دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الواسطية

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #8  
قديم 15 محرم 1430هـ/11-01-2009م, 11:22 PM
فاطمة فاطمة غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 758
افتراضي شرح العقيدة الوسطية للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)

قال الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد... فأسأل الله جل وعلا لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح وأن ينور بصائرنا بالعلم والهدى وأن يقيم أعمالنا بدين الحق الذي أرسل به رسوله صلى الله عليه وسلم.
هذا وإن هذا الدرس -الذي أسأل الله جل وعلا أن يتمِّمه- ألا وهو شرح هذه العقيدة الواسطية التي ألفها شيخ الإسلام والمسلمين علم الدين وتقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني ثم الدمشقي الإمام المعروف المتوفى سنة 728 -رحمه الله تعالى وأجزل له المثوبة. كتبها- كتب هذه العقيدة- إلى أهل واسط يبين لهم فيها اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة أهل السنة والجماعة من سلف هذه الأمة ومن تبعهم على هذا الاعتقاد إلى وقته رحمه[ الله تعالى.
وهذه الرسالة على وجازتها واختصارها قد اعتنى بها العلماء بعد شيخ الإسلام -رحمه الله- لأنها قد شملت من أصول عقائد أهل السنة والجماعة على الخلاصة الوافية] فقد ذكر فيها -رحمه الله- كل أصول الاعتقاد، ذكر فيها شرح أركان الإيمان الستة وذكر فيها ما يجب لله جل وعلا من صفات الكمال وما يوصف الله جل وعلا به، والأصل في ذلك و مخالفة المبتدعين والضالين في باب الأسماء والصفات وذكر ما يتصل بذلك من الإيمان بالأمور الغيبية والإيمان بالكتب والرسل وبالقدر خيره وشره وبيَّن أن من أصول أهل السنة والجماعة الأحكام المتعلقة بالإمامة العظمى وكذلك بما يجب لولاة الأمر من حق السمع والطاعة مخالفة للخوارج وأشباههم ممن خالفوا أهل السنة والجماعة في ذلك وذكر اعتقاد السلف الصالح في صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأن ذلك من الواجبات الشرعية الاعتقادية لأن فيه مخالفة لأهل البدع من الروافض ومن شابههم الذين لا يتولّون جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر أحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذكر أحكام أو أصول الأخلاق عند أهل السنة والجماعة، وبهذا الذي ذكره في هذه الرسالة العظيمة المختصرة يتبين أن اعتقاد أهل السنة والجماعة يشمل ثلاثة أصول:

الأول: العقيدة العامة في الله جل وعلا وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
ثم مسائل الإمامة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا هو الثاني: الإمامة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والكلام فيما يتصل بذلك من الكلام في الصحابة رضوان الله عليهم.
ثم الثالث، الأصل الثالث من أصول الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة: الكلام في أخلاق أهل السنة والجماعة, وهذه هي الأمور الثلاثة التي فصل فيها شيخ الإسلام -رحمه الله- في هذه الرسالة العظيمة.
وهذه الرسالة وجيزة ألفاظها لكن هي مدرسة للعلم باعتقاد أهل السنة والجماعة وبمنهج أهل السنة والجماعة. وذلك الاعتقاد تفصيله في كتب شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- فكتب شيخ الإسلام -رحمه الله- تعد شرحاً لهذه العقيدة الواسطية. فأحسن شرح لهذه العقيدة ما نثره شيخ الإسلام-رحمه الله- في كتبه وفصّله وبيّنه من أصول هذا الاعتقاد وكذلك تلميذه العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى- إذ لا أحسن في فهم كلام شيخ الإسلام من شرحه هو نفسه في مصنفاته الأخرى وكذلك في فهم تلميذه ابن القيم رحمه الله جل وعلا.
هذه الرسالة لها شروح كثيرة كما هو معلوم هذه العقيدة المباركة لها شروح كثيرة ومن أعظمها نفعاً وأدقها لفظاً الشرح المسمى بـ(التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية) للشيخ العلامة عبد العزيز ابن رشيد -رحمه الله تعالى- فإن هذا الشرح من أنفس شروح هذه العقيدة الواسطية؛ فقد بين من مسائل هذه العقيدة ومن ألفاظها ما يكفي طالب العلم في هذا الباب، أعني باب الاعتقاد؛ لأنه ذكر فيها من العلم الواسع الغزير ما لو اكتفى به طالب علم في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة لكفاه، ولهذا أحضُّ من أراد شرحا لهذه العقيدة على هذا الكتاب ألا وهو: ( التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية ) للشيخ ابن رشيد رحمه الله تعالى.
من المقدمات المهمة قبل الشروع في شرحٍ لهذه العقيدة أن نبيّن أن هذه العقيدة المباركة وكذلك سائر كتب شيخ الإسلام ابن تيمية -بيّن فيها عقيدة السلف وفصل فيها ما ذكره السلف في كتبهم من الاعتقاد، وكُتب شيخ الإسلام تتميز على كتب السلف، يعني من كُتب أصحاب الإمام أحمد ومن تبعهم ومن تلاهم زمناً تتميز هذه العقيدة وسائر كتب شيخ الإسلام ابن تيمية عن تلكم الكتب الكثيرة في الاعتقاد بمزايا منها:
أن شيخ الإسلام -رحمه الله- قد فهم ما قاله الأئمة من قبل فصاغه بصياغة تجمع أقوالهم بأدلتها وببيان معانيها فهو خير من فهم كلام الأئمة من قبل، ومن مزاياه أعني مزايا كلام شيخ الإسلام في الاعتقاد, أنه رحمه الله تعالى قد بلغ في فهم نصوص الكتاب والسنة المبلغ والدرجة التي شهد له بها أهل عصره ومن تلاهم، ومن المعلوم أن أدلة الاعتقاد هي نصوص الكتاب والسنة ثم هو مع هذا اطَّلع على كلام الصحابة وكلام التابعين ومن تبعهم في تفسير معاني نصوص الكتاب والسنة، ولهذا كلام شيخ الإسلام في بيان معاني الكتاب والسنة يعد أحسن كلام للعلماء المتأخرين يعني بعد الأئمة المشهورين.
ومن مزايا كلام شيخ الإسلام وهذه العقيدة أيضاً أن شيخ الإسلام استحضر حين كتابتها استحضر أقوال أهل البدع والمخالفين وحججهم فهو يذكر ما يذكر من الاحتجاجات مستحضراً تلك الأقوال وتلك الاعتراضات من أهل البدع أو تلكم الأقوال المنحرفة من أهل البدع على اختلاف أنواعهم، ومعلوم أن حال الكاتب أو المؤلف الذي يؤلف وهو على هذه الدرجة العظيمة من الاستحضار أن كلامه يكون مُنبأ عمَّا يكون فصلاً في هذه المسائل.
ومن مميزات هذه العقيدة وكذلك سائر كتب شيخ الإسلام -رحمه الله- أن شيخ الإسلام أوضح فيها كثيراً من المجملات التي ربما كانت في كلام السلف، وقد تجد في كلام المتقدمين من أهل القرون المفضلة كلاماً في الاعتقاد ربما أُجمل في مواضع وفصّل في مواضع, وشيخ الإسلام يستحضر هذا وذاك ويذكر الكلام المجمل والمفصل كلٌ في مكانه ويوضح ذلك بحيث إن من فهم كلام شيخ الإسلام وفهم كتب شيخ الإسلام -رحمه الله- ثم بعد فهمه لذلك وبراعته فيه رجع إلى كتب السلف فإنه يفهمها فهماً مصيباً, فهماً على ما ينبغي، وأما من ترك التفقه في كتب شيخ الإسلام -رحمه الله- فربما زلّ في فهمه لبعض كلام السلف وكلام الأئمة؛ لأن بعضهم ربما وقع في كلامه إجمال أو وقع في كلامه رعاية لحال السائل أو نحو ذلك من الأسباب التي لا يمكن المجيب معها أن يفصّل التفصيل المطلوب؛ لهذا نقول أن العناية بهذه العقيدة مما حثَّ عليه العلماء قديماً وحديثاً فلا غرو أن أوصي إخواني -وفقهم الله تعالى للخير- بهذه العقيدة وبفهم ألفاظها ومعاني الألفاظ ومعاني ما فيها من الأدلة والاستدلال والحجج لأن فيها خيراً عظيماً.
قال- رحمه الله- تعالى في فاتحة هذه العقيدة المباركة: (الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً)
ابتدأ رحمه الله هذا الكتاب وهذه الرسالة بالثناء على الله بأنه هو المستحق لجميع أنواع المحامد؛ لأن كلمة الحمد كما سبق أن أوضحت في غير هذا الدرس هي مكونة من الألف واللام التي تدل على استغراق الجنس أو الأجناس وكلمة (حمد) ويكون معنى الحمد معناه جميع أجناس المحامد هي لله جل وعلا استحقاقاً فقوله هنا: (الحمد لله) أفادنا أن كل أنواع المحامد لله جل وعلا وقد ذكرت لك فيما مضى أن أنواع المحامد لله جل وعلا كثيرة تجتمع في خمسة وهي:

حمده جل وعلا على تفرّده بالربوبية دون مشارك له فيها وآثار الربوبية في خلقه أجمعين،
حمده جل وعلا على كونه ذا الألوهية على خلقه أجمعين وأنه المستحق للعبادة وحده دونما سواه،
حمده جل وعلا على ما له من الأسماء الحسنى والصفات العلا،
حمده جل وعلا على شرعه وأمره ودينه،
حمده جل وعلا على قضائه وقدره وما أجرى في كونه،
وهذه هي أنواع المحامد أو جِماع أنواع المحامد وقد مرت بك مفصَّلة في أول شرح زاد المستقنع في الأسبوع الماضي.
وقوله هنا: (لله) اللام هنا للاستحقاق فإذا كان ما قبل اللام من المعاني لا من الأعيان فإنها تفيد الاستحقاق وقد يكون مع الاستحقاق المِلك والله جل وعلا له جميع أنواع المحامد استحقاقاً يستحقها وهو جل وعلا مالك لها فله جميع المحامد مِلكاً واستحقاقاً مُلكاً له واستحقاقاً له جل وعلا.
وقوله هنا: (الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق) هذا اقتباس من آية في آخر سورة الفتح وهي قوله تعالى {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا }، والهدى هو العلم النافع مما جاء في الكتاب والسنة، الله جل وعلا أرسل رسوله بالهدى وهو العلم النافع سواء في ذلك ما كان من باب الأخبار وهي أبواب الاعتقاد أو من باب الأمر والنهي، وهذا كله العلم النافع الذي يورث الهدى وهو هدى في نفسه يعني مرشداً ودالاً على الطريق التي هي أقوم وكذلك يورث الهدى الكامل في الدنيا وفي الآخرة، وأما دين الحق: فقد فسرها السلف بأنه العمل الصالح الأعمال النافعة، الأعمال الصالحة للمؤمن في نفسه وللناس في أنفسهم وكما يقال للمجتمعات وللأمم بأجمعها، الله جل وعلا أرسل رسوله بالهدى يعني بالعلم النافع وبدين الحق الذي هو العمل الصالح وكفى بالله شهيدا، كفى بالله شهيدا على ما ذكر فالله جل وعلا هو الذي شهد بأن ما بعث به رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الهدى وهو دين الحق وشهادة الله جل وعلا فوق كل شهادة؛ إذ لا أعلم من الله ولا شاهد يُكتفى به إلا الله جل وعلا في هذه المسائل العظيمة أو ما أوحى به إلى رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمن أتته شهادة الله جل وعلا كفى بها شهادة.
إذا كان كذلك فمن المتقرر أن نصوص الكتاب والسنة التي وصفت في هذه الآية بأنها الهدى قد اشتملت على أنواع الأخبار التي هي في الأمور الغيبية عن الله جل وعلا وعن أسمائه وصفاته وعمَّا يكون في يوم المعاد من الأمور الغيبية، وإذا كانت هذه النصوص في هذه الأمور الخبرية وكذلك ما أخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه الأمور قد وصفها الذي يُكتفى بشهادته بأنها هدى فيُعلم منه أن من لم يرضى بكون هذه النصوص وما دلت عليه -الهدى الكامل والشفى الكامل فإنه يتضمن ذلك أنه لم يكتفِ بشهادة الله جل وعلا. وهذا هو ما صنعه الذين سلكوا مسلك البدع من أنواع الفرق كالخوارج والمرجئة والقدرية والمعتزلة والجهمية والأشاعرة والماتُريدية فإن كل فرقة من هذه الفرق لم ترتض نصوص الكتاب والسنة ولم تجعلها كافية بل أعملت في ذلك إما بعقولها أو بأقيسة ضالة, فمن أخذ بما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وهي القاعدة العظيمة في الاعتقاد بأننا لا نتجاوز في الاعتقاد القرآن والحديث كما قال الإمام أحمد بهذا الأصل قال: (نُمرها كما جاءت) أي في نصوص الصفات (لا نتجاوز القرآن والحديث) يعني لا نتأول كما تأول المتأولة ولا نعطل كما عطل المعطلة ولا نشبه أو نمثل كما مثل المجسمة أو مثل الممثلة وإنما لا نتجاوز القرآن والحديث؛ وذلك لأن أهل السنة قد اكتفوا بشهادة الله جل وعلا في هذه الآية بأن ما أرسل به رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الهدى وهو دين الحق فقبلوه ولم يتجاوزوا القرآن والحديث..
قال بعد ذلك (وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً) وهذه تحتاج إلى شيء من التفصيل وذلك أن قوله هنا: (وأشهد) هذه الشهادة معناها الاعتراف والإقرار الذي يتبعه إعلام وإخبار؛ لأن الشهادة تشمل اعتقاد القلب وإخبار اللسان, فمن اعتقد بقلبه دون أن يتكلم بلسانه لم يُعَدَّ شاهداً ومن تكلم بلسانه كحال المنافقين ولم يعتقد بقلبه لم يكن شاهداً بما دلت عليه كلمة التوحيد، إذاً الشهادة في قولـه: (وأشهد) يعني أعتقد وأعترف وأقرّ لله بأنه هو المستحق للعبادة وحده دونما سواه وأُخبر وأُعلم بذلك بأن الله جل وعلا هو المستحق للعبادة دون ما سواه وهذا هو الذي فسر به قوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط}، شهد الله: يعني أعلم وأخبر، والملائكة شهدوا بذلك أعلموا وأخبروا بذلك واعتقدوا ذلك وأولوا العلم من خلقه شهدوا ذلك بمرتبتين مرتبة الاعتقاد ومرتبة القول.
قال: (وأشهد أن لا إله إلا الله), و(أن) هاهنا هي التفسيرية, وضابطها أنها هي التي تأتي بعد كلمة فيها معنى القول دون حروف القول كـ أشهد, ونادى, وأوحى, وقضى, وأمر, ووصى, ونحو ذلك..، فـ (أن): إذا أتت بعد هذه الألفاظ أو نحوها مما فيه معنى القول دون حروف القول هي التفسيرية لأن ما بعدها يفسر ما قبلها كالتي جاءت في قول الله جل وعلا {ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا.. } الآية.
(لا إله إلا الله), (وأشهد أن لا إله إلا الله), وهذه الكلمة هي كلمة التوحيد ولها ركنان: النفي والإثبات، النفي المستفاد من قوله: (لا إله) والإثبات المستفاد من قوله: (إلا الله) النفي: نفي استحقاق العبادة عن كل أحد وإثبات استحقاق العبادة في الله جل وعلا، فركنا هذه الكلمة النفي والإثبات فمن نفى ولم يثبت لم يكن قد أتى بهذه الشهادة, بهذه الكلمة على صحتها إذا أتى بركن ولم يأت بالثاني وكذلك من أثبت ولم ينفي فإنه لم يأتي بما دلت عليه هذه الشهادة, فلا بد أن يجتمع في حق الشاهد أنه ينفي استحقاق العبادة عن أحد ويثبت استحقاق العبادة لله جل وعلا وحده دونما سواه, والمشركون كانوا يثبتون ولا ينفون، يقولون: إن الله جل جلاله مستحق للعبادة, فهو مستحق لأن يعبد لكنهم لا ينفون ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم قولوا كلمة – لما قال لأبي طالب –قال: ((قل كلمة أحاج لك بها عند الله)) فأبى أن يقول وقال للمشركين ذلك، فقالوا: نقول: عشر كلمات, فلما قال لهم قولوا لا إله إلا الله أبوا ذلك لأنهم يعلمون أنه لا يصلح الإقرار بهذه الكلمة إلا بالجمع بين النفي والإثبات وهم إنما يثبتون لله جل وعلا أنه معبود وأنه يعبد لكن ينفون كونه جل وعلا أحداً في استحقاقه للعبادة. قال سبحانه: {إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون} وقال جل وعلا في سورة ص مخبراً عن قولهم: {أجعل الآلهة إلهاً واحداً} وهذا هو الذي صنعه المشركون فيما بعدهم من مشركي هذه الأمة فإنهم أتوا بركن من أركانه من ركني كلمة التوحيد ألا وهو الإثبات فقالوا إن الله جل جلاله مستحق للعبادة لكن قالوا يمكن أن يكون معه من يستحق شيئاً من أنواع العبادة لكن لا على وجه الأصالة ولكن على وجه الواسطة وهذا من الأمور المهمة التي ينبغي العناية بها وهي أن كلمة التوحيد لها ركنان ركن النفي وركن الإثبات.
أما معناها فإن الإله في قوله: (لا إله) هو المعبود عن محبة وتعظيم لأن مادة أله في اللغة والتي جاء بها القرآن معناها (العبادة) عَبَدَ, أَلَهَ, بمعنى: عبد مع المحبة والتعظيم, والألوهه هي العبادة مع المحبة والتعظيم فالإله هو المعبود مع المحبة والتعظيم ويدل له من قول العرب قول الشاعر في رَجَزِهِ المشهور:

للهِ درُّ الغَانياتِ المدَّه = سبَّحنَ واسْتَرْجَعْنَ مِنْ تَأَلُّهي
يعني: من عبادتي.
وعليه قراءة ابن عباس في آية الأعراف في قوله تعالى: {ويذرك وإلاهتك} يعني: وعبادتك، فإذن معنى الإله والألوهة في كلام العرب يعني العبادة مع المحبة والتعظيم.
وهذا ينبئ ويثبت أن قول الأشاعرة والماتريدية والمتكلمين في معنى الإله أنه قول باطل حيث إنهم قالوا إن معنى الإله هو القادر على الاختراع، الإله عند المتكلمين ومن حذا حذوهم ونحا نحوهم من الأشاعرة والماتريدية ونحوهم يقولون: الإله هو القادر على الاختراع وهذا هو معنى الرب أما الإله فليس فيه معنى الخلق ولا القدرة على الخلق ولا القدرة على الاختراع وإنما فيه معنى العبادة.
ويقول آخرون من الأشاعرة والماتريدية ونحوهم: إن لإله هو المستغني عما سواه المفتقر إليه ما عداه كما قالها السنوسي في عقيدته المشهورة التي يسميها أصحابها ( أم البراهين ) يقول فيها ما نصه يقول: " فالإله هو المستغني عما سواه المفتقر إليه كل ما عداه, فمعنى لا إله إلا الله – هذا من تتمة كلامه –فمعنى لا إله إلا الله: لا مستغنياً عما سواه ولا مفتقراً إليه كل ما عداه إلا الله " ففسر الألوهية بالربوبية وهذا من مناهج المتكلمين ومن عقيدة أهل الكلام إذ إنهم يفسرون الإله بالرب ويفسرون الألوهية بالربوبية، وعلى هذا عندهم مَن اتخذ مع الله جل وعلا إلهاً آخر يعبده يرجوه يخافه يدعوه يستغيث به ينذر له يذبح له فإنه لا يكفر بذلك عندهم لأنه لم يخالف ما دلت عليه كلمة التوحيد إذا كان معتقداً عندهم بأن الله جل وعلا هو المتفرد وحده بالقدرة على الاختراع وبالاستغناء عما سواه وبافتقار كل شيء إليه جل وعلا.
فإذاً معنى لا إله: ليس معناها الربوبية وإنما معناها لا معبود, وخبر لا النافية للجنس محذوف, والعرب تحذف خبر لا النافية للجنس إذا كان المراد مع حذفه ظاهراً واضحاً لا إشكال فيه. وهذا على ما قال ابن مالك -رحمه الله- في الألفية يقول: وشاع في ذا الباب – يعني باب لا النافية للجنس-
وشاع في ذا الباب إسقاط الخبر =إذا المراد معْ سقوطه ظهر
وهنا في قوله: (لا إله إلا الله)، ما خبر لا ؟ لم يُذكر لأنه معروف، لأن المعركة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين من بُعث إليهم كانت معروفة أنها لم تكن في نفي آلهة موجودة وإنما كانت في نفي استحقاق شيء من هذه الآلهة للعبادة، ولهذا قدر أهل العلم الخبر المحذوف بأنه كلمة (حق) لا إله حق إلا الله. أو لا معبود بحق إلا الله، ومعنى ذلك أن كل معبود سوى الله جل وعلا فإنه معبود بغير الحق, معبود بالباطل بالبغي بالظلم بالعدوان ليس بحق، وإنما المعبود بحق هو الله جل وعلا.
ثم قال هنا: (إلا الله) و(إلا) هذه إما أن تكون أداة حصر وإما أن تكون أداة استثناء ملغاة ولفظ الجلالة بعدها بدل من (لا) مع اسمها لأنه في محل رفع بالابتداء. تحقيق لا إله إلا الله بأن لا يعبد إلا الله فمن قال لا إله إلا الله وشهد بها يحققها إذا لم يعبد إلا الله جل وعلا لم يتوجه في شيء من أنواع العبادة إلا إلى الله جل وعلا. بهذا نقول تحقيق الشهادتين, تحقيق الشهادتين يكون بتحقيق لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتحقيق الأولى بأن لا تعبد إلا الله جل وعلا وتحقيق الثانية بأن لا يعبد الله إلا بما شرع رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال هنا: (وحده لا شريك له), وهذا من التأكيد بعد التأكيد, قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري على قوله وحده لا شريك له، قال: تأكيد بعد تأكيد لبيان مقام التوحيد، وأن الله جل وعلا في استحقاقه العبادة وحده لا شريك له في ذلك قال فهنا (لا شريك له) وأنواع إدعاء الشريك كثيرة ومجملها أن إدُّعي له الشريك جل وعلا في ربوبيته وأن ثم ظهير معه يصرف معه الأمر وادُّعي أن معه شريك في استحقاق العبادة وادعي أن معه شريك في أسمائه وصفاته على وجه الكمال وادعي أن معه شريك في الأمر والنهي في التشريع وادعي أن معه شريك في الحكمة التي قضاها في كونه كما يقول الفلاسفة ونحوهم إذاً أنواع الاشتراك التي ادعي أن ثم من يشارك الله جل وعلا فيها كثيرة وهذه الخمسة هي جماعها.
(لا شريك له) قال بعدها: (إقراراً به وتوحيداً) الإقرار: هو الإذعان والتسليم والاعتقاد بذلك، إقراراً به يعني بأنه وحده لا شريك له, (وتوحيداً)، التوحيد مصدر وحَّد يوحِّد، وقد جاء استعمالها في السنة, وقد جاء في بعض طرق حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل معاذاً إلى اليمن قال: ((إنك تأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه إلى أن يوحدوا الله)) رواه البخاري في صحيحه وغيره، إلى أن يوحدوا الله، فكلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إلى أن يوحدوا الله))؛ فمن دعى إلى توحيد الله معنى ذلك أنه يدعو إلى تحقيق الشهادتين وكذلك ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أهلَّ بالحج قال الراوي: أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، كان أهل الشرك يهلون بكذا وكذا وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، فإذاً كلمة التوحيد موجودة في السنة ومستعملة.
ودين الإسلام هو دين التوحيد والتوحيد أربعة أنواع, توحيد الله ثلاثة أنواع وهي: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات, قسمها العلماء إلى هذه القسمة الثلاثية دليلهم فيها استقراء نصوص الكتاب والسنة ويكثر ذلك في كلام ابن جرير الطبري -رحمه الله- في التفسير وكلام ابن عبد البر -رحمه الله- في كتبه ثم شاعت في كلام العلماء وأشهرها كثيراً شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-.
فتوحيد الله ثلاثة أقسام:
توحيد الربوبية: وهو توحيد الله جل وعلا بأفعاله يعني اعتقاد أن الله جل وعلا واحد في أفعاله, واحد في خلقه لا شريك له واحد في جميع معاني الربوبية فهو جل وعلا المتفرد بالخلق وبالرزق وبالإحياء والإماتة وبتدبير الأمر وبتصريف هذا الملكوت وبأنه الذي يجير ولا يجار عليه وأنه الذي ينـزل الغيث وأنه الذي يحيي ويميت ويقبض ويبسط ونحو ذلك من معاني الربوبية.
والثاني توحيد الألوهية: وهو توحيد الله بأفعال العباد، فتوحيد الربوبية توحيد الله بأفعاله هو, وهذا يقر به أهل الشرك فإنهم يوحدون الله في أفعاله كما قال تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله} وقال تعالى: {قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت و يخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله}, ونحو ذلك فهم مقرون بتوحيد الله بأفعاله، يعني غالب العرب. أو بأكثر أفعال الله، وأما توحيد الألوهية فهو توحيد العبادة، توحيد الله بأفعال العباد، فإذاً توحيد الألوهية راجعٌ إلى فعل العبد، وتوحيد الربوبية راجع إلى فعل الله جل وعلا.
والثالث: توحيد الأسماء والصفات: ومعناه اعتقاد أن الله جل وعلا هو المتوحد في استحقاقه لما بلغ في الحسن نهايته من الأسماء, ولما بلغ غاية الكمال من النعوت والصفات، الله جل وعلا لا يماثله أحد بأسمائه وصفاته كما قال: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}, هذه ثلاثة أنواع هي أنواع توحيد الله جل وعلا.
النوع الرابع: توحيد دلت عليه شهادة أن محمداً رسول الله وهو أن لا يعبد الله إلا بما شرع ويسمى عند طائفة من أهل العلم توحيد المتابعة، يعني: أن يكون المرء متابعاً للنبي صلى الله عليه وسلم وحده، فلا أحد يستحق المتابعة على وجه الكمال إلا النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال ابن القيم في نونيته:
فلواحد كن واحداً في واحدٍ =أعني سبيل الحق والإيمان
وهذا التعبير توحيد المتابعة استعمله ابن القيم واستعمله شارح الطحاوية واستعمله جماعة من أهل العلم.
بعض أهل العلم يقسم التوحيد إلى قسمين، يقول:التوحيد قسمان: توحيد قولي اعتقادي وتوحيد فعلي إرادي،

وقولهم توحيد قولي اعتقادي: هذا يشمل توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، لأن توحيد الربوبية قولي واعتقادي وتوحيد الأسماء والصفات قولي واعتقادي.
وقولهم القسم الثاني: توحيد فعلي إرادي، هذا يعنون به ما يتعلق بفعل المكلف وهو على قسمين –أعني فعل المكلف-: أفعال القلوب وأفعال الجوارح, وهذه يجب توحيد الله جل وعلا فيها: أفعال القلوب وأفعال الجوارح، أفعال القلوب مثل:الخوف والرجـاء والمحبة والرغبة والرهبة ونحو ذلك، وأفعال الجوارح مثل: الدعاء والاستغاثة والذبح والنذر ونحو ذلك.
قال بعد هاهنا: (وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً مزيداً)

الوجه الثاني
(وأشهد): يعني اعتقد وأُخبر وأعلم أن محمداً -محمد بن عبد الله القرشي- أنه عبد الله, ليس إلهاً وليس ملكاً وإنما هو عبد من عبيد الله شرفه الله جل وعلا بالرسالة، عبد الله ورسوله؛ فلا يدعى فيه أكثر من أنه رسول من الله جل وعلا وكفى بها مرتبة وكفى بها منزلة. وهذه الشهادة تقتضي يعني اعتقاد أنه رسول الله تجب طاعته فيما أمر وأن يصدق فيما أخبر وأن يجتنب ما عنه نهى وزجر وأن لا يعبد الله إلا بما شرع, والمشهور أن هذا معنى الشهادة بأن محمداً رسول الله وهذا من مقتضياتها ومعناها الذي تقتضيه، أما معناها الأول فهو اعتقاد وإعلام وإخبار بأن محمداً عبد من عبيد الله ورسول من المرسلين الذين أرسلهم الله جل وعلا.
هنا في قوله: (رسوله): تنبيه, وهو أن لفظ الرسول يختلف عن لفظ النبي وأيضاً معنى الرسول يختلف عن معنى النبي؛ فالرسول من الإرسال وهو البعث وأما النبي فهو من النبوة وهي رفعة المنزلة، هذا من حيث اللغة، في بعض القراءات السبعية المتواترة (النبيء) و (النبوءة) يعني (النبيء): {يا أيها النبيء}, ويكون منها النبوءة وهي من الإنباء وهو الإعلام بالوحي، وأما في المعنى مثل الاصطلاح فهناك فرق بينهما والفرق أن النبي: هو من أوحي إليه بشرع ولم يُأمر بتبليغه أو أُمر بتبليغه إلى قوم موافقين، وأما الرسول: فهو من أوحي إليه بكتاب أو بشرع وأُمر بتبليغه إلى قوم مخالفين، وعلى هذا يصح الكلية التي يعبر بها العلماء وهي أن: كل نبي رسول وليس كل رسول نبياً.
قال هنا: (صلى الله عليه)، هذا سؤال أن يثني الله على نبيه محمد إذ الصلاة من الله جل وعلا: الثناء, كما أوضحت لكم ذلك مفصلا في أول شرح زاد المستقنع, قال: (وعلى آله وسلم تسليماً مزيداً), وذلك امتثالا لقول الله جل وعلا: {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً}, وبيَّنْتُ هناك أحكام الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لمناسبتها لدرس الفقه.


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الواسطية, خطبة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:49 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir