دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الخامس

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 شعبان 1443هـ/12-03-2022م, 11:56 AM
رولا بدوي رولا بدوي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 341
افتراضي

قتادة السدوسي
قال معمر بن راشد: قال رجل لابن سيرين: رأيت في المنام حمامة التقمت لؤلؤة فخرجت منها أعظم مما دخلت، ورأيت حمامة أخرى التقمت لؤلؤة وخرجت منها أصغر مما دخلت، ورأيت حمامة أخرى التقمت لؤلؤة فخرجت مثل ما دخلت سواء.
فقال ابن سيرين: (أما الحمامة التي التقمت اللؤلؤة فخرجت أعظم مما دخلت فهو الحسن يسمع الحديث فيجوده بمنطقه، وأما التي خرجت أصغر مما دخلت فذاك محمد بن سيرين يسمع الحديث فيشك فيه وينقص منه، وأما التي خرجت كما دخلت فذاك قتادة أحفظ الناس). (1)
.الحمامة التي التقمت لؤلؤة فخرجت مثل ما دخلت، الإمام الفقيه المفسّر الحافظ أبو الخطاب قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز، و السدوسي نسبة إلى إلى سَدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة، من بني بكر بن وائل، من ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.
نسب عربي أصيل،أُختلف في سنة مولده؛ من قال ولد سنة ستين، كيحى بن معين قال : «ولد قتادة سنة ستين، وكان من سَدوس». (2)
و من قال إحدى وستين للهجرة ، كأبو حفص الفلاس.
نشأ في البصرة، ثم ارتحل للمدينة و مكة، و كان في جميع أحواله طالبًا للعلم، لا يرده عجزه، لا يقعده بصره الأكمه، فقلبه بصير، أخبر عن نفسه فقال: «ما سمعت أذناي شيئا قط إلا وعاه قلبي». (3)
و كم من صاحب بصر لا يبصر، و صاحب سمع لا يسمع، فالسمع ليس بالأذن، بل بالقلب.
و وعاه قلبه فيه إشارة لما كان يوصي به في طلب العلم: «باب من العلم يحفظه الرجل لصلاح نفسه، وصلاح من بعده أفضل من عبادةِ حول». (2)
فالعلم غايته إصلاح القلب، ليس ذلك فقط، بل أن يكون الأثر متعدي فيصلح من بعده، و هذا خير كبير لمن فهمه و أدركه.
انظر وصفه للحديث؛ أن له نور، و تكراره يذهب نوره، قال معمر، عن قتادة قال: «تكرير الحديث في المجلس يذهب نوره، وما قلتُ لأحدٍ قطّ أَعِدْ عليَّ» (2،4)
هذا سعيه لما في الحديث من نور يضئ قلبه، و حياته، نيلًا لما دعا به الرسول صلى الله عليه و سلم: نضَّر الله امرءًا سمِع مقالَتي فوعاها وحفِظها.
عاش يصاحب من يرجو علمه، و يطلبه، ففي البصرة حيث نشأ، كان مجالسًا لأنس بن مالك رضي الله عنه، مجالسة الطالب الحريص على علمه، فحفظ عنه حديثاً كثيراً رواه عنه.
و جالس الحسن البصري أيضًا مدة طويلة، فأخذ عنه العلم و الفقه، وكان قلبه وعاء لمواعظه، و لملازمته له؛ حفظ عنه حديث كثيراً، و أخذ عن مسائل كثيرة.
أخبر عن نفسه فقال: (جالست الحسن اثنتي عشرة سنة، أصلي معه الصبح ثلاث سنين)، و قال: (ومثلي أخذ عن مثله). (5،4،2)
و لملازمته له كان أعلم أصحاب الحسن كما قال أبو زرعة الرازي، و كان أكبرهم كما قال أبو حاتم الرازي.
و طلبه للعلم دفعه للارتحال إلى المدينة ليلازم فيها سعيد بن المسيب أيام، أبهر سعيد بن المسيب بهمته في الحفظ و سرعته، فشهد له بذلك، فقال عنه: (ما أتاني عراقي أحفظ من قتادة)، (6،2)
وكان قتادة السدوسي ذا همة في سؤال سعيد بن المسيب؛ و مما كان يسأله عنه، مسائل أُشكلت عليه سمعها من الحسن البصري، فكان يحفظ ما يُجاب به بسرعة، و هذه همة العارف لغايته، الساعي للعلم لا للجدال، الذي لا يرده عن الفهم شيء، فباب العلم السؤال، فلا يترك طالب العلم شيئًا أشكل عليه، بل يبحث عن إجابة لأسئلته، و قد تيسر ذلك اليوم بالشبكة العنكبوتية، فأنت في مكانك لا تسافر و لا تركب الصعاب، لتصل لإجابة ما أُشكل عليك، فلا عذر لمتكاسل.
قال ابن حبان في شأنه، و حاله مع سعيد ين المسيب : (كان من علماء الناس بالقرآن والفقه وكان من حفاظ أهل زمانه، جالس سعيد بن المسيب أياما؛ فقال له سعيد: قم يا أعمى فقد نزفتني).
و من حرصه على العلم وصفه مطر الوراق: (كان قتادة إذا سمع الحديث يختطفه اختطافا) (7).
و قال: (وكان إذا سمع الحديث لم يحفظه أخذه العويل والزويل حتى يحفظه). (5،2)
أين اليوم طلبة العلم من ذلك، يسمعون الأحاديث، و يجلسون مجالس العلم، يخرجون منها كما دخلوا، و لا يجدون في قلوبهم غضاضة من ذلك، و لا يدور في أنفسهم أن هناك خير فاتوه، من يريد أن يصل لما كان عليه السلف، عليه أن يقرأ مثل هذه الآثار عنهم، ليعلم أين هو منهم، و ما يفوته.
و لحال قتادة التي ذكرنا و همته، روى عن جمع كبير ممن عاصرهم، منهم بالإضافة لمن ذكرنا سابقًا؛ شهر بن حوشب، وأبي العالية، وعن صالح أبي الخليل، و غيرهم، وأرسل عن جمع آخر منهم؛ عليّ، وابن عباس، وعمران بن الحصين، وأبي سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، و غيرهم.
و مما ذكر في إرساله عن جابر بن عبد الله؛ حفظه لصحيفته التي كتبها عنه سليمان اليشكري، و اطلع عليها قتادة بعد موته فحفظها، و أخبر عن نفسه أنه أحفظ لها من حفظه الذي أحكمه لسورة البقرة التي قرأها على سعيد ابن أبي عروبة، كما أخبر بذلك عنه معمر.
و مما قيل في ذلك ما نقله أبو طالب عن أحمد بن حنبل يقول: (كان قتادة أحفظ أهل البصرة، لا يسمع شيئا إلا حفظه، وقرئ عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها، وكان سليمان التيمي وأيّوب يحتاجون إلى حفظه، يسألونه، وكان من العلماء، كان له خمس وخمسون سنة يوم مات) (6).
أبحر في بحور العلوم يجوبها، و يغترف منها ما ينير قلبه، شهد له العلماء بعلمه و فقهه، ونقل القفطي في تاريخه (كان من أوعية العلم، وممن يضرب به المثل في قوة الحفظ )، و زكاه الزهري أنه أعلم من مكحول (6،4).
و أعظم العلوم علم القرآن، علا به فكان عالمًا بالتفسير، و مما أخبر به عن نفسه فقال: ما في القرآن آية إلا قد سمعت فيها بشيء» (6،2)
حصَل علمه بملازمة أهل العلم، و بملازمة كتاب الله، قال سلام بن أبي مطيع: (كان قتادة يختم القرآن في سبع، وإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث، فإذا جاء العشر ختم كل ليلة) (8).
- وقال أبو عوانة: «شهدت قتادة يدرس القرآن في رمضان» (2).
و لعل من أسباب ذلك أيضًا علمه بالعربية؛ فقد كان رأسًا فيها كما قال الذهبي: (وقد كان قتادة أيضا رأسا في العربية، والغريب، وأيام العرب، وأنسابها، حتى قال فيه أبو عمرو بن العلاء: كان قتادة من أنسب الناس.
ونقل القفطي في تاريخه أن الرجلين من بني أمية كانا يختلفان في البيت من الشعر، فيبردان بريدا إلى العراق، يسألان قتادة عنه)ا.هـ.
قال أبو حاتم الرازي: سمعت أحمد بن حنبل ، ذكر قتادة فأطنب في ذكره؛ فجعل ينشر من علمه وفقهه ومعرفته بالاختلاف والتفسير وغير ذلك، وجعل يقول: (عالم بتفسير القرآن، وباختلاف العلماء، ووصفه بالحفظ والفقه)، وقال: (قلما تجد من يتقدَّمه، أما المثل فلعل) (6).
من مروياته في التفسير: - قال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله تعالى: {وهو ألد الخصام} يقول: (شديد القسوة في معصية الله، جَدِلٌ بالباطل، وإذا شئت رأيته عالم اللسان جاهل العمل، يتكلم بالحكمة، ويعمل بالخطيئة) (9).
و مما نقل تفسيره عن غيره؛ ما تحدث به عن زرارة بن أوفى، عن عبد الله بن مسعود في هذه الآية: {يوم يأتي بعض آيات ربك} قال: (طلوع الشمس من مغربها) (9،2).
روى عنه خلق كثير، وله في تفسير ابن جرير وحده أكثر من خمسة آلاف رواية، وله في تفسير عبد الرزاق من طريق معمر نحو 1700 رواية، وله في غيرهما روايات كثيرة جداً.
وأشهر رواة التفسير عن قتادة: سعيد بن أبي عروبة، ومعمر بن راشد، وهشام الدستوائي، وشعبة بن الحجاج، و غيرهم.
أثبتهم عنه سعيد بن عروبة و هشام الدستوائي و شعبة كما قال يحيى بن معين ،روى ذلك أبو القاسم البغوي في الجعديات.
-و كان في الفقه كما هو في التفسير؛ فقيه، يُشهَد له بذلك، أخبر سفيان الثوري على لسان معمر قوله« لم أر من هؤلاء أفقه من الزهري وحماد وقتادة» (2،6).
من فقهه و علمه رُزق القدرة على استخراج الأحكام، و ذكر ذلك عنه عفان بن مسلم، قال: (كان قتادة يقيس على قول سعيد بن المسيب، ثم يرويه عن سعيد بن المسيب).
قال: (وذاك قليل) (4).
و على علمه و فقهه و ملازمته أهل العلم كان لا يخجل أن يقول لا أدري، و لا يقول برأيه تورعًا، ذكر ذلك عنه عبد الصمد بن عبد الوارث حيث قال : حدثنا أبو هلال قال: سألت قتادة عن مسألة، فقال: لا أدري.
فقلت: قل برأيك!
قال: ما قلت برأيي منذ أربعين سنة.
فقلت: ابن كم هو يومئذ؟
قال: (ابن خمسين سنة). (5،4،2)
- قال الذهبي: (فدلَّ على أنه ما قال في العلم شيئا برأيه).
و ترى اليوم طالب العلم في أول درجة علم يقف عليها يفتي و يقول برأيه، و لا يدرك خطورة إقدامه على ذلك، و لا مسؤولية الكلمة التي تخرج من فيه، فما ملك الأدوات، و لا علم المآلات، رزقنا الله و إياكم ورع السلف و فهمهم.
كان داعيًا للخير بحكمة و يبين مواطن الخير للناس، من ذلك ما نقل همام عنه قوله: كان يقال: «قلَّ ما ساهر الليل منافق» (2).
وقال أبو عوانة، عن قتادة قال: ( كان المؤمن لا يرى إلا في ثلاث مواطن: في مسجد يعمره، أو بيت يستره، أو حاجة لا بأس بها) (2).
فالمدح و الذم و التعريض، من فنون الدعوة التي تدفع الناس لعمل الخير و ترك التكاسل و التسويف و الإعراض عن العمل، فما أحسن الكلام و ما أحسن الخطاب.
و مما أُخذ على قتادة، مع علمه و فقهه قوله في القدر؛ فقد شبه عليه فكان يقول: كلّ شيء بقدَر إلا المعاصي، و لم ينفي علم الله كالقدرية، قال وكيع: كان سعيد بن أبي عروبة، وهشام الدستوائي وغيرهما يقولون: قال قتادة: (كل شيء بقدر إلا المعاصي) (10).
كان يعلن قوله و لا يخفيه، لكن كما قيل لم يكن يدعو إليه، قال العجلي: (وكان يقول بشيء من القدر، وكان لا يدعو إليه، ولا يتكلم فيه).
- وقال ابن شوذب: (سمعت قتادة يصيح بالقدر في مسجد البصرة صياحاً) (5).
و لنكارة القول بالقدر، هجره عدد من أهل العلم و منهم طاووس بن كيسان، الذي كان يفر منه كما قال حنظلة بن أبي سفيان، وترك مالك بن أنس أحاديثه، وانتقد معمر بن راشد في روايته عنه، و قد استقر الأمر عند الأئمة على قبول روايته، و ذلك لأنه حافظ صدوق غير متهم في رواياته، و ما أصابه من شبهة هي خطأ عنده، و هو معظم للسنة، عاملٌ بها، ملازم للجماعة، معظم للصحابة، كان ينكر على المرجئة و الشيعة حديثهم في الصحابة.
من أقواله التي تؤكد ما ذكرنا :
ما رواه الأوزاعي: كان يحيى بن أبي كثير وقتادة يقولان: «ليس من الأهواء شيء أخوف عندهم على الأمة من الإرجاء»(11).
- ورواه أبو عوانة: عن قتادة قال: «من منع زكاة ماله سلط الله عليه البناء» (2).
- و رواه معمر: عن قتادة قال: «لقد كان يستحب ألا تقرأ الأحاديث التي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على طهور» (2).
و مما أُخِذ عليه أيضًا، أنه على حفظه و اتقانه، كان يُدلس بعض الروايات، كان يروي عمن روى عنهم ما لم يسمع منهم و يُسقط الواسطة بينهما، و لا يُصرح بالسماع،- قال أبو داود الطيالسي عن شعبة قال: كنت أعرف حديث قتادة ما سمع مما لم يسمع، فإذا جاء ما سمع قال: حدثنا أنس بن مالك، وحدثنا الحسن، وحدثنا سعيد، وحدثنا مطرف، وإذا جاء ما لم يسمع كان يقول: قال سعيد بن جبير، وقال أبو قلابة) (4،2).
- وقال عبد الرحمن بن مهدي: سمعت شعبة يقول: «كنت أتفطّن إلى فمِ قتادة كيف يقول، فإذا قال حدثنا. يعني كتبت» (2).
- وذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب عن أبي داوود السجستاني أنه قال: (حدَّث قتادة عن ثلاثين رجلاً لم يسمع منهم).
فأما إذا صرّح بالسّماع فهو ثقة صدوق كما قال الذهبي فيه: (وهو حجة بالإجماع إذا بين السماع، فإنه مدلّس معروف بذلك)
و روايته عن الضعفاء أيضًا أمر آخر أخذ عليه، و لم يسلم منه، وقلة من المحدثين من تسلم منه، و أحوال الضعف مختلفة، و الرواية عن الضعفاء إذا تبين من هم، كان ذلك يسيرًا أن يُدرك؛ بجمع الطرق وفحص الأسانيد وأحوال الأداء، لكن اسقاط الرواي الضعيف تدليسًا، هذا مما يحاذره العلماء، و خاصة التدليس عن الثقة، و يتيبن ذلك بجمع الطرق مع قرينة صيغة الأداء.
و مما قيل في ذلك: ما رواه معتمر بن سليمان، عن أبي عمرو بن العلاء قال: (كان قتادة وعمرو بن شعيب لا يغثّ عليهما شيء، يأخذان عن كل أحد) (12).
- ولذلك وصفه الشعبي بأنه حاطب ليل (5،2).
و الذي استقرّ عليه كلام الأئمة النقّاد أن قتادة رحمه الله ثقة حافظ، تام الضبط، مقبول الرواية إذا صرّح بالسماع.
- و من أقوالهم فيه: قال ابن سعد: (وكان ثقة مأموناً، حجة في الحديث).
- وقال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين: (ثقة)
و قد ذكر عن قتادة أنه كان في أول أمره لا يذكر الإسناد، كان يرى نفس إذا تكلم هو الإسناد، ذكر ذلك عنه معمر حيث قال : (كنا نجالس قتادة ونحن أحداث فنسأله عن السند فيقول مشيخة حوله: مه! إنَّ أبا الخطاب سند؛ فيكسرونا عن ذلك) (2،5).
-ثم جعل يذكر الإسناد كما قال حماد بن سلمة: كنا نأتي قتادة، فيقول: بَلَغَنا عن النبي عليه السلام، وبلغنا عن عمر، وبلغنا عن علي، ولا يكاد يُسنِد؛ فلما قدم حماد بن أبي سليمان البصرة جعل يقول: حدثنا إبراهيم وفلان وفلان؛ فبلغ قتادة ذلك، فجعل يقول: سألت مطرفاً، وسألت سعيدَ بن المسيب، وحدثنا أنس بن مالك؛ فأخبر بالإسناد). (4).
و رويت عنه بزيادة (فقال: حدثنا الحسن، وحدثنا أنس، وحدثنا زرارة، وسألت سعيدا؛ فصبَّ علينا الإسناد؛ فكنا لا نستطيع أن نحفظها) ( 5).
و صنيعه هذا في اتباع القول الحسن دليل تواضعه، فلم يتكبر أن يقتدي بغيره فيما هو خير مما كان عليه، و هذا ليس فيه انقاص له، بل فيه رفعة لما يذكر من أقوال و بيان لحال قائلي من نقل عنهم.
و بين الذهبي الموقف فيه معلِقًا على ما ذكرنا من مآخذن فقال: (وهو حجة بالإجماع إذا بين السماع، فإنه مدلّس معروف بذلك، وكان يرى القدر - نسأل الله العفو - ومع هذا؛ فما توقَّف أحد في صدقه وعدالته وحفظه، ولعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه، وبذل وسعه، والله حكم عدل لطيف بعباده، ولا يسأل عما يفعل)
و في احتجاج البخاري ومسلم به في صحيحيهما، و ما روي له من أحاديث في دواوين السنّة ما يزكي أخذ الرواية عنه.
و ختمت حياة قتادة سنة 117هـ ، بواسط، كما قال حمّاد بن زيد، وعبيد الله ابن عائشة القرشي، وخليفة بن خياط، وابن أبي حاتم، وابن حبان، زاد ابن أبي حاتم أنه مات في الطاعون.
هذا هو قتادة السدوسي، العالم المحدث المفسر الفقيه، عاش حياة حافلة بطلب العلم و الوقوف على أبواب أهله، وقف على باب العلم يطلبه حتى مات وقال مطر الوراق: (ما زال قتادة متعلماً حتى مات) (2).
حجة على كل طالب علم ، و نور يهتدى بأثره، انطلق بعجزه يجوب البلاد بحثًا عن العلم، و أهله، السؤال سبيله، و الحفظ همته، و نور الأحاديث غايته، بقلب حاضر يعي ما يسمع، و يبكي عما لم يحفظ، هذا همه، فأين أنت يا طالب العلم من هذا الهم و الهمة؟
يتواضع و لا يتكبر، فما نال العلم من كان في قلبه كبر، يقبل أن يعود عن نهج سلكه إلى نهج آخر يرى فيه الخير، دون عناد أو اعتداد بنفسه و رأيه، و هذا من لين طباعه للحق، فمن كان على غير ذلك خسر و لا بد، فتصلب الرأي من الكبر و العجب بالنفس، فمن رأى في نفسه ذلك من طلاب العلم، فليهذبها، و يربيها، فلا خير في الكبر في طلب العلم و لا نشره.
قدوة هو في ورعه ، من نظر إلى نهجه في عدم القول برأيه و هو من هو، فكر مائة مرة قبل أن يدلي بدلوه في أمر برأيه.
مثله لا بد أن تكون قراءة ترجمته وردًا لكل طالب علم، حتى يذكر نفسه و يربيها على محاسن أخلاقهم، و آداب طلبهم العلم، و يرفع همته، جعلنا الله و إياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
المراجع:
1- رواه أحمد في العلل
2- روى ذلك أبو القاسم البغوي في الجعديات.
3- رواه أبو نعيم في الحلية.
4- رواه ابن سعد في الطبقات .
5- رواه الفسوي في المعرفة و التاريخ.
6- روى ذلك عنه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل.
7- نقل ذلك عنه روح بن القاسم.
8- ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء.
9- رواه ابن جرير.
10- ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام.
11- رواه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة
رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 8 شوال 1443هـ/9-05-2022م, 08:25 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رولا بدوي مشاهدة المشاركة
قتادة السدوسي
قال معمر بن راشد: قال رجل لابن سيرين: رأيت في المنام حمامة التقمت لؤلؤة فخرجت منها أعظم مما دخلت، ورأيت حمامة أخرى التقمت لؤلؤة وخرجت منها أصغر مما دخلت، ورأيت حمامة أخرى التقمت لؤلؤة فخرجت مثل ما دخلت سواء.
فقال ابن سيرين: (أما الحمامة التي التقمت اللؤلؤة فخرجت أعظم مما دخلت فهو الحسن يسمع الحديث فيجوده بمنطقه، وأما التي خرجت أصغر مما دخلت فذاك محمد بن سيرين يسمع الحديث فيشك فيه وينقص منه، وأما التي خرجت كما دخلت فذاك قتادة أحفظ الناس). (1) [يفضل عدم تصدير الرسالة بمثل هذه الأخبار والاعتماد على الأخبار الثابتة الصحيحة من سيرته وعمله، ويذكر مثل هذا الخبر في حشو الرسالة]
.الحمامة التي التقمت لؤلؤة فخرجت مثل ما دخلت، الإمام الفقيه المفسّر الحافظ أبو الخطاب قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز، و السدوسي نسبة إلى إلى سَدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة، من بني بكر بن وائل، من ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.
نسب عربي أصيل،أُختلف في سنة مولده؛ من قال ولد سنة ستين، كيحى بن معين قال : «ولد قتادة سنة ستين، وكان من سَدوس». (2)
و من قال إحدى وستين للهجرة ، كأبو حفص الفلاس. [كأبي]
نشأ في البصرة، ثم ارتحل للمدينة و مكة، و كان في جميع أحواله طالبًا للعلم، لا يرده عجزه، لا يقعده بصره الأكمه، فقلبه بصير، أخبر عن نفسه فقال: «ما سمعت أذناي شيئا قط إلا وعاه قلبي». (3)
و كم من صاحب بصر لا يبصر، و صاحب سمع لا يسمع، فالسمع ليس بالأذن، بل بالقلب.
و وعاه قلبه فيه إشارة لما كان يوصي به في طلب العلم: «باب من العلم يحفظه الرجل لصلاح نفسه، وصلاح من بعده أفضل من عبادةِ حول». (2)
فالعلم غايته إصلاح القلب، ليس ذلك فقط، بل أن يكون الأثر متعدي فيصلح من بعده، و هذا خير كبير لمن فهمه و أدركه.
انظر وصفه للحديث؛ أن له نور، و تكراره يذهب نوره، قال معمر، عن قتادة قال: «تكرير الحديث في المجلس يذهب نوره، وما قلتُ لأحدٍ قطّ أَعِدْ عليَّ» (2،4)
هذا سعيه لما في الحديث من نور يضئ قلبه، و حياته، نيلًا لما دعا به الرسول صلى الله عليه و سلم: نضَّر الله امرءًا سمِع مقالَتي فوعاها وحفِظها. [تخريج الحديث؟]
عاش يصاحب من يرجو علمه، و يطلبه، ففي البصرة حيث نشأ، كان مجالسًا لأنس بن مالك رضي الله عنه، مجالسة الطالب الحريص على علمه، فحفظ عنه حديثاً كثيراً رواه عنه.
و جالس الحسن البصري أيضًا مدة طويلة، فأخذ عنه العلم و الفقه، وكان قلبه وعاء لمواعظه، و لملازمته له؛ حفظ عنه حديث كثيراً، و أخذ عن مسائل كثيرة.
أخبر عن نفسه فقال: (جالست الحسن اثنتي عشرة سنة، أصلي معه الصبح ثلاث سنين)، و قال: (ومثلي أخذ عن مثله). (5،4،2)
و لملازمته له كان أعلم أصحاب الحسن كما قال أبو زرعة الرازي، و كان أكبرهم كما قال أبو حاتم الرازي.
و طلبه للعلم دفعه للارتحال إلى المدينة ليلازم فيها سعيد بن المسيب أيام، أبهر سعيد بن المسيب بهمته في الحفظ و سرعته، فشهد له بذلك، فقال عنه: (ما أتاني عراقي أحفظ من قتادة)، (6،2)
وكان قتادة السدوسي ذا همة في سؤال سعيد بن المسيب؛ و مما كان يسأله عنه، مسائل أُشكلت عليه سمعها من الحسن البصري، فكان يحفظ ما يُجاب به بسرعة، و هذه همة العارف لغايته، الساعي للعلم لا للجدال، الذي لا يرده عن الفهم شيء، فباب العلم السؤال، فلا يترك طالب العلم شيئًا أشكل عليه، بل يبحث عن إجابة لأسئلته، و قد تيسر ذلك اليوم بالشبكة العنكبوتية، فأنت في مكانك لا تسافر و لا تركب الصعاب، لتصل لإجابة ما أُشكل عليك، فلا عذر لمتكاسل.
قال ابن حبان في شأنه، و حاله مع سعيد ين المسيب : (كان من علماء الناس بالقرآن والفقه وكان من حفاظ أهل زمانه، جالس سعيد بن المسيب أياما؛ فقال له سعيد: قم يا أعمى فقد نزفتني).
و من حرصه على العلم وصفه مطر الوراق: (كان قتادة إذا سمع الحديث يختطفه اختطافا) (7).
و قال: (وكان إذا سمع الحديث لم يحفظه أخذه العويل والزويل حتى يحفظه). (5،2)
أين اليوم طلبة العلم من ذلك، يسمعون الأحاديث، و يجلسون مجالس العلم، يخرجون منها كما دخلوا، و لا يجدون في قلوبهم غضاضة من ذلك، و لا يدور في أنفسهم أن هناك خير فاتوه، من يريد أن يصل لما كان عليه السلف، عليه أن يقرأ مثل هذه الآثار عنهم، ليعلم أين هو منهم، و ما يفوته.
و لحال قتادة التي ذكرنا و همته، روى عن جمع كبير ممن عاصرهم، منهم بالإضافة لمن ذكرنا سابقًا؛ شهر بن حوشب، وأبي العالية، وعن صالح أبي الخليل، و غيرهم، وأرسل عن جمع آخر منهم؛ عليّ، وابن عباس، وعمران بن الحصين، وأبي سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، و غيرهم.
و مما ذكر في إرساله عن جابر بن عبد الله؛ حفظه لصحيفته التي كتبها عنه سليمان اليشكري، و اطلع عليها قتادة بعد موته فحفظها، و أخبر عن نفسه أنه أحفظ لها من حفظه الذي أحكمه لسورة البقرة التي قرأها على سعيد ابن أبي عروبة، كما أخبر بذلك عنه معمر.
و مما قيل في ذلك ما نقله أبو طالب عن أحمد بن حنبل يقول: (كان قتادة أحفظ أهل البصرة، لا يسمع شيئا إلا حفظه، وقرئ عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها، وكان سليمان التيمي وأيّوب يحتاجون إلى حفظه، يسألونه، وكان من العلماء، كان له خمس وخمسون سنة يوم مات) (6).
أبحر في بحور العلوم يجوبها، و يغترف منها ما ينير قلبه، شهد له العلماء بعلمه و فقهه، ونقل القفطي في تاريخه (كان من أوعية العلم، وممن يضرب به المثل في قوة الحفظ )، و زكاه الزهري أنه أعلم من مكحول (6،4).
و أعظم العلوم علم القرآن، علا به فكان عالمًا بالتفسير، و مما أخبر به عن نفسه فقال: ما في القرآن آية إلا قد سمعت فيها بشيء» (6،2)
حصَل علمه بملازمة أهل العلم، و بملازمة كتاب الله، قال سلام بن أبي مطيع: (كان قتادة يختم القرآن في سبع، وإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث، فإذا جاء العشر ختم كل ليلة) (8).
- وقال أبو عوانة: «شهدت قتادة يدرس القرآن في رمضان» (2).
و لعل من أسباب ذلك أيضًا علمه بالعربية؛ فقد كان رأسًا فيها كما قال الذهبي: (وقد كان قتادة أيضا رأسا في العربية، والغريب، وأيام العرب، وأنسابها، حتى قال فيه أبو عمرو بن العلاء: كان قتادة من أنسب الناس.
ونقل القفطي في تاريخه أن الرجلين من بني أمية كانا يختلفان في البيت من الشعر، فيبردان بريدا إلى العراق، يسألان قتادة عنه)ا.هـ.
قال أبو حاتم الرازي: سمعت أحمد بن حنبل ، ذكر قتادة فأطنب في ذكره؛ فجعل ينشر من علمه وفقهه ومعرفته بالاختلاف والتفسير وغير ذلك، وجعل يقول: (عالم بتفسير القرآن، وباختلاف العلماء، ووصفه بالحفظ والفقه)، وقال: (قلما تجد من يتقدَّمه، أما المثل فلعل) (6).
من مروياته في التفسير: - قال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله تعالى: {وهو ألد الخصام} يقول: (شديد القسوة في معصية الله، جَدِلٌ بالباطل، وإذا شئت رأيته عالم اللسان جاهل العمل، يتكلم بالحكمة، ويعمل بالخطيئة) (9).
و مما نقل تفسيره عن غيره؛ ما تحدث به عن زرارة بن أوفى، عن عبد الله بن مسعود في هذه الآية: {يوم يأتي بعض آيات ربك} قال: (طلوع الشمس من مغربها) (9،2).
روى عنه خلق كثير، وله في تفسير ابن جرير وحده أكثر من خمسة آلاف رواية، وله في تفسير عبد الرزاق من طريق معمر نحو 1700 رواية، وله في غيرهما روايات كثيرة جداً.
وأشهر رواة التفسير عن قتادة: سعيد بن أبي عروبة، ومعمر بن راشد، وهشام الدستوائي، وشعبة بن الحجاج، و غيرهم.
أثبتهم عنه سعيد بن عروبة و هشام الدستوائي و شعبة كما قال يحيى بن معين ،روى ذلك أبو القاسم البغوي في الجعديات.
-و كان في الفقه كما هو في التفسير؛ فقيه، يُشهَد له بذلك، أخبر سفيان الثوري على لسان معمر قوله« لم أر من هؤلاء أفقه من الزهري وحماد وقتادة» (2،6).
من فقهه و علمه رُزق القدرة على استخراج الأحكام، و ذكر ذلك عنه عفان بن مسلم، قال: (كان قتادة يقيس على قول سعيد بن المسيب، ثم يرويه عن سعيد بن المسيب).
قال: (وذاك قليل) (4).
و على علمه و فقهه و ملازمته أهل العلم كان لا يخجل أن يقول لا أدري، و لا يقول برأيه تورعًا، ذكر ذلك عنه عبد الصمد بن عبد الوارث حيث قال : حدثنا أبو هلال قال: سألت قتادة عن مسألة، فقال: لا أدري.
فقلت: قل برأيك!
قال: ما قلت برأيي منذ أربعين سنة.
فقلت: ابن كم هو يومئذ؟
قال: (ابن خمسين سنة). (5،4،2)
- قال الذهبي: (فدلَّ على أنه ما قال في العلم شيئا برأيه).
و ترى اليوم طالب العلم في أول درجة علم يقف عليها يفتي و يقول برأيه، و لا يدرك خطورة إقدامه على ذلك، و لا مسؤولية الكلمة التي تخرج من فيه، فما ملك الأدوات، و لا علم المآلات، رزقنا الله و إياكم ورع السلف و فهمهم.
كان داعيًا للخير بحكمة و يبين مواطن الخير للناس، من ذلك ما نقل همام عنه قوله: كان يقال: «قلَّ ما ساهر الليل منافق» (2).
وقال أبو عوانة، عن قتادة قال: ( كان المؤمن لا يرى إلا في ثلاث مواطن: في مسجد يعمره، أو بيت يستره، أو حاجة لا بأس بها) (2).
فالمدح و الذم و التعريض، من فنون الدعوة التي تدفع الناس لعمل الخير و ترك التكاسل و التسويف و الإعراض عن العمل، فما أحسن الكلام و ما أحسن الخطاب.
و مما أُخذ على قتادة، مع علمه و فقهه قوله في القدر؛ فقد شبه عليه فكان يقول: كلّ شيء بقدَر إلا المعاصي، و لم ينفي علم الله كالقدرية، قال وكيع: كان سعيد بن أبي عروبة، وهشام الدستوائي وغيرهما يقولون: قال قتادة: (كل شيء بقدر إلا المعاصي) (10).
كان يعلن قوله و لا يخفيه، لكن كما قيل لم يكن يدعو إليه، قال العجلي: (وكان يقول بشيء من القدر، وكان لا يدعو إليه، ولا يتكلم فيه).
- وقال ابن شوذب: (سمعت قتادة يصيح بالقدر في مسجد البصرة صياحاً) (5).
و لنكارة القول بالقدر، هجره عدد من أهل العلم و منهم طاووس بن كيسان، الذي كان يفر منه كما قال حنظلة بن أبي سفيان، وترك مالك بن أنس أحاديثه، وانتقد معمر بن راشد في روايته عنه، و قد استقر الأمر عند الأئمة على قبول روايته، و ذلك لأنه حافظ صدوق غير متهم في رواياته، و ما أصابه من شبهة هي خطأ عنده، و هو معظم للسنة، عاملٌ بها، ملازم للجماعة، معظم للصحابة، كان ينكر على المرجئة و الشيعة حديثهم في الصحابة.
من أقواله التي تؤكد ما ذكرنا :
ما رواه الأوزاعي: كان يحيى بن أبي كثير وقتادة يقولان: «ليس من الأهواء شيء أخوف عندهم على الأمة من الإرجاء»(11).
- ورواه أبو عوانة: عن قتادة قال: «من منع زكاة ماله سلط الله عليه البناء» (2).
- و رواه معمر: عن قتادة قال: «لقد كان يستحب ألا تقرأ الأحاديث التي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على طهور» (2).
و مما أُخِذ عليه أيضًا، أنه على حفظه و اتقانه، كان يُدلس بعض الروايات، كان يروي عمن روى عنهم ما لم يسمع منهم و يُسقط الواسطة بينهما، و لا يُصرح بالسماع،- قال أبو داود الطيالسي عن شعبة قال: كنت أعرف حديث قتادة ما سمع مما لم يسمع، فإذا جاء ما سمع قال: حدثنا أنس بن مالك، وحدثنا الحسن، وحدثنا سعيد، وحدثنا مطرف، وإذا جاء ما لم يسمع كان يقول: قال سعيد بن جبير، وقال أبو قلابة) (4،2).
- وقال عبد الرحمن بن مهدي: سمعت شعبة يقول: «كنت أتفطّن إلى فمِ قتادة كيف يقول، فإذا قال حدثنا. يعني كتبت» (2).
- وذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب عن أبي داوود السجستاني أنه قال: (حدَّث قتادة عن ثلاثين رجلاً لم يسمع منهم).
فأما إذا صرّح بالسّماع فهو ثقة صدوق كما قال الذهبي فيه: (وهو حجة بالإجماع إذا بين السماع، فإنه مدلّس معروف بذلك)
و روايته عن الضعفاء أيضًا أمر آخر أخذ عليه، و لم يسلم منه، وقلة من المحدثين من تسلم منه، و أحوال الضعف مختلفة، و الرواية عن الضعفاء إذا تبين من هم، كان ذلك يسيرًا أن يُدرك؛ بجمع الطرق وفحص الأسانيد وأحوال الأداء، لكن اسقاط الرواي الضعيف تدليسًا، هذا مما يحاذره العلماء، و خاصة التدليس عن الثقة، و يتيبن ذلك بجمع الطرق مع قرينة صيغة الأداء.
و مما قيل في ذلك: ما رواه معتمر بن سليمان، عن أبي عمرو بن العلاء قال: (كان قتادة وعمرو بن شعيب لا يغثّ عليهما شيء، يأخذان عن كل أحد) (12).
- ولذلك وصفه الشعبي بأنه حاطب ليل (5،2).
و الذي استقرّ عليه كلام الأئمة النقّاد أن قتادة رحمه الله ثقة حافظ، تام الضبط، مقبول الرواية إذا صرّح بالسماع.
- و من أقوالهم فيه: قال ابن سعد: (وكان ثقة مأموناً، حجة في الحديث).
- وقال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين: (ثقة)
و قد ذكر عن قتادة أنه كان في أول أمره لا يذكر الإسناد، كان يرى نفس إذا تكلم هو الإسناد، ذكر ذلك عنه معمر حيث قال : (كنا نجالس قتادة ونحن أحداث فنسأله عن السند فيقول مشيخة حوله: مه! إنَّ أبا الخطاب سند؛ فيكسرونا عن ذلك) (2،5).
-ثم جعل يذكر الإسناد كما قال حماد بن سلمة: كنا نأتي قتادة، فيقول: بَلَغَنا عن النبي عليه السلام، وبلغنا عن عمر، وبلغنا عن علي، ولا يكاد يُسنِد؛ فلما قدم حماد بن أبي سليمان البصرة جعل يقول: حدثنا إبراهيم وفلان وفلان؛ فبلغ قتادة ذلك، فجعل يقول: سألت مطرفاً، وسألت سعيدَ بن المسيب، وحدثنا أنس بن مالك؛ فأخبر بالإسناد). (4).
و رويت عنه بزيادة (فقال: حدثنا الحسن، وحدثنا أنس، وحدثنا زرارة، وسألت سعيدا؛ فصبَّ علينا الإسناد؛ فكنا لا نستطيع أن نحفظها) ( 5).
و صنيعه هذا في اتباع القول الحسن دليل تواضعه، فلم يتكبر أن يقتدي بغيره فيما هو خير مما كان عليه، و هذا ليس فيه انقاص له، بل فيه رفعة لما يذكر من أقوال و بيان لحال قائلي من نقل عنهم.
و بين الذهبي الموقف فيه معلِقًا على ما ذكرنا من مآخذن فقال: (وهو حجة بالإجماع إذا بين السماع، فإنه مدلّس معروف بذلك، وكان يرى القدر - نسأل الله العفو - ومع هذا؛ فما توقَّف أحد في صدقه وعدالته وحفظه، ولعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه، وبذل وسعه، والله حكم عدل لطيف بعباده، ولا يسأل عما يفعل)
و في احتجاج البخاري ومسلم به في صحيحيهما، و ما روي له من أحاديث في دواوين السنّة ما يزكي أخذ الرواية عنه.
و ختمت حياة قتادة سنة 117هـ ، بواسط، كما قال حمّاد بن زيد، وعبيد الله ابن عائشة القرشي، وخليفة بن خياط، وابن أبي حاتم، وابن حبان، زاد ابن أبي حاتم أنه مات في الطاعون.
هذا هو قتادة السدوسي، العالم المحدث المفسر الفقيه، عاش حياة حافلة بطلب العلم و الوقوف على أبواب أهله، وقف على باب العلم يطلبه حتى مات وقال مطر الوراق: (ما زال قتادة متعلماً حتى مات) (2).
حجة على كل طالب علم ، و نور يهتدى بأثره، انطلق بعجزه يجوب البلاد بحثًا عن العلم، و أهله، السؤال سبيله، و الحفظ همته، و نور الأحاديث غايته، بقلب حاضر يعي ما يسمع، و يبكي عما لم يحفظ، هذا همه، فأين أنت يا طالب العلم من هذا الهم و الهمة؟
يتواضع و لا يتكبر، فما نال العلم من كان في قلبه كبر، يقبل أن يعود عن نهج سلكه إلى نهج آخر يرى فيه الخير، دون عناد أو اعتداد بنفسه و رأيه، و هذا من لين طباعه للحق، فمن كان على غير ذلك خسر و لا بد، فتصلب الرأي من الكبر و العجب بالنفس، فمن رأى في نفسه ذلك من طلاب العلم، فليهذبها، و يربيها، فلا خير في الكبر في طلب العلم و لا نشره.
قدوة هو في ورعه ، من نظر إلى نهجه في عدم القول برأيه و هو من هو، فكر مائة مرة قبل أن يدلي بدلوه في أمر برأيه.
مثله لا بد أن تكون قراءة ترجمته وردًا لكل طالب علم، حتى يذكر نفسه و يربيها على محاسن أخلاقهم، و آداب طلبهم العلم، و يرفع همته، جعلنا الله و إياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
المراجع: [هذا عزو، ويفضل تكراره مع كل نقل، وأما المراجع فلها طريقة في الكتابة، يكتب اسم الكتاب ومؤلفه وتاريخ وفاته ومعلومات الطبعة؛ دار النشر وسنة النشر وربما مكان النشر، وتُرتب المراجع حسب تاريخ وفاة المؤلف]
1- رواه أحمد في العلل
2- روى ذلك أبو القاسم البغوي في الجعديات.
3- رواه أبو نعيم في الحلية.
4- رواه ابن سعد في الطبقات .
5- رواه الفسوي في المعرفة و التاريخ.
6- روى ذلك عنه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل.
7- نقل ذلك عنه روح بن القاسم.
8- ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء.
9- رواه ابن جرير.
10- ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام.
11- رواه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة
رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
التقويم: أ+

أحسنتِ، وتميزتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الثالث

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:56 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir