دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 06:49 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي نونا التوكيد

نُونَا التَّوْكيدِ

للفعلِ توكيدٌ بنُونَيْنِ هُمَا = كَنُونَي اذْهَبَنَّ واقْصِدَنْهُمَا
يُؤَكِّدَانِ افْعَلْ ويَفْعَلْ آتِيًا = ذا طَلَبٍ أوْ شَرْطًا امَّا تَالِيَا
أوْ مُثْبَتًا في قَسَمٍ مُسْتَقْبَلَا= وقَلَّ بعدَ ما ولمْ وبعدَ لا
وغيرِ إمَّا مِنْ طَوالِبِ الْجَزَا = وآخِرَ المؤكَّدِ افْتَحْ كَابْرُزَا
واشْكُلْهُ قبلَ مُضْمَرٍ لَيْنٍ بِمَا = جانَسَ مِنْ تَحَرُّكٍ قدْ عُلِمَا
والمضمَرَ احْذِفَنَّهُ إلَّا الأَلِفْ = وإنْ يَكُنْ في آخِرِ الفعلِ أَلِفْ
فاجْعَلْهُ منهُ رافعًا غيرَ الْيَا = والواوُ ياءٌ كاسْعَيَنَّ سَعْيَا
واحْذِفْهُ مِنْ رافعِ هاتَيْنِ وفي = واوٍ وَيَا شَكْلٌ مُجانِسٌ قُفِي
نحوُ اخْشَيِنْ يا هِنْدُ بالكسْرِ وَيَا = قومٌ اخْشَوُنْ واضْمُمْ وقِسْ مُسَوِّيَا
ولمْ تَقَعْ خَفيفةً بعدَ الأَلِفْ = لكنْ شَديدةٌ وكَسْرُهَا أُلِفْ
وأَلِفًا زِدْ قَبْلَها مُؤَكِّدَا = فِعْلًا إلى نونِ الإناثِ أَسْنِدَا
واحْذِفْ خَفِيفَةً لساكنٍ رَدِفْ = وبعدَ غيرِ فتحةٍ إذا تَقِفْ
وارْدُدْ إذا حَذَفْتَها في الوَقْفِ ما = مِنْ أَجْلِها في الوَصْلِ كانَ عُدِمَا
وأَبْدِلَنْهَا بعدَ فَتْحٍ أَلِفَا = وَقْفًا كما تَقولُ في قِفَنْ قِفَا


  #2  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 05:40 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


نُونَا التوكيدِ

للفعلِ توكيدٌ بنونينِ هُمَا = كنُونَي اذْهَبَنَّ واقْصِدَنْهُمَا ([1])

أيْ: يَلْحَقُ الفعْلَ للتوكيدِ نُونانِ؛ إحداهما ثَقيلةٌ؛ كـ "اذْهَبَنَّ"، والأخرى خَفيفةٌ؛ كـ "اقْصِدَنْهُما"، وقد اجْتَمَعا في قولِه تعالى: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ}.


يُؤَكِّدَانِ افْعَلْ ويَفْعَلْ آتِيَا = ذا طَلَبٍ أوْ شَرْطاً امَّا تَالِيَا ([2])


أو مُثْبَتاً في قَسَمٍ مُسْتَقْبَلاَ = وقَلَّ بعدَ ما ولم وبعدَ لا([3])


وغيرِ إما مِن طَوالِبِ الْجَزَا = وآخِرَ المؤكَّدِ افْتَحْ كَابْرُزَا ([4])

أيْ: تَلْحَقُ نُونَا التوكيدِ فعْلَ الأمْرِ، نحوُ: "اضْرِبَنَّ زَيْداً"، والفعْلَ المضارِعَ المستقْبَلَ الدالَّ على طلَبٍ، نحوُ: "لَتَضْرِبَنَّ زَيداً، ولا تَضْرِبَنَّ زيداً، وهل تَضْرِبَنَّ زَيْداً"، والواقِعَ شَرْطاً بعْدَ "إنِ" المؤَكِّدَةِ بـ"ما"، نحوُ: "إمَّا تَضْرِبَنَّ زيداً أَضْرِبْهُ"، ومنه قولُه تعالى: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ}، أو الواقعَ جوابَ قَسَمٍ مُثْبَتاً مُستَقْبَلاً، نحوُ: "واللهِ لتَضْرِبَنَّ زَيْداً".
فإنْ لم يَكُنْ مُثبَتاً لم يُؤَكَّدْ بالنونِ، نحوُ: "واللهِ لا تَفْعَلْ كذا"، وكذا إنْ كانَ حالاً، نحوُ: "واللهِ لَيَقُومُ زيدٌ الآنَ".
وقَلَّ دُخولُ النونِ في الفعْلِ المضارِعِ الواقِعِ بعْدَ ما الزائدةِ التي لا تَصْحَبُ إنْ، نحوُ: "بعَيْنٍ ما أَرَيَنَّكَ ههنا"([5])، والواقِعِ بعْدَ لم؛ كقولِه:

317- يَحْسَبُهُ الجاهِلُ ما لم يَعْلَمَا = شَيْخاً على كُرْسِيِّهِ مُعَمَّمَا([6])

والواقِعِ بعْدَ "لا" النافِيَةِ؛ كقولِه تعالَى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}.
والواقِعِ بعْدَ غيرِ "إِمَّا" مِن أدواتِ الشرْطِ؛ كقولِه:

318- مَن نَثْقَفَنْ مِنْهُمْ فليسَ بآيِبٍ ([7])

وأشارَ المصنِّفُ بقولِه: (وآخِرَ الْمُؤَكَّدِ افتَحْ) إلى أنَّ الفعْلَ الْمُؤَكَّدَ بالنونِ يُبنَى على الفتْحِ إنْ لم تَلِهِ ألِفُ الضميرِ أو يَاؤُهُ أو واوُه، نحوُ: "اضْرِبَنَّ زَيْداً، واقْتُلَنَّ عَمْراً".


واشْكُلْهُ قبلَ مُضْمَرٍ لَيْنٍ بِمَا = جانَسَ مِن تَحَرُّكٍ قد عُلِمَا ([8])


والمُضْمَرَ احْذِفَنَّهُ إلاَّ الأَلِفْ = وإنْ يَكُنْ في آخِرِ الفعلِ أَلِفْ ([9])


فاجْعَلْهُ مِنهُ رافعاً غيرَ الْيَا = والواوِ ياءً كاسْعَيَنَّ سَعْيَا ([10])


واحْذِفْهُ مِن رافعِ هاتَيْنِ وفِي = واوٍ ويَا شَكْلٌ مُجانِسٌ قُفِي ([11])


نحوُ اخْشَيِنْ يَا هِنْدُ بالكسْرِ ويَا = قَوْمِ اخْشَوُنْ وَاضْمُمْ وقِسْ مُسَوِّيَا([12])

الفِعْلُ المؤكَّدُ بالنونِ إنِ اتَّصَلَ به ألِفُ اثنينِ أو واوُ جَمْعٍ أو ياءُ مُخَاطَبَةٍ -حُرِّكَ ما قَبْلَ الألِفِ بالفتْحِ، وما قَبْلَ الواوِ بالضمِّ، وما قَبلَ الياءِ بالكسْرِ، ويُحذَفُ الضميرُ إنْ كانَ واواً أو ياءً، ويَبقَى إنْ كانَ ألِفاً، فتقولُ: "يا زَيدانِ هل تَضْرِبانِّ، ويا زَيدونَ هل تَضْرِبُنَّ، ويا هِنْدُ هل تَضْرِبِنَّ"، والأصْلُ: هل تَضْرِبَانِنَّ، وهل تَضْرِبُونَنَّ، وهل تَضْرِبِينَنَّ، فحُذِفَتِ النونُ لِتَوَالِي الأمثالِ، ثُمَّ حُذِفَتِ الواوُ والياءُ لالتقاءِ الساكِنَيْنِ، فصارَ "هل تَضْرِبُنَّ وهل تَضْرِبِنَّ"، ولم تُحْذَفِ الألِفُ؛ لِخِفَّتِها، فصارَ "هل تَضْرِبَانِّ"، وبَقِيَتِ الضمَّةُ دالَّةً على الواوِ، والكَسرةُ دالَّةً على الياءِ.
هذا كلُّه إذا كانَ الفعْلُ صَحيحاً.
فإنْ كان مُعْتَلاًّ، فإمَّا أنْ يكونَ آخِرُه ألِفاً أو واواً أو ياءً.
فإنْ كانَ آخِرُه واواً أو ياءً حُذِفَتْ لأَجْلِ واوِ الضميرِ أو يائِه، وضُمَّ ما بَقِيَ قَبْلَ واوِ الضميرِ، وكُسِرَ ما بَقِيَ قَبْلَ ياءِ الضميرِ، فتقولُ: "يا زَيدونَ، هل تَغْزُونَ، وهل تَرْمُونَ. ويا هنْدُ، هل تَغْزِينَ، وهل تَرْمِينَ".
فإذا أَلْحَقْتَه نونَ التوكيدِ فَعَلْتَ به ما فَعَلْتَ بالصحيحِ، فتَحْذِفُ نونَ الرفْعِ وواوَ الضميرِ أو ياءَه، فتَقولُ: "يا زَيدونَ، هل تَغْزُنَّ، وهل تَرْمُنَّ. ويا هِنْدُ، هل تَغْزُنَّ، وهل تَرْمُنَّ". هذا إنْ أُسْنِدَ إلى الواوِ والياءِ.
وإنْ أُسنِدَ إلى الألِفِ لم يُحْذَفْ آخِرُه، وبَقِيَتِ الآلِفُ وشُكِّلَ ما قَبْلَها بحَرَكَةٍ تُجانِسُ الألِفَ، وهي الفتحةُ، فتقولُ: "هل تَغْزُوَانِّ، وهل تَرْمِيَانِّ.
وإنْ كانَ آخِرُ الفِعْلِ ألِفاً، فإنْ رَفَعَ الفعْلُ غيرَ الواوِ والياءِ؛ كالألِفِ والضميرِ المستَتِرِ، انقَلَبَتِ الألِفُ التي في آخِرِ الفعْلِ ياءً وفُتِحَتْ، نحوُ: "اسعَيَانِّ، وهل تَسْعَيَانِّ، واسْعَيَنَّ يا زيدُ".
وإنْ رفَعَ واواً أو ياءً حُذِفَتِ الألِفُ وبَقِيَتِ الفتحةُ التي كانَتْ قبْلَها، وضُمَّتِ الواوُ وكُسِرَتِ الياءُ، فتقولُ: "يا زَيدونَ، اخْشَوُنَّ. ويا هِنْدُ، اخْشَيِنَّ".
هذا إنْ لَحِقَتْهُ نونُ التوكيدِ، وإنْ لم تَلْحَقْهُ لم تَضُمَّ الواوَ ولم تَكْسِرِ الياءَ، بل تُسَكِّنْهُما، فتقولُ: "يا زَيدونَ، هل تَخْشَوْنَ. ويا هنْدُ، هل تَخْشَيْنَ. ويا زَيدونَ، اخْشَوْا. ويا هِنْدُ، اخْشَيْ".


ولَمْ تَقَعْ خَفيفةٌ بعدَ الأَلِفْ = لكِنْ شَديدةٌ وكَسْرُهَا أُلِفْ ([13])

لا تَقَعُ نونُ التوكيدِ الخفيفةُ بعْدَ الألِفِ، فلا تَقولُ: "اضْرِبَانْ"([14]) بنُونٍ مُخَفَّفَةٍ، بل يَجِبُ التشديدُ، فتقولُ: "اضْرِبَانِّ" بنُونٍ مُشدَّدَةٍ مكسورةٍ، خِلافاً لِيُونُسَ؛ فإنَّه أجازَ وُقوعَ النونِ الخفيفةِ بعْدَ الألِفِ، ويَجِبُ عندَه كَسْرُها.
وأَلِفاً زِدْ قَبْلَها مُؤَكِّدَا = فِعْلاً إلى نونِ الإناثِ أُسْنِدَا ([15])
إذا أُكِّدَ الفعْلُ المُسْنَدُ إلى نُونِ الإناثِ بنُونِ التوكيدِ، وَجَبَ أنْ يُفْصَلَ بينَ نونِ الإناثِ ونونِ التوكيدِ بألِفٍ؛ كَراهيةَ تَوَالِي الأمثالِ، فتَقولُ: "اضْرِبْنَانِّ" بنُونٍ مُشدَّدَةٍ مَكسورةٍ قَبلَها ألِفٌ.


واحْذِفْ خفيفةً لساكنٍ رَدِفْ = وبعدَ غيرِ فتحةٍ إذا تَقِفْ ([16])


وارْدُدْ إذا حَذَفْتَها في الوَقْفِ ما = مِن أَجْلِها في الوَصْلِ كانَ عُدِمَا ([17])


وأَبْدِلَنْهَا بعدَ فَتْحٍ أَلِفَا = وَقْفاً كما تَقولُ في قِفَنْ قِفَا ([18])

إذا وَلِيَ الفعْلَ الْمُؤَكَّدَ بالنونِ الخفيفةِ ساكِنٌ، وَجَبَ حذْفُ النونِ؛ لالتقاءِ الساكِنَيْنِ، فتَقولُ: "اضْرِبَ الرَّجُلَ" بفتْحِ الباءِ([19])، والأصْلُ "اضْرِبَنْ"، فحُذِفَتْ نونُ التوكيدِ لِمُلاَفَاةِ الساكِنِ، وهو لامُ التعريفِ.
ومنه قولُه:

319- لا تُهِينَ الفقيرَ عَلَّكَ أَنْ = تَرْكَعَ يَوْماً والدهْرُ قد رَفَعَهْ([20])

وكذلك تُحْذَفُ نونُ التوكيدِ الخفيفةُ في الوقْفِ إذا وقَعَتْ بعدَ غيرِ فَتحةٍ؛ أيْ: بعْدَ ضَمَّةٍ أو كَسرةٍ، ويُرَدُّ حينَئذٍ ما كانَ حُذِفَ لأجْلِ نونِ التوكيدِ، فتقولُ في "اضْرِبُنْ يا زَيدونَ" إذا وَقَفْتَ على الفعْلِ: اضْرِبُوا، وفي "اضْرِبِنْ يا هِنْدُ": اضْرِبِي، فتُحْذَفُ نونُ التوكيدِ الخفيفةُ للوقْفِ، وتُرَدُّ الواوُ التي حُذِفَتْ لأجْلِ نونِ التوكيدِ، وكذلك الياءُ.
فإنْ وَقَعَتْ نونُ التوكيدِ الخفيفةُ بعْدَ فَتحةٍ أُبدِلَتِ النونُ في الوقْفِ أَيْضاً ألِفاً، فتَقولُ في "اضْرِبَنْ يا زَيدُ": اضْرِبَا.


([1]) (للفِعْلِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرٌ مُقَدَّمٌ، (تَوْكِيدٌ) مبتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، (بِنُونَيْنِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بتوكيدٌ، أو بمحذوفٍ صِفَةٌ له، (هما) مُبتدأٌ، (كنُونَي) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرُ المبتدأِ، والجُملةُ في مَحَلِّ جَرٍّ صِفَةٌ لِنُونَيْنِ، ونُونَي مُضافٌ و(اذْهَبَنَّ) قَصَدَ لفْظَه: مُضافٌ إليه، (واقْصِدَنْهُما) قَصَدَ لفْظَه أيضاً: معطوفٌ على اذْهَبَنَّ.

([2]) (يُؤَكِّدَانِ) فعْلٌ مُضارِعٌ، وألِفُ الاثنينِ العائدةُ على (نُونَيْنِ) فاعِلٌ، (افْعَلْ) قَصَدَ لفْظَه: مفعولٌ به ليُؤَكِّد، (ويَفْعَلْ) معطوفٌ على افْعَلْ، (آتِيَا) حالٌ مِن يَفْعَلْ، وفيه ضميرٌ مستَتِرٌ فاعِلٌ، (ذا) حالٌ مِن الضميرِ الْمُستَتِرِ في (آتِيَا)، وذا مُضافٌ و(طَلَبٍ) مُضافٌ إليه، (أو) عاطِفَةٌ، (شَرْطاً) معطوفٌ على (ذا طَلَبٍ)، (إمَّا) قَصَدَ لفْظَه: مفعولٌ مقدَّمٌ لقولِه: (تالِيَا) الآتي، (تالِيَا) نعْتٌ لقولِه: (شَرْطاً).

([3]) (أو) عاطِفَةٌ، (مُثْبَتاً) معطوفٌ على قولِه: (شَرْطاً) في البيتِ السابِقِ، (في قَسَمٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (مُثْبَتاً) السابِقِ، (مُسْتَقْبَلاَ) حالٌ مِن الضميرِ المستَتِرِ في (مُثبَتاً) السابِقِ، (وقَلَّ) فعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه: هو، يَعودُ على التوكيدِ، (بعْدَ) ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بقَلَّ، وبعْدَ مُضافٌ و(ما) قَصَدَ لفْظَه: مُضافٌ إليه، (ولم) معطوفٌ على ما، (وبَعْدَ) الواوُ عاطِفَةٌ، بعْدَ: ظرْفٌ معطوفٌ على بعْدَ السابِقِ، وبَعْدَ مُضافٌ و(لا) قَصَدَ لفْظَه: مُضافٌ إليه.

([4])، (وغيرِ) الواوُ عاطِفَةٌ، غيرِ: مَعطوفٌ على (لا) في البيتِ السابِقِ، وغيرِ مُضافٌ و(إمَّا) قَصَدَ لفْظَه: مُضافٌ إليه، (مِن طَوَالِبِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ حالٌ مِن (غيرِ إمَّا) السابقِ، وطوالِبِ مُضافٌ و(الْجَزَا) قُصِرَ للضرورةِ: مُضافٌ إليه، (وآخِرَ) مفعولٌ به مُقَدَّمٌ لاِفتَحْ، وآخِرَ مُضافٌ و(المؤكَّدِ) مُضافٌ إليه، (افْتَحْ) فعْلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقديرُه: أنتَ، (كابْرُزَا) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ مَحذوفٍ كما سَبَقَ مِراراً، ابْرُزَا: فعْلُ أمْرٍ مَبنيٌّ على الفتْحِ؛ لاتِّصَالِه بنونِ التوكيدِ الْمُنقَلِبَةِ أَلِفاً للوقْفِ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقديرُه: أنتَ.

([5]) هذا مَثَلٌ مِن أمثالِ العرَبِ، (الْمَيْدَانِيّ 1 / 78 بولاق، وهو الْمَثَلُ رَقْمُ 494 في مَجْمَعِ الأمثالِ بتَحقيقِنا)، ومعناه: اعْمَلْ كأنِّي أنْظُرُ إليكَ. ويُضرَبُ في الْحَثِّ على ترْكِ التَّوَانِي، و"ما" زائدةٌ للتوكيدِ.

([6]) 317 - البيتُ لأبي الصَّمْعَاءِ مُساوِرِ بنِ هِنْدٍ العَبْسِيِّ، وهو شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ، وقَبْلَه:
وقد حَلَبْنَ حيثُ كانَتْ قُيَّمَا = مَثْنَى الوِطَابِ والوِطَابَ الزُّمَّمَا
وقِمَعاً يُكْسَى ثُمَالاً قَشْعَمَا

اللغةُ: (قُيَّمَا) جَمْعُ قائِمَةٍ على غيرِ قِياسٍ، وقِياسُه قُوَّمٌ؛ كصُوَّمٍ ونُوَّمٍ، (مَثْنَى الوِطابِ) مَفعولٌ به لِحَلَبْنَ على تَقديرِ مُضافٍ محذوفٍ، وأَصْلُه: مِلْءَ مَثْنَى الوِطَابِ، والمَثْنَى معناه هنا الْمُكَرَّرَةُ، والوِطابُ: جَمْعُ وَطْبٍ – بفتْحٍ فسُكونٍ – وهو سِقَاءُ اللبَنِ خاصَّةً، (الزُّمَّمَا) – بضَمِّ الزايِ وتَشديدِ الميمِ – جَمْعُ زَامٍّ، مأخوذٌ مِن "زَمَّ القِرْبَةَ"؛ أيْ: مَلأَهَا "قِمَعاً" - بكَسْرِ القافِ وفَتْحِ الميمِ – آلَةٌ تُجعَلُ في فَمِ السِّقاءِ ونحوِه، ويُصَبُّ فيها اللَّبَنُ، (ثُمَالاً) – بضَمِّ الثاءِ الْمُثَلَّثَةِ – الرَّغْوَةُ، (قَشْعَمَا) ضَخْماً عَظيماً؛ قالَه أبو زَيدٍ في نَوَادِرِه، والضميرُ الْمُتَّصِلُ في (يَحْسَبُه) يعودُ إلى القِمَعِ الذي امْتَلأَ بالثُّمَالِ.
المعنى: شَبَّهَ القِمَعَ والرَّغْوَةَ التي تَعْلُوه بشيخٍ مُعَمَّمٍ جالِسٍ على كُرْسِيٍّ. وقد أَخطَأَ الأعلَمُ – وتَبِعَه كثيرٌ مِن شُرَّاحِ الشواهِدِ – حيثُ قالَ: وَصَفَ جَبَلاً قد عَمَّه الْخَصْبُ وحَفَّه النباتُ وعَلاهُ فجَعَلَه كشيخٍ مُزَمَّلٍ في ثِيابِه مُعَصَّبٍ بعِمامَتِه. اهـ. وسببُ هذا الخطَأِ عَدَمُ الاطِّلاعِ على ما يتَقَدَّمُ الشاهِدَ مِن الأبياتِ.
الإعرابُ: (يَحْسَبُه) يَحْسَبُ: فعْلٌ مُضارِعٌ، والهاءُ مفعولٌ أوَّلُ، (الجاهِلُ) فاعِلُ يَحْسَبُ، (ما) مَصدريَّةٌ، (لم) نَافِيَةٌ جَازِمَةٌ، (يَعْلَمَا) فعْلٌ مُضارِعٌ مَبنيٌّ على الفَتْحِ؛ لاتِّصالِه بنونِ التوكيدِ الخفيفةِ الْمُنقَلِبَةِ ألِفاً للوَقْفِ في مَحَلِّ جَزْمٍ، (شَيْخاً) مفعولٌ ثانٍ ليَحْسَبُ، (على كُرْسِيِّهِ) الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ صِفَةٌ لقولِه: شَيْخاً، وكُرْسِيِّ مُضافٌ وضَميرُ الغائِبِ العائدُ إلى شيخٍ مُضافٌ إليه، (مُعَمَّماً) صِفَةٌ ثانيةٌ لشَيْخاً.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (لم يَعْلَمَا)؛ حيثُ أَكَّدَ الفعْلَ المضارِعَ الْمَنفِيَّ بلَمْ، وأَصْلُه ما لم يَعْلَمَنْ، فقُلِبَتِ النونُ ألِفاً للوَقْفِ، وذلك التوكيدُ عندَ سِيبَوَيْهِ مِمَّا لا يَجُوزُ إلا للضرورةِ.

([7]) 318 - هذا صَدْرُ بيتٍ لبِنْتِ مُرَّةَ بنِ عَاهانَ أبي الْحُصَيْنِ الحارثيِّ، والبيتُ بكَمَالِه مِن أبياتٍ تَرْثِي بها أَباهَا، وكانَ المنتشرُ بنُ وَهْبٍ الباهِلِيُّ يُغَاوِرُ أهْلَ اليمَنِ فقَتَلَ مُرَّةَ، وهي:

إنَّا وباهِلَةَ بنَ أَعْصُرَ بَيْنَنَا = دَاءُ الضرائِرِ بِغْضَةٌ وتَقَافِي


مَن نَثْقَفَنْ مِنهم.... = أَبَداً، وَقَتْلُ بَنِي قُتَيْبَةَ شَافِي


ذَهَبَتْ قُتَيْبَةُ في اللِّقَاءِ بفَارِسٍ = لا طَائِشٍ رَعِشٍ وَلا وَقَّافِ

اللغةُ: (باهِلَةَ) هي بنتُ صَعْبِ بنِ سعْدِ العَشيرةِ، مِن مَذْحِجٍ، تَزَوَّجَتْ مالِكَ بنَ أَعْصُرَ، ثم تَزَوَّجَتْ بعْدَه ابنَه مَعْنَ بنَ مالِكِ بنِ أَعصُرَ بنِ سعْدِ بنِ قَيْسِ عَيْلانَ ، (الضَّرائرِ) جمْعُ ضَرَّةٍ – بفتْحِ الضادِ – وضَرَّةُ المرأةِ: امْرَأَةُ زَوْجِها، وهذا الجمْعُ لهذا المفرَدِ نادِرٌ لا يَكادُ يُوجَدُ له نَظيرٌ، ودَاءُ الضرائِرِ: التباغُضُ والتضارُبُ ، (بِغْضَةٌ) بكسْرِ الباءِ – ومِثْلُه في المعنَى البَغضاءُ – شِدَّةُ الكراهِيَةِ والبُغْضُ، (تَقَافِي) مَأخوذٌ مِن قَفَيْتُه؛ أيْ: ضَرَبْتُ قَفاهُ، (نَثْقَفَنْ) بنُونِ المُضَارَعَةِ؛ أيْ: نُدْرِكُه، ونَظْفَرُ به ونأْخُذُه، ويُرْوَى: "مَن يُثْقَفَنْ مِنهم"، ويَجِبُ على هذا بناءُ الفعْلِ للمَجهولِ، (آيِبٍ) راجِعٍ، ورُوِيَ:
مَن يَثْقَفُوا مِنَّا فَلَيْسَ بوَائِلٍ

(وائلٍ)؛ أيْ: مُلتَجِئٍ، أو نَاجٍ، (طَائِشٍ) متَحَيِّرٍ، (رَعِشٍ) مُرْتَعِشٍ مِن الخوْفِ، (وَقَّافِ) هو الذي لا يُبَارِزُ العَدُوَّ جُبْناً.
الإعرابُ: (مَن) اسمُ شرْطٍ: مُبتدأٌ، (نَثْقَفَنْ) فعْلٌ مُضارِعٌ فعْلُ الشرْطِ، مَبنيٌّ على الفتْحِ؛ لاتِّصالِه بنونِ التوكيدِ في مَحَلِّ جزْمٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقديرُه: نحنُ، (مِنهم) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بنَثْقَفَنْ، (فليسَ) الفاءُ واقِعَةٌ في جوابِ الشرْطِ، ليسَ: فعلٌ ماضٍ ناقِصٌ، واسْمُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه: هو، يعودُ إلى مَن الموصولةِ، (بآيِبٍ) الباءُ زائدةٌ، آيِبٍ: خَبَرُ ليسَ مَنصوبٌ بفَتحةٍ مقَدَّرَةٍ، والجُملةُ في مَحَلِّ جزْمٍ جوابُ الشرْطِ، وجُملةُ الشرْطِ وحْدَها أو جملةُ الجوابِ وحْدَها أو الجملتانِ معاً في مَحَلِّ رفْعٍ خَبَرُ المبتَدَأِ، على خِلافٍ في ذلك مَشهورٍ نَبَّهْنَا عليه وعلى اختيارِنا مِراراً.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (مَن نَثْقَفَنْ)؛ حيثُ أَكَّدَ الفعْلَ المضارِعَ الواقِعَ بعْدَ أداةِ الشرْطِ مِن غيرِ أنْ تَتَقَدَّمَ على المضارِعِ (ما) الزائدةُ الْمُؤَكِّدَةُ لإنِ الشرطيَّةِ، وهذا التوكيدُ ضَرورةٌ مِن ضَروراتِ الشعْرِ عندَ سِيبَوَيْهِ.

([8]) (واشْكُلْهُ) اشْكُلْ: فعْلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقديرُه: أنتَ، والهاءُ مفعولٌ به، (قَبْلَ) ظرْفٌ مُتَعَلِّقٌ باشْكُلْهُ، وقَبْلَ: مُضافٌ و(مُضْمَرٍ) مُضافٌ إليه، (لَيْنٍ) نعْتٌ لِمُضمَرٍ، (بما) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ باشْكُلْهُ، (جَانَسَ) فعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه: هو، يعودُ إلى ما الموصولةِ، والجُملةُ لا مَحَلَّ لها صِلَةُ (ما) المجرورةِ مَحَلاًّ بالباءِ، (مِن تَحَرُّكٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: جَانَسَ، (قد) حرْفُ تَحقيقٍ، (عُلِمَا) عُلِمَ: فعلٌ ماضٍ مَبنيٌّ للمَجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه: هو، يَعودُ إلى تَحَرُّكٍ، والألِفُ للإطلاقِ، والجُملةُ في مَحَلِّ جَرٍّ صِفَةٌ لتَحَرُّكٍ.

([9]) (والمُضْمَرُ) مفعولٌ به لفِعْلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُه ما بَعْدَه؛ أي: احذِفِ المضْمَرَ، (احذِفَنَّهُ) احذِفْ: فعْلُ أمْرٍ مَبنيٌّ على الفتْحِ؛ لاتِّصَالِه بنونِ التوكيدِ، والفاعِلُ ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقديرُه: أنتَ، والهاءُ مفعولٌ به، والجُملةُ لا مَحَلَّ لها مُفَسِّرَةٌ، (إلاَّ) أداةُ استثناءٍ، (الألِفْ) منصوبٌ على الاستثناءِ مِن المضمَرِ، (وإنْ) شَرطيَّةٌ، (يَكُنْ) فعْلٌ مُضارِعٌ تامٌّ، فعْلُ الشرْطِ، (في آخِرِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بيَكُنْ، وآخِرِ مُضافٌ و(الفعْلِ) مُضافٌ إليه، (ألِفْ) فاعِلُ يَكُنْ.

([10]) (فاجْعَلْهُ) الفاءُ واقعةٌ في جوابِ الشرْطِ، واجْعَلْ: فعْلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقديرُه: أنتَ، والهاءُ مفعولٌ أوَّلُ، والجُملةُ في مَحَلِّ جزْمٍ جوابُ الشرْطِ في البيتِ السابِقِ، (منه) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ باجْعَلْ، (رافِعاً) حالٌ مِن الهاءِ في (منه)، وفي رافِعٍ ضميرٌ مستَتِرٌ فاعِلُه، (غيرَ) مفعولٌ به لرافعٍ، وغيرَ مُضافٌ و(الْيَا) مُضافٌ إليه، (والواوِ) معطوفٌ على الياءِ، (ياءً) مفعولٌ ثانٍ لاجْعَلْ، (كاسْعَيَنَّ) الكافُ جارَّةٌ لقَوْلٍ مَحذوفٍ، كما سَبَقَ غيرَ مَرَّةٍ، وجُملةُ (اسْعَيَنَّ سَعْيَا) مَقولُ ذلك القولِ المحذوفِ.

([11])، (واحْذِفْهُ) الواوُ عاطِفَةٌ، احْذِفْ: فعْلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقديرُه: أنتَ، والهاءُ مفعولٌ به، (مِن رافِعِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ باحْذِفْه، ورَافِعِ مُضافٌ و(هاتَيْنِ) اسمُ إشارةٍ: مُضافٌ إليه، (وفي واوٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقُفِي الآتي، (وياء) معطوفٌ على واوٍ، (شَكْلٌ) مُبتدأٌ، (مُجانِسٌ) نعْتٌ له، (قُفِي) فعلٌ ماضٍ مَبنيٌّ للمَجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه: هو، يَعودُ إلى (شَكْلٌ مُجانِسٌ)، والجُملةُ في مَحَلِّ رفْعٍ خبَرُ المبتدَأِ الذي هو قولُه: شَكْلٌ.

([12]) (نحوُ) خبَرٌ لِمُبتدأٍ محذوفٍ؛ أيْ: وذلكَ نحوُ، (اخْشَيِنْ) فعْلُ أمْرٍ مَبنيٌّ على حذْفِ النونِ، وياءُ المؤنَّثَةِ المخاطَبَةِ فاعِلٌ، مَبنيٌ على السكونِ في مَحَلِّ رفْعٍ، وتَحَرَّكَ بالكسْرِ للتخلُّصِ مِن الْتِقَاءِ الساكِنَيْنِ، والنونُ للتوكيدِ، (يا هِنْدُ) يا: حرْفُ نِداءٍ، هِندُ: مُنادًى مَبنيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نصْبٍ، (بالكسْرِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ حالٌ مِن اخْشَيِنْ، (ويا) الواوُ حرْفُ عطْفٍ، يا: حرْفُ نِداءٍ، (قَوْمِ) منادًى منصوبٌ بفتْحَةٍ مُقَدَّرَةٍ على ما قَبْلَ ياءِ المتكلِّمِ المحذوفةِ؛ للاستغناءِ عنها بالكسرَةِ، (اخْشَوُنْ) فعْلُ أمْرٍ، وواوُ الجماعَةِ فاعلٌ، والنونُ للتوكيدِ، (واضْمُمْ) فعْلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقديرُه: أنتَ، (وقِسْ) فعْلُ أمْرٍ، وفيه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقديرُه: أنتَ، فاعلٌ، (مُسَوِّيَا) حالٌ مِن الضميرِ المستَتِرِ في (قِسْ).

([13]) (ولم) نَافِيَةٌ جَازِمَةٌ، (تَقَعْ) فعْلٌ مُضارِعٌ مَجزومٌ بلم، (خَفيفةٌ) بالرفْعِ: فاعِلُ تَقَعُ، أو بالنصْبِ حالٌ مِن ضميرٍ مستَتِرٍ في تَقَعْ هو فاعلُه، (بعْدَ) ظرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بتَقَعْ، وبعْدَ مُضافٌ و(الألِفْ) مُضافٌ إليه، (لكِنْ) حرْفُ عطْفٍ، (شَديدةٌ) معطوفٌ على خَفيفةٌ، يَرتَفِعُ إذا رَفَعْتَه ويَنتَصِبُ إذا نَصَبْتَه، (وكَسْرُها) الواوُ عاطِفَةٌ أو للاستئنافِ، كسْرُ: مبتدأٌ، وكسْرُ مُضافٌ وها: مُضافٌ إليه، (أُلِفْ) فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمَجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه: هو، يَعودُ إلى كسْرُها، والجُملةُ مِن أُلِفَ ونائبِ فاعلِه في مَحَلِّ رفْعٍ خَبَرُ المبتَدَأِ الذي هو قولُه: (كَسْرُها).

([14]) أنتَ تَعْلَمُ أنَّه لا يَجُوزُ في العربيَّةِ أنْ يَتَجَاوَرَ حَرفانِ ساكنانِ، إلاَّ إذَا كانَ الأوَّلُ منهما حرْفَ لِينٍ والثاني منهما مُدغَماً في مِثْلِه، فلو وَقَعَتْ نُونُ التوكيدِ الخفيفةِ بعْدَ الألِفِ تَجَاوَرَ ساكنانِ مِن غيرِ استيفاءِ شرْطِ جَوَازِه؛ فلهذا امتَنَعُوا منه، فإنْ كانَتْ نونُ التوكيدِ ثَقيلةً فقَدْ كَمَلَ شرْطُ جَوازِ الْتِقَاءِ الساكِنَيْنِ؛ فلهذا جازَ.

([15]) (وأَلِفاً) مفعولٌ تَقَدَّمَ على عامِلِه، وهو قولُه: (زِدِ) الآتي، (زِدْ) فعْلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقديرُه: أنتَ، (قَبْلَها) قَبْلَ: ظرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بزِدْ، وقَبْلَ مُضافٌ وها: مُضافٌ إليه، (مُؤَكِّدَا) حالٌ مِن الضميرِ المستَتِرِ في زِدْ، وفي مؤَكِّدٍ ضميرٌ مستَتِرٌ هو فاعلُه، (فِعْلاً) مفعولٌ به لِمُؤَكِّدٍ، (إلى نُونِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (أَسنِدَ) الآتي، ونونِ مُضافٌ و(الإناثِ) مُضافٌ إليه، (أُسنِدَا) أُسنِدَ: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمَجهولِ، وفيه ضميرٌ مستَتِرٌ جَوازاً هو نائبُ فاعِلِه، والألِفُ للإطلاقِ، والجُملةُ مِن أُسنِدَ ونائِبِ فاعلِه في مَحَلِّ نصْبٍ صِفَةٌ لقولِه: (فِعْلاً).

([16]) (واحْذِفْ) فعْلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقديرُه: أنتَ، (خَفيفةً) مفعولٌ به لاحْذِفْ، (لساكِنٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ باحذِفْ، (رَدِفْ) فعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه: هو يَعودُ إلى ساكِنٍ، والجُملةُ مِن رَدِفَ وفاعلِه في مَحَلِّ جَرٍّ صَفَةٌ لساكِنٍ، (وبعْدَ) ظرْفٌ مُتَعَلِّقٌ باحْذِفْ، وبعْدَ مُضافٌ و(غيرِ) مُضافٌ إليه، وغيرِ مُضافٌ و(فتحةٍ) مُضافٌ إليه، (إذا) ظرْفٌ مُتَعَلِّقٌ باحذِفْ، (تَقِفْ) فعْلٌ مُضارِعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقديرُه: أنتَ، وجُملةُ الفعْلِ المضارِعِ وفاعلِه في مَحَلِّ جَرٍّ بإضافَةِ (إذا) إليه.

([17])، (وارْدُدْ) فعْلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقديرُه: أنتَ، (إذا) ظرْفُ زَمانٍ مُتَعَلِّقٌ بارْدُدْ، (حذَفْتَها) فعْلٌ وفاعلٌ ومفعولٌ به، والجُملةُ في مَحَلِّ جَرٍّ بإضافَةِ (إذا) إليها، (في الوقْفِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بارْدُدْ، (ما) اسمٌ موصولٌ: مفعولٌ به لارْدُدْ، (مِن أَجْلِها في الوصْلِ) الجارَّانِ والْمَجرورانِ مُتَعَلِّقَانِ بقولِه: (عُدِمَا) الآتي، (كانَ) فعلٌ ماضٍ ناقِصٌ، واسمُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه: هو، يعودُ إلى ما الموصولةِ، (عُدِمَا) عُدِمَ: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمَجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه: هو، يعودُ إلى اسمِ كانَ، والألِفُ للإطلاقِ، والجُملةُ في مَحَلِّ نصْبٍ خبَرُ كانَ، والجُملةُ مِن كانَ واسمِه وخَبَرِه لا مَحَلَّ لها صِلَةُ (ما) الموصولةِ الواقِعَةِ مَفعولاً به لارْدُدْ.

([18]) (وأَبْدِلَنْها) أَبْدِلَ: فعْلُ أمْرٍ، مبنيٌّ على الفتْحِ؛ لاتِّصَالِه بنونِ التوكيدِ الخفيفةِ، وها: مفعولٌ أوَّلُ لأَبْدِلْ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقديرُه: أنتَ، (بعْدَ) ظرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بأَبْدِلْ، وبعْدَ مُضافٌ و(فتْحٍ) مُضافٌ إليه، (ألِفَا) مفعولٌ ثانٍ لأَبْدِلْ، (وَقْفاً) حالٌ مِن فاعِلِ أَبْدِلْ على التأويلِ بوَاقِفٍ، أو منصوبٌ بنَزْعِ الخافِضِ؛ أيْ: في الوقْفِ، (كما) الكافُ جارَّةٌ، ما: مَصدرِيَّةٌ، (تقولُ) فعْلٌ مُضارِعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقديرُه: أنتَ، و(ما) وما دَخَلَتْ عليه في تأويلِ مَصدَرٍ مجرورٍ بالكافِ، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرٌ لِمُبتَدَأٍ محذوفٍ؛ أيْ: وذلك كائنٌ كقولِكَ، (في قِفَنْ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بتَقولُ، (قِفَا) قَصَدَ لفْظَه: مقولُ القَوْلِ.

([19]) قد وَرَدَ حذْفُ نونِ التوكيدِ الخفيفةِ مِن غيرِ أنْ يكونَ تَالِيها سَاكِناً؛ كقولِه:

اضْرِبَ عَنْكَ الهمومَ طارِقَها = ضَرْبَكَ بالسيفِ قَوْنَسَ الفَرَسِ

وكقولِ الآخَرِ، وأَنشَدَه الجاحِظُ في البَيانِ:
كما قِيلَ قَبلَ اليومِ خالِفَ تُذْكَرَا

([20]) 319 - البيتُ مِن أبياتٍ للأَضْبَطِ بنِ قُرَيْعٍ السَّعْدِيِّ، أَوْرَدَها القَالِيُّ في أَمَالِيهِ عن ابنِ دُرَيْدٍ عن ابنِ الأَنْبَارِيِّ عن ثَعْلَبٍ، قالَ: قالَ ثَعْلَبٌ: بَلَغَنِي أنَّها قِيلَتْ قَبلَ الإسلامِ بِدَهْرٍ طويلٍ، وأَوَّلُها:

لكلِّ هَمٍّ مِن الهُمُومِ سَعَهْ = والْمُسْيُ والصبْحُ لا فَلاَحَ مَعَهْ

اللغةُ: (الْمُسْيُ) بضمِّ الميمِ أو كَسْرِها، وسكونِ السينِ: اسمٌ مِن الإمساءِ، وهو الدخولُ في المَساءِ، (الصبْحُ) اسمٌ مِن الإصباحِ، وهو الدخولُ في الصباحِ، قالَهما الْجَوْهَرِيُّ، واستَشْهَدَ بهذا البيتِ، (لا تُهِينَ) مِن الإهانةِ، وهي: الإيقاعُ في الْهُونِ – بضَمِّ الهاءِ - والْهَوانِ – بفَتْحِها – وهو بمعنى الذُّلِّ والْحَقارَةِ، (تَرْكَعَ) تَخْضَعَ وتَذِلَّ وتَنْقَادَ.
الإعرابُ: (لا) ناهيَةٌ، (تُهِينَ) فعْلٌ مُضارِعٌ مبنيٌّ على الفتْحِ؛ لاتِّصالِه بنونِ التوكيدِ المحذوفةِ؛ لوُقوعِ الساكِنِ بعْدَها؛ وهو لامُ التعريفِ في الفقيرِ، وأصْلُ هذا الفعْلِ قَبْلَ دُخولِ الجازِمِ عليه وقَبلَ تَوكيدِه (تُهينُ)، فلَمَّا دخَلَ الجازِمُ حَذَفَ الياءَ؛ تَخَلُّصاً مِن الْتِقَاءِ الساكِنَيْنِ، فصارَ (لا تُهِنْ)، فلمَّا أُريدَ التأكيدُ رَجَعَتِ الياءُ؛ لأنَّ آخِرَه سيَكونُ مَبنِيًّا على الفتْحِ، فصارَ (لا تُهِينَنْ)، فلمَّا وَقَعَ الساكِنُ بعْدَه حُذِفَتْ نونُ التوكيدِ، (الفَقيرَ) مفعولٌ به لتُهِينَ، (عَلَّكَ) عَلَّ: حرْفُ تَرَجٍّ ونصْبٍ، والكافُ اسْمُه، (أنْ) مَصدريَّةٌ، (تَرْكَعَ) فعْلٌ مُضارِعٌ منصوبٌ بأنْ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقديرُه: أنتَ، والجُملةُ خبَرُ (عَلَّ) السابقِ، (يَوماً) ظرْفُ زمانٍ مُتَعَلِّقٌ بتَرْكَعَ، (والدهْرُ) الواوُ واوُ الحالِ، الدهْرُ: مبتدَأٌ، (قد) حرْفُ تَحقيقٍ، (رَفَعَهْ) رَفَعَ: فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه: هو، يَعودُ إلى الدهْرُ، والهاءُ مفعولٌ به، والجُملةُ في مَحَلِّ رفْعٍ خَبَرُ المبتَدَأِ، وجُملةُ المبتدَأِ أو خبَرِه في مَحَلِّ نصْبٍ حالٌ مِن الضميرِ الْمُستَتِرِ في (تَرْكَعَ).
الشاهِدُ فيه: قولُه: (لا تُهِينَ)؛ حيثُ حَذَفَ نونَ التوكيدِ الخفيفةِ؛ للتَّخَلُّصِ مِن الْتِقَاءِ الساكِنَيْنِ، وقد أَبْقَى الفتحةَ على لامِ الكلِمَةِ؛ دَليلاً على تلك النونِ المحذوفةِ، وممَّا يَدُلُّ على أنَّ المقصودَ التوكيدُ وُجودُ الياءِ التي تُحذَفُ للجازِمِ، وهي لا تَعودُ إلاَّ عندَ التوكيدِ.
وقد رَوَاهُ الجاحِظُ في (البيانِ والتَّبْيِينِ):

لا تَحْقِرَنَّ الفقيرَ..... إلخ.

ورَوَاهُ غيرُه:
ولا تُعَادِ الفَقيرَ

وعلى هاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ لا شاهِدَ في البيتِ لِمَا نَحْنُ فيه.


  #3  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 05:44 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


هذا بابُ نُونَيِّ التَّوْكِيدِ([1])

لِتَوْكِيدِ الفعلِ نُونَانِ: ثَقِيلَةٌ وخَفِيفَةٌ، نحوُ: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً}([2]).
ويُؤَكَّدُ بهما الأمرُ مُطْلَقاً، ولا يُؤَكَّدُ بهما الماضي مُطلقاً([3]).
وأما المضارِعُ فله حالاتٌ:
إحداها: أنْ يكونَ تَوْكِيدُه بهما وَاجِباً، وذلك إذا كانَ: مُثْبَتاً مُسْتَقْبَلاً جَوَاباً لِقَسَمٍ غيرِ مفصولٍ مِن لامِه بفاصلٍ، نحوُ: {وَتَاللهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ}([4]).
ولا يَجُوز توكيدُه بهما إنْ كانَ مَنْفِيًّا، نحوُ: {تاللهِ تَفْتَؤُ تَذْكُرُ يُوسُفَ}([5])؛ إذِ التقديرُ: لا تَفْتَؤُ، أو كانَ حالاً، كقِراءةِ ابنِ كَثِيرٍ: (لأُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ)([6])، وقولِ الشاعِرِ:
467- يَمِيناً لأُبْغِضُ كُلَّ امْرِئٍ([7])
أو كانَ مفصولاً من اللامِ، مِثْلُ: {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ}([8])، ونحوُ: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}([9]).
والثانيةُ: أنْ يكونَ قريباً مِن الواجبِ، وذلك إذا كانَ شرطاً لإنِ المُؤَكِّدَةِ بما نحوِ: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ}([10])، {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ}([11])، {فَإِمَّا تَرَيِنَّ}([12]).
ومِن تَرْكِ تَوْكِيدِه قولُه:
468- يا صَاحِ إِمَّا تَجِدْنِي غَيْرَ ذِي جِدَةٍ([13])
وهو قليلٌ، وقيلَ: يَخْتَصُّ بالضرورةِ([14]).
الثالثةُ: أنْ يكونَ كثيراً، وذلك إذا وَقَعَ بعدَ أداةِ طَلَبٍ([15])؛ كقولِهِ تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً}([16])، وقولِ الشاعِرِ:
469- هَلاَّ تَمُنِّنْ بِوَعْدٍ غَيْرَ مُخْلِفَةٍ([17])
وقولِ الآخَرِ:
470- فَلَيْتَكِ يَوْمَ الْمُلْتَقَى تَرَيِنَّنِي([18])
وقولِه:
471- أَفَبَعْدَ كِنْدَةَ تَمْدَحَنَّ قَبِيلاَ([19])
الرابعةُ: أنْ يكونَ قليلاً، وذلك بعدَ (لا) النافيةِ أو (ما) الزائدةِ التي لم تُسْبَقْ بإنْ؛ كقولِهِ تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}([20])، وكقولِهِم:
472- ومِنْ عِضَةٍ مَا يَنْبُتَنَّ شَكِيرُهَا([21])
وقالَ:
473- قَلِيلاً بِهِ مَا يَحْمَدَنَّكَ وَارِثٌ([22])
الخامسةُ: أنْ يكونَ أَقَلَّ، وذلك بعدَ لم، وبعدَ أداةِ جَزَاءٍ غيرِ (إما)؛ كقولِه:
474- يَحْسَبُهُ الْجَاهِلُ مَا لَمْ يَعْلَمَا([23])
وكقولِه:
475- مَنْ نَثْقَفَنْ مِنْهُمْ فَلَيْسَ بِآئِبِ([24])
فصلٌ في حُكْمِ آخِرِ المُؤَكَّدِ
اعْلَمْ أنَّ هنا أصليْنِ يُسْتَثْنَى مِن كلٍّ مِنهما مسألةٌ:
الأصلُ الأوَّلُ: أنَّ آخِرَ المُؤَكَّدِ يُفْتَحُ([25])، تقولُ: (لِتَضْرِبَنَّ) و(اضْرِبَنَّ)، ويُسْتَثْنَى من ذلك أنْ يكونَ مُسْنَداً إلى ضميرٍ ذي لِينٍ، فإنَّه يُحَرَّكُ آخِرُهُ حينَئذٍ بحَرَكَةِ تَجَانُسِ ذلك اللِّينِ كما نَشْرَحُه.
والأصلُ الثاني: أنَّ ذلك اللِّينَ يَجِبُ حَذْفُهُ إنْ كانَ ياءً أو واواً، تقولُ: (اضْرِبُنَّ يَا قَوْمِ) بضمِّ الباءِ، و(اضْرِبِنَّ يا هِنْدُ) بكسرِها والأصلُ: اضْرِبُونَّ واضْرِبِينَّ، ثمَّ حُذِفَتِ الواوُ والياءُ لالْتِقَاءِ الساكنيْنِ.
ويُسْتَثْنَى من ذلك أنْ يكونَ آخِرُ الفعلِ ألفاً؛ كـ (يَخْشَى)؛ فإِنَّكَ تَحْذِفُ آخرَ الفعلِ وتُثْبِتُ الواوَ مضمومةً والياءَ مكسورةً، فتقولُ: (يَا قومِ اخْشَوُنَّ)، و(يا هِنْدُ اخْشَيِنَّ)، فإنْ أُسْنِدَ هذا الفعلُ إلى غيرِ الواوِ والياءِ لم تَحْذِفْ آخِرَهُ، بل تَقْلِبْه ياءً، فتقولُ: (لَيَخْشَيَنَّ زَيْدٌ)، و(لَتَخْشَيَنَّ يا زَيْدُ)، و(لَتَخْشَيَانِّ يا زَيْدَانِ)، و(لَتَخْشَيْنَانِّ يا هِنْدَاتُ).
فصلٌ: تَنْفَرِدُ النونُ الخفيفةُ بأربعةِ أحكامٍ:
أَحَدُها: أنها لا تَقَعُ بعدَ الألِفِ، نحوُ: (قُومَا) و(اقْعُدَا)؛ لِئَلاَّ يَلْتَقِيَ ساكنان([26])، وعن يُونُسَ والكُوفِيِّينَ إجازَتُه([27])، ثمَّ صَرَّحَ الفارِسِيُّ في الحُجَّةِ بأنَّ يُونُسَ يُبْقِي النونَ ساكنةً، ونَظَرَ ذلك بقراءةِ نافعٍ: (وَمَحْيَايَ)([28])، وذَكَرَ الناظِمُ أنه يَكْسِرُ النونَ، وحَمَلَ على ذلك قراءةَ بعضِهم: (فَدَمِّرَانِهِمْ تَدْمِيراً)([29]) و، جَوَّزَهُ في قراءةِ ابنِ ذَكْوَانَ: (وَلاَ تَتَّبِعَانِ)([30]) بتخفيفِ النونِ.
وأمَّا الشديدةُ فتَقَعُ بعدَها اتِّفاقاً، ويَجِبُ كَسْرُها؛ كقراءةِ باقي السبعةِ: {وَلاَ تَتَّبِعَانِّ}.
الثاني: أنها لا تُؤَكِّدُ الفعلَ المُسْنَدَ إلى نُونِ الإناثِ؛ وذلك لأنَّ الفعلَ المذكورَ يَجِبُ أنْ يُؤْتَى بعدَ فاعلِه بألفٍ فاصلةٍ بينَ النونيْنِ؛ قَصْداً للتخفيفِ، فيقالُ: (اضْرِبْنَانِّ)، وقد مَضَى أنَّ الخفيفةَ لا تَقَعُ بعدَ الألفِ، ومَن أجازَ ذلك فيما تَقَدَّمَ أَجَازَه هنا بشرطِ كَسْرِها([31]).
الثالثُ: أنها تُحْذَفُ قبلَ الساكنِ؛ كقولِهِ:
476- لاَ تُهِينَ الفَقِيرَ عَلَّكَ أَنْ = تَرْكَعَ يَوْماً وَالدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهْ([32])
أصلُه: (لا تُهِينَنْ).
الرابِعُ: أنها تُعْطَى في الوقفِ حُكْمَ التنوينِ، فإنْ وَقَعَتْ بعدَ فتحةٍ قُلِبَتْ ألفاً؛ كقولِهِ تعالى: (لَنَسْفَعَا)([33])، (وَلَيَكُونَا)([34])، وقولِ الشاعِرِ:
477- ولا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ وَاللهَ فَاعْبُدَا([35])
وإنْ وَقَعَتْ بعدَ ضَمَّةٍ أو كسرةٍ حُذِفَتْ، ويَجِبُ حينَئذٍ أنْ يُرَدَّ ما حُذِفَ في الوصلِ لأجلِها، تقولُ في الوصلِ: (اضْرِبُنْ يَا قَوْمِ) و(اضْرِبِنْ يا هِنْدُ)، والأصلُ: اضْرِبُونْ واضْرِبِينْ كما مَرَّ، فإذا وَقَفْتَ حَذَفْتَ النونَ لِشَبَهِها بالتنوينِ في نحوِ: (جاءَ زَيْدٌ) و(مَرَرْتُ بِزَيْدٍ)، ثمَّ تَرْجِعُ بالواوِ والياءِ لِزَوَالِ الساكنيْنِ، فتقول: (اضْرِبُوا) و(اضْرِبِي).


([1]) اخْتَلَفَ النُّحَاةُ في هذيْنِ النونيْنِ؛ أهما أَصْلانِ أم أَحَدُهما أصلٌ والآخرُ فرعٌ عنه؟
فذَهَبَ جمهورُ البَصْرِيِّينَ إلى أنَّ كُلَّ واحدٍ مِنهما أصلٌ، وليسَ أَحَدُهما فَرْعاً من الآخرِ، وهذا الرأيُ هو الصوابُ، ويَدُلُّ له أنَّ بعضَ الأحكامِ التي تَجْرِي على أَحَدِهما لا تَجْرِي على الآخَرِ، مثلُ انْقِلابِ الخفيفةِ أَلِفاً في الوَقْفِ، نحوُ: (وَلَيَكُوناً)، ومثلُ حذفِ الخفيفةِ عندَ الْتِقَاءِ الساكنيْنِ؛ كما في قولِ الأضبطِ بنِ قُرَيْعٍ الذي يَأْتِي استشهادُ المؤلِّفِ به:
*لا تُهِينَ الْفَقِيرَ...*

ومثلُ امْتِنَاعِ وُقُوعِ الخفيفةِ بعدَ الألِفِ، وذَهَبَ جمهورُ الكُوفِيِّينَ إلى أنَّ الخفيفةَ فَرْعٌ عن الثقيلةِ بحذفِ أحدِ حُرُوفِها، وذَهَبَ قومٌ إلى أنَّ الخفيفةَ هي الأصلُ؛ وذلك لأنَّ الثقيلةَ أَزْيَدُ في اللفظِ، وهو ظاهرٌ =وفي المعنى؛ لأنَّ التوكيدَ بالثقيلةِ أَقْوَى وأَشَدُّ، والزيادةُ عارضةٌ طارئةٌ، والخالي من الزيادةِ هو الأصلُ، فكانَتِ الخفيفةُ هي الأصلَ لذلكَ، ولا مُسْتَنَدَ لقولِ الكُوفِيِّينَ و، لا لهذا القولِ سِوَى هذه التمَحُّلاتِ التي لا تُفِيدُ، وقد ذَكَرْنَا القوليْنِ لِنُنَبِّهَكَ إلى هذا.

([2]) سورةُ يُوسُفَ، الآيةُ: 32.

([3]) اعْلَمْ أَوَّلاً أنَّ نُونَيِ التوكيدِ يُخْلِصَانِ الفعلَ للاستقبالِ، وأنَّ فعلَ الأمرِ مُسْتَقْبَلٌ دائماً، ولذلك صَحَّ تَوْكِيدُه بالنونيْنِ مِن غيرِ شرطٍ، والفعلُ الماضي لَفْظاً ومعنًى لا يَصِحُّ تَوْكِيدُه بهما، أما قولُ الشاعِرِ:
دَامَنَّ سَعْدُكِ لَوْ رَحِمْتِ مُتَيَّماً = لولاكِ لم يَكُ لِلصَّبَابَةِ جَانِحَا
فإمَّا أنْ يكونَ مُسْتَقْبَلاً معنًى، وإمَّا أنْ يكونَ شاذًّا.

([4]) سورةُ الأنبياءِ، الآيةُ: 57.

([5]) سورةُ يُوسُفَ، الآيةُ: 85.

([6]) سورةُ القيامةِ، الآيةُ: 1.

([7]) 467-لم أَقِفْ لهذا الشاهِدِ على نسبةٍ لقائلٍ مُعَيَّنٍ، والذي أَنْشَدَهُ المؤلِّفُ ههنا صَدْرُ بيتٍ مِن المتقارِبِ، وعَجُزُهُ قولُه:
*يُزَخْرِفُ قَوْلاً ولا يَفْعَلُ*

اللغةُ: (أُبْغِضُ) مضارعٌ ماضِيهِ أُبْغِضُ كأُكْرِمُ، وأصلُه البُغْضُ – بضمٍّ فسكونٍ – ضِدُّ الحُبِّ، (يُزَخْرِفُ) يُزَيِّنُ ويُحَسِّنُ.
المعنى: يَحْلِفُ أنه يَمْقُتُ مَن يقولُ ويَعِدُ ولا يَفِي، والعبارةُ العالِيَةُ في هذا المعنى قولُ اللهِ تعالى: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ}، ومثلُ بيتِ الشاهدِ في المعنى قولُ الشاعِرِ:
وأراكَ تَفْعَلُ ما تَقُولُ وبَعْضُهُم = مَذْقُ اللِّسَانِ يقولُ ما لا يَفْعَلُ
الإعرابُ: (يَمِيناً) مفعولٌ مُطْلَقٌ لفعلٍ محذوفٍ من معناه، وتقديرُ الكلامِ: أُقْسِمُ يَمِيناً، (لأُبْغِضُ) اللامُ واقعةٌ في جوابِ القَسَمِ، حرفٌ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، أُبْغِضُ: فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ من الناصبِ والجازِمِ، وعلامةُ رَفْعِه الضمَّةُ الظاهرةُ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُه أنا، والجملةُ من الفعلِ المضارِعِ وفاعلِه لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ جوابُ القَسَمِ، (كُلَّ) مفعولٌ به لأُبْغِضُ منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، وكلَّ مضافٌ و(امْرِئٍ) مضافٌ إليه، (يُزَخْرِفُ) فعلٌ مضارِعٌ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو يعودُ إلى امْرِئٍ، (قَوْلاً) مفعولٌ به لِيُزَخْرِفُ، وجملةُ الفعلِ المضارِعِ وفاعلُه ومفعولُه في مَحَلِّ نصبِ صِفَةٌ لِكُلَّ امْرِئٍ، (ولا) الواوُ عاطفةٌ. لا: حرفُ نفيٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، (يَفْعَلُ) فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُه هو يعودُ إلى كلَّ امْرِئٍ، والجملةُ معطوفةٌ بالواوِ على جملةِ الصفةِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (لأُبْغِضُ)؛ حيثُ لم يُؤَكِّدْه بالنونِ، معَ كونِه فِعْلاً مُضَارِعاً مُثْبِتاً مُقْتَرِناً بلامِ الجوابِ مُتَّصِلاً بها؛ لكونِه ليسَ بمعنَى الاستقبالِ.
فإنْ قُلْتَ: فلماذا لا تُؤَكِّدُ بالنونِ الفعلَ المضارِعَ المقصودُ به الحالُ؟
فالجوابُ على ذلك أنَّ نونَ التوكيدِ تُخْلِصُ الفعلَ المضارِعَ للاستقبالِ، كما قُلْنَا لكَ، فإذا كانَ المرادُ به الحالَ كانَ في إلحاقِ نونِ التوكيدِ به تَنَاقُضاً، فاعْرِفْ ذلك.

([8]) سورةُ آلِ عِمْرَانَ، الآيةُ: 158.

([9]) سورةُ الضُّحَى، الآيةُ: 5، ومثلُ هذه الآيةِ في تَرْكِ التوكيدِ للفصلِ بينَ لامِ الجوابِ والفعلِ قولُ الشاعِرِ، وقدْ أَنْشَدَه ابنُ مالِكٍ:
فَوَرَبِّي لَسَوْفَ يُجْزَى الَّذِي أَسْلَفَهُ = المَرْءُ سَيِّئاً أَوْ جَمِيلاَ

([10]) سورةُ الأنفالِ، الآيةُ: 58.

([11]) سورةُ الزُّخْرُفِ، الآيةُ: 41.

([12]) سورةُ مَرْيَمَ، الآيةُ: 26.

([13]) 468-هذا الشاهِدُ مِمَّا لم أَعْثُرْ له على نسبةٍ إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ، وما أَنْشَدَهُ المؤلِّفُ ههنا صَدْرُ بَيْتٍ مِن البسيطِ، وعَجُزُهُ قولُه:
*فَمَا التَّخَلِّي عَنِ الْخِلاَّنِ مِنْ شِيَمِي*

اللغةُ: (يا صَاحِ) أصلُه: (يا صَاحِبِي) فحَذَفَ ياءَ المتكلِّمِ، وهي المضافُ إليه، وحَذَفَ معَه آخِرَ المضافِ، وهو الباءُ، قالَ ذلك ابنُ خَرُوفٍ، والذي عليه أكثرُ العلماءِ أنه تَرْخِيمٌ صاحِبٌ فقطْ، (جِدَةٍ) غِنًى، وهو بزِنَةِ عِدَةٍ وصِفَةٍ وزِنَةٍ.
الإعرابُ: (يا) حرفُ نِدَاءٍ، (صَاحِ) مُنَادًى مُرَخَّمٌ على غيرِ قياسٍ، (إمَّا) مُرَكَّبَةٌ مِن حرفيْنِ: أَحَدُهما إنِ الشرطيَّةُ الجازِمَةُ، وثانيهما ما الزائدةُ، (تَجِدْنِي) تَجِدْ: فعلٌ مضارِعٌ فعلُ الشرطِ مجزومٌ بإنْ، وعلامةُ جَزْمِهِ السكونُ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنتَ، والنونُ للوقايةِ، وياءُ المتكلِّمِ مفعولٌ به أوَّلُ، (غيرَ) مفعولٌ ثانٍ لتَجِدْ، وغيرَ مضافٌ و(ذي) مضافٌ إليه، وهو مضافٌ و(جِدَةٍ) مضافٌ إليه، (فما) الفاءُ واقعةٌ في جوابِ الشرطِ، ما: نافيةٌ، (التَّخَلِّي) مبتدأٌ أو اسمُ ما النافيةِ، (عن الإخوانِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بالتَّخَلِّي، (مِن) حرفُ جرٍّ، (شِيَمِي) شِيَمِ: مجرورٌ بِمِنْ، وعلامةُ جَرِّهِ كسرةٌ مُقَدَّرَةٌ على آخرِه مَنَعَ مِن ظُهُورِها اشتغالُ المَحَلِّ بحركةِ المناسبةِ، وشِيَمِ مضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ جرٍّ، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرُ المبتدأِ أو خَبَرُ ما، وجملةُ المبتدأِ والخبرِ أو ما واسْمُها وخَبَرُها في مَحَلِّ جزمٍ جوابُ الشرطِ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (تَجِدْنِي) حيثُ لم يُؤَكِّدِ الفعلَ المضارِعَ الواقعَ شَرْطاً لإنِ المؤكِّدَةِ بما الزائدةِ، كما أَكَّدَ في الآياتِ التي تَلاَهَا المؤلِّفُ، وتَرْكُ التأكيدِ في هذه الحالةِ – عندَ قومٍ مِن النُّحَاةِ – قليلٌ، أو هو ضرورةٌ مِن ضروراتِ الشعرِ.

([14]) خلاصةُ القولِ في هذه المسألةِ، أنَّ النُّحَاةَ يَخْتَلِفُونَ في تَرْكِ التوكيدِ بعد (إما)، أَيَجُوزُ أم لا يَجُوزُ؟
فذَهَبَ أبو العبَّاسِ المُبَرِّدُ والزَّجَّاجُ إلى أنَّ توكيدَ الفعلِ المضارِعِ بعدَ (إمَّا) واجبٌ، لا يجوزُ تَرْكُه إلاَّ أنْ يَضْطَرَّ شاعرٌ إلى تركِه فيَقَعَ له ذلك.
وذَهَبَ شيخُ النُّحَاةِ سِيبَوَيْهِ – وتَبِعَه على ذلك أبو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ وكثيرٌ – إلى أنَّ توكيدَ الفعلِ بعدَ (إما) أحسنُ من تركِ التوكيدِ، ولهذا لم يَقَعْ في القرآنِ الكريمِ الفِعْلُ بعدَ إمَّا إلاَّ مُؤَكَّداً، لكنَّ تَرْكَ التوكيدِ جائزٌ سائغٌ غيرُ شاذٍّ ولا قَلِيلٍ.
وأكثرُ النحاةِ المتأخِّرِينَ يُؤَيِّدُونَ هذا المذهَبَ، ويَرَوْنَهُ المذهَبَ الصحيحَ الحَرِيَّ بالقَبُولِ، وقد كَثُرَ مَجِيءُ الفعلِ بعد (إما) غيرَ مُؤَكَّدٍ، من ذلك بيتُ الشاهِدِ، ومن ذلك قولُ امْرِئِ القَيْسِ:
فإمَّا تَرَيْنِي لاَ أُغَمِّضُ سَاعَةً = مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ أَنْ أَنَامَ فَأَنْعَسَا
فَيَا رُبَّ مَكْرُوبٍ كَرَرْتُ وَرَاءَهُ = وَطَاعَنْتُ عَنْهُ الْخَيْلَ حَتَّى تَنَفَّسَا
ومن ذلك قولُ امْرِئِ القيسِ أيضاً:
فَإِمَّا تَرَيْنِي فِي رَحَالَةِ جَابِرٍ = عَلَى حَرَجٍ كالْقُرِّ تَخْفِقُ أَكْفَانِي
فيا رُبَّ مَكْرُوبٍ كَرَرْتُ وَرَاءَهُ = وَعَانٍ فكَكْتُ الغُلَّ عَنْهُ فَفَدَّانِي
ومن ذلك ما رَوَاهُ =السكريُّ لامْرِئِ القيسِ أيضاً:
فَإِمَّا تَرَيْنِي بِي عِلَّةٌ = كَأَنِّي نَكِيبٌ مِنَ النِّقْرِسِ
ومن ذلك قولُ عَمْرِو بنِ رِفَاعَةَ الوَاقِفِيُّ الأَوْسِيُّ:
إمَّا تَرَيْنَا وقد خَفَّتْ مَجَالِسُنَا = وَالمَوْتُ أَمْرٌ لِهَذَا الناسِ مَكْتُوبُ
ومن ذلك قولُ الشاعِرِ، وقد مَضَى ذِكْرُهُ في بابِ الفاعِلِ:
فَإِمَّا تَرَيْنِي كَابْنَةِ الرَّمْلِ ضَاحِيَا = على رِقَّةٍ أَحْفَى وَلاَ أَتَنَعَّلُ
ومن ذلك قولُ حَسَّانَ:
إِمَّا تَرَي رَأْسِي تَغَيَّرَ لَوْنُهُ = شَمَطاً فَأَصْبَحَ كَالثَّغَامِ الْمُمْحِلِ
ومن ذلك قولُ رُؤْبَةَ:
إِمَّا تَرَيْنِي الْيَوْمَ أُمَّ حَمْزِ = قَارَبْتُ بَيْنَ عُنُقِي وَجَمْزِي
وعليه جاءَ قولُ ابنِ دُرَيْدٍ:
إمَّا تَرَيْ رَأْسِي حَاكَى لَوْنُهُ = طُرَّةَ صُبْحٍ تَحْتَ أَذْيَالِ الدُّجَى
ومن ذلك قولُ سَلْمَى بِنْتِ رَبِيعَةَ كما في اللسانِ (خ ل):
زَعَمَتْ تُمَاضُرُ أَنَّنِي إِمَّا أَمُتْ = يَسْدُدْ أَبَيْنُوهَا الأَصَاغِرُ خَلَّتِي
ومن ذلك قولُ لَبِيدِ بنِ رَبِيعَةَ:
فَإِمَّا تَرَيْنِي الْيَوْمَ أَصْبَحْتُ سَالِماً = فَلَسْتُ بِأَحْيَا مِنْ كِلاَبٍ وَجَعْفَرِ
ومن ذلك قولُ بعضِ بَنِي فَزَارَةَ (اللسان: غ ت م، ونوادر أبي زَيْدٍ):
إمَّا تَرَي شَيْباً عَلاَنِي أَغْتَمُهْ = لَهْزَمَ خَدَّيَّ بِهِ مُلَهْزِمُهْ
*وعَمَّمَ الرأسَ بِهِ مُعَمِّمُهْ*

([15]) الطَّلَبُ يَشْمَلُ سِتَّةَ أشياءَ، وهي النهيُ، والدعاءُ، والعَرْضُ، والتَّحْضِيضُ، والتَّمَنِّي،والاستفهامُ، فأما النهيُ فشاهِدُه الآيةُ الكريمةُ التي تَلاَهَا المؤلِّفُ؛ حيثُ أَكَّدَ فيها: {تَحْسَبَنَّ} بالنونِ الثقيلةِ؛ لِكَوْنِهِ مَسْبُوقاً بلا الناهيةِ، وأمَّا الدعاءُ فشاهِدُه قولُ الخِرْنِقِ:
لا يَبْعَدَنْ قَوْمِي الَّذِينَ هُمُ = سُمُّ العُدَاةِ وَآفَةُ الجُزُرِ
وهو الشاهِدُ (رَقْمُ 396) الذي مَضَى في بابِ النعتِ، وأما التحضيضُ فشاهِدُه البيتُ (رَقْمُ 469) الذي أَنْشَدَهُ المؤلِّفُ هنا، وأما التمنِّي فشاهِدُه البيتُ رَقْمُ 470؛ حيثُ أَكَّدَ (تَرَيِنَّنِي) بالنونِ الثقيلةِ؛ لكونِه مسبوقاً بأداةِ التمنِّي، وهي ليتَ، وأما الاستفهامُ فشاهِدُهُ البيتُ رَقْمُ 471؛ حيثُ أَكَّدَ (تَمْدَحَنَّ) بالنونِ الثقيلةِ؛ لِكَوْنِه مسبوقاً بأداةِ الاستفهامِ، وهي الهمزةُ، وسَتَرِدُ عليكَ كُلُّ هذه الأبياتِ مَشْرُوحَةً.
وقد تَرَكَ المؤلِّفُ الاستشهادَ لِلْعَرْضِ اكتفاءً بِمِثَالِ التحضيضِ؛ لأنَّه أخوه، وإنْ كَانَتْ حَقِيقَتُهما مُخْتَلِفَةً نوعَ اختلافٍ.

([16]) سورةُ إبراهيمَ، الآيةُ: 42.

([17]) 469-لَمْ أَجِدْ أَحَداً نَسَبَ هذا الشاهِدَ إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ، والذي أَنْشَدَهُ المؤلِّفُ ههنا صَدْرُ بيتٍ مِن البسيطِ، وعَجُزُه قولُه:
*كَمَا عَهِدْتُكِ في أَيَّامِ ذِي سَلَمِ*

اللغةُ: (هَلاَّ) حرفٌ يُقْصَدُ باستعمالِه حَضُّ المخاطَبِ وحَثُّه وحَمْلُه بإزعاجٍ على فعلِ ما يُذْكَرُ بعدَه، (تَمُنِّنْ) أَصْلُها =تمنينن، فلَمَّا حَذَفْتَ نونَ الرفعِ لِمَا سَنَذْكُرُه الْتَقَى ساكنانِ، فحُذِفَتْ ياءُ المخاطَبَةِ للتخَلُّصِ من التقائِهما، ومعناه: تَنْعَمِينَ وتَجُودِينَ وتَتَكَرَّمِينَ، (مُخْلِفَةٍ) اسمُ فاعلٍ مُؤَنَّثٍ من الإخلافِ، وهو عدمُ إنجازِ ما تَعِدُ به، (ذِي سَلَمِ) بفتحِ السينِ واللامِ جميعا: اسمُ مَوْضِعٍ يقالُ: هو بالحِجَازِ، ويقالُ: هو بالشامِ.
المعنى: يَحُثُّ مَحْبُوبَتَه على أنْ تَعِدَه بالوِصَالِ وَعْداً لا تُخْلِفُه، ويُذَكِّرُها بما كانَ منها في هذا المَوْضِعِ مِن وِدَادٍ ومُوَاصَلَةٍ.
الإعرابُ: (هَلاَّ) حرفُ تَحْضِيضٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، (تَمُنِّنْ) فعلٌ مضارِعٌ مرفوعٌ بالنونِ المحذوفةِ معاملةً للفعلِ المتَّصِلِ بالنونِ الخفيفةِ معاملةَ المُتَّصِلِ بالنونِ الثقيلةِ؛ لاستواءِ النونيْنِ في المعنَى، وياءُ المُؤَنَّثَةِ المخاطَبَةِ المحذوفةِ للتخلُّصِ من التقاءِ الساكنيْنِ فاعلٌ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ رفعٍ، (بِوَعْدٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِتََمُنِّينَ، (غَيْرَ) حالٌ مِن ياءِ المخاطَبَةِ، وغيرَ مضافٌ و(مُخْلِفَةٍ) مضافٌ إليه مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ، (كَمَا) الكافُ حرفُ جَرٍّ، وما: مصدريَّةٌ، (عَهِدْتُكِ) عَهِدْ: فعلٌ ماضٍ، وتاءُ المتكلِّمِ فاعلُه، وكافُ المخاطَبَةِ مفعولُه، وما المصدريَّةُ معَ ما دَخَلَتْ عليه في تأويلِ مصدرٍ مجرورٍ بالكافِ، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بِتَمُنِّنْ (في أَيَّامِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِعَهِدْتُكِ، وأيَّامِ مضافٌ و(ذي) مضافٌ إليه، وذي مضافٌ و(سَلَمِ) مضافٌ إليه.
الشاهدُ فيه: قولُه: (تَمُنِّنْ)؛ حيثُ أَكَّدَهُ لكونِه فِعلاً مضارعاً واقعاً بعدَ حرفِ التحضيضِ الذي هو (هَلاَّ)، وأصلُ الفعلِ معَ التوكيدِ: =(تَمنينن) حُذِفَتْ نونُ الرفعِ معَ النونِ الخفيفةِ؛ حَمْلاً على حَذْفِها معَ النونِ الثقيلةِ؛ تَخَلُّصاً مِن توالي الأمثالِ، وحُذِفَتْ ياءُ المخاطَبَةِ للتخلُّصِ من التقاءِ الساكنيْنِ.

([18]) 470- ولم أَجِدْ مَن نَسَبَ هذا الشاهدَ أيضاً، والذي أَنْشَدَهُ المؤلِّفُ صَدْرُ بيتٍ مِن الطويلِ، وعَجُزُه قولُه:
*لِكَيْ تَعْلَمِي أَنِّي امْرُؤٌ بِكِ هَائِمُ*

اللغةُ: (يومَ الْمُلْتَقَى) أرادَ به يومَ الحربِ التي يَلْتَقِي فيها الأقرانُ، وإنما طَلَبَ رُؤْيَتَها إيَّاه في هذا اليومِ، ورَتَّبَ عليها عِلْمَها بأنه مُغْرَمٌ بها؛ لأنَّ مِن عادةِ الأبطالِ إذا الْتَحَمَتِ السيوفُ وتَكَسَّرَتِ النِّصَالُ على النصالِ، أنْ يَذْكُرَ كلٌّ مِنهم أحبَّ الناسِ إليه؛ لِيَكُونَ ذلك أَبْعَثَ إلى نَشَاطِهِ، وأَشَدَّ إثارةٍ لِشَجَاعَتِهِ، وانْظُرْ قولَ عَنْتَرَةَ بنِ شَدَّادٍ العَبْسِيِّ:
وَلَقَدْ ذَكَرْتُكِ، والرِّمَاحُ نَوَاهِلٌ = مِنِّي وَبِيضُ الْهِنْدِ تَقْطِرُ مِنْ دَمِي
الإعرابُ: (لَيْتُكِ): لَيْتَ: حرفُ تَمَنٍّ ونَصْبٍ، وكافُ المخاطَبَةِ اسمُه مَبْنِيٌّ على الكسرِ في مَحَلِّ نصبٍ، (يَوْمَ) ظرفُ زمانٍ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: تَرَيِنَّنِي الآتي، ويومَ مضافٌ و(المُلْتَقَى) مضافٌ إليه، (تَرَيِنَّنِي) فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ بالنونِ المحذوفةِ؛ لِتَوَالِي الأمثالِ، وياءُ المخاطَبَةِ المحذوفةِ للتخلُّصِ من التقاءِ الساكنيْنِ فاعلُه، والنونُ المشدَّدَةُ نونُ التوكيدِ، والنونُ بَعْدَها نونُ الوِقَايَةِ، وياءُ المُتَكَلِّمِ مفعولٌ به، والجملةُ في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ لَيْتَ، (لِكَي) اللامُ لامُ التعليلِ، وكي: حرفٌ مَصْدَرِيٌّ ونَصْبٌ، (تَعْلَمِي) فِعْلٌ مضارعٌ منصوبٌ بكي، وعَلامةُ نصبِه حذفُ النونِ، وياءُ المخاطَبَةِ فاعلُه، (أَنِّي) أنَّ: حرفُ توكيدٍ ونصبٍ، وياءُ المتكلِّمِ اسمُه مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ نصبٍ، (امْرُؤٌ) خبرُ أنَّ، (بِكِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: هائِمُ، (هَائِمُ) صِفَةٌ لخبرِ أنَّ، وأنَّ معَ ما دَخَلَتْ عليه مِن اسمِها وخَبَرِها سَدَّتْ مَسَدَّ مَفْعُولَيْ تَعْلَمِي.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (تَرَيِنَّنِي) حيثُ أَكَّدَ الفعلَ المضارِعَ الواقِعَ بعدَ أداةِ التمنِّي، وهي قولُه: (لَيْتَ).

([19]) 471-ذَكَرُوا أنَّ هذا الشاهِدَ من أبياتِ سِيبَوَيْهِ التي كانَتْ مجهولةً، ولَكِنِّي رَأَيْتُه قدْ نُسِبَ في النسخةِ المطبوعةِ في مِصْرَ مِن كتابِ سِيبَوَيْهِ (2/151) إلى المُقَنَّعِ، وقد نَسَبَه الشِّنْقِيطِيُّ الكبيرُ إلى امْرِئِ القَيْسِ بنِ حُجْرٍ الكِنْدِيِّ، وذَكَرَ القصيدةَ التي مِنها بيتُ الشاهِدِ، وما ذَكَرَه المؤلِّفُ ههنا عَجُزُ بيتٍ مِن الكاملِ، وصَدْرُه قولُه:
*قالَتْ فُطَيْمَةُ حَلِّ شِعْرَكَ مَدْحَهُ*

اللغةُ: (فُطَيْمَةُ) تَصْغِيرُ فَاطِمَةٍ، تَصْغِيرُ التَّرْخِيمِ بعدَ حذفِ الحرفِ الزائدِ الذي هو الألِفُ، (حَلِّ) وهو بفتحِ الحاءِ المهملة وتشديدِ اللامِ، وأصلُه: (حَلِّ) فِعْلُ أمرٍ ماضيه (حَلَّأَ) بتضعيفِ اللامِ؛ أي: مَنَعَ وطَرَدَ، فخَفَّفَ الهمزةَ بقَلْبِهَا ياءً؛ لسكونِها وانكسارِ ما قبلَها، ثُمَّ حَذَفَها كما يُحْذَفُ الياءُ التي هي أصلٌ في نحوِ: (وَفِّ وَعْدَكَ)، و(زَكِّ مَالَكَ) كذا قِيلَ، والصوابُ عِنْدِي أنَّ (حَلِّ) فِعْلُ أمرٍ مِن التحليَةِ، وهي التزيينُ، فالياءُ غَيْرُ مُنْقَلِبَةٍ عن شيءٍ، (كِنْدَةَ) بكسرِ الكافِ وسكونِ النونِ اسمُ قبيلةٍ مِنها امْرُؤُ القَيْسِ، (تَمْدَحَنَّ) تُثْنِي عليهم وتَذْكُرُ مَنَاقِبَهُم، (قَبِيلاَ)؛ أي: جماعةً من الناسِ.
الإعرابُ: (قَالَتْ) قالَ: فعلٌ ماضٍ، والتاءُ تاءُ التأنيثِ، (فُطَيْمَةُ) فاعلٌ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، (حَلِّ) فِعْلُ أمرٍ مَبْنِيٌّ على حذفِ الياءِ، والكسرةُ قبلَها دليلٌ عليها، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنتَ، (شِعْرَكَ) شِعْرَ: مفعولٌ به لِحَلِّ منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، وكافُ المخاطَبِ مضافٌ إليه مَبْنِيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ جرٍّ، (مَدْحَهُ) مَدْحَ: بَدَلٌ مِن شِعْرَكَ منصوبٌ بالفتحةِ، وهو منصوبٌ على نَزْعِ الخافِضِ على ما ارْتَضَيْنَاهُ؛ أي: زَيِّنْ شِعْرَكَ بِمَدْحِهِ، وضميرُ الغائبِ مضافٌ إليه، (أَفَبَعْدَ) الهمزةُ للاستفهامِ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، والفاءُ عاطفةٌ على محذوفٍ، وتقديرُه الكلامَ: أَتَعْتَدُّ بقَبِيلٍ فبعدَ كِنْدَةَ تَمْدَحَنَّ، وبعدَ ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: تَمْدَحَنَّ المذكورُ بعدُ؛ لأنَّ الظروفَ يُتَوَسَّعُ معَها ما لا يُتَوَسَّعُ معَ غيرِها، وبعدَ مضافٌ و(كِنْدَةَ) مضافٌ إليه مجرورٌ بالفتحةِ نيابةً عن الكسرةِ؛ لأنَّه لا يَنْصَرِفُ؛ للعَلَمِيَّةِ والتأنيثِ، (تَمْدَحَنَّ) فعلٌ مضارِعٌ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، (قَبِيلاَ) مفعولٌ به لِتَمْدَحَنَّ منصوبٌ، وعلامةُ نصبِه الفتحةُ الظاهرةُ.
الشاهِدُ فيه: قَوْلُه: (تَمْدَحَنَّ)؛ حيثُ أَكَّدَ الفعلَ المضارِعَ الواقِعَ بعدَ حرفِ الاستفهامِ، وهو الهمزةُ.
ومثلُ هذا الشاهدِ قولُ الشاعِرِ:
وهل يَمْنَعَنِّي ارْتِيَادُ الْبِلاَ = دِ مِن حَذَرِ الْمَوْتِ أَنْ يَأْتِيَنْ
حيثُ أَكَّدَ (يَمْنَعَنِّي) بالنونِ الثقيلةِ؛ لوقوعِه بعدَ حرفِ الاستفهامِ، وهو هل.
ومثلُه قولُ الآخَرِ:
فَأَقْبِلْ عَلَى رَهْطِي وَرَهْطِكَ نَبْتَحِثْ = مَسَاعِيَنَا حَتَّى نَرَى كَيْفَ نَفْعَلاَ
فإنَّ قولَه: (نَفْعَلاَ) مُؤَكَّدٌ بالنونِ الخفيفةِ؛ لكونِه واقعاً بعدَ الاستفهامِ بكيفَ، وقد قُلِبَتْ فيه النونُ الخفيفةُ ألفاً لأجلِ الوقفِ.

([20]) سورةُ الأنفالِ، الآيةُ: 25، ومثلُ الآيةِ الكريمةِ في تأكيدِ المضارِعِ المنفيِّ بلا قولُ النابغةِ الذُّبْيَانِيِّ يُخَاطِبُ عَمْرَو بنَ هِنْدٍ:
مَنْ مُبْلِغٌ عَمْرَو بنَ هِنْدٍ آيَةً = وَمِنَ النَّصِيحَةِ كَثْرَةُ الإِنْذَارِ
لاَ أَعْرِفَنَّكَ مُعْرِضاً لِرِمَاحِنَا = فِي جُفِّ تَغْلِبَ وَارِدِي الأَمْرَارِ
وقولُ الآخَرِ:
لاَ أُلْفِيَنَّكَ بَعْدَ الموتِ تَنْدُبُنِي = وَقَبْلَ مَوْتِي مَا زَوَّدْتَنِي زَادِي
وجَعَلَ المؤلِّفُ في كتابِه: (مُغْنِي اللَّبِيبِ) تَوْكِيدَ المضارِعِ المنفيِّ بلا شاذًّا، وذَكَرَ في الآيةِ الكريمةِ التي تَلاَهَا هنا أنَّ (لا) يجوزُ أنْ تكونَ ناهيةً، فيكونُ التوكيدُ جارياً على الكثيرِ؛ لأنَّ المضارِعَ واقعٌ بعدَ أداةِ طَلَبٍ، وعلى هذا الوجهِ تكونُ جملةُ {لاَ تُصِيبَنَّ} نعتاً للفتنةِ على تقديرِ القولِ؛ لأنَّ الجملةَ الطَّلَبِيَّةَ لا تَقَعُ نَعْتاً للنَّكِرَةِ إلاَّ على هذا التقديرِ، وذَكَرَ معَ ذلك أنَّ (لا) في الآيةِ يَحْتَمِلُ أنْ تكونَ نافيةً، فيكونُ تأكيدُ المضارِعِ بَعْدَها شَاذًّا، وهذا كلامٌ لا نُقِرُّه عليه؛ لوقوعِه في القرآنِ الكريمِ وفيما ذَكَرْنَاهُ من الشواهدِ، وفي قولِ الآخَرِ:
فَلاَ الْجَارَةَ الدُّنْيَا بِهَا تَلْحِيَنَّهَا = ولا الضيفُ عَنْهَا إنْ أَنَاخَ مُحَوَّلُ

([21]) 472- هذا الشاهِدُ مَثَلٌ مِن أمثالِ العربِ معناه: أنَّ الفَرْعَ يَجِيءُ على وَفْقِ أَصْلِه، وهو موافقٌ لِشَطْرِ بيتٍ مِن الطويلِ، وقد وَقَعَ هذا الشاهدُ عَجُزاً في بيتٍ، وهو قولُ الشاعِرِ:
إذا ماتَ مِنْهُمْ مَيِّتٌ سَرَقَ ابْنُهُ = ومِنْ عِضَةٍ مَا يَنْبُتَنَّ شَكِيرُهَا
وقد وَقَعَ صَدْرَ بيتٍ آخَرَ، وعَجُزُهُ قولُه:
*قَدِيماً، ويُقْتَطُّ الزِّنَادُ مِنَ الزَّنْدِ*

اللغةُ: (عِضَةٍ) بكسرِ العينِ المهملةِ وفتحِ الضادِ مُخَفَّفَةً: شجرٌ ذَاتُ شَوْكٍ من أشجارِ البادِيَةِ، وللعلماءِ خلافٌ طويلٌ في لاَمِها؛ فقيلَ: لامُها واوٌ محذوفةٌ عَوَّضَ عنها هذه التاءُ؛ بدليلِ جَمْعِهِم إيَّاها على (عِضَوَاتٍ). وقيلَ: لامُها هاءٌ محذوفةٌ عُوِّضَتْ منها هذه التاءُ؛ بدليلِ قولِهِم: (عَضَهْتُهُ)، وقولِهم: (عَاضَه). وقيلَ: هذه التاءُ الموجودةُ هي لامُها. وقد أَشْبَعْنَا القولَ في هذه المذاهِبِ والاستدلالِ لها في شَرْحِنا على الأَشْمُونِيِّ، (شَكِيرُهَا) الشَّكِيرُ – بفتحِ الشينِ المعجمةِ بزِنَةِ الأَمِيرِ – ما يَنْبُتُ حولَ الشجرةِ، وقد قالُوا: (شَكِرَتِ الشجرةُ تَشْكَرُ) - مِن بابِ فَرِحَ يَفْرَحُ – إذا أَنْبَتَتِ الشَّكِيرَ حولَ جِذْرِها.
الإعرابُ: (إذا) ظرفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِن الزمانِ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ نصبٍ بقولِهِ: سَرَقَ الآتي، (ماتَ) فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، (مِنْهُمْ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ حالٌ مِن قولِه: مَيِّتٌ الآتي، (مَيِّتٌ) فاعلُ ماتَ، وجملةُ الفعلِ الماضي وفاعلِه في مَحَلِّ جرٍّ بإضافةِ إذا إليها، (سَرَقَ) فعلٌ ماضٍ، (ابْنُهُ) ابنُ: فاعلُ سَرَقَ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وابنُ مضافٌ وضميرُ الغائِبِ العائدُ إلى مَيِّتٌ مضافٌ إليه، (ومِن) الواوُ للاستئنافِ، من: حرفُ جَرٍّ، (عِضَةٍ) مجرورٌ بِمِن، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: يَنْبُتَنَّ الآتي، (ما) زائدةٌ، (يَنْبُتَنَّ) يَنْبُتُ: فعلٌ مضارعٌ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لاتِّصَالِهِ بنونِ التوكيدِ الثقيلةِ، ونونُ التوكيدِ حرفٌ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، (شَكِيرُهَا) شَكِيرُ: فاعلُ يَنْبُتُ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وهو مضافٌ وضميرُ الغائبِ العائدُ إلى عِضَةٍ مضافٌ إليه.
الشاهدُ فيه: قولُه: (ما يَنْبُتَنَّ)؛ حيثُ أَكَّدَ الفعلَ المضارِعَ الذي هو (يَنْبُتُ) بالنونِ الثقيلةِ، وهذا الفعلُ واقعٌ بعدَ (ما) الزائدةِ غيرِ المسبوقةِ بإنِ الشرطيَّةِ.
ومثلُ هذا الشاهِدِ قولُهم في المَثَلِ: (بِعَيْنٍ مَا أَرَيَنَّكَ) يُضْرَبُ هذا المَثَلُ لِمَن يُخْفِي عن صاحبِه أمراً هو به عالِمٌ، ومعناه: إني أراكَ بعينٍ بَصِيرَةٍ.
ومثلُه قولُهُم في مَثَلٍ آخَرَ: (بِجَهْدٍ مَا تَبْلُغَنَّهُ) يُضْرَبُ لِمَن تُحَمِّلُه فِعْلاً فيه مَشَقَّةٌ فيُصِيبُه الإعياءُ؛ أي: لا بُدَّ لكَ مِن فِعْلِه ولو بِمَشَقَّةٍ وجَهْدٍ.
ومثلُه قولُهم في مَثَلٍ آخَرَ: (بِأَلَمٍ مَا تَخْتِتَنْهُ)، وأصلُه خِطَابٌ لامرأةٍ، و(تَخْتِتَنْهُ) فعلٌ مضارعٌ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، وأصلُه الخِتَانُ، والهاءُ في آخِرِهِ هاءُ السَّكْتِ، والمَثَلُ يُضْرَبُ لِمَن يَفْعَلُ فِعْلاً يَتَأَلَّمُ به ولا بُدَّ له مِن فِعْلِهِ، وقد حَكَى سِيبَوَيْهِ كلَّ هذه الأمثالِ في الكِتابِ (2/153).

([22]) 473-هذا الشاهِدُ من كَلِمَةٍ لِحَاتِمٍ الطَّائِيِّ الجَوَادِ المعروفِ، وما ذَكَرَهُ المؤلِّفُ ههنا صَدْرُ بَيْتٍ مِن الطويلِ، وعَجُزُهُ قَوْلُهُ:
*إِذَا نَالَ مِمَا كُنْتَ تَجْمَعُ مَغْنَمَا*

وقبلَ هذا البيتِ قولُه:
أَهِنْ لِلَّذِي تَهْوَى التِّلاَدَ فإِنَّه = إِذَا مُتَّ كانَ المالُ نَهْباً مُقَسَّمَا
الإعرابُ: (قَلِيلاً) نعتٌ لمنعوتٍ محذوفٍ يَقَعُ مفعولاً مُطْلَقاً منصوباً بفعلٍ محذوفٍ يَدُلُّ عليه قولُه: (يَحْمَدَنَّكَ) الآتي، وتقديرُ الكلامِ: يَحْمَدُكَ حَمْداً قليلاً، ولم نَجْعَلْ ناصِبَ المفعولِ المطلَقِ هو يَحْمَدَنَّكَ الآتي،؛ لأنَّ مِن المُقَرَّرِ أنَّ الفعلَ المُؤَكَّدَ لا يَتَقَدَّمُ معمولُه عليه، وليسَ هذا المعمولُ ظرفاً فيُتَّسَعَ فيه ما لا يُتَّسَعُ في غيرِه، (به) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِيَحْمَدَ الآتي، (ما) زائدةٌ، (يَحْمَدَنَّكَ) يَحْمَدَ: فعلٌ مضارعٌ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لاتِّصَالِهِ بنونِ التوكيدِ الثقيلةِ، ونونُ التوكيدِ الثقيلةُ حرفٌ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، وكافُ المخاطَبِ مفعولٌ به لِيَحْمَدَ مَبْنِيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ نصبٍ، (وارِثٌ) فاعلُ يَحْمَدَ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، (إذا) ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بِيَحْمَدَ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ نَصْبٍ، (نالَ) فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو يعودُ إلى وارِثٌ، (مِمَّا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِنَالَ، (كُنْتَ) كانَ: فعلٌ ماضٍ ناقصٌ، وتاءُ المخاطَبِ اسْمُه، (تَجْمَعُ) فعلٌ مضارِعٌ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنتَ، وجملةُ تَجْمَعُ وفاعلِه في مَحَلِّ نصبٍ خبرُ كانَ، وجملةُ كانَ واسمِها وخبرِها لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ صِلَةُ ما المجرورةِ مَحَلاًّ بِمِن، والعائدُ ضميرٌ محذوفٌ منصوبٌ بِتَجْمَعُ؛ أي: تَجْمَعُه (مَغْنَمَا) مفعولٌ به لنالَ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (ما يَحْمَدَنَّكَ)؛ حيثُ أَكَّدَ الفعلَ المضارِعَ الذي هو قولُه: (يَحْمَدُ) بالنونِ الثقيلةِ، وهذا الفعلُ واقعٌ بعدَ (ما)، وقد ذَكَرَ الشيخُ خالِدٌ أنَّ (ما) هنا زائدةٌ، وهي على معنى النفيِ، وقالَ الدَّمَامِينِيُّ: ولا أَدْرِي الوجهَ الذي عَيَّنَ ذلك.
وههنا أمرانِ أُحِبُّ أَنْ أُنَبِّهَكَ إليهما:
الأوَّلُ: أنَّ المؤلِّفَ قد جَعَلَ توكيدَ المضارِعِ المسبوقِ بما الزائدةِ غيرَ المصاحبةِ لإنْ قليلاً، وهو تابعٌ لابنِ مالِكٍ في هذه العبارةِ، وليسَ المرادُ به أنه قليلٌ في ذاتِه؛ لأنَّ ابنَ مالِكٍ صَرَّحَ في بعضِ كُتُبِهِ بأنه كثيرٌ، بل رُبَّمَا دَلَّ كَلامُه على أنه مُطَّرِدٌ، فيُحْمَلُ كلامُ ابنِ هِشامٍ على هذا؛ إذ كانَ تابِعاً لابنِ مالِكٍ في اختياراتِه.
الأمرُ الثاني: أنه لم يَخُصَّ ما الزائدةَ بنوعٍ، فشَمَلَ ما التي تَقَعُ بعدَ رُبَّ، وقد صَرَّحَ ابنُ مالِكٍ في شرح كَافِيَتِهِ بأنَّ توكيدَ المضارِعِ الواقِعِ بعد ما المتَّصِلَةِ برُبَّ شاذٌّ، ووَجَهُه أنَّ الفعلَ الواقعَ بعدَ (رُبَّمَا) ماضي المعنى غالباً، ونونُ التوكيدِ تَقْتَضِي الاستقبالَ، فهما كالمتناقضيْنِ، وكلامُ سِيبَوَيْهِ يُشْعِرُ بجوازِ توكيدِ المضارِعِ الواقعِ بعدَ رُبَّمَا، فقد حَكَى قولَ العربِ: (رُبَّمَا يَقُولَنَّ ذلك)، وقد وَرَدَ في قولِ الشاعِرِ:
رُبَّمَا أَوْفَيْتُ فِي عَلَمٍ = تَرْفَعَنْ ثَوْبِي شَمَالاَتُ

([23]) 474- نَسَبَ الشيخُ خالدٌ هذا الشاهِدَ إلى أبي حَيَّانَ الفَقْعَسِيِّ، يَصِفُ جَبَلاً عَمَّهُ الخِصْبُ وحَفَّهُ النباتُ، وهو تابعٌ في ذلك للعَيْنِيِّ التابِعِ للأَعْلَمِ الشَّنْتَمْرِيِّ، والذي عليه الناسُ أنه لأبي الصَّمْعَاءِ مُسَاوِرِ بنِ هِنْدٍ العَبْسِيِّ، وأنه يَصِفُ وَطْبَ لَبَنٍ، وأبو الصَّمْعَاءِ شاعرٌ مُخَضْرَمٌ، والذي أَنْشَدَهُ المؤلِّفُ ههنا بيتٌ مِن مَشْطُورِ الرَّجَزِ، وبعدَه قولُه:
*شَيْخاً على كُرْسِيِّهِ مُعَمَّمَا*

اللغةُ: (يَحْسَبُهُ) يَخَالُهُ ويَظُنُّه، (الجَاهِلُ) الذي لا يَعْلَمُ حقيقةَ حالِه، (شَيْخاً) أَصْلُه الرجلُ الذي جَاوَزَ الأربعينَ، وأَدْرَكَ حدَّ الكِبَرِ والشيخوخةِ، وقد جَرَى العُرْفُ على إطلاقِه على الرجلِ مِن أهلِ العِلْمِ الذي نَصَّبَ نفسَه لإفادةِ الطالبينَ، (مُعَمَّمَا) لابِساً العِمَامَةَ.
المعنى: وَصَفَ الشاعرُ وَطْباً مِن اللَّبَنِ فقالَ: مَن نَظَرَ إليه وهو لا يَعْلَمُ حقيقةَ حَالِهِ ظَنَّهُ شَيْخاً قد لَبِسَ عِمَامَةً بيضاءَ، وتَرَبَّعَ فوقَ كُرْسِيِّهِ، وهو تَشْبِيهُ هَيْئَةِ الوَطْبِ الذي يَظْهَرُ اللبنُ في أعلاهُ أَبْيَضَ شديدَ البياضِ بهيئةِ الشيخِ المُعَمَّمِ بعِمامةٍ شديدةِ البياضِ وهو جالسٌ على الكرسيِّ.
الإعرابُ: (يَحْسَبُهُ) يَحْسَبُ: فعلٌ مضارِعٌ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وضميرُ الغائبِ العائدِ إلى وَطْبِ اللبنِ الموصوفِ مفعولٌ أَوَّلُ مَبْنِيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نصبٍ، (الجَاهِلُ) فاعلُ يَحْسَبُ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، (ما) مَصْدَرِيَّةٌ ظرفيَّةٌ، (لم) حرفُ نفيٍ وجزمٍ وقلبٍ، (يَعْلَمَا) يَعْلَمَ: فعلٌ مضارِعٌ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لاتِّصَالِهِ بنونِ التوكيدِ الخفيفةِ المُنْقَلِبَةِ أَلِفاً لأجلِ الوقفِ، في مَحَلِّ جَزْمٍ بلم، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُه هو يعودُ على الجاهلُ، ونونُ التوكيدِ الخفيفةُ حرفٌ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، (شَيْخاً) مفعولٌ ثانٍ لِيَحْسَبُ، (على) حرفُ جرٍّ، (كُرْسِيِّهِ) كُرْسِيِّ: مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ صفةُ قولِهِ: شَيْخاً. وكُرْسِيِّ مضافٌ وضميرُ الغائبِ العائدِ إلى الشيخِ مضافٌ إليه، (مُعَمَّمَا) صفةٌ لِشَيْخٍ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (لم يَعْلَمَنْ) حيثُ أَكَّدَ الفعلَ المضارِعَ الذي هو قولُه: (يَعْلَمْ) بالنونِ الخفيفةِ، بعدَ حرفِ النفيِ الذي هو لم، وقد نَبَّهْنَاكَ فيما مَضَى على شاهدٍ آخرَ لهذه المسألةِ (انْظُرْ شرحَ الشاهدِ رَقْمِ 405)، ومثلُه ما أَنْشَدَهُ الخَالِدِيَّانِ في الأشباهِ والنظائرِ (ص100) لبعضِ الأعرابِ:
أَلَمْ تَعْلَمَنَّ يَا رَبُّ أَنْ رُبَّ دَعْوَةٍ = دَعَوْتُكَ فِيهَا مُخْلِصاً لَوْ أُجَابُهَا

([24]) 475- هذا الشاهِدُ من كَلِمَةٍ عِدَّتُها ثلاثةُ أبياتٍ لابنةِ مُرَّةَ بنِ عَاهَانَ الحارِثِيِّ تُرْثِي أَباها، وكانَتْ باهِلَةُ قدْ قَتَلَتْهُ، والذي ذَكَرَه المؤلِّفُ ههنا صدرُ بيتٍ من الكاملِ، وعَجُزُه قولُه:
*أبداًَ، وقَتْلُ بَنِي قُتَيْبَةَ شَافِي*

اللغة: (نَثْقَفُ) معناه نَجِدُ، (آئِبٌ) اسمُ فاعلٍ فِعْلُه آبَ يَؤُوبُ بمعنى رَجَعَ يَرْجِعُ.
المعنى: إنَّ مَن نَلْقَاهُ مِنهم سَنَقْتُلُه، فلا يَرْجِعُ إلى قومِه أبداً، ثم بَيَّنَ أن ذلك شفاءً لِمَا في صُدُورِهِم مِن حَسِيكَةٍ سَبَبُها الدماءُ التي أُرِيقَتْ منهم.
الإعرابُ: (مَن) اسمُ شرطٍ جازِمٌ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ رفعٍ مبتدأٌ، (نَثْقَفَنْ) نَثْقَفَ: فعلٌ مضارعٌ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لاتِّصَالِهِ بنونِ التوكيدِ الخفيفةِ في مَحَلِّ جزمٍ فعلُ الشرطِ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وجوباً تقديرُه نحنُ، ونونُ التوكيدِ الخفيفةُ حرفٌ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، (مِنْهُمْ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِنَثْقَفَ، (فَلَيْسَ) الفاءُ واقعةٌ في جوابِ الشرطِ حرفٌ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، ليسَ: فعلٌ ماضٍ ناقصٌ يَرْفَعُ الاسمَ ويَنْصِبُ الخبرَ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، واسْمُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو، يعودُ إلى اسمِ الشرطِ، =(بِآيِبِ) الباءُ حرفُ جرٍّ زائدٌ، آيِبِ: خبرُ ليسَ منصوبٌ بفتحةٍ مُقَدَّرَةٍ على آخرِهِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهَا اشتْغِاَل ُالمَحَلِّ بحركةِ حرفِ الجرِّ الزائدِ، والجملةُ مِن ليسَ واسْمِها وخَبَرِها في مَحَلِّ جزمٍ جوابُ الشرطِ، وجملةُ الشرطِ وجوابُه في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ المبتدأِ الذي هو اسمُ الشرطِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (مَنْ نَثْقَفَنْ)؛ حيثُ أَكَّدَ الفعلَ المضارِعَ الذي هو نَثْقَفُ بالنونِ الخفيفةِ بعدَ (مَن) الشرطيَّةِ.
ونظيرُه قولُ ابنِ الخَرِعِ، وهو من شواهدِ سِيبَوَيْهِ (2/152):
فَمَهْمَا تَشَأْ مِنْهُ فَزَارَةُ تُعْطِكُمْ = وَمَهْمَا تَشَأْ مِنْهُ فَزَارَةُ تَمْنَعَا
الشاهِدُ فيه: قولُه: (تَمْنَعَا)؛ حيثُ أَكَّدَ هذا الفعلَ بالنونِ الخفيفةِ؛ وذلك لأنَّه واقِعٌ بعدَ مَهْمَا التي هي أداةُ شرطٍ، وقد قَلَبَ النونَ الخفيفةَ أَلِفاً للوقفِ.
ومثلُه قولُ الآخَرِ:
نَبَتُّمْ نَبَاتَ الخَيْزُرَانِيِّ فِي الثَّرَى = حَدِيثاً مَتَى مَا يَأْتِكَ الْخَيْرُ يَنْفَعَا
الشاهِدُ: في قَوْلِهِ: (يَنْفَعَا)؛ حيثٌ أَكَّدَهُ بالنونِ الخفيفةِ، وقَلَبَها ألِفاً للوَقْفِ، بعدَ (متى).
ومِن هنا تَعْلَمُ أنَّ مرادَ النُّحاةِ مِن قولِهم: (بعدَ أداةِ جَزَاءٍ غَيْرَ إمَّا) ما هو أَعَمُّ مِن أنْ يكونَ الفعلُ شرطاً كما في بيتِ الشاهدِ، وأنْ يكونَ جَوَاباً وجَزاءً كما في هذيْن البيتيْن اللذيْن أَنْشَدْنَاهُما.

([25]) اخْتَلَفَ النُّحَاةُ في الفتحةِ التي قَبْلَ نونِ التوكيدِ المؤكَّدِ بها الفعلُ المضارِعُ، نحوُ: لا تَضْرِبَنَّ، وفعلِ الأمرِ، نحوُ اضْرِبَنَّ، فذَهَبَ أبو العبَّاسِ المُبَرِّدُ وأبو عليٍّ الفَارِسِيُّ وابنُ السَّرَّاجِ إلى أن هذه الفتحةَ فتحةُ البناءِ، والفعلُ عندَهم مَبْنِيٌّ على الفتحِ، وذلك لِتَرَكُّبِهِ معَ النونِ تركيبَ خَمْسَةَ عَشَرَ، وذَهَبَ سِيبَوَيْهِ والسِّيرَافِيُّ والزَّجَّاجُ إلى أنَّ الفعلَ – مضارعاً كانَ أو أَمْراً – مَبْنِيٌّ معَ نونِ التوكيدِ على السكونِ؛ لأنَّه الأصلُ في البناءِ، ثمَّ حُرِّكَ آخرُ الفعلِ لِلتَّخَلُّصِ مِن الْتِقَاءِ الساكنيْنِ، وهما آخِرُ الفعلِ والنونُ، وكانَتِ الحركةُ هي الفتحةَ؛ لأنَّها أَخَفَّ الحركاتِ، وعلى هذا يقالُ في (لا تَلْعَبَنَّ): مَبْنِيٌّ على السكونِ مُقَدَّرٌ على آخرِه، مَنَعَ مِن ظُهُورِهِ الفتحةُ العارِضَةُ لأجلِ التخلُّصِ من التقاءِ الساكنيْنِ، معَ طَلَبِ التخفيفِ.

([26]) الساكنانِ هما الألِفُ التي قبلَ النونِ، ونونُ التوكيدِ الخفيفةُ الساكنةُ، فأَمَّا نونُ الرفعِ فإنَّها محذوفةٌ؛ لأنَّ الأمرَ يُبْنَى حينَئذٍ على حذفِ النونِ، فإذا كانَ الفعلُ مضارعاً مرفوعاً حُذِفَتْ نونُ الرفعِ عندَ التوكيدِ أيضاً، لكِنَّ حَذْفَها حينَئذٍ للفِرَارِ مِن اجتماعِ الأمثالِ.

([27]) احْتَجَّ الكُوفِيُّونَ ويُونُسُ لِجَوَازِ وُقُوعِ نونِ التوكيدِ الخفيفةِ الساكنةِ بعدَ الألِفِ - سواءٌ أكانَتْ هذه الألِفُ ضميرَ الاثنيْنِ أم كانَتِ الألفُ الفارقةُ بينَ نونِ الإناثِ ونونِ التوكيدِ – بأنَّ غايةَ ما يَلْزَمُ على هذا الاجتماعِ هو التقاءُ ساكنيْنِ ليسَ ثانيهما مُدْغَماً في مِثْلِه، وقد وَجَدْنَا العربَ لا يَرَوْنَ بهذا بَأْساً، فقد جاءَ في أمثالِهِم قولُهم: (الْتَقَتْ حَلْقَتَا البِطَانِ)
وهم حِينَ يقولونَ هذا المَثَلَ يُبْقُونَ ألِفَ الاثنيْنِ ساكنةً معَ سكونِ ما يَلِيها، وهو لامُ التعريفِ، وقد وَقَعَ ذلك في قولِ أَوْسِ بنِ حَجَرٍ:
وَازْدَحَمَتْ حَلْقَتَا البِطَانِ بِأَقِـ = = ـوَامٍ وَجَاشَتْ نُفُوسُهُمْ جَزَعَا
ونظيرُ ذلكَ قِرَاءَةُ مَن قَرَأَ: (مَحْيَايْ ومَمَاتِي) بسكونِ ياءِ المتكلِّمِ معَ سكونِ الألفِ قبلَها، في الوصلِ فَضْلاً عن الوقفِ. وقِرَاءَةُ مَن قَرَأَ: {أَأْنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} بقلبِ الهمزةِ الثانيةِ مِن {أَأَنْذَرْتُهْمْ} أَلِفاً ساكنةً معَ سكونِ النونِ التي بَعْدَها، وقِرَاءَةُ مَن قَرَأَ: (هَؤلاَءْ إِنْ كُنْتُمْ) بسكونِ همزةِ (هَؤُلاَءْ) معَ أنَّ الألفَ قبلَها ساكنةٌ، وقراءةُ الجميعِ في {كهيعص}؛ فإنَّ فيها التقاءَ الساكنيْنِ ثلاثَ مرَّاتٍ وليسَ ثانيهما مُدْغَماً في مِثْلِه، فدَلَّ ذلك كلُّه على أنَّ العربَ قد تَسْتَسِيغُ هذا الالتقاءَ، فقلنا بجوازِ مثلِه فيما نحنُ بِصَدَدِهِ.

([28]) سورةُ الأنعامِ، الآيةُ: 162.

([29]) سورةُ الفُرْقَانِ، الآيةُ: 36، وتوجيهُ هذه القراءةِ على أنَّ الألفَ ضميرُ الاثنيْنِ، والنونُ للتوكيدِ.

([30]) سورةُ يُونُسَ، الآيةُ: 89، وإنما يَتِمُّ الاستدلالُ بهذه القراءةِ إذا جَعَلْنَا الواوَ حرفَ عَطْفٍ، و(لا) بعدَها حرفَ نهيٍ، فتكونُ الألِفُ ضميرَ الاثنيْنِ والنونُ للتوكيدِ، فإنْ جَعَلْتَ لا نافيةً والواوُ للحالِ كانَتِ النونُ علامةً على رفعِ الفعلِ المسنَدِ لألِفِ الاثنيْنِ، والجملةُ خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، وجملةُ المبتدأِ والخبرِ في مَحَلِّ نصبٍ حالٌ.

([31]) اعْلَمْ أنَّ الْتِقَاءَ الساكنيْنِ يُغْتَفَرُ في العربيَّةِ بشرطيْنِ:
أَوَّلُهُما: أنْ يكونَ أَوَّلُ الساكنيْنِ حرفَ لِينٍ كالألِفِ، وكالواوِ المفتوحِ ما قَبْلَها أو المضمومِ ما قَبْلَها، وكالياءِ المفتوحِ ما قَبْلَهَا أو المكسورِ ما قبلَها.
وثانيهما: أنْ يكونَ ثاني الساكنيْنِ مُدْغَماً في مِثْلِه، فإذا عَلِمْتَ هذا تَبَيَّنَ لكَ السرُّ الذي اعْتَمَدَ عليه البَصْرِيُّونَ في جَوَازِ وُقُوعِ النونِ الشديدةِ بعدَ الألِفِ، وعدمِ جوازِ وقوعِ الخفيفةِ في هذا المَوْضِعِ.

([32]) 476-هذا الشاهدُ مِن كَلِمَةٍ للأَضْبَطِ بنِ قُرَيْعٍ السَّعْدِيِّ، قالَ ثَعْلَبٌ: بَلَغَنِي أنها قِيلَتْ قبلَ الإسلامِ بدَهْرٍ طويلٍ. والذي ذَكَرَهُ المؤلِّف من هذه الكَلِمَةِ بيتٌ مِن المُنْسَرِحِ قد حُذِفَ من أَوَّلِ جُزْئِهِ الأوَّلِ سببٌ خَفِيفٌ، فآخِرُ الشطرِ الأوَّلِ (أنْ)، ولا تَلْتَفِتْ إلى ما قيلَ سِوَى هذا؛ فإنَّ أَوَّلَ الكَلِمَةِ قولُه:
لِكُلِّ هَمٍّ مِنَ الْهُمُومِ سَعَهْ = وَالْمُسْيُ وَالصُّبْحُ لاَ فَلاَحَ مَعَهْ
اللغةُ: (تُهِينُ) مُضَارِعٌ من الإهانةِ، وهو الإذلالُ والاحتقارُ والازْدِرَاءُ، (الفَقِيرَ) أصلُه في اللغةِ الذي انْكَسَرَ فِقَارُ ظَهْرِه، ثمَّ أَطْلَقَ على المُعْدِمِ الذي لا يَجِدُ حَاجَتَه مِن المالِ؛ لأنَّه يُشْبِهُ مِن انْبَتَّ ظَهْرُه =وعدم الحولِ والقوَّةِ، (عَلَّكَ) هي لغةٌ في لَعَلَّكَ، وقد تَقَدَّمَ في أوائلِ حُرُوفِ الجَرِّ بَيَانُهَا وذِكْرُ أَصْحَابِها، (تَرْكَعَ) أصلُه مضارعٌ مِن الركوعِ، وهو الانحطاطُ مِن أعلى إلى أَسْفَلُ، وأرادَ: لَعَلَّكَ أنْ تُصِيبَكَ جَائِحَةٌ فتُبَدِّلُ حَالَكَ الحَسَنَةَ بحالةٍ مغايِرَةٍ لها، (رَفَعَهُ) أرادَ: بَدَّلَ حَالَهُ السَّيِّئَةَ بحالةٍ أُخْرَى حَسَنَةٍ.
المعنى: يقولُ: لا تَحْتَقِرْ أَحَداً مِن الذين تَرَاهُم دُونَكَ، ولا تَزْدَرِهِ، ولا تُصَغِّرْ مِن شَأْنِهِ؛ فإنك لا تَدْرِي ما عَسَى أنْ تَتَمَخَّضَ الأيامُ عنه، فرُبَّمَا بَدَّلَتْكَ مِن حَالِكَ الحَسَنَةِ حالاً سَيِّئَةً، وربَّما بَدَّلَتْهُ هو من حالِه السيِّئةِ حالاً حَسَنَةً.
الإعرابُ: (لا) حرفُ نهيٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، (تُهِينَ) فعلٌ مضارعٌ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لاتِّصَالِهِ بنونِ التوكيدِ الخفيفةِ المحذوفةِ للتخلُّصِ من التقاءِ الساكنيْنِ في مَحَلِّ جَزْمٍ بلا الناهيةِ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنتَ، (الفَقِيرَ) مفعولٌ به لِتُهِينَ منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، (عَلَّكَ) عَلَّ: حرفُ تَرَجٍّ ونَصْبٍ، مَبْنِيٌّ على الفتحِ، لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، وضميرُ المخاطَبِ اسمُه مَبْنِيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ نصبٍ، (أَنْ) حرفٌ مَصْدَرِيٌّ ونصبٌ، (تَرْكَعَ) فعلٌ مضارعٌ منصوبٌ بأنْ، وعلامةُ نَصْبِهِ الفتحةُ الظاهرةُ، وفاعِلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنتَ، (يَوْماً) ظرفُ زمانٍ منصوبٌ بِتَرْكَعَ، وعلامةُ نَصْبِهِ الفتحةُ الظاهرةُ، وأنْ معَ ما دَخَلَتْ عليه في تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ يَقَعُ خبرَ لَعَلَّ على أحدِ التأويلاتِ الثلاثةِ التي سَبَقَ بَيَانُها (في ص 278 من الجزءِ الثالثِ)، (والدَّهْرُ) الواوُ واوُ الحالِ، الدَّهْرُ: مبتدأٌ، (قَدْ) حرفُ تَحْقِيقٍ، (رَفَعَهْ) رَفَعَ: فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو يعودُ إلى الدَّهْرُ، وضميرُ الغائبِ العائدُ إلى الفقيرَ مفعولٌ به، والجملةُ من الفعلِ وفاعلِه ومفعولِه في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ المبتدأِ، وجملةُ المبتدأِ وخبرِه في مَحَلِّ نَصْبٍ حالٌ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (لاَ تُهِينَ)؛ حيثُ حَذَفَ هذا الشاعِرُ نونَ التوكيدِ الخفيفةِ للتخلُّصِ من الْتِقَاءِ الساكنيْنِ اللذيْن هما نونُ التوكيدِ الخفيفةِ واللامُ في (الفَقِيرَ)؛ لأنَّ الألِفَ التي بينَهما ألفُ الوصلِ، فلا حَرَكَةَ لها عندَ الوَصْلِ، وقد أَبْقَى فتحَ آخِرِ الفعلِ دليلاً على تلكَ النونِ المحذوفةِ. وثُبُوتُ الياءِ التي هي لامُ الكَلِمَةِ معَ وُجُودِ الجازِمِ دليلٌ على أنَّ الفعلَ مُؤَكَّدٌ.

([33]) سورةُ العَلَقِ، الآيةُ: 15.

([34]) سورةُ يُوسُفَ، الآيةُ: 32.

([35]) 477- هذا الشاهِدُ من كَلِمَةِ الأَعْشَى مَيْمُونَ بنِ قَيْسٍ التي كانَ مَدَحَ بها النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقَدِمَ بها لِيُنْشِدَها بينَ يَدَيْهِ، فمَنَعَتْه قريشٌ، والذي أَنْشَدَه المؤلِّفُ عَجُزُ بيتٍ مِن الطويلِ، وصَدْرُه قولُه:
*وَإِيَّاكَ وَالمَيْتَاتِ لاَ تَقْرَبَنَّهَا*

اللغةُ: (المَيْتَاتِ) بفتحِ الميمِ وسكونِ الياءِ: جَمْعُ مَيْتَةٍ، وهي الحيوانُ المأكولُ الذي فارَقَ الحياةَ حَتْفَ نَفْسِه مِن غَيْرِ تَذْكِيَةٍ، (لا تَقْرَبَنَّهَا) أرادَ: لا تَطْعَمْهَا، فبالِغْ في ذلكَ بالنهيِ عن القُرْبِ منها، (الشيطانَ) اسمٌ يُطْلَقُ على إِبْلِيسَ عَدُوِّ اللهِ، وقد يُطْلَقُ على كلِّ نفسٍ عاتِيَةٍ خارجةٍ عن الجَادَّةِ التي رَسَمَها اللهُ تعالى.
الإعرابُ: (إِيَّاكَ) مفعولٌ به لفعلٍ محذوفٍ وُجُوباً، (والمَيْتَاتِ) الواوُ حرفُ عطفٍ، الميتاتِ: معطوفٌ على المفعولِ به، أو منصوبٌ على نَزْعِ الخافِضِ، على ما ذَكَرْنَاهُ من الخلافِ في شرحِ الشاهِدِ (رَقْمِ 403)، وعلامةُ نَصْبِه على الحالتيْنِ الكسرةُ نيابةً عن الفتحةِ؛ لأنَّه جمعُ مؤنَّثٍ سالِمٍ، (لا) حرفُ نهيٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، (تَقْرَبَنَّهَا) تَقْرَبَ: فعلٌ مضارعٌ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لاتِّصَالِهِ بنونِ التوكيدِ الثقيلةِ في مَحَلِّ جزمٍ بلا الناهيةِ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أَنْتَ، ونونُ التوكيدِ الثقيلةُ حرفٌ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، وضميرُ الغائبةِ العائدُ إلى المَيْتَاتِ مفعولٌ به مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ نصبٍ، (ولا) الواوُ حرفُ عطفٍ، لا: حرفُ نَهْيٍ، (تَعْبُدِ) فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بلا الناهيةِ وعلامةُ جزمِه السكونُ، وحُرِّكَ بالكسرِ للتخلُّصِ مِنَ الْتِقَاءِ الساكنيْنِ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنتَ، (الشيطانَ) مفعولٌ به لِتَعْبُدِ، (واللهَ) الواوُ حرفُ عطفٍ، ولفظُ الجلالةِ منصوبٌ على التعظيمِ، (فَاعْبُدَا) الفاءُ زائدةٌ، اعْبُدَا: فِعْلُ أمرٍ مَبْنِيٌّ على الفتحِ لاتِّصَالِهِ بنونِ التوكيدِ المُنْقَلِبَةِ أَلِفاً لأجلِ الوَقْفِ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنتَ، ونونُ التوكيدِ حرفٌ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (فَاعْبُدَا)؛ حيثُ أَبْدَلَ النونَ الخفيفةَ أَلِفاً في الوقتِ كما أنَّ التنوينَ في الاسمِ المنصوبِ يُقْلَبُ عندَ الوقفِ أَلِفاً في نحوِ قولِكَ: (رَأَيْتُ زَيْداً)، ومِن أجلِ هذا كُتِبَتْ نونُ التوكيدِ الخفيفةُ أَلِفاً؛ لأنَّ من قواعدِ الكتابةِ أنها تَتْبَعُ الوَقْفَ.



  #4  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 05:46 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني



نُوْنَا التَّوُكِيْدِ

635- للفِعْلِ تَوْكِيْدٌ بِنُوْنَيْنِ، هُمَا = كَنُونَي اذْهَبَنَّ واقْصِدَنْهُمَا
"للفعلِ توكيدٌ بنونينِ هُمَا) الثَّقِيلَةُ والخَفِيْفَةُ (كَنُوْنِي اذْهَبْنَ واقْصِدَنْهُمَا) وقدِ اجتْمَعَا فِي قولِهِ تَعَالَى: {لَيُسْجَنَّنَ وَلَيَكُونَا} وقدْ تقدَّمَ أوَّلَ الكتابِ أنَّ قولَهُ:

أَقَائِلُنَّ أَحْضِرُوا الشُّهُودَا

ضَرورةٌ.
تنبيهٌ: ذهَبَ البصريونَ إلى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أصلٌ، لِتَخَالُفِ بعضِ أحكامِهِمَا، وذَهَبَ الكوفيونَ إلى أَنَّ الخَفِيْفَةَ فَرْعُ الثقيلةِ، وقيلَ بالعكسِ، وذَكَرَ الخليلُ أنَّ التوكيدَ بالثقيلةِ أَشَدُّ مِنَ الخفيفةِ.
636- يُؤَكِّدَانِ افْعَلْ وَيَفْعَلْ آتِيَا = ذَا طَلَبٍ أو شَرْطًا امَّا تَالِيَا
(يؤكدانِ افْعَلْ) أيْ: فِعْلَ الأمرِ مُطلقًا، نحوَ: "اضْرِبْنَ زَيْدًا" ومِثْلُهُ الدعاءُ كقولِهِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
953- فَثَبِّتِ الأقدامَ إنْ لَاقَيْنَا = وأَنْزِلَنْ سَكِيْنَةً عَلَيْنَا
(ويَفْعَلْ) أيْ: المضارعُ بالشرطِ الآتِي ذِكْرُهُ، ولا يُؤَكِّدَانِ الماضِي مُطلقًا، وأَمَّا قولُهُ [مِنَ الكَامِلِ]:
954- دَامَنَّ سَعْدُكِ إِنْ رَحِمْتِ مُتَيَّمَا = لَوْلَاكِ لَمْ يَكُ للصَّبَابَةِ جَانِحَا
فَضَرورةٌ شَاذةٌ، سَهَّلَهَا كونُهُ بمعنَى الاستقبالِ، وإنمَا يُؤَكَّدُ بِهِمَا المضارعُ حالَ كونِهِ (آتيًا ذَا طَلَبٍ) بأنْ يَأْتِي أَمْرًا، نَحْوَ: "لَيَقُومَنَّ زَيْدٌ" أو نَهْيًا، نحوَ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا} أو عرْضًا، نحوَ: "أَلَا تَنْزِلَنَّ عِنْدَنَا" أو تَحْضِيْضًا كقولِهِ [مِنَ البَسِيْطِ]:
955- هَلَّا تَمُنِّنْ بِوَعْدٍ غَيْرَ مُخْلِفَةٍ = كَمَا عَهِدْتُكِ فِي أيَّامِ ذِي سَلَمِ
أو تَمنيًا، كقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
956- فَلَيْتَكِ يَوْمَ المُلْتَقَى تَرَيِنِّنِي = لِكَي تَعْلَمِي أَنِّي امْرُوٌ بِكِ هَائِمُ
أو اسْتِفْهَامًا، كقولِهِ [مِنَ المُتَقَارِبِ]:
957- وَهَلْ يَمْنَعَنِّي ارْتِيَادَي البِلَا = دَ مِنْ حَذَرِ الموتِ أنْ يَأْتِيَنِ
وقولِهِ [مِنَ الكَامِلِ]:
958- قَالَتْ فُطَيْمَةُ: حَلِّ شِعْرَ كَ مَدْحَهُ = أَفَبَعْدَ كِنْدَةَ تَمْدَحَنَّ قَبِيْلَا
وقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
959- فَأَقْبِلْ عَلَى رَهْطِي وَرَهْطِكَ نَبْحَثْ = مَسَاعِيْنَا حَتَّى تَرَى كَيْفَ نَفْعَلا
أو دُعَاءً، كقولِهِ [مِنَ الكَامِلِ]:
لا يَبْعَدَنْ قَوْمِي الذِيْنَ هُمُ = سُمُّ العُدَاةِ وآفَهُ الجُزْرِ
النَّازِلُونَ بِكُلِّ مُعْتَرَكٍ = والطَّيِّبُونَ مَعَاقِدَ الأَزْرِ
(أو) آتيًا (شَرطًا أمَّا تَالِيَا) "إِمَّا" فِي موضعِ النَّصْبِ مفعولٌ بِهِ لـ "تَاليًا" أيْ: شرطًا تَابِعًا إنْ الشرطيةَ المُؤَكَّدةَ بـ "مَا" نحوَ: "وإِمَّا تَخَافَنَّ" "فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ" "فَإِمَّا تَرَيِنَّ" واحْتَرَزَ مِنَ الواقعِ شرطًا بغيرِ "إِمَّا" فإنَّ توكيدَهُ قليلٌ كَمَا سَيَأْتِي.
637- أو مُثْبَتًا فِي قَسَمٍ مُسْتَقبلًا = وقَلَّ بَعْدَ "مَا ولمْ" وبعدَ "لَا"
(أو) آتِيًا (مثبتًا فِي) جوابِ "قَسَمٍ مستقبلًا" غيرِ مفصولٍ مِنْ لامِهِ بِفَاصِلٍ، نحو: {وتَاللهِ لَأَكِيْدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
960- فَمَنْ يَكُ لمْ يَثْأَرْ بِأَعْرَاضِ قَوْمِهِ = فَإِنِّي وَرَبِّ الرَّاقِصَاتِ لأَثْأَرَا
ولا يجوزُ توكيدُهُ بِهِمَا إِنْ كانَ مَنْفِيًا نحوَ {تَاللهِ تَفْتَؤُ تَذْكُرُ يُوْسُفَ} إذْ التقديرُ لا تَفْتَؤُ، وأمَّا قولُهُ [مِنَ البَسِيْطِ]:
961- تَاللهِ لا يُحْمَدَنَّ المرءُ مُجْتَنِبًا = فِعْلَ الكرامِ ولوْ فَاقَ الوَرَى حَسَبَا
فشاذٌّ أو ضرورةٌ أو كانَ حَالًا كقراءةِ ابنِ كَثِيرٍ {لأقْسِمُ بِيِوْمِ القِيَامَةِ} وقولِهِ [مِنَ المُتَقَارِبِ]:‌‌‌‌‌‌‌‌‌
962- يَمينًا لَأُبْغِضُ كَلَّ امْرِئٍ = يُزْخْرِفُ قَولًا وَلا يَفْعَلُ
قوولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
936- لَئِنْ تَكُ قَدْ ضَاقَتْ عليكُمْ بُيُوتُكُمْ = لَيَعْلَمُ رَبِّي أنَّ بَيْتِي واسِعُ
أو كانَ مفصُوْلًا مِنْ اللامِ، مثلَ: {وَلَئِنْ مُتُّمْ أوُ قُتُلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ} ونحوَ: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيْكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}
تنيهانِ: الأَوَّلُ: التوكيدُ فِي هذَا النوعِ واجبٌ بالشروطِ المذكورةِ، كمَا نَصَّ عليهِ فِي (التَّسْهِيْلِ)، وهو مَذْهَبُ البصريينَ فَلَا بُدَّ عندَهُم مِنَ اللامِ، والنونِ، فإنْ خَلا منهُمَا قُدِّرَ قبلَ حرفِ النَّفْيِّ فإذَا قُلْتَ: "واللهِ يقومُ زَيْدٌ"، كانَ المعنَى نَفْيَ القيامِ عنهُ وأَجَازَ الكوفيونَ تعاقُبَهُمَا، وقدْ وَرَدَ في الشِّعْرِ، وحَكَى سِيْبَوَيْهُ، "واللهِ لأَضْرِبُهُ" وأمَّا التوكيدُ بعدَ الطَّلَبِ فليسَ بواجبٍ اتفاقًا، واخْتَلَفُوا فيهِ بعدَ "إِمَّا" فمذهبُ سيبويهَ أنَّهُ ليسَ بِلَازمٍ ولكنَّهُ أحْسَنُ، ولهذَا لمْ يقعْ فِي القرآنِ إلا كذلكَ، وإليهِ ذَهَبَ الفَارِسِيُّ وأكثرُ المُتَأَخِّريْنَ، وهو الصحيحُ، وقدْ كَثُرَ في الشِّعْرِ مَجِيْئُهُ غيرَ مُؤَكَّدٍ، مِنْ ذلكَ قولُهُ [مِنَ البَسِيْطِ]:
964- يَا صَاحِ إِمَّا تَجِدْنِي غيرَ ذِي جِدَةٍ = فَمَا التَّخَلِّي عنِ الخِلَّانِ مِنْ شِيَمِي
وقولُهُ [مِنَ المُتَقَارَبِ]:
فَإِمَّا تَرَيْنِي وَلِي لِمَّةٌ = فإنَّ الحوادثَ أَوْدَى بِهَا
وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
965- فإمَّا تَرَيْنِي كابنةِ الرَّمْلِ ضَاحِيَا = عَلَى رِقَّةٍ أَحْفَى وَلَا أَتَنَعَّلُ
وذَهَبَ المُبَرِّدُ والزَّجَّاجُ إلى لزومِ النونِ بَعْدَ "إمَّا" وزَعَمَا أنَّ حذْفَهَا ضرورةٌ.
الثانِي: مَنَعَ البصريونَ نحوَ: "والِله لَيَفْعَلُ زيدٌ الآنَ" استغناءً عنهُ بالجملةِ الاسميةِ المصَدَّرَةِ بالمُؤَكِّدِ، كقولكَ، "واللهِ إنَّ زَيْدًا ليفعلُ الآنَ" وأجَازَهُ الكوفيونَ، ويشهدُ لهمْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قِرَاءَةِ ابنِ كَثِيْرٍ "لَأُقْسِمُ" والبيتينِ اهـ
(وقَلَّ) التوكيدُ (بعدَمَا) الزائدةِ التِي لم تُسْبَقْ بـ "إِنْ" من ذلكَ قولُهُم: "بِعَيْنٍ مَا أَرَيَنَّكَ" و"بِجُهْدٍ مَا تَبْلُغَنَّ" و"حيثُمَا تَكُوْنَنَّ آتِكَ" و"مَتَى مَا تَقْعُدَنَّ أَقْعُدْ"، وقوْلُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
966- إذَا مَاتَ مِنْهُم مَيِّتٌ سَرَقَ ابنُهُ = ومِنْ عَضَّةٍ مَا يَنْبُتَنَّ شَكِيْرُهَا
وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
967- قَلِيلًا بِهِ مَا يَحْمَدَنَّكَ وارثٌ = إذَا نَالَ مِمَّا كُنْتَ تَجْمَعُ مَغْنَمَا
تنبيهانِ: الأَوَّلُ: مُرَادُ النَّاظِمِ أنَّ التوكيدَ بعدَ "مَا" المذكورةِ قليلٌ بالنسبةِ إلى مَا تَقَدَّمَ، لا قليلٌ مُطْلَقًا، فإِنَّهُ كثيرٌ كمَا صرَّحَ بِهِ فِي غيرِ هَذَا الكتابِ، بَلْ ظاهرُ كلامِهِ اطِّرَادُهُ، وإنَّمَا كانَ كَثِيْرًا مِنْ قِبَلِ أنَّ "مَا" لمَّا لازَمَتْ هذِهِ المواضعَ أشبَهَتْ عندهُم لامَ القَسَمِ، فعامَلُوا الفعلَ بعدَ "مَا" مُعَامَلَتَهُ بعدَ اللامِ، نصَّ علَى ذلكَ سِيْبَوَيْهُ، كمَا حكَاهُ في (شَرْحِ الكَافِيَةِ).
الثانِي: كلامُهُ يَشْمَلُ "مَا" الواقعةَ بعدَ "رُبَّ" وصرَّحَ فِي (الكَافِيَةِ) بأنَّ التوكيدَ بعدَهَا شاذٌّ، وعَلَّلَ ذلكَ بِأَنَّ الفعلَ بعدَهَا مَاضِي المعنَى، ونَصَّ بعضُهُمْ عَلَى أنَّ إلحاقَ النونِ بعدَهَا ضرورةٌ، وظاهرُ كلامِهِ فِي (التَّسْهِيْلِ)، أنَّهُ لا يختصُ بالضرورةِ، وهو مَا يُشْعِرُ بهِ كلامُ سيبويهَ، فإنَّهُ حَكَى "رُبَّمَا يَقُوْلَنَّ ذَلِكَ" ومنْهُ قولُهُ [مِنَ المَدِيْدِ]:
رُبَّمَا أَوْفَيْتَ فِي عَلَمٍ = تَرْفَعَنْ ثَوْبِي شَمَالَاتُ
انْتَهَى.
(ولمْ) أيْ: وقَلَّ التوكيدُ بعدَ (لمْ) كقولِهِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
968- يَحْسَبُهُ الجَاهِلُ مَا لمْ يَعْلَمَا = شَيْخًا عَلَى كُرْسِيِّهِ مُعَمَّمَا
تنبيهٌ: نصَّ سيبويهُ علَى أنَّهُ ضرورةٌ، لأنَّ الفعلَ بَعْدَها مَاضِي المعنَى كالواقعِ بَعْدَ "رُبَّمَا" قالَ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ)، وهو بَعْدَ "رُبَّمَا" أَحْسَنُ.
(وبعدَ لَا) أيْ: وَقَلَّ التوكيدُ بعدَ "لَا" النافيةِ. قالَ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ): وقدْ يُؤَكَّدُ بإِحْدَى النونينِ المُضَارِعُ المَنْفِيُّ بـ "لَا" تشْبِيْهًا بالنَّهْيِّ، كقولِهِ تَعَالَى: {واتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيْبَنَّ الذينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} وقدْ زَعَمَ قومٌ أنَّ هَذَا نَهْيٌ،ـ وليسَ بصحيحٍ، ومثلُهُ قولُ الشَّاعِرِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
969- فَلَا الجَارَةُ الدُّنْيَا لَهَا تَلْحَيَنَّهَا = ولَا الضَّيْفُ فيها إنْ أَنَاخَ مُحَوَّلُ

إلَّا أنَّ توكيدَ "تُصِيْبَنَّ" أحسنُ لاتصالِهِ بـ "لا" فهو بذلكَ أشْبَهُ بالنهيِّ، كقولِهِ تَعَالَى: {لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ} بخلافِ قولِ الشَّاعِرِ فإنَّهُ غيرُ مُتَّصِلٍ بـ "لا" فَبَعُدَ شُبْهُهُ بالنهيِّ ومعَ ذلكَ فقدْ سَوَّغَتْ "لا" توكيدَهُ، وإنْ كانتْ منفصلةً، فتوكيدُ "تُصِيْبَنَّ" لاتصالِهِ أَحَقُّ وَأَوْلَى، هَذَا كلامُهُ بِحُرُوْفِهِ.
تنبيهانِ: الأَوَّلُ: مَا اخْتَارَهُ الناظمُ هو مَا اختارَهُ ابنُ جِنِّي، والجمهورُ عَلَى المَنْعِ ولهُمْ في الآيةِ تأويلاتٌ، فقيلَ: "لَا" نَاهِيَةٌ، والجملةُ مَحْكِيَّةٌ بقولٍ محذوفٍ هو صِفَةُ "فِتْنَةً" فتكونَ نظيرَ [مِنَ الرَّجَزِ]:

* جَاؤُوا بِمَذْقٍ هَلْ رَأَيْتَ الذِّنْبَ قَطْ *

وقيلَ "لا" ناهيةٌ، وَتَمَّ الكلامُ عندَ قولِهِ "فِتْنَةً" ثم ابْتَدَأَ نَهْيَ الظَّلَمَةِ عنِ التَّعَرُّضِ للظُّلْمِ ؛ فَتُصِيْبَهُم الفتنةُ خَاصَّةً، فَأَخْرَجَ النهيَّ عَنْ إِسْنَادِهِ للفتنةِ، فهو نَهْيٌ مُحَوَّلٌ، كمَا قَالُوا: "لَا أَرَيَنَّكَ هَهُنَا" وهذَا تخريجُ الزَّجَّاجِ والمُبَرِّدِ والفَرَّاءِ، وقالَ الأخْفَشُ الصغيرُ: "لَا تُصِيْبَنَّ" هو عَلَى معنَى الدعَاءِ، وقيلَ: جوابُ قَسَمٍ، والجملةُ مُوْجَبَةٌ، والأصلُ (لَتُصِيْبَنَّ) كقراءةِ ابنِ مَسْعُوْدٍ وغيرِهِ، ثُمَّ أُشْبِعَتِ اللامُ، وهو ضعيفٌ لأنَّ الإشباعَ بَابُهُ الشِّعْرُ، وقيلَ: جوابُ قَسَمٍ و"لا" نافيةٌ، ودخلتِ النونُ تَشْبِيهًا بالمُوْجَبِ كمَا دخلتْ فِي قولِهِ [مِنَ البَسِيْطِ]:
تَاللهِ لا يُحْمَدَنَّ المَرْءُ مُجْتَنِبًا = فِعْلَ الكِرَامِ ولوْ فَاقَ الوَرَى حَسَبَا
وقَالَ الفَرَّاءُ: الجملةُ جوابُ الأمْرِ، نحوَ قولكَ، "انْزِلْ عَنِ الدَّابَةِ لا تَطَرَحَنَّكَ" و"لا" نافيةٌ، ومِنْ مَنْعِ النونِ بعدَ لا النافيةِ منعُ "انْزِلْ عنِ الدابةِ لا تَطَرَحَنَّكَ".
الثانِي: إذَا قُلْنَا بِمَا رآهُ الناظمُ، فهلْ يُطَّرَدْ التوكيدُ بعدَ "لَا"؟ كلامُهُ يُشْعِرُ بالاطِّرَادِ مُطْلقًا، لكنْ نَصَّ غيرُهُ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ المفصولةِ ضرورةٌ.
638- وَغَيْرِ إمَّا مِنْ طَوَالِبِ الجَزَا = وآخِرَ المُؤَكَّدِ افْتَحْ كابْرُزَا
(وغيرِ إمَّا مِنْ طَوالِبِ الجَزَا) أيْ: وقلْ بعدَ غيرِ (إِمَّا) الشرطيةِ مِنْ طوالِبِ الجَزَاءِ، وذلكَ يشملُ "إنْ" المُجَرَّدَةِ عَنْ "مَا" وغيرِهَا، ويشملُ الشرطَ والجَزَاءَ، فَمِنْ توكيدِ الشرطِ بعْدَ غيرِ "إِمَّا" قوْلُهُ [مِنَ الكَامِلِ]:
970- مَنْ نَثْقَفَنْ مِنْهُمْ فليسَ بِآيِبٍ = أَبَدًا وقَتْلُ بَنِي قُتَيْبَةَ شَافِي
ومِنْ توكيدِ الجَزَاءِ قوْلُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
971- فَمَهْمَا تَشَأْ مِنْهُ فَزَارَةُ تُعْطِكُمْ = ومَهْمَا تَشَأْ مِنْهُ فَزَارَةُ تَمْنَعَا
وقَوُلُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
972- ثَبَتُّمْ ثَبَاتَ الخَيْزُرَانِيِّ فِي الوَغَى = حَدِيْثًا، مَتَى مَا يَأْتِكَ الخَيِّرُ يَنْفَعَا
تنبيهانِ: الأوَّلُ: مُقْتَضَى كَلَامِهِ أنَّ ذلكَ جائِزٌ في الاختيارِ، وَبِهِ صرَّحَ فِي (التَّسْهِيْلِ)، فَقَالَ: وقدْ تلْحَقُ جوابَ الشرطِ اخْتِيَارًا وذهَبَ غيرُهُ إلَى أنَّ دُخُوْلَهَا فِي غيرِ شَرْطِ "إمَّا" وجوابِ الشرطِ مُطْلقًا ضرورةٌ.
الثانِي: جَاءَ توكيدُ المضارِعِ فِي غيرِ مَا ذُكِرَ، وهو فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ، ولذلكَ لم يَتَعَرَّضْ لَهُ، ومنهُ قوْلُهُ [مِنَ الخَفِيْفِ]:
973- ليتَ شِعْرِي وَأَشْعُرَنَّ إِذَا مَا = قَرَّبُوْهَا مَنْشُوَرةً ودُعِيْتُ
وأَشَذُّ مِنْ هَذَا توكيدُ "أَفْعِلْ" فِي التَّعَجُّبِ، كقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
974- ومُسْتَبْدِلٍ مِنْ بَعْدِ غَضْبَي صُرَيْمَةً = فَأَحْرِ بِهِ مِنْ طُوْلِ فَقْرٍ وأَحْرِيَا
وهَذَا مِنْ تشبيْهِ لفظٍ بلفظٍ وإنِ اخْتَلَفَا معنًى، وأَشَذُّ مِنْ هَذَا قوْلُهُ [مِنَ الرَّجَزِ]:

أقَائِلُنَّ أحْضِرُوا الشُّهُودَا

(وآخِرَ المُؤَكَّدِ افْتَحْ) لمَّا عَرَفْتَ أوَّلَ الكتابِ أنَّهُ تُرَكَّبُ مَعَهَا ترْكِيْبَ "خَمْسَةَ عَشَرَ"، ولا فرقَ بينَ أنْ ْيكونَ صحيحًا "كابْرُزَا" إذا أصلُهُ "ابْرُزَنْ" بالنونِ الخفيفةِ، فأُبْدِلَتْ أَلِفًا فِي الوقفِ كَمَا سَيَأْتِي، و"اضْرَبَنَّ" أو مُعْتَلًا نحوَ: "اخْشَيَنَّ" و"ارْمِيَنَّ" و"اعْزُوَنَّ" أمرًا كَمَا مُثِّلَ، أو مُضَارِعًا نحوَ: "هَلْ تَبْرُزَنَّ" و"هلْ تَرْمِيَنَّ" هذِهِ لغةُ جميعِ العربِ سِوَى فَزَارةَ؛ فإنَّها تحذفُ آخِرَ الفعلِ إذَا كانَ ياءً تَلِي كسرةٍ، نحوَ: "تَرْمِي" فتقولُ: "هَلْ تَرْمِنَّ يَا زَيْدُ" ومنهُ قوْلُهُ [مِنَ البَسِيْطِ]:
975- لا تُتْبِعَنْ لَوْعَةً إِثْرِي وَلا هَلَعًا = وَلا تُقَاسِمَنَّ بَعْدِي الهَمَّ والجَزَعَا
هَذَا إِنْ كانَ الفعلُ مُسْنَدًا لغيرِ الأَلِفِ والواوِ والياءِ، فإنْ كانِ مُسْندًا إليهنَّ فحُكْمُهُ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقولِهِ.
639- واشْكُلْهُ قَبْلَ مُضْمَرٍ لَيْنٍ بِمَا = جَانَسَ مِنْ تَحَرُّكٍ قَدْ عُلِمَا
(واشْكُلْهُ قَبْلَ مُضْمَرٍ لَيْنٍ بِمَا * جَانَسَ) أيْ: بِمَا جَانَسَ ذَلكَ المُضْمَرَ (مِنْ تَحَرُّكٍ قَدْ عُلِمَا) فَيُجَانِسْ الألفُ الفتحَ، والواوُ الضمَّ، والياءُ الكسرَ
640- والمُضْمَرَ احْذِفَنَّهُ إلا الْأَلِفْ = وإِنْ يَكُنْ فِي آخِرِ الفِعْلِ أَلِفْ
(والمُضْمَرَ) المُسْنَدُ إليهِ الفعلُ (احْذِفَنَّهُ) لأجلِ التقاءِ السَّاكِنَيْنِ مُبْقِيًا حَرَكَتَهْ دَالَةً عليهِ (إلا الألفَ) أَبْقِهَا لخِفَّتِهَا، تقولُ: "يَا قَوُمِ هَلْ تَضْرِبُنَّ" بِضَمِّ الباءِ، و"يَا هندُ هَلْ تَضْرِبِنَّ" بكسرِهَا، فأصلُ "يَا قومِ هَلْ تَضْرِبُنَّ": "هَلْ تَصْرِبُونَنَّ" فَحُذِفَتْ نونُ الرفعِ لكثرةِ الأمثالِ فصارَ "تَضْرِبُونَّ" فَحُذِفَتِ الواوُ لالتقاءِ الساكنينِ، وأصلُ "يَا هِنْدُ هَلْ تَضْرِبِنَّ" "هَلْ تَضْرِبِيْنَنَّ" فُعِلَ بِهِ مَا ذُكِرَ، وتقولُ: "يَا زَيْدَانِ هَلْ تَضْرَبانِّ" فأصل "تَضْرَبانِّ": "تَضْرَبَانِنَّ"؛ فَحُذِفَتْ نونُ الرفعِ لمَا ذُكِرَ، ولمْ تُحْذَفِ الألفُ لخِفَّتِهَا ولئلا يُلْتَبَسَ بفعلِ الواحدِ، ولمْ تُحَرَّكْ لأنَّها لا تقبلُ الحركةَ، وكُسِرَتْ نونُ التوكيدِ بَعْدَهَا لشَبَهِهَا بنونِ التَّثْنِيَةِ فِي زيَادَتِهَا آخِرًا بعدَ أَلِفٍ.
هذَا كُلُّهُ إذَا كانَ الفعلُ صحيحًا، فإنْ كانَ مُعْتَلًا نَظَرْتَ، إنْ كانَ بالواوِ والياءِ فكالصحيحِ، تقولُ: "يَا قومِ هلْ تَغْزُنَّ، وهَلْ تَرْمُنَّ" بضمِّ مَا قبلَ النونِ، و"يَا هندُ هلْ تَعْزِنَّ وهَلْ تَرْمِنَّ" بكسرِهِ؛ فتَحْذِفَ معَ نونِ الرفعِ الواوَ والياءَ، وتقولَ: "هَلْ تَغْزُوانِّ وتَرْمِيَانِّ" فَتُبْقِى الألفَ.
فإنْ قُلْتَ: هذَا ليسَ كالصحيحِ، لأنَّهُ حُذِفَ آخِرُهُ، وَجُعِلَتْ الحركةُ المجانسةُ عَلَى مَا قَبْلَ الآخِرِ بخلافِ الصحيحِ.
قلتُ: حَذْفُ آخرِهِ إنَّمَا هو لإسنادِهِ إلى الواوِ والياءِ، لا لتوكيدِهِ، فهو مساوٍ للصحيحِ في التغييرِ الناشئِ عنِ التوكيدِ، ولذلكَ لمْ يَتَعَرّضْ لَهُ الناظمُ.
وإنْ كانَ بالألفِ فليسَ كالصحيحِ فيما ذُكِرَ، بَلْ لهُ حُكْمٌ آخَرُ أَشَارَ إليهِ بقولِهِ:
641- فاجْعَلْهُ منهُ رَافِعًا غيرَ اليَا = والواوِ ـ ياءً كاسْعَيَنَّ سَعْيَا
(وإنْ يَكُنْ فِي آخِرِ الفعلِ ألفْ فَاجْعَلْهُ) أيْ: الألفُ (منهُ) أيْ: مِنَ الفعلِ (رَافعًا) حالٌ مِنَ الفعلِ، أيْ: حالَ كونِ الفعلِ رافعًا (غيرَ الياءِ والواوِ) أيْ: بِأَنْ رَفَعَ الألفَ أو النونَ أو ضميرًا مُستترًا أو اسْمًا ظَاهِرًا (يَاء) مفعولٌ ثانٍ لاجْعَلْ، أي: اجْعَلْ الألفَ حينئذٍ ياءً، نحوَ: "هلْ تَخْشَيانِّ وتَرْضَيَانِّ يَا زَيْدَانِ" و"هل تَخْشَيْنَانِّ وتَرْضَيْنَانِّ" يَا نُسْوَةُ، و"يَا زَيْدُ هَلْ تَخْشَيَنَّ وتَرْضَيَنَّ" و"هَلْ يَخْشَيَنَّ ويَرْضَيَنَّ زَيْدٌ"، والأمرُ فِي ذلكَ كالمضارعِ (كاسْعَيَنَّ سَعْيًا) يَا زَيْدُ، وكَذَا بقيةُ الأمثلةِ.
تنبيهٌ: إنَّما وجَبَ جَعْلُ الألفِ ياءً لأنَّ كلامَهُ فِي الفعلِ المُؤَكَّدِ بالنونِ، وهو المضارعُ والأمرُ، ولا تكونُ الألفُ فيهما إلا مُنْقَلِبَةً عنْ يَاءٍ، غَيْرَ مُبْدَلَةٍ كـ (يَسْعَى) أوْ مُبْدَلَةٍ مِنْ يَاءٍ، والياءُ مُنْقَلِبَةٌ عنْ واوٍ كـ "يَرْضَى" لأنَّها مِنَ الرُّضْوَانِ
642- واحْذِفْهُ مِنْ رَافِعِ هَاتَيْنِ وفِي = واوٍ ويَا شَكْلٌ مُجَانِسٌ قُفِي
(واحْذِفْهُ) أيْ: الألفُ (مِنْ رافِعِ هَاتينِ) أيْ: الياءُ والواوُ، وتبقَى الفتحةُ قبلهُمَا دلَيِلًا عَليه (وفي واوٍ ويَا شَكْلٌ مُجَانِسٌ قُفِي) أيْ: تَبَعٌ، يعنِي أنَّ الواوَ بعدِ حذفِ الألفِ تُضَمُّ، والياءُ تُكْسَرُ وإنَّمَا احْتِيْجَ إلَى تَحْرِيْكِهِمَا ولمْ يُحْذَفَا لأنَّ قبلهُمَا حَرَكَةٌ غيرُ مُجَانِسَةٍ، أعنِي فتحةَ الألفِ المحذوفةِ، فلو حُذِفَا لمْ يَبْقَ مَا يَدْلُّ عليهِمَا.
643- نحوَ: "اخْشَيِنَّ يَا هِنْدُ" بالكسرِ، و"يَا = قومِ اخْشَوُنَّ" واضْمُمْ وقِسْ مُسْوِّيَا
(نحوَ: اخْشَيِنَّ يَا هِنْدُ) و(هَلْ تَرْضَيِنَّ يَا هِنْدُ" (بالكسرِ ويَا قومِ اخْشَوُنَّ) و"هَلْ تَرْضَوُنَّ" (واضْمُمْ) الواوَ (وقِسْ) علَى ذلكَ (مُسَوِّيًا).
تنبيهانِ: الأوَّلُ: أجازَ الكوفيونَ حذفَ الياءِ المفتوحُ مَا قَبْلَهَا، نحوَ: "اخْشَيِنَّ يَا هِنْدُ" فتقولُ: "اخْشَينَّ" وحَكَى الفَرَّاءُ أنَّها لغةُ طَيِّئ.
الثانِي: فَرَضَ المُصْنِّفُ الكلامَ على الضميرِ، وحُكْمُ الألفِ والواوِ اللذينِ همَا علامةٌ ـ أيْ: بأنْ أَسْنَدَ الفعلَ إلى الظاهرِ علَى لُغَةِ "أَكَلُوْنِي البَرَاغِيْثُ" كَحُكْمِ الضَّمِيْرِ وهَذَا واضحٌ.
644- ولمْ تَقَعْ خَفيفةً بعدَ الألفِ = لكنْ شديدةٌ وكسرُهَا أُلِفْ
(ولمْ تَقَعْ) أيْ: النونُ (خفيفةً بعدَ الألفِ) أيْ: سواءٌ كانتْ الألفُ اسْمًا، بأنْ كانَ الفعلُ مُسْنَدًا إليهَا، أو حَرْفًا بأنْ كانَ الفعلُ مسندًا إلَى ظاهرٍ علَى لغةِ "أَكَلُونِي البَرَاغِيْثُ"، أو كانتْ التاليةَ لنونِ جماعةِ النِّسَاءِ، وفاقًا لسِيْبَوَيْهَ والبصريينَ سِوَى يُوْنُسَ، وخلافًا ليونسَ والكوفيينَ لأَنَّ فيهِ التقاءُ الساكنينِ عَلَى غيرِ حَدِّهِ (لكنْ) تقَعُ (+ شَدِيْدَةٌ، وَكَسْرُهَا) لالتقاءِ الساكنينِ (أُلِفْ) لأنَّهُ عَلَى حَدِّهِ، إذِ الأوَّلُ حرفُ لِيْنٍ والثانِي مُدَّغَمٌ، ويُعَضِّدُ مَا ذَهَبَ إليهِ يُوْنُسُ والكوفيونَ قراءةُ بعضِهِمْ (فَدَمِّرَانِهِمْ تَدْمِيْرًا) حَكَاهُ ابنُ جِنِّي، ويُمْكِنُ أنْ يكونَ مِنْ هَذَا قراءةُ ابنِ ذَكَوَانِ (وَلا تَتَّبِعَانِ سَبِيْلَ الذِي لا يعلمونَ).
تنبيهانِ: الأوَّلُ: ذَكَرَ الناظمُ أنَّ مَنْ أجَازَ الخفيفةَ بعدَ الألفِ يَكْسَرُها، وحَمَلَ عَلَى ذَلِكَ القراءتينِ المذكورتينِ، وظاهرُ كلامِ سيبويهَ، وبِهِ صَرَّحَ الفَارِسِيُّ فِي الحُجَّةِ ـ أنَّ يُوْنُسَ يُبقِي النونَ ساكنةً، ونَظَرَ ذلكَ بقراءةِ نافعٍ (وَمَحْيَايْ).
الثانِي: هَلْ يجوزُ لِحَاقُ الخفيفةِ بعدَ الألفِ إذَا كانَ بعدَهَا مَا تُدْغَمُ فيهِ، عَلَى مَذْهَبِ البصريينَ، نحوُ: اضْرِبَانِّ نُعْمَانَ؟ قالَ الشيخُ أبو حَيَّانَ: نصَّ بعضُهُم عَلَى المنعِ، ويمكنُ أنْ يُقَالَ: يجُوْزُ، وقد صرَّحَ سيبويهُ بِمَنْعِ ذلكَ.
645- وَأَلِفًا زِدْ قَبْلَهَا مُؤَكِّدًا = فِعْلًا إلى نونِ الإِنَاثِ أُسْنِدَا
(وأَلِفًا زِدْ قَبْلَهَا) أيْ: زِدْ قبلَ نونِ التوكيدِ (مُؤَكِّدًا * فِعْلًا إلى نونِ الإنِاثِ أُسْنِدا) لئِلَّا تَتَوَالَى الأمْثَالُ، فتقولُ: هلْ تَضْرِبْنَانِّ يَا نِسْوَةُ بنونٍ مشدَّدَةٍ مكسورةٍ، وفِي جوازِ الخفيفةِ الخلافُ السابقُ كمَا تَقَدَّمَ، ولا يجوزُ تركُ الألفِ، فلا تقولُ: هلْ تَضْرِبْنَنَّ يَا نِسْوَةُ.
646- واحْذِفْ خفيفةً لِسَاكِنٍ رَدِفْ = وبَعْدَ غيرِ فتحةٍ إذَا تَقِفْ
(واحْذِفْ خفيفةً لسَاكِنٍ رَدِفْ) أيْ: تُحْذَفُ النونُ الخفيفةُ، وَهِي مُرَادَةٌ لأمرينِ:
الأوَّلِ: أنْ يَلِيَهَا ساكنٌ، نحوَ: اضْرِبْ الرَّجُلَ، تُرِيْدُ اضْرِبَنْ ومنهُ قولُهُ [مِنَ الخَفِيْفِ]:
976- لَا تُهِيْنَ الفقيرَ عَلَّكَ أنْ = تَرْكَعَ يَوْمًا، والدَّهْرُ قدْ رَفَعَهْ
لأنَّهَا لمَّا لمْ تَصْلُحْ للحركةِ عُوْمِلَتْ مُعَامَلَةَ حرفِ المَدِّ، فحُذِفَتْ لالتقاءِ الساكنينِ، وإذَا وَلِيَهَا ساكنٌ، وَهِي بَعْدَ ألفٍ عَلَى مذهبِ المُجِيْزِ، فقَالَ يُوْنِسُ: إنَّهَا تُبْدَلُ همزةً وتُفْتَحُ، فتقولُ: "اضْرِبَاءَ الغلامَ" و"اضْرِبْنَاءَ الغلامَ" قَالَ سِيْبَوَيْهُ، وهَذَا لمْ تَقُلْهُ العربُ، والقياسُ "اضْرِبِ الغلامَ" و"اضْرِبْنَ الغلامَ"، يعنِي بحذفِ الألفِ والنونِ.
والثانِي: أنْ يُوْقَفَ عليْهَا تَالِيَةً ضمةً أو كسرةً، وإلى ذلكَ أشارَ بقولِهِ (وَبَعْدَ غيرِ فتحةٍ إذَا تَقِفْ) فتقولُ: "يَا هَؤُلاءِ اخْرُجُوا"، و"يَا هَذِهِ اخْرُجِي"، تريدُ: اخْرُجُنْ واخْرُجِنْ أمَّا إذَا وقعتْ بعدَ فتحةٍ فسيأتِي
647- وَارْدُدْ إذَا حَذَفْتَهَا فِي الوقفِ مَا = مِنْ أَجْلِهَا فِي الوصْلِ كانَ عُدِمَا
(وارْدُدْ إذَا حَذَفْتَهَا فِي الوقفِ مَا) أيْ: الذِي (مِنْ أَجْلِهَا فِي الوصلِ كانَ عُدِمَا) فتقولُ فِي "اضْرِبُنْ يَا قَوْم"، و"اضْرِبنْ يَا هِنْدُ" إذا وَقَفْتَ عليهِمَا: اضْرِبُوا، واضْرِبِي بِرَدِّ واوِ الضميرِ ويَائِهِ كَمَا مَرَّ، وتقولُ فِي "هَلْ تَضْرِبُنْ" و"هَلْ تَضْرِبِنْ" إذَا وقَفْتَ عليهِمَا: "هَلْ تَضْربُونْ" و"هَلْ تَضْرِبِيْنْ" بِرَدِّ الواوِ والياءِ ونونِ الرفعِ لزوالِ سببِ الحَذْفِ.
648- وَأَبْدِلَنْهَا بَعْدَ فَتْحٍ أَلِفَا = وَقْفًا، كَمَا تَقَولُ فِي قِفَنْ قِفَا
(وأَبْدِلَنْهَا بَعْدَ فَتْحٍ أَلِفَا * وَقْفًا) أيْ: واقفًا ويُحْتَملُ أنْ يكونَ مفعولًا لهُ، أيْ: لأجلِ الوقفِ، وذلكَ لشَبَهِهَا بالتنوينِ (كَمَا تقولُ فِي قِفَنْ قِفَا) ومنْهُ (لَنَسْفَعَا)، و(لَيَكُونَا)، وقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
977- فَإِيَّاكَ والمَيْتَاتِ لَا تَقْرَبَنَّهَا = ولا تَعْبِدِ الشَّيْطَانَ واللهَ فَاعْبُدَا
وقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
فَمَنْ يَكُ لمْ يَثْأَرْ بِأَعْرَاضِ قَوْمِهِ = فَإِنِّي وَرِبِّ الرَّاقِصَاتِ لَأَثْأَرَا
ونَدُرَ حَذْفُهَا لغيرِ سَاكِنٍ ولا وَقْفَ، كقولِهِ [مِنَ المُنْسَرِحِ]:
978- اضْرِبْ عَنْكَ الهُمُوْمَ طَارِقَهَا = ضَرْبَكَ بالسَّوْطِ قَوْنَسَ الفَرَسِ
وقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
979- خِلَافًا لِقَوْلِي مِنْ فَيَالَةِ رَأْيِهِ = كَمَا قِيْلَ قَبْلَ اليومِ خَالِفَ تُذْكَرَا
وحُمِلَ عَلَى ذَلكَ قِرَاءةُ مَنْ قَرَأَ (ألمْ نَشْرَحَ لكَ صَدْرَكَ).
خاتمةٌ: أجَازَ يُوْنُسُ للواقفِ إبدالَ الخفيفةِ ياءً أو واوًا فِي نحوِ: "اخْشَيِنْ" و"اخْشَوُنْ" فتقول: "اخْشَيَني" و"اخْشَوْوا"، وَغَيْرُهُ يَقُوْلُهُ: "اخْشِي" و"اخْشِوا" وقدْ نَقَلَ عنهُ إبدَالَها واوًا بعدَ ضمةٍ وياءٍ بعدَ كسرةٍ مطلقًا، وكلامُ سِيْبَوَيْهَ يدلُّ عَلَى أنَّ يُوْنُسَ إنما قَالَ بذلكَ فِي المُعْتَلِّ، فإنَّهُ قَالَ: وأمَّا يونسُ فيقولُ: "اخْشَُوا"، و"اخْشِيي" يزيدُ الواوَ والياءَ بَدَلًا مِنَ النونِ الخفيفةِ مِنْ أجْلِ الضمةِ والكسرةِ، وهو ما نَقَلَهُ الناظمُ في (التَّسْهِيْلِ)، وإذَا وُقِفَ عَلَى المؤكَّدِ بالخفيفةِ بعدَ الألفِ عَلَى مذهبِ يونسَ والكوفيينَ أُبْدِلَتْ أَلِفًا، نصَّ عَلَى ذلكَ سِيْبَوَيْهُ ومَنْ وَافَقَهُ، ثم قيلَ: يَجْمَعُ بينَ الألفينِ بمقدارِهِمَا، وقيلَ: بَلْ ينبغِي أنْ تُحْذَفَ إحداهُمَا ويُقَدَّرُ بقاءُ المُبْدَلَةِ مِنَ النونِ، وحَذْفُ الأُوْلَى.
وفي الغُرَّةِ: إذَا وقَفْتَ عَلَى "اضْرِبَانِّ" عَلَى مذهبِ يونسَ زِدْتَ ألفًا عِوَضَ النونِ، فاجتمعَ ألفانِ، فهَمَزْتَ الثانيةَ فَقُلْتَ: "اضْرِبَاءْ" اهـ، وقياسه في "اضْرِبْنَان"، "اضْرِبْنَاءْ" واللهُ أعْلَمُ.

  #5  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 05:48 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


نُونا التَّوْكِيدِ

ما يُؤَكَّدُ مِن الأفعالِ وَشُرُوطُ التوكيدِ
635- لِلْفِعْلِ تَوْكِيدٌ بِنُونَيْنِ هُمَا = كَنُونَيِ اذْهَبَنَّ وَاقْصِدَنْهُمَا
636- يُؤَكِّدَانِ افْعَلْ وَيَفْعَلْ آتِيَا = ذَا طَلَبٍ أوْ شَرْطاً امَّا تَالِيَا
637- أوْ مُثْبَتاً فِي قَسَمٍ مُسْتَقْبَلا = وَقَلَّ بَعْدَ مَا وَلَمْ وَبَعْدَ لا
638- وَغَيْرِ إمَّا مِنْ طَوَالِبِ الْجِزَا = وَآخِرَ الْمُؤَكَّدِ افْتَحْ كَابْرُزَا
لتوكيدِ الفعْلِ نُونَانِ:
1- ثَقِيلَةٌ مُشَدَّدَةٌ، مَبنيَّةٌ على الفتْحِ.
2- خفيفةٌ سَاكِنَةٌ، مَبْنِيَّةٌ على السُّكُونِ.
ويُؤَكَّدُ بهما الأمْرُ مُطْلَقاً مِنْ غيرِ شَرْطٍ، ولا يُؤَكَّدُ بهما الماضي، وأمَّا المُضَارِعُ ففيهِ تفصيلٌ كما سيأتي إنْ شاءَ اللَّهُ.
أثَرُ النُّونِ على الفعْلِ
ولَهُمَا على الفِعْلِ أَثَرَانِ: لَفْظِيٌّ، ومَعنويٌّ.
1- أمَّا الْمَعنويُّ، فهوَ تخليصُ المضارِعِ للمستقبَلِ، وتقويَةُ الاستقبالِ في فعْلِ الأمرِ، إضافةً إلى إفادةِ التوكيدِ. والمشدَّدَةُ أبْلَغُ في التوكيدِ؛ لأنَّ زيادةَ الْمَبْنَى تَدُلُّ على زيادةِ المعنى غالباً.
2- أمَّا اللَّفْظِيُّ، فهوَ أنَّ المُضَارِعَ والأمرَ يُبْنَيَانِ على الفتْحِ بشَرْطِ أن تَتَّصِلَ بِهِمَا اتِّصالاً مُباشِراً، كما تَقَدَّمَ في أوَّلِ الكتابِ [بَابُ المُعْرَبِ والْمَبْنِيِّ]. فمِثالُ المضارِعِ: لأَنْصُرَنَّ المظلومَ، لا تَرْغَبَنَّ فيمَنْ زَهِدَ عنكَ. فـ(اللامُ): واقعةٌ في جوابِ قَسَمٍ مُقَدَّرٍ، و(أَنْصُرَ): فعْلٌ مضارِعٌ مَبنيٌّ على الفتْحِ، والنونُ للتوكيدِ، والفاعِلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ وُجوباً تقديرُهُ، (أَنَا). و(لا): ناهيَةٌ، (تَرْغَبَ): فعْلٌ مضارِعٌ مَبنيٌّ على الفتْحِ في مَحَلِّ جَزْمٍ. ومثالُ الأمْرِ: اشْكُرَنَّ مَنْ أحْسَنَ إليكَ. فـ(اشْكُرْ): فعْلُ أمْرٍ مَبنيٌّ على الفتْحِ، والنونُ للتوكيدِ، والفاعلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ.
وتوكيدُ المضارِعِ قدْ يكونُ واجِباً، وقدْ يكونُ مُمْتَنِعاً، وقدْ يكونُ جائزاً بكَثْرَةٍ أوْ بقِلَّةٍ.
1- التَّوْكِيدُ الواجبُ
فالحالةُ الأُولَى: أنْ يكونَ توكيدُهُ واجباً، وذلكَ إذا وَقَعَ جواباً لقسَمٍ، واستوفَى ثلاثةَ شُروطٍ:
1- أنْ يكونَ مُتَّصِلاً بـ(لامِ) القسَمِ.
2- أنْ يكونَ مُسْتَقْبَلاً.
3- أنْ يكونَ مُثْبَتاً.
نحوُ: واللَّهِ لأَبْذُلَنَّ النصيحةَ. قالَ تعالى: {وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ}.
2- التوكيدُ المُمْتَنِعُ
الحالةُ الثانيَةُ: أنْ يكونَ توكيدُهُ مُمْتَنِعاً، وذلكَ في مَوْضِعَيْنِ:
الأوَّلُ: إذا كانَ جَواباً لقَسَمٍ ولم يَسْتَوْفِ شُروطَ وُجوبِ التوكيدِ، فيَمتنِعُ توكيدُهُ إذا فَصَلَ بينَ الفعْلِ ولامِ القَسَمِ فاصِلٌ؛ نحوُ: واللَّهِ لَسَوْفَ أبْذُلُ النصيحةَ. قالَ تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}. أوْ كَانَ الفِعْلُ للحالِ وليسَ للاستقبالِ؛ نحوُ: وَرَبِّي لأَقُومُ بوَاجِبِي الآنَ. أوْ كانَ الفعْلُ مَنْفِيًّا؛ نحوُ: ورَبِّ الكَعْبَةِ لا أنْصُرُكَ إن اعتَدَيْتَ. قالَ تعالى: {تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ}؛ لأنَّ التقديرَ: لا تَفْتَأُ، فحُذِفَ حرْفُ النفيِ.
الموضِعُ الثاني الذي يَمتنِعُ فيهِ توكيدُهُ: إذا لم يُسْبَقْ بما يَجْعَلُ تَوْكِيدَهُ جائزاً.
3- التوكيدُ الجائزُ بِكَثْرَةٍ
الحالةُ الثالثةُ: أنْ يكونَ تَوكيدُهُ جائزاً بكثرةٍ، وذلكَ إذا كانَ مَسبوقاً بـ(إن) الشرطيَّةِ الْمُدْغَمَةِ في (مَا) الزائدةِ للتوكيدِ، أوْ مَسبوقاً بأداةِ طلَبٍ تُفيدُ الأمْرَ أو النهيَ أو الاستفهامَ أوْ غيرَها.
فمِثالُ المضارِعِ المسبوقِ بـ(إمَّا): إمَّا تفْعَلَنَّ الخيرَ تَنَلْ جَزاءَهُ، والأصْلُ: إنْ تَفْعَلْ، زِيدَتْ (مَا) على (إن) الشرطيَّةِ وأُدْغِمَتْ فيها. قالَ تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ}. فـ(الواوُ): استئنافيَّةٌ، وَ(إِمَّا): إنْ: حَرْفُ شرْطٍ جازِمٌ، و(مَا): صِلَةٌ للتوكيدِ، (تَخَافَنَّ): فعْلٌ مضارِعٌ مَبنيٌّ على الفتْحِ في مَحَلِّ جَزْمٍ فعْلِ الشرْطِ، والنونُ للتوكيدِ، والفاعِلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ وُجوباً تقديرُهُ: (أنتَ)، وجملةُ (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ) جوابُ الشرْطِ في مَحَلِّ جَزْمٍ.
ومِثالُ المسبوقِ بأداةٍ تُفيدُ الأمرَ: لِتَرْحَمَنَّ المسكينَ، أوْ: لِتَرْحَمْ. والنهيَ؛ نحوُ: لا تُؤَخِّرَنَّ فعلَ الخيرِ إلى غَدٍ، أوْ: لا تُؤَخِّرْ. قالَ تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الَّظالِمُونَ}. فـ (لا): ناهيَةٌ، وَ(تَحْسَبَنَّ): فعْلٌ مضارِعٌ مَبنيٌّ على الفتْحِ في مَحَلِّ جَزْمٍ، والنونُ للتوكيدِ، والفاعلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ. والاستفهامَ؛ نَحوُ: هلْ تَصِلَنَّ رَحِمَكَ؟ أوْ: هلْ تَصِلُ...؟
التوكيدُ الجائزُ بقِلَّةٍ
الحالةُ الرابعةُ: أنْ يكونَ توكيدُهُ جائزاً بقِلَّةٍ، وذلكَ إذا وَقَعَ المضارِعُ بعدَ (مَا) الزائدةِ التي لم تُدْغَمْ في (إن) الشرطيَّةِ؛ كقولِ العَرَبِ: (بِعَيْنٍ مَا أَرَيَنَّكَ). فـ(مَا): زائدةٌ للتوكيدِ، وَ(أَرَيَنَّ): مضارِعٌ مَبنيٌّ على الفتْحِ، والنونُ للتوكيدِ، والكافُ: مفعولٌ بهِ.
وكذا يَقِلُّ التوكيدُ إذا وَقَعَ المضارِعُ بعدَ (لَمْ)؛ نحوُ: مَنْ مَرَّتْ بهِ مَوَاسِمُ الطاعةِ ولم يَسْتَغِلَّنَّهَا فهوَ مَحرومٌ. أوْ بعدَ (لا) النافيَةِ؛ نحوُ: بادِرْ بالعمَلِ زَمَنَ الشبابِ لا يَفُوتَنَّكَ. ومنهُ قولُهُ تعالى: {لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ}. أوْ بعدَ أداةِ شَرْطٍ غيرِ (إن) الْمُدْغَمَةِ في (مَا)؛ نحوُ: مَنْ يَصِلَنَّ رَحِمَهُ يَسْعَدْ.
وإلى ما تَقَدَّمَ أشارَ بقولِهِ: (للفعلِ توكيدٌ بنُونَيْنِ.. إلخ)؛ أيْ: أنَّ الفعْلَ يُؤَكَّدُ بأحَدِ النُّونَيْنِ؛ إحَدَاهُما: مُشَدَّدَةٌ؛ نَحْوُ: (اذْهَبَنَّ)، والثانيَةُ: مُخَفَّفَةٌ؛ نحوُ: (اقْصِدَنَّهُمَا). وأفادَ بقولِهِ: (لِلْفِعْلِ)، أنَّهُ لا يُؤَكَّدُ بِهِمَا غيرُهُ. ثمَّ قالَ: (يُؤَكِّدَانِ افْعَلْ)؛ أيْ: فِعْلَ الأمرِ مُطْلَقاً بلا شرْطٍ، (ويَفْعَلْ)؛ أي: المضارِعَ. وفُهِمَ منهُ أنَّ الماضيَ لا يُؤَكَّدُ. وقولُهُ: (آتِياً)، حالٌ مِنْ ضميرِ (يَفْعَلْ).
وقدْ يُستفادُ منهُ شَرْطُ الاستقبالِ، فإنْ أُريدَ بهِ الحالُ لم يُؤَكَّدْ. (ذَا طلَبٍ): وهذا يَشْمَلُ المُضَارِعَ المقرونَ بلامِ الأمْرِ ولا الناهيَةِ وغيْرِهِما.
(أَوْ شَرْطاً امَّا تَالِيَا)؛ أيْ: أَوْ آتِياً شَرْطاً تالياً (إمَّا). (أَوْ) آتِياً (مُثْبَتاً فِي) جوابِ (قَسَمٍ مُسْتَقْبَلا). ولم يَذْكُرْ شَرْطَ الاتِّصالِ باللامِ.
(وقَلَّ) التوكيدُ (بعدَ مَا وَلَمْ) وبعدَ (لا) وبعدَ (غَيْرِ إِمَّا) الشرطيَّةِ (مِنْ طَوَالِبِ الْجَزَا)؛ أيْ: قَلَّ التوكيدُ بعدَ باقِي الأدواتِ الشرطيَّةِ التي تَطْلُبُ جزاءً. ثمَّ بَيَّنَ أنَّ آخِرَ الفعْلِ المُؤَكَّدِ يُبنَى على الفتْحِ (كابْرُزَا)، وأصْلُهُ: (ابْرُزَنْ) بنونِ التوكيدِ الخفيفةِ الْمُنْقَلِبَةِ ألِفاً لأَجْلِ الوقْفِ كما سيأتي إنْ شاءَ اللَّهُ.

طريقةُ توكيدِ الأفعالِ بالنونِ
639- وَاشْكُلْهُ قَبْلَ مُضْمَرٍ لَيْنٍ بِمَا = جَانَسَ مِنْ تَحَرُّكٍ قَدْ عُلِمَا
640- والْمُضْمَرَ احْذِفَنَّهُ إلاَّ الأَلِفْ = وَإنْ يَكُنْ فِي آخِرِ الْفِعْلِ أَلِفْ
641- فَاجْعَلْهُ مِنْهُ رَافِعاً غَيْرَ الْيَا = = وَالْوَاوِ يَاءً كَاسْعَيَنَّ سَعْيَا
642- وَاحْذِفْهُ مِنْ رَافِعِ هَاتَيْنِ وَفِي = وَاوٍ وَيَا شَكْلٌ مُجَانِسٌ قُفِي
643- نَحْوُ اخْشَيِنْ يَا هِنْدُ بِالْكسْرِ وَيَا = قَوْمُ اخْشَوُنْ وَاضْمُمْ وَقِسْ مُسَوِّيَا
إذا أُريدَ توكيدُ الفِعْلِ فلا يَخْلُو ممَّا يأتي:
1- أنْ يكونَ مُسْنَداً للواحِدِ. فإنْ كانَ صحيحاً بُنِيَ آخِرُهُ على الفتْحِ، فتقولُ في (أنتَ تَصْبِرُ): لَتَصْبِرَنَّ. وإنْ كانَ مُعْتَلاًّ بالواوِ أو الياءِ فكذلكَ، فتقولُ في (أنتَ تَدْعُو): لَتَدْعُوَنَّ، وفي (أنتَ تَقْضِي): لَتَقْضِيَنَّ. وإنْ كانَ معْتَلاًّ بالألِفِ قُلِبَتْ ياءً؛ لِتَقْبَلَ الفتحةَ، فتقولُ في (أَنْتَ تَرْضَى): لَتَرْضَيَنَّ.
2- أنْ يكونَ الفعْلُ مُسْنَداً إلى ألِفِ الاثنينِ. فإنْ كانَ صَحيحاً حُذِفَتْ نونُ الرفْعِ وأُتِيَ بنونِ التوكيدِ الثقيلةِ مَكسورةً، وحُرِّكَ ما قبلَ الألِفِ بالفتْحِ، فتقولُ في (أَنْتُمَا تَصْبِرَانِ): لَتَصْبِرَانِّ. وإنْ كانَ مُعْتَلاًّ بالواوِ أو الياءِ بَقِيَا وتَحَرَكَّا بالفتحةِ؛ لمناسَبَةِ الألِفِ، فتقولُ في (أَنْتُمَا تَدْعُوَانِ وَتَقْضِيَانِ): لَتَدْعُوَانِّ وَلَتَقْضِيَانِّ. وإنْ كانَ مُعتلاًّ بالألِفِ قُلِبَتْ ياءً مفتوحةً، فتقولُ في (أنتَ تَرْضَى): أَنْتُمَا تَرْضَيَانِ، وبعدَ توكيدِهِ: لَتَرْضَيَانِّ.
3- أنْ يكونَ مُسْنَداً إلى واوِ الجماعةِ أوْ ياءِ المخاطَبَةِ. فإنْ كانَ صحيحاً حُذِفَتْ نُونُ الرفْعِ وواوُ الجماعةِ، وحُرِّكَ ما قَبْلَها بالضَّمِّ، وحُذِفَتْ ياءُ المخاطَبَةِ وحُرِّكَ ما قَبْلَها بالكسْرِ، فتقولُ في (أنتم تَصْبِرُونَ): لَتَصْبِرُنَّ، والأصْلُ: تَصْبِرُونَنَّ. وتقولُ في (أنتِ تَصبِرِينَ): لَتَصْبِرِنَّ، والأصْلُ: تَصْبِرِينَنَّ.
وإنْ كانَ معْتَلاًّ بالألِفِ حُذفت الألِفُ وأُبْقِيَت الفتحةُ التي كانت قَبْلَها وأُبْقِيَتْ واوُ الجماعةِ مَضمومةً، وياءُ المخاطَبَةِ مَكسورةً، فتقولُ في (أَنْتُمْ تَرْضَوْنَ): لَتَرْضَوُنَّ. وفي: أَنْتِ تَرْضِينَ: لَتَرْضَيِنَّ.
وإنْ كانَ مُعْتَلاًّ بالواوِ أو الياءِ حُذِفَا معَ نونِ الرفْعِ ووَاوِ الجماعةِ وياءِ المخاطَبَةِ، وحُرِّكَ ما قَبْلَ الواوِ بالضمِّ، وما قَبْلَ الياءِ بالكسْرِ، فتقولُ في (أنتمَ تَدْعُونَ): لَتَدْعُنَّ، والأصْلُ: تَدْعُوونُنَّ. وتقولُ فِي (أنتِ تَدْعِينَ): لَتَدْعِنَّ، والأصْلُ: تَدْعُوِينَنَّ. وتقولُ في (أنتم تَقْضُونَ): لَتَقْضُنَّ، والأصْلُ: تَقْضِيُونَنَّ. وتَقُولُ في (أنتِ تَقْضِينَ): لَتَقْضِنَّ، والأصْلُ: تَقْضِيِينَنَّ.
4- أنْ يكونَ مُسْنَداً لنونِ الإناثِ، فيُبْنَى آخِرُ الفعْلِ على السكونِ، ويُؤْتَى بنونِ التوكيدِ الثقيلةِ مكسورةً، ويُزادُ ألِفٌ فارِقَةٌ بينَ نونِ الإناثِ ونونِ التوكيدِ، سَوَاءٌ كانَ الفعْلُ صَحيحاً؛ نحوُ: لَتَصْبِرْنَانِّ. أوْ مُعْتَلاًّ بالواوِ أو الياءِ؛ نحوُ: لَتَدْعُونَانِّ، وَلَتَقْضِينَانَّ. فإنْ كانَ مُعْتَلاً بالألِفِ قُلِبَتْ ياءً؛ نحوُ: لَتَرْضَيْنَانِّ.
وفي طَرِيقَةِ توكيدِ الفعْلِ يقولُ ابنُ مالِكٍ في آخِرِ البيتِ السابقِ: (وآخِرَ المُؤَكَّدِ افْتَحْ كَابْرُزَا). وهذهِ قاعدةٌ عامَّةٌ، وهيَ أنَّ آخِرَ الفعْلِ المُؤَكَّدِ يُبْنَى على الفتْحِ. ويَدْخُلُ في ذلكَ الفعْلُ المسنَدُ للواحدِ كما تَقَدَّمَ.
ثمَّ ذَكَرَ ما يُستثنَى مِنْ هذهِ القاعدةِ، وهوَ المسنَدُ إلى ألِفِ الاثنينِ أوْ واوِ الجماعةِ أوْ ياءِ المخاطَبَةِ، فقالَ: (واشْكُلْهُ)؛ أيْ: واشْكُلْ آخِرَ الفعْلِ المؤكَّدِ حالةَ كونِ الآخِرِ (قبلَ مُضْمَرٍ لَيْنٍ)؛ أيْ: ضميرٍ ذي لِينٍ، والمرادُ الألِفُ والواوُ والياءُ، (بِمَا جَانَسَ)؛ أيْ: ذلكَ المضمَرَ، (مِنْ تَحَرُّكٍ قدْ عُلِمَا)؛ أيْ: مِنْ مُتَحَرِّكٍ قدْ عُلِمَ، فَتُجانِسُ الألِفُ الفتحةَ، والواوُ الضمَّةَ، والياءُ الكسرةَ.
(والْمُضْمَرُ)؛ أي: الضميرُ المسنَدُ إليهِ الفعْلُ، وهوَ واوُ الجماعةِ وياءُ المخاطَبَةِ وألِفُ الاثنينِ، (احْذِفَنَّهُ)؛ لالتقاءِ الساكنينِ، (إلاَّ الألِفْ)؛ أيْ: ألِفَ الاثنينِ، أَبْقِهَا فلا تَحْذِفْها؛ لِخِفَّتِها، أوْ لِئَلاَّ يَلْتَبِسَ المفرَدُ بالمثنَّى. وهذا كلُّهُ في الفعْلِ إذا كانَ صحيحَ الآخِرِ. ويَدخُلُ فيهِ المعتَلُّ بالواوِ والياءِ.
فإنْ كانَ الفعْلُ مُعْتَلاًّ بالألِفِ، فقدْ بَيَّنَهُ بقولِهِ: (وَإِنْ يَكُنْ في آخِرِ الفِعْلِ أَلِفْ) كيَرْضَى (فاجْعَلْهُ منْهُ)؛ أي: اجْعَل الألِفَ مِن الفعْلِ. (رَافِعاً): حَالٌ مِن الفعْلِ؛ أيْ: حالَ كونِ الفعْلِ رافعاً (غيرَ الياءِ والواوِ)؛ أيْ: رافعاً غيرَ ياءِ المخاطَبَةِ وواوِ الجماعةِ، بأنْ رَفَعَ الاسمَ الظاهِرَ أوالضميرَ المستَتِرَ أوْ ألِفَ الاثنينِ أوْ نونَ الإناثِ؛ نحوُ: هلْ يَرْضَيَنَّ الصَّدِيقُ، أتَرْضَيَنَّ يا أخِي، أَتَرْضَيَانِّ يا أَخَوَيَّ، هلْ تَرْضَيْنَانِّ يا أَخَوَاتِي؟ وقولُهُ: (ياءً)، مفعولٌ ثانٍ لـ(اجْعَلْ)، والمعنى: اجْعَل الألِفَ الذي في آخِرِ الفعْلِ ياءً إذا كانَ الفعْلُ رَافِعاً غيرَ واوِ الجماعةِ وياءِ المخاطَبَةِ ممَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وقولُهُ: (كاسْعَيَنَّ سَعْيَا)، مثالٌ للأمْرِ المُسْنَدِ للمخاطَبِ الواحدِ.
فإنْ كانَ الفعْلُ رافعاً واوَ الجماعةِ أوْ ياءَ المُخَاطَبَةِ فقدْ بَيَّنَهُ بقولِهِ: (وَاحْذِفْهُ)؛ أي: الألِفَ، (مِنْ رافِعِ هاتَيْنِ)؛ أيْ: مِن الفعْلِ رافعِ (هَاتَيْنِ)، وهُما واوُ الجماعةِ وياءُ المخاطَبَةِ، وتَبْقَى الفتحةُ قبلَهما دَليلاً على الألِفِ.
(وفِي واوٍ وَيَا شَكْلٌ مُجانِسٌ قُفِي): معنى (مُجَانِسٌ)؛ أيْ: مُنَاسِبٌ للضميرِ. ومعنى (قُفِي)؛ أيْ: تُبِعَ فيهِ كلامُ العرَبِ. والمعنى: أنَّ الواوَ بعدَ حذْفِ الألِفِ تُضَمُّ والياءُ تُكْسَرُ، وإنَّما حُرِّكَا ولم يُحْذَفَا؛ لأنَّ قَبْلَهما حركةً غيرَ مُجانِسَةٍ، وهيَ فتحةُ الألِفِ المحذوفةِ. وقولُهُ: (نحوُ اخْشَيِنْ يا هنْدُ بالكسْرِ)، مثالٌ للمعتَلِّ بالألِفِ المُسْنَدِ لياءِ المُخَاطَبَةِ، فتُكْسَرُ ياءُ المخاطَبَةِ بعدَ حذْفِ الألِفِ. وَ(يَا قَوْمُ اخْشَوُنْ) بحذْفِ الألِفِ، (واضمُمْ)؛ أيْ: واوَ الجماعةِ وقِسْ على ذلكَ (مُسَوِيًّا)؛ أيْ: ما لم يُذْكَرْ بما ذُكِرَ؛ لأنَّ القاعدةَ واحدةٌ.
وأمَّا ما يَتَعَلَّقُ بِنُونِ الإناثِ وهوَ الرابعُ فيما تَقَدَّمَ فسَيَذْكُرُهُ في أحكامِ نونِ التوكيدِ الخفيفةِ.

الأحكامُ الخاصَّةُ بنونِ التوكيدِ الخفيفةِ
644- وَلَمْ تَقَعْ خَفِيفَةٌ بَعْدَ الأَلِفْ = لَكِنْ شَدِيدَةٌ وَكَسْرُهَا أُلِفْ
645- وَأَلِفاً زِدْ قَبْلَهَا مُؤَكِّدَا = فِعْلاً إلَى نُونِ الإْنَاثِ أُسْنِدَا
646- وَاحْذِفْ خَفِيفَةً لِسَاكِنٍ رَدِفَ = وَبَعْدَ غَيْرِ فَتْحَةٍ إذَا تَقِفْ
647- وَارْدُدْ إذَا حَذَفْتَهَا فِي الْوَقْفِ مَا = مِنْ أَجْلِهَا فِي الْوَصْلِ كَانَ عُدِمَا
648- وَأبْدِلَنْهَا بَعْدَ فَتْحٍ ألِفَا = وَقْفاً كَمَا تَقُولُ فِي قِفاً: قِفَا

تَنْفَرِدُ نونُ التوكيدِ الخفيفةِ بأربعةِ أحكامٍ:
الأوَّلُ: أنَّها لا تَقَعُ بعدَ الألِفِ، فلا تَقولُ: اصْبِرَانْ يا مُحَمَّدَانِ، بِنُونٍ مُخَفَّفَةٍ، بلْ يَجِبُ التشديدُ فتقولُ: اصبرانِّ، بنونٍ مشدَّدَةٍ مكسورةٍ.
الثاني: أنَّها لا تُؤَكِّدُ الفعْلَ المسنَدَ إلى نونِ الإناثِ؛ لأنَّ الفعْلَ المسنَدَ إلى هذهِ النونِ يَجِبُ أنْ يُؤْتَى بعدَ فاعلِهِ بألِفٍ فاصلةٍ بينَ النُّونَيْنِ كما تَقَدَّمَ، فتقولُ: اصْبِرْنَانِّ يا هِنداتُ، بنونٍ ثَقيلةٍ مكسورةٍ. ولا تأتي الخفيفةُ؛ لأنَّها لا تَقَعُ بعدَ الألِفِ كما مَضَى.
الثالثُ: وُجوبُ حَذْفِها لَفْظاً لا خَطًّا إذا وَقَعَ بعدَها ساكِنٌ، ولم يُوقَفْ عليها. وسَبَبُ حَذْفِها التقاءُ الساكنَيْنِ؛ نحوُ: لا تَتَعَوَّدَنْ الكذِبَ، فتُحْذَفُ النونُ الخفيفةُ عندَ النُّطْقِ، وتَبْقَى الفتحةُ التي قَبْلَها دَليلاً عليها. ومنهُ قولُ الشاعرِ:
لا تُهِينَ الفقيرَ عَلَّكَ أنْ تَرْ = كَعَ يوماً والدهْرُ قدْ رَفَعَهْ
فحَذَفَ نونَ التوكيدِ في قولِهِ: (لا تُهِينَ)، وأصْلُهُ: (لا تُهِينَنْ)، فالتَقَى ساكنانِ - نونُ التوكيدِ واللامُ في (الفقيرِ) - فحُذِفَت النونُ وبَقِيَت الفتحةُ التي قَبْلَها دَليلاً على النونِ المحذوفةِ. وثُبوتُ الياءِ معَ وُجودِ الجازِمِ دليلٌ على أنَّ الفعْلَ مُؤَكَّدٌ، وإلاَّ لقِيلَ: لا تُهِنِ الفقيرَ.
الرابعُ: وُجوبُ قَلْبِها ألِفاً عندَ الوَقْفِ عليها، بشَرْطِ أنْ تكونَ بعدَ فتحةٍ؛ نحوُ: ابْتَعِدَنْ عنْ مُجَالَسَةِ الْمُغتابِ، فتقولُ في الوقْفِ: ابْتَعِداً. وإعرابُهُ: فعْلُ أمْرٍ مَبنيٌّ على الفتْحِ لاتِّصالِهِ بنُونِ التوكيدِ الخفيفةِ الْمُنْقَلِبَةِ ألِفاً للوقْفِ، والفاعِلُ (أنتَ).
فإنْ وَقَعَتْ بعدَ ضَمَّةٍ أوْ كسرةٍ حُذِفَتْ نُطْقاً لا كِتابةً، ورُدَّ ما كانَ حُذِفَ لأَجْلِها؛ لِزَوالِ عِلَّةِ الحذْفِ، وهيَ التقاءُ السَّاكنَيْنِ. تقولُ في الوَصْلِ: لا تَخَافُنْ إلاَّ ذُنُوبَكم، لا تَخَافِنْ إلاَّ ذَنْبَكِ. وتقولُ في الوقْفِ: لا تَخَافُوا، لا تَخَافِي، بِحَذْفِ نونِ التوكيدِ الخفيفةِ للوقْفِ. وتُرَدُّ واوُ الجماعةِ وياءُ المخاطَبَةِ اللَّتَيْنِ حُذِفَتَا لأَجْلِ نونِ التوكيدِ؛ للتَّخَلُّصِ مِن التقاءِ الساكنَيْنِ.
وإلى هذهِ الأحكامِ أشارَ بقولِهِ: (ولم تَقعْ خَفيفةٌ بعدَ الألِفْ.. إلخ)؛ أيْ: لا تَقَعُ نونُ التوكيدِ الخفيفةُ بعدَ الألِفِ، بلْ يَجِبُ أنْ تكونَ شَديدةً؛ أي: النونَ الثقيلةَ، وتكونُ مَبنيَّةً على الكسْرِ، وهذا الأوَّلُ.
وأشارَ إلى الثاني بقولِهِ: (وألِفاً زِدْ قَبْلَها.. إلخ)؛ أيْ: زِدْ قَبْلَها مباشرَةً ألِفاً حينَ يكونُ الفعْلُ المُؤَكَّدُ مُسْنَداً إلى نونِ الإناثِ.
وأشارَ إلى الثالثِ والرابعِ بقولِهِ: (واحْذِفْ خَفيفةً.. إلخ)؛ أي: احْذِفْ نونَ التوكيدِ الخفيفةَ إذا رَدِفَها ساكِنٌ؛ أيْ: وَلِيَها ووَقَعَ بعدَها. وكذا احْذِفْها إذا وَقَعَتْ عندَ الوقوفِ عليها بعدَ غيرِ الفتحةِ، والمرادُ: الضمَّةُ والكسرةُ.
ثمَّ بَيَّنَ أنَّكَ إذا وَقَفْتَ وَجَبَ أنْ تَرُدَّ إلى الفعْلِ ما عُدِمَ منهُ (أيْ ما حُذِفَ منْهُ) في حالةِ الوصْلِ بسَبَبِها. ثمَّ بَيَّنَ أنَّها إذا وُقِفَ عليها بعدَ حَرْفٍ مفتوحٍ وجَبَ قَلْبُها ألِفاً. وساقَ لذلكَ مِثالاً وهوَ (قِفَنْ)؛ حيثُ وَقَعَت النونُ بعدَ فتحةٍ فعندَ الوَقْفِ يُقالُ: قِفاً.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
التوكيد, نونا

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:46 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir