وقالَ عبدُ اللهِ بنُ عَنَمَةَ الضَّبِّيُّ:
يَمْدَحُ الحَوْفَزَانَ، وهو الحارِثُ بنُ شَرِيكٍ:
أَشَتَّ بلَيلى هَجْرُها وبِعادُها = بما قد تُوَاتِينَا ويَنْفَعُ زَادُهَا
سَنَلْهُو بلَيلى والنَّوَى غيرُ غَرْبَةٍ = تضمَّنها من رَامَتَيْنِ جِمَادُها
لَيَالِيَ ليلى إذْ هِيَ الهمُّ والهَوَى = يُريدُ الفؤادُ هَجْرَهَا فيُصادُها
فلمَّا رأيتُ الدارَ قَفْرًا سَأَلْتُها = فعَيَّ علينا نُؤْيُها ورَمَادُها
فلم يَبْقَ إلاَّ دِمْنَةٌ ومَنازلٌ = كما رُدَّ في خطِّ الدَّواةِ مِدادُها
إذا الحارِثُ الحرَّابُ عادَى قَبيلةً = نَكَاها ولم تَبْعُدْ عليه بلادُها
سَمَوْتَ بجُردٍ في الأَعِنَّةِ كالقَنَا = وهُنَّ مَطَايَا لا يَحِلُّ فِصَادُها
تُعَلِّقُ أضغاثَ الحَشيشِ غُواتُها = وتُسْقَى لِخِمْسٍ بعدَ عِشْرٍ مُرَادُها
يُطَرِّحْنَ سَخْلَ الخيلِ في كلِّ منزلٍ = تَبَيَّنُ منه شُقْرُها ووِرَادُها
لهُنَّ رَذِيَّاتٌ تَفُوقُ وحاقِنٌ = مِنَ الجُهْدِ والمِعْزَى أبانَ كُبَادُهَا
كفاكَ الإلهُ إذ عَصَاكَ مَعَاشِرٌ = ضِعَافٌ قليلٌ للعدوِّ عِتادُها
صُدورُهُم تَغلي عليك شَنَاءَةً = فلا حُلَّ من تلك الصدورِ قِيَادُها
بأيديهم قَرْحٌ عن العَكْمِ جالِبٌ = كما بان في أيدي الأُسَارَى صِفَادُهَا
قد اصفَرَّ مِن سَفْعِ الدُّخَانِ لِحَاهُمُ = كما لاحَ في هُدْبِ المُلاءِ جِسَادُهَا
لِئَامٌ مُبِينٌ للعَشيرةِ غشُّهم = وقد طالَ مِن أَكْلِ الغِثَاثِ افْتِئَادُهَا
فآبَ إلى عُجْرُوفَةِ باهِلِيَّةٍ = يُخَلُّ عليها بالعَشِيِّ بِجَادُهَا
حُذُنَّةُ لمَّا ثابَتِ الخيلُ تَدَّعِي = بمُرَّة لم تُمْنَعْ وطارَ رُقَادُها
تقولُ له لمَّا رَأَتْ خَمْعَ رِجْلِهِ: = أهذا رئيسُ القومِ؟ رادَ وِسَادُهَا
رَأَتْ رَجُلاً قد لاحَهُ الغَزْوُ مُعْلِمًا = له أُسرةٌ في المَجْدِ راسٍ عِمَادُها
فبَاتَتْ تُعَشِّيهِ الفَصِيدَ وأَصْبَحَتْ = يُفَزَّعُ مِن هَوْلِ الجَنَانِ فُؤَادُها
وإني على ما خَيَّلَتْ لأَظُنُّها = سيأتي عُبَيْدًا بَدؤُها وعِيادُها
سَيَأْتِي عُبَيْدًا راكِبٌ فيَقُودُهُ = فيَهْبِطُ أرضًا ليسَ يُرْعَى عَرَادُها
فلولا وَجَاها والنِّهابُ الذي حَوَتْ = لَكَانَ على أبناءِ سَعْدٍ مَعادُها