دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > مكتبة علوم الحديث الشريف > مقدمات المحدثين > مقدمة صحيح مسلم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26 جمادى الأولى 1431هـ/9-05-2010م, 07:56 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي بيان أن الإسناد من الدين، والرواية لا تكون إلا عن ثقات، وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز وليس من الغِيبة المحرمة

قالَ مسلمُ بنُ الحجاجِ بنِ مسلمٍ القشيريُّ النيسابوريُّ (ت: 261هـ): (باب بيان أن الإسناد من الدين وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز بل واجب وأنه ليس من الغيبة المحرمة بل من الذب عن الشريعة المكرمة
- حدثنا حسن بن الربيع، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب وهشام، عن محمد، وحدثنا فضيل، عن هشام قال: وحدثنا مخلد بن حسين، عن هشام، عن محمد بن سيرين قال: ( إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ).
- حدثنا أبو جعفر محمد بن الصباح، حدثنا إسماعيل بن زكرياء، عن عاصم الأحول، عن ابن سيرين قال: (لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم ).
حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أخبرنا عيسى - وهو ابن يونس -، حدثنا الأوزاعي، عن سليمان بن موسى قال: لقيت طاوساً فقلت: حدثني فلان كيت وكيت. قال: ( إن كان صاحبك ملياً فخذ عنه ).
- وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، أخبرنا مروان - يعني ابن محمد الدمشقي -، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان ابن موسى قال: قلت لطاوس: إن فلاناً حدثني بكذا وكذا. قال: ( إن كان صاحبك ملياً فخذ عنه ).
- حدثنا نصر بن علي الجهضمي، حدثنا الأصمعي، عن ابن أبي الزناد، عن أبيه قال: ( أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون ما يؤخذ عنهم الحديث يقال ليس من أهله ).
- حدثني محمد بن أبي عمر المكي، حدثنا سفيان، ح. وحدثني أبو بكر بن خلاد الباهلي واللفظ له، قال: سمعت سفيان بن عيينة، عن مسعر قال: سمعت سعد بن إبراهيم يقول: (لا يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا الثقات).
- وحدثني محمد بن عبد الله بن قهزاذ من أهل مرو قال: سمعت عبدان بن عثمان يقول: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: (الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء).
وقال محمد بن عبد الله: حدثني العباس بن أبي رزمة قال: سمعت عبد الله يقول: ( بيننا وبين القوم القوائم -يعني الإسناد-).
وقال محمد: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن عيسى الطالقاني قال: قلت لعبد الله بن المبارك: (يا أبا عبد الرحمن، الحديث الذي جاء إن من البر بعد البر أن تصلي لأبويك مع صلاتك وتصوم لهما مع صومك). قال: فقال عبد الله: يا أبا إسحاق عمن هذا؟ قال: قلت له: هذا من حديث شهاب بن خراش. فقال: ثقة عمن؟ قال: قلت: عن الحجاج بن دينار. قال: ثقة عمن؟ قال: قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: (يا أبا إسحاق، إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي، ولكن ليس في الصدقة اختلاف).
وقال محمد: سمعت علي بن شقيق يقول: سمعت عبد الله بن المبارك يقول على رؤوس الناس: (دعوا حديث عمرو بن ثابت؛ فإنه كان يسب السلف).
- وحدثني أبو بكر بن النضر بن أبي النضر قال: حدثني أبو النضر هاشم بن القاسم، حدثنا أبو عقيل -صاحب بهية- قال: كنت جالساً عند القاسم بن عبيدالله ويحيى بن سعيد، فقال يحيى للقاسم: يا أبا محمد، إنه قبيح على مثلك عظيم أن تسأل عن شيء من أمر هذا الدين فلا يوجد عندك منه علم ولا فرج أو علم ولا مخرج. فقال له القاسم: وعم ذاك؟ قال: لأنك ابن إمامي هدى ابن أبي بكر وعمر. قال: يقول له القاسم: (أقبح من ذاك عند من عقل عن الله أن أقول بغير علم، أو آخذ عن غير ثقة). قال: فسكت فما أجابه.
- وحدثني بشر بن الحكم العبدي قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: أخبروني عن أبي عُقَيل - صاحب بُهيَّة - أن أبناء لعبد الله بن عمر سألوه عن شيء لم يكن عنده فيه علم، فقال له يحيى بن سعيد: والله إني لأعظم أن يكون مثلك وأنت ابن إمامي الهدى - يعني عمر وابن عمر - تُسأل عن أمر ليس عندك فيه علم.
فقال: (أعظم من ذلك والله - عند الله وعند من عقل عن الله - أن أقول بغير علم، أو أخبر عن غير ثقة).
قال: وشهدهما أبو عقيل يحيى بن المتوكل حين قالا ذلك.
- وحدثنا عمرو بن علي أبو حفص قال: سمعت يحيى بن سعيد قال: سألت سفيان الثوري وشعبة ومالكاً وابن عيينة عن الرجل لا يكون ثبتاً في الحديث، فيأتيني الرجل فيسألني عنه؟
قالوا: (أخبر عنه أنه ليس بثبت).
- وحدثنا عبيد الله بن سعيد قال: سمعت النضر يقول: سئل ابن عون عن حديث لشهر وهو قائم على أسكفة الباب، فقال: (إن شهراً نزكوه، إن شهراً نزكوه).
قال مسلم -رحمه الله- يقول: (أخذته ألسنة الناس تكلموا فيه).
- وحدثني حجاج بن الشاعر، حدثنا شبابة قال: قال شعبة: (وقد لقيت شهراً فلم أعتد به). وحدثني محمد بن عبد الله بن قهزاذ من أهل مرو قال: أخبرني علي بن حسين بن واقد قال: قال عبد الله بن المبارك: قلت لسفيان الثوري: (إن عباد بن كثير من تعرف حاله، وإذا حدث جاء بأمر عظيم، فترى أن أقول للناس لا تأخذوا عنه؟). قال سفيان: بلى. قال عبد الله: (فكنت إذا كنت في مجلس ذكر فيه عباد أثنيت عليه في دينه وأقول لا تأخذوا عنه).
وقال محمد: حدثنا عبد الله بن عثمان قال: قال أبي: قال عبد الله بن المبارك: انتهيت إلى شعبة فقال: (هذا عباد بن كثير فاحذروه).
- وحدثني الفضل بن سهل قال: سألت معلى الرازي عن محمد بن سعيد الذي روى عنه عباد، فأخبرني عن عيسى بن يونس قال: (كنت على بابه وسفيان عنده، فلما خرج سألته عنه، فأخبرني أنه كذاب).
- وحدثني محمد بن أبي عتاب قال: حدثني عفان عن محمد بن يحيى بن سعيد القطان، عن أبيه قال: (لم نر الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث).
قال ابن أبي عتاب: فلقيت أنا محمد بن يحيى بن سعيد القطان فسألته عنه، فقال عن أبيه: (لم تر أهل الخير في شيء أكذب منهم في الحديث).
قال مسلم: (يقول يجري الكذب على لسانهم ولا يتعمدون الكذب).
- حدثني الفضل بن سهل قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرني خليفة بن موسى قال: (دخلت على غالب بن عبيدالله فجعل يملي علي؛ حدثني مكحول، حدثني مكحول، فأخذه البول فقام، فنظرت في الكراسة فإذا فيها؛ حدثني أبان عن أنس، وأبان عن فلان، فتركته وقمت).
قال: وسمعت الحسن بن علي الحلواني يقول: رأيت في كتاب عفان حديث هشام أبي المقداد، حديث عمر بن عبد العزيز، قال هشام: حدثني رجل يقال له يحيى بن فلان، عن محمد بن كعب قال: قلت لعفان: إنهم يقولون هشام سمعه عن محمد بن كعب. فقال: (إنما ابتلي من قبل هذا الحديث؛ كان يقول حدثني يحيى عن محمد، ثم ادعى بعد أنه سمعه من محمد).
- حدثني محمد بن عبد الله بن قهزاذ قال: سمعت عبد الله بن عثمان بن جبلة يقول: قلت لعبد الله بن المبارك: من هذا الرجل الذي رويت عنه حديث عبد الله بن عمرو يوم الفطر يوم الجوائز؟ قال: (سليمان بن الحجاج انظر ما وضعت في يدك منه).
قال ابن قهزاذ: وسمعت وهب بن زمعة يذكر عن سفيان بن عبد الملك قال: قال عبد الله -يعني ابن المبارك-: (رأيت روح بن غطيف -صاحب الدم قدر الدرهم- وجلست إليه مجلساً، فجعلت أستحيي من أصحابي أن يروني جالساً معه كره حديثه).
- حدثني ابن قهزاذ قال: سمعت وهباً يقول: عن سفيان، عن ابن المبارك قال: (بقية صدوق اللسان، ولكنه يأخذ عمن أقبل وأدبر).
- حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي قال: (حدثني الحارث الأعور الهمداني وكان كذاباً).
- حدثنا أبو عامر عبد الله بن براد الأشعري، حدثنا أبو أسامة، عن مفضل، عن مغيرة قال: سمعت الشعبي يقول: (حدثني الحارث الأعور وهو يشهد أنه أحد الكاذبين).
- حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: قال علقمة: (قرأت القرآن في سنتين). فقال الحارث: (القرآن هين، الوحي أشد).
- وحدثني حجاج بن الشاعر، حدثنا أحمد - يعني ابن يونس -، حدثنا زائدة، عن الأعمش، عن إبراهيم، أن الحارث قال: (تعلمت القرآن في ثلاث سنين، والوحي في سنتين). أو قال: (الوحي في ثلاث سنين، والقرآن في سنتين).
- وحدثني حجاج قال: حدثني أحمد -وهو ابن يونس-، حدثنا زائدة، عن منصور. والمغيرة، عن إبراهيم أن الحارث اتهم.
- وحدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير، عن حمزة الزيات قال: سمع مرة الهمداني من الحارث شيئاً، فقال له: اقعد بالباب. قال: فدخل مرة، وأخذ سيفه. قال: وأحس الحارث بالشر فذهب.
- وحدثني عبيدالله بن سعيد، حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن المهدي -، حدثنا حماد بن زيد، عن ابن عون قال: قال لنا إبراهيم: (إياكم والمغيرة بن سعيد وأبا عبد الرحيم؛ فإنهما كذابان).
- حدثنا أبو كامل الجحدري، حدثنا حماد -وهو ابن زيد- قال: حدثنا عاصم قال: كنا نأتي أبا عبد الرحمن السلمي ونحن غلمة أيفاع، فكان يقول لنا: (لا تجالسوا القصاص غير أبي الأحوص، وإياكم وشقيقاً). قال: وكان شقيق هذا يرى رأي الخوارج وليس بأبي وائل.
- حدثنا أبو غسان محمد بن عمرو الرازي قال: سمعت جريراً يقول: (لقيت جابر بن يزيد الجعفي فلم أكتب عنه؛ كان يؤمن بالرجعة).
- حدثنا الحسن الحلواني، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا مسعر قال: (حدثنا جابر بن يزيد قبل أن يحدث ما أحدث).
وحدثني سلمة بن شبيب، حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان قال: ( كان الناس يحملون عن جابر قبل أن يظهر ما أظهر، فلما أظهر ما أظهر اتهمه الناس في حديثه، وتركه بعض الناس). فقيل له: وما أظهر؟ قال: (الإيمان بالرجعة).
- وحدثنا حسن الحلواني، حدثنا أبو يحيى الحماني، حدثنا قبيصة وأخوه، أنهما سمعا الجراح بن مليح يقول: سمعت جابراً يقول: (عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كلها).
- وحدثني حجاج بن الشاعر، حدثنا أحمد بن يونس قال: سمعت زهيراً يقول: قال جابر أو سمعت جابراً يقول: (إن عندي لخمسين ألف حديث ما حدثت منها بشيء). قال: ثم حدث يوماً بحديث، فقال: (هذا من الخمسين ألفاً).
- وحدثني إبراهيم بن خالد اليشكري قال: سمعت أبا الوليد يقول: سمعت سلام بن أبي مطيع يقول: سمعت جابراً الجعفي يقول: (عندي خمسون ألف حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-).
- وحدثني سلمة بن شبيب، حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان قال: سمعت رجلاً سأل جابراً عن قوله عز وجل: {فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الأرض لي وهو خير الحاكمين}. فقال جابر: (لم يجئ تأويل هذه). قال سفيان: (وكذب). فقال لسفيان: (وما أراد بهذا؟) فقال: (إن الرافضة تقول إن علياً في السحاب، فلا نخرج مع من خرج من ولده حتى ينادي مناد من السماء -يريد علياً أنه ينادي اخرجوا مع فلان-). يقول جابر: (فهذا تأويل هذه الآية وكذب كانت في إخوة يوسف -صلى الله عليه وسلم-).
- وحدثني سلمة، حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان قال: (سمعت جابراً يحدث بنحو من ثلاثين ألف حديث، ما أستحل أن أذكر منها شيئاً وأن لي كذا وكذا).
قال مسلم: وسمعت أبا غسان محمد بن عمرو الرازي قال: سألت جرير بن عبد الحميد فقلت: الحارث بن حصيرة لقيته؟ قال: ( نعم، شيخ طويل السكوت، يصر على أمر عظيم).
- حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي قال: حدثني عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد بن زيد قال: ذكر أيوب رجلاً يوماً فقال:لم يكن بمستقيم اللسان. وذكر آخر فقال: هو يزيد في الرقم.
- حدثني حجاج بن الشاعر، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد قال: قال أيوب: (إن لي جاراً - ثم ذكر من فضله -، ولو شهد عندي على تمرتين ما رأيت شهادته جائزة).
- وحدثني محمد بن رافع، وحجاج بن الشاعر قالا: حدثنا عبد الرزاق قال: قال معمر: (ما رأيت أيوب اغتاب أحداً قط إلا عبد الكريم -يعني أبا أمية-، فإنه ذكره فقال: رحمه الله كان غير ثقة؛ لقد سألني عن حديث لعكرمة ثم قال سمعت عكرمة).
- حدثني الفضل بن سهل قال: حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا همام قال: قدم علينا أبو داود الأعمى فجعل يقول: حدثنا البراء قال: وحدثنا زيد بن أرقم، فذكرنا ذلك لقتادة، فقال: (كذب ما سمع منهم؛ إنما كان ذلك سائلاً يتكفف الناس زمن طاعون الجارف).
- وحدثني حسن بن علي الحلواني قال: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا همام قال: دخل أبو داود الأعمى على قتادة، فلما قام قالوا: إن هذا يزعم أنه لقي ثمانية عشر بدرياً. فقال قتادة: (هذا كان سائلاً قبل الجارف لا يعرض في شيء من هذا ولا يتكلم فيه، فوالله ما حدثنا الحسن عن بدري مشافهة، ولا حدثنا سعيد بن المسيب عن بدري مشافهة إلا عن سعد بن مالك).
- حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن رقبة أن أبا جعفر الهاشمي المدني كان يضع أحاديث كلام حق وليست من أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان يرويها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
- حدثنا الحسن الحلواني قال: حدثنا نعيم بن حماد قال: أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان، وحدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا أبو داود الطيالسي، عن شعبة، عن يونس بن عبيد قال: (كان عمرو بن عبيد يكذب في الحديث).
- حدثني عمرو بن علي أبو حفص قال: سمعت معاذ بن معاذ يقول: قلت لعوف بن أبي جميلة: إن عمرو بن عبيد حدثنا، عن الحسن أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حمل علينا السلاح فليس منا)). قال: (كذب والله عمرو ولكنه أراد أن يحوزها إلى قوله الخبيث).
- وحدثنا عبيدالله بن عمر القواريري، حدثنا حماد بن زيد قال: كان رجل قد لزم أيوب وسمع منه، ففقده أيوب، فقالوا: يا أبا بكر، إنه قد لزم عمرو بن عبيد. قال حماد: فبينا أنا يوماً مع أيوب وقد بكرنا إلى السوق، فاستقبله الرجل فسلم عليه أيوب وسأله، ثم قال له أيوب: بلغني أنك لزمت ذاك الرجل. قال حماد: سماه يعني عمراً. قال: نعم يا أبا بكر، إنه يجيئنا بأشياء غرائب. قال: يقول له أيوب: (إنما نفر أو نفرق من تلك الغرائب).
- وحدثني حجاج بن الشاعر، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا ابن زيد - يعني حماداً - قال: قيل لأيوب: إن عمرو بن عبيد روى عن الحسن؛ قال: لا يجلد السكران من النبيذ. فقال: (كذب؛ أنا سمعت الحسن يقول: يجلد السكران من النبيذ).
- وحدثني حجاج، حدثنا سليمان بن حرب قال: سمعت سلام بن أبي مطيع يقول: بلغ أيوب أني آتي عمراً، فأقبل علي يوماً فقال: (أرأيت رجلاً لا تأمنه على دينه، كيف تأمنه على الحديث؟).
- وحدثني سلمة بن شبيب، حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان قال: سمعت أبا موسى يقول: (حدثنا عمرو بن عبيد قبل أن يحدث).
- حدثني عبيدالله بن معاذ العنبري، حدثنا أبي قال: كتبت إلى شعبة أسأله عن أبي شيبة قاضي واسط، فكتب إلي: (لا تكتب عنه شيئاً)، ومزق كتابي.
- وحدثنا الحلواني قال: سمعت عفان قال: حدثت حماد بن سلمة عن صالح المري بحديث عن ثابت، فقال: (كذب).
وحدثت هماماً عن صالح المري بحديث، فقال: (كذبت).
- وحدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود قال: قال لي شعبة: إيت جرير بن حازم فقل له: لا يحل لك أن تروي عن الحسن بن عمارة؛ فإنه يكذب.
قال أبو داود: قلت لشعبة: وكيف ذاك؟
فقال: حدثنا عن الحكم بأشياء لم أجد لها أصلاً.
قال: قلت له: بأي شيء؟
قال: قلت للحكم: أصلى النبي صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد؟
فقال: لم يصل عليهم.
فقال الحسن بن عمارة: عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليهم ودفنهم.
قلت للحكم: ما تقول في أولاد الزنا؟
قال: يصلى عليهم.
قلت: من حديث من يروى؟
قال: يروى عن الحسن البصري.
فقال الحسن بن عمارة: حدثنا الحكم عن يحيى بن الجزار، عن علي.
- وحدثنا الحسن الحلواني قال: سمعت يزيد بن هارون -وذكر زياد بن ميمون- فقال: (حلفت ألا أروي عنه شيئاً، ولا عن خالد بن محدوج).
وقال: (لقيت زياد بن ميمون، فسألته عن حديث فحدثني به عن بكر المزني، ثم عدت إليه فحدثني به عن مورق، ثم عدت إليه فحدثني به عن الحسن، وكان ينسبهما إلى الكذب).
قال الحلواني: (سمعت عبد الصمد، وذكرت عنده زياد بن ميمون فنسبه إلى الكذب).
- وحدثنا محمود بن غيلان قال: قلت لأبي داود الطيالسي: قد أكثرت عن عباد بن منصور، فمالك لم تسمع منه حديث العطارة الذي روى لنا النضر بن شميل؟
قال لي: اسكت، فأنا لقيت زياد بن ميمون وعبد الرحمن بن مهدي فسألناه، فقلنا له: هذه الأحاديث التي ترويها عن أنس؟
فقال: أرأيتما رجلاً يذنب فيتوب أليس يتوب الله عليه؟
قال: قلنا: نعم.
قال: (ما سمعت من أنس من ذا قليلاً ولا كثيراً، إن كان لا يعلم الناس فأنتما لا تعلمان أني لم ألق أنساً).
قال أبو داود فبلغنا بعد أنه يروي، فأتيناه أنا وعبد الرحمن فقال: أتوب، ثم كان بعد يحدث فتركناه.
- حدثنا حسن الحلواني قال: سمعت شبابة قال: كان عبد القدوس يحدثنا فيقول: سويد بن عقلة قال شبابة، وسمعت عبد القدوس يقول: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يتخذ الروح عرضاً. قال: فقيل له: أي شيء هذا؟ قال: يعني تتخذ كوة في حائط ليدخل عليه الروح.
قال مسلم: وسمعت عبيدالله بن عمر القواريري يقول: سمعت حماد بن زيد يقول لرجل بعد ما جلس مهدي بن هلال بأيام: ما هذه العين المالحة التي نبعت قبلكم؟ قال: نعم يا أبا إسماعيل.
- وحدثنا الحسن الحلواني قال: سمعت عفان قال: سمعت أبا عوانة قال: (ما بلغني عن الحسن حديث إلا أتيت به أبان بن أبي عياش فقرأه علي).
- وحدثنا سويد بن سعيد، حدثنا علي بن مسهر قال: (سمعت أنا وحمزة الزيات من أبان بن أبي عياش نحواً من ألف حديث).
قال علي: (فلقيت حمزة فأخبرني أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام، فعرض عليه ما سمع من أبان، فما عرف منها إلا شيئاً يسيراً؛ خمسة أو ستة).
- حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، أخبرنا زكرياء بن عدي قال: قال لي أبو إسحاق الفزاري: (اكتب عن بقية ما روى عن المعروفين، ولا تكتب عنه ما روى عن غير المعروفين، ولا تكتب عن إسماعيل بن عياش ما روى عن المعروفين ولا عن غيرهم).
- وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: سمعت بعض أصحاب عبد الله قال: قال ابن المبارك: (نعم الرجل بقية لولا أنه كان يكني الأسامي ويسمي الكنى؛ كان دهراً يحدثنا عن أبي سعيد الوحاظي فنظرنا فإذا هو عبد القدوس).
- وحدثني أحمد بن يوسف الأزدي قال: سمعت عبد الرزاق يقول: (ما رأيت ابن المبارك يفصح بقوله كذاب إلا لعبد القدوس، فإني سمعته يقول له كذاب).
- وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي قال: سمعت أبا نعيم - وذكر المعلى بن عرفان - فقال: قال حدثنا أبو وائل، قال خرج علينا ابن مسعود بصفين، فقال أبو نعيم: أتراه بعث بعد الموت؟.
- حدثني عمرو بن علي وحسن الحلواني كلاهما عن عفان بن مسلم قال: كنا عند إسماعيل بن علية، فحدث رجل عن رجل، فقلت: إن هذا ليس بثبت. قال: فقال الرجل: اغتبته. قال إسماعيل: (ما اغتابه ولكنه حكم أنه ليس بثبت).
- وحدثنا أبو جعفر الدارمي، حدثنا بشر بن عمر قال: سألت مالك بن أنس عن محمد بن عبد الرحمن الذي يروي عن سعيد بن المسيب؟ فقال: (ليس بثقة). وسألته عن صالح مولى التوأمة؟ فقال: (ليس بثقة). وسألته عن أبي الحويرث؟ فقال: (ليس بثقة). وسألته عن شعبة الذي روى عنه ابن أبي ذئب؟ فقال: (ليس بثقة). وسألته عن حرام بن عثمان؟ فقال: (ليس بثقة). وسألت مالكاً عن هؤلاء الخمسة؟ فقال: (ليسوا بثقة في حديثهم). وسألته عن رجل آخر نسيت اسمه؟ فقال: هل رأيته في كتبي؟ قلت: لا. قال: (لو كان ثقة لرأيته في كتبي).
-وحدثني الفضل بن سهل قال: حدثني يحيى بن معين، حدثنا حجاج، حدثنا ابن أبي ذئب عن شرحبيل بن سعد وكان متهماً.
- وحدثني محمد بن عبد الله بن قهزاذ قال: سمعت أبا إسحاق الطالقاني يقول: سمعت ابن المبارك يقول: (لو خيرت بين أن أدخل الجنة وبين أن ألقى عبد الله بن محرر، لاخترت أن ألقاه ثم أدخل الجنة، فلما رأيته كانت بعرة أحب إلي منه).
- وحدثني الفضل بن سهل، حدثنا وليد بن صالح قال: قال عبيد الله بن عمرو: قال زيد -يعني ابن أبي أنيسة-: (لا تأخذوا عن أخي).
- حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي قال: حدثني عبد السلام الوابصي قال: حدثني عبد الله بن جعفر الرقي، عن عبيدالله بن عمرو قال: (كان يحيى بن أبي أنيسة كذاباً).
- حدثني أحمد بن إبراهيم قال: حدثني سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد قال: ذكر فرقد عند أيوب، فقال: (إن فرقداً ليس صاحب حديث).
- وحدثني عبد الرحمن بن بشر العبدي قال: سمعت يحيى بن سعيد القطان ذكر عنده محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي، فضعفه جداً.
فقيل ليحيى: أضعف من يعقوب بن عطاء؟
قال: نعم.
ثم قال: (ما كنت أرى أن أحداً يروي عن محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير).
حدثني بشر بن الحكم قال: (سمعت يحيى بن سعيد القطان ضعف حكيم بن جبير، وعبد الأعلى، وضعف يحيى بن موسى بن دينار قال: حديثه ريح، وضعف موسى بن دهقان، وعيسى بن أبي عيسى المدني).
قال: وسمعت الحسن بن عيسى يقول: قال لي ابن المبارك: (إذا قدمت على جرير فاكتب علمه كله إلا حديث ثلاثة؛ لا تكتب حديث عبيدة بن معتب، والسري بن إسماعيل، ومحمد بن سالم).
قال مسلم: وأشباه ما ذكرنا من كلام أهل العلم في متهمي رواة الحديث وإخبارهم عن معايبهم كثير يطول الكتاب بذكره على استقصائه، وفيما ذكرنا كفاية لمن تفهم وعقل مذهب القوم فيما قالوا من ذلك وبينوا.
وإنما ألزموا أنفسهم الكشف عن معايب رواة الحديث وناقلي الأخبار، وأفتوا بذلك حين سئلوا، لما فيه من عظيم الخطر؛ إذ الأخبار في أمر الدين إنما تأتي بتحليل أو تحريم أو أمر أو نهي أو ترغيب أو ترهيب، فإذا كان الراوي لها ليس بمعدن للصدق والأمانة، ثم أقدم على الرواية عنه من قد عرفه ولم يبين ما فيه لغيره ممن جهل معرفته، كان آثماً بفعله ذلك غاشاً لعوام المسلمين، إذ لا يؤمن على بعض من سمع تلك الأخبار أن يستعملها أو يستعمل بعضها، ولعلها أو أكثرها أكاذيب لا أصل لها، مع أن الأخبار الصحاح من رواية الثقات وأهل القناعة أكثر من يضطر إلى نقل من ليس بثقة ولا مقنع.
ولا أحسب كثيراً ممن يعرج من الناس على ما وصفنا من هذه الأحاديث الضعاف والأسانيد المجهولة، ويعتد بروايتها بعد معرفته بما فيها من التوهن والضعف - إلا أن الذي يحمله على روايتها والاعتداد بها إرادة التكثر بذلك عند العوام، ولأن يقال: ما أكثر ما جمع فلان من الحديث وألف من العدد.
ومن ذهب في العلم هذا المذهب وسلك هذا الطريق فلا نصيب له فيه، وكان بأن يسمى جاهلا أولى من أن ينسب إلى علم). [مقدمة صحيح مسلم: 1/14-28]


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 رجب 1435هـ/5-05-2014م, 05:42 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح مقدمة صحيح مسلم من المعلم بفوائد مسلم

قال عبد الله بن محمد بن علي بن عمر المازري (ت: 536هـ): (وخرج مسلم بعد هذا: " حدثنا سلمة بن شبيب قال حدثني الحميدي قال نا سفيان قال: سمعت جابراً يحدّث بنحو من ثلاثين حديثاً ما أستحل أن أذكر منها شيئاً ".
قال بعضهم: سقط ذكر سلمة بن شبيب بين مسلم والحميدي في نسخة أبي العلاء ابن ماهان، والصواب ما رواه أبو أحمد وغيره كما تقدم لأن مسلماً لم يلق الحميدي.
وقال مسلم: في حديث آخر:
وحدّثني حسن بن الحكم، قال: سمعت يحيى القطّان ضعّف حكيم بن جبيرٍ وعبد الأعلى، وضعّف موسى بن دينارٍ. هكذا صواب هذا الكلام. وفي أكثر النسخ: وصعف يحيى بن موسى بن دينار.
وهذا وهم، وموسى بن دينار هو المكي، وضعّفه يحيى، وقد نقل أبو جعفر العقيلي في كتابه في الضعفاء كلام يحيى هذا في موسى بن دينار وعبد الأعلى وحكيم بن جبير). [المعلم بفوائد مسلم: 1/274-275]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 رجب 1435هـ/5-05-2014م, 05:57 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح مقدمة صحيح مسلم من إكمال المعلم

قال القاضي أبو الفضل عياض اليحصبي (ت: 544هـ): (قال مسلم: " حدثنا حسن بن الربيع، ثنا حماد بن زيد عن أيوب وهشامٍ، عن محمد. وحدثنا فضيل عن هشام، وحدثنا مخلد بن حسين عن هشام ".
هشام أولاً مخفوض معطوف على أيوب، والقائل ثنا فضيل وثنا مخلد هو حسن ابن الربيع، وفضيل هذا هو ابن عياض الزاهد، وهشام هو الدستوائي، ومحمد الذي حدث عنه أولاً هو ابن سيرين وهو المفسّر في حديث فضيل ومخلد.
وقوله: " وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم " مع ما ذكره عن السلف والأئمة من مثل هذا، يؤيد ما قلناه في ترك حديثهم، خلاف ما حكاه الغسّاني من الاتفاق على قبوله إذا لم يكونوا دعاةً ولا غلاة، وظهر صدقهم، وقد ذكرنا أن أبا عبد الله بن البيع ذكرهم في القسم الخامس.
قال القاضي: وإلى قبول روايتهم وشهادتهم مال الشافعي، وقال مالك: لا يؤخذ الحديث عن صاحب هوى يدعو إلى هواه، فانظر اشتراطه الدعاء، هل هو ترخيص في الأخذ عنه إذا لم يدع، أو أن البدعة سبب لتهمته أن يدعو الناس إلى هواه، أي لا تأخذوا عن ذي بدعة فإنه ممن يدعو إلى هواه؟ أو أن هواه يحمله أن يدعو إلى هواه فاتهمه لذلك، وهذا المعروف من مذهبه، وقد تأول الباجي أن معنى يدعو يظهرها ويحقق عليه، فأما من دعا فلم يختلف في ترك حديثه، وقد ذمّ مسلم بعد هذا الرواية عنهم.
وأما القاضي أبو بكر الباقلاني في طائفة من المحققين من الأصوليين والفقهاء والمحدثين من السلف والخلف فأبوا قبول خبر المبتدعة والفساق المتأولين، ولم يعذروهم بالتأويل، وقالوا: هو فاسق بقوله، فاسق بجهله، فاسق ببدعته، فتضاعف فسقه، وعلى هذا وقع خلاف الفقهاء في شهادتهم. فقبلها الشافعي وابن أبي ليلى وردّها مالك وغيره.
وكذلك لا يشترط فيمن دعا إلى بدعته ما ذكره الغساني من افتعاله الحديث وتحريفه الرواية لنصرة مذهبه، فإن هذا يثبت كذبه وطرح قوله ولو لم يكن ذا بدعة، ومن شهر بالبدعة اتهمناه أن يفعل هذا وإن لم يفعله لثبوت فسقه ببدعته.
و قال مالك: لا يؤخذ الحديث عن أربعة، ويؤخذ عمن سواهم: رجل معلن بفسقه- وإن كان أروى الناس- ورجل يكذب في أحاديث الناس- وإن كنت لا تتهمه على حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وصاحب بدعة يدعو إلى بدعته، ورجل له فضل لا يعلم ما يحدث به.
ذكر مسلم عن طاوس: «إن كان صاحبك مليئاً فخذ عنه» ": يريد: ثقة يعتمد على ما عنده، فهو كالمليء الذي يعتمد معامله ومودعه على ما في أمانته وذمته؛ لأن هذا بملأته في ثقته ودينه مثله في ماله.
وذكر مسلم " عن أبي الزناد قال:« أدركت بالمدينة مائةً كلهم مأمون ما يؤخذ عنهم الحديث يقال: ليس من أهله»".
ليس يشترط في رواية الثقة عندنا وعند المحققين من الفقهاء والأصوليين والمحدثين كون المحدث من أهل العلم والفقه والحفظ وكثرة الرواية، ومجالسة العلماء، بل يشترط ضبطه لما رواه، إما من حفظه أو كتابه، وإن كان قليلاً علمه إذ علم من إجماع الصدر الأول قبول خبر العدل وإن كان أميًّا، وممن جاء بعد قبول الرواية من صاحب الكتاب وإن لم يحفظه والرواية عن الثقات، وإن لم يكونوا أهل علم.
وقد ذكر أبو عبد الله الحاكم في أقسام الحديث الصحيح المختلف فيه رواية الثقات المعروفين بالسماع وصحة الكتاب غير الحفاظ ولا العارفين، قال: كأكثر محدثي زماننا قال. فهذا محتجٌّ به عند أكثر أهل الحديث، قال: وإن لم ير ذلك مالك ولا أبو حنيفة.
قال القاضي: والذي أقول: إن معنى قول ابن أبي الزناد هذا- وقد روى نحوه عن مالك وغيره-: إن هؤلاء لم يكونوا أهل ضبط لما رووه لا من حفظهم ولا من كتبهم، أو قصدوا إيثار أهل العلم وترجيح الرواية عن أهل الإتقان والحفظ لكثرتهم حينئذ والاستغناء بهم عن سواهم، فأما أن لا يقبل حديثهم فلا، وقد وجدنا هؤلاء رووا عن جماعة ممن لم يشتهر بعلم ولا إتقان.
وذكر مسلم حديث: «إنّ من البر بعد البر أن تصلي لأبويك مع صلاتك وتصوم لهما مع صومك» وكلام ابن المبارك فيه.
اختلف العلماء فيما يجوز أن يفعله المرء عن غيره من أعمال البر البدنية، واتفقوا في الأفعال الماليّة من الصدقات، والعتق وشبهه أنها جائزة ماضيةٌ، وأجرى بعضهم الحجّ هذا المجرى لعلة النفقة فيه، وكرهه مالك ابتداء وأجازه في الوصايا به، وأجمعوا على أنه لا يصلي أحد عن أحد إلا شيئاً روي عن ابن عباس في امرأة نذرت صلاة فقال لابنها: " صل عنها "، وكذلك اتفقوا في الصيام ابتداءً، واختلفوا إذا كان نذراً أو واجباً على الميت، فالجمهور أنه لا يصام عنه، واحتجوا بما ورد من ذلك في الحديث، وحجة الأول أن الأحاديث الواردة في ذلك مضطربة الألفاظ ولم يجتمع فيها على ذكر الصوم، وسنزيد ذلك بياناً عند الكلام على الحديث في كتاب الصوم، إن شاء الله تعالى.
وذكر أبا عقيل صاحب بهية، وأبو عقيل هذا بفتح العين، واسمه يحيى بن المتوكل الضرير، يعرف بصاحب بهيّة، امرأةٍ روى عنها كانت تروى عن عائشة، وقد خرّج عنها أبو داود وروى أنّ عائشة سمّتها بذلك، وضبط اسمها بباء واحدة مضمومة وهاءٍ مفتوحةٍ بعدها ياء التصغير. وذكر في هذا الحديث قول يحيى للقاسم بن عبيد الله: لأنك ابن إمامي هدًى، أبي بكر وعمر، وقال بعد هذا في الحديث الآخر: يعني عمر وابن عمر. والقاسم هذا هو ابن عبيد الله بن عبد الله عمر بن الخطاب فهو ابنهما، وأما على قوله أبي بكر وعمر، فأم القاسم هذا هي أم عبيد الله بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وباسم جده هذا لأمّه سمى، فأبو بكر جدّه الأعلى لأمّه وعمر جدّه الأعلى لأبيه.
وذكر مسلم عن جماعة من الأئمة التصريح بتجريح جماعة من الناس وبيان جرحهم، فأما وجه جواز هذا فقد مرّ، بل هو واجب كما ذكروه، وليس من باب الغيبة والأذى، إذ دعت إلى هذا الضرورة لحياطة الشريعة، وحماية الملة، ونصيحة الدين، كما نجيز تجريح الشهود لمراعاة. إقامة الحقوق ودفع الشبهات.
وأما تعيين سبب الجرح في الخبر والشهادة، فقد اختلف فيه العلماء من الفقهاء والأصوليين، فأوجبه بعضهم مطلقاً، وهو اختيار الشافعي وبعض أئمتنا، ولم يوجبه آخرون وهو اختيار القاضي أبي بكر وجماعة غيره من أئمتنا، ورأوا قبول الجرح مطلقاً دون ذكر السبب، وذهب بعضهم إلى أن المجرح إذا كان عالماً بصيراً بوجوه التجريح لم نستفسره وإلا استفسرناه، وهو في الشهادة أضيق، والميل فيها إلى الاستفسار أصوب، إذ قد يجرّح الشاهد- وإن كان مجرحه بصيراً بوجوه التجريح بما يعتقد جرحةً - ولعل الحاكم لا يراه لاختلاف الاجتهاد، أما الخبر إذا أطلق عارفٌ بصير فيه بالجرح فقد عدمت به الثقة.
وذكر مسلم عن ابن عون قوله: إن شهراً نزكوه، هذه الرواية الصحيحة بالنون والزاي، وهكذا سماعنا فيه من الأسدي عن السمرقندي عن الفارسي، وكذا أقرأناها علي ابن أبي جعفر عن الطبري عن الفارسي عن الجلودي، وسمعناها من القاضي الصدفي وغيره عن العذري، وسائر الرواة تركوه، بالخاء والراء. وبالنون والزاي ذكر هذا الحرف الهروي وفسّره، وهو الأشبه بمساق الكلام، ومعناه: طعنوا فيه، وهو مأخوذ من النيزك وهو الرمح القصير، ومنه الحديث: «يقتل عيسى الدجال بالنزك» " وقد وقع مفسّراً في الحديث نفسه من رواية العقيلي فقال: أي نحوه، وذكره الترمذي أيضاً هكذا من قول النضر، وكان شهر تولى بعض عمل السلطان فتكلم فيه، لكن البخاري قال فيه: حسن الحديث، وصحح حديثه أحمد بن حنبل ويحيى بن سعيد. وقوله في هذا الحديث: " على أسكفة الباب " يريد: عتبته السفلى التي توطأ.
ذكر مسلم قول يحيى بن سعيد: «لم نر أهل الخير في شيء أكذب منهم في الحديث " يقول: " يجري الكذب على لسانهم، ولا يتعمدون الكذب يعني: أنهم يحدثون بما لم يصح، لقلة معرفتهم بالصحيح، والعلم بالحديث، وقلة حفظهم، وضبطهم لما سمعوه، وشغلهم بعبادتهم، وإضرابهم عن طريق العلم، فكذبوا من حيث لم يعلموا وإن لم يتعمدوا، وعلى هذا يأتي قولهم: " كذب " في صالح المرّي وشبهه فيما ذكر في " الأم "، أي أخطأ، وقال: ما ليس هو، وإن لم يتعمد، وقد يقع في الكذب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منهم من غلبت عليه العبادة، ولم يكن معه علم فيضع الحديث في فضائل الأعمال ووجوه البر، ويتساهلون في رواية ضعيفها ومنكرها، وموضوعها، كما قد حكى عن كثير منهم، واعترف به بعضهم وهم يحسبون لقلة علمهم أنهم يحسنون صنعاً، وربما احتجوا في ذلك بالحديث المأثور عن أبي هريرة يرفعه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: « إذا حدّثتم عني حديثاً تعرفونه ولا تنكرونه فصدقوا به، قلته أو لم أقله، فإني أقول ما يعرف ولا ينكر» وهو حديث ضعفه الأصيلي وغيره من الأئمة، وتأوله الطحاوي وغيره، ومعناه: لو صحّ ظاهره وهو أنه ما جاء عنه موافقاً لكتاب الله وما عرف من سنته غير مخالف لشريعته ولا يحقق أنه قاله بلفظه فيصدّق به- أي بمعناه- لا بلفظه، إذ قد صحّ من أصول الشريعة أنه قاله بغير هذا اللفظ ولا يكذّب به إذ قد يحتمل أنه قاله وذكر حديث عبد الله بن عمرو: " يوم الفطر يوم الجوائز " يريد الحديث الذي يرويه أنه «إذا كان يوم الفطر وقفت الملائكة على أفواه الطرق ونادت: يا معشر المسلمين، أغدوا إلى ربٍ رحيمٍ، يأمر بالخير ويثيب عليه الجزيل، أمركم بالصيام فصمتم، وأطعتم ربكم، فاقبلوا جوائزكم، فإذا صلوا العيد نادى منادٍ من السماء: ارجعوا إلى منازلكم راشدين قد غفرت ذنوبكم كلها، ويسمى ذلك اليوم يوم الجائزة ».
وذكر مسلم عن ابن المبارك: " رأيت روح بن غطيفٍ " كذا صوابه بالغين المعجمة المضمومة والطاء المهملة المفتوحة، ورواية كافة شيوخنا فيه عن العذري والطبري والسمرقندي بضاد معجمة، وهو خطأ، وثبتنا متقنوهم على الصواب المتقدّم فيه، وقد ذكره البخاري في تاريخه الكبير وقال: هو منكر الحديث.
وقوله فيه: " صاحب الدم قدر الدرهم "، يريد الحديث الذي رواه روح هذا عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة يرفعه: " تعاد الصلاة من قدر الدرهم "، وهو حديث باطل لا أصل له عند أهل الحديث.
وقد اختلف العلماء في إزالة النجاسة هل هي واجبة أو لا؟، وهل هي شرط في صحة الصلاة أم لا؟ وعلى هذا اختلفوا فيمن صلى بها، فأوجب بعضهم الإعادة بكل حال وبعضهم راعى الوقت في الإعادة، وفرّق بعضهم بين الساهي والعامد، فيعيد عنده الساهي في الوقت والعامد أبداً، واضطرب مذهبنا على هذه الأقوال إلا الإعادة جملة، وكذلك اختلفوا في العفو عن يسيرها، فذهب أهل العراق إلى أن قدر الدرهم من جميع النجاسات معفوٌ عنه، قياساً على موضع الاستجمار، وذهب الشافعي إلى أنه لا يعفى عن شيء منها دمٍ ولا غيره ويغسل قليلها وكثيرها، وذهب مالك إلى ذلك إلا في الدم، فرأى العفو عن يسيره للضرورة اللازمة منه من البراغيث وحك البثر وشبهه، واختلف عنه في العفو عن يسير دم الحيض.
و في المذهب عن يسير دم غير الإنسان ويسير القيح والصديد قولان. واختلف قول من رخّص في يسيره، هل الدرهم قليل أو كثير، واختلف قول مالك في ذلك فمرّة قلله ومرّة كثّره ومرّة وقف فيه، وقال: لا أجيبكم إلى هذا الضلال، وحدّد أحمد الكثير بشبر في شبر، ونقل المخالف عن مذهبنا في ذلك قولاً منكراً عندنا. وذكر مسلم قول الحارث الأعور:
«تعلمت الوحي في سنتين» ، وقوله: «القرآن هيّن والوحي أشد» ، وأورده في جملة ما أنكر من قوله وشفاعات مذهبه، وأخذ عليه فيه من الغلو والتشيع والكذب ومذاهب الروافض وأرجو أن يكون هذا من أخفّ أقواله لاحتماله الصواب، فقد فسّره بعضهم أن المراد بالوحي هنا الكتاب والخط، وعن الخطابي مثله، قال ابن دريد: وحى يحي وحيًا إذا كتب، و قال الهروي: قوله تعالى: {فأوحى إليهم أن سبّحوا} أي: كتب لهم في الأرض، إذ كان لا يتكلم، وقيل: أوحى: رمز، وقال بعض اللغويين: وحى وأوحى واحد، وقاله صاحب الأفعال، وعلى هذا فليس على الحارث درك، وعليه الدرك في غير ذلك، لكنّه لما عرف من تشنّع مذهبه في غلوّ التشيع، ودعواهم من الوصية إلى علي وسرّ النبي- عليه السلام- من الوحي وعلم الغيب ما لم يطلع عليه غيره- بزعمهم- ودعوى بعضهم من غلاتهم الوحي إلى عليٍّ سيّئ الظن بالحارث في كلامه هذا، وذهب به ذلك المذهب، وقد أنكر على ما ادعته شيعته من ذلك، وقال ابن عباس: «لا وحي إلا القرآن»، ولعله فهم من الحارث معنىً منكراً فيما أراده، والله أعلم.
وقوله: " غلمةٌ أيفاعٌ " أي شببةٌ بالغون، يقال: غلام يافعٌ ويفعٌ ويفعةٌ إذا شبّ وبلغ، أو كاد يبلغ، واسم الغلام ينطلق على الصبي من حين يولد على اختلاف حالاته إلى بلوغه قال الثعالبي: فإذا قارب البلوغ أو بلغه يقال له حينئذٍ: يافعٌ وقد أيفع، وهو نادر، وقال أبو عبيدٍ: أيفع الغلام إذا شارف الاحتلام ولم يحتلم، وقد جاء في الحديث: " وابني قد أيفع أو كرب " وهذا يدل على ما قاله الثعالبي ويصححه، وأن أيفع بمعنى بلغ، وإلا فلا معنى لقوله: كرب، إذاً.
ذكر مسلم قول الشعبي: " حدثني الحارث الأعور، وهو يشهد أنه من الكاذبين " إنما حدّث هؤلاء الأئمة عن مثل هؤلاء، مع اعترافهم بكذبهم وسمعوا منهم مع علمهم بجرحتهم لوجوه:
منها: أن يعلموا صور حديثهم وضروب روايتهم، لئلا يأتي مجهولٌ أو مدلسٌ فيبدل اسم الضعيف ويجعل مكانه قوياً فيدخل بروايته اللبس، فيعلم المحقق لها العارف بها أن مخرجها من ذلك الطريق، فلا ينخدع بتلبيس ملبس بها، وبهذا احتجّ ابن معين في روايته صحيفة معمر عن أبان.
والثاني: أن يكون الرجل إنما ترك لأجل غلطه وسوء حفظه، أو يكون ممن أكثر فأصاب وأخطأ فتروى أحاديثه، والحفاظ يعرفون وهمه وغلطه وما وافق فيه الأثبات وما خالفهم فيه، فيدعون تخليطه، ويستظهرون بصحيح حديثه لموافقته غيره، وبهذا احتجّ الثوري حين نهى عن الكلبي فقيل له: أنت تروى عنه؟! قال: أنا أعلم صدقه من كذبه، وهم لا يروون شيئاً منها للحجّة بها والعمل بمقتضاها.
وذكر مسلم نهى أبي عبد الرحمن السّلمي عن مجالسة شقيق، قال: وليس بأبي وائل، وشقيق هذا الذي نهى عن مجالسته لتهمته برأي الخوارج هو شقيق الضبي القاص، كوفي، ضعّفه النسائي، ويكنى بأبي عبد الرحيم، قال بعضهم: وهو أبو عبد الرحيم الذي حذّر منه إبراهيم في الكتاب قبل هذا بشيء وقيل: إن أبا عبد الرحيم الذي حذّر منه إبراهيم قبل هذا هو سلمة بن عبد الرحمن النخعي، وذكر ذلك ابن أبي حاتم الرازي في كتابه عن ابن المديني.
وقول مسلم: " وليس بأبي وائل "، يعني ليس شقيق هذا الذي نهى عن مجالسته بشقيق بن سلمة أبي وائل الأسدي المشهور، معدود في كبار التابعين، وقد أدرك النبي صلّى الله عليه وسلّم ولم يسمع منه، قاله البخاري وغيره. قال أبو وائل: بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم وأنا ابن عشر سنين.
وذكر مسلم جابراً الجعفي وأنه أظهر الإيمان بالرجعة- هذه الكلمة بفتح الراء وقد حكى فيها الكسر كرجعة المطلقة، تلك بالكسر، و معنى ذلك نحو ما فسّره عنه بعد هذا سفيان من قول الرافضة: إن علياً في السحاب، فلا تخرج مع من خرج من ولده حتى ينادى من السماء أن اخرجوا معه، ويتأولون فيه أنه أخوة يوسف: {فلن أبرح الأرض حتّى يأذن لي أبي}، وأما الطائفة المعروفة بالسبّائية والأخرى المعروفة بالناروسية فيدّعون أن علياً لم يمت، وأنه سيخرج فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً، وقال ابن سباء للذي جاءه بنعي علي: لو جئتنا بدماغه في تسعين صرة لعلمنا أنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه، فذكر ذلك لابن عباس فقال: لو علمنا ذلك ما زوّجنا نساءه ولا قسّمنا ماله.
قال الإمام أبو عبد الله: قال مسلم: " ثنا سلمة بن شبيب ثنا الحميدي ثنا سفيان قال: سمعت جابراً يحدّث بنحو من ثلاثين حديثاً ما أستحل أن أذكر منها شيئاً ".
قال الإمام أبو عبد الله: قال بعضهم: سقط ذكر سلمة بن شبيب بين مسلم والحميدي عند ابن ماهان، والصواب رواية أبي أحمد الجلودي بإثباته، فإن مسلماً لم يلق الحميدي ولا حدّث عنه. قال القاضي: الذي رواه شيوخنا في هذا الخبر عن سفيان ثلاثين ألف حديث، وبعضهم الذي حكى عنه هذا الكلام، ويحكى عنه ما تعلق هو الجبائي أبو علي شيخنا، وقد جاء عن جابر في " الأم " قبل هذا عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر.
قال القاضي: وقال أبو عبد الله بن الحذاء- وهو أحد رواة كتاب مسلم-: سألت عبد الغني بن سعيد: هل روى مسلم عن الحميدي؟ فقال: لم أره إلا في هذا الموضوع وما أبعد ذلك، أو يكون سقط قبل الحميدي رجلٌ، وعبد الغني إنما رأى من مسلم نسخة ابن ماهان فلذلك قال ما قال، ولم يكن بعد دخلت نسخة الجلودي، وقد ذكر مسلم قبل هذا: ثنا سلمة ثنا الحميدي - في حديث آخر- كذا هو عند جميعهم- وهو الصواب هنا أيضاً إن شاء الله تعالى.
وذكر مسلم عن أيوب أنه قال في رجل: لم يكن مستقيم اللسان، وعن آخر: إنه يزيد في الرقم، هذا كله تعريض بالكذب في نفى استقامة اللسان وفي استعارة الزيادة في الرقم كالتاجر الذي يزيد في رقم السّلعة ويكذب فيها ليربح على الناس ويغرهم بذلك الرقم ليشتروا عليه.
وذكر مسلم قول قتادة زمان طاعون الجارف. قال القاضي- رحمه الله-: كان طاعون الجارف سنة تسعة عشرة ومائة بالبصرة، وسمي بذلك لكثرة من مات فيه من الناس، وسمي الموت جارفاً لإجرافه الناس، والسيل جارفاً لإجرافه ما على وجه الأرض، والجرف: الغرف من فوق الأرض واكتساح ما عليها. وذكر مسلم إنكار عوف على عمرو بن عبيد روايته عن الحسين: " من حمل علينا السلاح فليس منا " وقوله: " كذب والله، ولكنه أراد أن يحوذها لقوله الخبيث " يعني لمذهبه في الاعتزال، بإخراج أهل المعاصي من اسم الإيمان.
قال بعض شيوخنا: العجب من مسلم كيف أدخل هذا فيما أنكر على عمرو، والحديث صحيح قد خرّجه هو بعد هذا في كتاب الإيمان.
قال القاضي: لا عيب على مسلم ولا عجب مما أتاه، فإنه لم يدخله لوهن الحديث وضعفه، وإنما أورده لقول عوف في عمرو وتجريحه، ولو كان التعجب من عوف كان أولى، ولعل عوفاً إنما كذّبه في روايته هذا الحديث عن الحسين وأنه ليس من حديثه، وكان عوف من كبار أصحاب الحسن والحافظين لحديثه، أو لم يكن عند عوف من الحديث علم، ولا بلغه، وقد خرّجه مسلم من طرق كثيرة ليس منها عن الحسن شيء، وقد يكون إنما كذّبه في تأويله لمعناه على مذهبه، ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم وأشباهه من الأحاديث الواردة على مثل هذا: أنه ليس ممن اهتدى بهدينا، واقتدوا بعلمنا.
وقال الطحاوي: وكأن الله اختار لنبيه الأمور المحمودة ونفى عنه المذمومة، فمن عمل المحمودة فهو منه، ومن عمل المذمومة فليس منه كما قال تعالى عن إبراهيم: {فمن تبعني فإنّه منّي} الآية، وهذا راجع إلى المعنى الأول، وكما يقول الرجل لولده إذا لم يرض حاله: لست مني.
وذكر مسلم قول أيوب: «إنما نفرّ أو نفرق من تلك الغرائب»: أي نفزع ونتحاشى من روايتها لئلا نكون أحد الكاذبين على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إن كانت الغرائب من الأحاديث، وإن كانت من الآراء والمذاهب والفتوى فحذراً من البدع، ومخالفة الجمهور، باتباعه الغريب الذي لا يعرف.
وذكر مسلم الاختلاف عن الحسن في جلد السكران من النبيذ، لم يختلف العلماء أنه إذا سكر حدّ، وأن كل مسكر لشدته المطربة حرام، كان خمراً أو غيره، وأما إن شرب من الشراب المختلف فيه ولم يسكر فمن يبيح شربه لا يحدّه ومن يمنعه يحدّه، وهو مالك والشافعي، وتأول بعضهم قول مالك أنه في غير المجتهد، وأما المجتهد الذي يرى إباحته فلا يحدّه، لأنه قد ناظر في المسألة جماعة من الأئمة الذين كانوا يشربونه ولم يأمر بحدّهم، وقد كانت الأمور تجري بأمره وعلى رأيه، ونص الشافعي على حدّ المجتهد وقال: أحدّه ولا أردّ شهادته.
وذكر مسلم كتاب شعبة لمعاذ العنبري: «لا تكتب عن أبي شيبة» . قال القاضي- رحمه الله-: وقوله: " ومزّق كتابي ": لعله أمره بتمزيقه حذراً أن يعتقد عليه ذلك أبو شيبة أو من له أمر الطعن على من قدموا. وذكر مسلم هنا في صدر كتابه حديث الصلاة على قتلى أحد وعلى أولاد الزنا.
جاءت الآثار الصحاح عن جابر؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لم يصل على قتلى أحدٍ صلاته على الميت »، وعن ابن عباس وابن الزبير أنه صلى يوم أحد على قتلى أحدٍ ولم يغسّلوا ومثله عن أنس، وروى عقبة بن عامر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم خرج يوماً فصلى على أهل أحد صلاته على الميت وعن ابن عباس وابن الزبير أنه صلى يوم أحد على قتلى أحد. فاختلف العلماء في غسلهم والصلاة عليهم باختلاف هذه الأحاديث، فذهب مالك والشافعي وأحمد والليث في جماعة أنهم لا يغسّلون ولا يصلى عليهم، وذهب أبو حنيفة والأوزاعي والثوري إلى إنهم لا يغسلون ويصلى عليهم، وذهب ابن المسيب والحسن إلى غسلهم والصلاة عليهم، وحجة مالك ومن وافقه الأحاديث المتقدمة وأن حديث عقبة كان بعد دفنهم بسنين، ويعني الدعاء والترحم عليهم، ولأن الصلاة على الموتى، وقد أخبر الله تعالى أن الشهداء أحياء، ولأنهم يبعثون في دمائهم وريحها ريح مسك والغسل يذهبها، فوجب ألا تغير أحوالهم، ولم تصح عندهم الأحاديث الأخر حتى تعارض بها تلك الأحاديث الصحيحة، وأما ولد الزنا فليس فيه أثر يعول عليه، وعامة العلماء على الصلاة عليه كغيره من أولاد المسلمين، إلا قتادة فقال: لا يصلى عليه، وسيأتي هذا الباب كله في الصلاة على الأطفال في كتاب الجنائز، إن شاء الله تعالى.
وذكر مسلم حديث العطارة ولم يفسّره. هو حديث رواه زياد بن ميمون أبو عمار عن أنس، أن امرأة يقال لها: الحولاء عطّارة، كانت بالمدينة فدخلت على عائشة وذكرت خبرها مع زوجها، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم ذكر لها في فضل الزوج، وهو حديث طويل غير صحيح، ذكره ابن وضاح بكماله في كتاب " القطعان " له، ويقال: إن هذه العطّارة الحولاء هي بنت تويت المذكورة في غير هذا الحديث.
وذكر مسلم عن عبد القدوس أنه كان يقول: " سويد بن عقلة "، بالعين المهملة والقاف. و" أن تتخذ الرّوح عرضًا " بفتح الراء في الأولى والعين المهملة وسكون الراء في الثانية، وتفسيره لذلك بما ذكره، وإنما أراد مسلم أنه صحف في ذلك، وأخطأ في الرواية والتفسير، وإنما صوابه سويد بن غفلة- بالغين المعجمة والفاء، والروح بضم الراء وغرضًا بالغين المعجمة وفتح الراء، أي يتخذ ما فيه روح غرضًا للرمي وشبهه، وقد ذكره في كتاب الصيد على الصواب، وهذا مثل نهيه- عليه السلام- عن قتل المصبورة والمجثّمة، وهي ذات الروح من الطير وغيره، تصبر، أي تحبس ليرمى عليها، وسيأتي هذا في كتاب الصيد، ولم يختلف العلماء في منع أكلها وأنها غير ذكيّة.
وفائدة الحديث: النهي عن قتل الحيوان لغير منفعة والعبث بقتله. وقال الطبري: فيه دليل على منع قتل ما أحل أكله من الحيوان ما وجد إلى تزكيته سبيل، ثمّ فيه فساد المال.


وذكر أبا سعيد الوحاظيّ، هو بضم الواو، وحاظة بطن من بطون حمير، كذا قيدناه عن شيوخنا، وحكى عن أبي الوليد الباجي فيه فتح الواو.
وذكر مسلم عن حمزة الزيات، أنه رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم في المنام فعرض عليه ما سمع من أبان فما عرف منها إلا شيئاً يسيراً. هذا ومثله استئناس واستظهار على ما تقرر من ضعف أبان لا أنه يقطع بأمر المنام، ولا أن تبطل بمثله سنّة ثبتت، ولا يثبت به سنّة لم تثبت بإجماع من العلماء. وقوله- عليه السلام-: «من رآني في المنام فقد رآني أو قد رأى الحق- فإن الشيطان لا يتمثل بي» " أي إن رؤياه- عليه السلام- حق ليس فيها للشيطان عمل ولا تلبيس، وأن الشيطان غير متسلط على التصور في المنام على صورته، أو يكون ما رؤي فيه مات الرؤيا الصحيحة لا من أضغاث الأحلام، وقيل: فقد رآني حقاً، ورأى شخصه المكرّم حقيقةً، وسيأتي كلام الإمام أبي عبد الله على هذا الحديث وما ذيلناه به في كتاب العبارة إن شاء الله تعالى.
وذكر مسلم عن جماعة من الأئمة رموا جماعة بالكذب: اعلم أن الكاذبين على ضربين: ضرب عرف بذلك في حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهم على أنواع: منهم من يضع عليه ما لم يقله أصلاً إما تراقعًا واستخفافاً، كالزنادقة وأشباههم ممن لم يرج للدين وقاراً، أو حسبة بزعمهم، أو تديّنًا كجهلة المتعبّدة الذين وضعوا الأحاديث في الفضائل والرغائب، أو إغراباً وسمعةً كفسقة المحدثين، أو تعصباً واحتجاجاً كدعاة المبتدعة ومتعصبي المذاهب، أو اتباعاً لهوى أهل الدنيا فيما أرادوه وطلب العذر لهم فيما أتوه، وقد تعيّن جماعةٌ من كل طبقة من هذه الطبقات عند أهل الصنعة وعلم الرجال.
ومنهم من لا يضع من الحديث، ولكن ربما وضع للمتن الضعيف إسنادًا صحيحاً مشهورًا.
ومنهم من يقلب الأسانيد، أو يزيد فيها ويتعمّد ذلك إما للإغراب على غيره أو لرفع الجهالة عن نفسه.
ومنهم من يكذب فيدّعي سماع ما لم يسمع أو لقاء من لم يلق ويحدّث بأحاديثهم الصحيحة عنهم.
ومنهم من يعمد إلى كلام الصحابة أو غيرهم وحكم العرب والحكماء فينسبها للنبي صلّى الله عليه وسلّم.
فهؤلاء كلهم كذابون متروكو الحديث، وكذلك من تجاسر بالحديث بما لم يحققه ولم يضبطه أو هو شاك فيه، فلا تحدّث عن هؤلاء ولا يقبل ما حدثوا به، ولو لم يكن منهم مما جاؤوا به من هذه الأمور إلا المرة الواحدة، كشاهد الزور إذا تعمد ذلك مرة واحدة سقطت شهادته، واختلف هل تقبل في المستقبل إذا ظهرت توبته أو زادت في الخير حالته؟
والصنف الآخر من لا يستجيز شيئاً من هذا كله في الحديث، ولكنه يكذب في حديث الناس، قد عرف بذلك، فهذا أيضاً لا يقبل حديثه ولا شهادته، قاله مالك وغيره، وتنفعه التوبة ويرجع إلى القبول. فأما من يندر منه القليل من الكذب ولم يعرف به فلا يقطع بتجريحه مثلهم إذ يتأول عليه الغلط أو الوهم، وإن اعترف متعمد ذلك المرة الواحدة ما لم يضر بها مسلماً فلا يلحق بمثله الجرحة، وإن كانت معصيةٌ لندورها، ولأنها لا تلحق بالكبائر الموبقات، ولأن أكثر الناس قل ما يسلمون من مواقعات بعض هذه الهنات، وبهذا قال مالك- رحمه الله- فيمن تردّ شهادته: أن يكون كاذباً في غير شيء. وقال سحنون في الذي يقارف بعض الذنب كالزلة: تجوز شهادته، لأنّ أحداً لا يسلم من مثل هذا، فإذا تكرّر هذا منه سقطت به شهادته، وكذلك لا يسقطها كذبه فيما هو من باب التعريض أو الغلو في القول، إذ ليس بكذب على الحقيقة وإن كان في صورة الكذب، لأنه لا يدخل تحت حدّ الكذب ولا يريد المتكلم به الإخبار عن ظاهر لفظه، وقد قال عليه السلام: " أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه ". وقال إبراهيم عليه السلام: " هذه أختي " وقد أشار مالك- رحمه الله- لنحو هذا.
وذكر مسلم عن بقية بن الوليد أنه يكني الأسامي، ويسمى الكنى. هذا نوع من التدليس، فإذا فعله صاحبه في الضعفاء ليوهم أمرهم على الناس فهو قبيح، لأنه يلبّس بذلك ويخيّل أن ذلك الراوي ليس هو ذاك الضعيف لتركه اسمه أو كنيته التي عرف بها واشتهر بها، ويسميه أو يكنيه بما لا يعرف به، فيخرجه إلى حد الجهالة من حدّ المعرفة بالجرحة والترك، فيرفع رتبته عن الاتفاق إلى الخلاف أو عن القطع على طرح حديثه المتروك إلى المسامحة في رواية حديث المجهول، وأشد منه أن يكنى الضعيف أو يسميه بكنية الثقة أو اسمه لاشتراكهما في ذلك، وشهرة الثقة بذلك الاسم أو الكنية، فهذا الباب مما يقدح في فاعله، وسنزيد الكلام فيه بسطاً في فصل التدليس. ولهذا كان أبو مسهر يقول: احذروا أحاديث بقيّة فإنها غير نقية، وكونوا من بقيتها على حذر.
ذكر مسلم صالحاً مولى التّوأمة، كذا صوابه بفتح التاء المشدّدة وإسكان الواو بعدها همزة مفتوحة، وقد تسهّل فتفتح الواو وتنقل عليها حركة الهمزة فيقال: التّومة، ومن ضم التاء وهمز الواو أخطأ، وهي رواية أكثر المشايخ والرواة، وكما قلناه قيّده أصحاب المؤتلف والمختلف، وكذلك أتقنّاه على أهل المعرفة من شيوخنا، والتّومة هذه هي بنت أمية بن خلف الجمحي، قاله البخاري وغيره، قال الواقدي: وكانت في بطن مع أخت لها، فلذلك سمّيت التّومة، وهي مولاة أبي صالح من فوق، وأبو صالح هذا اسمه نبهان.
وذكر مسلم عن مالك وقد سئل عن رجل فقال: لو كان ثقةً لرأيته في كتبي. هذا ترجيح من مالك- رحمه الله- وتعديل منه صريح لكل من أدخله في كتبه، وقد اختلف العلماء في رواية الثقة عن المجهول، فذهب بعضهم إلى أنه تعديل، وذهب الأكثر إلى أنه ليس بتعديل حتى يصرّح بعدالته بقوله أو ما يدل على ذلك، فأما من عرف بمثل حال مالك ونقل عنه مثل قوله فروايته عنه وإدخاله في كتبه تصريح بعدالته.
قال الإمام أبو عبد الله: قال مسلم في حديث آخر: " حدثني بشر بن الحكم قال: سمعت يحيى القطّان ضعّف حكيم بن جبير وعبد الأعلى، وضعف يحيى موسى بن دينار ". وكذا صواب هذا الكلام، وفي أكثر النسخ: وضعّف يحيى بن موسى بن دينار، وهذا وهم، وموسى بن دينار هو المكي، ضعّفه يحيى، وقد نقل أبو جعفر العقيلي في كتابه في " الضعفاء " كلام يحيى هذا في موسى بن دينار وعبد الأعلى وحكيم بن جبير.
قال القاضي: رواية جميع شيوخنا في " الأم " بغير واو على الوهم، وهذا يصحّح أنه من رواة مسلم، والصواب عندهم ما تقدم، وكذا صحّحه الجياني والصدفي وغيره من شيوخنا، ويحيى هو ابن سعيد القطان المذكور أوّلاً.
ذكر مسلم قول ابن عليّة: وقد تكلم رجلٌ في رجلٍ فقال له آخر: اغتبته، فقال: ما اغتابه ولكنه حكم أنه ليس بثبتٍ، وقد تقدّم الكلام أن مثل هذا ليس بغيبة، بل لو لم يحسن مقصده وقصد محض التنقص والعيب لا بيان الحال لأجل الحديث لكان غيبة، وكذلك لو لم يكن المتكلم من أهل هذا الشأن، ولا ممن يلتفت إلى قوله فيه لما جاز له ذكر ذلك ولكان غيبةً، وهذا كالشاهد ليس تجريحه غيبةً ولو عابه قائل بما جرح به على طريق المشاتمة والتنقص له أدب له وكانت غيبة، وقد قيل ليحيى بن سعيد: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماك عند الله؟ فقال: لأن يكونوا خصمائي أحبّ إليّ من أن يكون خصمي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يقول: لم حدثت عني حديثًا ترى أنه كذب؟.
ذكر مسلم تجريح قوم لجماعةٍ فيهم من يوجد تعديلهم لآخرين من الأئمة، وهذه مسألة اختلف فيها المحدّثون والفقهاء والأصوليون في باب الخبر وباب الشهادة، وقالوا: إذا عدّل معدّلون رجلاً وجرّحه آخرون فالجرح أولى، وحكوا في ذلك إجماع العلماء مع الحجة بأن المجرح زاد ما لم يعلمه المعدّل، وهو بين، ولا خلاف في هذا إذا كان عدد مع الحجة بأن المجرح زاد ما لم يعلمه المعدّل، وهو بين ولا خلاف في هذا إذا كان عدد المجرحين أكثر، فإن تساووا فكذلك عند القاضي أبي بكر والجمهور، وذهب بعض المالكية إلى توقف الأمر عند التكافي، وقيل: يقضي بالأعدال. فإن كان عند المعدلين أكثر فالجمهور على تقديم الجرح للعلة المتقدمة. وذهبت طائفة إلى ترجيح التعديل، وقال الباجي: وهذا عندي يحتاج إلى تفصيل، فإذا قال المعدّل: هو عدلٌ رضي، وقال المجرّح: فاسق رأيته أمس يشرب الخمر، فلا تنافي بين الشهادتين. وقد أثبت هذا فسقاً لم يعلمه الآخر، فأما لو قال المعدّل: ما فارقني أمس الجامع ومثل هذا، فقد تعارضت الشهادتان، ولعل توقّف من توقّف من أصحابنا لهذا الوجه.
وقال اللخمي: إذا كان اختلافهما في ذلك عن كلام قاله في مجلس أو فعلٍ فعله قضى بالأعدال لا به تكاذب، وهذا نحو ما أشار إليه الباجي، وإن كان عن مجلسين متباينين غلب الجرح، وإليه يرجع قول الجمهور، وإن تباعدت شهادة العدل من شهادة المجرح قضى بآخرهما- وهذا مما لا يختلف فيه- إلا أن يعلم أنه كان حين شهد عليه بتقادم الجرح ظاهر العدالة إذ ذاك، حسب ما هو عليه الآن فيغلب الجرح.
قال القاضي: ثم يرجع إلى الأصل عند تعارض الشهادتين، فإن كان قبل محمولاً على العدالة، وجاءت بعد مثل هذه الشهادة مضت عدالته على ما تقدم له وعرف من حاله إذ سقطت الشهادتان، وإن كان على غير ذلك بقي على حكمه الأول، وهل يترجح التعارض مع القول بالتوقف بالكثرة على الخلاف المتقدم.
وقال مسلم في النهي عن التحدث بالأخبار الضعيفة كلاماً، قال في آخره: " أو يستعمل بعضها أو أقلها أو أكثرها أكاذيب لا أصل لها " كذا رواية شيوخنا عن الدلائي، وهو محتمل مصحف غير مستقل، والصواب روايتهم عن الفارسي: " ولعلها- أو أكثرها- أكاذيب " وأظن اللام أنفصلت مما بعدها من لعلها، فقرأه: أقلها وغرّه ذكر أكثرها بعد). [إكمال المعلم: 1/124-163]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 رجب 1435هـ/5-05-2014م, 06:20 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح مقدمة صحيح مسلم من المنهاج

قال أبو زكريّا يحيى بن شرفٍ النّوويّ (ت: 676هـ): ( (باب بيان أنّ الإسناد من الدّين وأنّ الرّواية لا تكون إلّا عن الثّقات)
وأنّ جرح الرّواة بما هو فيهم جائزٌ بل واجبٌ وأنّه ليس من الغيبة الحّرّمة بل من الذّبّ عن الشّريعة المكرّمة قال رحمه اللّه (حدّثنا حسن بن الرّبيع قال حدّثنا حمّاد بن زيدٍ عن أيّوب وهشامٍ عن محمّدٍ وحدّثنا فضيلٌ عن هشامٍ وحدّثنا مخلد بن حسينٍ عن هشامٍ عن بن سيرين) أمّا هشامٌ أوّلًا فمجرورٌ معطوفٌ على أيّوب وهو هشام بن حسّانٍ القردوسيّ بضمّ القاف ومحمد هو بن سيرين والقائل وحدّثنا فضيلٌ وحدّثنا مخلدٌ هو حسن بن الربيع وأما فضيل فهو بن عياضٍ أبو عليٍّ الزّاهد السّيّد الجليل رضي اللّه عنه وأمّا قوله (وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم) فهذه مسألة قد قدّمناها في أوّل الخطبة وبيّنّا المذاهب فيها قوله (حدثنا إسحاق بن ابراهيم الحنظلى) هوابن راهويه الإمام المشهور حافظ أهل زمانه وأمّا الأوزاعيّ فهو أبو عمرٍو عبد الرّحمن بن عمرو بن يحمد بضمّ المثنّاة من تحت وكسر الميم الشّاميّ الدّمشقيّ إمام أهل الشّام في زمنه بلا مدافعةٍ ولا مخالفةٍ كان يسكن دمشق خارج باب الفراديس ثمّ تحوّل إلى بيروت فسكنها مرابطًا إلى أن مات بها وقد انعقد الإجماع على إمامته وجلالته وعلوّ مرتبته وكمال فضيلته وأقاويل السّلف كثيرةٌ مشهورةٌ في ورعه وزهده وعيادته وقيامه بالحقّ وكثرة حديثه وفقهه وفصاحته واتّباعه السّنّة وإجلال أعيان أئمّة زمانه من جميع الأقطار له واعترافهم بمزيّته وروّينا من غير وجهٍ أنّه أفتى في سبعين ألف مسألةٍ وروى عن كبار التّابعين وروى عنه قتادة والزّهريّ ويحيى بن أبي كثيرٍ وهم من التّابعين وليس هو من التّابعين وهذا من رواية الأكابر عن الأصاغر واختلفوا في الأوزاع الّتي نسب إليها فقيل بطنٌ من حمير وقيل قريةٌ كانت عند باب الفراديس من دمشق وقيل من أوزاع القبائل أي فرقهم وبقايا مجتمعةٍ من قبائل شتّى وقال أبو زرعة الدّمشقيّ كان اسم الأوزاعيّ عبد العزيز فسمّى نفسه عبد الرّحمن وكان ينزل الأوزاع فغلب ذلك عليه وقال محمّد بن سعدٍ الأوزاع بطنٌ من همدان والأوزاعيّ من أنفسهم واللّه أعلم
قوله (لقيت طاوسًا فقلت حدّثني فلانٌ كيت وكيت فقال إن كان مليًّا فخذ عنه) قوله كيت وكيت هما بفتح التّاء وكسرها لغتان نقلهما الجوهريّ في صحاحه عن أبي عبيدة وقوله إن كان مليًّا يعني ثقةً ضابطًا متقنًا يوثق بدينه ومعرفته ويعتمد عليه كما يعتمد على معاملة المليّ بالمال ثقةً بذمّته وأمّا قول مسلمٍ (وحدّثنا عبد اللّه بن عبد الرّحمن الدّارميّ) فهذا الدّارميّ هو صاحب المسند المعروف كنيته أبو محمّدٍ السّمرقنديّ منسوبٌ إلى دارم بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميمٍ وكان أبو محمّدٍ الدّارميّ هذا أحد حفّاظ المسلمين في زمانه قلّ من كان يدانيه في الفضيلة والحفظ قال رجاء بن مرجّى ما أعلم أحدًا هو أعلم بحديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الدّارميّ وقال أبو حاتمٍ هو إمام أهل زمانه وقال أبو حامد بن الشّرقيّ إنّما أخرجت خراسان من أئمّة الحديث خمسة رجالٍ محمّد بن يحيى ومحمّد بن إسماعيل وعبد اللّه بن عبد الرّحمن ومسلم بن الحجّاج وإبراهيم بن أبي طالبٍ وقال محمّد بن عبد اللّه غلبنا الدّارميّ بالحفظ والورع ولد الدّارميّ سنة إحدى وثمانين ومائةٍ ومات سنة خمسٍ وخمسين ومائتين رحمه اللّه قال مسلمٌ رحمه اللّه (حدّثنا نصر بن عليٍّ الجهضمي حدثنا الأصمعي عن بن أبي الزّناد عن أبيه) أمّا الجهضميّ فبفتح الجيم وإسكان الهاء وفتح الضّاد المعجمة قال الإمام الحافظ أبو سعدٍ عبد الكريم بن محمّد بن منصورٍ السّمعانيّ في كتابه الأنساب هذه النّسبة إلى الجهاضمة وهي محلّةٌ بالبصرة قال وكان نصر بن عليٍّ هذا قاضي البصرة وكان من العلماء المتقنين وكان المستعين باللّه بعث إليه ليشخصه للقضاء فدعاه أمير البصرة لذلك فقال أرجع فأستخير اللّه تعالى فرجع إلى بيته نصف النّهار فصلّى ركعتين وقال اللّهمّ إن كان لي عندك خيرٌ فاقبضني إليك فنام فأنبهوه فإذا هو ميّتٌ وكان ذلك في شهر ربيعٍ الآخر سنة خمسين ومائتين وأمّا الأصمعيّ فهو الإمام المشهور من كبار أئمّة اللّغة والمكثرين والمعتمدين منهم واسمه عبد الملك بن قريبٍ بقافٍ مضمومةٍ ثمّ راءٍ مفتوحةٍ ثمّ ياءٍ مثنّاةٍ من تحت ساكنةٍ ثم باء موحدة بن عبد الملك بن أصمع البصريّ أبو سعيدٍ نسب إلى جدّه وكان الأصمعيّ من ثقات الرّواة ومتقنيهم وكان جامعًا للّغة والغريب والنّحو والأخبار والملح والنّوادر قال الشّافعيّ رحمه اللّه تعالى ما رأيت بذلك العسكر أصدق لهجةً من الأصمعيّ وقال الشّافعيّ رحمه اللّه تعالى أيضًا ما عبّر أحدٌ من العرب بأحسن من عبارة الأصمعيّ وروّينا عن الأصمعيّ قال أحفظ ستّ عشرة ألف أرجوزةٍ وأمّا أبو الزناد بكسر الزّاي فاسمه عبد اللّه بن ذكوان كنيته أبو عبد الرّحمن وأبو الزّناد لقبٌ له كان يكرهه واشتهر به وهو قرشيٌّ مولاهم مدنيٌّ وكان الثّوريّ يسمّي أبا الزّناد أمير المؤمنين في الحديث قال البخاريّ أصحّ أسانيد أبي هريرة أبو الزّناد عن الأعرج عن أبي هريرة وقال مصعب كان أبو الزناد فقيه أهل المدينة وأما بن أبي الزّناد فهو عبد الرّحمن ولأبي الزّناد ثلاثة بنين يروون عنه عبد الرّحمن وقاسمٌ وأبو القاسم وأمّا مسعرٌ فبكسر الميم وهو بن كدامٍ الهلاليّ العامريّ الكوفيّ أبو سلمة المتّفق على جلالته وحفظه وإتقانه قوله مسعر فبكسر الميم وهو بن كدامٍ الهلاليّ العامريّ الكوفيّ أبو سلمة المتّفق على جلالته وحفظه وإتقانه وقوله (لا يحدّث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلا الثقات) معناه لايقبل إلّا من الثّقات وأمّا قوله رحمه اللّه (وحدثني محمد بن عبد اللّه بن قهزاد من أهل مرو قال سمعت عبدان بن عثمان يقول سمعت بن المبارك يقول الإسناد من الدّين) ففيه لطيفةٌ من لطائف الإسناد الغريبة وهو أنّه إسنادٌ خراساني كلّه من شيخنا أبي إسحاق إبراهيم بن عمر بن مضر إلى آخره فإنّي قد قدّمت أنّ الإسناد من شيخنا إلى مسلمٍ خراسانيّون نيسابوريّون وهؤلاء الثّلاثة المذكورون أعني محمّدًا وعبدان وبن المبارك خراسانيون مروزيون وهذا قلّ أن يتّفق مثله في هذه الأزمان أمّا قهزاذ فبقافٍ مضمومةٍ ثمّ هاءٍ ساكنةٍ ثمّ زايٍ ثمّ ألفٍ ثمّ ذالٍ معجمةٍ هذا هو الصّحيح المشهور المعروف في ضبطه وحكى صاحب مطالع الأنوار عن بعضهم أنّه قيّده بضمّ الهاء وتشديد الزّاي وهو أعجمي فلا ينصرف قال بن ماكولا مات محمّد بن عبد اللّه بن قهزاد هذا يوم الأربعاء لعشرٍ خلون من الحلرّم سنة اثنتين وستّين ومائتين فتحصّل من هذا أنّ مسلمًا رحمه اللّه مات قبل شيخه هذا بخمسة أشهرٍ ونصفٍ كما قدّمناه أوّل هذا الكتاب من تاريخ وفاة مسلمٍ رحمه اللّه وأمّا عبدان فبفتح العين وهو لقبٌ له واسمه عبد اللّه بن عثمان بن جبلة العتكيّ مولاهم أبو عبد الرّحمن المروزيّ قال البخاريّ في تاريخه توفّي عبدان سنة إحدى أو اثنتين وعشرين ومائتين وأما بن المبارك فهو السّيّد الجليل جامع أنواع المحّاسن أبو عبد الرّحمن عبد اللّه بن المبارك بن واضحٍ الحنظليّ مولاهم سمع جماعاتٍ من التّابعين وروى عنه جماعاتٌ من كبار العلماء وشيوخه وأئمّة عصره كسفيان الثّوريّ وفضيل بن عياضٍ وآخرين وقد أجمع العلماء على جلالته وإمامته وكبر محلّه وعلوّ مرتبته روّينا عن الحسن بن عيسى قال اجتمع جماعةٌ من أصحاب بن المبارك مثل الفضل بن موسى ومخلد بن حسين ومحمّد بن النّضر فقالوا تعالوا حتّى نعد خصال بن المبارك من أبواب الخير فقالوا جمع العلم والفقه والأدب والنّحو واللّغة والزّهد والشّعر والفصاحة والورع والإنصاف وقيام اللّيل والعبادة والشّدّة في رأيه وقلّة الكلام فيما لا يعنيه وقلّة الخلاف على أصحابه وقال العبّاس بن مصعبٍ جمع بن المبارك الحديث والفقه والعربيّة وأيّام النّاس والشّجاعة والتّجارة والسّخاء والحخبّة عند الفرق وقال محمّد بن سعد صنف بن المبارك كتبًا كثيرةً في أبواب العلم وصنوفه وأحواله مشهورةٌ معروفةٌ وأمّا مرو فغير مصروفةٍ وهي مدينةٌ عظيمةٌ بخراسان وأمّهات مدائن خراسان أربعٌ نيسابور ومرو وبلخ وهراة واللّه أعلم
قوله (حدّثني العبّاس بن أبي رزمة قال سمعت عبد اللّه يقول بيننا وبين القوم القوائم يعني الإسناد) أمّا رزمة فبراءٍ مكسورةٍ ثم زاي ساكنة ثم مم ثم هاء وأما عبد الله فهو بن المبارك ومعنى هذا الكلام إن جاء بإسنادٍ صحيحٍ قبلنا حديثه وإلّا تركناه فجعل الحديث كالحيوان لا يقوم بغير إسنادٍ كما لا يقوم الحيوان بغير قوائم ثمّ إنّه وقع في بعض الأصول العبّاس بن رزمة وفي بعضها العبّاس بن أبي رزمة وكلاهما مشكلٌ ولم يذكر البخاريّ في تاريخه وجماعةٌ من أصحاب كتب أسماء الرجال العباس بن رزمة ولا العبّاس بن أبي رزمة وإنّما ذكروا عبد العزيز بن أبي رزمة أبا محمّدٍ المروزيّ سمع عبد اللّه بن المبارك ومات في المحرّم سنة ستٍّ ومائتين واسم أبي رزمة غزوان واللّه أعلم قوله (أبا إسحاق الطّالقانيّ هو بفتح اللّام قال قلت لابن المبارك الحديث الّذي جاء إنّ من البرّ بعد البرّ أن تصلّي لأبويك مع صلاتك وتصوم لهما مع صومك قال بن المبارك عمّن هذا قلت من حديث شهاب بن خراشٍ قال ثقةٌ عمّن قلت عن الحجّاج بن دينارٍ قال ثقةٌ عمّن قال قلت قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال يا أبا إسحاق إنّ بين الحجّاج بن دينارٍ وبين النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مفاوز تنقطع فيها أعناق المطيّ ولكن ليس في الصّدقة اختلافٌ) معنى هذه الحكاية أنّه لا يقبل الحديث إلّا بإسنادٍ صحيحٍ وقوله مفاوز جمع مفازةٍ وهي الأرض القفر البعيدة عن العمارة وعن الماء الّتي يخاف الهلاك فيها قيل سمّيت مفازةً للتّفاؤل بسلامة سالكها كما سمّوا اللّديغ سليمًا وقيل لأنّ من قطعها فاز ونجا وقيل لأنّها تهلك صاحبها يقال فوّز الرّجل إذا هلك ثمّ إنّ هذه العبارة الّتي استعملها هنا استعارةٌ حسنةٌ وذلك لأنّ الحجّاج بن دينارٍ هذا من تابعي التّابعين فأقلّ ما يمكن أن يكون بينه وبين النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم اثنان التّابعيّ والصّحابيّ فلهذا قال بينهما مفاوز أي انقطاعٌ كثيرٌ وأمّا قوله ليس في الصّدقة اختلافٌ فمعناه أنّ هذا الحديث لا يحتجّ به ولكن من أراد برّ والديه فليتصدّق عنهما فإنّ الصّدقة تصل إلى الميّت وينتفع بها بلا خلافٍ بين المسلمين وهذا هو الصّواب وأمّا ما حكاه أقضى القضاة أبو الحسن الماورديّ البصرى الفقيه الشّافعيّ في كتابه الحاوي عن بعض أصحاب الكلام من أنّ الميّت لا يلحقه بعد موته ثوابٌ فهو مذهبٌ باطلٌ قطعًا وخطأٌ بيّنٌ مخالفٌ لنصوص الكتاب والسّنّة وإجماع الأمّة فلا التفات إليه ولا تعريج عليه وأمّا الصّلاة والصّوم فمذهب الشّافعيّ وجماهير العلماء أنّه لا يصل ثوابهما إلى الميّت إلّا إذا كان الصّوم واجبًا على الميّت فقضاه عنه وليّه أو من أذن له الوليّ فإنّ فيه قولين للشّافعيّ أشهرهما عنه أنّه لا يصحّ وأصحّهما عند محقّقي متأخّري أصحابه أنّه يصحّ وستأتي المسألة في كتاب الصّيام إن شاء الله تعالى وأمّا قراءة القرآن فالمشهور من مذهب الشّافعيّ أنّه لا يصل ثوابها إلى الميّت وقال بعض أصحابه يصل ثوابها إلى الميّت وذهب جماعاتٌ من العلماء إلى أنّه يصل إلى الميّت ثواب جميع العبادات من الصّلاة والصّوم والقراءة وغير ذلك وفي صحيح البخاريّ في باب من مات وعليه نذر أن بن عمر أمر من ماتت أمّها وعليها صلاةٌ أن تصلّي عنها وحكى صاحب الحاوي عن عطاء بن أبي رباحٍ وإسحاق بن راهويه أنّهما قالا بجواز الصّلاة عن الميّت وقال الشّيخ أبو سعدٍ عبد اللّه بن محمّد بن هبة اللّه بن أبي عصرون من أصحابنا المتأخّرين في كتابه الانتصار إلى اختيار هذا وقال الإمام أبو محمّدٍ البغويّ من أصحابنا في كتابه التّهذيب لا يبعد أن يطعم عن كلّ صلاةٍ مدٌّ من طعامٍ وكلّ هذه المذاهب ضعيفةٌ ودليلهم القياس على الدّعاء والصّدقة والحجّ فإنّها تصل بالإجماع ودليل الشّافعيّ وموافقيه قول اللّه تعالى وأن ليس للإنسان إلّا ما سعى وقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا مات بن آدم انقطع عمله إلّا من ثلاثٍ صدقةٍ جاريةٍ أو علمٍ ينتفع به أو ولدٍ صالحٍ يدعو له واختلف أصحاب الشّافعيّ في ركعتي الطّواف في حجّ الأجير هل تقعان عن الأجير أم عن المستأجر واللّه أعلم وأمّا خراشٌ المذكور فبكسر الخاء المعجمة وقد تقدّم في الفصول أنّه ليس في الصّحيحين حراشٌ بالمهملة إلّا والد ربعيٍّ وأمّا قول مسلمٍ (حدّثني أبو بكر بن النّضر بن أبي النّضر قال حدّثني أبو النّضر هاشم بن القاسم قال حدّثنا أبو عقيلٍ صاحب بهيّة) فهكذا وقع في الأصول أبو بكر بن النّضر بن أبي النّضر قال حدّثني أبو النّضر وأبو النضر هذا هو جدّ أبي بكرٍ هذا وأكثر ما يستعمل أبو بكر بن أبي النّضر واسم أبي النّضر هاشم بن القاسم ولقب أبي النّضر قيصر وأبو بكرٍ هذا الاسم له لا كنيته هذا هو المشهور وقال عبد اللّه بن أحمد الدّورقيّ اسمه أحمد قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر قيل اسمه محمّدٌ وأما أبو عقيل فبفتح العين وبهية بضمّ الباء الموحّدة وفتح الهاء وتشديد الياء وهي امرأةٌ تروي عن عائشة أمّ المؤمنين رضي اللّه عنها قيل إنّها سمّتها بهيّة ذكره أبو عليٍّ الغسّانيّ في تقييد المهمل وروى عن بهيّة مولاها أبو عقيلٍ المذكور واسمه يحيى بن المتوكّل الضّرير المدنيّ وقيل الكوفيّ وقد ضعّفه يحيى بن معينٍ وعليّ بن المدنى وعمرو بن عليٍّ وعثمان بن سعيدٍ الدّارميّ وبن عمّارٍ والنّسائيّ ذكر هذا كلّه الخطيب البغداديّ في تاريخ بغداد بأسانيده عن هؤلاء فإن قيل فإذا كان هذا حاله فكيف روى له مسلمٌ فجوابه من وجهين أحدهما أنّه لم يثبت جرحه عنده مفسّرًا ولا يقبل الجرح إلّا مفسّرًا والثّاني أنّه لم يذكره أصلًا ومقصودًا بل ذكره استشهادًا لما قبله وأمّا قوله في الرّواية الأولى للقاسم بن عبيد الله (لأنك بن إمامي هدًى أبي بكرٍ وعمر رضي اللّه عنهما وفى الرواية الثانية وأنت بن إمامي الهدى يعنى عمر وبن عمر رضي اللّه عنهما) فلا مخالفة بينهما فان القاسم هذا هو بن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عمر بن الخطّاب فهو ابنهما وأمّ القاسم هي أمّ عبد اللّه بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكرٍ الصّدّيق رضي اللّه عنه فأبو بكرٍ جدّه الأعلى لأمّه وعمر جده الأعلى لأبيه وبن عمر جدّه الحقيقيّ لأبيه رضي اللّه عنهم أجمعين وأمّا قول سفيان في الرّواية الثّانية (أخبروني عن أبي عقيلٍ) فقد يقال فيه هذه روايةٌ عن مجهولين وجوابه ما تقدّم أنّ هذا ذكره متابعةً واستشهادًا والمتابعة والاستشهاد يذكرون فيهما من لايحتج به على انفراده لأنّ الاعتماد على ما قبلهما لا عليهما وقد تقدّم بيان هذا في الفصول والله أعلم
قوله (سئل بن عونٍ عن حديثٍ لشهرٍ وهو قائمٌ على أسكفّة الباب فقال إنّ شهرًا نزكوه قال يقول أخذته ألسنة النّاس تكلّموا فيه) أمّا بن عونٍ فهو الإمام الجليل الجىمع على جلالته وورعه عبد اللّه بن عون بن أرطبان أبو عونٍ البصريّ كان يسمّى سيّد القرّاء أي العلماء وأحواله ومناقبه أكثر من أن تحصر وقوله أسكفّة الباب هي العتبة السّفلى الّتي توطأ وهي بضمّ الهمزة والكاف وتشديد الفاء وقوله نزكوه هو بالنّون والزّاي المفتوحتين معناه طعنوا فيه وتكلّموا بجرحه فكأنّه يقول طعنوه بالنيزك بفتح النون وإسكان المثنّاة من تحت وفتح الزّاي وهو رمحٌ قصيرٌ وهذا الّذي ذكرته هو الرّواية الصّحيحة المشهورة وكذا ذكرها من أهل الأدب واللّغة والغريب الهرويّ في غريبه وحكى القاضي عياضٌ عن كثيرين من رواة مسلمٍ أنّهم رووه تركوه بالتّاء والرّاء وضعّفه القاضي وقال الصّحيح بالنّون والزّاي قال وهو الأشبه بسياق الكلام وقال غير القاضي رواية التّاء تصحيفٌ وتفسير مسلمٍ يردّها ويدلّ عليه أيضًا أنّ شهرًا ليس متروكًا بل وثّقه كثيرون من كبار أئمّة السّلف أو أكثرهم فممّن وثّقه أحمد بن حنبلٍ ويحيى بن معينٍ وآخرون وقال أحمد بن حنبلٍ ما أحسن حديثه ووثّقه وقال أحمد بن عبد اللّه العجليّ هو تابعي ثقة وقال بن أبي خيثمة عن يحيى بن معينٍ هو ثقة ولم يذكر بن أبي خيثمة غير هذا وقال أبو زرعة لا بأس به وقال التّرمذيّ قال محمّدٌ يعني البخاريّ شهرٌ حسن الحديث وقويٌّ أمره وقال انما تكلم فيه بن عونٍ ثمّ روى عن هلال بن أبي زينب عن شهرٍ وقال يعقوب بن شيبة شهرٌ ثقةٌ وقال صالح بن محمّدٍ شهرٌ روى عنه النّاس من أهل الكوفة وأهل البصرة وأهل الشّام ولم يوقف منه على كذبٍ وكان رجلًا ينسك أي يتعبّد إلّا أنّه روى أحاديث لم يشركه فيها أحدٌ فهذا كلام هؤلاء الأئمّة في الثّناء عليه وأمّا ما ذكر من جرحه أنّه أخذ خريطةً من بيت المال فقد حمله العلماء الحثقّقون على محملٍ صحيحٍ وقول أبي حاتم بن حيّان أنّه سرق من رفيقه في الحجّ عيبةً غير مقبولٍ عند الحّقّقين بل أنكروه واللّه أعلم
وهو شهر بن حوشبٍ بفتح الحاء المهملة والشّين المعجمة أبو سعيدٍ ويقال أبو عبد اللّه وأبو عبد الرّحمن وأبو الجعد الأشعريّ الشّاميّ الحمصيّ وقيل الدّمشقيّ وقوله أخذته ألسنة النّاس جمع لسانٍ على لغة من جعل اللّسان مذكّرًا وأمّا من جعله مؤنّثًا فجمعه ألسنٌ بضمّ السّين قاله بن قتيبة واللّه أعلم وقوله رحمه اللّه (حدّثنا حجّاج بن الشّاعر حدّثنا شبابة) هو حجّاج بن يوسف بن حجّاجٍ الثّقفيّ أبو محمّدٍ البغداديّ كان أبوه يوسف شاعرًا صحب أبا نواسٍ وحجّاجٌ هذا يوافق الحجّاج بن يوسف بن الحكم الثّقفيّ أبا محمّدٍ الوالي الجائر المشهور بالظّلم وسفك الدّماء فيوافقه في اسمه واسم أبيه وكنيته ونسبته ويخالف في جدّه وعصره وعدالته وحسن طريقته وأمّا شبابة فبفتح الشين المعجمة وبالبائين الموحدتين وهو شبابة بن سوار أبو عمرو الفزارى مولاهم المدانى قيل اسمه مروان وشبابة لقبٌ وأمّا قوله (عبّاد بن كثيرٍ من تعرف حاله) فهو بالتّاء المثنّاة فوق خطابًا يعني أنت عارفٌ بضعفه وأمّا الحسين بن واقدٍ فبالقاف وأمّا محمّد بن أبي عتّابٍ فبالعين المهملة
وأمّا قول يحيى بن سعيدٍ (لم نر الصّالحين في شيءٍ أكذب منهم في الحديث) وفي الرّواية الأخرى لم تر ضبطناه في الأوّل بالنّون وفي الثّاني بالتّاء المثنّاة ومعناه ما قاله مسلمٌ أنّه يجري الكذب على ألسنتهم ولا يتعمّدون ذلك لكونهم لا يعانون صناعة أهل الحديث فيقع الخطأ في رواياتهم ولا يعرفونه ويرون الكذب ولا يعلمون أنّه كذبٌ وقد قدّمنا أنّ مذهب أهل الحقّ أنّ الكذب هو الإخبار عن الشّيء بخلاف ما هو عمدًا كان أو سهوًا أو غلطًا وقوله (فلقيت أبا محمّد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان) فالقطّان مجرورٌ صفةٌ ليحيى وليس منصوبًا على أنّه صفة لحامّدٍ واللّه أعلم
قوله (فأخذه البول فقام فنظرت في الكرّاسة فإذا فيها حدّثني أبانٌ عن أنسٍ) أمّا قوله أخذه البول فمعناه ضغطه وأزعجه واحتاج إلى إخراجه وأمّا الكرّاسه بالهاء في آخرها فمعروفةٌ قال أبو جعفر النّحّاس في كتابه صناعة الكتاب الكرّاسه معناها الكتبة المضموم بعضها إلى بعضٍ والورق الّذي قد ألصق بعضه إلى بعضٍ مشتقٌّ من قولهم رسمٌ مكرّسٌ إذا ألصقت الرّيح التّراب به قال وقال الخليل الكرّاسه مأخوذةٌ من أكراس الغنم وهو أن تبول في الموضع شيئًا بعد شيءٍ فيتلبّد وقال أقضى القضاة الماورديّ أصل الكرسيّ العلم ومنه قيل للصّحيفة يكون فيها علمٌ مكتوبٌ كرّاسه واللّه أعلم وأمّا أبانٌ ففيه وجهان لأهل العربيّة الصّرف وعدمه فمن لم يصرفه جعله فعلًا ماضيًا والهمزة زائدةٌ فيكون أفعل ومن صرفه جعل الهمزة أصلًا فيكون فعالًا وصرفه هو الصّحيح وهو الّذي اختاره الإمام محمّد بن جعفر في كتابه جامع اللّغة والإمام أبو محمّد بن السّيّد البطليوسيّ قال رحمه اللّه (وسمعت الحسن بن عليٍّ الحلوانيّ يقول رأيت في كتاب عفّان حديث هشامٍ أبي المقدام حديث عمر بن عبد العزيز قال هشامٌ حدّثني رجلٌ يقال له يحيى بن فلانٍ عن محمّد بن كعب قلت لعفان إنّهم يقولون هشامٌ سمعه من محمّد بن كعبٍ فقال إنّما ابتلي من قبل هذا الحديث فكان يقول حدّثني يحيى عن محمّدٍ ثمّ ادّعى بعد أنّه سمعه من محمّدٍ) أمّا قوله حديث عمر فيجوز في إعرابه النّصب والرّفع فالرّفع على تقدير هو حديث عمر والنّصب على وجهين أحدهما البدل من قوله حديث هشامٍ

والثّاني على تقدير أعني وقوله قال هشامٌ حدّثني رجلٌ إلى آخره هو بيانٌ للحديث الّذي رآه في كتاب عفّان وأمّا هشامٌ هذا فهو بن زيادٍ الأمويّ مولاهم البصريّ ضعّفه الأئمّة ثمّ هنا قاعدةٌ ننبّه عليها ثمّ نحيل عليها فيما بعد إن شاء اللّه تعالى وهي أنّ عفّان رحمه اللّه قال إنّما ابتلي هشامٌ يعني إنّما ضعّفوه من قبل هذا الحديث كان يقول حدّثني يحيى عن محمّدٍ ثمّ ادّعى بعد أنّه سمعه من محمّدٍ وهذا القدر وحده لا يقتضي ضعفًا لأنّه ليس فيه تصريحٌ بكذبٍ لاحتمال أنّه سمعه من محمّدٍ ثمّ نسيه فحدّث به عن يحيى عنه ثمّ ذكر سماعه من محمّدٍ فرواه عنه ولكن انضمّ إلى هذا قرائن وأمورٌ اقتضت عند العلماء بهذا الفنّ الحذّاق فيه المبرزين من أهله العارفين بدقائق أحوال رواته أنّه لم يسمعه من محمّدٍ فحكموا بذلك لمّا قامت الدّلائل الظّاهرة عندهم بذلك وسيأتي بعد هذا أشياء كثيرةٌ من أقوال الأئمّة في الجرح بنحو هذا وكلّها يقال فيها ما قلنا هنا واللّه أعلم
قال رحمه اللّه (حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن قهزاذ قال سمعت عبد اللّه بن عثمان بن جبلة يقول قلت لعبد اللّه بن المبارك من هذا الرّجل الّذي رويت عنه حديث عبد اللّه بن عمرٍو يوم الفطر يوم الجوائز قال سليمان بن الحجّاج انظر ما وضعت في يدك منه قال بن قهزاذ وسمعت وهب بن زمعة يذكر سفيان بن عبد الملك قال قال عبد الله يعنى بن مبارك رأيت روح بن غطيفٍ صاحب الدّم قدر الدرهم وجلست إليه مجلسا فجعلت أستحيى من أصحابي أن يروني جالسًا معه كره حديثه) أمّا قهزاذ فتقدّم ضبطه وأمّا عبد اللّه بن عثمان بن جبلة فهو الملقّب بعبدان وتقدم بيانه وجبلة بفتح الجيم الموحدة وأمّا حديث يوم الفطر يوم الجوائز فهو ما روي إذا كان يوم الفطر وقفت الملائكة على أفواه الطّرق ونادت يا معشر المسلمين اغدوا إلى ربٍّ رحيمٍ يأمر بالخير ويثيب عليه الجزيل أمركم فصمتم وأطعتم ربّكم فاقبلوا جوائزكم فإذا صلّوا العيد نادى منادٍ من السّماء ارجعوا إلى منازلكم راشدين فقد غفرت ذنوبكم كلّها ويسمّى ذلك اليوم يوم الجوائز وهذا الحديث روّيناه في كتاب المستقصى في فضائل المسجد الأقصى تصنيف الحافظ أبي محمّد بن عساكر الدّمشقيّ رحمه اللّه والجوائز جمع جائزةٍ وهي العطاء وأمّا قوله انظر ما وضعت في يدك فضبطناه بفتح التّاء من وضعت ولا يمتنع ضمّها وهو مدحٌ وثناءٌ على سليمان بن الحجّاج وأمّا زمعة فبإسكان الميم وفتحها وأمّا غطيفٌ فبغينٍ معجمةٍ مضمومةٍ ثمّ طاءٍ مهملةٍ مفتوحةٍ هذا هو الصّواب وحكى القاضي عن أكثر شيوخه أنّهم رووه غضيفٌ بالضّاد المعجمة قال وهو خطأٌ قال البخاريّ في تاريخه هو منكر الحديث وقوله صاحب الدّم قدر الدّرهم يريد وصفه وتعريفه بالحديث الّذي رواه روحٌ هذا عن الزّهريّ عن أبي سلمة عن أبي هريرة يرفعه تعاد الصّلاة من قدر الدرهم يعنى من الدم وهذ الحديث ذكره البخاريّ في تاريخه وهو حديثٌ باطلٌ لا أصل له عند أهل الحديث والله أعلم
وقوله أستحي هو بياءين ويجوز حذف إحداهما وسيأتي إن شاء اللّه تعالى تفسير حقيقة الحياء في بابه من كتاب الإيمان وقوله كره حديثه هو بضمّ الكاف ونصب الهاء أي كراهيةً له واللّه أعلم
قوله (ولكنّه يأخذ عمّن أقبل وأدبر) يعنى عن الثقات والضعفاء قوله (عن الشّعبيّ قال حدّثني الحارث الأعور الهمدانيّ) أمّا الهمدانيّ فبإسكان الميم وبالدّال المهملة وأمّا الشّعبيّ فبفتح الشّين واسمه عامر بن شراحيل وقيل بن شرحبيل والأوّل هو المشهور منسوبٌ إلى شعبٍ بطنٍ من همدان ولد لستّ سنين خلت من خلافة عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه وكان الشّعبيّ إمامًا عظيمًا جليلًا جامعًا للتّفسير والحديث والفقه والمغازي والعبادة قال الحسن كان الشّعبيّ واللّه كثير العلم عظيم الحلم قديم السّلم من الإسلام بمكانٍ وأمّا الحارث الأعور فهو الحارث بن عبد اللّه وقيل بن عبيدٍ أبو زهيرٍ الكوفيّ متّفقٌ على ضعفه قال رحمه اللّه (وحدّثنا أبو عامرٍ عبد اللّه بن برّادٍ الأشعريّ قال حدّثنا أبو أسامة عن مفضّلٍ عن مغيرة قال سمعت الشّعبيّ يقول حدّثني الحارث الأعور وهو يشهد أنّه أحد الكذّابين) هذا إسنادٌ كلّه كوفيّون فأمّا برّادٌ فبباءٍ موحّدةٍ مفتوحةٍ ثمّ راءٍ مشدّدةٍ ثمّ ألفٍ ثمّ دالٍ مهملةٍ وهو عبد اللّه بن برّاد بن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعريّ الكوفيّ وأمّا أبو أسامة فاسمه حمّاد بن أسامة بن يزيد القرشيّ مولاهم الكوفيّ الحافظ الضّابط المتقن العابد وأما مفضل فهو بن مهلهل أبو عبد الرّحمن السّعديّ الكوفيّ الحافظ الضّابط المتقن العابد وأما مغيرة فهو بن مقسمٍ أبو هشامٍ الضّبّيّ الكوفيّ وتقدّم أنّ ميم المغيرة تضمّ وتكسر وأمّا قوله أحد الكذّابين فبفتح النّون على الجمع والضّمير في قوله وهو يشهد يعود على الشّعبيّ والقائل وهو يشهد هو المغيرة واللّه أعلم
وأمّا قول الحارث (تعلّمت الوحي في سنتين أو في ثلاث سنين وفي الرّواية الأخرى القرآن هين الوحى أشدّ) فقد ذكره مسلمٌ في جملة ما أنكر على الحارث وجرّح به وأخذ عليه من قبيح مذهبه وغلوّه في التّشيّع وكذبه قال القاضي عياضٌ رحمه اللّه وأرجو أنّ هذا من أخفّ أقواله لاحتماله الصّواب فقد فسّره بعضهم بأنّ الوحي هنا الكتابة ومعرفة الخطّ قاله الخطّابيّ يقال أوحى ووحى إذا كتب وعلى هذا ليس على الحارث في هذا دركٌ وعليه الدّرك في غيره قال القاضي ولكن لمّا عرف قبح مذهبه وغلوّه في مذهب الشّيعة ودعواهم الوصيّة إلى عليٍّ رضي اللّه عنه وسرّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إليه من الوحي وعلم الغيب مالم يطلع غيره عليه بزعمهم سيء الظّنّ بالحارث في هذا وذهب به ذلك المذهب ولعلّ هذا القائل فهم من الحارث معنًى منكرًا فيما أراده واللّه أعلم
قوله (حدّثنا زائدة عن منصورٍ والمغيرة عن إبراهيم) فالمغيرة مجرورٌ معطوفٌ على منصورٍ قوله (وأحسّ الحارث بالشّرّ) هكذا ضبطناه من أصولٍ محقّقةٍ أحسّ ووقع في كثيرٍ من الأصول أو أكثرها حسّ بغير ألفٍ وهما لغتان حسّ وأحسّ ولكنّ أحسّ أفصح وأشهر وبها جاء القرآن العزيز قال الجوهريّ وآخرون حسّ وأحسّ لغتان بمعنى علم وأيقن وأمّا قول الفقهاء وأصحاب الأصول الحاسّة والحواسّ الخمس فإنّما يصحّ على اللّغة القليلة حسّ بغير ألفٍ والكثير في حسّ بغير ألفٍ أن يكون بمعنى قتل قوله (إيّاكم والمغيرة بن سعيدٍ وأبا عبد الرّحيم فإنّهما كذّابان) أمّا المغيرة بن سعيدٍ فقال النّسائيّ في كتابه كتاب الضّعفاء هو كوفيٌّ دجّالٌ أحرق بالنّار زمن النّخعيّ ادّعى النّبوّة وأمّا أبو عبد الرّحيم فقيل هو شقيقٌ الضّبّيّ الكوفيّ القاصّ وقيل هو سلمة بن عبد الرّحمن النّخعيّ وكلاهما يكنّى أبا عبد الرّحيم وهما ضعيفان وسيأتي ذكرهما قريبًا أيضًا إن شاء اللّه تعالى قوله (وحدّثني أبو كاملٍ الجحدريّ) هو بجيمٍ مفتوحةٍ ثمّ حاءٍ ساكنةٍ ثمّ دالٍ مفتوحةٍ مهملتين واسم أبي كاملٍ فضيل بن حسين بالتصغير فيهما بن طلحة البصريّ قال أبو سعيدٍ السّمعانيّ هو منسوبٌ إلى جحدرٍ اسم رجلٍ قوله (كنّا نأتي أبا عبد الرّحمن السّلميّ ونحن غلمةٌ أيفاعٌ وكان يقول لا تجالسوا القصّاص غير أبي الأحوص وإيّاكم وشقيقًا قال وكان شقيقٌ هذا يرى رأي الخوارج وليس بأبي وائلٍ) أمّا أبو عبد الرّحمن السّلميّ فبضمّ السّين واسمه عبد اللّه بن حبيب بن ربيّعة بضمّ الرّاء وفتح الموحّدة وكسر المثنّاة المشدّدة وآخره هاءٌ الكوفيّ التّابعيّ الجليل وقوله غلمةٌ جمع غلامٍ واسم الغلام يقع على الصّبيّ من حين يولد على اختلاف حالاته إلى أن يبلغ وقوله أيفاعٌ أي شببةٌ قال القاضي عياضٌ معناه بالغون يقال غلامٌ يافعٌ ويفعٌ ويفعةٌ بفتح الفاء فيهما إذا شبّ وبلغ أو كاد يبلغ قال الثعالبى إذا قارب البلوغ أو بلغه يقال له يافعٌ وقد أيفع وهو نادرٌ وقال أبو عبيدٍ أيفع الغلام إذا شارف الاحتلام ولم يحتلم هذا آخر نقل القاضي عياضٍ وكأنّ اليافع مأخوذٌ من اليفاع بفتح الياء وهو ما ارتفع من الأرض قال الجوهريّ ويقال غلمانٌ أيفاعٌ ويفعةٌ أيضًا وأمّا القصّاص بضمّ القاف فجمع قاصٍّ وهو الّذي يقرأ القصص على النّاس قال أهل اللّغة القصّة الأمر والخبر وقد اقتصصت الحديث إذا رويته على وجهه وقصّ عليه الخبر قصصًا بفتح القاف والاسم أيضًا القصص بالفتح والقصص بكسر القاف اسم جمعٍ للقصّة وأمّا شقيقٌ الّذي نهى عن مجالسته فقال القاضي عياضٌ هو شقيقٌ الضّبّيّ الكوفيّ القاصّ ضعّفه النّسائيّ كنيته أبو عبد الرّحيم قال بعضهم وهو أبو عبد الرّحيم الّذي حذّر منه إبراهيم قبل هذا في الكتاب وقيل إنّ أبا عبد الرّحيم الّذي حذّر منه إبراهيم هو سلمة بن عبد الرّحمن النّخعيّ ذكر ذلك بن أبي حاتم الرازى في كتابه عن بن المدينيّ وقول مسلمٍ وليس بأبي وائلٍ يعني ليس هذا الّذي نهى عن مجالسته بشقيق بن سلمة أبي وائلٍ الأسديّ المشهور معدودٌ في كبار التّابعين هذا آخر كلام القاضي رحمه اللّه قوله (وحدّثنا أبو غسّان محمّد بن عمرٍو الرّازيّ) هو بفتح الغين المعجمة وتشديد السّين المهملة والمسموع في كتب المحدّثين ورواياتهم غسان غير مصروف وذكره بن فارسٍ في الجلمل وغيره من أهل اللّغة في باب غسن وفى باب غسس وهذا تصريحٌ بأنّه يجوز صرفه وترك صرفه فمن جعل النّون أصلًا صرفه ومن جعلها زائدةً لم يصرفه وأبو غسّان هذا هو الملقب بزنيج بضم الزاى وبالجيم قوله في جابرٍ الجعفيّ (كان يؤمن بالرّجعة) هي بفتح الراء قال الازهرى وغيره لايجوز فيها الا الفتح وأمّا رجعة المرأة المطلّقة ففيها لغتان الكسر والفتح قال القاضي عياضٌ رحمه اللّه تعالى وحكي في هذه الرّجعة الّتي كان يؤمن بها جابرٌ الكسر أيضًا ومعنى إيمانه بالرّجعة هو ما تقوله الرّافضة وتعتقده بزعمها الباطل أنّ عليًّا كرّم اللّه وجهه في السّحاب فلا نخرج يعني مع من يخرج من ولده حتّى ينادي من السّماء أن اخرجوا معه وهذا نوعٌ من أباطيلهم وعظيمٌ من جهالاتهم الللائقة بأذهانهم السّخيفة وعقولهم الواهية قوله رحمه اللّه تعالى (وحدّثني سلمة بن شبيبٍ حدّثنا الحميديّ حدّثنا سفيان) هو سفيان بن عيينة الإمام المشهور وأمّا الحميديّ فهو عبد اللّه بن الزّبير بن عيسى بن عبد اللّه بن الزّبير بن عبيد اللّه بن حميدٍ أبو بكرٍ القرشيّ الأسديّ المكّيّ وقوله (حدّثنا أبو يحيى الحمّانيّ) هو بكسر الحاء المهملة واسمه عبد الحميد بن عبد الرحمن الكوفى منسوب إلى حمان بطنٍ من همدان وأمّا الجرّاح بن مليحٍ فبفتح الميم وكسر اللّام وهو والد وكيعٍ وهذا الجرّاح ضعيفٌ عند المحدّثين ولكنّه مذكورٌ هنا في المتابعات وقوله (عندي سبعون ألف حديثٍ عن أبي جعفرٍ) أبو جعفرٍ هذا هو محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنهم المعروف بالباقر لأنّه بقر العلم أي شقّه وفتحه فعرف أصله وتمكّن فيه وقوله (سمعت أبا الوليد يقول سمعت سلّام بن أبي مطيعٍ) اسم أبي الوليد هشام بن عبد الملك وهو الطيالسى وسلام بتشديد اللام واسم أبي مطيع سعد قوله (إنّ الرّافضة تقول إنّ عليًّا رضي اللّه عنه في السّحاب فلا نخرج) إلى آخره نخرج بالنّون وسمّوا رافضةً من الرّفض وهو التّرك قال الأصمعيّ وغيره سمّوا رافضةً لأنّهم رفضوا زيد بن عليٍّ فتركوه قال رحمه اللّه (وحدّثني سلمة حدّثنا الحميديّ حدّثنا سفيان قال سمعت جابرًا يحدّث بنحوٍ من ثلاثين ألف حديثٍ) قال أبو عليٍّ الغسّانيّ الجيّانيّ سقط ذكر سلمة بن شبيبٍ بين مسلمٍ والحميدى عند بن ماهان والصّواب رواية الجلوديّ بإثباته فإنّ مسلمًا لم يلق الحميديّ قال أبو عبد اللّه بن الحذّاء أحد رواة كتاب مسلمٍ سألت عبد الغنيّ بن سعدٍ هل روى مسلمٌ عن الحميديّ فقال لم أره إلّا في هذا الموضع وما أبعد ذلك أو يكون سقط قبل الحميديّ رجلٌ قال القاضي عياضٌ وعبد الغنيّ إنّما رأى من مسلمٍ نسخة بن ماهان فلذلك قال ما قال ولم تكن نسخة الجلوديّ دخلت مصر قال وقد ذكر مسلم قبل هذا حدثنا سلمة حدثنا الجلودى في حديثٍ آخر كذا هو عند جميعهم وهو الصّواب هنا أيضًا إن شاء اللّه تعالى قوله (الحارث بن حصيرة) هو بفتح الحاء وكسر الصّاد المهملتين وآخره هاءٌ وهو أزديٌّ كوفيٌّ سمع زيد بن وهبٍ قاله البخاريّ قال رحمه اللّه (حدّثني أحمد بن إبراهيم الدّورقيّ) هو بفتح الدّال وإسكان الواو وفتح الرّاء وبالقاف واختلف في معنى هذه النّسبة فقيل كان أبوه ناسكًا أي عابدًا وكانوا في ذلك الزّمان يسمّون النّاسك دورقيًّا وهذا القول مرويٌّ عن أحمد الدّورقيّ هذا وهو من أشهر الأقوال وقيل هي نسبةٌ إلى القلانس الطّوال الّتي تسمّى الدورقية وقيل منسوبٌ إلى دورق بلدةٍ بفارس أو غيرها قوله (ذكر أيّوب رجلًا فقال لم يكن بمستقيم اللّسان وذكر آخر فقال هو يزيد في الرّقم) أيّوب هذا هو السّختيانيّ تقدّم ذكره أوّل الكتاب وهذان اللّفظان كنايةٌ عن الكذب وقول أيّوب في عبد الكريم رحمه اللّه كان غير ثقةٍ لقد سألني عن حديثٍ لعكرمة ثمّ قال سمعت عكرمة هذا القطع بكذبه وكونه غير ثقةٍ بمثل هذه القضيّة قد يستشكل من حيث إنّه يجوز أن يكون سمعه من عكرمة ثمّ نسيه فسأل عنه ثمّ ذكره فرواه ولكن عرف كذبه بقرائن وقد قدّمت إيضاح هذا في أوّل هذا الباب وممّن نصّ على ضعف عبد الكريم هذا سفيان بن عيينة وعبد الرّحمن بن مهديٍّ ويحيى بن سعيدٍ القطّان وأحمد بن حنبل وبن عديٍّ وكان عبد الكريم هذا من فضلاء فقهاء البصرة واللّه أعلم قوله (قدم علينا أبو داود الأعمى فجعل يقول حدّثنا البراء وحدثنا زيد بن أرقم فذكرنا ذلك لقتادة فقال كذب ما سمع منهم إنّما كان إذ ذاك سائلًا يتكفّف النّاس زمن طاعون الجارف وفي الرّواية الأخرى قبل الجارف) أمّا أبو داود هذا فاسمه نفيع بن الحارث القاصّ الأعمى متّفقٌ على ضعفه قال عمرو بن عليٍّ هو متروكٌ وقال يحيى بن معينٍ وأبو زرعة ليس هو بشيءٍ وقال أبو حاتمٍ منكر الحديث وضعّفه آخرون وقوله ما سمع منهم يعني البراء وزيدًا وغيرهما ممّن زعم أنّه روى عنه فإنّه زعم أنّه رأى ثمانية عشر بدريًّا كما صرّح به في الرّواية الأخرى في الكتاب وقوله يتكفّف النّاس معناه يسألهم في كفّه أو بكفّه ووقع في بعض النّسخ يتطفّف بالطّاء وهو بمعنى يتكفّف أي يسأل في كفّه الطفيف وهو القليل وذكر بن أبي حاتمٍ في كتابه الجرح والتّعديل وغيره يتنطّف ولعلّه مأخوذٌ من قولهم ما تنطّفت به أي ماتلطخت وأمّا طاعون الجارف فسمّي بذلك لكثرة من مات فيه من النّاس وسمّي الموت جارفًا لاجترافه النّاس وسمّي السّيل جارفًا لاجترافه على وجه الأرض والجرف الغرف من فوق الأرض وكشح ما عليها وأمّا الطّاعون فوباءٌ معروفٌ وهو بثرٌ وورمٌ مؤلمٌ جدًّا يخرج مع لهبٍ ويسوّد ما حوله أو يخضرّ أو يحمرّ حمرةً بنفسجيّةً كدرةً ويحصل معه خفقان القلب والقيء وأمّا زمن طاعون الجارف فقد اختلف فيه أقوال العلماء رحمهم اللّه اختلافًا شديدًا متباينًا تباينًا بعيدًا فمن ذلك ما قاله الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ في أوّل التّمهيد قال مات أيّوب السّختيانيّ في سنة اثنتين وثلاثين ومائةٍ في طاعون الجارف ونقل بن قتيبة في المعارف عن الأصمعيّ أنّ طاعون الجارف كان في زمن بن الزّبير سنة سبعٍ وستّين وكذا قال أبو الحسن عليّ بن محمّد بن أبي سيفٍ المداينيّ في كتاب التّعازي أنّ طاعون الجارف كان في زمن بن الزّبير رضي اللّه عنهما سنة سبعٍ وستّين في شوّالٍ وكذا ذكر الكلاباذيّ في كتابه في رجال البخاريّ معنى هذا فإنّه قال ولد أيّوب السّختيانيّ سنة ستٍّ وستّين وفي قوله إنّه ولد قبل الجارف بسنةٍ وقال القاضي عياضٌ في هذا الموضع كان الجارف سنة تسع عشرة ومائةٍ وذكر الحافظ عبد الغنيّ المقدسيّ في ترجمة عبد اللّه بن مطرّفٍ عن يحيى القطّان قال مات مطرّفٌ بعد طاعون الجارف وكان الجارف سنة سبعٍ وثمانين وذكر في ترجمة يونس بن عبيدٍ أنّه رأى أنس بن مالكٍ وأنّه ولد بعد الجارف ومات سنة سبعٍ وثلاثين ومائةٍ فهذه أقوالٌ متعارضةٌ فيجوز أن يجمع بينها بأنّ كلّ طاعونٍ من هذه تسمّى جارفًا لأنّ معنى الجرف موجودٌ في جميعها وكانت الطواعين كثيرة ذكر بن قتيبة في المعارف عن الأصمعيّ أنّ أوّل طاعونٍ كان في الإسلام طاعون عمواس بالشّام في زمن عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه فيه توفّي أبو عبيدة بن الجرّاح رضي اللّه عنه ومعاذ بن جبلٍ وامرأتاه وابنه رضي اللّه عنهم ثمّ الجارف في زمن بن الزّبير ثمّ طاعون الفتيات لأنّه بدأ في العذارى والجوازى بالبصرة وبواسطٍ وبالشّام والكوفة وكان الحجّاج يومئذٍ بواسطٍ في ولاية عبد الملك بن مروان وكان يقال له طاعون الأشراف يعني لما مات فيه من الأشراف ثمّ طاعون عديّ بن أرطأة سنة مائةٍ ثمّ طاعون غرابٍ سنة سبعٍ وعشرين ومائةٍ وغرابٌ رجلٌ ثمّ طاعون مسلم بن قتيبة سنة إحدى وثلاثين ومائةٍ في شعبان وشهر رمضان وأقلع في شوّالٍ وفيه مات أيّوب السّختيانيّ قال ولم يقع بالمدينة ولا بمكّة طاعونٌ قطّ هذا ما حكاه بن قتيبة وقال أبو الحسن المداينيّ كانت الطّواعين المشهورة العظام في الإسلام خمسةً طاعون شيرويه بالمدائن على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في سنة ستٍّ من الهجرة ثمّ طاعون عمواس في زمن عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه وكان بالشّام مات فيه خمسةٌ وعشرون ألفًا ثمّ طاعون الجارف في زمن بن الزّبير في شوّالٍ سنة تسعٍ وستّين هلك في ثلاثة أيّامٍ في كلّ يومٍ سبعون ألفًا مات فيه لأنس بن مالكٍ رضي اللّه عنه ثلاثةٌ وثمانون ابنًا ويقال ثلاثةٌ وسبعون ابنًا ومات لعبد الرّحمن بن أبي بكرة أربعون ابنًا ثمّ طاعون الفتيات في شوّالٍ سنة سبعٍ وثمانين ثمّ كان طاعونٌ في سنة إحدى وثلاثين ومائةٍ في رجبٍ واشتدّ في شهر رمضان فكان يحصى في سكّة المريد في كلّ يومٍ ألف جنازةٍ أيّامًا ثمّ خفّ في شوّالٍ وكان بالكوفة طاعونٌ وهو الّذي مات فيه المغيرة بن شعبة سنة خمسين هذا ما ذكره المدائنيّ وكان طاعون عمواس سنة ثماني عشرة وقال أبو زرعة الدّمشقيّ كان سنة سبع عشرة أو ثمانى عشرة وعمواس قريةٌ بين الرّملة وبيت المقدس نسب الطّاعون إليها لكونه بدأ فيها وقيل لأنّه عمّ الناس وتواسوا فيه ذكر القولين للحافظ عبد الغنيّ في ترجمة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وعمواس بفتح العين والميم فهذا مختصر ما يتعلّق بالطّاعون فإذا علم ما قالوه في طاعون الجارف فإنّ قتادة ولد سنة إحدى وستّين ومات سنة سبع عشرة ومائةٍ على المشهور وقيل سنة ثماني عشرة ويلزم من هذا بطلان ما فسّر به القاضي عياضٌ رحمه اللّه طاعون الجارف هنا ويتعيّن أحد الطّاعونين فإمّا سنة سبعٍ وستّين فإنّ قتادة كان بن ستّ سنين في ذلك الوقت ومثله يضبطه واما سنة سبع وثمانين وهو الا ظهر إن شاء اللّه تعالى واللّه أعلم
وأمّا قوله (لا يعرض لشيءٍ من هذا) فهو بفتح الياء وكسر الرّاء ومعناه لا يعتني بالحديث وقوله (ما حدّثنا الحسن عن بدريٍّ مشافهةً ولا حدّثنا سعيد بن المسيّب عن بدريٍّ مشافهةً إلّا عن سعد بن مالكٍ) المراد بهذا الكلام إبطال قول أبي داود الأعمى هذا وزعمه أنّه لقي ثمانية عشر بدريًّا فقال قتادة الحسن البصريّ وسعيد بن المسيّب أكبر من أبي داود الأعمى وأجلّ وأقدم سنًّا وأكثر اعتناءً بالحديث وملازمة أهله والاجتهاد في الأخذ عن الصّحابة ومع هذا كلّه ما حدّثنا واحدٌ منهما عن بدريٍّ واحدٍ فكيف يزعم أبو داود الأعمى أنّه لقي ثمانية عشر بدريًّا هذا بهتانٌ عظيمٌ وقوله سعد بن مالكٍ هو سعد بن أبي وقّاصٍ واسم أبي وقّاصٍ مالك بن أهيب ويقال وهيبٍ وأمّا المسيّب والد سعيدٍ فصحابيٌّ مشهورٌ رضي اللّه عنه وهو بفتح الياء هذا هو المشهور وحكى صاحب مطالع الأنوار عن عليّ بن المدينيّ أنّه قال أهل العراق يفتحون الياء وأهل المدينة يكسرونها قال وحكى أنّ سعيدًا كان يكره الفتح وسعيدٌ إمام التّابعين وسيّدهم ومقدّمهم في الحديث والفقه وتعبير الرّؤيا والورع والزّهد وغير ذلك وأحواله أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر وهو مدنيٌّ كنيته أبو محمّدٍ واللّه أعلم
قوله (عن رقبة أنّ أبا جعفرٍ الهاشميّ المدنيّ كان يضع أحاديث كلام حقٍّ) أمّا رقبة فعلى لفظ رقبة الإنسان وهو رقبة بن مسقلة بفتح الميم واسكان السين المهملة وفتح القاف بن عبد اللّه العبديّ الكوفيّ أبو عبد اللّه وكان عظيم القدر جليل الشّأن رحمه اللّه وأمّا قوله كلام حقٍّ فبنصب كلام وهو بدلٌ من أحاديث ومعناه كلامٌ صحيح المعنى وحكمةٌ من الحكم ولكنّه كذب فنسبه إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وليس هو من كلامه صلّى اللّه عليه وسلّم وأمّا أبو جعفرٍ هذا فهو عبد اللّه بن مسورٍ المدائنيّ أبو جعفرٍ الّذي تقدّم في أوّل الكتاب في الضّعفاء والواضعين قال البخاريّ في تاريخه هو عبد اللّه بن مسور بن عون بن جعفر بن أبي طالبٍ أبو جعفرٍ القرشيّ الهاشميّ وذكر كلام رقبة وهو هذا الكلام الّذي هنا ثمّ إنّه وقع في الأصول هنا المدنيّ وفي بعضها المدينيّ بزيادة ياءٍ ولم أر في شيءٍ منها هنا المدائنيّ ووقع في أوّل الكتاب المدائنيّ فأمّا المدينيّ والمدنيّ فنسبةٌ إلى مدينة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم والقياس المدنيّ بحذف الياء ومن أثبتها فهو على الأصل وروى أبو الفضل محمّد بن طاهرٍ المقدسيّ الإمام الحافظ في كتاب الأنساب المتّفقة في الخطّ المتماثلة في النّقط والضّبط بإسناده عن الإمام أبي عبد اللّه البخاريّ قال المدينيّ يعني بالياء هو الّذي أقام بالمدينة ولم يفارقها والمدنيّ الّذي تحوّل عنها وكان منها قال رحمه اللّه (حدّثنا الحسن الحلوانيّ قال حدّثنا نعيمٌ قال أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان وحدّثنا محمّد بن يحيى قال حدّثنا نعيم بن حمّادٍ حدّثنا أبو داود الطّيالسيّ) هكذا وقع في كثيرٍ من الأصول الحّقّقة قول أبي إسحاق ولم يقع قوله في بعضها وأبو إسحاق هذا صاحب مسلمٍ ورواية الكتاب عنه فيكون قد ساوى مسلمًا في هذا الحديث وعلا فيه برجلٍ وأمّا أبو داود الطّيالسيّ فاسمه سليمان بن أبي داود تقدم بيانه قوله (قلت لعوف بن أبي جميلة إنّ عمرو بن عبيدٍ حدّثنا عن الحسن أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حمل علينا السّلاح فليس منّا قال كذب واللّه عمرٌو ولكنّه أراد أن يحوزها إلى قوله الخبيث) أمّا عوفٌ فتقدّم بيانه في أوّل الكتاب وأمّا عمرو بن عبيدٍ فهو القدريّ المعتزليّ الّذي كان صاحب الحسن البصريّ وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم من حمل علينا السّلاح فليس منّا صحيحٌ مرويٌّ من طرقٍ وقد ذكرها مسلمٌ رحمه اللّه بعد هذا ومعناه عند أهل العلم أنّه ليس ممّن اهتدى بهدينا واقتدى بعلمنا وعملنا وحسن طريقتنا كما يقول الرّجل لولده إذا لم يرض فعله لست منّي وهكذا القول في كلّ الأحاديث الواردة بنحو هذا القول كقوله صلّى اللّه عليه وسلّم من غشّ فليس منّا وأشباهه ومراد مسلمٍ رحمه اللّه بإدخال هذا الحديث هنا بيان أنّ عوفًا جرّح عمرو بن عبيدٍ وقال كذب وإنّما كذّبه مع أنّ الحديث صحيحٌ لكونه نسبه إلى الحسن وكان عوفٌ من كبار أصحاب الحسن والعارفين بأحاديثه فقال كذب في نسبته إلى الحسن فلم يرو الحسن هذا أو لم يسمعه هذا من الحسن وقوله أراد أن يحوزها إلى قوله الخبيث معناه كذب بهذه الرّواية ليعضّد بها مذهبه الباطل الرّديء وهو الاعتزال فإنّهم يزعمون أنّ ارتكاب المعاصي يخرج صاحبه عن الإيمان ويخلّده في النّار ولا يسمّونه كافرًا بل فاسقًا مخلّدًا في النّار وسيأتي الرّدّ عليهم بقواطع الأدلّة في كتاب الإيمان إن شاء اللّه تعالى وقول أيّوب السّختيانيّ
«إنّما نفرّ أو نفرق من تلك الغرائب » معناه إنّما نهرب أو نخاف من هذه الغرائب الّتي يأتي بها عمرو بن عبيدٍ مخافةً من كونها كذبًا فنقع في الكذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إن كانت أحاديث وإن كانت من الآراء والمذاهب فحذرًا من الوقوع في البدع أو في مخالفة الجمهور وقوله نفرق بفتح الرّاء وقوله نفرّ أو نفرق شكٌّ من الرّاوي في إحداهما قوله (حدّثنا عمرو بن عبيدٍ قبل أن يحدث) هو بضمّ الياء وإسكان الحاء وكسر الدّال يعني قبل أن يصير مبتدعًا قدريًّا قوله (كتبت إلى شعبة أسأله عن أبي شيبة قاضى واسط فكتب إلى لاتكتب عنه شيئًا ومزّق كتابي) وأبو شيبة هذا هو جدّ أولاد أبي شيبة وهم أبو بكرٍ وعثمان والقاسم بنو محمّد بن إبراهيم أبي شيبة وأبو شيبة ضعيفٌ وقد قدّمنا بيانه وبيانهم في أوّل الكتاب وواسطٌ مصروفٌ كذا سمع من العرب وهي من بناء الحجّاج بن يوسف وقوله مزّق كتابي هو بكسر الزّاي أمره بتمزيقه مخافةً من بلوغه إلى أبي شيبة ووقوفه على ذكره له بما يكره لئلّا يناله منه أذًى أو يترتّب على ذلك مفسدةٌ قوله في صالحٍ المرّيّ (كذب) هو من نحو ما قدّمناه في قوله لم نر الصّالحين في شيءٍ أكذب منهم في الحديث معناه ما قاله مسلمٌ يجري الكذب على ألسنتهم من غير تعمّدٍ وذلك لأنّهم لا يعرفون صناعة هذا الفنّ فيخبرون بكلّ ما سمعوه وفيه الكذب فيكونون كاذبين فإنّ الكذب الإخبار عن الشّيء على خلاف ما هو سهوًا كان الإخبار أو عمدًا كما قدّمناه وكان صالحٌ هذا من كبار العبّاد الزّهّاد الصّالحين وهو صالح بن بشيرٍ بفتح الباء وكسر الشّين أبو بشيرٍ البصريّ القاضي وقيل له المرّيّ لأنّ امرأةً من بني مرّة أعتقته وأبوه عربيٌّ وأمّه معتقةٌ للمرأة المرّيّة وكان صالحٌ رحمه اللّه حسن الصّوت بالقرآن وقد مات بعض من سمع قراءته وكان شديد الخوف من اللّه تعالى كثير البكاء قال عفّان بن مسلمٍ كان صالحٌ إذا أخذ في قصصه كأنّه رجلٌ مذعورٌ يفزعك أمره من حزنه وكثرة بكائه كأنّه ثكلى واللّه أعلم قوله (عن مقسمٍ) هو بكسر الميم وفتح السين قوله (قلت للحكم ما تقول في أولاد الزّنى قال يصلّى عليهم قلت من حديث من يروى قال يروى عن الحسن البصريّ فقال الحسن بن عمارة حدّثنا الحكم عن يحيى بن الجزّار عن عليٍّ) معنى هذا الكلام أنّ الحسن بن عمارة كذب فروى هذا الحديث عن الحكم عن يحيى عن عليٍّ وإنّما هو عن الحسن البصريّ من قوله وقد قدّمنا أنّ مثل هذا وإن كان يحتمل كونه جاء عن الحسن وعن عليٍّ لكنّ الحفّاظ يعرفون كذب الكذّابين بقرائن وقد يعرفون ذلك بدلائل قطعيّةٍ يعرفها أهل هذا الفنّ فقولهم مقبولٌ في كلّ هذا والحسن بن عمارة متّفقٌ على ضعفه وتركه وعمارة بضمّ العين ويحيى بن الجزّار بالجيم والزّاي وبالرّاء آخره قال صاحب المطالع ليس في الصّحيحين والموطّأ غيره ومن سواه خزّارٌ أو خرّازٌ بالخاء فيهما قال رحمه اللّه (حدّثنا الحسن الحلوانيّ قال سمعت يزيد بن هارون وذكر زياد بن ميمونٍ فقال حلفت أن لا أروي عنه شيئًا ولا عن خالد بن محدوجٍ قال لقيت زياد بن ميمونٍ فسألته عن حديثٍ فحدّثني به عن بكرٍ المزنيّ ثمّ عدت إليه فحدّثني به عن مورّقٍ ثمّ عدت إليه فحدّثني به عن الحسن وكان ينسبهما إلى الكذب) أمّا محدوجٌ فبميمٍ مفتوحةٍ ثمّ حاءٍ ساكنةٍ ثمّ دالٍ مضمومةٍ مهملتين ثم واو ثم جيم وخالد هذا واسطيٌّ ضعيفٌ ضعّفه أيضًا النّسائيّ وكنيته أبو روحٍ رأى أنس بن مالكٍ رضي اللّه عنه وأمّا زياد بن ميمونٍ فبصريٌّ كنيته أبو عمّارٍ ضعيفٌ قال البخاريّ في تاريخه تركوه وأمّا بكرٌ المزنيّ فهو بفتح الباء وإسكان الكاف وهو بكر بن عبد الله المزنى بالزاى أبو عبد اللّه البصريّ التّابعيّ الجليل الفقيه رحمه اللّه وأمّا مورّقٌ فبضمّ الميم وفتح الواو وكسر الرّاء المشدّدة وهو مورّق بن المشمرج بضمّ الميم الأولى وفتح الشّين المعجمة وكسر الرّاء وبالجيم العجليّ الكوفيّ أبو المعتمر التّابعيّ الجليل العابد وأمّا قوله وكان ينسبهما إلى الكذب فالقائل هو الحلوانيّ والنّاسب يزيد بن هارون والمنسوبان خالد بن محدوجٍ وزياد بن ميمونٍ وأمّا قوله حلفت أن لا أروي عنهما ففعله نصيحةٌ للمسلمين ومبالغةٌ في التّنفير عنهما لئلّا يغترّ أحدٌ بهما فيروي عنهما الكذب فيقع في الكذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وربّما راج حديثهما فاحتجّ به وأمّا حكمه بكذب ميمون فلكونه حدّثه بالحديث عن واحدٍ ثمّ عن آخر ثمّ عن آخر فهو جارٍ على ما قدّمناه من انضمام القرائن والدّلائل على الكذب واللّه أعلم
قوله (حديث العطّارة) قال القاضي عياضٌ رحمه اللّه هو حديثٌ رواه زياد بن ميمونٍ هذا عن أنسٍ أنّ امرأةً يقال لها الحولاء عطّارةٌ كانت بالمدينة فدخلت على عائشة رضي اللّه عنها وذكرت خبرها مع زوجها وأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ذكر لها في فضل الزّوج وهو حديث طويل غير صحيح ذكره بن وضّاحٍ بكماله ويقال إنّ هذه العطّارة هي الحولاء بنت تويتٍ قوله (فأنا لقيت زياد بن ميمونٍ وعبد الرّحمن بن مهديٍّ) فعبد الرّحمن مرفوعٌ معطوفٌ على الضّمير في قوله لقيت قوله (إن كان لا يعلم النّاس فأنتما لا تعلمان أنّي لم ألق أنسًا) هكذا وقع في الأصول فأنتما لا تعلمان ومعناه فأنتما تعلمان فيجوز أن تكون لا زائدةً ويجوز أن يكون معناه أفأنتما لا تعلمان ويكون استفهام تقريرٍ وحذف همزة الاستفهام قوله (سمعت شبابة يقول كان عبد القدّوس يحدّثنا فيقول سويد بن عقلة قال شبابة وسمعت عبد القدّوس يقول نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يتّخذ الرّوح عرضًا قال فقيل له أيّ شيءٍ هذا فقال يعني يتّخذ كوّةٌ في حائطه ليدخل عليه الرّوح) المراد بهذا المذكور بيان تصحيف عبد القدّوس وغباوته واختلال ضبطه وحصول الوهم في إسناده ومتنه فأمّا الإسناد فإنّه قال سويد بن عقلة بالعين المهملة والقاف وهو تصحيفٌ ظاهرٌ وخطأٌ بيّنٌ وإنّما هو غفلة بالغين المعجمة والفاء المفتوحتين وأمّا المتن فقال الرّوح بفتح الرّاء وعرضًا بالعين المهملة وإسكان الرّاء وهو تصحيفٌ قبيحٌ وخطأٌ صريحٌ وصوابه الرّوح بضمّ الرّاء وغرضًا بالغين المعجمة والرّاء المفتوحتين ومعناه نهى أن نتّخذ الحيوان الّذي فيه الرّوح غرضًا أي هدفًا للرّمي فيرمى إليه بالنّشّاب وشبهه وسيأتي إيضاح هذا الحديث وبيان فقهه في كتاب الصّيد والذّبائح إن شاء اللّه تعالى وأمّا شبابة فتقدّم بيان اسمه وضبطه وأمّا الكوّة فبفتح الكاف على اللّغة المشهورة قال صاحب المطالع وحكي فيها الضّمّ وقوله ليدخل عليه الرّوح أي النّسيم قوله (قال حماد بعد ما جلس مهديّ بن هلالٍ ما هذه العين المالحة الّتي نبعت قبلكم قال نعم يا أبا إسماعيل) أمّا مهديٌّ هذا فمتّفقٌ على ضعفه قال النّسائيّ هو بصريٌّ متروكٌ يروي عن داود بن أبي هندٍ ويونس بن عبيدٍ وقوله العين المالحة كنايةٌ عن ضعفه وجرحه وقوله قال نعم يا أبا إسماعيل كأنه وافقه على جرحه وأبو إسماعيل كنيته حمّاد بن زيدٍ

قوله (سمعت أبا عوانة قال ما بلغني عن الحسن حديثٌ إلّا أتيت به أبان بن أبي عيّاشٍ فقرأه عليّ) أمّا أبو عوانة فاسمه الوضّاح بن عبد اللّه وأبانٌ يصرف ولا يصرف والصّرف أجود وقد تقدّم ذكر أبي عوانة وأبانٍ ومعنى هذا الكلام أنّه كان يحدّث عن الحسن بكلّ ما يسأل عنه وهو كاذبٌ في ذلك قوله (إنّ حمزة الزّيّات رأى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في المنام فعرض عليه ما سمعه من أبانٍ فما عرف منه إلّا شيئًا يسيرًا) قال القاضي عياضٌ رحمه اللّه هذا ومثله استئناسٌ واستظهارٌ على ما تقرّر من ضعف أبانٍ لا أنّه يقطع بأمر المنام ولا أنّه تبطل بسببه سنّةٌ ثبتت ولا تثبت به سنّةٌ لم تثبت وهذا بإجماع العلماء هذا كلام القاضي وكذا قاله غيره من أصحابنا وغيرهم فنقلوا الاتّفاق على أنّه لا يغيّر بسبب ما يراه النّائم ما تقرّر في الشّرع وليس هذا الّذي ذكرناه مخالفًا لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم من رآني في المنام فقد رآني فإنّ معنى الحديث أنّ رؤيته صحيحةٌ وليست من أضغاث الأحلام وتلبيس الشّيطان ولكن لا يجوز إثبات حكمٍ شرعيٍّ به لأنّ حالة النّوم ليست حالة ضبطٍ وتحقيقٍ لما يسمعه الرّائي وقد اتّفقوا على أنّ من شرط من تقبل روايته وشهادته أن يكون متيقّظًا لا مغفلا ولا سىء الحفظ ولا كثير الخطأ ولا مختلّ الضّبط والنّائم ليس بهذه الصّفة فلم تقبل روايته لاختلال ضبطه هذا كلّه في منامٍ يتعلّق بإثبات حكمٍ على خلاف ما يحكم به الولاة أمّا إذا رأى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يأمره بفعل ما هو مندوبٌ إليه أو ينهاه عن منهيٍّ عنه أو يرشده إلى فعل مصلحةٍ فلا خلاف في استحباب العمل على وفقه لأنّ ذلك ليس حكمًا بمجرّد المنام بل تقرّر من أصل ذلك الشّيء واللّه أعلم قوله (حدّثنا الدّارميّ) قد تقدّم بيانه وأنّه منسوبٌ إلى دارمٍ وأمّا أبو إسحاق الفزاريّ فبفتح الفاء واسمه إبراهيم بن محمّد بن الحسن بن أسماء بن جارحة الكوفيّ الإمام الجليل الجلمع على جلالته وتقدّمه في العلم وفضيلته واللّه أعلم قوله (قال أبو إسحاق الفزاريّ اكتب عن بقيّة ما روى عن المعروفين ولا تكتب عنه ما روى عن غير المعروفين ولا تكتب عن إسماعيل بن عيّاشٍ ما روى عن المعروفين ولا غيرهم) هذا الّذي قاله أبو إسحاق الفزاريّ في إسماعيل خلاف قول جمهور الأئمّة قال عبّاسٌ سمعت يحيى بن معينٍ يقول إسماعيل بن عيّاشٍ ثقةٌ وكان أحبّ إلى أهل الشّام من بقيّة وقال بن أبي خيثمة سمعت يحيى بن معينٍ يقول هو ثقةٌ والعراقيّون يكرهون حديثه وقال البخاريّ ما روي عن الشّاميّين أصحّ وقال عمرو بن عليٍّ إذا حدّث عن أهل بلاده فصحيحٌ وإذا حدّث عن أهل المدينة مثل هشام بن عروة ويحيى بن سعيدٍ وسهيل بن أبي صالحٍ فليس بشيءٍ وقال يعقوب بن سفيان كنت أسمع أصحابنا يقولون علم الشّام عند إسماعيل بن عيّاشٍ والوليد بن مسلمٍ قال يعقوب وتكلّم قومٌ في إسماعيل وهو ثقةٌ عدلٌ أعلم النّاس بحديث الشّام ولا يدفعه دافعٌ وأكثر ما تكلّموا قالوا يغرب عن ثقات المكّيّين والمدنيّين وقال يحيى بن معينٍ إسماعيل ثقةٌ فيما روى عن الشّاميّين وأمّا روايته عن أهل الحجاز فإنّ كتابه ضاع فخلط في حفظه عنهم وقال أبو حاتمٍ هو ليّنٌ يكتب حديثه ولا أعلم أحدًا كفّ عنه إلّا أبا إسحاق الفزاريّ وقال التّرمذيّ قال أحمد هو أصلح من بقيّة فإنّ لبقيّة أحاديث مناكير وقال أحمد بن أبي الحواريّ قال لي وكيعٌ يروون عندكم عن إسماعيل بن عيّاشٍ فقلت أمّا الوليد ومروان فيرويان عنه وأمّا الهيثم بن خارجة ومحمّد بن إياسٍ فلا فقال وأى شيء الهيثم وبن إياسٍ إنّما أصحاب البلد الوليد ومروان واللّه أعلم
قال رحمه اللّه (وحدّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ قال سمعت بعض أصحاب عبد الله قال: قال بن المبارك نعم الرّجل بقيّة لولا أنّه يكنّي الأسامي ويسمّي الكنى كان دهرًا يحدّثنا عن أبي سعيدٍ الوحاظيّ فنظرنا فإذا هو عبد القدّوس) قوله سمعت بعض أصحاب عبد اللّه هذا مجهولٌ ولا يصحّ الاحتجاج به ولكن ذكره مسلمٌ متابعةً لا أصلًا وقد تقدّم في الكتاب نظير هذا وقد قدّمنا وجه إدخاله هنا وأمّا قوله يكنّي الأسامي ويسمّي الكنى فمعناه أنّه إذا روى عن إنسانٍ معروفٍ باسمه كناه ولم يسمّه وإذا روى عن معروفٍ بكنيته سمّاه ولم يكنّه وهذا نوعٌ من التّدليس وهو قبيحٌ مذمومٌ فإنّه يلبّس أمره على النّاس ويوهم أنّ ذلك الرّاوي ليس هو ذلك الضّعيف فيخرجه عن حاله المعروفة بالجرح المتّفق عليه وعلى تركه إلى حالة الجهالة الّتي لا تؤثّر عند جماعة من العلماء بل يحتجون بصاحبها وتفضي توقّفًا عن الحكم بصحّته أو ضعفه عند الآخرين وقد يعتضد الجعهول فيحتجّ به أو يرجّح به غيره أو يستأنس به وأقبح هذا النّوع أن يكنّي الضّعيف أو يسمّيه بكنية الثّقة أو باسمه لاشتراكهما في ذلك وشهرة الثّقة به فيوهم الاحتجاج به وقد قدّمنا حكم التّدليس وبسطه في الفصول المتقدّمة واللّه أعلم وأمّا الوحاظيّ فبضمّ الواو وتخفيف الحاء المهملة وبالظّاء المعجمة وحكى صاحب المطالع وغيره فتح الواو أيضًا قال أبو على الغسانى وحاظة بطنٌ من حمير وعبد القدّوس هذا هو الشّاميّ الّذي تقدّم تضعيفه وتصحيفه وهو عبد القدّوس بن حبيبٍ الكلاعيّ بفتح الكاف أبو سعيدٍ الشّاميّ فهو كلاعيٌ وحاظيٌ وقول الدّارميّ
« سمعت أبا نعيمٍ وذكر المعلّى بن عرفان فقال حدّثنا أبو وائلٍ قال خرج علينا بن مسعودٍ بصفّين فقال أبو نعيمٍ أتراه بعث بعد الموت» معنى هذا الكلام أنّ المعلّى كذب على أبي وائلٍ في قوله هذا لأن بن مسعودٍ رضي اللّه عنه توفّي سنة اثنتين وثلاثين وقيل سنة ثلاثٍ وثلاثين والأوّل قول الأكثرين وهذا قبل انقضاء خلافة عثمان رضي اللّه عنه بثلاث سنين وصفّين كانت في خلافة عليٍّ رضي اللّه عنه بعد ذلك بسنتين فلا يكون بن مسعودٍ رضي اللّه عنه خرج عليهم بصفّين إلّا أن يكون بعث بعد الموت وقد علمتم أنّه لم يبعث بعد الموت وأبو وائلٍ مع جلالته وكمال فضيلته وعلوّ مرتبته والاتّفاق على صيانته لا يقول خرج علينا من لم يخرج عليهم هذا مالا شكّ فيه فتعيّن أن يكون الكذب من المعلّى بن عرفان مع ما عرف من ضعفه وقوله أتراه هو بضمّ التّاء ومعناه أتظنّه وأمّا صفّين فبكسر الصّاد والفاء المشدّدة وبعدها ياءٌ في الأحوال الثّلاث الرّفع والنّصب والجرّ وهذه هي اللّغة المشهورة وفيها لغةٌ أخرى حكاها أبو عمر الزّاهد عن ثعلبٍ عن الفرّاء وحكاها صاحب المطالع وغيره من المتأخرين صفون بالواو في حال الرّفع وهي موضع الوقعة بين أهل الشّام والعراق مع عليٍّ ومعاوية رضي اللّه عنهما وأمّا عرفان والد المعلّى فبضمّ العين المهملة وإسكان الرّاء وبالفاء هذا هو المشهور وحكي فيه كسر العين وبالكسر ضبطه الحافظ أبو عامرٍ العبدريّ والمعلّى هذا أسديٌّ كوفيٌّ ضعيفٌ قال البخاريّ رحمه اللّه في تاريخه هو منكر الحديث وضعّفه النّسائيّ أيضًا وغيره وأمّا أبو نعيمٍ فهو الفضل بن دكين بضم المهملة ودكين لقبٌ واسمه عمرو بن حمّاد بن زهيرٍ وأبو نعيمٍ كوفيٌّ من أجلّ أهل زمانه ومن أتقنهم رحمه اللّه قال رحمه اللّه (وحدثنى أبو جعفر الدارمى) اسم أبي جعفرٍ هذا أحمد بن سعيد بن صخرٍ النيسابورى كان ثقةً عالمًا ثبتًا متقنًا أحد حفّاظ الحديث وكان أكثر أيّامه الرّحلة في طلب الحديث قوله (صالح مولى التوأمة) هو بتاءٍ مثنّاةٍ من فوق ثمّ واوٍ ساكنةٍ ثمّ همزةٍ مفتوحةٍ قال القاضي عياضٌ رحمه اللّه هذا صوابها قال وقد يسهّل فتفتح الواو وينقل إليها حركة الهمزة قال القاضي ومن ضمّ التّاء وهمز الواو فقد أخطأ وهي رواية أكثر المشايخ والرّواة وكما قيّدناه أوّلًا قيّده أصحاب المؤتلف والمختلف وكذلك أتقناه على أهل المعرفة من شيوخنا قال والتوأمة هذه هي بنت أميّة بن خلفٍ الجمحيّ قاله البخاريّ وغيره قال الواقديّ وكانت مع أختٍ لها في بطنٍ واحدٍ فلذلك قيل التوأمة وهي مولاة أبي صالحٍ وأبو صالحٍ هذا اسمه نبهان هذا آخر كلام القاضي ثمّ إنّ مالكًا رحمه اللّه حكم بضعف صالحٍ مولى التوأمة وقال ليس هو بثقة وقد خالفه غيره فقال يحيى بن معينٍ صالحٌ هذا ثقةٌ حجّةٌ فقيل إنّ مالكًا ترك السّماع منه فقال إنّما أدركه مالك بعد ما كبر وخرف وكذلك الثّوريّ إنّما أدركه بعد أن خرف فسمع منه أحاديث منكراتٍ ولكن من سمع منه قبل أن يختلط فهو ثبتٌ وقال أبو أحمد بن عديٍّ لا بأس به إذا سمعوا منه قديمًا مثل بن أبي ذئب وبن جريجٍ وزياد بن سعدٍ وغيرهم وقال أبو زرعة صالحٌ هذا ضعيفٌ وقال أبو حاتمٍ الرّازيّ ليس بقويٍّ وقال أبو حاتم بن حبان تغير صالح مولى التوأمة في سنة خمسٍ وعشرين ومائةٍ واختلط حديثه الأخير بحديثه القديم ولم يتميّز فاستحقّ التّرك واللّه أعلم
وأمّا أبو الحويرث الّذي قال مالكٌ إنّه ليس بثقةٍ فهو بضمّ الحاء واسمه عبد الرّحمن بن معاوية بن الحويرث الأنصاريّ الزّرقيّ المدنيّ قال الحاكم أبو أحمد ليس بالقويّ عندهم وأنكر أحمد بن حنبلٍ قول مالكٍ إنّه ليس بثقةٍ وقال روى عنه شعبة وذكره البخاريّ في تاريخه ولم يتكلّم فيه قال وكان شعبة يقول فيه أبو الجويرية وحكى الحاكم أبو أحمد هذا القول ثمّ قال وهو وهمٌ وأمّا شعبة الذي روى عنه بن أبي ذئبٍ وقال مالكٌ ليس هو بثقةٍ فهو شعبة القرشيّ الهاشميّ المدنيّ أبو عبد اللّه وقيل أبو يحيى مولى بن عباس سمع بن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما ضعّفه كثيرون مع مالكٍ وقال أحمد بن حنبلٍ ويحيى بن معين ليس به بأس قال بن عديٍّ ولم أجد له حديثًا منكرًا وأمّا بن أبي ذئبٍ فهو السّيّد الجليل محمّد بن عبد الرّحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئبٍ واسمه هشام بن شعبة بن عبد اللّه القرشيّ العامريّ المدنيّ فهو منسوبٌ إلى جدّ جدّه وأمّا حرام بن عثمان الّذي قال مالكٌ ليس هو بثقةٍ فهو بفتح الحاء وبالرّاء قال البخاريّ هو أنصاريٌّ سلميٌّ منكر الحديث قال الزّبير كان يتشيّع روى عن بن جابر بن عبد اللّه وقال النّسائيّ هو مدنيٌّ ضعيفٌ قوله (وسألته يعني مالكًا عن رجلٍ فقال لو كان ثقةً لرأيته في كتبي) هذا تصريحٌ من مالكٍ رحمه اللّه بأنّ من أدخله في كتابه فهو ثقةٌ فمن وجدناه في كتابه حكمنا بأنّه ثقةٌ عند مالك وقد لايكون ثقةً عند غيره وقد اختلف العلماء في رواية العدل عن مجهولٍ هل يكون تعديلًا له فذهب بعضهم إلى أنّه تعديلٌ وذهب الجماهير إلى أنّه ليس بتعديلٍ وهذا هو الصّواب فإنّه قد يروي عن غير الثّقة لا للاحتجاج به بل للاعتبار والاستشهاد أو لغير ذلك أمّا إذا قال مثل قول مالكٍ أو نحوه فمن أدخله في كتابه فهو عنده عدلٌ أمّا إذا قال أخبرني الثّقة فإنّه يكفي في التّعديل عند من يوافق القائل في المذهب وأسباب الجرح على المختار فأمّا من لا يوافقه أو يجهل حاله فلا يكفي في التّعديل في حقّه لأنّه قد يكون فيه سبب جرحٍ لا يراه القائل جارحًا ونحن نراه جارحًا فإنّ أسباب الجرح تخفى ومختلفٌ فيها وربّما لو ذكر اسمه اطّلعنا فيه على جارحٍ قوله (عن شرحبيل بن سعدٍ وكان متّهمًا) قد قدّمنا أنّ شرحبيل اسمٌ عجميٌّ لا ينصرف وكان شرحبيل هذا من أئمّة المغازي قال سفيان بن عيينة لم يكن أحدٌ أعلم منه بالمغازي فاحتاج وكانوا يخافون إذا جاء إلى الرّجل يطلب منه شيئًا فلم يعطه أن يقول لم يشهد أبوك بدرًا قال غير سفيان كان شرحبيل مولًى للأنصار وهو مدنيٌّ كنيته أبو سعدٍ قال محمّد بن سعدٍ كان شيخًا قديمًا روى عن زيد بن ثابتٍ وعامّة أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وبقي إلى آخر الزّمان حتّى اختلط واحتاج حاجة شديدة وليس يحتج به قوله (بن قهزاذ عن الطّالقانيّ) تقدّم ضبطهما في الباب الّذي قبل هذا قوله (لو خيّرت بين أن أدخل الجنّة وبين أن ألقى عبد اللّه بن محرّرٍ لاخترت أن ألقاه ثمّ أدخل الجنة) ومحرر بضمّ الميم وفتح الحاء المهملة وبالرّاء المكرّرة الأولى مفتوحةً وقد تقدّم في أوّل الكتاب قوله (قال زيد يعنى بن أبي أنيسة لا تأخذوا عن أخي) أمّا أنيسة فبضمّ الهمزة وفتح النّون واسم أبي أنيسة زيدٌ وأمّا الأخ المذكور فاسمه يحيى وهو المذكور في الرواية الاخرى وهو جزرى يروي عن الزّهريّ وعمرو بن شعيبٍ وهو ضعيفٌ قال البخاريّ ليس هو بذاك وقال النّسائيّ ضعيفٌ متروك الحديث وأمّا أخوه زيدٌ فثقةٌ جليلٌ احتجّ به البخاريّ ومسلمٌ قال محمّد بن سعدٍ كان ثقةً كثير الحديث فقيهًا راويةً للعلم قوله (حدّثني أحمد بن إبراهيم الدّورقيّ قال حدّثني عبد السّلام الوابصيّ) أمّا الدّورقيّ فتقدّم بيانه في وسط هذا الباب وأمّا الوابصيّ فبكسر الباء الموحّدة وبالصّاد المهملة وهو عبد السّلام بن عبد الرّحمن بن صخر بن عبد الرّحمن بن وابصة بن معبدٍ الأسديّ أبو الفضل الرّقّيّ بفتح الرّاء قاضي الرّقّة وحرّان وحلبٍ وقضى ببغداد

قوله (ذكر فرقدٌ عند أيّوب فقال ليس بصاحب حديث) وفرقد بفتح الفاء وإسكان الرّاء وفتح القاف وهو فرقد بن يعقوب السّبخيّ بفتح السّين المهملة والموحّدة وبالخاء المعجمة منسوبٌ إلى سبخة البصرة أبويعقوب التّابعيّ العابد لا يحتجّ بحديثه عند أهل الحديث لكونه ليس صنعته كما قدّمناه في قوله لم نر الصّالحين في شيءٍ أكذب منهم في الحديث وقال يحيى بن معينٍ في روايةٍ عنه ثقةٌ قوله (فضعّفه جدًّا) هو بكسر الجيم وهو مصدر جدّ يجدّ جدًّا ومعناه تضعيفًا بليغًا قوله (سمعت يحيى بن سعيدٍ القطّان ضعّف حكيم بن جبيرٍ وعبد الأعلى وضعّف يحيى بن موسى بن دينارٍ وقال حديثه ريحٌ وضعّف موسى بن الدّهقان وعيسى بن أبي عيسى المدنيّ) هكذا وقع في الأصول كلّها وضعّف يحيى بن موسى بإثبات لفظة بن بين يحيى وموسى وهو غلطٌ بلا شكٍّ والصّواب حذفها كذا قاله الحفّاظ منهم أبو عليٍّ الغسّانيّ الجيّانيّ وجماعاتٌ آخرون والغلط فيه من رواة كتاب مسلم لا من مسلم ويحيى هو بن سعيدٍ القطّان المذكور أوّلًا فضعّف يحيى بن سعيدٍ حكيم بن جبيرٍ وعبد الأعلى وموسى بن دينارٍ وموسى بن الدّهقان وعيسى وكلّ هؤلاء متّفقٌ على ضعفهم وأقوال الأئمّة في تضعيفهم مشهورة فأما حكيم فاسدى كوفيٌّ متشيّعٌ قال أبو حاتمٍ الرّازيّ هو غالٍ في التّشييع وقيل لعبد الرّحمن بن مهدى ولشعبة لم تركتما حديث حكيمٍ قالا نخاف النار وأما عبد الأعلى فهو بن عامرٍ الثّعالبيّ بالمثلّثة الكوفيّ وأمّا موسى بن دينارٍ فمكّيٌّ يروي عن سالمٍ قاله النّسائيّ وأمّا موسى بن الدّهقان فبصريٌّ يروي عن بن كعب بن مالكٍ والدّهقان بكسر الدّال وأمّا عيسى بن أبي عيسى فهو عيسى بن ميسرة أبو موسى ويقال أبو محمّدٍ الغفاريّ المدنيّ أصله كوفيٌّ يقال له الخيّاط والحنّاط والخبّاط الأوّل إلى الخياطة والثّاني إلى الحنطة والثّالث إلى الخبط قال يحيى بن معينٍ كان خيّاطًا ثمّ ترك ذلك وصار حنّاطًا ثمّ ترك ذلك وصار يبيع الخبط قوله (لاتكتب حديث عبيدة بن معتّبٍ والسّريّ بن إسماعيل ومحمّد بن سالمٍ) هؤلاء الثّلاثة مشهورون بالضّعف والتّرك فعبيدة بضمّ العين هذا هو الصّحيح المشهور في كتب المؤتلف والمختلف وغيرهما وحكى صاحب المطالع عن بعض رواة البخاريّ أنّه ضبطه بضم العين وفتحها ومعتب بضمّ الميم وفتح المهملة وكسر المثنّاة فوق بعدها موحدة وعبيدة هذا ضبى كوفيٌّ كنيته أبو عبد الكريم وأمّا السّريّ فهمدانى بإسكان الميم كوفيٌّ وأمّا محمّد بن سالمٍ فهمدانى كوفيٌّ أيضًا فاستوى الثّلاثة في كونهم كوفيّين متروكين واللّه أعلم قال رحمه اللّه في الاحاديث الضعيفة (ولعلها أو أكثرها أكاذيب لاأصل لها) هكذا هو في الأصول الحّقّقة من رواية الفراويّ عن الفارسيّ عن الجلوديّ وذكر القاضي عياضٌ أنّه هكذا هو في رواية الفارسى عن الجلودى وأنّها الصّواب وأنّه وقع في روايات شيوخهم عن العذريّ عن الرّازيّ عن الجلوديّ وأقلّها أو أكثرها قال القاضي وهذا مختلٌّ مصحّفٌ وهذا الّذي قاله القاضي فيه نظرٌ ولا ينبغي أن يحكم بكونه تصحيفًا فإنّ لهذه الرّواية وجهًا في الجملة لمن تدبّرها قوله (وأهل القناعة) هي بفتح القاف أي الّذين يقنع بحديثهم لكمال حفظهم وإتقانهم وعدالتهم قوله (ولا مقنع) هو بفتح الميم والنون

فرعٌ في جملة المسائل والقواعد الّتي تتعلّق بهذا الباب:
إحداها اعلم أنّ جرح الرّواة جائزٌ بل واجبٌ بالاتّفاق للضّرورة الدّاعية إليه لصيانة الشّريعة المكرّمة وليس هو من الغيبة الحّرّمة بل من النّصيحة للّه تعالى ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم والمسلمين ولم يزل فضلاء الأئمّة وأخيارهم وأهل الورع منهم يفعلون ذلك كما ذكر مسلمٌ في هذا الباب عن جماعاتٍ منهم ما ذكره وقد ذكرت أنا قطعةً صالحةً من كلامهم فيه في أوّل شرح صحيح البخاريّ رحمه اللّه ثمّ على الجارح تقوى اللّه تعالى في ذلك والتّثبّت فيه والحذر من التّساهل بجرح سليمٍ من الجرح أو بنقص من لم يظهر نقصه فإنّ مفسدة الجرح عظيمةٌ فإنّها غيبةٌ مؤبّدةٌ مبطلةٌ لأحاديثه مسقطةٌ لسنّةٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ورادّةٌ لحكمٍ من أحكام الدّين ثمّ إنّما يجوز الجرح لعارفٍ به مقبول القول فيه أمّا إذا لم يكن الجارح من أهل المعرفة أو لم يكن ممّن يقبل قوله فيه فلا يجوز له الكلام في أحدٍ فإن تكلّم كان كلامه غيبةً محرّمةً كذا ذكره القاضي عياضٌ رحمه اللّه وهو ظاهرٌ قال وهذا كالشّاهد يجوز جرحه لأهل الجرح ولو عابه قائلٌ بما جرّح به أدّب وكان غيبةً
الثّانية الجرح لا يقبل إلّا من عدلٍ عارفٍ بأسبابه وهل يشترط في الجارح والمعدّل العدد فيه خلافٌ للعلماء والصّحيح أنّه لا يشترط بل يصير مجروحًا أو عدلًا بقولٍ واحدٍ لأنّه من باب الخبر فيقبل فيه الواحد وهل يشترط ذكر سبب الجرح أم لا اختلفوا فيه فذهب الشّافعيّ وكثيرون إلى اشتراطه لكونه قد يعدّه مجروحًا بما لا يجرح لخفاء الأسباب ولاختلاف العلماء فيها وذهب القاضي أبو بكر بن الباقلّانيّ في آخرين إلى أنّه لا يشترط وذهب آخرون إلى أنّه لا يشترط من العارف بأسبابه ويشترط من غيره وعلى مذهب من اشترط في الجرح التّفسير يقول فائدة الجرح فيمن جرّح مطلقًا أن يتوقّف عن الاحتجاج به إلى أن يبحث عن ذلك الجرح ثمّ من وجد في الصّحيحين ممّن جرّحه بعض المتقدّمين يحمل ذلك على أنّه لم يثبت جرحه مفسّرًا بما يجرح ولو تعارض جرحٌ وتعديلٌ قدّم الجرح على المختار الّذي قاله الحمقّقون والجماهير ولا فرق بين أن يكون عدد المعدّلين أكثر أو أقلّ وقيل إذا كان المعدّلون أكثر قدّم التّعديل والصّحيح الأوّل لأنّ الجارح اطّلع على أمرٍ خفيٍّ جهله المعدّل
الثّالثة قد ذكر مسلمٌ رحمه اللّه في هذا الباب أنّ الشّعبيّ روى عن الحارث الأعور وشهد أنّه كاذبٌ وعن غيره حدّثني فلانٌ وكان متّهمًا وعن غيره الرّواية عن المغفّلين والضّعفاء والمتروكين فقد يقال لم حدّث هؤلاء الأئمّة عن هؤلاء مع علمهم بأنّهم لا يحتجّ بهم ويجاب عنه بأجوبةٍ أحدها أنّهم رووها ليعرفوها وليبيّنوا ضعفها لئلّا يلتبس في وقتٍ عليهم أو على غيرهم أو يتشكّكوا في صحّتها الثّاني أنّ الضّعيف يكتب حديثه ليعتبر به أو يستشهد كما قدّمناه في فصل المتابعات ولا يحتجّ به على انفراده الثّالث أنّ روايات الرّاوي الضّعيف يكون فيها الصّحيح والضّعيف والباطل فيكتبونها ثمّ يميّز أهل الحديث والإتقان بعض ذلك من بعضٍ وذلك سهلٌ عليهم معروفٌ عندهم وبهذا احتجّ سفيان الثّوريّ رحمه اللّه حين نهى عن الرّواية عن الكلبيّ فقيل له أنت تروي عنه فقال أنا أعلم صدقه من كذبه الرّابع أنّهم قد يروون عنهم أحاديث التّرغيب والتّرهيب وفضائل الأعمال والقصص وأحاديث الزّهد ومكارم الأخلاق ونحو ذلك ممّا لا يتعلّق بالحلال والحرام وسائر الأحكام وهذا الضّرب من الحديث يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التّساهل فيه ورواية ما سوى الموضوع منه والعمل به لأنّ أصول ذلك صحيحةٌ مقرّرةٌ في الشّرع معروفةٌ عند أهله وعلى كلّ حالٍ فإنّ الأئمّة لا يروون عن الضّعفاء شيئًا يحتجّون به على انفراده في الأحكام فإنّ هذا شيءٌ لا يفعله إمامٌ من أئمّة المحدّثين ولا محقّقٌ من غيرهم من العلماء وأمّا فعل كثيرين من الفقهاء أو أكثرهم ذلك واعتمادهم عليه فليس بصوابٍ بل قبيحٌ جدًّا وذلك لأنّه إن كان يعرف ضعفه لم يحلّ له أن يحتجّ به فإنّهم متّفقون على أنّه لا يحتجّ بالضّعيف في الأحكام وإن كان لا يعرف ضعفه لم يحلّ له أن يهجم على الاحتجاج به من غير بحثٍ عليه بالتّفتيش عنه إن كان عارفًا أو بسؤال أهل العلم به إن لم يكن عارفًا واللّه أعلم المسألة الرّابعة في بيان أصناف الكاذبين في الحديث وحكمهم وقد نقّحها القاضي عياضٌ رحمه الله تعالى فقال الكاذبون ضربان أحدهما ضربٌ عرفوا بالكذب في حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهم أنواعٌ منهم من يضع عليه ما لم يقله أصلًا إمّا ترافعًا واستخفافًا كالزّنادقة وأشباههم ممّن لم يرج للدّين وقارًا وإمّا حسبةً بزعمهم وتديّنًا كجهلة المتعبّدين الّذين وضعوا الأحاديث في الفضائل والرّغائب وإمّا إغرابًا وسمعةً كفسقة المحدّثين وإمّا تعصّبًا واحتجاجًا كدعاة المبتدعة ومتعصّبي المذاهب وإمّا اتّباعًا لهوى أهل الدنيا فيما أرادوه وطلب العذر لهم فيما أتوه وقد تعيّن جماعةٌ من كلّ طبقةٍ من هذه الطّبقات عند أهل الصّنعة وعلم الرّجال ومنهم من لا يضع متن الحديث ولكن ربّما وضع للمتن الضّعيف إسنادًا صحيحًا مشهورًا ومنهم من يقلّب الأسانيد أو يزيد فيها ويتعمّد ذلك إمّا للإغراب على غيره وإمّا لرفع الجهالة عن نفسه ومنهم من يكذب فيدّعي سماع ما لم يسمع ولقاء من لم يلق ويحدّث بأحاديثهم الصّحيحة عنهم ومنهم من يعمد إلى كلام الصّحابة وغيرهم وحكم العرب والحكماء فينسبها إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهؤلاء كلّهم كذّابون متروكو الحديث وكذلك من تجاسر بالحديث بما لم يحقّقه ولم يضبطه أو هو شاكٌّ فيه فلا يحدّث عن هؤلاء ولا يقبل ما حدّثوا به ولو لم يقع منهم ما جاؤوا به إلّا مرّةً واحدةً كشاهد الزّور إذا تعمّد ذلك سقطت شهادته واختلف هل تقبل روايته في المستقبل إذا ظهرت توبته قلت المختار الأظهر قبول توبته كغيره من أنواع الفسق وحجّة من ردّها أبدًا وإن حسنت توبته التّغليظ وتعظيم العقوبة في هذا الكذب والمبالغة في الزّجر عنه كما قال صلّى اللّه عليه وسلّم إنّ كذبًا عليّ ليس ككذبٍ على أحدٍ قال القاضي والضّرب الثّاني من لا يستجيز شيئًا من هذا كلّه في الحديث ولكنّه يكذب في حديث النّاس قد عرف بذلك فهذا أيضًا لا تقبل روايته ولا شهادته وتنفعه التّوبة ويرجع إلى القبول فأمّا من يندرٌ منه القليل من الكذب ولم يعرف به فلا يقطع بجرحه بمثله لاحتمال الغلط عليه والوهم وإن اعترف بتعمّد ذلك المرّة الواحدة ما لم يضرّ به مسلمًا فلا يجرّح بهذا وإن كانت معصيةً لندورها ولأنّها لا تلحق بالكبائر الموبقات ولأنّ أكثر النّاس قلّما يسلمون من مواقعات بعض الهنات وكذلك لا يسقطها كذبه فيما هو من باب التّعريض أو الغلوّ في القول إذ ليس بكذبٍ في الحقيقة وإن كان في صورة الكذب لأنّه لا يدخل تحت حدّ الكذب ولا يريد المتكلّم به الإخبار عن ظاهر لفظه وقد قال صلّى اللّه عليه وسلّم أمّا أبو الجهم فلا يضع العصا عن عاتقه وقد قال إبراهيم الخليل صلّى اللّه عليه وسلّم هذه أختي هذا آخر كلام القاضي رحمه اللّه وقد أتقن هذا الفصل رحمه اللّه ورضي عنه والله أعلم). [المنهاج: 1/84-127]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
من, بيان

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:03 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir