دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 08:53 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الاسم الموصول

الموصولُ

موصولُ الاسماءِ الذي الأُنْثَى الَّتِي= والْيَا إذا ما ثُنِّيَا لا تُثْبِتِ
ما تَلِيهِ أَوْلِهِ العَلامَةْ =والنونُ إنْ تُشْدَدْ فلا مَلامَةْ
نونٌ مِنْ ذَيْنٍ وتَيْنٍ شُدِّدَا = أيضًا وتعويضٌ بذاكَ قُصِدَا
جَمْعُ الذي الأُلَى الذينَ مُطْلَقَا = وبعضُهم بالواوِ رَفْعًا نَطَقَا
باللَّاتِ واللَّاءِ التي قدْ جُمِعَا = واللاءِ كالَّذينَ نَزْرًا وَقَعَا


  #2  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 12:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

الموصولُ


موصولُ الاسماءِ الَّذِي الأُنْثَى الَّتِي = والْيَا إِذَا مَا ثُنِّيَا لاَ تُثْبِتِ ([1])
بلْ مَا تَلِيهِ أَوْلِهِ الْعَلاَمَهْ = والنونُ إنْ تُشْدَدْ فلاَ مَلاَمَهْ ([2])
والنونُ مِن ذَيْنِ وتَيْنِ شُدِّدَا = أيضاً وتَعْوِيضٌ بذاكَ قُصِدَا ([3])
يَنْقَسِمُ الموصولُ إلى اسْمِيٍّ وحَرْفِيٍّ.
ولم يَذْكُرِ المصنِّفُ الموصولاتِ الحرفيَّةَ، وهي خمسةُ أحرفٍ:
أحدُها: أنِ المصدريَّةُ، وتُوصَلُ بالفعلِ المتصرفِ ماضياً، مثلُ: (عَجِبْتُ مِن أنْ قامَ زيدٌ)، ومضارعاً، نحوُ: (عَجِبْتُ مِن أنْ يَقُومَ زيدٌ)، وأمراً، نحوُ: (أَشَرْتُ إِلَيْهِ بأنْ قُمْ) ([4])، فإنْ وَقَعَ بعدَها فعلٌ غيرُ مُتَصَرِّفٍ نحوُ قولِه تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى}، وقولِه تعالى: {وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ}، فهي مُخَفَّفَةٌ مِن الثقيلةِ.
ومِنها (أنَّ)، وتُوصَلُ باسمِها وخبرِها، نحوُ: (عَجِبْتُ مِن أنَّ زيداً قائمٌ)، ومِنه قولُه تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا}، وأنِ المخفَّفَةُ كالمُثَقَّلَةِ وتُوصَلُ باسمِها وخبرِها، لكنَّ اسْمَهَا يكونُ محذوفاً، واسمُ المثقَّلَةِ مذكوراً.
ومِنها (كي)، وتُوصَلُ بفعلٍ مضارعٍ فقطْ، مثلُ: (جِئْتُ لِكَيْ تُكْرِمَ زَيْداً).
ومنها (ما)، وتكونُ مصدريَّةً، ظرفيَّةً، نحوُ: (لا أَصْحَبُكَ ما دُمْتَ مُنْطَلِقاً)؛ أي: مُدَّةَ دَوَامِكَ مُنْطَلِقاً، وغيرَ ظرفيةٍ، نحوُ: (عَجِبْتُ ممَّا ضَرَبْتَ زَيْداً)، وتُوصَلُ بالماضي كما مُثِّلَ، وبالمضارعِ، نحوُ: (لا أَصْحَبُكَ ما يَقُومُ زيدٌ، وعَجِبْتُ مما تَضْرِبُ زَيداً)، ومنه ([5]): {بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}، وبالجملةِ الاسميَّةِ، نحوُ: (عَجِبْتُ مما زيدٌ قائمٌ، ولا أَصْحَبُكَ ما زيدٌ قائمٌ)، وهو قليلٌ ([6] وأكثرُ ما تُوصَلُ الظرفيَّةُ المصدريَّةُ بالماضي أو بالمضارِعِ المنفيِّ بلمْ، نحوُ: (لا أَصْحَبُكَ ما لم تَضْرِبْ زَيْداً)، ويَقِلُّ وَصْلُها- أعني المصدريَّةَ- بالفعلِ المضارعِ الذي ليسَ منفيًّا بلمْ، نحوُ: (لا أَصْحَبُكَ ما يَقُومُ زيدٌ)، ومِنه قولُه:
25- أُطَوِّفُ مَا أُطَوِّفُ ثُمَّ آوِي = إِلَى بَيْتٍ قَعِيدَتُهُ لَكَاعِ ([7])
ومنها (لو)، وتُوصَلُ بالماضِي، نحوُ: (وَدِدْتُ لو قامَ زيدٌ)، والمضارعِ، نحوُ: (وَدِدْتُ لو يَقُومُ زيدٌ)، فقولُ المصنِّفِ: (موصولُ الاسماءِ) احترازٌ مِن الموصولِ الحرفيِّ، وهو (أنْ وأنَّ وكَي وما ولو)، وعلامتُه صِحَّةُ وقوعِ المصدرِ مَوْقِعَه، نحوُ: (وَدِدْتُ لو تَقُومُ)؛ أي: قِيَامَكَ، و(عَجِبْتُ ممَّا تَصْنَعُ، وجِئْتُ لكيْ أَقْرَأَ، ويُعْجِبُنِي أنَّكَ قائمٌ، وأُرِيدُ أنْ تَقُومَ)، وقد سَبَقَ ذِكْرُه.
وأما الموصولُ الاسميُّ فـ(الذي) للمفردِ المذكَّرِ([8])، و(التي) للمفردةِ المؤنَّثةِ.
فإنْ ثَنَّيْتَ أَسْقَطْتَ الياءَ وأَتَيْتَ مكانَها بالألفِ في حالةِ الرفعِ، نحوُ: (اللذانِ واللتانِ)، وبالياءِ في حالَتَيِ الجرِّ والنصبِ، فتقولُ: (اللَّذَيْنِ واللَّتَيْنِ)، وإنْ شِئْتَ شَدَّدْتَ النونَ عِوَضاً عن الياءِ المحذوفةِ فقُلْتَ: (اللذانِّ واللتانِّ)، وقد قُرِئَ: (واللَّذَانِّ يَأْتِيَانِها مِنْكُمْ)، ويَجُوزُ التشديدُ أيضاً معَ الياءِ، وهو مذهَبُ الكُوفِيِّينَ، فتقولُ: (اللذيْنّ واللتيْنّ)، وقد قُرِئَ: (رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنّ) بتشديدِ النونِ.
وهذا التشديدُ يَجُوزُ أيضاً في تثنيةِ (ذا وتَا) اسْمَيِ الإشارةِ، فتقولُ: (ذانِّ وتانِّ)، وكذلك معَ الياءِ فتقولُ: (ذَيْنّ وتَيْنّ)، وهو مَذْهَبُ الكُوفِيِّينَ، والمقصودُ بالتشديدِ أنْ يكونَ عِوَضاً عن الألفِ المحذوفةِ؛ كما تَقَدَّمَ في (الذي والتي).

جَمْعُ الَّذِي الأُلَى الَّذِينَ مُطْلَقَا = وبعضُهمْ بالواوِ رَفْعاً نَطَقَا ([9])
باللاَّت واللاَّءِ الَّتِي قَدْ جُمِعَا = واللاَّءِ كالَّذِين نَزْراً وَقَعَا ([10])
يُقالُ في جمعِ المذكَّرِ: (الأُلَى) مُطلقاً عاقلاً كانَ أو غيرَه، نحوُ: (جاءَنِي الأُلَى فَعَلُوا)، وقد يُسْتَعْمَلُ في جمعِ المؤنَّثِ، وقدِ اجْتَمَعَ الأمرانِ في قَوْلِهِ:
26- وتُبْلِي الأُلَى يَسْتَلْئِمُونَ على الأُلَى = تَرَاهُنَّ يَوْمَ الرَّوْعِ كَالْحِدَأِ الْقُبْلِ ([11])
فقالَ: (يَسْتَلْئِمُونَ) ثمَّ قالَ: (تَرَاهُنَّ).
ويُقالُ للمذكَّرِ العاقلِ في الجمعِ: (الذين) مُطلقاً؛ أي: رفعاً ونصباً وجرًّا، فتقولُ: (جاءني الذين أَكْرَمُوا زيداً، ورأيتُ الذين أَكْرَمُوه، ومَرَرْتُ بالذينَ أَكْرَمُوه).
وبعضُ العربِ يَقُولُ: (الَّذُونَ) في الرفعِ، و(الذين) في النصبِ والجرِّ، وهم بَنُو هُذَيْلٍ، ومِنه قولُه:
27- نَحْنُ الَّذُونَ صَبَّحُوا الصَّبَاحَا = يَوْمَ النُّخَيْلِ غَارَةً مِلْحَاحَا ([12])
ويُقالُ في جمعِ المؤنَّثِ: (اللاتِ واللاءِ) بحذفِ الياءِ، فتقولُ: (جَاءَنِي اللاتِ فَعَلْنَ واللاءِ فَعَلْنَ)، ويَجُوزُ إثباتُ الياءِ فتقولُ: (اللاَّتِي واللاَّئِي).
وقد وَرَدَ (اللاءِ) بمعنَى الذين؛ قالَ الشاعرُ:
28- فمَا آبَاؤُنَا بأَمَنَّ مِنْهُ = عَلَيْنَا اللاَّءِ قَدْ مَهَدُوا الحُجُورَا([13])
كما قد تَجِيءُ (الأُلَى) بمعنى اللاءِ؛ كقولِه:
فأَمَّا الأُلَى يَسْكُنَّ غَوْرَ تِهَامَةٍ = فكلُّ فتاةٍ تَتْرُكُ الحِجْلَ أَقْصَمَا


([1]) (مَوْصُولُ) مبتدأٌ أوَّلُ، وموصولُ مضافٌ و(الأسماءِ) مضافٌ إليه، (الَّذِي) مبتدأٌ ثانٍ، وخبرُ المبتدأِ الثاني محذوفٌ تقديرُه: مِنْهُ، والجملةُ من المبتدأِ الثاني وخبرِه في محلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ الأوَّلِ، (الأُنْثَى) مبتدأٌ، (التي) خَبَرُه، والجملةُ معطوفةٌ على الجملةِ الصُّغْرَى السابقةِ ـ وهي جملةُ المبتدأِ الثاني وخبرِه ـ بحرفِ عطفٍ مقدَّرٍ، والرابطُ للجملةِ المعطوفةِ بالمبتدأِ الأوَّلِ مُقَدَّرٌ، وكانَ أصلُ الكلامِ: موصولُ الأسماءِ أُنْثَاهُ التي، ويَجُوزُ أنْ يكونَ قولُه: (الأُنْثَى) مبتدأً وخبرُه محذوفٌ، والتقديرُ: كائنةٌ منه، فيكونُ على هذا قولُه: (التي) بَدَلاً من الأُنثَى، (وَالْيَا) مفعولٌ مُقَدَّمٌ لقولِهِ: (لا تُثْبِتِ) الآتِي، (إِذَا) ظَرْفٌ ضُمِّنَ معنى الشرطِ، (ما) زائدةٌ، (ثُنِّيَا) ثُنِّيَ: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، وألفُ الاثنيْنِ نائبُ فاعلٍ، والجملةُ في محلِّ جرٍّ بإضافةِ (إذا) إليها، وهي جملةُ الشرطِ، (لا) ناهيَةٌ، (تُثْبِتِ) فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بلا، وعلامةُ جزمِه السكونُ، وحُرِّكَ بالكسرِ لأجلِ الرَّوِيِّ والوزنِ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ دَلَّ عليه الكلامُ، والتقديرُ: ولا تُثْبِتِ الياءَ، إذا ثَنَّيْتَهُمَا ـ أي: الذي والتي ـ فلا تُثْبِتْها.
([2]) (بلْ) حرفُ عطفٍ معناه الانتقالُ، (ما) اسمٌ موصولٌ مفعولٌ به لفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُهُ المذكورُ بعدَه، والتقديرُ: بل أَوْلِ ما... إلخ، فهو مبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ نصبٍ، (تَلِيهِ) تَلِي: فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ بضمَّةٍ مقدَّرَةٍ على الياءِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهَا الثِّقَلُ، والفاعلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هي يعودُ إلى الياءِ، والهاءُ ضميرُ الغائبِ العائدُ إلى ما مفعولٌ به مبنيٌّ على الكسرِ في مَحَلِّ نَصْبٍ، والجملةُ من الفعلِ وفاعلِه ومفعولِه لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ صِلَةُ الموصولِ، (أَوْلِهِ) أَوْلِ: فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وجوباً تقديرُه أنتَ، والضميرُ الذي للغائبِ مفعولٌ أوَّلُ، (العَلاَمَهْ) مفعولٌ ثانٍ لأوْلِ، (والنونُ) مبتدأٌ، (إنْ) شَرْطِيَّةٌ، (تُشْدَدْ) فعلٌ مضارعٌ مبنيٌّ للمجهولِ فِعْلُ الشرطِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هي يعودُ على المبتدأِ الذي هو النونُ، (فلا) الفاءُ لربطِ الشرطِ بالجوابِ، ولا: نافيةٌ للجنسِ، (مَلاَمَهْ) اسمُ لا مبنيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ نصبٍ، وسكونُه للوقفِ، وخبرُ (لا) محذوفٌ، وتقديرُه: فلا مَلاَمَةَ عليكَ، مثلاً، والجملةُ مِن لا واسمِها وخبرِها في محلِّ جزمِ جوابِ الشرطِ، وجملةُ الشرطِ والجوابِ في محلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ.
([3]) (والنونُ) مبتدأٌ، (مِنْ ذَيْنِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ حالٍ صاحِبُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ في (شُدِّدَا) الآتِي، (وَتَيْنِ) معطوفٌ على (ذَيْنِ)، (شُدِّدَا) شُدِّدَ: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى النونِ، والألفُ للإطلاقِ، والجملةُ في محَلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ، (أيضاًً) مفعولٌ مطلَقٌ حُذِفَ فعلُه العاملُ فيه، (وتَعْوِيضٌ) مبتدأٌ، (بِذَاكَ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (قُصِدَ) الآتِي، (قُصِدَا) قُصِدَ: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، والألفُ للإطلاقِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى تَعْوِيضٌ، والجملةُ من قُصِدَ ونائبِ فاعلِهِ في محلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ، الذي هو قولُه: (تَعْوِيضٌ).
([4]) اخْتَلَفَ العلماءُ في (أنِ) الداخلةِ على فعلِ الأمرِ في نحوِ هذا المثالِ؛ فقالَ قومٌ مِنهم سِيبَوَيْهِ: هي مصدريَّةٌ مؤوَّلَةٌ لِمَا بعدَها باسمٍ يكونُ مجروراً بالباءِ المذكورةِ؛ لأنَّ حرفَ الجرِّ يَتَطَلَّبُ الاسمَ، فإنْ لم تُوجَدِ الباءُ في اللفظِ فهي مقدَّرَةٌ.
وقالَ قومٌ مِنهم الزَّمَخْشَرِيُّ: إنْ لم تُذْكَرِ الباءُ فهي مفسِّرَةٌ، نَظِيرُها في قَوْلِهِ تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا}، فإنْ تَقَدَّمَ عليها حرفُ الجرِّ فهي مصدريَّةٌ. وقالَ قومٌ: هي زائدةٌ. ومعنى (بأَنْ قُمْ) بلفظِ قُمْ.
([5]) أي: مِن وَصْلِها بالفعلِ، بقطعِ النظرِ عن كونِه ماضياً أو مضارِعاً.
([6]) اخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ فيما إذا وَقَعَ بعدَ (ما) هذه جملةٌ اسميَّةٌ مصدَّرَةٌ بحرفٍ مصدريٍّ، نحوُ قَوْلِهِم: لا أَفْعَلُ ذلكَ ما أنَّ في السماءِ نَجْماً، ولا أُكَلِّمُه ما أنَّ حِرَاءَ مَكَانَه، فقالَ جُمْهُورُ البَصْرِيِّينَ: (أنَّ) وما دَخَلَتْ عليه في تأويلِ مصدرٍ مرفوعٍ على أنه فاعلٌ لفعلٍ محذوفٍ، والتقديرُ على هذا: لا أُكَلِّمُهُ ما ثَبَتَ كونُ نجمٍ في السماءِ، وما ثَبَتَ كونُ حِرَاءَ مكانَه، فهو حينَئذٍ من بابِ وصلِ (ما) المصدريَّةِ بالجملةِ الفعليَّةِ الماضَويَّةِ، ووجهُ ذلكَ عندَهم أنَّ الأكثرَ وَصْلُها بالأفعالِ، والحمْلُ على الأكثرِ أَوْلَى، وذَهَبَ الكُوفِيُّونَ إلى أنَّ (أنَّ) وما دَخَلَتْ عليه في تأويلِ مصدرٍ مرفوعٍ أيضاًً، إلاَّ أنَّ هذا المصدرَ المرفوعَ مبتدأٌ خَبَرُه محذوفٌ، والتقديرُ على هذا الوجهِ: لا أَفْعَلُ كذا ما كونُ حِرَاءَ في مكانِه ثابتٌ، وما كونُ نَجْمٍ في السماءِ موجودٌ، فهو مِن بابِ وصلِ (ما) بالجملةِ الاسميَّةِ؛ لأنَّ ذلكَ أقلُّ تقديراً.
([7]) اشْتُهِرَ أنَّ البيتَ للحُطَيْئَةِ ـ واسمُه جَرْوَلٌ ـ يَهْجُو امرأتَه، وهو بيتٌ مُفْرَدٌ ليسَ له سابقٌ أو لاحِقٌ، وقد نَسَبَه ابنُ السِّكِّيتِ في كتابِ (الألفاظِ) (ص 73 ط بيروت)، وتَبِعَه الخَطِيبُ التِّبْرِيزِيِّ في تَهْذِيبِهِ ـ إلى أبي غَرِيبٍ النَّصْرِيِّ.
اللغةُ: (أُطَوِّفُ) أي: أُكْثِرُ التَّجْوَالَ والتَّطْوَافَ والدَّوَرَانَ، ويُرْوَى (أُطَوِّدُ) ـ بالدالِ المهملةِ مكانَ الفاءِ ـ والمعنى واحدٌ، (آوِي) مضارعُ أَوَى ـ من بابِ ضَرَبَ ـ إلى منزلِه، إذا رجَعَ إليه وأقامَ به، (قَعِيدَتُهُ) قعيدةُ البيتِ: هي المرأةُ، وقيلَ لها ذلك لأنَّها تُطِيلُ القعودَ فيه، (لَكَاعِ) يُرِيدُ أنها مُتَنَاهِيَةٌ في الخُبْثِ.
المعنى: أنا أكثرُ دَوَرَانِي وارْتِيَادِي الأماكنَ عامَّةَ النهارِ في طلبِ الرِّزْقِ وتحصيلِ القُوتِ، ثمَّ أَعُودُ إلى بيتي لأُقِيمَ فيه، فلا تَقَعُ عيني فيه إلا على امرأةٍ شديدةِ الخُبْثِ متناهيةٍ في الدَّنَاءَةِ واللُّؤْمِ.
الإعرابُ: (أُطَوِّفُ) فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وجوباً تقديرُه أنا، و(ما) مصدريَّةٌ، (أُطَوِّفُ) فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وجوباً تقديرُه أنا، و(ما) معَ ما دَخَلَتْ عليه في تأويلِ مصدرٍ مفعولٌ مطلَقٌ عامِلُه قولُه: (أُطَوِّفُ) الأوَّلُ، (ثُمَّ) حرفُ عطفٍ، (آوِي) فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وجوباً تقديرُه أنا، (إِلَى بَيْتٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (آوِي)، (قَعِيدَتُهُ) قعيدةُ: مبتدأٌ، وقعيدةُ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (لَكَاعِ) خبرُ المبتدأِ، والجملةُ من المبتدأِ وخبرِه في محلِّ جرِّ نعتٍ لقولِه: (بَيْتٍ)، وهذا إعرابٌ على حَسَبِ الظاهرِ، وأحسنُ مِن ذلكَ أنْ يكونَ خبرُ المبتدأِ محذوفاً، ويكونَ قولُه: (لكَاعِ) مُنَادًى بحرفِ نداءٍ محذوفٍ، وجملةُ النداءِ في مَحَلِّ نصبِ مفعولٍ به للخبرِ، وتقديرُ الكلامِ على هذا الوجهِ: قَعِيدَتُه مقولٌ لها: يَا لَكَاعِ.
الشاهدُ فيه: في هذا البيتِ شاهدانِ للنُّحَاةِ: أوَّلُهما في قَوْلِهِ: (مَا أُطَوِّفُ) حيثُ أَدْخَلَ (ما) المصدريَّةَ الظرفيَّةَ على فعلٍ مضارعٍ غيرِ مَنْفِيٍّ بلم، وهو الذي عناه الشارِحُ من إتيانِه بهذا البيتِ ههنا.
والشاهدُ الثاني يُذْكَرُ في أواخرِ بابِ النداءِ في ذِكْرِ أسماءٍ ملازمةٍ للنداءِ، وهو في قَوْلِهِ: (لَكَاعِ) حيثُ يَدُلُّ ظاهرُه على أنه اسْتَعْمَلَهُ خبراً للمبتدأِ فجاءَ به في غيرِ النداءِ ضرورةً، والشائعُ الكثيرُ في كلامِ العربِ أنَّ ما كانَ على زِنَةِ فَعَالِ ـ بفتحِ الفاءِ والعينِ ـ مما كانَ سبًّا للإناثِ لا يُسْتَعْمَلُ إلاَّ مُنَادًى، فلا يُؤَثِّرُ فيه عاملٌ غيرُ حرفِ النداءِ، تقولُ: يا لَكَاعِ ويا دَفَارِ، ولا يجوزُ أنْ تقولَ: هذه لَكَاعِ، ولا أنْ تقولَ: رأيتُ دَفَارِ، ولا أنْ تقولَ: مَرَرْتُ بدَفَارِ؛ ومن أجلِ هذا يُخْرَجُ قولُه: (لَكَاعِ) هنا على حذفِ خبرِ المبتدأِ وجَعْلِ (لَكَاعِ) مُنَادًى بحرفِ نداءٍ محذوفٍ، كما قلنا في إعرابِ البيتِ.
([8]) لا فرقَ بينَ أنْ يَكُونَ المفردُ مفرداً حقيقةً، كما تقولُ: زَيْدٌ الذي يَزُورُنَا رجلٌ كريمٌ، وأنْ يكونَ مفرداً حُكْماً، كما تقولُ: الفريقُ الذي أكونُ فيه فريقٌ مُخْلِصٌ نافعٌ، كما أنه لا فرقَ بينَ أنْ يكونَ عاقلاً كما مَثَّلْنَا، وأنْ يكونَ غيرَ عاقلٍ كما تقولُ: اليومُ الذي سَافَرْتُ فيه كانَ يوماً ممطراً.
([9]) (جَمْعُ) مبتدأٌ، وجمعُ مضافٌ و(الذي) مضافٌ إليه، (الأُلَى) خبرُ المبتدأِ، (الذين) معطوفٌ على الخبرِ بتقديرِ حرفِ العطفِ، (مُطْلَقَا) حالٌ من الذين، (وبعضُهم) الواوُ عاطفةٌ، بعضُ: مبتدأٌ، وبعضُ مضافٌ والضميرُ العائدُ إلى العربِ مضافٌ إليه، (بالواوِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (نَطَقَ) الآتِي، (رَفْعاً) يجوزُ أنْ يكونَ حالاً، وأنْ يكونَ منصوباً بنَزْعِ الخافِضِ، وأنْ يكونَ مفعولاً لأجلِه، (نَطَقَا) نَطَقَ: فعلٌ ماضٍ وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ على (بعضُهم)، والألفُ للإطلاقِ، والجملةُ مِن نَطَقَ وفاعلِهِ في محلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ الذي هو (بعضُهم).
([10]) (باللاَّتِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (جُمِعَ) الآتِي، (واللاَّءِ) معطوفٌ على اللاَّتِ، (التي) مبتدأٌ، (قدْ) حرفُ تحقيقٍ، (جُمِعَا) جُمِعَ: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ على التي، والألفُ للإطلاقِ، والجملةُ في محَلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ، (واللاَّءِ) الواوُ حرفُ عطفٍ، اللاءِ: مبتدأٌ، (كالذين) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ حالٍ صاحِبُهُ الضميرُ المُسْتَتِرُ في (وَقَعَ) الآتِي، (نَزْراً) حالٌ ثانيةٌ من الضميرِ المُسْتَتِرِ في وَقَعَ، (وَقَعَا) وقَعَ: فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ على (اللاءِ) والألفُ للإطلاقِ، والجملةُ مِن وَقَعَ وفاعلِهِ في محلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ الذي هو قولُه: (اللاَّءِ).
([11]) هذا البيتُ مِن كلامِ أبي ذُؤَيْبٍ خُوَيْلِدِ بنِ خَالِدٍ الهُذَلِيِّ، وقبلَه:
وتلكَ خُطُوبٌ قَدْ تَمَلَّتْ شَبَابَنَا = قَدِيماً فتُبْلِينَا المَنُونُ ومَا نُبْلِي
اللغةُ: (خُطُوبٌ) جمعُ خَطْبٍ، وهو الأمرُ العظيمُ، (تَمَلَّتْ شَبَابَنَا) اسْتَمْتَعَتْ بِهِم، (تُبْلِينَا) تُفْنِينَا، (المَنُونُ) المَنِيَّةُ والموتُ، (يَسْتَلْئِمُونَ) يَلْبَسُونَ اللأْمَةَ، وهي الدِّرْعُ، و(يومَ الرَّوْعِ) يومَ الخَوْفِ والفَزَعِ، وأرادَ به يومَ الحَرْبِ، (الحِدَأُ) جمعُ حِدَأَةٍ، وهو طائرٌ معروفٌ، ووَزْنُهُ عِنَبَةٌ وعِنَبٌ، وأرادَ بها الخيلَ على التشبيهِ، (القُبْلِ) جمعُ قَبْلاَءَ، وهي التي في عينِها القَبَلُ ـ بفتحِ القافِ والباءِ جميعاً ـ وهو الحَوَرُ.
المعنى: إنَّ حَوَادِثَ الدَّهْرِ والزمانِ قد تَمَتَّعَتْ بشبابِنا قديماً، فتُبْلِينَا المَنُونُ وما نُبْلِيهَا وتُبْلِي مِن بَيْنِنَا الدَّارِعِينَ والمُقَاتِلَةَ فوقَ الخيولِ التي تَرَاهَا يومَ الحربِ كالحِدَأِ في سُرْعَتِها وخِفَّتِها.
الإعرابُ: (وتُبْلِي) فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هي يعودُ على المنونِ في البيتِ الذي ذَكَرْنَاهُ في أوَّلِ الكلامِ على البيتِ، (الأُلَى) مفعولٌ به لتُبْلِي، (يَسْتَلْئِمُونَ) فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ بثُبُوتِ النونِ، وواوُ الجماعةِ فاعلُه، والجملةُ لا محَلَّ لها؛ صلةُ الموصولِ، (على) حرفُ جرٍّ، (الأُلَى) اسمٌ موصولٌ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ جرٍّ بعلى، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ حالٍ صاحِبُهُ (الأُلَى) الواقعُ مفعولاً به لتُبْلِي، (تَرَاهُنَّ) تَرَى: فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وجوباً تقديرُه أنتَ، والضميرُ البارزُ مفعولٌ أوَّلُ، (يَوْمَ) ظرفُ زمانٍ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: تَرَى، ويومَ مضافٌ و(الرَّوْعِ) مضافٌ إليه، (كالحِدَأِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بتَرَى، وهو المفعولُ الثاني، (القُبْلِ) صفةٌ للحِدَأِ، وجملةُ تَرَى وفاعلِه ومَفْعُولَيْهِ لا مَحَلَّ لها؛ صِلَةُ الموصولِ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (الأُلَى يَسْتَلْئِمُونَ) وقولُه: (الأُلَى تَرَاهُنَّ) حيثُ اسْتَعْمَلَ لفظَ الأُلَى في المرَّةِ الأُولَى في جمعِ المذكَّرِ العاقلِ، ثمَّ اسْتَعْمَلَهُ في المرَّةِ الثانيةِ في جمعِ المؤنَّثِ غيرِ العاقلِ؛ لأنَّ المرادَ بـ (الأُلَى تَرَاهُنَّ... إلخ) الخيلُ، كما بَيَّنَّا في لغةِ البيتِ، والدليلُ على أنه اسْتَعْمَلَهَا هذا الاستعمالَ ضميرُ جماعةِ الذكورِ في (يَسْتَلْئِمُونَ) وهو الواوُ، وضميرُ جماعةِ الإناثِ في (تَرَاهُنَّ) وهو (هُنَّ).
ومِن استعمالِ (الأُلَى) في جمعِ الإناثِ العاقلاتِ قولُ مَجْنُونِ بَنِي عَامِرٍ:
مَحَا حُبُّهَا حُبَّ الأُلَى كُنَّ قَبْلَهَا = وحَلَّتْ مَكَاناً لَمْ يَكُنْ حُلَّ مِنْ قَبْلُ
وقولُ الآخَرِ:
فأمَّا الأُلَى يَسْكُنَّ غَوْرَ تِهَامَةٍ = فكُلُّ فَتَاةٍ تَتْرُكُ الحِجْلَ أَقْصَمَا
وهذا البيتُ يَقَعُ في بعضِ نُسَخِ الشَّرْحِ، ولا يَقَعُ في أَكْثَرِها؛ ولهذا أَثْبَتْنَاهُ، ولم نَشْرَحْهُ، ومِن استعمالِه في جمعِ الذكورِ العقلاءِ قولُ الشاعرِ:
فإنَّ الأُلَى بالطَّفِّ مِن آلِ هَاشِمٍ = تآسَوْا فَسَنُّوا لِلْكِرَامِ التآسِيَا
ومِن استعمالِهِ في الذكورِ غيرِ العقلاءِ ـ وإنْ كانَ قد أَعَادَ الضميرَ عليه كما يُعِيدُهُ على جمعِ المُؤَنَّثَاتِ ـ قولُ الآخَرِ:
تُهَيِّجُنِي لِلْوَصْلِ أَيَّامُنَا الأُلَى = مَرَرْنَ عَلَيْنَا، وَالزَّمَانُ وَرِيقُ
([12]) اخْتُلِفَ في نسبةِ هذا البيتِ إلى قائِلِهِ اختلافاً كثيراً؛ فنَسَبَه أبو زَيْدٍ (النوادر 47) إلى رجلٍ جاهليٍّ من بني عُقَيْلٍ سَمَّاهُ أبا حَرْبِ الأعلمَ، ونَسَبَه الصَّاغَانِيُّ في العُبَابِ إلى لَيْلَى الأَخْيَلِيَّةِ، ونَسَبَه جماعةٌ إلى رُؤْبَةَ بنِ العَجَّاجِ، وهو غيرُ موجودٍ في دِيوانِه، وبعدَ الشاهدِ في روايةِ أبي زيدٍ:

نحنُ قَتَلْنَا الْمَلِكَ الْجَحْجَاحَا = ولم نَدَعْ لِسَارِحٍ مُرَاحَا
إلاَّ دِيَاراً أَوْ دَماً مُفَاحَا = نَحْنُ بَنُو خُوَيْلِدٍ صُرَاحَا
لا كَذِبَ الْيَوْمَ وَلاَ مُِزَاحَا
اللغةُ: (نحنُ الَّذُونَ) هكذا وَقَعَ في روايةِ النَّحْوِيِّينَ لهذا البيتِ، والذي رَوَاهُ الثِّقَةُ أبو زيدٍ في نَوَادِرِهِ: (نحنُ الذينَ) على الوجهِ المشهورِ في لغةِ عامَّةِ العربِ، وقولُه: (صَبَّحُوا) معناه جَاؤُوا بعَدَدِهم وعُدَدِهِم في وقتِ الصباحِ مُباغِتِينَ للعَدُوِّ، وعلى هذا يَجْرِي قولُ اللهِ تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ}، (النُّخَيْلِ) بضمِّ النونِ وفتحِ الخاءِ : اسمُ مكانٍ بعينِه، (غَارَةً) اسمٌ مِن الإغارةِ على العدوِّ، (مِلْحَاحَا) هو مأخوذٌ مِن قولِهم: (أَلَحَّ الْمَطَرُ) إذا دامَ، وأرادَ أنها غارَةٌ شديدةٌ تَدُومُ طويلاً، (مُفَاحَا) بضمِّ الميمِ : مُراقاً حتى يَسِيلَ، (صُراحاً) يُريدُ أنَّ نَسَبَهُم إليهم صريحٌ خالصٌ لا شُبْهَةَ فيه ولا ظِنَّةَ، وهو بزِنَةِ غُرَابٍ، وجعَلَه العَيْنِيُّ - وتَبِعَه البغداديُّ - بكسرِ الصادِ، جمعٌ صريحٌ مثلُ: كريمٍ وكِرَامٍ.
الإعرابُ: (نحنُ) ضميرٌ مُنْفَصِلٌ مبتدأٌ، (الَّذُونَ) اسمٌ موصولٌ خبرُ المبتدأِ، (صَبَّحُوا) فعلٌ وفاعلٌ، والجملةُ لا مَحَلَّ لها مِن الإعرابِ صِلَةٌ، (الصَّبَاحَا، يومَ) ظرفانِ يَتَعَلَّقَانِ بقولِهِ: (صَبَّحُوا) ويومَ مضافٌ و(النُّخَيْلِ) مضافٌ إليه، (غَارَةً) مفعولٌ لأجلِه، ويجوزُ أنْ يكونَ حالاً بتأويلِ المشتَقِّ؛ أي: مُغِيرِينَ، وقولُه: (مِلْحَاحَا) نعتٌ لغارَةٍ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (الَّذُونَ) حيثُ جاءَ به بالواوِ في حالةِ الرفعِ، كما لو كانَ جمعَ مذكَّرٍ سالماً، وبعضُ العلماءِ قدِ اغْتَرَّ بِمَجِيءِ (الذونَ) في حالةِ الرفعِ ومجيءِ (الذين) في حالَتَيِ النصبِ والجرِّ، فزَعَمَ أن هذه الكَلِمَةَ مُعْرَبَةٌ، وأنها جمعُ مذكَّرٍ سالمٌ حقيقةً، وذلك بمَعْزِلٍ عن الصوابِ، والصحيحُ أنه مبنيٌّ جِيءَ به على صورةِ المُعْرَبِ، والظاهرُ أنه مبنيٌّ على الواوِ إنْ كانَ بالواوِ، وعلى الياءِ إنْ كانَ بالياءِ.

([13]) البيتُ لرجلٍ مِن بني سُلَيْمٍ، ولم يُعَيِّنْهُ أحدٌ مِمَّن اطَّلَعْنَا على كلامِهم من العلماءِ.
اللغةُ: (أَمَنَّ) أفعلُ تفضيلٍ من قولِهم: مَنَّ عليه، إذا أَنْعَمَ عليه، (مَهَدُوا) بفتحِ الهاءِ مخفَّفَةً مِن قولِكَ: مَهَدْتُ الفِرَاشَ مَهْداً، إذَا بَسَطْتَه ووَطَّأْتَه وهَيَّئْتَهُ، ومِن هنا سُمِّيَ الفِراشُ مِهاداً؛ لِوَثَارَتِهِ، وقالَ اللهُ تعالى: {فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} أي: يُوَطِّئُونَ.
ومن ذلكَ تمهيدُ الأمورِ؛ أي: تَسْوِيَتُها وإصلاحُها، (الحُجُورَ) جمعُ حُـَِجرٍ - بفتحِ الحاءِ أو كسرِها أو ضَمِّها- وهو حِضْنُ الإنسانِ، ويقالُ: نشَأ فلانٌ في حَِجْرِ فلانٍ - بكسرِ الحاءِ أو فتحِها - يُرِيدُونَ: في حِفْظِه وسِتْرِهِ ورِعايَتِه.
المعنى: ليسَ آباؤنا ـ وهم الذين أَصْلَحُوا شأنَنَا، ومَهَدُوا أَمْرَنَا، وجَعَلُوا لنا حُجُورَهُم كالمَهْدِ ـ بأكبرَ نِعْمَةً علينا وفضلاً مِن هذا الممدوحِ.
الإعرابُ: (ما) نافيةٌ بمعنَى ليسَ، (آباؤنا) آباءُ: اسمُ ما، وآباءُ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (بأَمَنَّ) الباءُ زائدةٌ، وأَمَنَّ: خبرُ ما، (مِنْهُ عَلَيْنَا) كلاهما جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: أَمَنَّ، وقولُه: (اللاءِ) اسمٌ موصولٌ صفةٌ لآباءُ، (قدْ) حرفُ تحقيقٍ، (مَهَدُوا) مَهَدَ: فعلٌ ماضٍ، وواوُ الجماعةِ فاعلُه، (الحُجُورَا) مفعولٌ به لمَهَدَ، والألفُ للإطلاقِ، وجملةُ الفعلِ الماضي ـ الذي هو مَهَدَ ـ وفاعلِه ومفعولِه لا محَلَّ لها؛ صِلَةُ الموصولِ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (اللاَّءِ) حيثُ أَطْلَقَه على جماعةِ الذكورِ، فجاءَ به وصفاً لآباء.
وقد استعمَلوا (الأُلاَءِ) اسماً موصولا ًوأصلُه اسمُ إشارةٍ، وأَطْلَقُوه على جمعِ الذكورِ؛ كما في قولِ خَلَفِ بنِ حَازِمٍ:
إلَى النَّفَرِ الْبِيضِ الأُلاَءِ كَأَنَّهُمْ = صَفَائِحُ يَوْمَ الرَّوْعِ أَخْلَصَهَا الصَّقْلُ
وقولِ كُثَيِّرِ بنِ عبدِ الرحمنِ المشهورِ بِكُثَيِّرِ عَزَّةَ:

أَبَى اللَّهُ لِلشُّمِّ الأُلاَءِ كَأَنَّهُمْ = سُيُوفٌ أَجَادَ الْقَيْنُ يَوْماً صِقَالَهَا


  #3  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 12:15 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

هذا بابُ الموصولِ
وهو ضَرْبانِ: حَرْفِيٌّ، واسْمِيٌّ:
فالحَرفِيُّ: كلُّ حرفٍ أُوِّلَ معَ صِلَتِه بمَصْدَرٍ، وهو سِتَّةٌ: أَنَّ، وأَنْ، وَمَا، وكَيْ، ولَوْ، والَّذِي، نحوَ: َوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا}([1])، {وأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}([2])، ِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}([3])، ِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ}([4])، َوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ}([5])، {وخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا}([6]).
والاسْمِيُّ ضَرْبانِ: نَصٌّ، ومُشْتَرَكٌ.
فالنصُّثَمَانِيَةٌ: منها للمُفْرَدِ المُذَكَّرِ (الَّذِي) للعالمِ وغيرِه، نحوَ: {الْحَمْدُ للهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهَ}([7])، َذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}([8])، وللمُفْرَدِ المُؤَنَّثِ: (الَّتِي) للعَاقِلَةِ وغيرِها، نحوَ: َدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا}([9])، َا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا}([10])، ولِتَثْنيتِهما: (اللَّذانِ) و(اللَّتانِ) رفعاً، و(اللَّذَيْنِ) و(اللَّتَيْنِ) جَرًّا ونَصْباً، وكانَ القياسُ في تَثْنيتِهما وتَثْنيةِ: (ذا) و(تا)، أنْ يُقالَ: (اللَّذِيَانِ) و(اللَّتِيَانِ) و(ذَيَانِ) و(تَيَانِ). كما يُقالُ: القَاضِيَانِ - بإثباتِ الياءِ - وفَتَيَانِ - بقلبِ الألفِ ياءً - ولَكِنَّهم فَرَّقوا بينَ تَثْنيةِ المَبْنِيِّ والمُعْرَبِ، فحَذَفُوا الآخَرَ، كما فَرَّقوا في التصغيرِ؛ إذ قالوا: اللَّذَيَا واللَّتَيَا وذَيَّا وتَيَّا، فأَبْقَوُا الأوَّلَ على فَتْحِه، وزَادُوا ألِفاً في الآخرِ عِوَضاً عن ضَمَّةِ التَّصغيرِ، وتَمِيمٌ وقيسٌ تُشَدِّدُ النونَ فيهما, تعويضاً من المحذوفِ, أو تأكيداً للفَرْقِ، ولا يَخْتَصُّ ذلك بحَالةِ الرفعِ, خلافًا للبصريِّينَ؛ لأنه قد قُرِئَ في السَّبْعِ: َبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِّ) (3)، ِحْدَى ابْنَتَيْ هَاتَيْنِّ) (4) بالتشديدِ، كما قُرِئَ: َاللَّذَانِّ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ) (5)، (فَذَانِّكَ بُرْهَانَانِ) (6)، وبَلْحَرِثُ بنُ كَعْبٍ وبعضُ ربيعةَ يَحْذِفُونَ نونَ (اللَّذانِ) و(اللَّتَانِ)، قالَ:

43 - أَبَنِي كُلَيْبٍ إِنَّ عَمَّيَّ اللَّذَا
وقالَ:
44 - هُمَا اللَّتَا لَوْ وَلَدَتْ تَمِيمُ
ولا يَجوزُ ذلك في (ذانِ) و(تانِ)؛ للإلباسِ.
وتَلَخَّصَ أنَّ في نونِ الموصولِ ثَلاثَ لُغَاتٍ، وفي نُونِ الإشارةِ لُغَتَانِ.
ولجَمْعِ المُذَكَّرِ كَثِيراً, ولغيرِه قَلِيلاً,(الأُلَى) مَقْصورًا، وقد يُمَدُّ، و(الَّذِينَ) بالياءِ مُطْلقاً، وقد يُقالُ بالواوِ رَفْعاً، وهو لُغَةُ هُذَيْلٍ أو عُقَيْلٍ، قالَ:
45 - نَحْنُ الَّذُونَ صَبَّحُوا الصَّبَاحَا = يَوْمَ النُّخِيلِ غَارَةً مِلْحَاحَا


ولجمعِ المُؤَنَّثِ: (اللاَّتِي) و(اللاَّئِي)، وقد تُحْذَفُ يَاؤُهُما، وقَدْ يَتَقارَضُ الأُلَى واللاَّئِي، قالَ:
46 - مَحَا حُبُّها حُبَّ الأُلَى كُنَّ قَبْلَهَا
أي: حُبَّ اللاَّتِي، وقالَ:
47 - فَمَا آبَاؤُنَا بِأَمَنَّ مِنْهُ = عَلَيْنَا اللاَّءِ قَدْ مَهَدُوا الحُجُورَا
أي: الَّذِينَ.


([1]) سورة العنكبوت، الآية: 51.
([2]) سورة البقرة، الآية: 184.
([3]) سورة ص، الآية: 26.
([4]) سورة الأحزاب، الآية: 37.
([5]) سورة البقرة، الآية: 96.
([6]) سورة التوبة، الآية: 69.
ومِمَّا يَجِبُ أنْ تَعْلَمَه أنَّ (أَنَّ) المفتوحةَ الهمزةِ المُشَدَّدَةَ النونِ تُوصَلُ بجملةٍ اسمِيَّةٍ، وتُؤَوَّلُ معَ مَعْمُولَيْهَا بمصدرٍ، ثُمَّ إِنْ كانَ خبرُها مُشْتَقًّا نحوُ: (عَلِمْتُ أنَّ زَيْداً نائمٌ)، كانَ المصدرُ مِن لفظِه؛ أي: عَلِمْتُ قيامَ زيدٍ، وإنْ كانَ خبرُ (أنَّ) جامداً، نحوُ: (عَلِمْتُ أنَّ زَيداً أخُوكَ)، كانَ المصدرُ مِن لفظِ الكَوْنِ مُضافاً إلى اسمِها؛ أي: عَلِمْتُ كَوْنَ زَيْدٍ أخَاكَ، وإن كانَ خبرُها ظرفاً نحوُ: (عَلِمْتُ أنَّ زَيْداً عندَك) أو جَارًّا ومَجرُوراً نحوُ: (عَلِمْتُ أنَّ زَيْداً في الدارِ) كانَ المصدرُ لفظَ الاستقرارِ أو ما في معنَاهُ مُضَافاً إلى الاسمِ؛ أي: عَلِمْتُ استقرارَ زيدٍ في الدارِ، أو عندَك.
وأمَّا (أنْ) المفتوحةُ الهمزةِ الساكنةُ النونِ أصالةً، فتُوصَلُ بالجُمَلِ الفعلِيَّةِ، التي فِعْلُها مضارعٌ إجماعاً، نحوُ قولِه تعَالَى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}، والتي فعلُها ماضٍ نحوُ: (رَضِيتُ أَنْ صَاحَبْتُ زَيْداً)، والتي فِعْلُها أمرٌ نحوُ: (أَرْسَلْتُ إلى زيدٍ أَنِ اصنَعْ ما كَلَّفْتُكَ) على خلافٍ في الأخيرَيْنِ.
وأمَّا (ما) المصدريَّةُ، فتُوصَلُ بالجملةِ الاسمِيَّةِ نحوُ: (لا أَصْحَبُكَ مَا زَيْدٌ صَدِيقُكَ)، وبالجُمَلِ الفعليَّةِ التي فِعْلُها مُتَصَرِّفٌ غيرُ أمرٍ، نحوُ: (لا أَرْضَى عَنْكَ مَا صَاحَبْتَ زَيْداً).
وأمَّا (لو) فتُوصَلُ بالجملِ الفعليَّةِ بشرطِ أن يَكُونَ فِعْلُها مُتَصَرِّفاً غيرَ أَمْرٍ، نحوُ قولِه تعَالَى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}. وأمَّا مَجِيءُ (الذي) مَوصولاً حرفيًّا، فهو وجهٌ حكَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الفَارِسِيُّ عَن يُونُسَ بنِ حَبِيبٍ، وقد مَثَّلُوا له بقولِه تعَالَى: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا}، وسَبَبُ ذلك عندَهم أنَّ (الذي) مُفردٌ، وما بعدَه جمعٌ، فلو كانَ مَوصُولاً اسمِيًّا لقيلَ: (كالذي خَاضَ)، أو لقيلَ: (كالذينَ خاضُوا)، وقد يُجَابُ عن ذلك بأحَدِ جوابَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّ (الذي) اسمٌ موصولٌ صِفَةٌ لموصوفٍ محذوفٍ، وتقديرُ الكلامِ: خُضْتُمْ خَوْضاً كالخَوْضِ الذي خَاضُوا، والعائدُ ضميرٌ محذوفٌ منصوبٌ بخاضُوا؛ أي: خَاضُوه.
والجوابُ الثانِي: أنَّ (الذي) اسمٌ موصولٌ للجميعِ، وأصلُه (الذين) فحُذِفَت النونُ، كما حُذِفَت في قولِ الأَشْهَبِ بنِ رُمَيْلَةَ:
وَإِنَّ الَّذِي حَانَتْ بِفَلْجٍ دِمَاؤُهُمْ = هُمُ القَوْمُ كُلُّ القَوْمِ يَا أُمَّ خَالِدِ
فإنَّ الكلامَ يَدُلُّ على أنَّه أرادَ: (وَإِنَّ الذِينَ حَانَتْ بفَلْجٍ دِمَاؤُهُمْ) فحَذَفَ النونَ، ونظيرُه قولُ الراجزِ:
يَا رَبَّ عَبْسٍ لاَ تُبَارِكْ فِي أَحَدْ = فِي قَائِمٍ مِنْهُمْ وَلاَ فِيمَنْ قَعَدْ
إِلاَّ الَّذِي قَامُوا بِأَطْرَافِ المَسَدْ = ...
فإنَّ الكلامَ يَدُلُّ على أنَّه أرادَ: (إلاَّ الذينَ قَامُوا)، والنونُ تُحْذَفُ مِن المُثَنَّى والجمعِ في الموصولاتِ كالشاهدَيْنِ 43و 44 الآتيَيْنِ لطُولِ الاسمِ الموصولِ بالصلَةِ والعائِدِ، وسيَأْتِي هذا الكلامُ مُوَضَّحاً.
([7]) سورة الزمر، الآية: 74.
([8]) سورة الأنبياء، الآية: 103.
([9]) سورة المجادلة، الآية: 1.
([10]) سورة البقرة، الآية: 142.
43 - هذا صدرُ بيتٍ مِن الكامِلِ، وهو للأخْطَلِ التَّغْلِبِيِّ النَّصْرَانِيِّ، واسمُه غِيَاثُ بنُ غَوْثٍ، مِن كَلِمَةٍ يَهْجُو فيها جَرِيراً، وعَجُزُه قولُه:
قَتَلاَ المُلُوكَ وَفَكَّكَا الأَغْلاَلاَ
اللغةُ: (بَنِي كُلَيْبٍ) أرادَ بهم قَوْمَ جَرِيرٍ، وأَبُوهُم كُلَيْبُ بنُ يَرْبُوعٍ، (عَمَّيَّ) مُثَنَّى عَمٍّ مُضافٌ إلى ياءِ المتكَلِّمِ، والعَمُّ أخُو الأبِ، وأرَادَ بعَمَّيْهِ أَبَا حَنَشٍ عُصْمَ بنَ النُّعْمَانِ، قَاتِلُ شُرَحْبِيلِ بنِ الحَارِثِ بن عُمَرَو آكِلِ المُرَارِ يَوْمَ الكِلابِ الأوَّلِ، ودَوْكَسَ بنَ الفَدَوْكَسِ، وقيلَ: عَمُّه الآخَرُ هو عَمْرُو بنُ كُلْثُومٍ التَّغْلِبِيُّ قاتِلُ عَمْرِو بنِ هِنْدٍ. (الأغلالُ) جمعُ غُلٍّ - بضَمِّ الغينِ المُعْجَمةِ، بزِنَةِ قُفْلٍ وأَقْفَالٍ - والغُلُّ: حديدةٌ تُجْعَلُ في عُنُقِ الأسيرِ. ونَسَبَ الشيخُ خَالِدٌ البيتَ الشاهِدَ إلى الفَرَزْدَقِ، وقالَ: (وعَمَّيَّ - بالتثنِيَةِ - هُمَا هُذَيْلُ بنُ هُبَيْرَةَ وهُذَيْلُ بن عُمَرَانَ الأصغَرُ). وهو كلامٌ خالٍ عَن التحقيقِ والرجوعِ إلى الروايَةِ.
المَعْنَى: يَفْتَخِرُ على جَرِيرٍ بأنَّ قومَه فوَارِسُ شُجْعَانٌ صناديدُ، وأنَّ منهم اللذَيْنِ قَتَلاَ مَلِكَيْنِ عظيمَيْنِ واستَنْقَذَا منهما الأُسَارَى.
الإعرابُ: (أَبَنِي) الهمزةُ حرفٌ لنداءِ القريبِ، بَنِي مُنَادَى منصوبٌ بالياءِ نيابةً عن الكسرةِ؛ لأنَّه مُلحَقٌ بجمعِ المُذَكَّرِ السالمِ، وبَنِي مضافٌ، و(كُلَيْبٍ) مضافٌ إليه. (إنَّ) حرفُ توكيدٍ ونصبٍ. (عَمَّيَّ) اسمُ إنَّ منصوبٌ بالياءِ المفتوحُ ما قبلَها تحقيقاً المكسورُ ما بعدَها تقديراً؛ لأنَّه مُثَنًّى، وياءُ المتكَلِّمِ المُدغَمَةُ في ياءِ التثنيةِ مضافٌ إليه. (اللَّذَا) خبرُ إنَّ. (قَتَلاَ) قَتَلَ فِعْلٌ ماضٍ، وألِفُ الاثنَيْنِ فاعلٌ. (المُلُوكَ) مفعولٌ به، والجملةُ لا مَحَلَّ لها صِلَةٌ. (وَفَكَّكَا) الواوُ عاطفةٌ، فَكَّكَ فِعْلٌ ماضٍ، وألِفُ الاثنَيْنِ فاعِلُه مبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ رفعٍ. (الأَغْلالَ) مفعولٌ به، والألِفُ للإطلاقِ، والجملةُ لا مَحَلَّ لها عَطفٌ على جملةِ الصلَةِ.
الشاهدُ فيه: قولهُ: (اللَّذَا) حيثُ حذَفَ النونَ مِن مُثَنَّى الذي المرفوعِ، وقد عَرَفْتَ في إعرابِ البيتِ أنَّ قولَه: (اللَّذَا) خَبَرُ إِنَّ.
وإنَّما استجَازَ بَلْحَرْثِ بنُ كَعْبٍ أَجْمَعُونَ وبعضُ بنِي رَبِيعَةَ حَذْفَ نونِ (اللذانِ) وحذفَ نُونِ (اللتان)؛ لأنَّ الموصولَ لمَّا طالَ بالصلَةِ والعائدِ أرَادُوا تَقْصِيرَه؛ لكونِ الصلَةِ والموصولِ كالشيءِ الواحدِ. واعْلَمْ أنَّهُ لم يَرِدْ عنهم هذا الحذفُ في هاتَيْنِ الكلمتَيْنِ إلا في حالةِ الرفعِ، وقد وَرَدَ عن بعضِ العربِ حذفُ نونِ (الذينَ) جمعُ الذي في لُغَةِ مَن جَاءَ به بالياءِ، وفي لُغَةِ مَن جَاءَ به بالواوِ، فأمَّا الأوَّلُ فمِنه قولُ الشاعرِ في بعضِ تخرِيجَاتِه، وقد أَنْشَدْنَاه مِن قبلُ:
وَإِنَّ الَّذِي حَانَتْ بِفَلْجٍ دِمَاؤُهُمْ = هُمُ القَوْمُ كُلُّ القَوْمِ يَا أُمَّ خَالِدِ
وخَرَّجَ عليه بَعْضُ العلماءِ قولَ اللَّهِ تعالَى: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا}، فقَد زَعَمُوا أنَّ التقديرَ: وَخُضْتُمْ كالذينَ خَاضُوا، وأمَّا الثانِي فمِنه قولُ الشاعرِ:
نَحْنُ الَّذُو بِعُكَاظٍ طَيَّرُوا شَرَراً = مِنْ رُوسِ قَوْمِكَ ضَرْباً بِالمَصَاقِيلِ
قالُوا: أرَادَ: (نَحْنُ الَّذُونَ) على لُغَةِ مَن جاءَ به بالواوِ في حالِ الرفعِ - وستَأْتِي مَشْرُوحةً - فحذفَ النونَ تخفيفاً.
44 - هذا بيتٌ مِن الرَّجَزِ المَشْطُورِ، يُنْسَبُ إلى الأَخْطَلِ التَّغْلِبِيِّ صاحِبِ الشاهدِ السابِقِ، وبعدَه قولُه:
لَقِيلَ فَخْرٌ لَهُمْ صَمِيمُ
اللغةُ: (تَمِيمُ) اسمُ قبيلةٍ، وأَبُوها تَمِيمُ بنُ مُرِّ بنِ أَدِّ بنِ طَابِخَةَ، ويجُوزُ فيها التأنيثُ باعتبارِ القبيلَةِ والتذكيرُ باعتبارِ الأبِ. (فَخْرٌ) الفَخْرُ بفَتْحٍ فسكونٍ هنا، وقد تُحَرَّكُ خَاؤُه، ومِثْلُه الفَخَارُ والفَخَارَةُ - بفتحِ فائِهِما - هو التمَدُّحُ بالخِصَالِ، وأرَادَ هنا الشَّرَفَ وعَظِيمَ المنزلَةِ. (صَمِيمُ) خَالِصٌ لا شَائِنَةَ تَشُوبُه أَصْلاً.
المَعْنَى: يَمْدَحُ امرأتَيْنِ بأنَّه لو وَلَدَتْهُما تَمِيمٌ لكانَ لتَمِيمٍ بهذه الوِلادَةِ الفَخْرُ الذي لا يَشُوبُهُ شَيءٌ.
الإعرابُ: (هما) ضميرٌ مُنْفَصِلٌ مُبتدأٌ. (اللَّتَا) اسمٌ موصولٌ خبرُ المبتدأِ. (لَوْ) حَرفٌ شرطٍ غيرُ جازمٍ مبنيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ. (وَلَدَتْ) وَلَدَ فِعْلٌ ماضٍ، والتاءُ دَالَّةٌ على تأنيثِ الفاعِلِ، (تَمِيمُ) فاعِلُ وَلَدَ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ. (لَقِيلَ) اللامُ واقعةٌ في جوابِ لَوْ، قِيلَ: فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ. (فَخْرٌ) خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، وتقديرُ الكلامِ: هذا فَخْرٌ. (لَهُمْ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بفَخْرٍ أو بمحذوفٍ صِفَةٍ له. (صَمِيمُ) صفةٌ لفَخْرٍ، ويَجُوزُ أن يَكُونَ قَوْلُه: (فَخْرٌ) مُبتدأً، والجارُّ والمجرورُ بعدَه مُتَعَلِّقاً بمحذوفٍ خبرٍ، والذي سَوَّغَ الابتداءَ به معَ كَوْنِه نكرةً شيئانِ:
أحدُهما: وَصْفُه بصميمٍ.
وثانيهُما: كَوْنُه في مَعْنَى الفِعْلِ، نَحْوُ: (سَلاَمٌ عَلَى آلِ يَاسِينَ)، ونحوُ: (عَجَبٌ لك)، وعلى أيَّةِ حَالٍ تَكُونُ جملةُ المبتدأِ وخبرِه في مَحَلِّ رفعٍ نَائِبُ فاعلٍ لقِيلَ، وجملةُ الشرطِ وجوابُه لا مَحَلَّ لها صلةُ الموصولِ.
الشاهدُ فيه: قولهُ: (اللَّتَا) حيثُ حَذَفَ النونَ مِن مُثَنَّى التي المرفوعِ، فقد عَرَفْتَ أنَّهُ خبرُ المبتدأِ الذي هو الضميرُ المُنْفَصِلِ، وقد أَخْبَرْنَاكَ في شَرْحِ الشاهِدِ السابقِ أنَّ هذا الحَذْفَ ممَّا يَجُوزُ في لُغَةِ بَلْحَرْثِ بنِ كَعْبٍ أَجْمَعِينَ وبعضِ بَنِي رَبِيعَةَ، وأنَّ الذي حَفِظَهُ العُلماءُ عنهم حذفُ النونِ مِن المُثَنَّى المرفوعِ، ولم يُحْفَظْ عنهم حذفُ النونِ مِن المُثَنَّى المنصوبِ والمَخْفُوضِ.
فإن قُلْتَ: فمَا عَسَى أنْ يَكُونَ السرُّ في تَجْوِيزِهم الحذفَ مِن المُثَنَّى في حالةِ الرفعِ دُونَ حالَتَيِ النصبِ والخفضِ؟
فالجوابُ عن ذلك أنْ نَقُولَ لك: إِنَّ امتناعَ التِبَاسِ المُثَنَّى بالمُفردِ في حالةِ الرفعِ قد أبَاحَت لهم الحذفَ، وإنَّ جَوَازَ التِبَاسِ المُفْرَدِ بالمُثَنَّى في حالَتَيِ النصبِ والجَرِّ هو الذي مَنَعَهُم مِن الحَذْفِ، ألا تَرَى أنَّكَ لو قُلْتَ: (إِنَّ الَّتِي لو وَلَدَتْ تَمِيمٌ لَكَانَ لتَمِيمٍ بذلك الفَخْرُ كُلَّ الفَخْرِ) لم يُدْرَ أَرَدْتَ المُفْرَدَ فلا حَذْفَ، أم أَرَدْتَ المُثَنَّى فحَذَفْتَ النونَ؟ ولهذا تَجِدُهم لم يَجِيئُوا في (ذَانِ) و(تَانِ) بحذفِ النونِ؛ لأنَّ حَذْفَها في حالِ الرفعِ يُوقِعُ في اللَّبْسِ فلا يُدْرَى أَمُثَنًّى أرَادَ المُتَكَلِّمُ أم مُفْرَداً.
فإن قُلْتَ: فكيفَ يُمْكِنُ الالتباسُ وقد عَلِمْنَا أنَّ صلةَ الموصولِ لا بُدَّ أن تَشْتَمِلَ على ضميرٍ يَرْبِطُ الموصولَ بالصلةِ، وهذا الضميرُ يَجِبُ أن يكُونَ مُطابقاً للموصولِ في إفرادِه وتثنِيَتِه وجَمْعِه، فأنا آمَنُ - بوجودِ هذا العائِدِ - مِن التباسِ المُفردِ بالمُثَنَّى؟
فالجوابُ عن هذا أن نَقُولَ لك: لقد حَفِظْتَ شَيْئاً وغَابَت عنك أَشْيَاءُ! فإنَّ هذا الضميرَ - وإن يَكُنْ مِمَّا لا بُدَّ منه - غَيْرُ واجبِ الذكرِ، بل قد يكُونُ مَذْكُوراً، وقد يكُونُ محذوفاً وهو مُرادٌ، فلو حُذِفَ هذا الضميرُ لالتبَسَ الكلامُ كما في المثالِ الذي ذَكَرْنَاه لك، ثُمَّ إِنَّ الصلةَ لا يَجِبُ أن تَكُونَ جُملةً يَظْهَرُ فيها الضميرُ أحياناً، بل قد تكُونُ الصلةُ ظَرْفاً نحوُ أن تَقُولَ: (إِنَّ الذي - أو التي - عندك مِن قَومٍ صَالحِينَ)، فلا يَدْرِي المُخاطَبُ أمُفرداً أَرَدْتَ أم جَمْعاً، فلَمَّا كانَ الالتباسُ حَادِثاً في كثيرٍ مِن صُوَرِ الكلامِ امتَنَعُوا مِن الحذفِ، فتَفَهَّمْ هذا القولَ، واللَّهُ يُرْشِدُكَ.
45 - هذا بيتٌ مِن الرَّجَزِ المشطورِ، وقد اختَلَفَت كَلِمَةُ العلماءِ في نِسْبَةِ هذا البيتِ إلى قائِلِه اختلافاً كثيراً، ونَسَبَهُ أبو زَيْدٍ (النَّوَادِرُ 47) إلى رجلٍ جَاهِلِيٍّ مِن بَنِي عَقِيلٍ سَمَّاهُ أَبَا حَرْبٍ الأعْلَمَ، ونَسَبَهُ الصَاغَانِيُّ في (العُبَابِ) إلى لَيْلَى الأَخْيَلِيَّةِ، ونَسَبَهُ جَمَاعةٌ إلى رُؤْبَةَ بنِ العَجَّاجِ، وهو غيرُ موجودٍ في ديوانِه.
وبعدَ الشاهدِ في روايةِ أَبِي زَيْدٍ:
نَحْنُ قَتَلْنَا المَلِكَ الجَحْجَاحَا = وَلَمْ نَدَعْ لِسَارِحٍ مُرَاحَا
إلاَّ دِيَاراً أَوْ دَماً مُفَاحَا = نَحْنُ بَنُو خُوَيْلِدٍ صُرَاحَا
لاَ كَذِبَ اليَوْمَ وَلاَ مِزَاحَا = ..
اللغةُ: (نَحْنُ الَّذُونَ) هكذا وَقَعَ في روايةِ النَّحْوِيِّينَ لهذا البيتِ، والذي روَاهُ الثقةُ أَبُو زَيْدٍ في (نَوَادِرِه) على الوَجْهِ المشهورِ في لغةِ عَامَّةِ العربِ: (نَحْنُ الَّذِينَ)، وقولُه: (صَبَّحُوا) معنَاه جَاؤُوا بعَدَدِهِم وعِدَدِهِم في وَقْتِ الصباحِ مُبَاغِتِينَ للعَدُوِّ، وعلى هذا يَجْرِي قولُ اللَّهِ تعَالَى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ}. (النُّخَيْلِ) - بضَمِّ النونِ وفتحِ الخاءِ - اسمُ مكانٍ بعَيْنِه. (غَارَةً) اسمٌ مِن الإغارةِ على العَدُوِّ. (مِلْحَاحَا) هو مأخوذٌ مِن قولِهِم: (أَلَحَّ المَطَرُ) إذا دَامَ، وأرادَ أنَّها غارةٌ شديدةٌ تَدُومُ طَوِيلاً. (مُفَاحاً) - بضَمِّ الميمِ - قد أُرِيقَ حتَّى يَسِيلَ. (صُرَاحَا) يُرِيدُ أنَّ نَسَبَهم إليه صريحٌ خالصٌ لا شُبْهَةَ فيه ولا ظِنَّةَ، وهو بزِنَةِ غُرَابٍ، وجعَلَهُ العَيْنِيُّ وتَبِعَهُ البَغْدَادِيُّ بكَسْرِ الصادِ جمعُ صريحٍ، مثلُ كريمٍ وكِرَامٍ.
الإعرابُ: (نحنُ) ضميرٌ منفصلٌ مبتدأٌ. (الَّذُونَ) اسمٌ موصولٌ خبرُه، (صَبَّحُوا) فعلٌ وفاعلٌ، والجملةُ لا مَحَلَّ لها صلةٌ. (الصَّبَاحَا يَوْمَ) ظرفانِ يَتَعَلَّقَانِ بقَوْلِه: (صَبَّحُوا) ويومَ مضافٌ، و(النُّخَيْلِ) مضافٌ إليه. (غَارَةً) مفعولٌ لأجلِه، ويَجُوزُ أن يَكُونَ حَالاً بتأويلِ المُشْتَقِّ؛ أي: مُغِيرِينَ، وقولُه: (مِلْحَاحَا) نَعتٌ لغَارَةٍ.
الشاهدُ فيه: قولهُ: (الَّذُونَ) حيثُ جاءَ به بالواوِ في حالةِ الرفعِ كما لو كانَ جمعَ مُذَكَّرٍ سَالِماً، وبعضُ العلماءِ قد اغتَرَّ بمجيءِ (الَّذُونَ) في حالةِ الرفعِ ومجيءِ (الَّذِينَ) في حالَتَيِ النصبِ والجَرِّ، فزَعَمَ أنَّ هذه الكَلِمَةَ مُعْرَبَةٌ وأنَّها جمعُ مُذَكَّرٍ سالمٌ حقيقةً، وذلك بمَعْزِلٍ عن الصوابِ، والصحيحُ أنَّه مَبْنِيٌّ جِيءَ به على صورةِ المُعربِ، والظاهرُ أنه مبنيٌّ على الواوِ والياءِ.
46 - هذا صدرُ بيتٍ من الطويلِ، وعَجُزُه قَوْلُه:
وَحَلَّتْ مَكَاناً لَمْ يَكُنْ حُلَّ مِنْ قَبْلُ
وقد نَسَبُوا هذا البيتَ إلى مَجْنُونِ لَيْلَى قَيْسِ بنِ ملوح= العامِرِيِّ، ولم أَجِدْهُ في ديوانِ شِعْرِه، ووَجَدْتُ صَاحِبَ (تَزْيِينِ الأَسْوَاقِ) (1/65) قد نَسَبَه إليه ثَالِثَ ثلاثةِ أَبْيَاتٍ، والبيتانِ اللذانِ قبلَه هما قولُه:
أَظُنُّ هَوَاهَا تَارِكِي بِمَضَلَّةٍ = مِنَ الأَرْضِ لاَ مَالٌ لَدَيَّ وَلاَ أَهْلُ
وَلاَ أَحَدٌ أُفْضِي إِلَيْهِ وَصِيَّتِي = وَلاَ صَاحِبٌ إِلاَّ المَطِيَّةُ وَالرَّحْلُ
اللغةُ: (مَحَا) تَقُولُ: مَحَوْتُ الكتابةَ أَمْحُوهَا مَحْواً - مِن بابِ نَصَرَ - إذ أَزَلْتَهَا. (الأُلَى كُنَّ قَبْلَها) أرَادَ النساءَ اللاتِي عَرَفَهُنَّ وأَحَبَّهُنَّ مِن قبلِ أن يَتَعَرَّفَ إلى لَيْلَى. (وَحَلَّتْ مَكَاناً – إلخ) أرَادَ أنَّ حُبَّهَا لم يَكْتَفِ بأن أَزَالَ كُلَّ أَثَرٍ في قَلْبِه لمَن كانَ قَبْلَها، بل زَادَ على ذلك أنْ حَلَّ مَكَاناً كانَ فَارِغاً مِن الهَوَى.
المَعْنَى: أرادَ أنَّ حُبَّ هذه المَرْأَةِ قد مَلَكَ عليه كُلَّ قَلْبِه، وأنَّه غَطَّى على كُلِّ حُبٍّ كانَ قَبْلَها، وأنَّه لم يَتْرُكْ له مُتَصَرَّفاً.
الإعرابُ: (مَحَا) فِعْلٌ ماضٍ. (حُبُّها) حُبُّ فاعلُ مَحَا، وحُبُّ مُضَافٌ وضميرُ الغائبةِ مُضافٌ إليه. (حُبَّ) مفعولٌ به، وحُبَّ مضافٌ، و(الأُلَى) اسمٌ موصولٌ مضافٌ إليه. (كُنَّ) كانَ فِعْلٌ ماضٍ ناقصٌ، ونونُ النسوةِ العائدُ على الأُلَى اسمُها. (قَبْلَها) قبلَ ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرُ كانَ، وقبلَ مُضافٌ وضميرُ الغائبةِ العائدُ إلى المحبوبةِ مضافٌ إليه، وجُملةُ كَانَ واسمِه وخبرِه لا مَحَلَّ لها صلةُ الموصولِ. (وَحَلَّتْ) الواوُ عاطفةٌ، حَلَّ فِعْلٌ ماضٍ، والتاءُ علامةٌ على تأنيثِ الفاعلِ، والفاعلُ ضميرٌ مستترٌ فيه جوازاً تقديرُه هي. (مَكَاناً) مفعولٌ به لحَلَّ. (لَمْ) نافيةٌ جازمةٌ. (يَكُنْ) فعلٌ مضارعٌ ناقصٌ، واسمُه ضميرٌ مستترٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يَعُودُ إلى المكانِ. (حُلَّ) فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ فاعلِه ضميرٌ مستترٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى اسمِ يَكُنْ، وجملةُ الفعلِ ونائبِ فاعِلِه في مَحَلِّ نصبٍ خَبَرُ يَكُنْ، وجملةُ يَكُنْ واسمِهِ وخَبَرِه في مَحَلِّ نصبٍ صِفَةٌ لمكانٍ. (مِنْ) حرفُ جَرٍّ. (قَبْلُ) ظرفُ زمانٍ مبنيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ جَرٍّ بمِن، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بحُلَّ المبنيِّ للمجهولِ.
الشاهدُ فيه: قولهُ: (الأُلَى كُنَّ قَبْلَها) حيثُ استَعْمَلَ لَفْظَ (الأُلَى) في جماعةِ الإناثِ العاقِلاتِ، والدليلُ على ذلك شَيْئَانِ:
أَوَّلُهما: المَعْنَى؛ فإنَّه يُرِيدُ أنَّ حُبَّ هذه المَرْأَةِ قد أَزَالَ حُبَّ النساءِ الأُلَى كُنَّ قَبْلَها.
وثَانِيَتُهما: الضميرُ الموضوعُ لجماعةِ الإناثِ في قولِه: (كُنَّ قَبْلَها)؛ فإنَّه يَدُلُّ على ما ذَكَرْنَاهُ مِن أَنَّ المُرادَ بالأُلَى جَمَاعَةُ الإناثِ، ومثلُ هذا الشاهدِ قولُ الآخَرِ:
فَأَمَّا الأُولَى يَسْكُنَّ غَوْرَ تِهَامَةٍ = فَكُلُّ فَتَاةٍ تَتْرُكُ الحِجْلَ أَقْصَمَا
والأصلُ في (الأُولَى) أن يُسْتَعَمَلَ في جمعِ الذكورِ، نحوُ قولِ الشاعرِ:
رَأَيْتُ بَنِي عَمِّي الأُولَى يَخْذُلُونَنِي = عَلَى حَدَثَانِ الدَّهْرِ إِذْ يَتَقَلَّبُ
وسنَذْكُرُ له شاهداً آخَرَ - كما سنَذْكُرُ للمَمْدُودِ شوَاهِدَ - معَ شَرْحِ الشاهدِ التالِي.
47 - هذا البيتُ مِن الوافرِ، وهو لرجلٍ مِن بَنِي سُلَيْمٍ لم يُعَيِّنْهُ العلماءُ.
اللغةُ: (أَمَنَّ) أفعلُ تفضيلٍ مِن قولِهم: (مَنَّ عليه) إذا أَنْعَمَ عليه. (مَهَدُوا) - بفتحِ الهاءِ مُخَفَّفَةً - مِن قولِكَ: (مَهَدْتُ الفِرَاشَ مَهْداً) إذا بَسَطْتَه ووَطَّأْتَه وهَيَّأْتَه، ومِن هنا سُمِّيَ الفِرَاشُ مَهْداً لوَثَارَتِه وبَسْطِه، وقالَ اللَّهُ تعَالَى: {فَلأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ}؛ أي: يُوَطِّئُونَ، ومِن ذلك تَمْهِيدُ الأمورِ؛ أي: تَسْوِيتُها وإصلاحُها. (الحُجُورَ) جمعُ حِجْرٍ - بفتحِ الحاءِ أو كسرِها أو ضَمِّها - وهو حُضْنُ الإنسانِ، ويُقَالُ: (نَشَأَ فُلانٌ في حِجْرِ فُلانٍ) - بكسرِ الحاءِ أو فَتْحِها - يُرِيدُونَ في حِفْظِه وسِتْرِه ورِعَايَتِه.
المَعْنَى: ليسَ آباؤُنا - وهم الذين أَصْلَحُوا شَأْنَنَا ومَهَدُوا أَمْرَنا وجَعَلُوا حُجُورَهم لنا كالمَهْدِ - أَكْثَرَ نِعْمَةٍ علينا وفضلاً مِن هذا الممدوحِ.
الإعرابُ: (ما) نافيةٌ بمَعْنَى ليسَ. (آبَاؤُنا) آباءُ اسمُ ما، وآباءُ مُضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه. (بأَمَنَّ) الباءُ زائدةٌ، وأَمَنَّ خبرُ ما. (منه عَلَيْنَا) كلاهما جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بأَمَنَّ، وقولُه: (اللاءِ) اسمٌ موصولٌ صفةٌ لآباءِ. (قَدْ) حرفُ تحقيقٍ. (مَهَدُوا) فعلٌ وفاعلٌ، والجملةُ لا مَحَلَّ لها صلةُ الموصولِ. (الحُجُورَا) مفعولٌ به لقولِه: مَهَدُوا، والألفُ للإطلاقِ.
الشاهدُ فيه: قولهُ: (اللاءِ) حيثُ أَطْلَقَه على جماعةِ الذكورِ العقلاءِ، فجاءَ به وَصْفاً لآباءٍ، وهو قليلٌ، وإنَّما يُطْلَقُ عليهم أَصَالَةً (الأُلَى) مَقصوراً أو ممدوداً، فمِن الأوَّلِ قولُ أَبِي ذُؤَيْبٍ الهُذَلِيِّ:
وَتُبْلِي الأُلَى يَسْتَلْئِمُونَ عَلَى الأُلَى = تَرَاهُنَّ يَوْمَ الرَّوْعِ كَالحِدَإِ القُبْلِ
والاستشهادُ هنا في قولِه: (يَسْتَلْئِمُونَ). ومِن الثانِي قولُ خَلَفِ بنِ حَازِمٍ:
إِلَى النَّفَرِ البِيضِ الأَلاَءِ كَأَنَّهُمْ = صَفَائِحُ يَوْمَ الرَّوْعِ أَخْلَصَهَا الصَّقْلُ


  #4  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 12:18 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني

الموصولُ
88- مَوْصُولُ الأَسْمَاءِ الذي الأُنْثَى التي = واليا إِذَا مَا ثُنِّيَا لا تُثْبِتِ
89- بَلْ مَا تَلِيهِ أَوْلِهِ العَلاَمَةَ، = وَالنونُ إِنْ تُشْدَدْ فَلا مَلاَمَهْ
(مَوْصولُ الأسماءِ) ما افتقَر أبدًا إلى عائدٍ أو خلَفَه، وجملةٍ صريحةٍ أو مؤوَّلةٍ، كذا حدَّهُ في (التسهيلِ)، فخرجَ بقيدِ "الأسماءِ" الموصولِ الحرفيِّ، وسيأتي ذِكْرُه آخرَ البابِ، وبقولِه: "أَبَدًا" النكرةُ الموصوفةُ بجملةٍ، فإنَّها إنما تفتقرُ إليها حالَ وصفِها بها فقطْ، وبقولِه: "إلى عائدٍ" حيثُ و"إِذْ" و"إِذَا"؛ فإنَّها تفتقِرُ أبدًا إلى جملةٍ ، لكنْ لا تفتقِرُ إلى عائدٍ، وقولُه: أو "خلَفَه" إدخالُ نحوِ قولِه [من الطويل]:
82- سُعَادُ التي أَضْنَاكَ حُبُّ سَعَادَا َ = وَإِعْرَاضُهَا عَنْكَ اسْتَمَرَّ وَزَادَا
وقولُه [من الطويل]:
83- فَيَا رُبَّ أَنْتَ اللَّهُ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ = وَأَنْتَ الذي في رحمةِ اللَّهِ أَطْمَعُ
ممَّا ورَدَ فيه الربطُ بالظاهرِ. وأرَادَ بالمُؤَوَّلةِ الظرفَ والمجرورِ والصفةِ الصريحةِ، على ما سيأتي بيانُهُ .
نوعا الاسمِ الموصولِ:
وهذا الموصولُ على نوعينِ: نصٍّ، ومشتركٍ، فالنصُّ ثمانيةٌ : (الذي) للمفردِ المذكَّرِ، عاقِلاً كانَ أو غيرَهُ، و"الأنُثْى" المفردةُ لها (التي) عاقلةً كانَتْ أو غيرَها. وفيهما سِتُّ لغاتٍ: إثباتُ الياءِ، وحذفُها مع بقاءِ الكسرةِ، وحذفِها مع إسكانِ الذالِ أو التاءِ، وتشديدِها مكسورةً ومضمومةً، والسادسةُ حذفُ الألفِ واللامِ وتخفيفِ الياءِ ساكنةً (واليا) منهما (إذا ما ثُنِّيَا لا تُثْبِتِ * بَلْ ما تَلِيهِ) الياءُ، وهو الذالُ مِنَ الذي، والتاءُ مِنَ التي أوَّلُهُ العلامةُ الدالَّةُ على التثنيةِ، وهي الألفُ في حالةِ الرفعِ، والياءُ في حالتِي الجرِّ والنصبِ؛ تقولُ: "اللذَانِ"، و"اللتَانِ"، و"اللذِينَ"، و"اللتين" وكانَ القياسُ "اللذِيَانِ"، و"اللَّتِيَانِ"، و"اللَّذِيَيْنِ"، و"اللَّتِيَيْنِ" بإثباتِ الياءِ، كما يقالُ "الشَّجِيَّانِ"، و"الشَّجِيَيْنِ" في تثنيةِ "الشَّجِيِّ" وما أشبهَهُ، إلا أنَّ "الذي"، و"التي" لم يكنُ ليائِهِمَا حظٌّ في التحريكِ لبنائِهِمَا، فاجتمَعَتْ ساكنةً مع العلامةِ؛ فحُذِفَتْ لالتقاءِ الساكنينِ (والنونُ) من مثنَّى "الذي" و"التي" (إِنْ تُشْدَدْ فَلا مَلاَمَهْ) على مُشَدِّدِهَا، وهو في الرفعِ متَّفَقٌ على جوازِه، وقد قُرِئَ: {واللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} وأمَّا في النصبِ فمنَعَهُ البصريُّ، وأجازَهُ الكوفيُّ، وهو الصحيحُ، فقد قُرِئَ في السبعِ: { رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا}.
90- وَالنونُ مِنْ ذَيْنِ وَتَيْنِ شَدِّدَا = أَيْضًا، وتعويضٌ بِذَاكَ قُصِدَا
(والنونُ مِنْ ذَيْنِ وَتَيْنِ) تثنيةُ "ذا" و"تا"، (شُدِّدَا أيضًا) مع الألفِ باتِّفَاقٍ، ومع الياءِ على الصحيحِ، وقد قُرِئَ: (فَذَانِّكَ بُرْهَانَانِ)، (إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ) بالتشديدِ فيهما (وتعويضٌ بِذَاكَ) التشديدِ مِنَ المحذوفِ، وهو الياءُ مِنَ "الذي" و"التي"، والألفُ من "ذا" و"تا" (قُصِدَا) على الأصحِّ؛ وهذا التشديدُ المذكورُ لغةُ تميمٍ وقيسٍ ، وأَلِفُ "شُدِّدَا" و"قَصَدَا" للإطلاقِ، انتهى حُكْمُ تثنيةِ "الذي" و"التي".
91- جمعُ الذي الأُلَى الذينَ مُطْلَقًا = وبعضُهُمْ بِالْوَاوِ رَفْعًا نُطِقَا
92- بِاللاَّتِ وَاللاَّءِ – التي قَدْ جُمِعَا = وَاللاَّءِ كاَلذينِ نَزْرًا وَقَعَا
وأما (جَمْعُ الذي) فشيئانِ: الأَوَّلُ (الأُلَى) مقصورًا، وقد يُمَدُّ، قال الشاعرُ [من الطويل]:
84- وَتُبْلِي الأُلَى يَسْتَلْئِمُونَ عَلَى الأُلَى = تَرَاهُنَّ يَوْمَ الرَّوْعِ كَالحِدَإِ القُبْلِ

وقالَ آخرُ [من الطويل]:
85- أَبَى اللَّهُ لِلشُّمِّ الأُلاَءِ كأنَّهُمْ = سِيوفٌ أَجَادَ القَيْنُ يَوْمًا صِقَالَهَا
والكثيرُ استعمالُه في جمعِ مَنْ يعقِلُ، ويستعَمَلُ في غيرِه قليلاً، وقد يُسْتَعْمَلُ أيضًا جمعًا للتي، كمَا في قولِه في البيتِ الأَوَّلِ: "على الأُلَى تَرَاهُنَّ".
وقولُه [من الطويل]:
86- مَحَا حُبُّهَا حُبَّ الأُلَى كُنَّ قَبْلَهَا = وَحَلَّتْ مَكَانًا لَمْ يَكُنْ حَلَّ مِنْ قَبْلُ

والثاني (الذينَ) بالياءِ (مطلقًا) أي: رفعًا ونصبًا وجرًّا (وبعضُهُمْ) وهم هُذَيلٌ أو عقيلٌ (بالواو رفعا نطقا) قال [من الرجز]:
87- نَحْنُ الَّذُونَ صَبَّحُوا الصَّبَاحَا = يَوْمَ النَّخِيلِ غَارَةً مِلْحَاحَا
تنبيهٌ : مِنَ المعلومِ أنَّ "الأُلَى" اسمُ جمعٍ، لا جمعٍ، فإطلاقُ الجمعِ عليه مجازٌ، وأما "الذين" فأنَّهُ خاصٌّ بالعقلاءِ، و"الذي" عامٌّ في العاقلِ وغيرِه، فهما كالعالَمِ والعَالَمِينَ. اهـ.
(بِاللاَّتِ واللاءِ) بإثباتِ الياءِ وحذفِها فيهما (التي قد جُمِعَا) التي: مبتدأٌ، و"قد جُمِعَا" خبرُهُ، و"باللاَّتِ" متعلِّقٌ بجُمِعَ، أي: التي قد جُمِعَ باللاَّتِي واللاَّئِي، نحوَ: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ}، {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ}، وقد تقدَّمَ أنَّهَا تُجْمَعُ على "الأُلَى"، وتُجْمَعُ أيضًا على "اللَّوَاتِي" بإثباتِ الياءِ وحذفِها، وعلى "اللَّوَاءِ" ممدودًا ومقصورًا، وعلى "اللاَّ" بالقصرِ، و"اللاَّءَاتِ" مبنيًا على الكسرِ، أو معربًا إعرابَ "أُولاَتِ"؛ وليسَتْ هذه بجموعِ حقيقةٍ، وإنَّما هي أسماءُ جموعٍ.
(واللاَّءِ كَالذينَ نَزْرًا وَقَعًا) اللاءِ: مبتدأً، و"وقَعَ" خبرُه، و"كالذينَ" متعلِّقٌ به، و"نَزَرَا" أي: قليلًا، حالَ مِنْ فاعلٍ "وقَعَ"، وهو الضميرُ المستتِرُ فيه، والأَلِفُ للإطلاقِ والمعنَى أنَّ اللاَّئِي وقَعَ جمعًا للذي قليلا، كما وقَعَ "الأُلَى" جمعًا للتي كما تقدَّمَ؛ ومِنْ هذا قولُه [من الوافر]:
88- فَمَا آباؤُنَا بِأَمَنَّ مِنْهُ = عَلَيْنَا اللاءِ قَدْ مَهَدُوا الحُجَورَا


  #5  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 12:20 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان

الاسمُ الموصولُ
ألفاظُ الموصولِ الْمُخْتَصِّ
88- موصولُ الأسماءِ الذي الأُنْثَى التي = واليَا إذَا ما ثُنِّيَا لا تُثْبِتِ
89- ما تَلِيهِ أَوْلِهِ العَلامَهْ = والنونُ إنْ تُشْدَدْ فلا مَلامَهْ
90- والنونُ مِن ذَيْنِ وتَيْنِ شُدِّدَا = أيضاً وتعويضٌ بذاكَ قُصِدَا
هذا القِسْمُ الرابعُ مِن أقسامِ المعارِفِ، وهو (الاسمُ الموصولُ)
والموصولُ قِسْمانِ:
1- موصولٌ اسْمِيٌّ: وهو المرادُ هنا.
2- موصولٌ حَرْفِيٌّ: وهو كلُّ حرْفٍ أُوِّلَ معَ صِلَتِه بِمَصْدَرٍ ولم يَحْتَجْ إلى عائدٍ، وليسَ مِن أقسامِ الْمَعارِفِ؛ لكونِه حَرْفاً، ولم يَذْكُرْه ابنُ مالِكٍ في الأَلْفِيَّةِ، ومَن ذَكَرَه فللمُناسبَةِ بينَه وبينَ الموصولِ الاسميِّ مِن جِهةِ الصِّلةِ، وأحكامُه مَبثوثةٌ في أبوابِ النحوِ، وهو خمسةُ أحْرُفٍ:
1- أنِ (الساكنةُ النونِ أصالةً) نحوُ: عَجِبْتُ مِن أنْ تَأَخَّرَ الضيْفُ؛ أيْ: مِن تَأَخُّرِه.
2- أنَّ (المُشَدَّدَةُ النونِ)، نحوُ: سَرَّنِي أنَّكَ مُواظِبٌ؛ أيْ: مواظَبَتُكَ.
3- كي، نحوُ: أتَقَدَّمُ إلى المسجِدِ لكَيْ أحْصُلَ على الصَّفِّ الأَوَّلِ؛ أيْ: (لِحُصولِي)(*).
4- ما الْمَصدريَّةُ الظرفيَّةُ، نحوُ: لا أصْحَبُكَ ما دُمْتَ مُنْحَرِفاً؛ أيْ: مُدَّةَ دوامِكَ، وغيرُ الظرفيَّةِ نحوُ: عَجِبْتُ مما أَهَنْتَ علِيًّا؛ أي: مِن إهانَتِكَ عَلِيًّا.
5- لو: نحوُ: وَدِدْتُ لو رأيتُكَ في حَلَقَاتِ العلْمِ؛ أيْ: رُؤيَتَكَ.
أمَّا الموصولُ الاسميُّ فهو: اسمٌ يُعَيَّنُ مُسَمَّاهُ بقَيدِ الصلةِ المشتَمِلَةِ على عائدٍ، وهو قِسْمانِ:
1- موصولٌ اسْمِيٌّ مُخْتَصٌّ، وهو ما كانَ نَصًّا في الدَّلالةِ على بعضِ الأنواعِ لا يَتَعَدَّاها.
2- موصولٌ اسْمِيٌّ مُشتَرَكٌ: وهو الذي لا يَخْتَصُّ بنوعٍ مُعَيَّنٍ، وإنما يَصْلُحُ للأنواعِ كلِّها، وهذا سيَأتي إنْ شاءَ اللَّهُ.
أمَّا الأوَّلُ فله ثَمانيةُ ألفاظٍ:
1- الذي: للمُفْرَدِ المُذَكَّرِ للعالِمِ وغيرِه، قالَ تعالى: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا}، وقالَ تعالى: {هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}، وهو اسمٌ موصولٌ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ رفْعٍ أو نَصْبٍ أو جَرٍّ.
2- التي: للمُفْرَدِ المؤنَّثِ، للعاقِلَةِ وغيرِها، قالَ تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا}، وقالَ تعالى: {مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا}، وهو اسمٌ مَوصولٌ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ رفْعٍ أو نصْبٍ أو جَرٍّ.
3- اللذانِ: للمُثَنَّى المُذَكَّرِ، عاقِلاً أو غيرَ عاقِلٍ، رفْعاً، واللذينِ: نَصْباً وجَرًّا، وذلك بحَذْفِ الياءِ مِن الاسْمِ الْمُفْرَدِ (الذي) والإتيانِ بالألِفِ والنونِ المكسورةِ مكانَها في حالةِ الرفْعِ، والياءِ المفتوحِ ما قَبْلَها والنونِ المكسورةِ بعدَها، وذلك في حالَتَيِ النصْبِ والْجَرِّ، قالَ تعالى: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا}، وقالَ تعالى: {رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ}، والأحسَنُ أنْ يُعْرَبَ إعرابَ المُثَنَّى؛ ففي الآيةِ الأُولَى: مُبتدأٌ مرفوعٌ وعَلامَةُ رفْعِه الألِفُ، وفي الثانيةِ: مفعولٌ منصوبٌ بالياءِ.
4- اللتانِ: للمُثَنَّى المؤنَّثِ عاقِلاً أو غيرَ عاقِلٍ، وحُكْمُه كما تَقَدَّمَ في (اللَّذانِ) مِن الحذْفِ والتعويضِ والإعرابِ، تقولُ: حَضَرَتِ اللَّتانِ ضَمَّدَتَا الْجِراحَ.
ويَجوزُ تشديدُ النونِ فيهما؛ لاستعمالِ العرَبِ ذلك، وقد قَرَأَ مِن السبعةِ عبدُ اللَّهِ بنُ كَثيرٍ الْمَكِّيُّ: (وَاللَّذَانِّ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ) بتشديدِ النونِ، كما قرَأَ: (رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَينِّ أَضَلاَّنَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ) مما يَدُلُّ على أنَّ التشديدَ لا يَخْتَصُّ بحالةِ الرفْعِ.
وهذا التشديدُ يَجُوزُ أيضاً في تثنيةِ اسمِ الإشارةِ: (ذا وتَا)، وقد قَرَأَ ابنُ كثيرٍ وأبو عمرِو بنُ العلاءِ البَصريُّ: (فَذَانِّكَ بُرْهَانَانِ)، و(إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَينِّ) بتشديدِ النونِ.
وهذا معنى قولِه: (موصولُ الاسماءِ.. إلخ)؛ أيْ: ألفاظُ الموصولِ الاسْمِيِّ هي: (الذي)، ولم يَذْكُرْ أنها للمُفْرَدِ المُذَكَّرِ؛ مُكْتَفِياً بالمقابَلَةِ في قولِه: (الأُنْثَى التي)، ثم أَوْضَحَ أنَّكَ لا تُثْبِتُ الياءَ في (الذي والتي) عندَ التثنيةِ، بل تَحْذِفُها، وتَجْعَلُ علامةَ التثنيةِ - وهي الألِفُ أو الياءُ - وَالِيَةً للحرْفِ الذي تَلِيهِ الياءُ، (وهو الذالُ في الذي والتاءُ في التي)، ثم ذَكَرَ بأنَّ تشديدَ النونِ في التثنيةِ لا لَوْمَ فيه، وكذلك تشديدُ النونِ مِن (ذَيْنِ وتَيْنِ)، وأنَّ التشديدَ في هذه النوناتِ كلِّها هو تعويضٌ عن الياءِ التي حُذِفَتْ مِن الموصولِ والألِفِ مِن اسمِ الإشارةِ، والعِلَّةُ الصحيحةُ هي استعمالُ العَرَبِ.
بقيَّةُ ألفاظِ الموصولِ الْمُخْتَصِّ
91- جَمْعُ الذي الأُلَى الذينَ مُطْلَقَا = وبعضُهم بالواوِ رَفْعاً نَطَقَا
92- باللاتِ واللآءِ التي قد جُمِعَا = واللاءِ كالَّذينَ نَزْراً وَقَعَا
ذِكْرُ الألفاظِ الأربعةِ الباقيةِ مِن الموصولِ الخاصِّ، وهي:
5- الأُلَى: لجَمْعِ المُذَكَّرِ العاقِلِ كثيراً، ولغيرِه قليلاً، وهي مَبنيَّةٌ على السكونِ، تقولُ: سَرَّنِي الأُلَى ساهَمُوا في الدعوةِ إلى اللَّهِ.
6- الذينَ: لجَمْعِ المُذَكَّرِ أيضاً، وفيها لغتانِ:
الأُولَى: الذينَ: بالياءِ في الأحوالِ الثلاثةِ؛ الرفْعِ والنصْبِ والجَرِّ، وهي لُغةُ جُمهورِ العرَبِ، وهي مَبْنِيَّةٌ على الفتْحِ، قالَ تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ}، وقالَ تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}، وقالَ تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}.
الثانيةُ: الَّذونَ: بالواوِ رَفْعاً، والَّذينَ بالياءِ نَصْباً وجَرًّا، وهي لُغةُ هُذيلٍ أو عُقَيْلٍ، وعليها جاءَ قولُ الشاعِرِ:
نحنُ الَّذُونَ صَبَّحُوا الصَّبَاحَا = يَوْمَ النُّخَيْلِ غَارَةً مِلْحَاحَا
وهو مَبْنِيٌّ على الواوِ أو الياءِ، أو مرفوعٌ بالواوِ ومنصوبٌ ومجرورٌ بالياءِ، فيكونُ مُعْرَباً.
7- اللاتي: لجمْعِ المؤنَّثِ، وقد تُحْذَفُ الياءُ، قالَ تعالى: {وَاللاَّتِ يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ}، وهي مَبْنِيَّةٌ على السكونِ في حالةِ ثُبُوتِ الياءِ، ومَبْنِيَّةٌ على الكسْرِ في حالِ حَذْفِها.
8- اللاَّئي: لجمْعِ المؤنَّثِ أيضاً، وقد تُحذَفُ الياءُ، وبالإثباتِ قَرَأَ السبعةُ، وبالحذْفِ قَرَأَ آخرونَ في قولِه تعالى: {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ}، وبِناؤُها على السكون ِأو الكسْرِ كالتي قَبْلَها.
وقد يَقَعُ كلٌّ مِن (الأُلَى) و(اللاَّئِي) مكانَ الآخَرِ؛ قالَ الشاعرُ:
فما آباؤُنا بأَمَنَّ منهُ = علينا اللاءِ قد مَهَدُوا الْحُجُورَا
أيِ: الذين؛ بدليلِ (مَهَدُوا) فإنَّ الواوَ لجماعةِ الذكورِ.
وقالَ آخَرُ:
محا حُبُّها حُبَّ الأُلَى كُنَّ قَبْلَها = وحَلَّتْ مكاناً لم يَكُنْ حُلَّ مِن قَبْلُ
أي: اللاَّئِي بدليلِ (كُنَّ قَبْلَها)؛ فإنَّ النونَ لجماعةِ الإناثِ.
وإلى ما ذَكَرْنا أَشَارَ ابنُ مالِكٍ بقولِه: (جَمْعُ الذي الأُلَى.. إلخ)؛ أيْ: أنَّ كَلِمَةَ (الذي) تُجْمَعُ جَمْعاً لُغَوِيًّا - وهو الذي يَدُلُّ على مطلَقِ التَّعَدُّدِ - على الأُلَى والذينَ، لا جَمْعاً نَحْوِيًّا، ويُقالُ فيها (الذينَ) مُطْلَقاً, وبعضُ العرَبِ نَطَقَ بالواوِ في حالةِ الرفْعِ، وكذا جَمْعُ (التي) على اللاَّتِي واللاَّئِي، واللاَّءِ وقَعَ مَوْقِعَ الذينَ، وهذا (نَزْرٌ)؛ أيْ: قليلٌ.

(*) لعلها: للحصول حيث لا يستقيم الكلام.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الموصول, الاسم

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:05 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir