دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > مكتبة علوم العقيدة > أصول الاعتقاد > كتاب التوحيد لابن خزيمة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 جمادى الآخرة 1434هـ/22-04-2013م, 11:52 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي باب ذكر صورة ربّنا جلّ وعلا وصفة سبحات وجهه عزّ وجلّ

قال أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري (ت: 311هـ): (5 - باب ذكر صورة ربّنا جلّ وعلا وصفة سبحات وجهه عزّ وجلّ تعالى ربّنا أن يكون وجه ربّنا كوجه بعض خلقه، وعزّ ألا يكون له وجهٌ، إذ اللّه قد أعلمنا في محكم تنزيله أنّ له وجهًا، ذوّاه بالجلال والإكرام، ونفى عنه الهلاك
[التوحيد: 1/45]
حدّثنا يوسف بن موسى، ثنا جريرٌ، عن العلاء وهو ابن المسيّب، عن عمرو بن مرّة، عن أبي عبيدة بن عبد اللّه، عن أبي موسى، قال: قال رسول صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ اللّه لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه،
[التوحيد: 1/45]
يرفع إليه عمل النّهار قبل اللّيل، وعمل اللّيل قبل النّهار، حجابه النّار، لو كشف طباقها لأحرقت سبحات وجهه كلّ شيءٍ أدركه بصره، واضعٌ يده لمسيء اللّيل ليتوب بالنّهار، ومسيء النّهار ليتوب باللّيل، حتّى تطلع الشّمس من مغربها»
[التوحيد: 1/46]
حدّثنا سلم بن جنادة القرشيّ، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش،
[التوحيد: 1/46]
عن عمرو بن مرّة، عن أبي عبيدة، عن أبي موسى، قال: قام فينا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بخمس كلماتٍ: «إنّ اللّه لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يرفع القسط ويخفضه، يرفع إليه عمل اللّيل بالنّهار، وعمل النّهار باللّيل، حجابه النّور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه»
[التوحيد: 1/47]
حدّثنا عمرو بن عليٍّ، ومحمّد بن يحيى قالا: ثنا أبو عاصمٍ، عن سفيان، عن عمرو بن مرّة، عن أبي عبيدة، عن أبي موسى، قال: قام فينا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بأربعٍ: «إنّ اللّه لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل اللّيل قبل النّهار، وعمل النّهار قبل اللّيل، حجابه النّار، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كلّ شيءٍ أدركه بصره» وقال محمّد بن يحيى: «يرفع إليه عمل اللّيل قبل النّهار، وعمل النّهار قبل اللّيل»،
[التوحيد: 1/47]
حدّثنا محمّد بن يحيى، قال: ثنا محمّد بن عبيدٍ، وأبو نعيمٍ قالا: ثنا المسعوديّ، عن عمرو بن مرّة، عن أبي عبيدة، عن أبي موسى، قال: قام فينا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بأربعٍ قال ابن يحيى بمثله وزاد فيه، ثمّ قرأ أبو عبيدة: {أن بورك من في النّار ومن حولها وسبحان اللّه ربّ العالمين} [النمل: 8] حدّثنا بحر بن نصر بن سابقٍ الخولانيّ، قال: ثنا أسد - بن موسى - السّنّة قال: ثنا المسعوديّ بهذا الإسناد مثله سواءً، وقال: ويرفعه
[التوحيد: 1/48]
حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: ثنا جريرٌ عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي عبيدة، عن أبي موسى، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مثل حديث أبي عاصمٍ، وقال: «يد اللّه مبسوطةٌ»
[التوحيد: 1/49]
حدّثنا محمّد بن عثمان العجليّ، قال: ثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: ثنا سفيان، عن حكيم بن الدّيلم، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قام فينا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بأربعٍ: فقال: «إنّ اللّه لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، ويرفع إليه عمل اللّيل قبل النّهار، وعمل النّهار قبل اللّيل، حجابه النّار، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كلّ شيءٍ أدركه بصره»
[التوحيد: 1/49]
حدّثنا بحر بن نصرٍ الخولانيّ، قال: ثنا أسدٌ، قال: ثنا أبو غسّان محمّد بن مطرّفٍ، عن أبي حازمٍ، عن عبيد اللّه بن مقسمٍ، أنّه «ذكر أنّ دون الرّبّ يوم القيامة سبعين ألف حجابٍ، حجابٌ من ظلمةٍ لا ينفذها شيءٌ، وحجابٌ من نورٍ لا ينفذها شيءٌ، وحجابٌ من ماءٍ لا يسمع حسيس ذلك الماء شيءٌ إلّا خلع قلبه إلّا من يربط اللّه على قلبه»
[التوحيد: 1/50]
حدّثنا بحر بن نصرٍ، قال: ثنا أسدٌ، قال: ثنا هشيمٌ، عن أبي بشرٍ، عن مجاهدٍ، قال: «بين الملائكة وبين العرش سبعون حجابًا من نورٍ، وحجابٌ من ظلمةٍ، وحجابٌ من نورٍ، وحجابٌ من ظلمةٍ» قال أبو بكرٍ: لم أخرّج في هذا الكتاب من المقطّعات؛ لأنّ هذا من الجنس الّذي نقول: إنّ علم هذا لا يدرك إلّا بكتاب اللّه وسنّة نبيّه المصطفى صلّى الله عليه وسلّم لست أحتجّ في شيءٍ من صفات خالقي عزّ وجلّ إلّا بما هو مسطورٌ في الكتاب أو منقولٌ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالأسانيد الصّحيحة الثّابتة أقول وباللّه توفيقي، وإيّاه استرشد: قد بيّن اللّه عزّ وجلّ في محكم تنزيله الّذي هو مثبتٌ بين الدّفّتين أنّ له وجهًا، وصفه بالجلال والإكرام والبقاء، فقال جلّ وعلا: {ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام} [الرحمن: 27] ونفى ربّنا جلّ وعلا عن وجهه الهلاك في قوله: {كلّ شيءٍ هالكٌ إلّا وجهه} [القصص: 88] وزعم بعض جهلة الجهميّة أنّ اللّه عزّ وجلّ إنّما وصف في هذه الآية نفسه، الّتي أضاف إليها الجلال، بقوله: {تبارك اسم ربّك ذي الجلال والإكرام} [الرحمن: 78] وزعمت أنّ الرّبّ هو: ذو الجلال والإكرام، لا الوجه قال أبو بكرٍ: أقول وباللّه توفيقي: هذه دعوى، يدّعيها جاهلٌ بلغة العرب،
[التوحيد: 1/51]
لأنّ اللّه عزّ وجلّ قال: {ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام} [الرحمن: 27] فذكر الوجه مضمومًا في هذا الموضع، مرفوعًا، وذكر الرّبّ بخفض الباء بإضافة الوجه، ولو كان قوله: {ذو الجلال والإكرام} [الرحمن: 27] مردودًا إلى ذكر الرّبّ في هذا الموضوع لكانت القراء ة: ذي الجلال والإكرام مخفوضًا، كما كان الباء مخفوضًا في ذكر الرّبّ جلّ وعلا ألم تسمع قوله تبارك وتعالى: {تبارك اسم ربّك ذي الجلال والإكرام} [الرحمن: 78]، فلمّا كان الجلال والإكرام في هذه الآية صفةً للرّبّ، خفض ذي خفض الباء الّذي ذكر في قوله: {ربّك} [الرحمن: 78]، ولمّا كان الوجه في تلك الآية مرفوعةً، الّتي كانت صفة الوجه مرفوعةً، فقال: {ذو الجلال والإكرام} [الرحمن: 27] فتفهّموا ياذوي الحجا هذا البيان، الّذي هو مفهومٌ في خطاب العرب، ولا تغالطوا فتتركوا سواء السّبيل، وفي هاتين الآيتين دلالةٌ أنّ وجه اللّه صفةٌ من صفات اللّه، صفات الذّات، لا أنّ وجه اللّه هو: اللّه، ولا أنّ وجهه غيره، كما زعمت المعطّلة الجهميّة، لأنّ وجه اللّه لو كان اللّه لقرئ: ويبقى وجه ربّك ذي الجلال والإكرام فما لمن لا يفهم هذا القدر من العربيّة، ووضع الكتب على علماء أهل الآثار القائلين بكتاب ربّهم وسنّة نبيّهم صلّى الله عليه وسلّم
[التوحيد: 1/52]
وزعمت الجهميّة عليهم لعائن اللّه أنّ أهل السّنّة ومتّبعي الآثار، القائلين بكتاب ربّهم وسنّة نبيّهم صلّى الله عليه وسلّم، المثبتين للّه عزّ وجلّ من صفاته ما وصف اللّه به نفسه في محكم تنزيله المثبت بين الدّفّتين وعلى لسان نبيّه المصطفى صلّى الله عليه وسلّم بنقل العدل عن العدل موصولًا إليه مشبّهةً، جهلًا منهم بكتاب ربّنا وسنّة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم وقلّة معرفتهم بلغة العرب، الّذين بلغتهم خوطبنا وقد ذكرنا من الكتاب والسّنّة في ذكر وجه ربّنا بما فيه الغنية والكفاية، ونزيده شرحًا، فاسمعوا الآن أيّها العقلاء، ما نذكر من جنس اللّغة السّائرة بين العرب، هل يقع اسم المشبّهة على أهل الآثار ومتّبعي السّنن؟ نحن نقول: وعلماؤنا جميعًا في جميع الأقطار: إنّ لمعبودنا عزّ وجلّ وجهًا كما أعلمنا اللّه في محكم تنزيله، فذوّاه بالجلال والإكرام، وحكم له بالبقاء، ونفى عنه الهلاك، ونقول: إنّ لوجه ربّنا عزّ وجلّ من النّور والضّياء والبهاء ما لو كشف حجابه لأحرقت سبحات وجهه كلّ شيءٍ أدركه بصره، محجوبٌ عن أبصار أهل الدّنيا، لا يراه بشرٌ ما دام في الدّنيا الفانية ونقول: إنّ وجه ربّنا القديم لا يزال باقيًا، فنفى عنه الهلاك والفناء،
[التوحيد: 1/53]
ونقول: إنّ لبني آدم وجوهًا كتب اللّه عليها الهلاك، ونفى عنها الجلال والإكرام غير موصوفةٍ بالنّور والضّياء والبهاء الّتي وصف اللّه بها وجهه تدرك وجوه بني آدم أبصار أهل الدّنيا، لا تحرق لأحدٍ شعرةٌ فما فوقها، لنفي السّبحات عنها، الّتي بيّنها نبيّنا المصطفى صلّى الله عليه وسلّم لوجه خالقنا ونقول: إنّ وجوه بني آدم محدثةٌ مخلوقةٌ، لم تكن، فكوّنها اللّه بعد أن لم تكن مخلوقةً، أوجدها بعد ما كانت عدمًا، وإنّ جميع وجوه بني آدم فانيةٌ غير باقيةٍ، تصير جميعًا ميتًا، ثمّ تصير رميمًا، ثمّ ينشئها اللّه بعد ما قد صارت رميمًا، فتلقى من النّشور والحشر والوقوف بين يدي خالقها في القيامة، ومن المحاسبة بما قدّمت يداه وكسبه في الدّنيا ما لا يعلم صفته غير الخالق البارئ ثمّ تصير إمّا إلى جنّةٍ منعمّةً فيها، أو إلى النّار معذّبةً فيها، فهل يخطر يا ذوي الحجا ببال عاقلٍ مركّبٍ فيه العقل، يفهم لغة العرب، ويعرف خطابها، ويعلم التّشبيه، أنّ هذا الوجه شبيهٌ بذاك الوجه؟ وهل هاهنا أيّها العقلاء، تشبيه وجه ربّنا جلّ ثناؤه الّذي هو كما وصفنا وبيّنا صفته من الكتاب والسّنّة بتشبيه وجوه بني آدم، الّتي ذكرناها ووصفناها؟ غير اتّفاق اسم الوجه، وإيقاع اسم الوجه على وجه بني آدم، كما سمّى اللّه وجهه وجهًا، ولو
[التوحيد: 1/54]
كان تشبيهًا من علمائنا لكان كلّ قائلٍ: أنّ لبني آدم وجهًا، وللخنازير والقردة، والكلاب، والسّباع، والحمير، والبغال، والحيّات، والعقارب، وجوهًا، قد شبّه وجوه بني آدم بوجوه الخنازير والقردة، والكلاب وغيرها ممّا ذكرت ولست أحسب أنّ عقل الجهميّة المعطّلة عند نفسه، لو قال له أكرم النّاس عليه: وجهك يشبه وجه الخنزير والقرد، والدّبّ، والكلب، والحمار، والبغل ونحو هذا إلّا غضب، لأنّه خرج من سوء الأدب في الفحش في المنطق من الشّتم للمشبّه وجهه بوجه ما ذكرنا، ولعلّه بعد يقذفه، ويقذف أبويه ولست أحسب أنّ عاقلًا يسمع هذا القائل المشبّه وجه ابن آدم بوجوه ما ذكرنا إلّا ويرميه بالكذب، والزّور، والبهت أو بالعته، والخبل، أو يحكم عليه بزوال العقل، ورفع القلم، لتشبيه وجه ابن آدم بوجوه ما ذكرنا فتفكّروا يا ذوي الألباب، أو وجوه ما ذكرنا أقرب شبهًا بوجوه بني آدم، أو وجه خالقنا بوجوه بني آدم؟ فإذا لم تطلق العرب تشبيه وجوه بني آدم بوجوه ما ذكرنا من السّباع واسم الوجه، قد يقع على جميع وجوهها كما يقع اسم الوجه على وجوه بني آدم، فكيف يلزم أن يقال لنا: أنتم مشبّهةٌ؟ ووجوه بني آدم ووجوه ما ذكرنا من السّباع والبهائم محدثةٌ، كلّها مخلوقةٌ، قد قضى اللّه فناءها وهلاكها وقد كانت عدمًا، فكوّنها اللّه وخلقها وأحدثها، وجميع ما ذكرناه من السّباع والبهائم لوجوهها أبصارٌ، وخدودٌ وجباةٌ، وأنوفٌ وألسنةٌ، وأفواهٌ، وأسنانٌ، وشفاهٌ
[التوحيد: 1/55]
ولا يقول مركّبٌ فيه العقل لأحدٍ من بني آدم: وجهك شبيهٌ بوجه الخنزير، ولا عينك شبيهٌ بعين قردٍ، ولا فمك فم دبٍّ، ولا شفتاك كشفتي كلبٍ، ولا خدّك خدّ ذئبٍ إلّا على المشاتمة، كما يرمي الرّامي الإنسان بما ليس فيه فإذا كان ما ذكرنا على ما وصفنا ثبت عند العقلاء وأهل التّمييز، أنّ من رمى أهل الآثار القائلين بكتاب ربّهم وسنّة نبيّهم صلّى الله عليه وسلّم بالتّشبيه فقد قال الباطل والكذب، والزّور والبهتان، وخالف الكتاب والسّنّة، وخرج من لسان العرب وزعمت المعطّلة من الجهميّة: أنّ معنى الوجه الّذي ذكر اللّه في الآي: الّتي تلونا من كتاب اللّه، وفي الأخبار الّتي روّينا عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كما تقول العرب: وجه الكلام، ووجه الدّار، فزعمت لجهلها بالعلم أنّ معنى قوله: وجه اللّه: كقول العرب: وجه الكلام، ووجه الثّوب، ووجه الدّار، ووجه الثّوب، وزعمت أنّ الوجوه من صفات المخلوقين وهذه فضيحةٌ في الدّعوى، ووقوعٌ في أقبح ما زعموا أنّهم يهربون منه، فيقال لهم: أفليس كلام بني آدم، والثّياب والدّور مخلوقةً؟، فمن زعم منكم أنّ معنى قوله: {وجه اللّه} [البقرة: 115] : كقول العرب: وجه الكلام، ووجه الكلام، ووجه الثّوب، ووجه الدّار، أليس قد شبّه - على أصلكم - وجه اللّه بوجه الموتان؟ لزعمكم - يا جهلة - أنّ
[التوحيد: 1/56]
من قال من أهل السّنّة والآثار، القائلين بكتاب ربّهم وسنّة نبيّهم صلّى الله عليه وسلّم للّه وجهٌ وعينان، ونفسٌ، وأن يبصر ويرى ويسمع: أنّه مشبّهٌ عندكم خالقه بالمخلوقين، حاشا للّه أن يكون أحدٌ من أهل السّنّة والأثر شبّه خالقه بأحدٍ من المخلوقين فإذا كان على ما زعمتم بجهلكم، فأنتم شبّهتم معبودكم بالموتان نحن نثبت لخالقنا جلّ وعلا صفاته الّتي وصف اللّه عزّ وجلّ بها نفسه في محكم تنزيله، أو على لسان نبيّه المصطفى صلّى الله عليه وسلّم ممّا ثبت بنقل العدل عن العدل موصولًا إليه ونقول كلامًا مفهومًا موزونًا، يفهمه كلّ عاقلٍ نقول: ليس إيقاع اسم الوجه للخالق البارئ بموجبٍ عند ذوي الحجا والنّهى أنّه يشبّه وجه الخالق بوجوه بني آدم قد أعلمنا اللّه جلّ وعلا في الآي الّتي تلوناها قبل أنّ اللّه وجهًا، ذوّاه بالجلال والإكرام، ونفى الهلاك عنه، وخبّرنا في محكم تنزيله أنّه يسمع ويرى، فقال جلّ وعلا لكليمه موسى ولأخيه هارون صلوات اللّه عليهما: {إنّني معكما أسمع وأرى} [طه: 46]، وما لا يسمع ولا يبصر: كالأصنام، الّتي هي من الموتان ألم تسمع مخاطبة خليل اللّه صلوات اللّه عليه أباه: {يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئًا} [مريم: 42] ؟ أفلا يعقل - يا ذوي الحجا - من
[التوحيد: 1/57]
فهم عن اللّه تبارك وتعالى هذا: أنّ خليل اللّه صلوات اللّه عليه وسلامه لا يوبّخ أباه على عبادة ما لا يسمع ولا يبصر، ثمّ يدعو إلى عبادة من لا يسمع ولا يبصر، ولو قال الخليل صلوات اللّه عليه لأبيه: أدعوك إلى ربّي الّذي لا يسمع ولا يبصر، لأشبه أن يقول: فما الفرق بين معبودك ومعبودي؟ واللّه قد أثبت لنفسه أنّه يسمع ويرى، والمعطّلة من الجهميّة تنكر كلّ صفةٍ للّه جلّ وعلا وصف بها نفسه في محكم تنزيله، أو على لسان نبيّه صلّى الله عليه وسلّم لجهلهم بالعلم، وقال عزّ وجلّ: {أرأيت من اتّخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلًا أم تحسب أنّ أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلّا كالأنعام بل هم أضلّ سبيلًا} [الفرقان: 44] فأعلم اللّه عزّ وجلّ أنّ من لا يسمع ولا يعقل كالأنعام، بل هم أضلّ سبيلًا، فمعبود الجهميّة عليهم لعائن اللّه كالأنعام الّتي لا تسمع ولا تبصر واللّه قد ثبت لنفسه: أنّه يسمع ويرى، والمعطّلة من الجهميّة تنكر كلّ صفةٍ للّه وصف بها نفسه في محكم تنزيله، أو على لسان نبيّه صلّى الله عليه وسلّم لجهلهم بالعلم، وذلك أنّهم وجدوا في القرآن أنّ اللّه قد أوقع أسماءً من أسماء صفاته على بعض خلقه، فتوهّموا لجهلهم بالعلم أنّ من وصف اللّه بتلك الصّفة الّتي وصف اللّه بها
[التوحيد: 1/58]
نفسه، قد شبّهه بخلقه، فاسمعوا يا ذوي الحجا ما أبيّن من جهل هؤلاء المعطّلة أقول: وجدت اللّه وصف نفسه في غير موضعٍ من كتابه، فأعلم عباده المؤمنين أنّه سميعٌ بصيرٌ، فقال: {وهو السّميع البصير} [الشورى: 11]، وذكر عزّ وجلّ الإنسان فقال: {فجعلناه سميعًا بصيرًا} [الإنسان: 2]، وأعلمنال جلّ وعلا أنّه يرى، فقال: {وقل اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون} [التوبة: 105]، وقال لموسى وهارون عليهما السّلام: {إنّني معكما أسمع وأرى} [طه: 46]، فأعلم عزّ وجلّ أنّه يرى أعمال بني آدم، وأنّ رسوله وهو بشرٌ يرى أعمالهم أيضًا، وقال: {ألم يروا إلى الطّير مسخّراتٍ في جوّ السّماء} [النحل: 79] وبنو آدم يرون أيضًا الطّير مسخّراتٍ في جوّ السّماء، وقال عزّ وجلّ: {واصنع الفلك بأعيننا} [هود: 37]، وقال: {تجري بأعيننا} [القمر: 14]، وقال: {واصبر لحكم ربّك فإنّك بأعيننا} [الطور: 48]، فثبّت ربّنا عزّ وجلّ لنفسه عينًا، وثبّت لبني آدم أعينًا، فقال: {ترى أعينهم تفيض من
[التوحيد: 1/59]
الدّمع} [المائدة: 83] فقد خبّرنا ربّنا: أنّ له عينًا، وأعلمنا أنّ لبني آدم أعينًا، وقال لإبليس عليه لعنة اللّه: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} [ص: 75]، وقال: {بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء} [المائدة: 64]، وقال: {الأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسّماوات مطويّاتٌ بيمينه} [الزمر: 67]، فثبّت ربّنا جلّ وعلا لنفسه يدين، وخبّرنا أنّ لبني آدم يدين، فقال: {ذلك بما قدّمت أيديكم} [آل عمران: 182]، وقال: {ذلك بما قدّمت يداك} [الحج: 10]، وقال: {إنّ الّذين يبايعونك إنّما يبايعون اللّه يد اللّه فوق أيديهم} [الفتح: 10]، وقال: {الرّحمن على العرش استوى} [طه: 5] وخبّرنا: أنّ ركبان الدّوابّ يستوون على ظهورها، وقال في ذكر سفينة نوحٍ: {واستوت على الجوديّ} [هود: 44]، أفيلزم - ذوي الحجا - عند هؤلاء الفسقة أنّ من ثبّت للّه ما يثبّت اللّه في هذه الآي أن يكون مشبّهًا خالقه بخلقه، حاشا اللّه أن يكون هذا تشبيهًا كما ادّعوا لجهلهم بالعلم،
[التوحيد: 1/60]
نحن نقول: إنّ اللّه سميعٌ بصيرٌ كما أعلمنا خالقنا وبارئنا، ونقول من له سمعٌ وبصرٌ من بني آدم: فهو سميعٌ بصيرٌ، ولا نقول: إنّ هذا تشبيه المخلوق بالخالق ونقول: إنّ للّه عزّ وجلّ يدين، يمينين لا شمال فيهما، قد أعلمنا اللّه تبارك وتعالى أنّ له يدين، وخبّرنا نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم أنّهما: يمينان لا شمال فيهما،
[التوحيد: 1/61]
ونقول: إنّ من كان من بني آدم سليم الجوارح والأعضاء فله يدان: يمينٌ وشمالٌ ولا نقول: إنّ يد المخلوقين كيد الخالق، عزّ ربّنا عن أن تكون يده كيد خلقه، وقد سمّى اللّه لنا نفسه عزيزًا، وسمّى بعض الملوك عزيزًا، فقال: {وقال نسوةٌ في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه} [يوسف: 30]، وسمّى أخوّة يوسف أخاهم يوسف: عزيزًا، فقالوا: {يا أيّها العزيز إنّ له أبًا شيخًا كبيرًا} [يوسف: 78]، وقال:
[التوحيد: 1/62]
{قالوا يا أيّها العزيز مسّنا وأهلنا الضّرّ} [يوسف: 88]، فليس عزّة خالقنا العزّة الّتي هي صفةٌ من صفات ذاته، كعزّة المخلوقين الّذين أعزّهم اللّه بها، ولو كان كلّ اسمٍ سمّى اللّه لنا به نفسه وأوقع ذلك الاسم على بعض خلقه: كان ذلك تشبيه الخالق بالمخلوق على ما توهّم هؤلاء الجهلة من الجهميّة، لكان كلّ من قرأ القرآن وصدّقه بقلبه أنّه قرآنٌ ووحيٌ، وتنزيلٌ، قد شبّه خالقه بخلقه وقد أعلمنا ربّنا تبارك تعالى أنّه الملك، وسمّى بعض عبيده ملكًا فقال: {وقال الملك ائتوني به} [يوسف: 50]، وأعلمنا جلّ جلاله أنّه العظيم، وسمّى بعض عبيده عظيمًا، فقال: {وقالوا لولا نزّل هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيمٍ} [الزخرف: 31]، وسمّى اللّه بعض خلقه عظيمًا فقال: {وهو ربّ العرش العظيم} [التوبة: 129]، فاللّه العظيم، وأوقع اسم العظيم على عرشه، والعرش مخلوقٌ، وربّنا الجبّار المتكبّر، فقال: {السّلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبّر} [الحشر: 23]، وسمّى بعض الكفّار متكبّرًا جبّارًا، فقال: {كذلك يطبع اللّه على كلّ قلب متكبّرٍ جبارٍ} [غافر: 35]
[التوحيد: 1/63]
وبارئنا عزّ وجلّ الحفيظ العليم، وخبّرنا أنّ يوسف عليه السّلام قال للملك: {اجعلني على خزائن الأرض إنّي حفيظٌ عليمٌ} [يوسف: 55]، وقال: {وبشّروه بغلامٍ عليمٍ} [الذاريات: 28]، وقال: {بغلامٍ حليمٍ} [الصافات: 101]، فالحليم والعليم اسمان لمعبودنا جلّ وعلا، قد سمّى بهما بعض بني آدم، ولو لزم - يا ذوي الحجا - أهل السّنّة والآثار إذًا أثبتوا لمعبودهم يدين كما ثبّتهما اللّه لنفسه وثبّتوا له نفسًا عزّ ربّنا وجلّ، وإنّه سميعٌ بصيرٌ، يسمع ويرى، ما ادّعى هؤلاء الجهلة عليهم أنّهم مشبّهةٌ، للزم كلّ من سمّى اللّه ملكًا، أو عظيمًا، ورءوفًا، ورحيمًا، وجبّارًا، ومتكبّرًا، أنّه قد شبّه خالقه عزّ وجلّ بخلقه، حاشا للّه أن يكون من وصف اللّه عزّ وعلا بما وصف اللّه به نفسه، في كتابه، أو على لسان نبيّه المصطفى صلّى الله عليه وسلّم مشبّهًا خالقه بخلقه
[التوحيد: 1/64]
فأمّا احتجاج الجهميّة على أهل السّنّة والآثار في هذا النّحو بقوله: {ليس كمثله شيءٌ} [الشورى: 11]، فمن القائل إنّ لخالقنا مثلًا؟ أو إنّ له شبيهًا؟ وهذا من التّمويه على الرّعاع والسّفل، يموّهون هذا على الجهّال، يوهمونهم أنّ من وصف اللّه بما وصف به نفسه في محكم تنزيله أو على لسان نبيّه صلّى الله عليه وسلّم فقد شبّه الخالق بالمخلوق، وكيف يكون - يا ذوي الحجا - خلقه مثله؟ ‍ نقول: اللّه القديم لم يزل، والخلق محدثٌ مربوبٌ، واللّه الرّازق، والخلق مرزوقون، واللّه الدّائم الباقي وخلقه هالكٌ غير باقٍ، واللّه الغنيّ عن جميع خلقه، والخلق فقراء إلى اللّه خالقهم، وليس في تسميتنا بعض الخلق ببعض أسامي اللّه بموجبٍ عند العقلاء الّذين يعقلون عن اللّه خطابه أن يقال: إنّكم شبّهتم اللّه بخلقه، إذ أوقعتم أسامي اللّه على خلقه، وهل يمكن عند هؤلاء الجهّال حلّ هذه الأسامي من المصاحف أو محوها من صدور أهل القرآن؟ أو ترك تلاوتها في المحاريب وفي الجدور والبيوت؟ أليس قد أعلمنا منزّل القرآن على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم أنّه الملك؟ وسمّى بعض عبيده ملكًا، وخبّرنا أنّه السّلام، وسمّى تحيّة المؤمنين بينهم سلّامًا في الدّنيا وفي الجنّة، فقال: {تحيّتهم يوم يلقونه سلّامٌ} [الأحزاب: 44]، ونبيّنا المصطفى صلّى الله عليه وسلّم قد كان يقول يوم فراغه
[التوحيد: 1/65]
من تسليم الصّلاة: «اللّهمّ أنت السّلام، ومنك السّلام»، وقال عزّ وجلّ: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنًا} [النساء: 94] فثبت بخبر اللّه أنّ اللّه هو السّلام، كما في قوله: {السّلام المؤمن المهيمن} [الحشر: 23]، وأوقع هذا الاسم على غير الخالق البارئ، وأعلمنا عزّ وجلّ أنّه المؤمن، وسمّى بعض عباده المؤمنين، فقال: {إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم} [الأنفال: 2]، وقال: {إنّما المؤمنون الّذين آمنوا باللّه ورسوله} [النور: 62] الآية، وقال: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} [الحجرات: 9]، وقال: {إنّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات} [الأحزاب: 35]، وقد ذكرنا قبل أنّ اللّه خبّر أنّه سميعٌ بصيرٌ، وقد أعلمنا أنّه جعل الإنسان سميعًا بصيرًا، فقال: {هل أتى على الإنسان
[التوحيد: 1/66]
حينٌ من الدّهر} [الإنسان: 1] إلى قوله: {فجعلناه سميعًا بصيرًا} [الإنسان: 2] واللّه الحكم العدل، وخبّرنا نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم " أنّ عيسى ابن مريم ينزل قبل قيام السّاعة حكمًا عدلًا وإمامًا مقسطًا، والمقسط أيضًا اسمٌ من أسامي اللّه عزّ وجلّ
[التوحيد: 1/67]
في خبر أبي الزّناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في أسامي الرّبّ عزّ وجلّ فيه «والمقسط» وقال في ذكر الشّقاق
[التوحيد: 1/67]
بين الزّوجين: {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها} [النساء: 35]، فأوقع اسم الحكم على حكمي الشّقاق واللّه العدل، وأمر عباده بالعدل والإحسان، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد خبّر «أنّ المقسطين في الدّنيا على منابر من نورٍ، أو من لؤلؤٍ، يوم القيامة»، فاسم
[التوحيد: 1/68]
المقسط قد أوقعه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على بعض أوليائه الّذين يعدلون في حكمهم وأهليهم، وما ولّوا
[التوحيد: 1/69]
وفي خبر عياض بن حمارٍ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: " أهل الجنّة ثلاثةٌ: عفيفٌ متصدّقٌ، وذو سلطانٍ مقسطٌ، ورجلٌ رحيمٌ، رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلمٍ " حدّثناه أبو موسى، قال: ثنا محمّد بن عديٍّ، قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن مطرّفٍ، عن عياض بن حمارٍ المجاشعيّ قال: سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول، قال أبو بكرٍ: وإن كان المقسط اسمًا من أسامي ربّنا جلّ وعلا وبارئنا الحليم جلّ ربّنا، وسمّى اللّه إبراهيم عليه السّلام حليمًا، فقال: {إنّ إبراهيم لحليمٌ أوّاهٌ منيبٌ} [هود: 75]، وأعلمنا أنّ نبيّنا محمّدًا المصطفى صلّى الله عليه وسلّم
[التوحيد: 1/68]
رءوفٌ رحيمٌ، فقال في وصفه: {حريصٌ عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رحيمٌ}، واللّه الشّكور وسمّى بعض عباده الشّكور، فقال: {وقليلٌ من عبادي الشّكور} [سبأ: 13]، فسمّى اللّه القليل من عباده الشّكور واللّه العليّ، وقال في مواضعٍ من كتابه: يذكر نفسه عزّ وجلّ: {إنّه عليٌّ حكيمٌ} [الشورى: 51]، وقد سمّي بهذا الاسم كثيرٌ من الآدميّين لم نسمع عالمًا ورعًا، زاهدًا فاضلًا فقيهًا، ولا جاهلًا أنكر على أحد الآدميّين تسمية ابنه عليًّا، ولا كره أحدٌ منهم هذا الاسم للآدميّين، قد دعا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه باسمه، حين وجّه إليه فقال: «ادع لي عليًّا»، واللّه الكبير، وجميع المسلمين يوقعون اسم الكبير على أشياء ذوات عددٍ من المخلوقين، يوقعون اسم الكبير على الشّيخ الكبير، وعلى الرّئيس، وعلى كلّ عظيمٍ وكثيرٍ من الحيوان وغيرها ذكر اللّه قول إخوة يوسف للملك: {إنّ له أبًا شيخًا كبيرًا} [يوسف: 78]، وقالت
[التوحيد: 1/70]
الخثعميّة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إنّ فريضة اللّه على عباده أدركت أبي شيخًا كبيرًا فلم ينكر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عليها تسميتها أباها كبيرًا، ولا قال لها: إنّ الكبير اسمٌ من أسامي اللّه تعالى، وفي قصّة شعيبٍ: {وأبونا شيخٌ كبيرٌ} [القصص: 23]، وربّنا عزّ وجلّ الكريم، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد أوقع اسم الكريم على جماعةٍ من الأنبياء، فقال: " إنّ الكريم بن الكريم بن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم "،
[التوحيد: 1/71]
وقال عزّ وجلّ: {فأنبتنا فيها من كلّ زوجٍ كريمٍ} [لقمان: 10]، فسمّى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كلّ واحدٍ من هؤلاء الأنبياء كريمًا واللّه الحكيم، وسمّى كتابه حكيمًا، فقال: {الم تلك آيات الكتاب الحكيم} [لقمان: 2]، وأهل القبلة يسمّون لقمان الحكيم، إذ اللّه أعلم أنّه آتاه الحكمة، فقال: {ولقد آتينا لقمان الحكمة} [لقمان: 12]، وكذلك العلماء يقولون: قال الحكيم من الحكماء، ويقولون: فلانٌ حكيمٌ من الحكماء واللّه جلّ وعلا الشّهيد، وسمّى الشّهود الّذين يشهدون على الحقوق شهودًا، فقال: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} [البقرة: 282]، وقال أيضًا: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} [النساء: 41]، وسمّى اللّه عزّ وجلّ ثمّ نبيّه المصطفى صلّى الله عليه وسلّم وجميع أهل الصّلاة المقتول في سبيل اللّه شهيدًا واللّه الحقّ قال الله عزّ وجلّ: {فالحقّ والحقّ أقول} [ص: 84]، وقال: {فتعالى اللّه الملك الحقّ} [طه: 114]، وقال عزّ وجلّ: {ويرى الّذين أوتوا العلم الّذي أنزل إليك من ربّك هو الحقّ} [سبأ: 6]، وقال: {وبالحقّ أنزلناه وبالحقّ نزل} [الإسراء: 105]، وقال: {والّذين
[التوحيد: 1/72]
آمنوا وعملوا الصّالحات وآمنوا بما نزّل على محمّدٍ وهو الحقّ من ربّهم} [محمد: 2]، وقال: {وأنّ الّذين آمنوا اتّبعوا الحقّ من ربّهم} [محمد: 3]، وقال: {وليعلم الّذين أوتوا العلم أنّه الحقّ من ربّك} [الحج: 54]، وقال: {الملك يومئذٍ الحقّ للرّحمن} [الفرقان: 26]، وقال: {ولا يأتونك بمثلٍ إلّا جئناك بالحقّ} [الفرقان: 33]، وقال: {هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ} [التوبة: 33]، وقال جلّ وعلا لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: {إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحقّ لتحكم بين النّاس بما أراك اللّه} [النساء: 105] فكلّ صوابٍ وعدلٍ في حكمٍ أو فعلٍ ونطقٍ: فاسم الحقّ واقعٌ عليه، وإن كان اسم الحقّ اسمًا من أسامي ربّنا عزّ وجلّ لا يمنع أحدٌ من أهل القبلة من العلماء من إيقاع اسم الحقّ على كلّ عدلٍ وصوابٍ، واللّه الوكيل، كما قال اللّه عزّ وجلّ: {وهو على كلّ شيءٍ وكيلٌ} [الأنعام: 102]، والعرب لا تمانع بينها من إيقاع اسم الوكيل على من يتوكّل لبعض بني آدم، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في خبر جابرٍ قد قال له: «اذهب إلى وكيلي بخيبر»، وفي أخبار فاطمة بنت
[التوحيد: 1/73]
قيسٍ في مخاطبتها للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: لمّا أعلمته أنّ زوجها طلّقها، قالت: وأمر وكيله أن يعطيني شيئًا، وأنّها تقالّت ما أعطاها وكيل زوجها " والعجم - أيضًا - يوقعون اسم الوكيل على من يتوكّل لبعض الآدميّين، كإيقاع العرب سواءً، وأعلم اللّه: أنّه مولى الّذين آمنوا، في قوله: {ذلك بأنّ اللّه مولى الّذين آمنوا وأنّ الكافرين لا مولى لهم} [محمد: 11]، وقال عزّ وجلّ: {ولكلٍّ جعلنا موالي ممّا ترك الوالدان والأقربون} [النساء: 33] فأوقع اسم الموالي على العصبة، وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه»
[التوحيد: 1/74]
وقد أمليت هذه الأخبار في فضائل عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه، وقال صلّى الله عليه وسلّم لزيد بن حارثة لمّا اشتجر جعفرٌ وعليّ بن أبي طالبٍ، وزيد بن حارثة في ابنة حمزة: قال لزيدٍ: «أنت أخونا ومولانا» فأوقع اسم المولى، أيضًا على المولى من أسفل، كما أوقع اسم المولى على المولى من أعلى، فكلّ معتقٍ قد يقع عليه اسم مولى، ويقع على المعتق اسم مولى وقال صلّى الله عليه وسلّم، في خبر عائشة رضي اللّه عنها: «أيّما امرأةٍ نكحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطلٌ»، فقد أوقع اللّه، ثمّ رسوله، ثمّ جميع العرب والعجم اسم المولى على بعض المخلوقين، واللّه عزّ وجلّ الوليّ، وقد سمّى اللّه نبيّه صلّى الله عليه وسلّم وليًّا، فقال: {إنّما وليّكم اللّه ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصّلاة} [المائدة: 55] الآية فسمّى اللّه هؤلاء المؤمنين، أيضًا، الّذين وصفهم في الآية: أولياء، المؤمنين، وأعلمنا، أيضًا، ربّنا عزّ وجلّ، أنّ بعض المؤمنين أولياء بعضٍ في قوله: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضٍ} [التوبة: 71] وقال عزّ وجلّ: {النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم} [الأحزاب: 6]
[التوحيد: 1/75]
واللّه جلّ وعلا الحيّ، واسم الحيّ قد يقع أيضًا على ذي روحٍ، قبل قبض النّفس وخروج الرّوح منه قبل الموت، قال اللّه تبارك وتعالى: {يخرج الحيّ من الميّت ويخرج الميّت من الحيّ} [يونس: 31]، واسم الحيّ قد يقع أيضًا على الموتان، قال اللّه تعالى: {واللّه أنزل من السّماء ماءً فأحيا به الأرض بعد موتها} [النحل: 65]، وقال اللّه تعالى: {وجعلنا من الماء كلّ شيءٍ حيٍّ} [الأنبياء: 30]، وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من أحيا أرضًا ميتةً فهي له» واللّه الواحد، وكلّ ما له عددٌ من الحيوان والموتان، فاسم الواحد قد يقع على كلّ واحدٍ من جنسٍ منه، إذا عدّ قيل: واحدٌ، واثنان، وثلاثةٌ إلى أن ينتهي العدد إلى ما انتهي إليه، وإذا كان واحدٌ من ذلك الجنس قيل: هذا واحدٌ، وكذلك يقال: هذا الواحد: صفته كذا وكذا، لا تمانع العرب في إيقاع اسم الواحد على ما بيّنت وربّنا جلّ وعلا الوالي، وكلّ من له ولايةٌ من أمر المسلمين فاسم الوالي واقعٌ عليه عند جميع أهل الصّلاة من العرب،
[التوحيد: 1/76]
وخالقنا جلّ وعلا التّوّاب، قال اللّه عزّ وجلّ: {إنّ اللّه كان توّابًا رحيمًا} [النساء: 16]، وقد سمّى اللّه جميع من تاب من الذّنوب توّابًا، فقال: {إنّ اللّه يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين} [البقرة: 222]، ومعقولٌ عند كلّ مؤمنٍ أنّ هذا الاسم الّذي هو اسم اللّه، ليس هو على معنى ما سمّى اللّه التّائبين به، لأنّ اللّه إنّما أخبر أنّه يحبّ التّوّابين: أي من الذّنوب، والخطايا، وجلّ ربّنا وعزّ أن يكون اسم التّوّاب له على المعنى الّذي أخبر أنّه يحبّ التّوّابين من المؤمنين ومعبودنا جلّ جلاله الغنيّ، قال تعالى: {واللّه الغنيّ وأنتم الفقراء} [محمد: 38]، واسم الغنيّ قد يقع على كلّ من أغناه اللّه تعالى بالمال، قال جلّ وعلا ذكره: {وليستعفف الّذين لا يجدون نكاحًا حتّى يغنيهم اللّه من فضله} [النور: 33]، وقال: {إنّما السّبيل على الّذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} [التوبة: 93] وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عند بعثه معاذًا إلى اليمن: «وأعلمهم أنّ اللّه افترض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم»
[التوحيد: 1/77]
وقال ضمام بن ثعلبة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم " اللّه أمرك أن تأخذ الصّدقة من أغنيائنا فتردّها على فقرائنا؟ قال: نعم " وربّنا جلّ وعلا النّور، وقد سمّى اللّه بعض خلقه نورًا، فقال: {مثل نوره كمشكاةٍ فيها مصباحٌ} [النور: 35]، وقال: {نورٌ على نورٍ يهدي اللّه لنوره من يشاء} [النور: 35]، وقال: {نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، يقولون ربّنا أتمم لنا نورنا} [التحريم: 8]، وقال: {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم} [الحديد: 12] قال أبو بكرٍ: قد كنت خبّرت منذ دهرٍ طويلٍ أنّ بعض من كان يدّعي العلم ممّن كان يفهم هذا الباب، يزعم أنّه غير جائزٍ أن يقرأ: {اللّه نور السّماوات والأرض} [النور: 35] وكان يقرأ: اللّه نوّر السّماوات والأرض، فبعثت إليه بعض
[التوحيد: 1/78]
أصحابي وقلت له: ما الّذي تنكر أن يكون للّه عزّ وجلّ اسمٌ، يسمّي اللّه بذلك الاسم بعض خلقه؟، فقد وجدنا اللّه قد سمّى بعض خلقه بأسامٍ هي له أسامي، وبعثت له بعض ما قد أمليته في هذا الفصل، وقلت للرّسول: قل له قد روي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالإسناد الّذي لا يدفعه عالمٌ بالأخبار ما يثبت أنّ اللّه نور السّماوات والأرض، قلت في خبر طاوسٍ، عن ابن عبّاسٍ: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو: " اللّهمّ لك الحمد أنت نور السّماوات والأرض ومن فيهنّ، ولك الحمد أنت قيّم السّماوات والأرض ومن فيهنّ الحديث بتمامه، قد أمليته في كتاب الدّعوات وفي كتاب الصّلاة، أيضًا، فرجع الرّسول وقال: لست أنكر أن يكون اللّه تعالى نورًا، كما قد بلغني بعد أنّه رجع قال أبو بكرٍ: وكلّ من فهم عن اللّه خطابه: يعلم أنّ هذه الأسامي الّتي هي للّه
[التوحيد: 1/79]
تعالى أسامي، بيّن اللّه ذلك في كتابه وعلى لسان نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، ممّا قد أوقع تلك الأسامي على بعض المخلوقين، ليس على معنى تشبيه المخلوق بالخالق، لأنّ الأسامي قد تتّفق وتختلف المعاني، فالنّور وإن كان اسمًا للّه فقد يقع اسم النّور على بعض المخلوقين، فليس معنى النّور الّذي هو اسمٌ للّه في المعنى مثل النّور الّذي هو خلق اللّه، قال اللّه جلّ وعلا: {يهدي اللّه لنوره من يشاء} [النور: 35]، واعلم أيضًا أنّ لأهل الجنّة نورًا يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، وقد أوقع اللّه اسم النّور على معانٍ، وربّنا جلّ وعلا الهادي، وقد سمّى بعض خلقه هاديًا، فقال عزّ وجلّ لنبيّه: {إنّما أنت منذرٌ ولكلّ قومٍ هادٍ} [الرعد: 7]، فسمّى نبيّه صلّى الله عليه وسلّم هاديًا، وإن كان الهادي اسمًا للّه عزّ وجلّ واللّه الوارث، قال اللّه تعالى: {وأنت خير الوارثين} [الأنبياء: 89] وقد سمّى اللّه من يرث من الميّت ماله وارثًا، فقال عزّ وجلّ: {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة: 233]، فتفهّموا يا ذوي الحجا ما بيّنت في هذا الفضل تعلموا وتستيقنوا أنّ لخالقنا عزّ وجلّ أسامٍ، قد تقع تلك الأسامي على بعض خلقه في اللّفظ لا على المعنى، على ما قد بيّنت في هذا الفصل من الكتاب والسّنّة ولغة العرب،
[التوحيد: 1/80]
فإن كان علماء الآثار الّذين يصفون اللّه بما وصف به نفسه وبما جاء وعلى لسان نبيّه صلّى الله عليه وسلّم مشبّهةً على ما يزعم الجهميّة المعطّلة، فكلّ أهل القبلة إذا قرءوا كتاب اللّه فآمنوا به بإقرارٍ باللّسان وتصديقٍ بالقلب، وسمّوا اللّه بهذه الأسامي - الّتي خبّر اللّه بها أنّها له أسامي - وسمّوا هؤلاء المخلوقين بهذه الأسامي الّتي سمّاهم اللّه بها هم مشبّهةٌ فعود مقالتهم هذه توجب أنّ على أهل التّوحيد الكفر بالقرآن، وترك الإيمان به، وتكذيب القرآن بالقلوب، والإنكار بالألسن، فأقذر بهذا من مذهبٍ، وأقبح بهذه الوجوه عندهم، عليهم لعائن اللّه، وعلى من ينكر جميع ما وصف اللّه به نفسه في محكم تنزيله، والكفر بجميع ما ثبت عن نبيّنا المصطفى صلّى الله عليه وسلّم بنقل أهل العدالة موصولًا: إليه في صفات الخالق جلّ وعلا)
[التوحيد: 1/69]


التوقيع :
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ذكر, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:45 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir