دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 ذو الحجة 1429هـ/18-12-2008م, 12:20 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي وقوع الحال جملة


ومَوْضِعَ الحالِ تَجيءُ جُمْلَةْ= كجاءَ زيدٌ وَهْوَ ناوٍ رِحْلَةْ
وذاتُ بَدْءٍ بِمُضارِعٍ ثَبَتْ = حَوَتْ ضَمِيرًا ومِن الواوِ خَلَتْ
وذاتُ واوٍ بعدَها انْوِ مُبْتَدَا = لهُ المضارِعُ اجْعَلَنْ مُسْنَدَا
وجُملةُالحالِ سِوَى ما قُدِّمَا = بواوٍ أوْ بِمُضمَرٍ أوْ بِهِمَا

  #2  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 02:55 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


ومَوْضِعَ الحَالِ تَجِيءُ جُمْلَهْ = كَـ(جاءَ زَيْدٌ وَهْوَ نَاوٍ رِحْلَهْ) ([1])

الأصلُ في الحالِ والخبرِ والصفةِ الإفرادُ، وتَقَعُ الجملةُ مَوْقِعَ الحالِ كما تَقَعُ موقعَ الخبرِ والصفةِ، ولا بُدَّ فيها من رابطٍ ([2])، وهو في الحاليَّةِ إمَّا ضميرٌ، نحوُ: (جاءَ زيدٌ يَدُهُ على رَأْسِهِ)، أو واوٌ، وتُسَمَّى واوُ الحالِ وواوُ الابتداءِ، وعلامتُها صِحَّةُ وُقُوعِ (إذ) مَوْقِعَها، نحوُ: (جاءَ زيدٌ وعَمْرٌو قائمٌ)، التقديرُ: إذ عمرٌو قائمٌ، أو الضميرُ والواوُ معاً، نحوُ: (جاءَ زيدٌ وهو ناوٍ رِحْلَةً).
وذَاتُ بَدْءٍ بِمُضَارِعٍ ثَبَتْ = حَوَتْ ضَمِيراً ومِنَ الواوِ خَلَتْ ([3])
وذاتُ واوٍ بعدَها انْوِ مُبْتَدَا = لَهُ المُضَارِعَ اجْعَلَنَّ مُسْنَدَا ([4])
الجملةُ الواقعةُ حالاً إنْ صُدِّرَتْ بمضارعٍ مُثْبَتٍ، لم يَجُزْ أنْ تَقْتَرِنَ بالواوِ، بل لا تُرْبَطُ إلا بالضميرِ، نحوُ: (جاءَ زيدٌ يَضْحَكُ، وجاءَ عَمْرٌو تُقادُ الجَنَائِبُ بينَ يَدَيْهِ)، ولا يَجُوزُ دخولُ الواوِ، فلا تقولُ: (جاءَ زيدٌ ويَضْحَكُ).
فإنْ جاءَ مِن لِسانِ العربِ ما ظاهرُه ذلك أُوِّلَ على إضمارِ مبتدأٍ بعدَ الواوِ، ويكونُ المضارِعُ خَبَراً عن ذلك المبتدأِ، وذلك نحوُ قولِهِم: قُمْتُ وأَصُكُّ عَيْنَهُ، وقولِه:
192- فَلَمَّا خَشِيتُ أَظَافِيرَهُمْ = نَجَوْتُ وَأَرْهَنُهُمْ مَالِكَا ([5])
فـ(أَصُكُّ) و (أَرْهَنُهُم) خبرانِ لمبتدأٍ محذوفٍ، والتقديرُ: وأنا أَصُكُّ وأنا أَرْهَنُهُم.
وجملةُ الحالِ سِوَى ما قُدِّمَا = بواوٍ اوْ بِمُضْمَرٍ أَوْ بِهِمَا ([6])
الجملةُ الحاليَّةُ: إمَّا أنْ تكونَ اسميَّةً أو فِعْلِيَّةً، والفعلُ إمَّا مضارعٌ أو ماضٍ، وكلُّ واحدةٍ مِن الاسميَّةِ والفعليَّةِ إمَّا مُثْبَتَةٌ أو مَنْفِيَّةٌ، وقد تَقَدَّمَ أنه إذا صُدِّرَتِ الجملةُ بمضارعٍ مُثْبَتٍ لا تَصْحَبُها الواوُ، بل لا تُرْبَطُ إلاَّ بالضميرِ فقطْ([7])، وذكَرَ في هذا البيتِ أنَّ ما عدا ذلك يَجُوز فيه أنْ يُرْبَطَ بالواوِ وحدَها، أو بالضميرِ وَحْدَه، أو بهما، فيَدْخُلُ في ذلك الجملةُ الاسميَّةُ مُثْبَتَةً أو منفيَّةً، والمضارِعُ المنفيُّ، والماضي المُثْبَتُ والمنفيُّ.
فتقولُ: (جاءَ زيدٌ وعمرٌو قائمٌ، وجاءَ زيدٌ يَدُهُ على رأسِه، وجاءَ زيدٌ ويَدُهُ على رأسِه)، وكذلك المنفيُّ، وتقولُ: (جاءَ زيدٌ لم يَضْحَكْ، أو ولم يَضْحَكْ، أو ولم يَقُمْ عَمْرٌو، وجاءَ زيدٌ وقد قامَ عمرٌو، وجاءَ زيدٌ قد قامَ أَبُوهُ، وجاءَ زيدٌ وقد قامَ أبوه)، وكذلك المنفيُّ، ونحوُ: (جاءَ زيدٌ وما قامَ عَمْرٌو، وجاءَ زيدٌ ما قامَ أبوه، أو وما قامَ أبوه).
ويَدْخُلُ تحتَ هذا أيضاًً المضارِعُ المنفيُّ بلا؛ فعلى هذا تقولُ: (جاءَ زيدٌ ولا يَضْرِبُ عَمْراً) بالواوِ.
وقد ذَكَرَ المصنِّفُ في غيرِ هذا الكتابِ أنه لا يَجُوزُ اقْتِرَانُهُ بالواوِ؛ كالمضارِعِ المثبَتِ، وأنَّ ما وَرَدَ ممَّا ظاهِرُه ذلك يُؤَوَّلُ على إضمارِ مبتدأٍ؛ كقراءةِ ابنِ ذَكْوَانَ: (فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَانِ) بتخفيفِ النونِ، والتقديرُ: وأنتما لا تَتَّبِعَانِ، فـ(لا تَتَّبِعَانِ) خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ.


([1])َوْضِعَ) ظرفُ مكانٍ مُتَعَلِّقٌ بِتَجِيءُ، وموضِعَ مُضافٌ و(الحالِ) مُضافٌ إليه ، َجِيءُ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ ، ُمْلَهْ) فاعلُ تَجِيءُ، (كَجَاءَ زَيْدٌ) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ، كما سَبَقَ مِراراً، وما بعدَها فِعْلٌ وفاعلٌ، (وهْوَ) الواوُ واوُ الحالِ، وهو ضميرٌ منفصِلٌ مبتدأٌ، (نَاوٍ) خَبَرُ المُبْتَدَأِ، وفيه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فاعلٌ، (رِحْلَهْ) مفعولٌ به لِنَاوٍ، والجملةُ من المبتدأِ والخبرِ في مَحَلِّ نصبٍ حالٌ.

([2])يُشْتَرَطُ في الجملةِ التي تَقَعُ حالاً أربعةُ شروطٍ، وقد ذَكَرَ الشارِحُ تَبَعاً للناظِمِ مِن هذه الشروطِ واحداً، وهو: أنْ تكونَ الجملةُ مُشْتَمِلَةً على رابطٍ يَرْبُطُها بالحالِ: إما الواوُ، وإما الضميرُ، وإما هما معاً، والشرطُ الثاني: أنْتكونَ الجملةُ خَبَرِيَّةً، فلا يجوزُ أنْ تكونَ الحالُ جملةً إنشائيَّةً، والشرطُ الثالثُ: ألاَّ تكونَ جملةُ الحالِ تَعَجُّبِيَّةً، والشرطُ الرابِعُ: ألاَّ تكونَ مُصَدَّرَةً بِعِلْمِ استقبالٍ، وذلك نحوُ:َوْفَ) و(لن) وأدواتِ الشرطِ، فلا يَصِحُّ أنْ تقولَ: جاءَ مُحَمَّدٌ إنْ يَسْأَلْ يُعْطَ، فإنْ أَرَدْتَ تصحيحَ ذلك فقُلْ: جاءَ مُحَمَّدٌ وهو إنْ يَسْأَلْ يُعْطَ، فتكونُ الحالُ جملةً اسميَّةً خبريَّةً.
ومِن هذا الكلامِ - معَ ما سَبَقَ في مَبْحَثِ مَجِيءِ خَبَرِ المُبْتَدَأِ جملةً - تَعْرِفُ أنَّ الخبرَ والحالَ جميعاً اشْتَرَكَا في ضرورةِ وُجُودِ رابطٍ يَرْبُطُ كلاًّ منهما بصاحبِهِ، واخْتَلَفَا في الشروطِ الثلاثةِ الباقيةِ، فجملةُ الخبرِ تَقَعُ إنشائيَّةً وتَعَجُّبِيَّةً على الأصحِّ عندَ النحاةِ، وتُصَدَّرُ بعِلْمِ الاستقبالِ، وقد رأيتَ أنَّ تصحيحَ المثالِ يكونُ بِجَعْلِ جملةِ الشرطِ وجَوَابِهِ خَبَراً. فتَنَبَهْ لذلك كلِّه، واللهُ يُوَفِّقُكَ ويُرْشِدُكَ.

([3])(وذاتُ) مبتدأٌ، وذاتُ مُضافٌ و(بَدْءٍ) مُضافٌ إليه ، ِمُضَارِعٍ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِبَدْءٍ، (ثَبَتْ) فِعْلٌ ماضٍ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى مضارِعٍ، والجملةُ في مَحَلِّ جرٍّ صفةٌ لِمُضَارِعٍ ، (حَوَتْ) حَوَى: فِعْلٌ ماضٍ، والتاءُ للتأنيثِ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هي يَعُودُ إلى ذاتُ بَدْءٍ، والجملةُ في مَحَلِّ رفعٍ خَبَرُ المُبْتَدَأِ ، َمِيراً) مفعولٌ به لِحَوَتْ ، (ومِنَ الواوِ) الواوُ عاطِفَةٌ، وما بعدَها جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِخَلَتْ ، (خَلَتْ) خَلاَ: فِعْلٌ ماضٍ، والتاءُ للتأنيثِ، والفاعلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هي يَعُودُ إلى (ذاتُ بَدْءٍ بِمُضَارِعٍ) ، والجملةُ معطوفةٌ على جملةِ الخبرِ.

([4])(وذاتُ) مبتدأٌ، وذاتث مُضافٌ و(واوٍ) مُضافٌ إليه ، َعْدَهَا) بعدَ: ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بانْوِ الآتي، وبعدَ مضافٌ وها: مُضافٌ إليه ، (انْوِ) فِعْلُ أَمْرٍ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ، ُبْتَدَا) مفعولٌ به لانْوِ ، (لَهُ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ باجْعَلِ الآتي ، (المُضَارِعَ) مفعولٌ أوَّلُ لاجْعَلْ تَقَدَّمَ عليه، منصوبٌ وعلامةُ نصبِه الفتحةُ الظاهرةِ، (اجْعَلَنَّ) اجْعَلَ: فِعْلُ أَمْرٍ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ، والنونُ نونُ التوكيدِ الثقيلةِ، (مُسْنَدَا) مفعولٌ ثانٍ لاجْعَلَ.

([5])192- البيتُ لعبدِ اللهِ بنِ هَمَّامٍ السَّلُولِيِّ.
اللغةُ: (أَظَافِيرَهُمْ) جمعُ أُظْفُورٍ - بِزِنَةِ عُصْفُورٍ - والمرادُ هنا منه الأسلحةُ ، (نَجَوْتُ) أرادَ تَخَلَّصْتُ مِنه.
الإعرابُ: (فلمَّا) الفاءُ للعطفِ على ما قبلَه ، لَمَّا: ظرفٌ بمعنى حِينٍ مُتَعَلِّقٌ بِنَجَوْتُ الآتي، وهو مُتَضَمِّنٌ معنى الشرطِ، (خَشِيتُ) فعلٌ وفاعلٌ، (أَظَافِيرَهُمْ) ، أظافيرَ: مفعولٌ به لِخَشِيتُ، وأظافيرَ مُضافٌ وهم: مُضافٌ إليه، والجملةُ مِن الفعلِ وفاعِلِهِ ومفعولِهِ في مَحَلِّ جرٍّ بإضافةَِمَّا) الظَرْفِيَّةِ إليها ، َجَوْتُ) فعلٌ وفاعلٌ، والجملةُ جوابَُمَّا) الظَرْفِيَّةِ بما تَضَمَّنَتْهُ من معنى الشرطِ، (وأَرْهَنُهُم) الواوُ واوُ الحالِ، أَرْهَنُ: فِعْلٌ مُضَارِعٌ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنا، هم: مفعولٌ أوَّلُ لأَرْهَنُ، والجملةُ في مَحَلِّ رفعٍ خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ، والتقديرُ: وأنا أَرْهَنُهُم، والجملةُ من المبتدأِ وخبرِهِ في مَحَلِّ نصبٍ حالٌ، (مَالِكَا) مفعولٌ ثانٍ لأَرْهَنُ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (وأَرْهَنُهُمْ) ؛ حيثُ إنَّ ظاهِرَهُ يُنْبِئُ عن أنَّ المُضَارِعَ المُثْبَتَ تَقَعُ جُمْلَتُه حالاً، وتُسْبَقُ بالواوِ، وذلك الظاهِرُ غيرُ صحيحٍ، ولهذا قَدَّرْتَ جملةَ المضارِعِ خبراً لمبتدأٍ محذوفٍ كما فَصَّلْنَاهُ في الإعرابِ.

([6])(وجملةُ) مبتدأٌ، وجملةُ مُضافٌ و(الحالِ) مُضافٌ إليه ، ِوَى) منصوبٌ على الاستثناءِ أو على الظَرْفِيَّةِ، وسِوَى مُضافٌ و(ما) اسمٌ موصولٌ مُضافٌ إليه ، ُدِّمَا) قُدِّمَ: فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى ما الموصولةِ، والألفُ للإطلاقِ، والجملةُ مِن قُدِّمَ ونائبِ فاعلِهِ لا مَحَلَّ لها صلةُ الموصولِ، (بِوَاوٍ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ خَبَرُ المُبْتَدَأِ ، وهو قولُه: (جُمْلَةُ الحالِ) في أوَّلِ البيتِ، وقولُه: (أَوْ بِمُضْمَرٍ، أو بِهِمَا) معطوفانِ على قولِهِ: (بِوَاوٍ).

([7])قد ذَكَرَ الشارِحُ أنَّ الجملةَ الحاليَّةَ إذا كانَتْ فِعْلِيَّةً فِعْلُها مضارعٌ مُثْبَتٌ وَجَبَ أنْ تَخْلُوَ هذه الجملةُ من الواوِ، وأنْ يكونَ رَابِطُها الضميرَ، وقد بَقِيَ عليه بعضُ شروطٍ يَجِبُ تَحَقُّقُهَا في هذه الجملةِ، مِنها ألاَّ يَتَقَدَّمَ بعضُ مَعْمُولاَتِ المضارِعِ عليه، فلو تَقَدَّمَ مَعْمُولُهُ عليه اقْتَرَنَتِ الجملةُ بالواوِ، ولهذا جَوَّزَ القاضي البَيْضَاوِيُّ في قَوْلِهِ تعالَى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أنْ تكونَ جملةَُإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) حالاً من الضميرِ المُسْتَتِرِ وُجُوباً في (نَعْبُدُ) .
ومن الشروطِ أيضاًًً: ألاَّ تكونَ جملةُ المضارِعِ المذكورِ مقترنةً بقد، فإنِ اقْتَرَنَتْ بها وَجَبَ أنْ تَقْتَرِنَ بالواوِ، نحوُقولِهِ تعالى: {لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ} .
فجملةُ ما يُشْتَرَطُ لخُلُوِّ هذه الجملةِ من الواوِ أربعةُ شروطٍ: أنْ تكونَ مُضَارِعِيَّةً، وأنْ تكونَ مُثْبَتَةً، وأنْ يَتَقَدَّمَ المضارِعُ على كلِّ ما يُذْكَرُ معَه مِن معمولاتِه، وألاَّ يَقْتَرِنَ بقد.
وقد ذَكَرَ الشارِحُ بعد قليلٍ أنَّ الجملةَ المضارعيَّةَ مَنْفِيَّةٌبلا تَمْتَنِعُ معَها الواوُ، كما في قَوْلِهِ تعالى: {مَا لِي لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ} . وبَقِيَ بعدَ ذلك خَمْسُ جُمَلٍ يَجِبُ ألاَّ تَقْتَرِنَ بالواوِ، فيَصِيرُ مجموعُ ما لا يجوزُ اقْتِرَانُهُ بالواوِ مِن الحالِ الواقعةِ جُمْلَةً سَبْعاً ، ذَكَرْنَا لكَ اثْنَتَيْنِ مِنها، وهما جملةُ الفعلِ المضارِعِ المثبَتِ، وجملةُ الفعلِ المضارِعِ المنفيِّ بلا.
والثالثةُ: أنْ تكونَ مُضَارِعِيَّةً مَنْفِيَّةً بما؛ كقولِ الشاعِرِ:
عَهِدْتُكَ مَا تَصْبُو وفِيكَ شَبِيبَةٌ = فَمَا لَكَ بَعْدَ الشَّيْبِ صَبًّا مُتَيَّمَا؟
الرابعةُ: الجملةُ المعطوفةُ على حالٍ قَبْلَها، نحوُ قولِهِ تَعَالَى: {فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} ، فجملةُ (هُمْ قَائِلُونَ) معطوفةٌ على (بَيَاتاً).
الخامسةُ: الجملةُ المُؤَكِّدَةُ لمضمونِ جملةٍ قبلَها، نحوُ قولِكَ: هو الحقُّ لا شَكَّ فيه، وقولُه تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ} ، فجملةُ (لا رَيْبَ فيه) حالٌ مُؤَكِّدَةٌ لمضمونَِلِكَ الْكِتَابُ) في بعضِ أعاريبَ يَحْتَمِلُها هذا الكلامُ.
السادسةُ: الجملةُ التي تَقَعُ بعدَِلاَّ) ، سواءٌ أكانَتِ الجملةُ اسميَّةً ، نحوُ قَوْلِكَ: ما صَاحَبْتُ أَحَداً إلاَّ زَيْدَ خَيْرٍ مِنه، أم كانَتْ فِعْلِيَّةً فِعْلُها ماضٍ، نحوُ قولِكَ: ما أَرَى رَأْياً إلاَّ رَأَيْتُ صواباً، ونحوُ قولِهِ تعالى: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} .
وقد وَرَدَ في الشِّعْرِ اقْتِرَانُ الفعليَّةِ التي فِعْلُها ماضٍ والواقعةُ بعدَ (إلاَّ) بالواوِ ؛ كما في قَوْلِهِ:
نِعْمَ امْرَأً هَرِمٌ لَمْ تَعْرُ نَائِبَةٌ = إلاَّ وكانَ لِمُرْتَاعٍ لَهَا وَزَرَا
فقيلَ: هو شاذٌّ، والقياسُ أنْ تَخْلُوَ مِن الواوِ. وقيلَ: هو قليلٌ لا شاذٌّ.
السابعةُ: الجملةُ الفعليَّةُ التي فِعْلُها ماضٍ مسبوقٌ بأوِ العاطِفَةِ، نحوُ قَوْلِكَ: لأَضْرِبَنَّهُ حَضَرَ أو غابَ، وقولِ الشاعِرِ.
كُنْ لِلْخَلِيلِ نَصِيراً جَارَ أَوْ عَدَلاَ = وَلاَ تَشِحَّ عَلَيْهِ جَادَ أَوْ بَخِلاَ


  #3  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 02:55 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


فصلٌ: تقَعُ الحالُ اسماً مَفْرداً كما مضَى.
وظَرْفاً؛ كـ "رأيتُ الهلالَ بينَ السَّحَابِ", وجارًّا ومجروراً نحوَ: {فخَرَجَ عَلَى قَوْمِه فِي زِينَتِهِ}([1]ويَتعَلَّقانِ بمُستَقِرٍّ, أو استَقَرَّ محذوفيْنِ وجوباً.
وجملةً بثلاثةِ شُروطٍ:
أحدُها: كونُها خبريَّةً, وغَلِطَ مَن قالَ في قولِه:
280- اطْلُبْ ولا تَضْجَرَ مِنْ مَطْلَبٍ([2])
:إنَّ "لا" ناهيةٌ, والواوُ للحالِ, والصوابُ أنَّها عاطفةٌ, مثلُ: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً}([3]).
الثاني: أنْ تَكُونَ غَيْرَ مُصدَّرَةٍ بدليلِ استقبالٍ, وغلِطَ مَن أعرَبَ {سَيَهْدِينِ}. من قولِه تعالى: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}([4]) حالاً.
الثالثُ: أنْ تكونَ مُرتبطةً إمَّا بالواوِ والضميرِ نحوَ: {خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ}([5]أو بالضميرِ فقطْ نحوَ: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}([6]) أي: مُتعادِينَ, أو بالواوِ فقط نحوَ: {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ ونَحْنُ عُصْبَةٌ}([7]).
وتجبُ الواوُ قبلَ "قد"([8]) داخلةً على مضارعٍ نحوَ:
ِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ}([9]).
وتَمْتَنِعُ في سبعِ صُورٍ:
إحداها: الواقعةُ بعدَ عاطفٍ نحوَ: {فجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَائِلُونَ}([10]).
الثانيةُ: المُؤَكِّدَةُ لمضمونِ الجملةِ نحوُ: "هُوَ الْحَقُّ لا شَكَّ فيهِ", و{ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فيهِ}([11]).
الثالثةُ: الماضي التالي إلاَّ نحوَ: {إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}([12]).
الرابعةُ: الماضي المَتْلُوُّ بأوْ نحوُ: "لأضْرِبَنَّهُ ذَهَبَ أوْ مَكَثَ".
الخامسةُ: المُضارعُ المنفيُّ بلا نحوُ: {وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللهِ}([13]).
السادسةُ: المُضارِعُ المنفيُّ بـ"ما" كقولِه:
281- عَهِدْتُكَ مَا تَصْبُو وفِيكَ شَبِيبَةٌ([14])
السابعةُ: المضارعُ المُثْبَتُ؛ كقولِه تعالى: {وَلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}([15]).
وأمَّا نحوُ قولِه:
282- عُلِّقْتُها عَرَضاً وأَقْتُلُ قَوْمَهَا([16])
فقيلَ: ضرورةٌ. وقيلَ: الواوُ عاطفةٌ, والمضارعُ مُؤَوَّلٌ بالماضي. وقيلَ: واوُ الحالِ والمضارعِ خَبَرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ. أي: وأنا أقْتُلُ([17]).


([1]) سورة القصص، الآية: 79.

([2]) 280-نسَبَ الشيخُ خَالِدٌ هذا المثالَ لبعضِ المُوَلَّدِينَ، ولم يَزِدْ في التعريفِ به عن ذلك، ولم أقِفْ على نسبةٍ إلى قَائِلٍ مُعَيَّنٍ، وليسَ من غرضِ المُؤلِّفِ أنْ يَسْتشهِدَ بهذا الشطرِ حتى يُقالَ: إنَّ كلامَ المُولَّدِينَ لا يُسْتشهَدُ به. وإنَّما غرَضُه أنْ يُبَيِّنَ خَطَأَ الذينَ أعْرَبوه، وهذا صَدْرُ بيتٍ من السريعِ، ونحن نذكُرُه لك معَ بيتٍ آخرَ ذَكَرُوه معَه، وهما:
اطْلُبْ ولا تَضْجَرَ مِن مَطْلَبٍ = فآفَةُ الطالبِ أنْ يَضْجَرَا
أمَا تَرَى – الحَبْلَ بتَكْرَارِهِ = في الصَّخْرَةِ الصمَّاءِ قَدْ أثَّرَا
اللغةُ: (لا تَضْجَرَ) تقولُ: ضَجِرَ فلانٌ من كذا يَضْجَرُ ضَجَراً– مثلُ فَرِحَ يَفْرَحُ فَرَحاً– إذا قَلِقَ واغْتَمَّ منه، وهو ضَجِرٌ – بوَزْنِ فَرِحٌ – وضَجُورٌ– بوزنِ صَبورٍ, "آفةُ" الآفةُ: عَرَضٌ يُفْسِدُ ما يُصيبُه، وهي كالعاهَةِ وَزْناً ومعنًى، وتقولُ: إِيفَ الشيءُ– مَبنِيًّا للمجهولِ– يُؤافُ فهو مَؤُوفٌ؛ وذلك إذا أصابَتْهُ الآفةُ.
الإعرابُ: (اطْلُبْ) فعلُ أمرٍ مَبنِيٌّ على السُّكونِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، وفاعلُه ضميرٌ مُستتِرٌ فيه وُجوباً تقديرُه: أنتَ,َلاَ) الواوُ قِيلَ: إِنَّها للحالِ. مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ, (لا) قِيلَ: هي حرفُ نَهْيٍ، مَبنِيٌّ على السُّكونِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ,َضْجَرَ) فعلٌ مضارعٌ مَبنِيٌّ على الفتحِ؛ لاتِّصالِه بنونِ التوكيدِ المحذوفةِ للتخفيفِ في مَحَلِّ جزمٍ بلا الناهيةِ، والصحيحُأنَّ الواوَ في قولِه: (وَلاَ). واوُ المَعِيَّةِ، ولا: نافيةٌ، وتَضْجَرَ: فعلٌ مضارعٌ منصوبٌ بأن المصدريَّةِ المُضمَرةِ بعدَ واوِ المعيَّةِ وعلامةُ نصبِه الفتحةُ الظاهرةُ, (من) حرفُ جَرٍّ مَبنِيٌّ على السُّكونِ لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ,َطْلَبٍ) مجرورٌبمِن، وعلامةُ جَرِّه الكسرةُ الظاهرةُ، والجارُّ والمجرورُ مُتعلِّقٌ بلا تَضْجَرَ, "فَآفَةُ" الفاءُ حرفٌ دَالٌّ على التعليلِ مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، وآفَةُ: مبتدأٌ مرفوعٌ بالابتداءِ وعلامةُ رفعِه الضمَّةُ الظاهرةُ، وهو مضافٌ و"الطَّالِبِ" مضافٌ إليه، مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ,"أنْ" حرفٌ مَصدريٌّ ونَصْبٍ، مَبنِيٌّ على السُّكونِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ,َضْجَرَا" فعلٌ مضارعٌ منصوبٌ بأن المصدريَّةِ، وعلامةُ نَصْبِه الفتحةُ الظاهرةُ، وفاعلُه ضميرٌ مُستتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه: هو, يعودُ إلى الطالبِ المضافِ إليه، والألِفُ للإطلاقِ، وأن المصدريَّةُ معَ ما دخلَتْ عليه في تأويلِ مَصْدَرٍ مرفوعٍ يقَعُ خبرَ المبتدأِ الذي هو قولُه: آفَةُ، وتقديرُ الكلامِ: فآفةُ الطالبِ الضَّجَرُ.
الشاهدُ فيه: ذهَبَ بعضُ العلماءِ– وهو الأمينُ المَحلِّيُّ كما ذكَرَه ابنُ هشامٍ في (مُغْنِي اللبيبِ) في الكلامِ على النوعِ الثامنِ من الجهةِ السادسةِ من البابِ الخامسِ في الجهاتِ التي يدخُلُ الاعتراضُ على المُعْرَبِ من جِهَتِها – إلى أنَّ (لا) في قولِ الشاعرِ: (وَلاَ تَضْجَرَ) ناهِيَةٌ، والواوُ التي قبلَها للحالِ، وتَضْجَرْ: فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بلا الناهيةِ، وأصلُه: "ولا تَضْجَرَا" بنونِ التوكيدِ الخفيفةِ، فحُذِفَتْ نونُ التوكيدِ الخفيفةُ وبَقِيَتِ الفتحةُ التي قبلَها لتدُلَّ عليها، وعلى هذا تكونُ الجُملةُ في مَحلِّ نصْبٍ حالٌ.
وهذا الذي ذهَبَ إليه الأمِينُ المَحَلِّيُّ مُخالفٌ لِمَا وقَعَ عليه الإجماعُ من النحاةِ من أنَّه يُشْتَرَطُ في جملةِ الحالِ أنْ تكُونَ خَبَرِيَّةً، ولا يَجوزُ أنْ تكُونَ طَلَبِيَّةً أصلاً.
والصوابُ المُطابِقُ لهذا الإجماعِ أنْ تجعَلَ الواوَ واوَ المَعِيَّةِ، ولا بعدَها نافِيَةٌ، والمضارِعُ الذي بعدَها مَنْصوبٌ, لا مفتوحٌ، وناصبُه أنْ مُضْمرةٌ بعدَ واوِ المَعِيَّةِ.
ويجوزُ أنْ تكُونَ الواوُ عَاطِفَةً، والمضارِعُ منصوبٌ بأنْ مَحْذُوفةٍ معَ بقاءِ عَمَلِها، والمصدرُ المَسْبوكُ مَعْطوفٌ على مصدرٍ مُتصَيَّدٍ مِمَّا قبلَها، أي: ليَكُنْ منكَ طَلَبٌ وعَدَمُ ضَجَرٍ، كما يَجوزُ أنْ تكُونَ الواوُ عاطفةً، ولا التي بعدَها ناهيةً، وتَضْجَرَ فعلٌ مضارعٌ مَبنِيٌّ على الفتحِ؛ لاتِّصالِه بنونِ التوكيدِ الخفيفةِ المنقلبةِ ألِفاً لأجْلِ الوقْفِ، ثم عُومِلَ الوَصْلُ مُعاملةَ الوقْفِ، وعلى هذا تَكُونُ الواوُ قد عَطَفَتْ جُمْلةَ النهْيِ على جملةِ الأمرِ، وهذا هو الذي يُنْظَرُ بالآيةِ الكريمةِ التي عُطِفَ فيها جملةَُلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً}, التي هي جُمْلَةٌ ناهيةٌ على جُمْلَةٍ {وَاعْبُدُوا اللهَ} التي هي جُملةُ أمرٍ.
فإنْ قلتَ: ألسْتُمْ تَقولونَ: إنَّ الحالَ يُشْبِهُ الخَبَرَ، وقدْ عَلِمْنَا أنَّ خَبَرَ المبتدأِ كما يَكُونُ جُملةً خَبريَّةً محتملِةً للصدقِ والكذبِ, يكونُ جملةً طَلبيَّةً، وذلك مِمَّا يقولُ به جمهورُ النحاةِ؛ فإِنَّه لم يُخالِفْ في صِحَّةِ مجيءِ الخبرِ جُملةً طَلَبيَّةً إلاَّ ابنُ الأنباريِّ، فلماذا لم يَصِحَّ مَجِيءُ الحالِ جملةً طلبيَّةً؟
قُلْتُ: الحالُ كما يُشْبِهُ الخبرَ يُشْبِهُ النعْتَ، وقد أُعْطِيَ الحالُ في هذا حُكْمَ النعْتِ، ولم يُعْطَ فيه حُكْمَ الخبرِ, ولذلك سِرٌّ, حاصلُه أنَّ الخبَرَ حُكْمٌ على صاحبِه، والأصلُ أنَّ الحكمَ يَكونُ مجهولاً قبلَ أنْ يَتكلَّمَ المُتكلِّمُ به فيَقْصِدُ بكلامِه إفادةَ السامعِ إِيَّاهَ، ولا كذلك الحالُ والنعتُ؛ فإنَّ النعْتَ لتَعْيِينِ المَنْعوتِ أو تَخْصِيصِه، وما به التعيينُ أو التخصيصُ لا بُدَّ أنْ يكُونَ معلوماً للمُخاطَبِ قبلَ التكَلُّمِ، ولَمَّا كانَ الطَّلَبُ لا يحصُلُ مَضْمُونُه إِلاَّ بعدَ الكلامِ لم يَصْلُحْ للتخصيصِ ولا للتعيِينِ، فلم يَصِحَّ أنْ يقَعَ حَالاً، ولَمَّا كانَ الحالُ قَيْداً للعاملِ في صَاحِبِ الحالِ حَمَلوه على النعتِ في هذا؛ لقُرْبِ شَبَهِهِ به فيه، فاعرِفْ هذا.
والخُلاصةُ أنَّ الأمِينَ المَحَلِّيَّ ادَّعى في قولِه: (وَلا تَضْجَرَ). ثلاثةَ أمورٍ: الأولُ: أنَّ الواوَ للحالِ، وثانيها: أنَّ لا ناهيةٌ، وثالثُها: أنَّ الفَتْحَةَ في المضارعِ فتحةُ بِناءٍ، وأنَّ الردَّ عليه، أنَّا لا نُسَلِّمُ أنَّ الواوَ للحالِ، بل هي الواوُ التي بمعنَى معَ، ولا نُسَلِّمُ أنَّ لا ناهِيَةٌ، بل هي نافيةٌ، ولئنْ سَلَّمْنا أنَّ لا ناهيةٌ, وأنَّ الفعلَ المضارعَ مَبنِيٌّ بعدَها؛ فإنَّ هذا لا يُفيدُكَ في ادِّعاءِ أنَّ جملةَ الحالِ قد جَاءَتْ طَلَبيَّةً؛ لأنَّا نجَعَلُ الواوَ عاطفةً، وجملةَ النهْيِ معطوفةً بهذهِ الواوِ على جملةِ الأمرِ التي هي قولُه اطْلُبْ.
بَقِيَ أنْ نقولَ لك: إنَّه قد وَرَدَ في الحديثِ النبويِّ ما ظاهرُه وقوعُ الحالِ جملةً طلبيَّةً، وذلك في حديثيْنِ: أحَدُهما قولُه عليهِ الصلاةُ والسلامُ: ((وَجَدْتُ النَّاسَ اخْبُرْ تَقِلَهْ)). إذا جَعَلْتَ وجَدَ بمعنَى أصابَ كانَتِ جملةُ (اخْبُرْ تَقْلَهْ) في مَحلِّ نصبٍ حالٌ، هذا بحَسَبِ الظاهرِ، والثاني قولُه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلاَّ هَاءً وهَاءً)). فإنَّ هاءً اسمُ فِعْلِ أمرٍ بمعنَى خُذْ، والجملةُ بحَسَبِ الظاهرِ في مَحلِّ نَصْبٍ حَالٌ، وقد خَرَّجَ العلماءُ هذيْنِ الحديثيْنِ بأنَّ الجملةَ الطَّلَبيَّةَ في كلٍّ منهما في مَحلِّ نَصْبٍ مقولٌ لقولٍ محذوفٍ, هو الذي يقَعُ حالاً، وتقديرُ الكلامِ في الحديثِ الأوَّلِ: وجَدْتُ الناسَ مَقُولاً فِيهِم اخْبُرْ تَقْلَهُ، وتقديرُه في الحديثِالثاني: لا تَبِيعُوا الذهَبَ بالذهَبِ إلاَّ قائِلِينَ خُذْ وخُذْ، الأولى يقولُها البائعُ، والثانيةُ يقولُها المُشترِي.

([3]) سورة النساءِ، الآية: 36.

([4]) سورة الصافاتِ، الآية: 99.

([5]) سورة البقرةِ، الآية: 243.

([6]) سورة البقرةِ، الآية: 36.

([7]) سورة يوسُفَ، الآية: 14.

([8]) هذا أحدُ مَوضعيْنِ يَجِبُ في كلٍّ منهما ربطُ الجملةِ الواقعةِ حالاً بالواوِ، وخلاصتُه أنَّ جملةَ الحالِ إنْ كانتْ فعليَّةً فعلُها مضارعٌ مُثْبَتٌ مقرونٌ بقدْ, وجَبَ أنْ يكُونَ الرابطُ لها بصاحبِ الحالِ هو الواوَ، وشاهدُه الآيةُ الكريمةُ التي تَلاهَا المُؤلِّفُ، فلا يَذْهَبَنَّ بك الوهْمُ إلى أنَّه يَجِبُ في الجملةِ المُضارعيَّةِ أنْ تَقترِنَ بقدْ, وأنْ تَسْبِقَها الواوُ، فقد ورَدَتِ الجملةُ المضارعيَّةُ المثبتةُ حالاً من غيرَِدْ" والواوِ جميعاً في أفصحِ الكلامِ، وذلك قولُه تعالى: {وَجَاؤُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ} ومِن أمثلتِهم "جاءَ زَيْدٌ يَضْحَكُ".
والخلاصةُ أنَّ الجملةَ الفعليَّةَ التي فعلُها مضارعٌ مُثْبَتٌ إنْ وَقَعَتْ حالاً فتَارَةً تَمتنِعُ الواوُ ويَجِبُ ربطُها بصاحبِ الحالِ بضميرٍ يَرْجِعُ منها إليه، ومن أمثلةِ ذلك قولُ اللهِ تعالى: {وَجَاؤُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ}. وقولُه جَلَّ شأنُه: {ونَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}. وقولُه جَلَّتْ كلمتُه:َلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}.
ومن ذلك قولُ الشاعرِ:
وقَدْ عَلَوْتُ قَتُودَ الرَّحْلِ يَسْفَعُنِي = يومَ قُدَيْدِيمَةَالجَوْزاءِ مَسْمومُ
وقولُه الآخرِ:
ولَقَدْ أغْتَدِي يُدافِعُ رُكْنِي = أَحْوَذِيٌّ ذو مَيْعَةٍ إِضْرِيحُ
ولا يَجوزُ في هذهِ الحالةِ أنْ يَرْبِطَها بصاحبِ الحالِ الواوُ، فإنْ جاءَ من كلامِهم ما ظاهرُه أنَّ جملةَ المضارعِ المُثْبَتِ غيرِ المُقْتَرِنِ بقَدْ الواقعةِ حَالاً قَدْ رَبَطَها الواوُ– نحوُ قولِ الشاعرِ وهو عبدُ اللهِ بنُ همامٍ السَّلُولِيُّ:
فَلَمَّا خَشِيتُ أَظَافِيرَهُمْ = نَجَوْتُ وأَرْهَنُهُمْ مَالِكَا
ونحوُ بيتِ عنترةَ الآتي في كلامِ المُؤلِّفِ (الشاهدِ رَقْمِ 282) فهو مُؤوَّلٌ بأحدِ التأويلاتِ التي ذكَرَها المُؤلِّفُ في تخريجِ بيتِ عنترةَ, وسنُوَضِّحُها لك في شرحِه إنْ شاءَ اللهُ تعالى. وتارةً تَجِبُ معَ هذا المضارعِ المُثْبَتِ الواوُ، وذلك إذا اقتَرَنَ هذا المضارعُ بقَدْ.
الموضِعُ الثاني الذي تَجِبُ فيهِ الواوُ جملةَ الحالِ التي ليسَ فيها ضميرٌ يَعودُ منها على صاحبِ الحالِ، نحوُ قولِهم: "جاءَ زَيْدٌ والشمسُ طَالِعَةٌ". وقالَ اللهُ تعالى: {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ ونَحْنُ عُصْبَةٌ}.
بَقِيَ الكلامُ على الفعلِ الماضي المُثبَتِ الذي تقَعُ جملتُه حالاً، هل يَجِبُ أنْ تَقْترِنَ هذه الجملةُ بقَدْ، أم أنَّ اقترانَها بقدْ جائزٌ غيرُ واجِبٍ، وقد اختَلَفَ النحاةُ في ذلك.
فذهَبَ نحاةُ الكوفةِ والأخفشُ من نحاةِ البصرةِ إلى أنه يَجوزُ أن يَقترِنَ الفعلُ الماضي المُثْبَتِ الواقعِ حالاً بقَدْ، ويَجوزُ ألا تَقْتَرِنَ بها، متى كانَ معَه ضميرٌ يعودُ على صاحبِ الحالِ– سواءٌ أكانَ معَ الضميرِ واوٌ أم لم يكُنْ – فإنْ لم يكُنْ معَه ضميرٌ يَعودُإلى صاحبِ الحالِ– بأنْ كَانَ الرَّابِطُ هو الواوَ وحْدَها – وجَبَ اقترانُه بقَدْ.
وذهَبَ جمهورُ البصْرِيِّينَ إلى أنه لا يَجوزُ مَجِيءُ الماضي المُثْبَتِ حالاً إلا معَ قَدْ، سواءٌ أكانَ الرابطُ هو الضميرَ وحْدَه، أم كانَ الرابطُ الواوَ وحْدَها، أم كانَ الرابطُ هو الضميرَ والواوَ جميعاً، فإنْ وُجِدَتْ (قَدْ) في اللفظِ فالأمرُ ظاهرٌ، وإنْ لم تُوجَدْ وجَبَ تقديرُها.
واختارَ مذهَبَ الكُوفِيِّينَ في هذهِ المسألةِ ابنُ مالكٍ وأبو حَيَّانَ، وهو الحَقُّ الذي تَنْصُرُه الأدلَّةُ، فقد جاءَ في جملةٍ صالحةٍ من الشواهدِ اقترانُ الماضي المُثْبَتِ الواقعِ حَالاً بقَدْ, وجاءَ في جملةٍ صَالِحَةٍ من الشواهدِ مَجِيءُ الماضي المُثْبَتِ حالاً من غيرِ أنْ يَقتَرِنَ بقَدْ، وحمَلَ العلماءُ على هذا آياتٍ من الكتابِ العزيزِ، قالَ أبو حَيَّانَ: (والصحيحُ جوازُ وُقوعِ الماضي حالاً بدونِ قَدْ، ولا يُحتاجُ إلى تقديرِها؛ لكثرةِ وُرودِ ذلك، وتأويلُ الكثيرِ ضعيفٌ جِدًّا؛ لأنَّا إنما نبني المَقايِيسَ العربيَّةَ على وُجودِ الشواهدِ الكثيرةِ) اهـ. كلامُه.
ونحن نذكُرُ لك من شواهدِ المسألةِ جملةً تَطْمئِنُّ معَها إلى الوجهيْنِ؛ اقترانِ الماضي المُثْبَتِ الواقعِ حَالاً بقَدْ، وعَدَمِ اقترانِه بها – ومعَ بَعْضِها الواوُ، ولم يَقْتَرِنْ بها بعضُها الآخرُ:
فمن شواهدِ اقترانِه بقد قولُ امرِئِ القيسِ:
فَجِئْتُ وقَدْ نَضَّتْ لنومٍ ثِيابَهَا = لَدَى السِّتْرِ إلاَّ لِبْسَةَ المُتفَضِّلِ
ومنه قولُ طرَفَةَ بنِ العبدِ:
يَقُولُ وَقَدْ تَرَّ الوَظِيفُ وسَاقُها: = أَلَسْتَ تَرَى أَنْ قَدْ أَتَيْتَ بمُؤْيِدِ
ومنه قولُ النابغةِ الذُّبْيانيِّ:
وَقَفْتُ برَبْعِ الدارِ قَدْ غَيَّرَ البِلَى = مَعَارِفَها والسَّارِيَاتُ الهَواطِلُ
ومنه قولُ الراعي:
طَافَ الخَيَالُ بأصحابِي وقَدْ هَجَدُوا = مِن أُمِّ عُلْوَانَ لا نَحْوٌ ولا صَدَدُ
ومنه قولُ امرِئِ القيسِ:
تَقُولُ وقَدْ مَالَ الغَبِيطُ بِنَا مَعاً: = عَقَرْتَ بَعِيرِي يَا امْرَأَ القَيْسِ فانْزِلِ
ومنه قولُ مُعاويَةَ:
نَجَوْتُ وقَدْ بَلَّ المُرَادِيُّ سَيْفَهُ = مِن ابنِ أَبِي شَيْخِ الأباطحِ طَالِبِ
ومن مجيءِ الماضي المُثبَتِ حالاً، ولم يَقترِنْ بقَدْ، قولُ أبي صَخْرٍ الهذليِّ:
وإِنِّي لَتَعْرُونِي لذِكْرَاكِ هِزَّةٌ = كما انْتَفَضَ العُصفورُ بَلَّلَهُ القَطْرُ
وقولُ شاعِر الحَمَاسَةِ، يُقالُ: هو هذلولُ بنُ كَعْبٍ العَنْبَرِيُّ، ويقالُ: هو أبو محلمٍ السَّعْدِيُّ:
تَقولُ وصَكَّتْ وَجْهَهَا بيَمِينِهَا: = أبَعْلِي هذا بالرَّحَى المُتقاعِسِ؟
وقولُ عمرَ بنِ أبي رَبِيعَةَ المخزوميِّ في رائِيَّتِه الطويلةِ:
فَقَالَتْ وعَضَّتْ بالبَنَانِ: فَضَحْتَنِي = وأنتَ امْرِؤٌ مَيْسورُ أمْرِكَ أعْسَرُ
وقد حمَلَ النحاةُ على هذا قولَ اللهِ تعالى: {أَوْ جَاؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ}. جَعَلوا جملةََصِرَتْ صُدُورُهُمْ} حالاً من واوِ الجماعةِ في {جَاؤُوكُمْ}, وهي جملةٌ مَاضَوِيَّةٌ غيرُ مُقترِنَةٌ بقَدْ، وحَمَلوا على ذلك أيضاً قولَه جَلَّتْ كلمتُه: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا}. جَعَلوا جملةََقَعَدُوا} حالاً من واوِ الجماعةِ في قولِه سبحانَه: {قَالُوا}.
وإذا كَثُرَتِ الشواهدُ، وورَدَ الاستعمالُ في القرآنِ الكريمِ الذي هو أفْصَحُ الكلامِ، فمِن اللَّجاجةِ أنْ نُنكِرَه، أو نَتَلَمَّسَ له تَخريجاً آخرَ، أو نجعَلَ الكلامَ على تقديرِ محذوفٍ، فإنَّ ذلك يُبْعِدُ الثِّقَةَ بالقواعدِ التي أصَّلَها العلماءُ.

([9]) سورة الصفِّ، الآية:5.

([10]) سورة الأعرافِ، الآية: 4، وقائلون: جَمْعُ قَائِلٍ، وهم اسمُ الفاعلِ من القَيْلولةِ، وهي النومُ في نصفِ النهارِ، وإِنَّما امتنَعَتِ الواوُ في هذهِ المسألةِ كراهيةَ اجتماعِ حَرْفَي عطفٍ مُتجاوِرَيْنِ.

([11]) سورة البقرةِ، الآية: 2، ولم تدخُلِ الواوُ في هذه الصورةِ؛ لأنَّ التوكيدَ لا يدخُلُ عليهِ حرفُ العطفِ؛ لِئلاَّ يُتوهَّمَ أنه من عطفِ الشيءِ على نفسِه؛ لأنَّكَ تعلَمُ أنَّ التوكيدَ عينُ المُؤَكِّدِ.

([12]) سورة الحِجْرِ، الآية: 11، والقولُ بامتناعِ الواوِ في هذهِ المسألةُ هو اختيارُ ابنِ مالكٍ، واختارَ شارِحُ اللُّبِّ أنَّه يَجوزُ اقترانُ الفعلِ الماضي الواقعِ حالاً بعدَ إلاَّ بالواوِ, ويجوزُ عَدَمُ اقترانِه بالواوِ؛ قِياساً على الجملةِ الاسميَّةِ الواقعةِ بعدَ إِلاَّ، فقدْ وَرَدَتْ مقترنةً بالواوِ في نحوِ قولِه تعالى: {وَمَا أهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ}. وأيضاً فقَدْ ورَدَ اقترانُ هذهِ الجملةِ الماضويَّةِ بالواوِ في قولِ الشاعرِ:
نِعْمَ امْرَأً هَرِمٌ لَمْ تَعْرُ نَائِبَةٌ = إِلاَّ وكَانَ لِمُرْتَاعٍ بِهَا وَزَرَا

([13]) سورة المائدةِ، الآية: 84، وهذا الذي قالَه المُؤلِّفُ من امتناعِ الواوِ معَ الفعلِ المضارعِ المُقترِنِ بلا النافيةِ هو اختيارُ ابنِ مالكٍ، ولم يُوافِقْهُ ابنُه بَدْرُ الدينِ على هذا، وذكَرَ أنَّه يَجُوزُ اقْتِرانُ المضارعِ المنفيِّ بلا بالواوِ، ويجوزُ عَدَمُ اقترانِه بالواوِ، ولكنَّ عَدَمَ اقترانِه بالواوِ أكْثَرُ، ومن وُرودِه مُقْترِناً بالواوِ قولُ مِسْكِينٍ الدَّارِمِيِّ:
أكْسَبَتْهُ الوَرِقُ البيضُ أَباً = ولَقَدْ كَانَ وَلا يُدْعَى لأبْ
الشاهدُ فيه قولُه: "وَلا يُدْعَى لأبْ". وادِّعاءُ أنَّ الواوَ زائدةٌ والجملةَ خَبَرٌ كانَ مِمَّا لا يَتِمُّ؛ لإنكارِ العلماءِ ذلك.
ومن ذلك ما أنشَدَه القاليُّ في (ذيلِ الأمالي) (ص127) لمالكِ بنِ أَخِي رَبِيعٍ الأسَدِيِّ:
أقَادُوا مِن دَمِي وتَوَعَّدُونِي = وكُنْتُ وَلاَ يُنَهْنِهُنِي الوَعِيدُ
مَحلُّ الشاهدِ قولُه: (وَلاَ يُنَهنِهُنِي الوَعِيدُ).

([14]) 281- أنشَدَ ابنُ مَالِكٍ هذا الشاهدَ في (شرحِ التسهيلِ) ولم يَنْسُبْه، ولم أقِفْ له على نسبةٍ إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ رغمَ طويلِ البحثِ، وهذا الذي أنْشَدَه المُؤلِّفُ صَدْرُ بيتٍ من الطويلِ، وعَجُزُه قولُه:
َمَا لَكَ بعدَ الشَّيْبِ صَبًّا مُتَيَّمَا*
اللغةُ: (عَهِدْتُكَ) معناهُ: عَرَفْتُكَ، و(تَصْبُو) من الصَّبْوَةِ، وهي المَيْلُ إلى النساءِ,َبِيبَةٌ) هي الوقتُ الذي يَكونُ الإنسانُ فيهِ مَوْفورَ القُوَّةِ البَدَنِيَّةِ جَمَّ النشاطِ الجُسمانِيِّ مَشْبُوبَ القُوَى، ولا تَكونُ القُوَى العقليَّةُ حينَئذٍ قد تَمَّ نُضْجُها فيه, (صَبًّا) بفتحِ الصادِ وتشديدِ الباءِ الموحَّدةِ– هو وَصْفٌ من الصبابةِ, وهي رِقَّةُ الهَوَى والعشقِ,ُتَيَّمَا) اسمُ مفعولٍ من مَصْدَرِ (تَيَّمَه العِشْقُ) بتضعيفِ الياءِ المُثنَّاةِ إذا استعْبَدَه وأذَلَّه وأخْضَعَه، ومن هذهِ المادَّةِ أخَذَ العَرَبُ اسمَ"تَيْمِ اللاَّتِ" يُرِيدونَ عَبْدَ اللاتِ، كما قالوا: عَبْدُ مَنافٍ، وعَبْدُ شَمْسٍ. وكما قالوا: عَبْدُ اللهِ، وعبدُ المَسيحِ.
الإعرابُ: (عَهِدْتُكَ) عَهِدَ: فعلٌ ماضٍ مَبنِيٌّ على فتحٍ مُقدَّرٍ على آخرِه لا مَحلَّ له من الإعرابِ، وتاءُ المُتكلِّمِ فاعلُه مَبنِيٌّ على الضمِّ في مَحلِّ رفعٍ، وكافُ المخاطَبِ مفعولٌ به مَبنِيٌّ على الفتحِ في مَحلِّ نَصْبٍ, (ما) حرْفُ نَفْيٍ مَبنِيٌّ على السُّكونِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ,َصْبُو" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرفوعٌ؛ لتجَرُّدِه من الناصبِ والجازِمِ، وعلامةُ رَفْعِه ضَمَّةٌ مُقدَّرَةٌ على الواوِ منَعَ من ظهورِها الثِّقَلُ، وفاعلُه ضميرٌ مُستتِرٌ فيه وُجوباً تقديرُه: أنتَ، وجملةُ الفعلِ المضارعِ معَ فاعلِه المستترِ فيه في مَحلِّ نَصْبٍ حالٌ, صَاحِبُه كافُ المخاطَبِ الواقعةُ مفعولاً به في قولِه: (عَهِدْتُكَ). السَّابِقِ, (وفِيكَ) الواوُ واوُ الحالِ حرفٌ مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، في: حرفُ جَرٍّ مَبنِيٌّ على السُّكونِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ وضميرُ المُخاطَبِ مَبنِيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ جَرٍّ بفي، والجارُّ والمجرورُ مُتعلِّقٌ بمحذوفٍ, خَبرٌ مُقدَّمٌ,َبِيبَةٌ) مبتدأٌ مُؤخَّرٌ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وجملةُ المُبْتدأِ والخبرِ في مَحَلِّ نصبٍ حالٌ, صاحِبُه الضميرُ المستترُ في تَصْبُو,"فما" الفاءُ حرفُ عطفٍ، مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، ما: اسمُ استفهامٍ, مُبْتدأٌ مَبنِيٌّ على السُّكونِ في مَحلِّ رفعٍ,"لك" جارٌّ ومجرورٌ مُتعلِّقٌ بمحذوفٍ خبرُ المبتدأِ، والتقديرُ: فأيُّ شيءٍ ثَابِتٌ لَكَ؟ "بعدَ" ظرفُ زمانٍ منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، وهو مُتعلِّقٌ بقولِه: "صَبَا". الآتي، و"بعدَ" مضافٌ, و"الشَّيْبِ" مضافٌ إليه مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ,"صَبًّا" حالٌ صاحبُه ضميرُ المخاطبِ المجرورُ مَحَلاًّ باللامِ في قولِه: "لَكَ". السابقِ,ُتَيَّمَا" نعتٌ لقولِه: صَبًّا. ونعتُ المنصوبِ منصوبٌ وعلامةُ نصبِه الفتحةُ الظاهرةُ.
الشاهدُ فيه قولُه: (مَا تَصْبُو). فإنَّه جملةٌ مِن فعلٍ وفاعلٍ مُستتِرٍ فيه وُجوباً في مَحَلِّ نصبٍ حالٌ من كافِ المخاطَبِ في قولِه: (عَهِدْتُكَ). وهذه الجملةُ فِعليَّةٌ فعلُها مضارعٌ مَنْفِيٌّ بما, كما هو ظاهِرٌ، ولم تَقْتَرِنْ بالواوِ، واكتَفَى فيها بالربطِ بالضميرِ، وهو الفاعلُ المُستتِرُ.

([15]) سورة المُدَّثِّرِ, الآية: 6 والمرادُ بالمضارعِ المُثْبَتِ في هذهِ المسألةِ هو الذي لم يَقْتَرِنْ بقَدْ، فقَدْ عَلِمْتَ فيما مضَى أنَّ المُقترِنَ بقدْ تَجِبُ معَه الواوُ، نحوُ قولِه تعالى: {لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ}.

([16]) 282-هذا الشاهدُ من كلامِ عَنْتَرَةَ بنِ شَدَّادٍ العَبْسِيِّ، من مُعلَّقَتِه المشهورةِ التي أوَّلُها:
هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ؟ = أَمْ هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ؟
وقدْ سبَقَ الاستشهادُ بعِدَّةِ أبياتٍ منها في أماكِنَ مختلفةٍ، وهذا الذي أنشَدَه المُؤلِّفُ صَدْرُ بيتٍ من الكاملِ، وعَجُزُه قولُه:
َعْماً لَعَمْرُ أَبِيكَ لَيْسَ بمَزْعَمِ*
اللغةُ: (عُلِّقْتُها) معناهُ: أحْبَبْتُها، و(عَرَضاً) معناهُ: عن غيرِ قَصْدٍ مِنِّي.
الإعرابُ: (عُلِّقْتُها) عُلِّقَ: فعلٌ ماضٍي مَبنِيٌّ للمجهولِ مَبنِيٌّ على فتحٍ مُقدَّرٍ على آخرِه لا مَحلَّ له من الإعرابِ، وتاءُ المُتَكلِّمِ نائبُ فَاعِلِه مَبنِيٌّ على الضمِّ في مَحلِّ رفعٍ، وهو مفعولُه الأولُ، وضميرُ الغائبةِ العائِدُ إلى عَبْلَةَ مفعولٌ ثانٍ مَبنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ نَصْبٍ,َرَضاً) مفعولٌ مُطْلَقٌ على نحوِ قولِهم: قَعَدْتُ جُلُوساً. (وأقْتُلُ) الواوُ حرفُ عطفٍ، مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، أقتُلُ: فعلٌ مضارعٌ في تأويلِ الماضي، مرفوعٌ؛ لتجَرُّدِه من الناصبِ والجازِمِ، وعلامةُ رفعِه الضمَّةُ الظاهرةُ، وفاعلُه ضميرٌ مُستتِرٌ فيه وجوباً تَقْدِيرُه: أنا,َوْمَها) قومَ: مفعولٌ بهِ لأقْتُلُ، مَنْصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، و"قومَ" مضافٌ, وضميرُ الغائبةِ العائِدُ إلى عَبلَةَ مضافٌ إليه مَبنِيٌّ على السُّكونِ في محلِّ جَرٍّ، وجملةُ الفعلِ المضارعِ المُؤوَّلِ بالماضي معَ فَاعِلِه ومفعولِه لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ مَعْطُوفةٌ على الجملةِ الاستئنافيَّةِ التي لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ, وهي قولُه: (عُلِّقْتُهَا) السابِقُ، وتقديرُ الكلامِ على هذا: عُلِّقْتُها تَعَلُّقاً عَارِضاً وقَتَلْتُ قَوْمَها، ويَجوزُ أنْ تكُونَ الواوُ واوَ الحالِ، وجملةُ الفعلِ المضارعِ وفَاعِلِه ومفعولِه على هذا في مَحلِّ رفعٍ خَبَرٌ لمبتدأٍ مَحْذوفٍ، والتقديرُ: وأنا أقْتُلُ قَوْمَها، وجملةُ المبتدأِ المحذوفِ معَ خَبَرِه في مَحلِّ نصبٍ حَالٌ, صَاحِبُه تاءُ المُتكلِّمِ في قولِه: (عُلِّقْتُها). السابِقِ,َعْماً" يُرْوَى مرفوعاً, ويُرْوَى منصوباً، فأمَّا على روايةِ الرفعِ فيَجوزُ أنْ يكُونَ خَبَرَ مبتدأٍ محذوفٍ، والتقدير: هذا زعْمٌ، وأنْ يكُونَ مبتدأً خَبَرُه جملةُ"ليسَ" الآتيةُ, وأمَّا على روايةِ النصْبِ فهو مفعولٌ مُطْلَقٌ لفعلٍ مَحْذوفٍ، والتقديرُ: زَعَمَتْ زَعْماً,َعَمْرُ" اللامُ لامُ الابتداءِحَرْفٌ مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، عَمْرُ: مُبْتدأٌ مَرْفوعٌ بالابتداءِ وعَلامةُ رفعِه الضمَّةُ الظاهرةُ، وهو مضافٌ وأَبِي من "أَبِيكَ" مضافٌ إليه مَجرورٌ بالياءِ نيابةً عن الكسرةِ؛ لأنَّه من الأسماءِ السِّتَّةِ، وهو مضافٌ, وضميرُ المُخاطَبِ مضافٌ إليه مَبنِيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ جَرٍّ, وخَبَرُ المبتدأِ مَحْذوفٌ وُجوباً، وتقديرُ الكلامِ: لَعَمْرُ أَبِيكَ قَسَمِي، أو: لعَمْرُ أَبِيكَ مَا أُقْسِمُ به، وجملةُ المبتدأِ وخَبَرِه لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ مُعْتَرِضَةٌ بينَ الصفةِ والموصوفِ، أو بينَ المبتدأِ وخَبَرِه على روايةِ رَفْعَِعْمٌ" في أحدِ الوجهيْنِ,"ليسَ" فعلٌ ماضٍ ناقصٌ يرفَعُ الاسمَ ويَنْصِبُ الخَبَرَ، مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، واسمُه ضَمِيرٌ مُستتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه: هو, يَعودُ إلى الزَّعْمِ,"بمَزْعَمِ" الباءُ حرفُ جَرٍّ زَائِدٌ، مَزْعَمِ: خَبَرُ ليسَ، مَنْصوبٌ, وعلامةُ نصبِه فتحةٌ مُقدَّرَةٌ على آخرِه, منَعَ من ظُهورِها اشتغالُ المَحَلِّ بحركةِ حَرْفِ الجرِّ الزائدِ، والجملةُ مِن ليسَ واسمِه وخَبَرِه في مَحَلِّ نصبٍ أو رفعٍ صِفَةٌ لزَعْمٍ، ويجوزُ على روايةِ رَفْعٍَعْمٌ) أنْ يكُونَ مبتدأً، وجملةُ"ليسَ بمَزْعَمِ" في مَحلِّ رفعٍ خَبَرُ المبتدأِ, كما ذَكَرْناه من قَبْلُ.
الشاهدُ فيه قولُه: (وأقْتُلُ قَوْمَهَا). وبيانُ ذلك أنَّ جماعةً من النحاةِ قَدْ ذَهَبوا في هذهِ الجملةِ إلى أنَّ الواوَ للحالِ، وجملةَ(أقْتُلُ قَوْمَها) من الفعلِ وفاعلِه المستترِ وُجوباً ومفعولِه في مَحَلِّ نَصْبٍ, حَالٌ من تاءِ المُتكلِّمِ في قولِه: (عُلِّقْتُها). وهذه الجملةُ الحَالِيَّةُ فعليَّةٌ, فعلُها مضارعٌ مُثْبَتٌ، وقد اقترَنَتْ بالواوِ، فيَكُونُ اقترانُها بالواوِ على ذلك الوَجْهِ ضرورةً من ضروراتِ الشِّعْرِ, والأثباتُ من النحاةِ يُخرِّجونَها على غيرِ هذا الوجهِ، ولهم فيها تخريجانِ:
أحدُهما: أنْ تكُونَ الواوُ للحالِ، ولكنَّ جملةَ المضارعِ ليسَتْ في مَحَلِّ نصبِ حالٍ، بل هي في مَحلِّ رفعٍ خَبَرٌ لمبتدأٍ مَحْذوفٍ، والتقديرُ: وأنا أقْتُلُ قَوْمَها، وجملةُ المبتدأِ وخَبَرِه في مَحلّ نَصْبٍ على الحالِ، كما ذَكَرْناه في الإعرابِ.
التوجيهُ الثاني: أنْ تكُونَ الواوُ للعطفِ, لا للحالِ، والفعلُ المضارعُ مُؤوَّلٌ بالماضِي، أي: عُلِّقْتُها وقَتَلْتُ قَوْمَها، وهذا تخريجُ الشيخِ عبدِ القاهرِالجُرْجانيِّ.
وعلى هذيْنِ الاحتماليْنِ لا يَكونُ البيتُ ضَرورةً من ضروراتِ الشِّعْرِ.
ومثلُ هذا البيتِ في كلِّ هذه الاحتمالاتِ قولُ عبدِ اللهِ بنِ همامٍ السَّلُولِيِّ:
فَلَمَّا خَشِيتُ أظَافِيرَهُمْ = نَجَوْتُ وأَرْهَنُهُمْ مَالِكَا

([17]) تَلخَّصَ لك من كلامِ المُؤلِّفِ ومِمَّا زِدْناه عليه أنَّ اقترانَ جملةِ الحالِ بالواوِ على ثلاثةِ أنواعٍ: وَاجِبٌ، وذلك في موضعيْنِ، ومُمْتنِعٌ, وذلك في سبعةِ مواضِعَ، وجائزٌ، وذلك فيما عَدَا ذلك.



  #4  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 02:57 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


351 - وَمَوْضِعُ الحالِ تَجِيءُ جُمْلَهْ = كـ"جاءَ زيدٌ وهو نَاوٍ رِحْلَهْ"
(وَمَوْضِعُ الحالِ تَجِيءُ جُمْلَهْ)، كما تجيءُ موضعَ الخبرِ والنعتِ ، وإنْ كانَ الأصلُ فيها الإفرادُ ، ولذلك ثلاثةٌ شروطٍ :
أحدُها: أنْ تكونَ خبريَّةً ، وغلِطَ مَنْ قالَ في قولِه [من السريع]:
493 - أُطْلُبَ وَلاَ تَضْجَرَا مِنْ مَطْلَبٍ = فَآفَةُ الطالبِ أَنْ يَضْجَرَا
إنَّ "لا" ناهيةٌ ، والواوَ للحالِ ، والصوابُ أنَّها عاطفةٌ مثلَ {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}
الثاني: أن تكونَ غيرَ مصدَّرةٍ بعِلْمِ استقبالٍ وغلِطَ مَنْ أعرَبَ "سَيَهْدِينِ" مِنْ قولِه تعالى { إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} حالاً.
الثالثُ: أنْ تكونَ مرتبطةً بصاحبِها على ما سيأتي (كجاءَ زيدٌ وهو ناوٍ رِحْلَهْ) مثالٌ لما استكملَتِ الشروطَ.
352 - وَذَاتُ بَدْءٍ بِمُضَارِعٍ ثَبَتْ = حَوَتْ ضَمِيرًا وَمِنَ الواوِ خَلَتْ
353 - وَذَاتُ وَاوٍ بَعْدَهَا انْوِ مُبْتَدَأْ = لَهُ المُضَارِعُ اجْعَلَنَّ مُسْنَدَا
(وَذَاتُ بَدْءٍ بِمُضَارِعٍ ثَبَتْ * حَوَتْ ضَمِيرًا) يَرْبِطُهَا (وَمِنَ الواوِ خَلَتْ) وجوبًا لشدَّةِ شبهِه باسمِ الفاعلِ، تقولُ: جاءَ زيدٌ يضحكُ ، وقدِمَ الأميرُ تُقَادَ الجنائبُ بينَ يديه ، ولا يجوزُ جاءَ ويضحكُ ، ولا قدِمَ وتقادُ.
(وَذَاتُ وَاوٍ بَعْدَهَا انْوِ مُبْتَدَأْ = لَهُ المُضَارِعُ اجْعَلَنَّ مُسْنَدَا)
أي: إذا جاءَ مِنْ كلامِهم مَا ظاهرُه أنَّ جملةَ الحالِ المصدَّرةِ بمضارعٍ مثبَتٍ تلَتِ الواوَ ، حُمِلَ على أنَّ المضارعَ خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ من ذلك قولُهم: "قُمْتُ وأَصُكُّ عينَه" أي: وأَنَا أَصُكُّ ، وقولُه [من المتقارب]:
494 - فَلَمَّا خَشِيتُ أَظَافِيرَهُمْ = نَجَوْتُ وَأَرْهَنُهُمْ مَالِكًا
وقولُه [من الكامل]:
495 - عُلِّقْتُهَا عَرَضًا وَأَقْتُلُ قَوْمَهَا = زَعْمًا لَعْمُرُ أَبِيكَ لَيْسَ بِمَزْعَمِ
أي: وَأَنَا أَرْهَنُهُمْ مَالِكًا ، وَأَنَا أَقْتُلُ قَوْمَها.
وقيلَ : الواوُ عاطفةٌ لا حاليَّةٌ والفعلُ بعدَها مُؤَوَّلٌ بالماضي.
تنبيهانِ : الأَوَّل: تمتنعُ الواوُ في سبعِ مسائلَ:
الأَوَّلى: ما سبَقَ.
الثانية: الواقعةُ بعدَ عاطفٍ نحوَ: {فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ}.
الثالثةُ: المؤكِّدةُ لمضمونِ الجملةِ نحوَ: هو الحقُّ لا شكَّ فيه {ذَلِكَ الكتابُ لاَ رَيْبَ فِيه}.
الرابعةُ: الماضي التالي "إلاَّ " نحوَ: "مَا تكلَّمَ زيدٌ إلا قالَ خيرًا" ومنه {إلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}.
الخامسةُ: الماضي المتلُوُّ بأَوْ نحو: لأضرِبَنَّهُ ذَهَبَ أَوْ مَكَثَ ومنه قولُه [من البسيط]:
496 - كُنْ لِلخَلِيلِ نَصيرًا جَارَ أَوْ عَدلاَ وَلاَ تُشِحَّ عَلَيْهِ جَادَ أَوْ بَخِلَا
السادسة: المضارعُ المنفيُّ بـ "لاَ" نحوَ: { وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللَّهِ}، { مَا لِي لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ} .
وقولِه [ من الطويل]:
497 - وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا لِارْتِفَاعِ قَبِيلَةٍ = دَخَلُوا السمَاءَ دَخَلْتُهَا لاَ أُحْجَبُ
فإنْ ورَدَ بالواوِ أُوِّلَ على إضمارِ مبتدأٍ على الأصحِّ كقراءةِ ابنِ ذَكْوَانَ ( فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَانِ) ، وقولِه [من الوافر]:
498 – أَقَادُوا مِنْ دَمِي وَتَوَعَّدُونِي = وَكُنْتُ وَلاَ يُنَهْنِهُنيِ الوعيدُ
وقولِه [من الرمل]:
499 - أَكْسَبْتُهُ الوَرَقَ البِيضَ أَبًا = وَلَقَدْ كَانَ وَلاَ يُدْعَى لِأَبْ
نصَّ على ذلك في (التسهيلِ) وفي كلامِ ولدهِ خلافُه.
السابعةُ : المضارعُ المنفيُّ بـ "ما" كقولِه [من الطويل]:
500 - عَهِدْتُكَ مَا تَصْبُوا وَفِيكَ شَبِيبَةٌ = فَمَا لَكَ بَعْدَ الشيْبِ صَبًّا مُتَيَّما
الثاني: تلزمُ الواوُ مع المضارعِ المثبَتِ إذا اقترنَ بـ "قد" نحو: { وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ } ذكَرَه في (التسهيلِ).
354 - وَجُمْلَةُ الحَالِ سِوَى مَا قُدِّمَا = بِوَاوٍ أوْ بِمُضْمَرٍ أو بِهِمَا
(وَجُمْلَةُ الحَالِ سِوَى مَا قُدِّمَا) يجوزُ ربطُها (بواوٍ) وتُسَمَّى هذه الواوُ واوَ الحالِ ، وواوَ الابتداءِ ، وقدَّرَها سيبويهِ والأقدمونَ بـ "إذا" ولا يريدُون أنَّها بمعناها ؛ إذ لا يرادِفُ الحرفُ الاسمَ ، بلْ أنَّها وما بعدَها قيدٌ للعاملِ السابقِ (أو بمضمرٍ) يرجعُ إلى صاحبِ الحالِ (أو بهما) معًا ؛ وسوى ما قَدَّمَ هو: الجملةَ الاسميةَ وجملةَ الماضي ، مُثْبَتَتَيْنِ كانتَا أو منفيَّتينِ ، وجملةَ المضارعَ المنفيَّ ، ويُسْتَثْنَى مِنْ ذلك مَا تقدَّمَ التنبيهُ عليه وهو: الاسميةُ الواقعةُ بعد عاطفٍ والمؤكِّدةُ وجملةُ الماضي التالي "إلا" والمتلُوِّ بـ "أو" والمضارعُ المنفيُّ بـ "لا" أو بـ "ما" على ما مرَّ ، فلم يبقَ مِنْ أنواعِ المضارعِ المنفيِّ سوى المنفيِّ بـ "لم" أو لمَّا ، وأما النفيُ بـ "لن" فلا يمكنُ هنا ، وأمثلةُ ذلك مع الجملةِ الاسميَّةِ غيرُ ما تقدَّمَ: "جاءَ زيدٌ والشمسُ طالعةٌ" ومنه { لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} "جاءَ زيدٌ يدُه على رأسِه" ومنه { قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}
أي: متعادِينَ .
وقولُه [من الرمل]:
501 - ثُمَّ رَاحُوا عَبَقَ المِسْكِ بِهِمْ = يُلْحِفُونَ الأَرْضَ هُدابَ الأزُرْ
وقوله [من الطويل]:
502 - وَلَوْلاَ جِنَانُ اللَّيْلِ مَا آبَ عَامِرٌ = إِلَى جَعْفَرٍ سِرْبَالُه لَمْ يُمَزَّقِ
و"جاءَ زيدٌ ويدُه على رأسِه" ومنه { فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } وهكذا النفيُّ وأمثلتُه مع جملةِ الماضي غيرُ ما تقدَّمَ: "جاءَ زيدٌ وقد طلعَتِ الشمسُ" ومنه قولُه [من الطويل]:
503 - نَجَوْتُ وَقَدْ بَلَّ المُرَادِيُّ سَيْفَهُ = مِنِ ابْنِ أَبِي شَيْخِ الأَبَاطِحِ طَالِبِ
"جاء زيدٌ قد علَتْه سكينةٌ" ومنه { أَوْ جَاؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ}، { وَجَاؤُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ قَالُوا}
أي: قائلينَ ، وقولُه [من الطويل]:
504 - وَقَفْتُ بِرَبْعِ الدارِ قَدْ غَيَّرَ الْبِلَى = مَعَارِفُهَا والسَّارِيَاتُ الهواطلُ
"جاءَ زيدٌ وقد علَتْهُ سكينةٌ " ومنه { وَمَا لَنَا أَنْ لَا نُقَاتِلَ في سبيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا }، { الّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا} وهكذا النفيُّ وأمثلتُه مع المضارعِ المنفيِّ بـ "لم" أو "لما": "جاءَ زيدٌ ولم يَقُمْ عمرٌو" ومنه قولُه
[من الكامل]:
505 - وَلَقَدْ خَشِيتُ بِأنْ أَمُوتَ وَلَمْ يَكُنْ = لِلحَرْبِ دَائِرَةٌ عَلَى ابْنَيْ ضَمْضمِ
"جاءَ زيدٌ لم يضحكْ" ومنه قولُه [من الطويل]:
506 - كَأَنَّ فُتَاتَ العِهْنِ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ = نَزْلَنْ بِهِ حَبُّ الفَنَا لَمْ يُحَطَّمِ
"جاءَ زيدٌ ولم يضحكْ" ومنه { أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوْحَ إِلَيْه شَيْءٌ} ، وقولُه [من الكامل]:
507 - سَقَطَ النَّصِيفُ، وَلَمْ تُرِدْ إِسْقَاطَهُ = فَتَنَاوَلَتْهُ وَاتَّقَتْنَا بِالْيَدِ
وهكذا النفيُ بـ "لمَّا" ومنه { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ}
تنبيهاتٌ : الأَوَّل: مذهبُ البصريينَ – إلا الأخفشَ – لزومُ "قد" مع الماضيِ المثبَتِ مطلقًا ظاهرة ًأو مقدَّرَةً والمختارُ -وفاقًا للكوفيينِ والأخفشِ – لزومُها مع المرتبطِ بالواوِ فقطْ ، وجوازُ إثباتِها وحذفِها في المرتبطِ بالضميرِ وحدَه أو بهما معًا تمسُّكًا بظاهرِ ما سبَقَ ؛ إذ الأصلُ عدمُ التقديرِ ، لا سيَّمَا مع الكثرةِ ، نعَمْ في ذلك أربعُ صورٍ مرتَّبَةٍ في الكثرةِ هي: "جاءَ زيدٌ وقد قامَ أبوه", ثم "جاءَ زيدٌ قَدْ قَامَ أَبُوه", ثم "جاءَ زيدٌ وقامَ أبُوه", ثم "جاءَ زيدٌ قامَ أبُوه" وجَعَلَ الشارحُ الثالثةَ أقلَّ مِنَ الرابعةِ وهو خلافٌ ما في (التسهيل).
الثاني: تمتنعُ "قد" مع الماضي الممتنعِ ربطُه بالواوِ وهو: تالي "إلا" ، والمتلُوُّ بـ "أو" ونَدَرَ قولُه [من الطويل]:
508 - مَتَي يَأْتِ هَذَا المَوْتُ لَمْ يُلْفَ حاَجَةً لِنَفْسِيْ إِلاَّ قَدْ قَضَيْتُ قَضَاءَهَا
الثالثُ: قَدْ يُحْذَفُ الرابطُ لفظًا فيُنوَى نحو: "مررْتُ بالبِرِّ قَفِيزٌ بِدِرْهَمٍ" أي: منه
وقولِه [من الكامل]:
509 - نَصْفُ النهَارِ المَاءُ غامِرُهُ = وَرَفِيقُهُ بِالغَيْبِ مَا يَدْرِي
أي: والماءُ غامرُه.
الرابعُ : الأكثرُ في الاسميَّةِ الجائزُ فيها الأوجهُ الثلاثةُ: الربطُ بالواوِ والضميرِ معًا ثم الواوِ وحدَها ثم الضميرِ وحدَه وليس انفرادُ الضميرِ – مع قلَّتِه – بنادرٍ، خلافًا للفرَّاءِ والزمخشريِّ لما تقدَّمَ ، ومثلُ هذه الاسميَّةِ في ذلك – على ما يظهرُ – جملةُ المضارعِ المنفيِّ الجائزِ فيها الأوجهُ الثلاثةُ.
الخامسُ : كما يقعُ الحالُ جملةً يقعُ أيضًا ظرفًا نحوَ: "رأيتُ الهلالَ بينَ السحابِ" وجارًا ومجرورًا نحَو: { فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} ويتعلَّقانِ باستقرارِ محذوفٍ وجوبًا ، وأمَّا { فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ} فليسَ "مُسْتَقِرًّا" فيه هو المتعلِّقُ ؛ لأنَّه كونٌ خاصٌ ؛ إذ معناه عدمُ التحرُّكِ ، وذلك مطلَقُ الوجودِ.

  #5  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 02:59 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


وُقوعُ الحالِ جُملةً إذا اشْتَمَلَتْ على رابِطٍ
350- ومَوْضِعَ الحالِ تَجيءُ جُمْلَهْ = كجاءَ زيدٌ وهو ناوٍ رِحْلَهْ
تَنقسِمُ الحالُ بحَسَبِ الإفرادِ وعَدَمِه إلى ثلاثةِ أقْسامٍ: مُفردَةٍ، وجُملةٍ، وشِبْهِ جُملةٍ.
1- فالحالُ الْمُفْرَدَةُ: ما ليس بجُملةٍ ولا شِبْهِ جُملةٍ، نحوُ: اصْفَحْ عمَّن أتاكَ مُعْتَذِراً، وتَقَدَّمَ لها أمْثِلَةٌ كثيرةٌ في الأحكامِ السابقةِ.
2- وشِبْهُ الجملةِ وهو الظرْفُ الجارُّ والمجرورُ، ويُشترَطُ لوقوعِهما حالاً أنْ يكونَ كلٌّ منهما تامًّا أيْ: مُفيداً، نحوُ: أبْصَرْتُ الخطيبَ فوقَ الْمِنْبَرِ، ذَهَبْنَا إلى النُّزْهَةِ على غيرِ استعدادٍ، وهذا القِسْمُ لم يَذكرْه ابنُ مالكٍ.
3- والجملةُ قد تكونُ اسْمِيَّةً، نحوُ: تَمُرُّ بنا الأيامُ ونحن لاهونَ، قالَ تعالى: {إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ} وقد تكونُ جُملةً فِعليَّةً، نحوُ: جاءَ الْمُذْنِبُ يَعتذِرُ عن ذَنْبِهِ، قالَ تعالى: {وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً} وقد اجْتَمَعَا في مِثْلِ قولِه تعالى {وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ}.
ويُشترَطُ في الْجُملةِ الواقعةِ حالاً أنْ تَشتمِلَ على رابِطٍ يَرْبِطُها بصاحِبِ الحالِ؛ ليَكونَ المعنى مُتَّصِلاً بينَ الْجُملتينِ، وهذا الرابطُ ثلاثةُ أنواعٍ:
1- الواوُ: وتُسَمَّى (واوَ الحالِ)، نحوُ: دَخَلْنَا والواعِظُ يَتَكَلَّمُ، قالَ تعالى: {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ}.
2- الضميرُ: الذي يَرجِعُ إلى صاحِبِ الحالِ، نحوُ: سَمِعْتُ الخطيبَ يَأْسِرُ القلوبَ بحُسْنِ لفْظِه قالَ تعالى: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} أيْ: مُتعادِينَ.
3- الواوُ والضميرُ معاً:، نحوُ: استَقْبَلَ الناسُ رَمضانَ وهم فَرِحُون، قالَ تعالى: {لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} قالَ ابنُ مالكٍ: (وموضِعُ الحالِ تَجِيءُ جُملةً.. إلخ) أيْ: تَجيءُ الجملةُ مَوْضِعَ الحالِ المفرَدَةِ، بمعنى أنها تكونُ حالاً مِثْلَها، ثم مَثَّلَ للجُملةِ الاسميَّةِ الواقعةِ حالاً بقولِه: (وهو ناوٍ رِحْلَهْ).
تَعَيُّنُ أنْ يكونَ الرابِطُ الواوَ
351- وذاتُ بَدْءٍ بِمُضارِعٍ ثَبَتْ = حَوَتْ ضَمِيراً ومِنَ الواوِ خَلَتْ
352- وذاتُ واوٍ بعدَها انْوِ مُبْتَدَا = له المضارِعُ اجْعَلَنَّ مُسْنَدَا
تَقَدَّمَ أنَّ جُملةَ الحالِ لا بُدَّ فيها مِن رابِطٍ، وهو إمَّا الواوُ أو الضميرُ أو هما معاً، وقد يَتعيَّنُ أنْ يكونَ الرابِطُ هو الضميرُ، وذلك في الجملةِ الحاليَّةِ إذا صُدِّرَتْ بمضارِعٍ مُثْبَتٍ، مُجردٍ مِن (قد)، نحوُ: جاءَ المذنِبُ يَعتذرُ عن ذَنْبِه، فـ (يَعْتَذِرُ) فعْلٌ مضارِعٌ والفاعِلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ جَوازاً تقديرُه (هو) يعودُ على المذنِبِ، والجملةُ في مَحَلِّ نَصْبِ حالٍ، والرابطُ الضميرُ (هو) العائدُ إلى المذنِبِ، ومنه قولُه تعالى: {وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ} والرابِطُ هو واوُ الجماعةِ.
وقالَ تعالى: {وَلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرْ} فجُملةُ (تَستكثرْ) حالٌ مِن فاعلِ (تَمْنُنْ) الْمُسْتَتِرِ.
فإنْ جاءَ مِن كلامِ العرَبِ رَبْطُ هذا المضارِعِ بالواوِ، فهو مُؤَوَّلٌ على تقديرِ مبتدأٍ بعدَ الواوِ ويكونُ المضارِعُ خَبَراً له، كقولِهم: قُمْتُ وأَصُكُّ عينَ العدوِّ، وقولِ الشاعرِ:
فَلَمَّا خَشِيتُ أظَافِيرَهُمْ = نَجَوْتُ وَأَرْهَنُهُمْ مَالِكاَ

فـ (أصُكُّ) و (أَرْهَنُهُم) خبرانِ لمبتدأٍ محذوفٍ، والتقديرُ: وأنا أَصُكُّ، وأنا أَرْهَنُهُمْ، ويكونُ ذلك مِن بابِ الجملةِ الاسميَّةِ الواقعةِ حالاً.
هذا ما ذَكَرَه ابنُ مالكٍ ـ رَحِمَه اللهُ ـ والحقُّ أنه لا دَاعِيَ لهذا التأويلِ مِن أجْلِ إدخالِ ما وَرَدَ تحتَ القاعدةِ في هذا الموضوعِ، فإنَّ العربيَّ الْمُتَكَلِّمَ بذلك لا يَعْرِفُ شيئاً مِن هذه التأويلاتِ، فيُحْكَمُ عليها بالندورِ ولا يُقاسُ عليها.
فإنْ كانَ المضارِعُ مَنْفِيًّا فسيأتي إنْ شاءَ اللهُ، وإنْ كانَ مُثْبَتاً مَسبوقاً بـ (قد) تَعَيَّنَتِ الواوُ كما في قولِه تعالى: {لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ} فجُملةُ (تَعلمونَ) حالٌ مِن الواوِ في (تُؤْذُونَنِي) والرابطُ الواوُ.
قالَ الناظِمُ: (وذاتُ بَدْءٍ بِمُضارِعٍ ثَبَتْ.. إلخ) أيْ: أنَّ الجملةَ الحاليَّةَ إذا كانتْ فِعليَّةً مَبدوءةً بمضارِعٍ مُثْبَتٍ؛ فإنها تَحْوِي الضميرَ الرابطَ، وتَخْلُو مِن الواوِ المستَعْمَلَةِ في الربْطِ؛ لأنَّ الواوَ لا تَصْلُحُ للربْطِ هنا، ثم بَيَّنَ أنَّ هذه الجملةَ المضارِعَةَ إن رُبِطَتْ بالواوِ فإنه يُنْوَى ويُقَدَّرُ لها مُبتدأٌ بعدَ الواوِ خبرُه الجملةُ المضارِعِيَّةُ، فتكونُ مُسْنَدَةً له أيْ: مُخْبَراً بها عنه.
الربطُ بالواوِ أو الضميرِ أو هما معاً

353- وجُملةُ الحالِ سِوَى ما قُدِّمَا = بواوٍ أو بِمُضمَرٍ أو بِهِمَا
الذي قُدِّمَ هو الْجُملةُ الفعليَّةُ الْمُصَدَّرَةُ بمضارِعٍ مُثْبَتٍ، والذي سِواها يَشملُ الجملةَ الاسميَّةً مُثبتةً أو مَنفيَّةً، والفعليَّةَ المصَدَّرَةَ بالمضارِعِ المنفيِّ، وبالماضِي مُثْبَتاً ومَنْفِيًّا.
وظاهِرُ كلامِه جوازُ الأوْجُهِ الثلاثةِ، وهي الربطُ بالواوِ أو بالضميرِ أو بهما في ذلك كُلِّه، وليس هذا على إطلاقِه، بل المسألةُ فيها تَفصيلٌ.
1- أمَّا الجملةُ الاسميَّةُ فإنْ كانتْ مُؤَكِّدَةً لمضمونِ الجملةِ أو معطوفةً على حالٍ لَزِمَ فيها الضميرُ، فالمؤكِّدَةُ كالقولِ عن القرآنِ: هو الحقُّ لا شَكَّ فيه، قالَ تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ} فـ (لاَ رَيْبَ فيه) حالٌ مُؤَكِّدَةٌ لِمَضمونِ الجملةِ قَبْلَها، على أحَدِ الأعاريبِ، ومِثالُ المعطوفةِ سيَجيءُ الضيوفُ مُشاةً أو هم راكبونَ، فجُملةُ (هم راكبونَ) حالٌ مَعطوفةٌ على حالٍ قَبْلَها، والرابطُ هو الضميرُ، ولا يَصِحُّ أنْ يكونَ واوُ الحالِ لوِجودِ حَرْفِ العطْفِ (أو) وهما لا يَجتمعانِ.
وإنْ كانت الجملةُ الاسميَّةُ غيرَ مُؤَكِّدَةٍ لمضمونِ الجملةِ ولا معطوفةٍ جازَت الأوجُهُ الثلاثةُ، إلاَّ أنَّ الأكثرَ مَجيئُها بالواوِ مع الضميرِ فمثالُ المثبَتَةِ: لا تَلَبَسِ الثوبَ وهو طويلٌ، قالَ تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ} ومِثالُ الْمَنفيَّةِ: جاءَ أخوكَ وما في يَدِه شيءٌ.
2- أمَّا المضارِعُ المنفيُّ فإنْ كان النافِي (لا) أو (ما) فهو كالْمُثْبَتِ في لُزومِ الربْطِ بالضميرِ والتجَرُّدِ عن الواوِ؛ لأن المنفيَّ بهما في تأويلِ اسمِ الفاعلِ المخفوضِ بإضافةِ (غيرٍ) وهو لا تَدْخُلُ عليه الواوُ، نحوُ: جاءَ عبدُ العزيزِ لا يَحمِلُ كتابَه، قالَ تعالى: {وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللهِ} فجُملةُ (لا نُؤمنُ باللهِ) حالٌ مِن الضميرِ المجرورِ باللامِ، والرابِطُ هو الضميرُ المستَتِرُ (نحن)، ومِثالُ (ما): عَرَفْتُكَ ما تُحِبُّ السهَرَ، قالَ الشاعِرُ:
عَهِدْتُكَ ما تَصْبُو وفيكَ شَبيبَةٌ = فما لك بعدَ الشَّيْبِ صَبًّا مُتَيَّماً

فجُملةُ (ما تَصْبُو) حالٌ مِن الكافِ في (عَهِدْتُكَ) والرابطُ هو الضميرُ المستَتِرُ (أنتَ).
وإنْ كان النافِي غيرَهما كـ (لم) و (لَمَّا) جازَتِ الأوْجُهُ الثلاثةُ، نحوُ: جاءَ عبدُ السلامِ لم يَحْمِلْ كتابَه، أو: ولم يَحْمِلْ كتابَه، أو تقولُ: جاءَ عبدُ السلامِ ولم تَطْلُع الشمْسُ، بالواوِ فقط.
3- وأمَّا الجملةُ الفِعليَّةُ الْمُصَدَّرَةُ بالماضِي الْمُثْبَتِ، فإنها تُرْبَطُ بالضميرِ إذا كان تالِياً لـ (إلا) كقولِِه تعالى: {وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} فجُملةُ (كانوا به يَستهزئونَ) حالٌ مِن الهاءِ في (يَأْتِيهِمْ) ويَرَى بعضُ النُّحاةِ جَوازَ الربْطِ بالواوِ وحُجَّتُه السماعُ كما في قولِ الشاعرِ:
نِعْمَ امْرَأً هَرِمٌ لم تَعْرُ نَائِبَةٌ = إلاًّ وكانَ لِمُرْتَاعٍ بها وَزَرَا
فجُملةُ (إلاَّ وكان..) حالٌ مِن فاعِلِ نِعْمَ وهو (الضميرُ) المستَتِرُ الذي فُسِّرَ بالتمييزِ (امْرَأً).
أو كان مَتْلُوًّا بحرْفِ العطْفِ (أو) كقولِ المرأةِ المسلِمَةِ: أَحْفَظُ زوجِي غابَ أو حَضَرَ، قالَ الشاعِرُ:
كُنْ للخليلِ نَصيراً جارَ أو عَدَلاَ = ولا تَشِحَّ عليه جادَ أو بَخِلاَ
فجملةُ (جارَ) حالٌ، والفعْلُ ماضٍ بدونِ قد والواوُ لكونِه قد عُطِفَ عليه بـ (أوْ).
وما عدا ذلك يَجُوزُ فيه الأَوْجُهُ الثلاثةُ، إلاَّ إنْ كان الرابطُ هو الواوُ والإتيانُ بـ (قد) بعدَ الواوِ مُباشرَةً، نحوُ: غابَ أخوكَ وقد حَضَرَ جميعُ الأصدقاءِ، وإن كانَ الرابِطُ هو الضميرُ أو اجْتَمَعَا، جازَ إثباتُ (قد) وحَذْفُها.
ويرى فريقٌ مِن النُّحاةِ لُزومَ (قد) مع الماضِي المثبَتِ مُطْلَقاً، سواءٌ كانَ الرابِطُ هو الواوُ أم الضميرُ أمْ هما معاً، فإنْ كانت ظاهرةً وإلاَّ فهي مُقَدَّرَةٌ.
والصحيحُ أنَّ ذلك لا يَلزَمُ ولا حاجةَ إلى التقديرِ لكثرةِ ما وَرَدَ مِن ذلك بدونِ (قد) قالَ تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا} وقالَ تعالى: {أَوْ جَاؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} وقالَ تعالى: {وَجَاؤُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يِبْكُونَ قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} ففي هذه الآياتِ جاءتْ جُملةُ الحالِ فِعليَّةً مُصَدَّرَةً بماضٍ مثْبَتٍ والرابطُ هو الضميرُ في الآيةِ الأولى والثانيةِ، والواوُ والضميرُ في الآيةِ الثالثةِ، ولم تأتْ (قد) مما يَدُلُّ على عَدَمِ لُزومِها.
4- وأَمَّا الْمُصَدَّرَةُ بالماضي المنفيِّ فتَجوزُ فيها الأوجهُ الثلاثةُ ـ أعْنِي الربْطَ بالواوِ أو الضميرِ أو هما ـ، نحوُ: قَرأتُ الكتابَ وما وَجَدْتُ فيه إشكالاً، والرابِطُ هو الواوُ والضميرُ، ويَجوزُ: ما وَجدتُ فيه إشكالاً، والرابطُ هو الضميرُ، وتقولُ: قَدِمَ والدي وما طَلَعَتِ الشمسُ والرابطُ هو الواوُ وحْدَها.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الحال, وقوع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:58 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir