دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 06:53 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الاسم والكنية واللقب


واسْمًا أَتَى وكُنيَةً ولَقَبَا =وأَخِّرَنْ ذا إنْ سِواهُ صَحِبَا
وإنْ يَكونا مُفرَدَيْنِ فأَضِفْ =حَتْمًا وإلَّا أَتْبِع الذي رَدِفْ


  #2  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 11:19 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

واسْماً أَتَى وكُنْيَةً ولَقَبَا = وأَخِّرَنْ ذَا إِنْ سِوَاهُ صَحِبَا([1])
يَنْقَسِمُ العَلَمُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ: إلى اسمٍ وكُنْيَةٍ ولَقَبٍ، والمرادُ بالاسمِ هنا: ما ليسَ بكُنْيَةٍ ولا لَقَبٍ؛ كزَيْدٍ وعَمْرٍو، وبالكُنْيَةِ: ما كانَ في أوَّلِهِ أَبٌ أو أُمٌّ، كأبي عبدِ اللهِ، وأُمِّ الخَيْرِ، وباللَّقَبِ: ما أَشْعَرَ بمدحٍ؛ كزَيْنِ العابِدِينَ، أو ذَمٍّ؛ كأنفِ الناقةِ.
وأشارَ بقولِه: (وَأَخِّرَنْ ذَا. إلخ) إلى أنَّ اللَّقَبَ إذَا صَحِبَ الاسمَ وَجَبَ تَأْخِيرُه؛ كزيدٍ أَنْفِ الناقةِ، ولا يَجُوزُ تقديمُه على الاسمِ؛ فلا تقولُ: أنفُ الناقةِ زيدٌ، إلا قليلاً، ومِنه قولُه:
22- بأنَّ ذَا الكَلْبِ عَمْراً خَيْرَهُمْ حَسَبًا = بِبَطْنِ شِرْيَانَ يَعْوِي حَوْلَهُ الذِّيبُ([2])
وظاهِرُ كلامِ المصنِّفِ أنه يَجِبُ تأخيرُ اللَّقَبِ إذا صَحِبَ سِوَاهُ، ويَدْخُلُ تحتَ قَوْلِهِ: (سِوَاهُ) الاسمُ والكُنْيَةُ، وهو إنما يَجِبُ تَأْخِيرُه معَ الاسمِ، فأمَّا معَ الكُنْيَةِ فأنتَ بالخِيَارِ ([3]) بينَ أنْ تُقَدِّمَ الكُنْيَةَ على اللَّقَبِ فتقولَ: أبو عبدِ اللهِ زَيْنُ العابدينَ، وبينَ أنْ تُقَدِّمَ اللَّقَبَ على الكُنْيَةِ فتقولَ: زَيْنُ العابدينَ أبو عبدِ اللهِ، ويُوجَدُ في بعضِ النُّسَخِ بَدَلَ قولِه: (وَأَخِّرَنْ ذَا إِنْ سِوَاهُ صَحِبَا) (وذَا اجْعَل اخِراً إِذَا اسْماً صَحِبَا) وهو أحسنُ مِنه؛ لسلامتِه ممَّا وَرَدَ على هذا؛ فإنَّه نصٌّ في أنه إنَّما يَجِبُ تأخيرُ اللَّقَبِ إذَا صَحِبَ الاسمَ، ومفهومُه: أنه لا يَجِبُ ذلك معَ الكُنْيَةِ، وهو كذلك كما تَقَدَّمَ، ولو قالَ: (وأَخِّرَنْ ذَا إِنْ سِوَاهَا صَحِبَا) لَمَا وَرَدَ عليه شيءٌ؛ إذ يَصِيرُ التقديرُ: وأَخِّرِ اللَّقَبَ إذَا صَحِبَ سِوَى الكُنْيَةِ، وهو الاسمُ، فكأنه قالَ: وأَخِّرِ اللَّقَبَ إِذَا صَحِبَ الاسمَ.
وإنْ يَكُونَا مُفْرَدَيْنِ فَأَضِفْ = حَتْماً وَإِلاَّ أَتْبِعِ الَّذِي رَدِفْ([4])
إذَا اجْتَمَعَ الاسمُ واللَّقَبُ فإمَّا أنْ يَكُونَا مُفْرَدَيْنِ أو مُرَكَّبَيْنِ، أو الاسمُ مُرَكَّباً واللَّقَبُ مُفْرَداً، أو الاسمُ مُفرداً واللَّقَبُ مُرَكَّباً.
فإنْ كانَا مُفْرَدَيْنِ وَجَبَ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ الإضافةُ ([5])، نحوُ: هذا سعيدُ كُرْزٍ، ورَأَيْتُ سعيدَ كُرْزٍ، ومَرَرَتُ بسعيدِ كُرْزٍ، وأَجَازَ الكُوفِيُّونَ الإتباعَ، فتقولُ: هذا سعيدٌ كُرْزٌ، ورَأَيْتُ سَعِيداً كُرْزاً، ومَرَرْتُ بسعيدٍ كُرْزٍ، ووَافَقَهُم المصنِّفُ على ذلكَ في غيرِ هذا الكتابِ.
وإنْ لم يَكُونَا مُفْرَدَيْنِ، بأنْ كانا مُرَكَّبَيْنِ، نحوَ: عبدُ اللهِ أنفُ الناقةِ، أو مُرَكَّباً ومُفرداً – نحوَ: عبدُ اللهِ كُرْزٌ، وسعيدٌ أنفُ الناقةِ - وَجَبَ الإتباعُ، فتُتْبِعُ الثانِيَ الأَوَّلَ في إعرابِه، ويَجُوزُ القطعُ إلى الرفعِ أو النصبِ، نحوُ: مَرَرْتُ بزيدٍ أَنْفُ الناقةِ، وأنفَ الناقةِ، فالرفعُ على إضمارِ مبتدأٍ، والتقديرُ: هو أنفُ الناقةِ، والنصبُ على إضمارِ فِعلٍ، والتقديرُ: أعني أنفَ الناقةِ. فيُقْطَعُ معَ المرفوعِ إلى النصبِ، ومعَ المنصوبِ إلى الرفعِ، ومعَ المجرورِ إلى النصبِ أو الرفعِ، نحوُ: هذا زيدٌ أنفَ الناقةِ، ورَأَيْتُ زيداً أنفُ الناقةِ، ومَرَرْتُ بزيدٍ أنفَ الناقةِ وأنفُ الناقةِ.

([1]) (واسْماً) حالٌ مِن الضميرِ المُسْتَتِرِ في أَتَى، (أَتَى) فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى العَلَمِ، (وكُنْيَةً، وَلَقَباً) معطوفانِ على قولِه: اسْماً، (وأَخِّرَنْ) الواوُ حرفُ عطفٍ، أَخِّر: فعلُ أمرٍ مبنيٌّ على الفتحِ لاتصالِه بنونِ التوكيدِ الخفيفةِ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وجوباً تقديرُه أنتَ، (ذَا) مفعولٌ به لأَخِّر، وهو اسمُ إشارةٍ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ نصبٍ، (إِنْ) حرفُ شرطٍ، (سِوَاهُ) سِوَى: مفعولٌ به مقدَّمٌ لصَحِبَ، وسِوَى مضافٌ، وضميرُ الغائبِ العائدُ إلى اللقبِ مضافٌ إليه، (صَحِبَا) صَحِبَ: فعلٌ ماضٍ فعلُ الشرطِ، مبنيٌّ على الفتحِ في محلِّ جَزْمٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى اللقبِ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ، والتقديرُ: إنْ صَحِبَ اللَّقَبُ سِوَاهُ فأَخِّرْهُ.

([2]) البيتُ لجنوبَ أُخْتِ عمرٍو ذي الكلبِ بنِ العَجْلانِ أحدِ بَنِي كَاهِلٍ، وهو مِن قصيدةٍ لها تَرْثِيهِ بِها، وأوَّلُها:
كلُّ امْرِئٍ بمِحَالِ الدَّهْرِ مَكْذُوبُ = وكلُّ مَن غَالَبَ الأَيَّامَ مَغْلُوبُ
اللغةُ: (مِحَالُ الدهرِ) بكسرِ الميمِ، بزِنَةِ كتابٍ: كَيْدُه أو مَكْرُه، وقيلَ: قُوَّتُه وشِدَّتُه، (شِرْيَانَ) ـ بكسرِ أوَّلِهِ وسكونِ ثانيه ـ موضعٌ بعينِه، أو وادٍ، أو هو شجرٌ تُعْمَلُ منه القِسِيُّ، (يَعْوِي حولَه الذِّيبُ) كِنايةٌ عن موتِه، والباءُ مِن قولِها: (بأنَّ) مُتَعَلِّقَةٌ بأَبْلِغْ في بيتٍ قبلَ بيتِ الشاهدِ، وهو قولُها:
أَبْلِغْ هُذَيْلاً وأَبْلِغْ مَن يُبَلِّغُهُمْ = عَنِّي حَدِيثاً، وبعضُ القولِ تَكْذِيبُ
الإعرابُ: (بأنَّ) الباءُ حرفُ جرٍّ، وأنَّ: حرفُ توكيدٍ ونصبٍ، (ذَا) بمعنى صاحبٍ: اسمُ أنَّ، منصوبٌ بالألفِ نيابةً عن الفتحةِ؛ لأنَّه من الأسماءِ الستَّةِ، وذا مضافٌ و(الكَلْبِ) مضافٌ إليه، (عَمْراً) بَدَلٌ مِن ذا، (خَيْرَهُمْ) خيرَ: صفةٌ لعَمْراً، وخيرَ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (حَسَبًا) تمييزٌ، (بِبَطْنِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرِ أنَّ، وبَطْنِ مضافٌ و(شِرْيَانَ) مضافٌ إليه، (يَعْوِي) فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ بضمَّةٍ مقدَّرَةٍ على الياءِ للثِّقَلِ، (حَوْلَهُ) حولَ: ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بيَعْوِي، وحولَ مضافٌ وضميرُ الغائبِ العائدُ إلى عمرٍو مضافٌ إليه، (الذِّيبُ) فاعلُ يَعْوِي، والجملةُ من يَعْوِي وفاعلِه في محلِّ نصبِ حالٍ مِن عمرٍو، ويجوزُ أنْ يكونَ قَوْلُها: (بِبَطْنِ) جارًّا ومجروراً مُتَعَلِّقاً بمحذوفٍ حالٍ مِن عمرٍو، وتكونُ جملةُ (يَعْوِي إلخ) في محلِّ رفعِ خبرِ أنَّ، وأنَّ وما دَخَلَتْ عليه في تأويلِ مصدرٍ مجرورٍ بالباءِ، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بأَبْلِغْ في البيتِ الذي أَنْشَدْنَاهُ.
الشاهدُ فيه: قولُها: (ذَا الْكَلْبِ عَمْراً) حيثُ قَدَّمَتِ اللقبَ ـ وهو قولُها: (ذا الكلبِ) ـ على الاسمِ، وهو قولُها: (عمراً)، والقياسُ أنْ يكونَ الاسمُ مقدَّماً على اللَّقَبِ، ولو جاءَتْ بالكلامِ على ما يَقْتَضِيهِ القياسُ لقَالَتْ: (بأنَّ عَمْراً ذا الكَلْبِ).
وإنما وَجَبَ في القياسِ تقديمُ الاسمِ وتأخيرُ اللقبِ؛ لأنَّ الاسمَ يَدُلُّ على الذاتِ وحدَها، واللَّقَبَ يَدُلُّ عليها وعلى صفةِ مدحٍ أو ذمٍّ، كما هو معلومٌ، فلو جِئْتَ باللقبِ أوَّلاً لَمَا كانَ لذِكْرِ الاسمِ بعدَه فائدةٌ، بخلافِ ذِكْرِ الاسمِ أوَّلاً؛ فإنَّ الإتيانَ بعدَه باللقبِ يُفِيدُ هذه الزيادةَ.
ومثلُ هذا البيتِ في تقديمِ اللقبِ على الاسمِ قولُ أَوْسِ بنِ الصَّامِتِ بنِ قَيْسِ بنِ أَصْرَمَ الأَنْصَارِيِّ الخَزْرَجِيِّ.
أنا ابنُ مُزَيْقِيَا عَمْرٍو، وجَدِّي = أَبُوهُ عَامِرٌ مَاءُ السَّماءِ
والشاهدُ في قَوْلِهِ: (مُزَيْقِيَا عَمْرٍو)؛ فإنَّ (مُزَيْقِيَا) لقبٌ، و(عمرٌو) اسمُ صاحبِ اللقبِ، وقد قُدِّمَ هذا اللقبُ على الاسمِ كما تَرَى، أما قولُه: (عامرٌ ماءُ السماءِ) فقد جاءَ على الأصلِ؛ لأنَّ عامراً اسمٌ، وماءَ السماءِ لقبٌ، وقد قُدِّمَ الاسمُ وأُخِّرَ اللَّقَبُ.
([3]) هذا الذي ذكَرَه الشارِحُ هو ما ذَكَرَه كِبارُ النَّحْوِيِّينَ مِن جَوَازِ تقديمِ الكُنْيَةِ على اللقبِ أو تأخيرِها عنه، والذي نُرِيدُ أنْ نُنَبِّهَ عليه أنَّ الشارحَ وغيرَه ـ كصاحبِ (التوضيحِ) ابنِ هِشامٍ الأنصاريِّ ذَكَرُوا أنَّ قولَ ابنِ مَالكٍ:
* وأَخِّرَنْ ذَا إِنْ سِوَاهُ صَحِبَا *
مُوهِمٌ لخلافِ المرادِ، مُعْتَمِدِينَ في ذلك على مَذْهَبِ جَمْهَرَةِ النُّحاةِ، لكنْ قالَ السُّيُوطِيُّ في هَمْعِهِ: إنْ كانَ -أي: اللقبُ - معَ الكُنْيَةِ فالذي ذَكَرُوه جوازُ تَقَدُّمِهِ عليها وتَقَدُّمِها عليه، ومُقْتَضَى تعليلِ ابنِ مالكٍ امتناعُ تقديمِه عليها، وهو المختارُ.
وهذا يُفِيدُ أنَّ الذي يُوهِمُه كلامُ المصنِّفِ مقصودٌ له، وأنَّ مذهبَه وجوبُ تأخيرِ اللقبِ على ما عَدَاهُ، سواءٌ أكانَ ما عداه اسماً أم كُنْيَةً، وكُنْتُ قد كَتَبْتُ على هامشِ نُسْخَتِي تصحيحاً لبيتِ المصنِّفِ هذا نَصُّه: (وأَخِّرَنْ هَذَا إِنِ اسْماً صَحِبَا) ثمَّ ظَهَرَ لي أنه لا يَجُوزُ تصحيحُ العبارةِ بشيءٍ مما ذَكَرْنَاهُ وذَكَرَه الشارحُ أو غيرُه.
وعبارةُ ابنِ هِشامٍ في (أوضحِ المسالكِ) تُفيدُ أنَّ هذه العبارةَ التي اعْتَرَضَها الشارحُ قد وَرَدَتْ على وجهٍ صحيحٍ في نظرِ الجمهورِ، قالَ ابنُ هشامٍ: (وفي نسخةٍ من الخُلاَصةِ ما يَقْتَضِي أنَّ اللقبَ يَجِبُ تأخيرُه عن الكُنْيَةِ؛ كأبي عبدِ اللهِ أنفِ الناقةِ، وليسَ كذلكَ) اهـ.
ومعنَى ذلك أنه قد وَرَدَتْ في النسخةِ المعتمدةِ عندَه على الوجهِ الصحيحِ في نظرِ الجمهورِ، وقد ذَكَرَ الشارحُ هنا نصَّ هذه النسخةِ.
([4]) (إنْ) حرفُ شرطٍ، (يَكُونَا) فعلٌ مضارعٌ متصرِّفٌ مِن كانَ الناقصةِ فعلُ الشرطِ مجزومٌ بإنْ، وعلامةُ جزمِه حذفُ النونِ، والألفُ اسمُها مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ رفعٍ، (مُفْرَدَيْنِ) خبرُ يكونُ منصوبٌ بالياءِ المفتوحِ ما قبلَها المكسورِ ما بعدَها؛ لأنَّه مثنًّى، (فأَضِفْ) الفاءُ واقعةٌ في جوابِ الشرطِ، وأَضِفْ: فعلُ أمرٍ مبنيٌّ على السكونِ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وجوباً تقديرُه أنتَ، والجملةُ في محلِّ جزمِ جوابِ الشرطِ، (حَتْماً) مفعولٌ مطلَقٌ عامِلُه محذوفٌ، (وإِلاَّ) الواوُ عاطفةٌ، إلا: هو عبارةٌ عن حرفيْنِ أحدُهما إنْ، والآخرُ لا، فأُدْغِمَتِ النونُ في اللامِ، وإنْ حرفُ شرطٍ، ولا: نافيةٌ، وفعلُ الشرطِ محذوفٌ يَدُلُّ عليه الكلامُ السابقُ؛ أي: وإنْ لم يكونا مفرديْنِ، (أَتْبِع) فعلُ أمرٍ مبنيٌّ على السكونِ، وحُرِّكَ بالكسرِ للتخلُّصِ من التقاءِ الساكنيْنِ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وجوباً تقديرُه أنتَ، والجملةُ في محلِّ جزمِ جوابِ الشرطِ، وحَذَفَ الفاءَ مِنها للضرورةِ؛ لأنَّ جملةَ جوابِ الشرطِ إذا كانَتْ طَلَبِيَّةً وَجَبَ اقْتِرَانُها بالفاءِ، فكانَ عليه أنْ يقولَ: وإلاَّ فأَتْبِعِ، (الذي) اسمٌ موصولٌ مفعولٌ به لأَتْبِعْ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ نصبٍ، (رَدِفْ) فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى الذي، وجملةُ رَدِف وفاعلِه المُسْتَتِرِ فيه لا محلَّ لها من الإعرابِ؛ صلةُ الموصولِ، وهو (الذي).
([5]) وجوبُ الإضافةِ عندَهم مشروطٌ بما إذا لم يَمْنَعْ منها مانعٌ: كأنْ يكونَ الاسمُ مُقْتَرِناً بألْ، فإنَّه لا تَجُوزُ فيه الإضافةُ، فتقولُ: جاءني الحارثُ كُرْزٌ، بإتباعِ الثاني للأولِ بَدَلاً، أو عطفَ بيانٍ؛ إذ لو أَضَفْتَ الأولَ للثاني للَزِمَ على ذلكَ أنْ يكونَ المضافُ مقروناً بألْ والمضافُ إليه خالياً منها ومن الإضافةِ إلى المقترِنِ بها، وذلك لا يجوزُ عندَ جمهورِ النحاةِ.
قالَ أبو رَجَاءٍ غَفَرَ اللهُ تعالى له ولِوَالِدَيْهِ: بَقِيَ أنْ يُقالَ: كيفَ أَوْجَبَ البَصْرِيُّونَ هنا إضافةَ الاسمِ إلى اللقبِ إذا كانا مفرديْنِ, ولا مانِعَ، معَ أنَّ مذهبَهم أنه لا يَجوزُ أنْ يُضافَ اسمٌ إلى ما اتَّحَدَ به في المعنَى كما سيأتي في بابِ الإضافةِ.
ويُمْكِنُ أنْ يُجابَ عن هذا بأنَّ امتناعَ إضافةِ الاسمِ إلى ما اتَّحَدَ به في المعنى إنما هو في الإضافةِ الحقيقيَّةِ التي يُعْرَفُ فيها المضافُ بالمضافِ إليه، وإضافةُ الاسمِ إلى اللقبِ مِن قَبِيلِ الإضافةِ اللفظيَّةِ على ما اختارَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ.


  #3  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 11:23 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

فَصْلٌ: وَيَنْقَسِمُ أَيْضاً إِلَى اسْمٍ، وَكُنْيَةٍ، وَلَقَبٍ ([1]):
فَالْكُنْيَةُ: كُلُّ مُرَكَّبٍ إِضَافِيٍّ فِي صَدْرِهِ أبٌ أَوْ أُمٌّ، كَأَبِي بَكْرٍ، وأُمِّ كُلْثُومَ.
وَاللَّقَبُ: كُلُّ مَا أَشْعَرَ بِرِفْعَةِ المُسَمَّى أَوْ ضَعَتِهِ، كَزَيْنِ العَابِدِينَ، وَأَنْفِ النَّاقَةِ ([2]).
والاسمُ مَا عَدَاهُمَا، وَهُوَ الغالبُ ([3])، كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو.
وَيُؤَخَّرُ اللَّقَبُ عَنِ الاسْمِ، كـ (زَيْدٍ زَيْنِ الْعَابِدِينَ) وَرُبَّمَا يُقَدَّمُ كَقَوْلِهِ:

39 - أَنَا ابْنُ مُزَيْقِيَا عَمْرٍو وَجَدِّي
وَلا تَرْتِيبَ بَيْنَ الكُنْيَةِ وَغَيْرِهَا، قَالَ:
40 - أَقْسَمَ بِاللَّهِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرْ
وَقَالَ حَسَّانُ:
41 - وَمَا اهْتَزَّ عَرْشُ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ هَالِكٍ = سَمِعْنَا بِهِ إِلاَّ لِسَعْدٍ أَبِي عَمْرِو
وَفِي نُسْخَةٍ من (الخلاصةِ) مَا يَقْتَضِي ([4]) أَنَّ اللقبَ يَجِبُ تَأْخِيرُهُ عَن الكُنْيَةِ، كـ (أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنْفِ النَّاقَةِ) وَلَيْسَ كَذَلِكَ ([5]).
ثُمَّ إِنْ كَانَ اللقبُ وَمَا قَبْلَهُ مُضَافَيْنِ، كـ (ـعبدِ اللَّهِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ)، أَوْ كَانَ الأَوَّلُ مُفْرَداً وَالثَّانِي مُضَافاً، كـ (ـزَيْدٍ زَيْنِ الْعَابِدِينَ) أَوْ كَانَا بالعَكْسِ، كـ (ـعَبْدِ اللَّهِ كُرْزٍ) أَتْبَعْتَ الثَّانِيَ للأَوَّلِ إِمَّا بَدَلاً، أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ، أَوْ قَطَعْتَهُ عَن التَّبَعِيَّةِ، إِمَّا بِرَفْعِهِ خَبَراً لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ بِنَصْبِهِ مَفْعُولاً لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، وَإِنْ كَانَا مُفْرَدَيْنِ كـ (سَعِيدٍ كُرْزٍ) جَازَ ذَلِكَ وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ إِضَافَةُ الأَوَّلِ إِلَى الثَّانِي ([6])، وجُمْهُورُ الْبَصْرِيِّينَ يُوجِبُ هَذَا الْوَجْهَ، وَيَرُدُّهُ النَّظَرُ، وَقَوْلُهُم: (هَذَا يَحْيَى عَيْنَانُ) ([7]).

([1]) ظَاهِرُ كَلامِ المُؤَلِّفِ أَنَّ هَذِهِ الأقسامَ بِهَذِهِ المَعَانِي الَّتِي ذَكَرَهَا مُتَبَايِنَةٌ، وَلَكِنَّكَ لَوْ أَمْعَنْتَ النَّظَرَ وَجَدْتَهَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، انْظُرْ مَثَلاً إِلَى مُحَمَّدٍ، وَمَحْمُودٍ، ومَنْصُورٍ، وَمُرْتَضَى، تَجِدْهَا دَالَّةً عَلَى المَدْحِ مَعَ أَنَّهَا أَسْمَاءٌ، وَانْظُرْ إِلَى: أَبِي الْخَيْرِ، وَأُمِّ بَرَكَةَ، تَجِدْهَا دَالَّةً عَلَى المَدْحِ مع أَنَّهَا كُنًى حَسَبَ تَعْرِيفِهِ.

وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا أَنْ نَقُولَ: مَا سَمَّى الْوَالِدَانِ وَلَدَهُمَا بِهِ أَوَّلَ الأَمْرِ فَهُوَ اسْمٌ، سَوَاءٌ أَكَانَ دَالاًّ عَلَى مدحٍ أَوْ ذمٍّ أَمْ لا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ صَدْرُهُ أَباً أَوْ أُمًّا أَمْ لا، فَقَدْ يُسَمِّي الوَالِدَانِ وَلَدَهُمَا سَاعَةَ يُولَدُ بِأَبِي اليُسْرِ، فَهُوَ اسْمٌ وَإِنْ صُدِّرَ بِأَبٍ، وَقَدْ يُسَمِّي الوَالِدَانِ وَلَدَهُمَا سَاعَةَ يُولَدُ زَيْنَ الْعَابِدِينَ، فَهُوَ اسْمٌ وَإِنْ أَشْعَرَ بِمَدْحٍ، ثُمَّ مَا يُطْلَقُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى صاحبِ الاسمِ إِنْ صُدِّرَ بِأَبٍ أَوْ أُمٍّ فَهُوَ كُنْيَةٌ، وإلاَّ فَهُوَ لَقَبٌ وَلا بُدَّ حِينَئِذٍ أَنْ يُشْعِرَ بِمَدْحٍ أَوْ بِذَمٍّ، فَافْهَمْ.
([2]) مِنَ الَّذِينَ لُقِّبُوا بِزَيْنِ الْعَابِدِينَ: عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَنْفُ النَّاقَةِ: لَقَبُ جَعْفَرِ بْنِ قُرَيْعٍ، وَكَانَ بَنُوهُ يَأْنَفُونَ مِنْ هَذَا اللَّقَبِ، إِلَى أَنْ قَالَ الحُطَيْئَةُ فِي مَدْحِهِم:
قَوْمٌ هُمُ الأَنْفُ وَالأَذْنَابُ غَيْرُهُمُ = وَمَنْ يُسَوِّي بِأَنْفِ النَّاقَةِ الذَّنَبَا
فَصَارُوا يَفْخَرُونَ بِهِ، فَكَانَ ذَمًّا ثُمَّ صَارَ مَدْحاً.
([3]) إِنَّمَا كَانَ الاسمُ هُوَ الغالبَ؛ لأَنَّ كُلَّ إنسانٍ لَهُ اسْمٌ، وَلا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لَهُ لَقَبٌ أَوْ كُنْيَةٌ، فَالغَالِبُ هُنَا بِمَعْنَى الكثيرِ فِي مُقَابِلِ اللَّقَبِ وَالكُنْيَةِ.
39 - يَرْوِي النُّحَاةُ هَذَا الشَّاهِدَ صَدْرَ بَيْتٍ مِنَ الوافرِ، وَعَجُزُهُ:
أَبُوهُ مُنْذِرٌ مَاءُ السَّمَاءِ
وَهَذَا البيتُ مِنْ كَلامِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ أَصْرَمَ، وَهُوَ شَاعِرٌ خَزْرَجِيٌّ أَنْصَارِيٌّ، لَهُ صُحْبَةٌ برسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَهِدَ بَدْراً وَالمَشَاهِدَ كُلَّهَا، وَقَدْ كَانَ مِنْهُ أَوَّلُ ظِهَارٍ حَدَثَ فِي الإِسْلامِ، وَهُوَ أَخُو عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا.
اللُّغَةُ: (مُزَيْقِيَا) - بِضَمِّ الميمِ وَفَتْحِ الزايِ وَسُكُونِ الياءِ وَكَسْرِ القافِ -: هُوَ لَقَبُ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، وَهُوَ مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ اليمنِ، وَهُوَ جَدُّ الأنصارِ، قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يَمْزِقُ كُلَّ يَوْمٍ حُلَّةً فَيَخْلَعُهَا عَلَى أَصْحَابِهِ، (أَبُوهُ مُنْذِرٌ) هَذِهِ روايةُ النُّحَاةِ، وَهِيَ لا تَتَّفِقُ مع نَسَبِ الشاعرِ؛ إِذْ لَيْسَ فِي آبائِهِ مَنِ اسْمُهُ المُنْذِرُ.
وَرِوَايَةُ ابْنِ مَنْظُورٍ وَعُلَمَاءِ الروايةِ الأثباتِ: (أَبُوهُ عَامِرٌ) وَهِيَ المُوَافِقَةُ لِنَسَبِ مُزَيْقِيَا المُتَقَدِّمِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ صَحَّحَ روايةَ النُّحَاةِ عَلَى أَنَّ المنذرَ فِي نَسَبِ مُزَيْقِيَا مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ، وَذَلِكَ أَنَّ عَامِراً تَزَوَّجَ بِنْتَ عَمْرِو بْنِ المُنْذِرِ بْنِ مَاءِ السَّمَاءِ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ مُزَيْقِيَا، وَسَمَّتْهُ عَمْراً بِاسْمِ أَبِيهَا؛ فَيَكُونُ المرادُ بِجَدِّي هُوَ مُزَيْقِيَا نَفْسَهُ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوَّلاً، وَيَكُونُ المُرَادُ بِقَوْلِهِ: (أَبُوهُ) أَبَا أُمِّهِ، وَقَدْ جَرَى عَلَيْهِ الشيخُ خالدٌ، فَقَدْ فَسَّرَ روايةَ النُّحَاةِ بقولِهِ: (وَمُنْذِرٌ أَحَدُ أَجْدَادِهِ لأُمِّهِ) اهـ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: (وَأَرَادَ أَوْسٌ بِذَلِكَ أَنَّهُ كَرِيمُ الطَّرَفَيْنِ نَسِيبُ الجِهَتَيْنِ) اهـ.
الإعرابُ: (أَنَا) ضَمِيرٌ مُنْفَصِلٌ مُبْتَدَأٌ. (ابْنُ) خَبْرُ المبتدإِ، وابنُ مُضَافٌ، و (مُزَيْقِيَا) مُضَافٌ إِلَيْهِ. (عَمْرٍو) بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ عَلَى مُزَيْقِيَا. (وَجَدِّي) الْوَاوُ: حَرْفُ عَطْفٍ، جَدّ: مُبْتَدَأٌ أَوَّلُ، وَجَدّ مُضَافٌ، وَيَاءُ المُتَكَلِّمِ مُضَافٌ إِلَيْهِ. (أَبُوهُ) أَبُو مُبْتَدَأٌ ثَانٍ، وَضَمِيرُ الغَائِبِ مُضَافٌ إِلَيْهِ، (مُنْذِرٌ) خَبَرُ المبتدإِ الثاني، وجملةُ المبتدإِ الثاني وَخَبَرِهِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ المُبْتَدَإِ الأوَّلِ. (مَاءُ) بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ لِمُنْذِرٍ، وماءُ مُضَافٌ، و (السَّمَاءِ) مُضَافٌ إِلَيْهِ. هَذَا إِعْرَابٌ ذَكَرَهُ العَيْنِيُّ، وَلَيْسَ بِسَدِيدٍ، وَأَحْسَنُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: (أَبُوهُ) بَدَلاً مِن المبتدإِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: (جَدِّي)، وَالضميرُ مُضَافٌ إِلَيْهِ، وَلا يَعُودُ هَذَا الضميرُ عَلَى الجَدِّ، وَإِنَّمَا يَعُودُ عَلَى مُزَيْقِيَا، والمَعْنَى: إِنَّ أَبِي هُوَ عَمْرُو المُلَقَّبُ بِمُزَيْقِيَا، وَإِنَّ جَدِّي أَبَا عَمْرٍو هَذَا هُوَ عَامِرٌ مَاءُ السَّمَاءِ، وَتُدْرِكُ ذَلِكَ تَمَاماً إِذَا أَرَدْتَ تَطْبِيقَ مَدْلُولِ الْكَلامِ عَلَى النَّسَبِ الصَّحِيحِ للشاعرِ.
الشاهدُ فِيهِ قَوْلُهُ: (مُزَيْقِيَا عَمْرٍو)؛ حيثُ جَمَعَ بَيْنَ اللَّقَبِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: (مُزَيْقِيَا) والاسمِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: (عَمْرٍو)، وَقَدَّمَ اللَّقَبَ عَلَى الاسمِ، والقياسُ المُطَّرِدُ فِي كَلامِ الْعَرَبِ أَنْ يُقَدَّمَ الاسمُ عَلَى اللقبِ كَمَا صَنَعَ فِي قَوْلِهِ: (مُنْذِرٌ مَاءُ السَّمَاءِ)؛ حيثُ قَدَّمَ الاسمَ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: (مُنْذِرٌ) عَلَى اللقبِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: (ماءُ السَّمَاءِ).
40 - هَذَا بيتٌ مِن الرَّجَزِ المَشْطُورِ، وَبَعْدَهُ قَوْلُهُ:
ما مَسَّهَا مِنْ نَقَبٍ وَلا دَبَرْ = فَاغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ فَجَرْ
وهذا الرَّجَزُ مِنْ كَلامِ أَعْرَابِيٍّ كَانَ قَدْ وَفَدَ عَلَى أميرِ الْمُؤْمِنِينَ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عنه، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي عَلَى نَاقَةٍ دَبْرَاءَ عَجْفَاءَ نَقْبَاءَ، وَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ بَيْتِ مالِ الْمُسْلِمِينَ نَاقَةً سَلِيمَةً يَرْتَحِلُهَا إِلَى مَقْصِدِهِ، فَأَبَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَقَالَ لَهُ: مَا أَرَى بِنَاقَتِكَ مِنْ نَقَبٍ وَلا دَبَرٍ.
اللُّغَةُ: (أَبُو حَفْصٍ) هِيَ كُنْيَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، والحَفْصُ: الأَسَدُ، وَكُنِّيَ بِذَلِكَ إِيمَاءً إِلَى جُرْأَتِهِ وَشَجَاعَتِهِ، وَيُقَالُ: كُنِّيَ بِحَفْصَةَ ابْنَتِهِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَزَوْجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والأوَّلُ أَشْهَرُ، (نَقَب) بِفَتْحِ النُّونِ والقافِ جَمِيعاً - هُوَ رِقَّةُ أَخْفَافِ البَعِيرِ، وَيُقَالُ: بَعِيرٌ أَنْقَبُ، وَنَاقَةٌ نَقْبَاءُ، وَرِقَّةُ الخُفِّ مِمَّا يَصْعُبُ مَعَهُ تَتَابُعُ السَّيْرِ، (دَبَر) - بِفَتْحِ الدَّالِ وَالباءِ جَمِيعاً -: هُوَ الجُرْحُ الَّذِي يَكُونُ فِي ظَهْرِ البعيرِ، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يُقْرَحَ خُفُّ البَعِيرِ، وتقولُ: بَعِيرٌ أَدْبَرُ، وَنَاقَةٌ دَبْرَاءُ، (فَجَر) كَذَبَ وَمَالَ عَن الصِّدْقِ.
الإعرابُ: (أَقْسَمَ) فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الفتحِ لا مَحَلَّ لَهُ مِن الإعرابِ. (بِاللَّهِ) جَارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِأَقْسَمَ. (أَبُو) فَاعِلُ أَقْسَمَ مَرْفُوعٌ بالواوِ نِيَابَةً عَن الضَّمَّةِ؛ لأَنَّهُ مِن الأسماءِ السِّتَّةِ، وَهُوَ مُضَافٌ، و (حَفْصٍ) مُضَافٌ إِلَيْهِ مَجْرُورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ. (عُمَرُ) بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ لأبي حَفْصٍ مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظاهرةِ، وَسُكِّنَ لأَجْلِ الوَقْفِ.
الشاهدُ فِيهِ قَوْلُهُ: (أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ) حَيْثُ قَدَّمَ الكُنْيَةَ - وَهِيَ قَوْلُهُ: (أَبُو حَفْصٍ) - عَلَى الاسمِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: (عُمَرُ)، وَالنَّحْوِيُّونَ مُتَّفِقُونَ عَلَى جوازِ ذَلِكَ، وعلى جَوَازِ عَكْسِهِ، وَهُوَ أَنْ يُقَدَّمَ الاسمُ عَلَى الكُنْيَةِ، فَتَقُولُ: أَقْسَمَ بِاللَّهِ عُمَرُ أَبُو حَفْصٍ، وَإِذْ كَانُوا يُجَوِّزُونَ تَقْدِيمَ الكُنْيَةِ عَلَى الاسمِ مع أَنَّ الاسمَ يَجِبُ عِنْدَ الأَكْثَرِينَ تَقْدِيمُهُ عَلَى اللَّقَبِ، فَإِنَّهُم يُجَوِّزُونَ تَقْدِيمَ الكُنْيَةِ عَلَى اللقبِ مِنْ بابٍ أَوْلَى، فَيَجُوزُ أَنْ تَقُولَ: هَذَا أَبُو حَفْصٍ الْفَارُوقُ، كَمَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ: هَذَا الْفَارُوقُ أَبُو حَفْصٍ، فَافْهَمْ ذَلِكَ وَاحْرِصْ عَلَيْهِ، وَاللهُ يَنْفَعُكَ بِهِ.
ومثلُ هَذَا الشاهدِ فِي تَقْدِيمِ الكُنْيَةِ عَلَى الاسمِ قَوْلُ الْجَارُودِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ المُتَوَفَّى سَنَةَ 120هـ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ رَبِّي بِحَوْلِهِ = وَقُوَّتِهِ أَخْزَى ابْنَ عَمْرَةَ مَالِكَا
41 - هَذَا بيتٌ مِن الطويلِ، وَقَدْ نَسَبَ كَثِيرٌ مِن النُّحَاةِ – كَالمُصَنِّفِ - هَذَا البيتَ إِلَى حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ شَاعِرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ أَجِدْهُ فِي نُسَخِ دِيوَانِهِ المَطْبُوعَةِ، وَرَوَاهُ أَبُو مَنْصُورٍ الثَّعَالِبِيُّ فِي (ثِمَارِ القلوبِ ص64) مَنْسُوباً إِلَى حَسَّانَ، وَفِيهِ اخْتِلافٌ يَسِيرٌ ضَاعَ بِسَبَبِهِ الاستشهادُ بِهِ، وَقَدْ أَنْشَدَهُ مع بَعْضِ تَغْيِيرٍ الفَقِيهُ المُحَدِّثُ أَبُو عُمَرَ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي كتابِ (الاسْتِيعَابِ فِي أَسْمَاءِ الأصحابِ) فِي تَرْجَمَةِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَنَسَبَهُ إِلَى رَجُلٍ مِن الأنصارِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَيَظْهَرُ لي أَنَّ الْكَلامَ فِي نِسْبَةِ البيتِ كَانَ (قَالَ الأَنْصَارِيُّ) فَزَادَ المُتَأَخِّرُونَ اسْمَ (حَسَّانَ)؛ لاشْتِهَارِهِ بهذهِ النسبةِ، والبيتُ فِي رِثَاءِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الأَنْصَارِيِّ سَيِّدِ الأَوْسِ، رَضِيَ اللَّهُ عنهُ.
اللُّغَةُ: (اهْتَزَّ) تَحَرَّكَ، (عَرْشُ اللَّهِ) هَذِهِ الكلمةُ مَأْخُوذَةٌ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ ذَكَرَ الحافظُ ابْنُ حَجَرٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرُهُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ رُمِيَ بِسَهْمٍ يَوْمَ الخندقِ، فَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ شَهْراً حَتَّى حَكَمَ فِي بَنِي قُرْيَظَةَ، وَأُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ انْتَقَضَ جُرْحُهُ فَمَاتَ، فَلَمَّا مَاتَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اهْتَزَّ العَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ)). وَهُوَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ امْرِئِ القَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الأَشْهَلِ بْنِ جُشَمَ بْنِ حَارِثِ بْنِ الخَزْرَجِ بْنِ النَّبِيتِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الأَوْسِ الأَنْصَارِيُّ الأَشْهَلِيُّ، (هَالِكٍ): مَيِّتٍ.
الإعرابُ: (مَا) نَافِيَةٌ. (اهْتَزَّ) فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الفتحِ لا مَحَلَّ لَهُ مِن الإعرابِ. (عَرْشُ) فَاعِلُ اهْتَزَّ مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، وَعَرْشُ مُضَافٌ، و (اللَّهِ) مُضَافٌ إِلَيْهِ. (مِنْ أَجْلِ) جَارٌّ وَمَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِاهْتَزَّ، وَأَجْلِ مُضَافٌ، و (هَالِكٍ) مُضَافٌ إِلَيْهِ مَجْرُورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ. (سَمِعْنَا) فِعْلٌ وَفَاعِلٌ. (بِهِ) جَارٌّ وَمَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِسَمِعَ، وَجُمْلَةُ الفعلِ وفاعلِهِ فِي مَحَلِّ جَرٍّ صِفَةٌ لِهَالِكٍ، (إِلاَّ) أداةُ اسْتِثْنَاءٍ مُلْغَاةٌ. (لِسَعْدٍ) جَارٌّ وَمَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِاهْتَزَّ. (أَبِي) بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ لِسَعْدٍ، وَأَبِي مُضَافٌ، و (عَمْرٍو) مُضَافٌ إِلَيْهِ.
الشاهدُ فِيهِ قَوْلُهُ: (لِسَعْدٍ أَبِي عَمْرٍو) حيثُ قَدَّمَ الاسمَ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: (سَعْدٍ) عَلَى الكُنْيَةِ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ: (أَبِي عَمْرٍو).
([4]) النسخةُ الَّتِي يُشِيرُ إليها المُؤَلِّفُ فِي هَذِهِ العبارةِ هِيَ النسخةُ المَشْهُورَةُ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِينَا، والتي شَرَحَ عليها الأَشْمُونِيُّ وَابنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا، والعبارةُ الَّتِي يُشِيرُ إليها المُؤَلِّفُ هِيَ قَوْلُ النَّاظِمِ:
وَاسْماً أَتَى وَكُنْيَةً وَلَقَبَا = وَأَخِّرَنْ ذَا إِنْ سِوَاهُ صَحِبَا
و (ذا) اسْمُ إِشَارَةٍ، والمرادُ بِهِ اللَّقَبُ، والضميرُ فِي (سِوَاهُ) يَعُودُ إِلَى اللقبِ أيضاً، وَتَعْنِي هَذِهِ العبارةُ أَنَّ اللَّقَبَ يَجِبُ تَأْخِيرُهُ عَمَّا يُصَاحِبُهُ مِن النَّوْعَيْنِ الآخَرَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا الاسمُ والكُنْيَةُ، فَإِذَا صَحِبَ اللقبَ الكنيةُ وَجَبَ تَقْدِيمُ الكنيةِ وَتَأْخِيرُ اللقبِ، وَهَذَا مَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ المُؤَلِّفُ، وَإِذَا صَحِبَ اللَّقَبَ الاسمُ وَجَبَ تَأْخِيرُ اللقبِ، وَهَذَا مَا لا خِلافَ فِيهِ.
([5]) اعْلَمْ أَنَّ اعْتِرَاضَ المُؤَلِّفِ عَلَى عِبَارَةِ النَّاظِمِ الَّتِي بَيَّنَّاهَا فِي الفقرةِ السابقةِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ الجمهورِ الَّذِينَ يُجَوِّزُونَ - فِيمَا إِذَا اجْتَمَعَ اللقبُ والكنيةُ - أَنْ تَتَقَدَّمَ الكنيةُ عَلَى اللقبِ، وأنْ يَتَقَدَّمَ اللقبُ عَلَى الكنيةِ، وَقَدْ كُنْتُ جَارَيْتُ المُؤَلِّفَ وَالذينَ اتَّبَعُوهُ مِن الْكُتَّابِ، فَكَتَبْتُ عَلَى هَامِشِ نُسْخَتِي مِنْ شرحِ الأَشْمُونِيِّ تَصْحِيحاً لِعِبَارَةِ الأَلْفِيَّةِ هَكَذَا: (لَوْ كَانَ الناظمُ قَدْ قَالَ: وَأَخِّرَنْ هَذَا إِنِ اسْماً صَحِبَا، لَكَانَ أَوْلَى).
ثُمَّ بَعْدَ مُرُورِ زَمَنٍ اطَّلَعْتُ عَلَى نُصُوصٍ لابْنِ مالكٍ وَغَيْرِهِ تَدُلُّ دلالةً صريحةً عَلَى أَنَّ المختارَ عِنْدَ ابْنِ مالكٍ أَنَّهُ يَجِبُ تَأْخِيرُ اللقبِ عَمَّا يُصَاحِبُهُ مِن النَّوْعَيْنِ الآخَرَيْنِ، سَوَاءٌ أكانَ المُصَاحِبُ لَهُ اسْماً أَمْ كُنْيَةً، وَحِينَئِذٍ عَلِمْتُ أَنَّهُ لا يَجُوزُ تصحيحُ عبارتِهِ فِي الألفيَّةِ بِشَيْءٍ، أَمَّا الاعتراضُ عليها فَإِنْ كَانَ الاعتراضُ مِنْ جهةِ أَنَّهَا تُخَالِفُ مَا عَلَيْهِ الجمهورُ فَمُسَلَّمٌ، وَلا يَضُرُّهُ - وَهُوَ مَنْ هُوَ - أَنْ يُخَالِفَ مَا عَلَيْهِ الجمهورُ، فَكَمْ لَهُ مِن الآراءِ قَدْ خَالَفَ فِيهَا الجمهورَ! وَإِنْ كَانَ الاعتراضُ بِأَنَّهَا تُخَالِفُ مَا عَلَيْهِ الاستعمالُ العَرَبِيُّ المُطَّرِدُ الكَثِيرُ فَكَانَ الواجبُ أَنْ يَسْتَدِلَّ لِذَلِكَ.
([6]) اعْلَمْ أَوَّلاً: أَنَّ تَجْوِيزَ الإضافةِ هُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ وَالزَّجَّاجِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَثَانِياً: أَنَّ الإِتْبَاعَ أَقْيَسُ، والإضافةَ أَكْثَرُ فِي الاسْتِعْمَالِ. وَثَالِثاً: أَنَّ جَوَازَ الإضافةِ مَشْرُوطٌ بِمَا إِذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَمْنَعُهَا، وَمِمَّا يَمْنَعُهَا أَنْ يَكُونَ الاسمُ مَقْرُوناً بِأَلْ، نَحْو: (الْحَارِثُ قُفَّةُ) و (النُّعْمَانُ بَطَّةُ) و (الفَضْلُ كَنْزَةُ) أَوْ يَكُونَ اللقبُ مَقْرُوناً بِأَلْ، نَحْوَ: (هَارُونُ الرَّشِيدُ)، و (مُحَمَّدٌ الأمينُ) و (مُحَمَّدٌ المَهْدِيُّ).
([7]) رَدَّ المُؤَلِّفُ مَذْهَبَ البَصْرِيِّينَ بِشَيْئَيْنِ:
الأوَّلُ: أَنَّ النَّظَرَ لا يُسَاعِدُهُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ إضافةَ الاسمِ إِلَى اللقبِ - وَهُمَا دَالاَّنِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ تَسْتَلْزِمُ إضافةَ الشيءِ إِلَى نَفْسِهِ - وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لا يُضَافُ الاسمُ إِلَى مَا اتَّحَدَ بِهِ مَعْنًى.
والثاني: السَّمَاعُ كَقَوْلِهِمْ: (هَذَا يَحْيَى عَيْنَانُ) فَقَدْ وَرَدَ مَرْفُوعاً - قِيلَ: بالألفِ؛ لأَنَّهُ مُثَنًّى، فالنونُ مكسورةٌ، وَقِيلَ: بالضَّمَّةِ؛ لأَنَّهُ وَصْفٌ مِثْلُ سَكْرَانَ فَالنُّونُ مَضْمُومَةٌ، وَضَعَّفُوهُ - وَلَوْ كَانَا مُتَضَايِفَيْنِ لَقِيلَ: (عَيْنَيْنِ) بالجرِّ.
فَإِنْ قُلْتَ: لَوْ كَانَتْ نونُ (عَيْنَان) مَكْسُورَةً لَجَازَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُضَافاً إِلَيْهِ مَجْرُوراً بالكسرةِ الظاهرةِ، إِمَّا لأَنَّهُ وَصْفٌ، وَإِمَّا لأَنَّهُ مُثَنًّى جَاءَ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُلْزِمُ الْمُثَنَّى الأَلِفَ فِي الأحوالِ الثلاثةِ، وإِمَّا لأَنَّهُ مُثَنًّى مُسَمًّى بِهِ عُومِلَ مُعَامَلَةَ (سَلْمَانَ)، كَمَا هُوَ فِي لغةِ جَمَاعَةٍ مِن الْعَرَبِ.
قلتُ: أَمَّا أَنَّهُ وَصْفٌ، فَلا يَسْلَمُ؛ لأَنَّ الوَصْفَ المَخْتُومَ بالألفِ والنونِ يُمْنَعُ الصرفَ، فَكَانَ يُجَرُّ بالفتحةِ، وَأَمَّا أَنَّهُ مُثَنًّى، أَلْزَمُوهُ الأَلِفَ، فَيُضَعِّفُهُ أَنَّهُ جَاءَ بِضَمِّ النُّونِ، وَأَيْضاً لُزُومُ الْمُثَنَّى الأَلِفَ لُغَةٌ مَهْجُورَةٌ قَدِيمَةٌ لا يُصَارُ إليها بِمُجَرَّدِ الاحتمالِ، وَأَمَّا أَنَّهُ مُسَمًّى بِهِ، وَأُجْرِيَ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُعَامِلُهُ مُعَامَلَةَ (سَلْمَانَ)، فَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي فَتْحُ النُّونِ، ولم تَرِدْ بِهِ رِوَايَةٌ، بَلْ هِيَ مَضْمُومَةٌ أَوْ مَكْسُورَةٌ.


  #4  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 11:29 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني

74- وَاسمًا أَتَى، وَكُنْيَةً، وَلَقَبَا = وَأَخِّرَنْ ذَا إِنْ سِوَاهُ صَحِبَا
(وَاسْمًا أَتَى) العَلَمُ، والمرادُ به هنا ما ليس بكنيةٍ ولا بلقبٍ (و) أَتَى (كنيةً) وهي: ما صُدِّرَ بأبٍ أو أمٍّ: كأبي بكرٍ ، وأمِّ هَانِئٍ (و) أَتَى (لَقَبَا) وهو ما أشعَرَ بِرِفْعَةِ مُسَمَّاهُ أو ضِعَتِهِ: كزَيْنِ العابدينَ، وبَطَّةَ (وأَخِّرَنْ ذَا) أي: أَخِّرِ اللقبَ (إِنْ سِوَاهُ) يعني الاسمَ (صَحِبَا) تقولُ : "جاءَ زينُ العابدينَ"، ولا يجُوزُ: جاءَ زينُ العابدينَ زيدٌ ؛ لأنَّ اللقبَ في الأغلبِ منقولٌ مِنْ غيرِ الإنسانِ كبَطَّةَ، فلو قُدِّمَ لأَوْهَمَ إرادةَ مسمَّاه الأَوَّلِ، وذلك مأمونٌ بتأخيرِه، وقد نَدَرَ تقديمُه في قولِه [من الوافر]:
66- أَنَا ابْنُ مُزَيْقِيَا عَمْرٍو، وَجَدِّي = أبوه مُنْذِرٌ ماءُ السماءِ
وقولُه [من البسيط]:
67- بِأَنَّ ذَا الكَلْبِ عَمْرًا خَيْرُهُمْ حَسَبًا = بِبَطْنِ شِرْيَانَ يَعْوِي حَوْلَهُ الذِّيبُ
تنبيهٌ : لا ترتيبَ بينَ الكنيةِ وغيرِها؛ فمِنْ تقديمِها على الاسمِ قولُه [من الرجز]:
68- أَقْسَمَ باللَّهِ أبو حَفْصٍ عُمَرْ = مَا مَسَّهَا مِنْ نَقَبٍ وَلاَ دَبَرْ
ومِنْ تقديمِ الاسمِ عليها قولُه [من الطويل]:
69- وَمَا اهْتَزَّ عَرْشُ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ هَالِكٍ = سَمِعْنَا بِهِ إِلاَّ لِسَعْدٍ أَبِي عَمْرٍو
وكذلك يُفْعَلُ بها مع اللقَبِ. اهـ.
وقد رفَعَ تَوَهُّمَ دخولِ الكنيةِ في قولِه: سِوَاهُ بقولِه:

75- وَإِنْ يَكُونَا مُفْرَدَيْنِ فَأَضِفْ = حَتْمًا ، وَإِلاَّ أَتْبِع الَّذِي رَدِفْ
(وَإِنْ يَكُونَا) أي: الاسمُ واللقبُ (مُفْرَدَيْنِ فَأَضِفْ) الاسمَ إلى اللقبِ (حَتْمًا) إِنْ لمْ يمنَعْ مِنَ الإضافةِ مانِعٌ على ما سيأتي بيانُهُ ، هذا ما ذهَبَ إليه جمهورُ البصريِّينَ، نحوُ: "هذا سَعِيدٌ كُرْزٌ" يتأوَّلُونَ الأَوَّلَ بالمسمَّى، والثاني بالاسمِ، وذهَبَ الكوفيُّونَ إلى جوازِ إتباعِ الثاني للأَوَّلِ على أنَّهُ بدلٌ منه أو عطفُ بيانٍ، نحوُ: "هذا سَعِيدٌ كُرْزٌ"، و"رَأَيْتُ سعيدًا كُرْزًا"، و"مررْتُ بسعيدٍ كُرْزٍ"والقطعُ: إلى النصبِ بإضمارِ فِعْلٍ ، وإلى الرفعِ بإضمارِ مبتدأٍ، نحو: "مررْتُ بسعيدٍ كُرْزًا وكُرْزٍ" أي: أعني كُرْزًا، وهو كُرْزٌ.
(وإلا)، أي: وإِنْ لم يكونَا مفردَيْنِ بأنْ كَانَا مركَّبَيْنِ، نحوُ: "عبدُ اللَّهِ أنفُ الناقةِ "، أو الاسمُ، نحو: "عبدُ اللَّهِ بَطَّةٌ "، أو اللقبُ، نحوُ: "زيدٌ أنفُ الناقةِ " - امتنَعَتِ الإضافةُ للطولِ، وحينئذٍ (أَتْبِعْ الذي رَدِفْ) وهو اللقبُ للاسمِ في الإعرابِ : بيانًا، أو بدلاً، ولكَ القطعُ على ما تقدَّمَ، وكذا إنْ كانَا مفردينِ، ومنَعَ مِنَ الإضافةِ مانِعٌ كـ "أل"، نحوُ: "الحَارِثُ كُرْزٌ".


  #5  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 11:31 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان

أقسامُ العَلَمِ:
1- باعتبارِ وَضْعِه:
74- واسْماً أَتَى وكُنيةً ولَقَبَا = وأَخِّرَنْ ذا إنْ سِواهُ صَحِبَا
للعَلَمِ تَقسيماتٌ مُتَعَدِّدَةٌ:
التقسيمُ الأوَّلُ: باعتبارِ وضْعِه ثلاثةُ أقسامٍ:
1- اسمٌ، وهو ما أُطْلِقَ على الذاتِ أوَّلاً، نحوُ: خالِدٍ، هِنْدٍ.
2- كُنْيَةٌ، ما أُطْلِقَ على الذاتِ بعدَ التسميةِ، وصُدِّرَ بأبٍ أو أُمٍّ، نحوُ: أبو حَفْصٍ عمرُ بنُ الْخَطَّابِ، عائشةُ أمُّ المؤمنينَ، قالَ تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}، فـ {أَبِي لَهَبٍ} كُنْيَةُ عبدِ العُزَّى بنِ عبدِ الْمُطَّلِبِ عَمِّ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ.
3- لَقَبٌ: وهو ما أُطْلِقَ على الذاتِ بعدَ التسميَةِ وأَشْعَرَ بِمَدْحٍ أو ذَمٍّ؛ كالمأمونِ والرَّشيدِ والجاحِظِ والسَّفَّاحِ، ومنه قولُه تعالى: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ}، فالمَسيحُ لقَبٌ لـ (عِيسَى) عليه الصلاةُ والسلامُ.
وقد يَجْتَمِعُ الاسمُ معَ اللَّقِبِ أو الكُنيةِ، ولذلك ثلاثُ صُوَرٍ:
الأُولَى: الاسمُ معَ اللَّقَبِ، ويَجِبُ تأخيرُ اللقَبِ عن الاسْمِ.
فنقولُ: ثاني الخلفاءِ الراشدينَ عُمرُ الفاروقُ رَضِيَ اللَّهُ عنه؛ وذلك لأَنَّ اللَّقَبَ بِمَنْزِلَةِ الصِّفَةِ، وهي تَتأخَّرُ عن الْمَوصوفِ.
وقد يَتَقَدَّمُ اللقَبُ إذا كانَ أشْهَرَ مِن الاسمِ؛ كقولِه تعالى: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ}، وقد وَرَدَ عن العرَبِ تقديمُ اللقَبِ قليلاً؛ كقولِ المرأةِ:
بأَنَّ ذا الكلْبِ عَمْراً خَيْرَهُمْ حَسَباً = ببَطْنِ شِرْيَانَ يَعْوِي حَوْلَهُ الذِّيبُ
فقَدَّمَ اللقَبَ (ذا الكلْبِ) على الاسْمِ (عَمْراً).
الثانيةُ: الاسْمُ معَ الكُنيةِ، فأنتَ بالْخِيارِ في تَقديمِ أيُّهُمَا شِئْتَ.
فتقولُ: ثاني الْخُلفاءِ الراشدينَ عُمَرُ أبو حَفْصٍ، أو أبو حفْصٍ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنه.
الثالثةُ: الكُنيةُ معَ اللقبِ، فعندَ ابنِ مالِكٍ يَجِبُ تأخيرُ اللقَبِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، نحوُ: ثاني الْخُلفاءِ الراشدينَ أبو حَفْصٍ الفاروقُ، وعندَ الْجُمهورِ أنتَ بالخيارِ، فتقولُ: ثاني الخلفاءِ الراشدينَ الفارُوقُ أبو حَفْصٍ، بتقديمِ اللقَبِ على الكُنيةِ.
قالَ ابنُ مالِكٍ: (واسْماً أَتَى.. إلخ)؛ أيْ: أتى العَلَمُ اسْماً وكُنيةً ولَقَباً، (وأَخِّرَنْ ذَا)؛ أيْ: أَخِّرَنْ اللَّقَبَ إذا صَحِبَ (سِواهُ) والمرادُ الاسمُ والكُنيةُ، ولا يَجوزُ تَصحيحُ عِبارةِ الأَلْفِيَّةِ بما ذَكَرَه بعضُ الشُّرَّاحِ؛ لأجْلِ موافَقَةِ مَذْهَبِ الجمهورِ، وهو الجوازُ؛ لِأَنَّ ابنَ مالِكٍ يَذْكُرُ رأيَهُ في المسألةِ وإنْ كانَ مَذهَبُ الجمهورِ أَرْجَحَ.
أحوالُ إعرابِ الاسمِ واللقَبِ
75- وإنْ يَكونَا مُفرَدَيْنِ فأَضِفْ = حَتْماً وإلاَّ أَتْبِعِ الذي رَدِفْ
في الاسمِ معَ اللَّقَبِ بَحثانِ:
الأوَّلُ: مِن حيثُ التقديمُ والتأخيرُ، وقد تَقَدَّمَ قبلَ هذا البيتِ أنَّ اللقَبِ يُؤَخَّرُ عن الاسمِ.
الثاني: مِن حيثُ الإعرابُ، وهو المرادُ هنا.
فالاسمُ يُعْرَبُ حسَبَ العواملِ؛ لأنه مُتَقَدِّمٌ، وأمَّا اللَّقَبُ فله معَ الاسمِ أربَعُ حالاتٍ:
الأُولَى: أنْ يكونَ الاسمُ واللقَبُ مُفْرَدَيْنِ، والمرادُ بالمُفْرَدِ هنا: ما ليسَ بِمُرَكَّبٍ، فالمُفْرَدُ مِن كَلِمَةٍ، والمُرَكَّبُ مِن كَلِمَتيْنِ، مِثلُ: جاءَ عليُّ سَعيدٍ، الأوَّلُ اسْمٌ والثاني لقَبٌ، فتَجِبُ إضافةُ الأوَّلِ إلى الثاني، فيُعْرَبُ الأوَّلُ على حَسَبِ حاجةِ الجُمْلَةِ، ويُجَرُّ الثاني بسببِ الإضافةِ.
والقولُ بالإضافةِ مَشروطٌ بما إذا لم يُوجَدْ مانعٌ؛ كَكونِ الاسمِ مَقروناً بألْ، نحوُ: جاءَ الحارِثُ سعيدٌ، فتَمْتَنِعُ الإضافةُ، وهذا رأيُ البَصْرِيِّينَ، وتَبِعَهُم ابنُ مالِكٍ.
وأجازَ الكُوفِيُّونَ في هذه الحالةِ الاتِّباعَ، فتُعْرِبُ الثانيَ بإعرابِ الأَوَّلِ، على أنه بَدَلٌ منه أو عَطْفُ بيانٍ، فتقولُ: هذا عَلِيٌّ سَعِيدٌ، ورأيتُ عَلِيًّا سَعِيداً، ومَرَرْتُ بعَلِيٍّ سَعيدٍ.
وهذا هو الْمُختارُ؛ لعَدَمِ احتياجِه إلى التأويلِ؛ فإنه يَلْزَمُ على رأيِ البَصْرِيِّينَ إضافةُ الشيءِ إلى نَفْسِه، وهذا ممنوعٌ كما في بابِ الإضافةِ.
وما وَرَدَ منه فهو مُؤَوَّلٌ، فيَتَرَجَّحُ رأيُ الكُوفيِّينَ؛ لأنه أَيْسَرُ.
الصورةُ الثانيةُ: أنْ يكونَ الاسمُ واللقَبُ مُرَكَّبَيْنِ، نحوُ: هذا عبدُ اللَّهِ زَيْنُ العابِدِينَ.
الصورةُ الثالثةُ: أنْ يكونَ الاسمُ مُرَكَّباً واللقَبُ مُفْرَداً، نحوُ: هذا عبدُ اللَّهِ سعيدٌ.
الصورةُ الرابعةُ: أنْ يكونَ الاسمُ مُفْرَداً واللقَبُ مُرَكَّباً، نحوُ: هذا عليٌّ زَيْنُ العابِدينَ.
وفي هذه الحالاتِ الثلاثِ تَمْتَنِعُ الإضافةُ، ويُعْرَبُ اللقَبُ بإعرابِ الاسمِ، فيكونُ تابعاً له في رَفْعِه ونَصْبِه وجَرِّه, فإنْ كانَ اللقَبُ مُرَكَّباً أُعْرِبَ صَدْرُه كما ذَكَرْنا، وأمَّا عَجُزُه فيكونُ مَجروراً دائماً على أنه مُضافٌ إليه.
وهذا معنَى قولِه: (وإنْ يَكُونَا مُفْرَدَيْنِ.. إلخ)؛ أيْ: وإنْ يَكونَا - الاسمُ واللقَبُ - مُفْرَدَيْنِ فأضِفِ الأوَّلَ إلى الثاني حَتْماً, يُعْرَبُ الأوَّلُ حَسَبَ حالةِ الجُمْلَةِ، والثاني يُعْرَبُ مُضافاً إليه مَجروراً، وإنْ لم يَكونَا مُفْرَدَيْنِ كما في الحالاتِ الثلاثِ فأَتْبِعِ الثانِيَ للأوَّلِ في إعرابِه، ومعنى (الذي رَدِفْ) أي: الذي جاءَ رِدْفاً للأوَّلِ؛ أيْ: بعدَه متَأَخِّراً عنه.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الاسم, والكنية

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:01 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir