلُوهُ غيرَ كَائِنٍ –لم يَقْدِرُوا عليهِ.
ولو اجْتَمَعُوا كُلُّهُم على شيءٍ لم يَكْتُبْهُ اللهُ تعالى فيه، لِيَجْعَلُوهُ كَائِنًا – لم يَقْدِرُوا عليه.
(3) جَفَّ القلمُ بما هُوَ كَائِنٌ إلى يومِ القيامةِ، وَمَا أَخْطَأَ العبدَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ، وما أَصَابَهُ لم يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ.



(1) هذا تابعٌ لِمَا سَبَقَ من الكلامِ عن القضاءِ والقدرِ، وقد سبقَ أنَّ مِن مراتبِ الإيمانِ بالقضاءِ والقدرِ الإيمانَ بِمَا كُتِبَ في اللَّوْحِ المحفوظِ، وأنَّ اللَّهَ لَمَّا عَلِمَ كُلَّ شَيْءٍ كَتَبَ ذلكَ في اللَّوْحِ المحفوظِ، وذلكَ أنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخلقَ، وأَوَّلُ ما خَلَقَ القلمُ، فقَالَ لَهُ: (اكْتُبْ)، قَالَ: ما أَكْتُبُ؟ قَالَ (اكْتُبْ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ). فَجَرَى القلمُ بأمرِ اللَّهِ بكتابةِ ما هو كائنٌ إلى يومِ القيامةِ، كما جاءَ في الحديثِ.
ولا يَعْلَمُ كيفيَّةَ اللَّوْحِ والقلمِ إِلاَّ اللَّهُ، وَهُمَا مَخْلُوقانِ من مَخْلُوقاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، نُؤْمِنُ بذلكَ، ولذلكَ قَالَ المؤلفُ: (نُؤْمِنُ باللَّوْحِ والقلمِ وبِمَا فيهِ قد رُقِمَ)؛ يعني اللَّوْحَ المحفوظَ، والكتابةَ فيهِ.
وهذهِ هي المرتبةُ الثانيةُ من مراتبِ الإيمانِ بالقضاءِ والقدرِ، وهي: الإيمانُ بالكتابةِ في اللَّوْحِ المحفوظِ.
(2) الكتابةُ التي كَتَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى في اللَّوْحِ المحفوظِ لا يَقْدِرُ أحدٌ على تَغْيِيرِهَا، فلو اجْتَمَعَ الخلقُ على أنْ يُغَيِّرُوا شيئًا كَتَبَهُ اللَّهُ لَمَا اسْتَطَاعُوا، ولو اجْتَمَعُوا على أن يُوجِدُوا شيئًا لم يَكْتُبْهُ اللَّهُ في اللَّوحِ المحفوظِلم يُوجِدُوهُ، كما جاءَ ذلكَ في حديثِ ابنِ عبَّاسٍ لَمَّا قَالَ لَهُ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَلْقَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا على أنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ).
فَلاَ تَغْيِيرَ ولا تبديلَ لِمَا كَتَبَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ في اللَّوْحِ المحفوظِ.
(3) هذا معنى الإيمانِ بالقضاءِ والقدرِ، أنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ لن يُصِيبَكَ إِلاَّ ما كَتَبَهُ اللَّهُ عليكَ، وما أَصَابَكَ لم يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وما أَخْطَأَكَ لم يَكُنْ لِيُصِيبَكَ.
فإذا أصابتك مصيبةٌ مما تَكْرَهُ، فإنك تَعْلَمُ أنَّ هذا مكتوبٌ في اللوحِ المحفوظِ، ولاَ بُدَّ أنْ يقعَ، فتَتَسَلَّى بذلك عن الجَزَعِ والسَّخَطِ، وتؤمنُ باللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وما أَخْطَأَكَ لم يكنْ لِيُصِيبَكَ، لو حَرَصْتَ عَلَى طَلَبِ شَيْءٍ وَبَذَلْتَ كُلَّ وُسْعِكَ وَجَهْدِكَ فلنْ تَحْصُلَ عليهِ، فإذا فَعَلْتَ السببَ وَبَذَلْتَ كُلَّ شَيْءٍ وَلَمْ تَحْصُلْ عليهِ، فَإِنَّكَ تُسَلِّمُ وَتُؤْمِنُ بالقضاءِ والقدرِ، ولا تَنْزَعِجُ ويكونُ عِنْدَكَ هَوَاجِسُ وَهُمُومٌ، فالنبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: (احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلاَ تَعْجَزَنَّ، فَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا لَكَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ (لَوْ) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)، إِذَا عَلِمْتَ هذا هانَ عليكَ الأمرُ، ولا يَحْصُلُ مِنْكَ جَزَعٌ، ولا تَحَسُّرٌ، الأمورُ بيدِهِ سُبْحَانَهُ، نَعَم أنتَ تَفْعَلُ الأسبابَ وتَحْرِصُ على ما يَنْفَعُكَ، ولكنَّ النتائجَ من لَدُنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وما تَدْرِي مَا الخيرةُ؟ فلا يُعْطِيكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذلكَ الشَّيْءَ؛ لاَنَّكَ لو حَصَلْتَ عليهِ يكونُ عليكَ منه ضررٌ، فاللَّهُ يَعْلَمُ، وأنتَ لا تَعْلَمُ، عليكَ أن تَرْضَى بقضاءِ اللَّهِ وقَدَرِهِ.
وفي القرآنِ الكريمِ يقولُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (التوبة: 51).
ويقولُ رَدًّا على الكُفَّارِ لَمَّا قَالُوا في شأنِ الذينِ قُتِلُوا في يومِ أُحُدٍ: {لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا}
(آل عِمْرَان:156)، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ}
(آل عِمْرَان:154).
فما كُتِبَ على الإنسانِ لاَ بُدَّ مِن نفاذِهِ فيهِ، ولو تَحَرَّزَ وَتَحَصَّنَ وعَمِلَ من الاحتياطاتِ ما عَمِلَ، لمْ يَمْنَعْهُ ذلكَ من قضاءِ اللَّهِ وقدرِهِ، قَالَ تَعَالَى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} (النِّسَاء: 78).

  #4  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 08:53 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي


قوله: ( ونؤمن باللوح والقلم، وبجميع ما فيه قد رقم ).

ش: قال تعالى: بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ. وروى الحافظ أبو القاسم الطبراني بسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله خلق لوحاً محفوظاً، من درة بيضاء، صفحاتها ياقوتة حمراء، قلمه نور وكتابه نور، لله فيه كل يوم ستون وثلاثمئة لحظة، وعرضه ما بين السماء والأرض، ينظر فيه كل يوم ستين وثلاثمائة نظرة، يخلق ويرزق ويميت ويحيي، ويعز ويذل، ويفعل ما يشاؤه. اللوح المذكور هو الذي كتب الله مقادير الخلائق فيه، والقلم المذكور هو الذي خلقه الله وكتب به في اللوح المذكور المقادير، كما في سنن أبي داود، عن عبادة بن الصامت، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [إن] أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: يا رب، وما [ذا] أكتب ؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة.
واختلف العلماء: هل القلم أول المخلوقات، أو العرش ؟ على قولين، ذكرهما الحافظ أبو العلاء الهمداني، أصحهما: أن العرش قبل القلم، لما ثبت في الصحيح من حديث عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، [قال]: وعرشه على الماء. فهذا صريح أن التقدير وقع بعد خلق العرش، والتقدير وقع عند أول خلق القلم، بحديث عبادة هذا. ولا يخلو قوله: أول ما خلق الله القلم، إلخ - إما أن يكون جملة أو جملتين. فإن كان جملة، وهو الصحيح، كان معناه: أنه عند أول خلقه قال له: اكتب، [كما في اللفظ: أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب] بنصب أول و القلم، وإن كان جملتين، وهو مروي برفع أول و القلم، فيتعين حمله على أنه أول المخلوقات من هذا العالم، فيتفق الحديثان، إذ حديث عبد الله بن عمرو صريح في أن العرش سابق على التقدير، والتقدير مقارن لخلق القلم. وفي اللفظ الآخر: لما خلق الله القلم قال له: اكتب، فهذا القلم أول الأقلام وأفضلها وأجلها. وقد قال غير واحد من أهل التفسير: إنه القلم الذي أقسم الله به في قوله تعالى: ن والقلم وما يسطرون. والقلم الثاني: قلم الوحي: وهو الذي يكتب به وحي الله إلى أنبيائه ورسله، وأصحاب هذا القلم هم: الحكام على العالم. والأقلام كلها خدم لأقلامهم. وقد رفع النبي صلى الله عليه وسلم لله ليلة أسري به إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام، فهذه الأقلام هي التي تكتب ما يوحيه الله تبارك وتعالى من الأمور التي يدبرها، أمر العالم العلوي والسفلي.

قوله: ( فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله تعالى فيه أنه كائن، ليجعلوه غير كائن - لم يقدروا عليه. ولو اجتمعوا كلهم على شيء لم يكتبه الله تعالى فيه، ليجعلوه كائناً - لم يقدروا عليه. جف القلم بما هو كائن الى يوم القيامة ).

ش: تقدم حديث جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: جاء سراقة بن مالك بن جعشم، فقال: يا رسول الله، بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن، فيم العمل اليوم، أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير ؟ أم فيما استقبل ؟ قال: لا، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير. وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فقال: يا غلام ألا أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فسأل الله، واذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وفي رواية غير الترمذي: احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم لكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً.
وقد جاءت الأقلام في هذه الأحاديت وغيرها مجموعة، فدل ذلك على أن للمقادير أقلاماً غير القلم الأول، الذي تقدم ذكره مع اللوح المحفوظ.
والذي دلت عليه السنة أن الأقلام أربعة، وهذا التقسيم غير التقسيم المقدم ذكره:
القلم الأول: العام الشامل لجميع المخلوقات، وهو الذي تقدم ذكره مع اللوح.
القلم الثاني: خبر خلق آدم، وهو قلم عام أيضاً، لكن لبني آدم، ورد في هذا آيات تدل على أن الله قدر أعمال بني آدم وأرزاقهم وآجالهم وسعادتهم، عقيب خلق أبيهم.
القلم الثالث: حين يرسل الملك إلى الجنين في بطن أمه، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد. كما ورد ذلك في الأحاديث الصحيحة.
القلم الرابع: الموضوع على العبد عند بلوغه، الذي بأيدي الكرام الكاتبين، الذين يكتبون ما يفعله بنو آدم، كما ورد ذلك في الكتاب والسنة.
واذا علم العبد أن كلاً من عند الله، فالواجب إفراده سبحانه بالخشية والتقوى. قال تعالى: فلا تخشوا الناس واخشون. وإياي فارهبون. وإياي فاتقون. ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون. هو أهل التقوى وأهل المغفرة.
ونظائر هذا المعنى في القرآن كثيرة. ولا بد لكل عبد أن يتقي أشياء، فإنه لا يعيش وحده، ولو كان ملكاً مطاعاً فلا بد أن يتقي أشياء يراعي بها رعيته. فحينئذ فلا بد لكل إنسان أن يتقي، فإن لم يتق الله اتقى المخلوق، والخلق لا يتفق حبهم كلهم وبغضهم، بل الذي يريده هذا يبغضه هذا، فلا يمكن إرضاؤهم كلهم، كما قال الشافعي رضي الله عنه: رضى الناس غاية لا تدرك، فعليك بالأمر الذي يصلحك فالزمه، ودع ما سواه فلا تعانه. فإرضاء الخلق لا مقدور ولا مأمور، وإرضاء الخالق مقدور ومأمور. [و] أيضاً فالمخلوق لا يغني عنه من الله شيئاً، فإذا اتقى العبد ربه كفاه مؤنة الناس. كما كتبت عائشة الى معاوية، روي مرفوعاً، وروي موقوفاً عليها: من أرضى الله بسخط الناس، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله، عاد حامده من الناس [له] ذاماً.
فمن أرضى الله كفاه مؤنة الناس ورضي عنه، ثم فيما بعد يرضون، إذ العاقبة للتقوى، ويحبه الله فيحبه الناس. كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا أحب الله العبد نادى: يا جبرائيل، إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبرائيل، ثم ينادي جبرائيل في السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وقال في البغض مثل ذلك. فقد بين أنه لا بد لكل مخلوق من أن يتقي إما المخلوق، وإما الخالق. وتقوى المخلوق ضررها راجح على نفعها من وجوه كثيرة، وتقوى الله هي التي يحصل بها سعادة الدنيا والآخرة، فهو سبحانه أهل التقوى، وهو أيضاً أهل المغفرة، فإنه هو الذي يغفر الذنوب، لا يقدر مخلوق على أن يغفر الذنوب ويجير من عذابها غيره، وهو الذي يجير ولا يجار عليه. قال بعض السلف: ما احتاج تقي قط، لقوله تعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب، فقد ضمن الله للمتقين أن يجعل لهم مخرجاً مما يضيق على الناس، وأن يرزقهم من حيث لا يحتسبون، فإذا لم يحصل ذلك دل على أن في التقوى خللاً، فليستغفر الله وليتب إليه، ثم قال تعالى: ومن يتوكل على الله فهو حسبه، أي فهو كافيه، لا يحوجه إلى غيره.
وقد ظن بعض الناس أن التوكل ينافي الاكتساب وتعاطي الأسباب، وأن الأمور إذا كانت مقدرة فلا حاجة إلى الأسباب ! وهذا فاسد، فإن الاكتساب: منه فرض، ومنه مستحب، ومنه مباح، ومنه مكروه، ومنه حرام، كما قد عرف في موضعه. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أفضل المتوكلين، يلبس لأمة الحرب، ويمشي في الأسواق للاكتساب، حتى قال الكافرون: مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق. ولهذا تجد كثيراً ممن يرى الاكتساب ينافي التوكل يرزقون على يد من يعطيهم، إما صدقة، وإما هدية، وقد يكون [ ذلك ] من مكاس، أو والي شرطة، أو نحو ذلك، وهذا مبسوط في موضعه، لا يسعه هذا المختصر. وقد تقدمت الإشارة إلى بعض الأقوال التي في [تفسير] قوله تعالى: يمحو الله ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب. وأما قوله تعالى: كل يوم هو في شأن فقال البغوي. قال مقاتل: نزلت في اليهود حين قالوا: إن الله لا يقضي يوم السبت ! قال المفسرون: من شأنه أنه يحيي ويميت، ويرزق، ويعز قوماً ويذل آخرين، ويشفي مريضاً، ويفك عانياً، ويفرج مكروباً، ويجيب داعياً، ويعطي سائلاً، ويغفر ذنباً، إلى ما لا يحصى من أفعاله وإحداثه في خلقه ما يشاء.

قوله: ( وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه ).

ش: هذا بناء على ما تقدم من أن المقدور كائن لا محالة، ولقد أحسن القائل حيث يقول:
ما قضى الله كائن لا محاله والشقي الجهول من لام حاله
والقائل الآخر:
اقنع بما ترزق ياذا الفتى = فليس ينسى ربنا نمله
إن أقبل الدهر فقم قائمـــاً = وإن تولى مدبراً نم له

  #5  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 11:48 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي


الشيخ: . . . قال بعد ذلك رحمه الله تعالى: "ونؤمن باللوح والقلم وبجميع ما فيه قد رقم" نؤمن باللوح والقلم، اللوح والقلم تعلق بالقدر من جهة أن القدر من مراتبه الكتابة، مراتب الإيمان به الكتابة، والكتابة كانت بالقلم في اللوح , لهذا لا يتم الإيمان بالكتابة إلا بالإيمان باللوح والقلم , والله جل وعلا أقسم بالقلم فقال سبحانه: ] ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ [ , والقلم هذا هو القلم الذي كتب به القضاء، وكتب به القدر في أحد وجهي التفسير، واللوح ذكره الله جل وعلا في كتابه في غير ما آية كقوله جل وعلا: ] بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ [ وسماه سبحانه كتاباً مكنوناً، فقال: ] فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لاَّ يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَهَّرُونَ [ وسماه جل وعلا أم الكتاب فقال سبحانه: ] يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ[.

وسمي لوحاً لما فيه من البهاء والنور والإضاءة؛ لأنه يلوح بمعنى أنه يظهر ويبين لما فيه من النور، فالإيمان باللوح والقلم من الإيمان بكتابة الله جل وعلا , ونؤمن بجميع ما في اللوح رقم، كل ما كتبه الله جل وعلا نؤمن به , فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وما كتبه الله لابد أنه كائن، لهذا قال بعده: "فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله تعالى فيه أنه كائن ليجعلوه غير كائن لم يقدروا عليه ..." إلى آخر كلامه .

إذا تبين هذا ففي مسألة اللوح والقلم عدة مسائل:

الأولى: أن اللوح جاء وصفه في حديث حسنه طائفة من أهل العلم , ويحتاج في بحث إسناده إلى مزيد نظر. فيه أن اللوح كما جاء في الحديث: ((خلق الله اللوح من درة بيضاء)) ووصفه بأن حافتيه الدر والياقوت , يعني إطار هذا اللوح أو دفتا هذا اللوح من در وياقوت , وصفحات هذا اللوح حمراء , جعل الله هذا اللوح كما وصفه بعض السلف على يمين العرش , وهو بين جبين إسرافيل لا ينظر فيه.

وجاء أيضاً أن الله خلق القلم وجعله من نور , وأن طوله ما بين السماء والأرض، وأن اللوح المحفوظ طوله ما بين السماء والأرض , وعرضه كما بين المشرق والمغرب، وهذا كما ذكرت لك يحتاج إلى مزيد بحث , لكن يذكره العلماء من أهل السنة , وتتابعوا عليه في حديث رواه يعني في أصل وصف اللوح والقلم , رواه الطبراني وغيره وحُسِّن إسناده كما ذكر لك، وقد ساقه أو ذكر الحديث شارح الطحاوية وغيره.

المسألة الثانية: أن القلم الذي كتب الله جل وعلا به القدر، كُتب به ما يتعلق بهذا العالم يعني كُتب به القدر إلى قيام الساعة , كما جاء في الحديث الصحيح حديث عبد الله بن عمرو , أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((قدّر الله مقادير الخلائق – يعني كتب مقادير الخلائق - قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة , وكان عرشه على الماء)).
فالقلم متعلقةُ كتابته باللوح المحفوظ بما هو كائن إلى قيام الساعة.

المسألة الثالثة: أن القلم لما خلقه الله جل وعلا أمره أن يكتب , فجرى بما هو كائن إلى قيام الساعة , كما جاء ذلك في حديث عبادة بن الصامت الذي رواه أبو داود والترمذي , والإمام أحمد , وجماعة بألفاظ متقاربة , وفيه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب , فجرى بما هو كائن إلى قيام الساعة)) وهذا لفظ أبي داود وغيره. وجاء أيضاً بلفظ: ((أول ما خلقَ الله القلمَ قال له اكتب فجرى بما هو كائن إلى قيام الساعة)).

ولهذا اختلف العلماء هنا في هل هذا الحديث على ظاهره في أن أول المخلوقات القلم , أو أن هذا الحديث له معنى آخر؟ وجعلوا هذا الحديث وحديث عبد الله بن عمرو من الأحاديث التي ينبغي الجمع بينها.
وهذا هو المسألة الثالثة وهو الجمع ما بين الحديث ـ أحد الحاضرين: الرابعة ـ الرابعة هي الجمع ما بين الحديثين , فتلحظ أن حديث عبد الله بن عمرو فيه قال: ((قدر الله مقادير الخلائق)) ولما قدر يعني كتب كان عرشه على الماء.
وفي حديث عبادة قال: ((إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب)) فيقتضي حديث عبادة أن الأمر بالكتابة كان مرتباً على ابتداء الخلق، خلق القلم وتقدير القدر كان قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة والعرش على الماء، فدل حديث عبد الله بن عمرو على وجود تقديم , وعلى وجود العرش , خلق العرش , وعلى خلق الماء، ودل حديث عبادة على أن خلق القلم تبعه قول الله جلا وعلا القلم: اكتب , فجرى بما هو كائن إلى قيام الساعة، وهذا الترتيب جاء بحرف الفاء الذي يدل على .. يعني في مثل هذا السياق على أن هذا بعد هذا دون تراخ زمني , لهذا اختلف العلماء في هذه المسألة؛ في الجمع بين هذين الحديثين , هل القلم هو أول المخلوقات أم العرش خلق قبله؟ على قولين للسلف فمن بعدهم:

والقول الأول: وهو قول جمهور السلف , كما نسب ذلك إليهم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره , قال .. يعني القول الأول: إن العرش قبل القلم وكذلك الماء قبل القلم.

والقول الثاني: أن القلم هو أول المخلوقات والعرش والماء بعد ذلك , وهو قول طائفة من أهل العلم، والترجيح ما بين هذين القولين هو أن الأحاديث يجب الجمع بينها وعدم تعارضها، وحديث عبادة بن الصامت في قوله عليه الصلاة والسلام: ((إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب )) يقتضي أن الكتابة كانت بعد خلقه. وحديث عبد الله بن عمرو يقتضي تقدم وجود العرش والماء على حصول الكتابة، فدل هذان الحديثان على أن العرش والماء موجودان قبل، وأن خلق القلم تبعته الكتابة، ولهذا نسبه شيخ الإسلام إلى جمهور السلف في أن القلم موجود بعد العرش والماء، وهذا تدل عليه رواية: ((أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب))، يعني حين، أول بمعنى حين، ((أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب)) حين خلقه قال له: اكتب , وهذا هو معنى: ((إن أول ما خلقه الله القلم فقال له اكتب))؛ لأن الجمع بين الروايات أولى من تعارضها .

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه التبيان أن قوله: ((إن أول ما خلق الله القلم)) ورواية: ((أول ما خلق الله القلم)) إما أن تجعل جملتين أو جملة واحدة، وقد ذكر هذا النقل شارح الطحاوية فترجعوا إليه، وخلاصة البحث هو ما ذكرت لك من التقدير فإن قوله: ((إن أول ما خلق الله القلم)) هنا برفع القلم تكون خبر إن , يعني إن أول الذي خلق الله , إن أول المخلوقات القلمُ، فقال له اكتب وإذا كان أول المخلوقات فكيف يفسر مع حديث، ((وكان عرشه على الماء)) الذي ذكرته لك فقوله: إن أول المخلوقات , أو أول ما خلقه الله، أول الذي خلق الله يفهم على أن القلم جرى بما هو كائن إلى قيام الساعة قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة , فالقلم متعلق بما كتب في اللوح المحفوظ , متعلق بما يحدث في هذا العالم المخصوص , لا في مطلق الأشياء , ولهذا علق بأنه إلى قيام الساعة .

فإذن يفهم لما كان التعلق، تعلق الكتابة بهذا العالم , الذي جرى التقدير عليه إلى قيام الساعة , يفهم أن القلم لما تعلق بهذا العالم , كتابة لتقديره ولقدره ولآجاله ... إلى آخره فإنه من هذا العالم؛ لأن العوالم أجناس , والله جل وعلا جعل لمخلوقاته أقداراً وأجناساً , فإذن يفهم قوله: ((إن أول ما خلق الله القلم)) يعني من هذا العالم، فالقلم قبل السماوات وقبل الأرض وقبل الدخان المتعلق الذي خلق منه السماوات والأرض , وكل ما يتصل بهذا العالم المرئي المشاهد، فالقلم هو أول المخلوقات , أما العرش والماء فليسا متعلقين بهذا العالم .

فإذن إعمال الحديثين مع ما يتفق مع عقيدة أهل السنة والجماعة واضح , لا إشكال فيه , فيكون ذلك هو تقرير هذه المسألة , وقد لخص ابن القيم المسألة في نونيته وبحثها مفصلاً في كتابه التبيان في أقسام القرآن وفي غيره، فقال في النونية رحمه الله:
والناس مختلفون في القلم الذي = كُتب القضاء به من الديان
هل كان قبل العرش أو هو بعده = قولان عند أبي العلا الهمذان
والحق أن العرش قبل لأنه = عند الكتابة كان ذا أركان



وهذا القول كما ترى من تقريره مع دليله هو الصحيح , وهو الموافق لفقه النص وفقه خلق العالم وآثار فعل الله جل وعلا في ملكوته , ومتفق مع القول بأن الله جل وعلا فعال لما يريد، وأن قبل هذا العالم ثم عوالم أخرى , والله جل وعلا يخلق ما يشاء ويختار , وأنه ثم أشياء أخرى بعد قيام الساعة، والقلم متقيد بما خلقه الله جل وعلا له , والله سبحانه له الأمر كله , يقضي ما يشاء , ويحكم ما يريد سبحانه وتعالى.

المسألة الخامسة:

ذكر أو تقول: جاء في حديث أنس الذي رواه البخاري وغيره , في قصة الإسراء , أن النبي عليه الصلاة والسلام ذكر عروجه إلى الله جل وعلا ليلة المعراج , ثم قال: في وصف ارتفاعه عليه الصلاة والسلام: ((ثم إني رفعت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام)) وهذه الأقلام غير القلم الذي كتب به القدر؛ فإن ذلك القلم من نور , كتب به القدر في اللوح المحفوظ , وأما هذه الأقلام فهي التي بأيدي الملائكة، أقلام يكتب بها وحي الله جل وعلا إلى ملائكته مما يوكلون به من الأشياء , فهم يكتبون أمر الله جل وعلا، وله سبحانه وتعالى كلمات لا تنقضي كما قال جل وعلا: ] وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ [ , فالله جل وعلا كلماته الكونية لا تنفد , يأمر وينهى سبحانه وتعالى في ملكوته , والملائكة تكتب , فهذه الأقلام نوع آخر، ولك أن تقول: هذا هو النوع الثاني وهي أقلام الوحي التي بأيدي الملائكة يكتبون ما يوحي الله جل وعلا به في سمائه.

قال رحمه الله تعالى بعد ذلك: "فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله تعالى فيه – يعني في اللوح - أنه كائن ليجعلوه غير كائن لم يقدروا عليه، ولو اجتمعوا كلهم على شيء لم يكتبه الله تعالى فيه ليجعلوه كائناً لم يقدروا عليه , جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة , وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه , وما أصابه لم يكن ليخطئه".
وهذه العقيدة هي حقيقة الإيمان بالقضاء والقدر، يعني يعلم العبد أن ما أصابه لم يكن ليخطئه , وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه , وأنه لو فعل ما فعل فإنه لن يحجب قضاء الله جل وعلا وقدره , لِمَ؟ لأنه لا يمكن أن يفعل خلاف ما قدر الله جل وعلا , لهذا وجب التسليم لله جل وعلا في أمره , ووجب في أمر المصائب التي لا اختيار للعبد فيها أن يسلم لله جل وعلا ذلك , وأن يؤمن بقضاء الله جل وعلا الذي يقضيه , وقضاء الله جل وعلا كما ذكرت لك هو إنفاذه ما قدر جل وعلا، وهذا القضاء له جهتان: جهة متعلقة بالله جل وعلا , وهي فعله سبحانه وتعالى، وفعله بأن يقضي صفة من صفاته , فهذه يجب على العبد أن يحبها , وأن يرضى بها؛ لأنها صفة من صفات الله جل جلاله.

وللقضاء تعلق آخر بالعبد لا بالرب , فيكون مقضياً على العبد , والمقضي على العبد نوعان: مقضي عليه من جهة المصائب , ومقضي عليه من جهة المعائب , والمصائب ربما كان لا اختيار له فيها، والمعائب فعلها بإرادته , لهذا بحث العلماء مسألة الرضا بالقضاء , وهل القضاء تسليم له؟ يعني الرضا به وتحقيق القول في هذه المسألة أن تعلم أن القضاء غير المقضي , المقضي هذا تعلق القضاء بالعبد , والقضاء هو قضاء الله جل وعلا , وهو فعله , وقد يقال فيما يتعلق بالعبد: هذا قضي عليه وصار قضاءً عليه , فيكون قضاءً بالنسبة للعبد وهو مقضي، لهذا نقول: جهة الرب جل وعلا في القضاء هذا نرضى بها ونحبها , وأما ما يقضيه الله جل وعلا على العبد فإنه ما كان من المعائب، المعاصي والآثام التي تقع منه فإنه يجب عليه ألا يرضى بها، يعني وقعت عليه , لكن يجب عليه أن يكره ذلك الذي وقع منه، ولو كان قضاءً ويجب عليه أن يسارع في الانسلاخ من آثاره بالتوبة والإنابة، فلا يحب هذا العيب , ولا هذا الذنب مع أنه قضاء , ولا يرضى به بل يسارع لتخليص نفسه منه، وأما ما كان من قبيل المصائب التي يصاب بها العبد فإن الرضا بها مستحب غير واجب، أصيب بمصيبة فإن الرضا بها مطلوب , لكنه مستحب كما قال جلا وعلا: ] وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [ قال علقمة رحمه الله: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم .

فالرضا بالمقضي الذي هو من المصائب مستحب , لا واجب , بالنظر إلى تعلقه بالعبد , وهو المقضي , أما بالنظر إلى تعلقه بالله فسواء كان من المصائب , أو من المعائب , فإنه يجب الرضا عن الله جل وعلا في أفعاله وصفاته , ومحبة أفعال الله جل وعلا؛ لأن الله جل وعلا يفعل ما يفعل عن حكمة عظيمة كما قال سبحانه: ] وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً [ فالله جل وعلا يقضي بحكمته ما يشاء وله الحكمة البالغة ] لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [ فإذن تلخص من ذلك أن ما أصاب العبد لم يكن ليخطئه , وما أخطأه لم يكن ليصيبه.

ويتصل بهذا البحث .. أو نطويه؛ لأنه قد يطول علينا , ومباحث القدر طويلة ترجعون إليها إن شاء الله تعالى .

  #6  
قديم 5 ربيع الأول 1430هـ/1-03-2009م, 10:31 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية للشيخ: يوسف بن محمد الغفيص (مفرغ)


الإيمان باللوح المكتوب والقلم
قال المصنف رحمه الله: [ونؤمن باللوح والقلم، وبجميع ما فيه قد رقم، فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله تعالى فيه أنه كائن ليجعلوه غير كائن لم يقدروا عليه، ولو اجتمعوا كلهم على شيء لم يكتبه الله تعالى فيه ليجعلوه كائناً لم يقدروا عليه، جف القلم بما هو كائن، إلى يوم القيامة، وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه وما أصابه لم يكن ليخطئه] . اللوح: هو ما كتب الله فيه الذكر، فقد ثبت في حديث عمران رضي الله عنه في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وكتب في الذكر كل شيء) واللوح المحفوظ مجمع على الإيمان به؛ فإن الله ذكره في كتابه. وكذلك القلم، فإنه مما أجمع السلف على الإيمان به. ......

حقيقة اللوح والقلم
وأما تفاصيل ماهية اللوح والقلم فإن هذا لم تفصله النصوص، وإنما الذي جاء في النصوص: (أول ما خلق الله القلم. فقال له: اكتب. قال: ماذا أكتب. قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) ، كما في حديث عبادة في سنن أبي داود وغيره. وقد اشتغل طوائف من أهل الكلام والصوفية بتفاصيل ماهية اللوح والقلم كما في كلام أبي حامد الغزالي ، فإنه تارة يأتي بكلام يأخذه عن المتكلمين الذين أخذوا عن الفلاسفة في هذه المسائل، وهو أنواع من التأويل والتحريف، وتارة يتكلم بطريقة الصوفية.

حال أبي حامد الغزالي
ومعلوم أن أبا حامد الغزالي رحمه الله ليس له حال واحدة. ويخطئ من يخطئ فيقول: إنه رجع إلى مذهب معين، فإنه وإن كان له حال من الفضل في آخر عمره والإقبال على القرآن وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أن أبا حامد له حال مستطيلة في معرفته ودراسته ونظره، فـأبو حامد هو من أخص من قرر نزعة فلسفية لم تظهر إلا في القرن الرابع وما بعده، وهي: أن المذهب الشخصي ليس واحداً. ولهذا قال الغزالي في كتبه المتأخرة: (فإن قيل ما المذهب؟ قال: المذهب ليس واحداً، فأما الجدل فهو على طريقة المتكلمين، وأما مذهب العامة فهو بالزواجر والدواعي، وأما المذهب السر بين العبد وبين ربه فهو طريقة الصوفية)؛ ولهذا نجد كتب أبي حامد بعضها على طريقة المتكلمين كـ(الاقتصاد) مثلاً وكـ(قواعد العقائد) وغيرها، وهذه يجعلها للمجادلة والمناظرة والمنافحة، وكذلك (تهافت الفلاسفة)، فإنه كتبه على الطريقة الكلامية، ولهذا لما كتبه قال: (ونحن نحتج في هذا المقام على الفلاسفة بقول أصحابنا وقول المعتزلة لدفع صول هؤلاء على الإسلام). وهذه هي طريقة المتأخرين من الأشاعرة كـأبي المعالي وأمثاله، ومعلوم أن أبا حامد ممن أخذ عن أبي المعالي وكان من أصحابه، وأما الحالة المختصة عند أبي حامد الغزالي ، فهي الحالة الصوفية، وعليها كتب كتبه الأخرى كـ(كيمياء السعادة)، و(جواهر القرآن)، و(مشكاة الأنوار)، وأمثالها من الكتب التي غلا فيها، وقال فيها أقوالاً بالغةً في الخطأ والضلال، وإن كان طرفاً من هذه الكتب ولا سيما كتاب (المضنون به على غير أهله) يُتكلَّم في صحته عن أبي حامد ، لكن مما هو متحقق أن طرفاً من هذه المقالات معروفة لـأبي حامد وقد قررها في أكثر من كتاب، وهي طرق شديدة في الغلط والمبالغة في التصوف على طريقة متفلسفة الصوفية. وأما كتاب (إحياء علوم الدين) فهو من أجود كتب أبي حامد التي كتبها في هذا الباب؛ ولهذا قال شيخ الإسلام : (وأما الإحياء فغالبه جيد، لكن فيه ثلاث مواد فاسدة: مادة من ترهات الصوفية، ومادة فلسفية، ومادة من الأحاديث الموضوعة). والغزالي وإن كفَّر الفلاسفة في كتبه المتأخرة ولا سيما في (التهافت) إلا أنه قد تأثر بهم كثيراً، فعندما تكلَّم في مقامات العارفين تكلَّم فيها بنفس أحرف ابن سينا في (الإشارات والتنبيهات)، فهو متأثر تأثراً بالغاً بكلام ابن سينا وأصول الفلاسفة الإشراقية، وإن كان بعيداً عنهم في المسائل العقلانية النظرية كمسألة قدم العالم ومسألة العلم بالجزئيات إلى غيرها، مع أن أبا الوليد ابن رشد لما رد على أبي حامد قال: (إنك في كتبك لما ذكرت درجات المحسوبين ذكرت أن من أشرف الدرجات من جعل الوجود وجوداً مطلقاً، وأن واجب الوجود ليس داخل العالم ولا خارجه.. إلخ، قال: وهذا هو مذهب أرسطو وقد امتدحته في بعض كتبك). والحق: أن أبا حامد لم يمتدحه امتداحاً مطلقاً، ولكنه متأثر بهذه الأصول، فحاله منغلقة، وقد ذكر عن نفسه في كتابه (المنقذ من الضلال) أنه ظل متحيراً زماناً، وأن حيرته زالت بنور قذفه الله في قلبه، فله أحوال مختلطة كثيرة، مع أنه كان عظيم العبادة والصدق والإيمان، عظيم العلم بالفقه وأصوله، وله مقامات حسنة في الإسلام.

عجز البشر عن تغيير ما في القدر
قال المصنف رحمه الله: (فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله تعالى فيه أنه كائن ليجعلوه غير كائن لم يقدروا عليه، ولو اجتمعوا كلهم على شيء لم يكتبه الله تعالى فيه ليجعلوه كائناً لم يقدروا عليه، جفَّ القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة). وهذا كلام جيد، وهو في الجملة وصية الرسول عليه الصلاة والسلام لـابن عباس رضي الله عنهما الثابتة في المسند والسنن في قوله: (احفظ الله يحفظك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).
قال: (وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه)، أي: فإن كل شيء بقدر الله سبحانه وتعالى.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الإيمان, باللوح

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:38 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir