دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 ذو الحجة 1429هـ/18-12-2008م, 12:03 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تنكير صاحب الحال


ولمْ يُنَكَّرْ غالِبًا ذُو الحالِ إِنْ = لمْ يَتَأَخَّرْ أوْ يُخَصَّصْ أوْ يَبِنْ
مِنْ بعدِ نَفْيٍ أوْ مُضاهيهِ كَلَا =يَبْغِ امرُؤٌ عَلَى امرئٍ مُسْتَسْهِلَا


  #2  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 02:31 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


ولم يُنَكَّرْ غَالِباً ذُو الْحَالِ إِنْ = لَمْ يَتَأَخَّرْ أَوْ يُخَصَّصْ أَوْ يَبِنْ ([1])
مِنْ بَعْدِ نَفْيٍ أَوْ مُضَاهِيهِ كَـ(لاَ = يَبْغِ امْرُؤٌ عَلَى امْرِئٍ مُسْتَسْهِلاَ) ([2])

حقُّ صاحبِ الحالِ أنْ يكونَ مَعْرِفَةً، ولا يُنَكَّرُ في الغالِبِ إلاَّ عِنْدَ وُجُودِ مُسَوِّغٍ، وهو أحدُ أُمُورٍ([3]):
مِنها أنْ يَتَقَدَّمَ الحالُ على النَّكِرَةِ، نحوُ: (فيها قائِماً رَجُلٌ)، وكقولِ الشاعرِ وأَنْشَدَهُ سِيبَوَيْهِ:
181- وَبِالْجِسْمِ مِنِّي بَيِّناً لَوْ عَلِمْتِهِ = شُحُوبٌ وَإِنْ تَسْتَشْهِدِي العَيْنَ تَشْهَدِ ([4])
وكقولِهِ:
182- وَمَا لاَمَ نَفْسِي مِثْلَهَا لِي لاَئِمٌ = ولا سَدَّ فَقْرِي مِثْلُ مَا مَلَكَتْ يَدِي ([5])
فـ (قائماً) حالٌ مِن (رَجُلٌ)، و (بَيِّناً) حالٌ مِن (شُحُوبٌ)، و (مِثْلَهَا) حالٌ من (لائِمٌ).
ومِنها أنْ تُخَصِّصَ النكرةَ بِوَصْفٍ أو بإضافةٍ؛ فمثالُ ما تَخَصَّصَ بوصفٍ قولُه تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا}([6]).
وكقولِ الشاعِرِ:
183- نَجَّيْتَ يَا رَبِّ نُوحاً وَاسْتَجَبْتَ لَهُ = فِي فُلُكٍ مَاخِرٍ فِي الْيَمِّ مَشْحُونَا

وَعَاشَ يَدْعُو بِآيَاتٍ مُبَيِّنَةٍ = في قَوْمِهِ أَلْفَ عَامٍ غَيْرَ خَمْسِينَا ([7])
ومثالُ ما تَخَصَّصَ بالإضافةِ قولُه تعالى: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ}.
ومنها أنْ تَقَعَ النكرةُ بعدَ نفيٍ أو شِبْهِهِ، وشِبْهُ النفيِ هو الاستفهامُ والنهيُ، وهو المرادُ بقولِهِ: (أَوْ يَبِنْ مِنْ بَعْدِ نَفْيٍ أَوْ مُضَاهِيهِ)، فمثالُ ما وَقَعَ بعدَ النفيِ قَوْلُهُ:
184- مَا حُمَّ مِنْ مَوْتٍ حِمًى وَاقِيَا = وَلاَ تَرَى مِنْ أَحَدٍ بَاقِيَا ([8])
ومنه قولُه تعالى([9]): {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ}، فـ(لَهَا كِتَابٌ) جُمْلَةٌ في مَوْضِعِ الحالِ مِن (قَرْيَةٍ)، وصَحَّ مَجِيءُ الحالِ مِن النكرةِ؛ لِتَقَدُّمِ النفيِ عليها، ولا يَصِحُّ كونُ الجملةِ صفةً لِقَرْيَةٍ، خِلافاً للزَّمَخْشَرِيِّ؛ لأنَّ الواوَ لا تَفْصِلُ بينَ الصفةِ والموصوفِ، وأيضاًً وُجُودُ (إلاَّ) مانعٌ مِن ذلك؛ إذ لا يُعْتَرَضُ بـ(إلاَّ) بينَ الصفةِ والموصوفِ، ومِمَّن صَرَّحَ بِمَنْعِ ذلك أبو الحَسَنِ الأَخْفَشُ في (المسائلِ)، وأبو عليٍّ الفارِسِيُّ في (التَّذْكِرَةِ).
ومثالُ ما وَقَعَ بعدَ الاستفهامِ قولُه:
185- يَا صَاحِ هَلْ حُمَّ عَيْشٌ بَاقِياً فَتَرَى = لِنَفْسِكَ الْعُذْرَ فِي إِبْعَادِهَا الأَمَلاَ([10])
ومثالُ ما وَقَعَ بعدَ النهيِ قولُ المصنِّفِ: (لاَ يَبْغِ امْرُؤٌ عَلَى امْرِئٍ مُسْتَسْهِلاً)، وقولُ قَطَرِيِّ بنِ الفُجَاءَةَ:
186- لاَ يَرْكَنَنْ أَحَدٌ إِلَى الإِحْجَامِ = يَوْمَ الْوَغَى مُتَخَوِّفاً لِحِمَامِ ([11])
واحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: (غَالِباً) مِمَّا قَلَّ مَجِيءُ الحالِ فِيهِ مِن النكرةِ بلا مُسَوِّغٍ مِن المسوِّغاتِ المذكورةِ، ومنه قولُهم: (مَرَرْتُ بماءٍ قِعْدَةَ رَجُلٍ) ([12])، وقولُهم: (عليه مِائَةٌ بِيضاً) ([13]).
وأجازَ سِيبَوَيْهِ: (فيها رَجُلٌ قائماً)، وفي الحديثِ: (صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِداً، وَصَلَّى وَرَاءَهُ رِجَالٌ قِيَاماً)([14]).


([1])(ولم) نافيةٌ جازمةٌ،ُنَكَّرْ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، مجزومٌ بلم،(غالباً) حالٌ مِن نائبِ الفاعلِ،(ذو) نائبُ فاعلِ يُنَكَّرْ، وذو مُضافٌو(الحالِ) مُضافٌ إليه،ِنْ) شَرْطِيَّةٌ،(لم) نافيةٌ جازمةٌ،َتَأَخَّرْ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مجزومٌ بلم فِعْلُ الشرطِ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى ذو الحالِ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ، والتقديرُ: إنْ لم يَتَأَخَّرْ ذو الحالِ... إلخ فلا يُنَكَّرْ،(أو يُخَصَّصْ، أو يَبِنْ) معطوفانِ على يَتَأَخَّرْ.

([2])ِن بعدِ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِيَبِنْ في البيتِ السابقِ، وبعدِ مُضافٌ و(نفيٍ) مُضافٌ إليه،(أو) عاطِفَةٌ،ُضَاهِيهِ) مُضاهِي: معطوفٌ على نفيٍ، ومضاهي مُضافٌ وضميرُ الغائبِ العائدُ إلى نفيٍ مُضافٌ إليه،َلاَ) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ، لا: ناهيةٌ،(يَبْغِ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مجزومٌ بلا الناهيةِ،(امْرُؤٌ) فاعلُيَبْغِ،(على امْرِئٍ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِيَبْغِ،ُسَْسْهِلاَ) حالٌ مِن قولِهِ: (امْرُؤٌ) الفاعِلِ.

([3]) ذَكَرَ الشارِحُ - تَبَعاً للناظِمِ - مِن مُسَوِّغَاتِ مَجِيءِ الحالِ مِن النكرةِ ثلاثةَ مُسَوِّغَاتٍ:
أوَّلُها: تَقَدُّمُ الحالِ، وثانيها: تَخَصُّصُ صاحبِها بوصفٍ أو بإضافةٍ، وثالثُها: وُقُوعُ النكرةِ بعدَ النفيِ أو شِبْهِهِ، وبَقِيَ من المسوِّغاتِ ثلاثةٌ أُخْرَى لم يُصَرِّحْ بها:
الأوَّلُ: أنْ تكونَ الحالُ جملةً مُقْتَرِنَةً بالواوِ، كما في قولِكَ: زَارَنَا رَجُلٌ والشمسُ طالعةٌ، والسرُّ في ذلك أنَّ وُجُودَ الواوِ في صدرِ الجملةِ يَرْفَعُ تَوَهُّمَ أنَّ هذه الجملةَ نَعْتٌ للنكرةِ؛ إذ النعْتُ لا يُفْصَلُ بينَه وبينَ المنعوتِ بالواوِ، ففي قَوْلِهِ تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} مُسَوِّغَانِ، بل ثلاثةٌ، وهي تَقَدُّمُ النفيِ، ووُقُوعُ الواوِ في صدرِ جملةِ الحالِ، والثالثُ اقْتِرَانُ الجملةِ بإلاَّ؛ لأنَّ الاستثناءَ المُفَرَّغَ لا يَقَعُ في النعوتِ، وأمَّا قولُه تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} فالمُسَوِّغُ وقوعُ الواوِ في صدرِ جملةِ الحالِ.
الثاني: أنْ تكونَ الحالُ جامدةً، نحوُ قولِكَ: هذا خاتَمٌ حَدِيداً، والسرُّ في ذلك أنَّ الوصفَ بالجامِدِ على خلافِ الأصلِ، فلا يَذْهَبُ إليه ذَاهِبٌ، وقد ساغَ في مثلِ هذا أنْ تكونَ الحالُ جامدةً كما عَلِمْتَ (انْظُرْ ص 246 وما بعدَها).
الثالِثُ: أنْ تكونَ النكرةُ مُشْتَرَكَةً معَ مَعْرِفَةٍ أو معَ نَكِرَةٍ يَصِحُّ أنْ تَجِيءَ الحالُ منها؛ كقولِكَ: زَارَنِي خالدٌ ورَجُلٌ رَاكِبَيْنِ، أو قولِكَ: زَارَنِي رَجُلٌ صالحٌ وامرأةٌ مُبَكِّرِينَ.

([4])181- البيتُ مِن الشواهدِ التي لا يُعْلَمُ قَائِلُها.
اللغةُ: (شُحُوبٌ) هو مَصْدَرُ شَحَبَ جِسْمُهُ يَشْحُبُ شُحُوباً - بوزنِ قعَدَ يَقْعُدُ قُعُوداً - وقد جاءَ على لغةٍ أُخْرَى: شَحُبَيَشْحُبُ شُحُوبَةً - مِثْلُ سَهُلَ الأمرُ يَسْهُلُ سُهُولَةً - إذا تَغَيَّرَ لونُه،َيِّناً) ظاهراً،وهو فَيْعَلٌ مِن بانَ يَبِينُ، إذا ظَهَرَ ووَضَحَ.
المعنى: إنَّ بِجِسْمِي مِن آثارِ حُبِّكِ لَشُحُوباً ظَاهِراً، لو أنَّكِ عَلِمْتِهِ لأَخَذَتْكِ الشَّفَقضةُ عليَّ، وإذا أَحْبَبْتِ أَنْ تَرَي الشاهِدَ فانْظُرِي إلى عَيْنَيَّ؛فإنَّهما تُحَدِّثَانِكِ حَدِيثَه.
الإعرابُ: (بِالْجِسْمِ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ خبرٌ مُقَدَّمٌ، (مِنِّي) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ حالٌ مِن الجِسْمِ،َيِّناً) حالٌ مِن (شُحُوبٌ) الآتي على رأيِ سِيبَوَيْهِ الذي يُجِيزُ مَجِيءَ الحالِ من المبتدأِ، وهو عندَ الجُمْهُورِ حالٌ مِن الضميرِ المُسْتَكِنِّ في الجارِّ والمجرورِ الواقِعِ خَبَراً،(لو) شَرْطِيَّةٌ غَيْرُ جازمةٍ،َلِمْتِهِ) فِعْلٌ وفاعلٌ ومفعولٌ به، والجملةُ مِن الفِعْلِ وفاعِلِهِ ومفعولِهِ شرطُ لو، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ، والتقديرُ: لو عَلِمْتِهِ لأَشْفَقْتِ عَلَيَّ، والجملةُ مِن الشرطِ وجَوَابِهِ لا مَحَلَّ لها مُعْتَرِضَةٌ بينَ الخبرِ المُقَدَّمِ والمبتدأِ المؤخَّرِ،ُحُوبٌ) مبتدأٌ مُؤَخَّرٌ،(وإنْ) شَرْطِيَّةٌ،َسْتَشْهِدِي) فِعْلٌ مُضَارِعٌ فِعْلُ الشرطِ، وياءُ المخاطَبَةِ فاعلٌ، (العَيْنَ) مفعولٌ به،َشْهَدِ) جوابُ الشرطِ.‌‌‌‌‌‌
الشاهدُ فيه: قولُه:َيِّناً)؛ حيثُ وَقَعَتِ الحالُ مِن النكرةِ، التي هي قولُه:ُحُوبٌ) على ما هو مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ، كما قَرَّرْنَاهُ في الإعرابِ، والمُسَوِّغُ لذلك تَقَدُّمُ الحالِ على صاحبِها، فإذا جَرَيْتَ على ما ذَهَبَ الجمهورُ إليه خَلاَ البيتُ من الشاهدِ؛ لأنَّ صاحبَ الحالِ عندَهم ضميرٌ.

([5])182- وهذا البيتُ أيضاًًً مِن الشواهِدِالتي لا يُعْلَمُ قَائِلُها.
اللغةُ: (لاَمَ) عَذَلَ، وتقولُ: لامَ فلانٌ فلاناً لَوْماً ومَلاَمَةً، ومَلاماً، إذا عَاتَبَهُ ووَبَّخَهُ،َدَّ فَقْرِي) أَرَادَ أَغْنَانِي عن الحاجةِ إلى الناسِ وسُؤَالِهِم، شَبَّهَ الفقرَ ببابٍ مفتوحٍ يَأْتِيهِ مِن نَاحِيَتِهِ ما لا يُحِبُّ، فهو في حاجةٍ لإيصادِهِ.
المعنى: إنَّ اللومَ الذي يكونُ له الأثرُ الناجِعُ في رُجُوعِ الإنسانِ عَمَّا اسْتَوْجَبَ اللوْمَ عليه هو لَوْمُ الإنسانِ نفسَه؛ لأنَّ ذلك يَدُلُّ على شُعُورِهِ بالخطأِ، فيَحْمِلُه على العُدُولِ عنه، وإنَّ ما في يدِ الإنسانِ مِن المالِ لأَقْرَبُ مَنَالاً له مِمَّا في أيدي الناسِ.
الإعرابُ: (وما) نافيةٌ، (لامَ) فِعْلٌ ماضٍ،َفْسِي) نفسِ: مفعولٌ به تَقَدَّمَ على الفاعلِ، ونفسِ مُضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مُضافٌ إليه،ِثْلَهَا) مثلَ: حالٌ مِن (لائِمٌ) الآتي، ومثلَ مُضافٌ وها مُضافٌ إليه، و(مِثْلٌ) من الألفاظِ التي لا تَسْتَفِيدُ بالإضافةِ تعريفاً،ِي) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ حالٌ مِن (لائِمٌ) الآتي،(لائِمٌ) فاعلُ لامَ، (ولا) الواوُ عاطِفَةٌ، لا: زائدةٌ لتأكيدِ النفيِ،َدَّ) فِعْلٌ ماضٍ، (فَقْرِي) فَقْرِ: مفعولٌ به لِسَدَّ تَقَدَّمَ على الفاعلِ، وفَقْرِ مُضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مُضافٌ إليه،ِثْلُ) فاعلٌ لِسَدَّ، ومثلُ مُضافٌ و(ما) اسمٌ موصولٌ مُضافٌ إليه،َلَكَتْ) مَلَكَ: فِعْلٌ ماضٍ، والتاءُ للتأنيثِ،َدِي) يَدِ: فاعلُ مَلَكَتْ، ويَدِ مُضافٌ وياءُ المُتَكَلِّمِ مُضافٌ إليه، والجملةُ مِن مَلَكَ وفاعِلِهِ لا مَحَلَّ لها صِلَةُ الموصولِ، والعائدُ محذوفٌ، والتقديرُ: مِثْلُ الذي مَلَكْتُهُ يَدِي.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (مِثْلَهَا لِي لاَئِمٌ) حيثُ جاءَتِ الحالُ - وهي قولُه:ِثْلَهَا) و(لي) - مِن النكرةِ،وهي قولُه: (لائِمٌ)،والذي سَوَّغَ ذلك تأخُّرُ النكرةِ عن الحالِ.

([6]) الأمرُ الأوَّلُ الوارِدُ في هذه الآيةِ واحدُ الأمورِ، والأمرُ الثاني واحدُ الأوامِرِ، وقد أَعْرَبَ الناظِمُ وابنُه (أمراً) على أنه حالٌ مِن أمرٍ الأوَّلِ، وسَوَّغَ مجيءُ الحالِ مِنه تخصيصُه بحَكِيمٍ بمعنى مُحْكَمٍ؛أي: حالَ كَوْنِهِ مأموراً به من عِنْدِنا.
واعْتَرَضَ قومٌ على هذا الإعرابِ بأنَّ الحالَ لا يَجِيءُ مِن المُضافِ إليه إلاَّ إذا وُجِدَ واحدٌ مِن الأمورِالثلاثةِ التي يأتي بَيَانُها في هذا البابِ، وليسَ واحدٌ مِنها بموجودٍ هنا.
وأُجِيبَ بأنَّا لا نُسَلِّمُ أنَّ الأمورَ الثلاثةَ غيرُ موجودةٍ في هذا المثالِ، بل المُضافُ الذي هو لفظُُلُّ) كالجزءِ مِن المُضافِ إليه الذي هو لفظَُمْرٍ) في صِحَّةِ الاستغناءِ به عنه؛وذلك لأنَّ لفظَ كلُّ بمعنى الأمرِ؛إذ المعلومُ أن لفظَ كُلٍّ بِحَسَبِ ما يضافُ إليه.
ومن العلماءِ مَن جَعَلَ أَمْراً الثانِيَ حالاً من كلُّ، وتَصْلُحُ الآيةُ للاستدلالِ بها لمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ؛ لأنَّ (كُلُّ أَمْرٍ) نكرةٌ؛ إذ المُضافُ إليه نكرةٌ، ومنهم مَن جَعَلَ أَمْراً حالاً من الضميرِ المُسْتَتِرِ في حَكِيمٍ، ومنهم مَن جَعَلَه حالاً من الضميرِ الواقِعِ مفعولاً؛أي: مأموراً به.

([7])183- البيتانِ مِن الشواهدِ التي لم يَذْكُرُوها منسوبةً إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ.
اللغةُ: (الفُلْكُ) أصلُه بضمٍّ فسكونٍ: السفينةُ، ولفظُه للواحدِ والجمعِ سواءٌ، وقد تَتْبَعُ حركةُ عينِه التي هي اللامُ حَرَكَةَ الفاءِ كما في بيتِ الشاهدِ، (مَاخِرٍ) اسمُ فاعلٍ من مَخَرَتِ السفينةُ - من بابَيْ قَطَعَ ودَخَلَ - إذا جَرَتْ تَشُقُّ الماءَ معَ صوتٍ،(اليمِّ) البَحْرِ، أو الماءِ، (مَشْحُونَا) اسمُ مفعولٍ مِن شَحَنَ السفينةَ؛ أي: مَلأَهَا،(آياتٍ مُبَيِّنَةٍ) ظاهرةٍ واضحةٍ، أو أنها تُبَيِّنُ حالَهُ وتَدُلُّ على صدقِ دَعْوَاهُ.
الإعرابُ: (نَجَّيْتَ) فعلٌ وفاعلٌ، (يا رَبِّ) يا: حرفُ نداءٍ، ربِّ: منادًى، وجملةُ النداءِ لا مَحَلَّ لها مُعْتَرِضَةٌ بينَ الفعلِ معَ فاعلِهِ ومفعولِهِ، (نُوحاً) مفعولٌ به لِنَجَّيْتَ، (وَاسْتَجَبْتَ) الواوُ عاطِفَةٌ، وما بعدَها فِعْلٌ وفاعلٌ، (له) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ باسْتَجَبْتَ، (في فُلْكٍ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِنَجَّيْتَ،(ماخرٍ) صفةٌ لِفُلْكٍ، (في اليَمِّ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بماخِرٍ،َشْحُونَا) حالٌ من فُلْكٍ، (وعاشَ) الواوُ عاطِفَةٌ، عاشَ: فِعْلٌ ماضٍ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى نوحٍ،َدْعُو) فِعْلٌ مُضَارِعٌ، وفيه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى نوحٍ فاعِلٌ، والجملةُ في مَحَلِّ نصبٍ حالٌ، (بِآيَاتٍ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِيَدْعُو،ُبَيِّنَةٍ) صفةٌ لآياتٍ، (في قَوْمِهِ) الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بعاشَ، وقومِ مُضافٌ والضميرُ العائدُ إلى نوحٍ مُضافٌ إليه،َلْفَ) مفعولٌ فيه ناصِبُه عاشَ، وألفَ مُضافٌ و(عامٍ) مُضافٌ إليه،َيْرَ) منصوبٌ على الاستثناءِ أو على الحالِ، وغيرَ مُضافٌ و(خَمْسِينَا) مُضافٌ إليه مجرورٌ بالياءِ؛لأنَّه مُلْحَقٌ بجمعِ المذكَّرِ السالِمِ، والألفُ في آخِرِهِ للإطلاقِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (مَشْحُونَا)؛حيثُ وقَعَ حالاً من النكرةِ، وهي قولُه: (فُلْكٍ)، والذي سَوَّغَ مجيءَ الحالِ من النكرةِ أنها وُصِفَتْ بقولِهِ: (ماخرٍ) فقُرِّبَتْ مِن المعرفةِ.

([8])184- البيتُ لراجِزٍ لم يُعَيِّنْهُ أَحَدٌ مِمَّن اسْتَشْهَدَ به مِن النُّحَاةِ.
اللغةُ: (حُمَّ) بالبناءِ للمجهولِ؛أي: قُدِّرَ وهُيِّئَ، وتقولُ: أَحَمَّ اللهُ تعالَى هذا الأمر وحَمَّهُ، إذا قَدَّرَ وُقُوعَه، وهَيَّأَ له أسبابَه (انْظُرْ ص 261)،َاقِيَا) اسمُ فاعلٍ مِن (وَقَى يَقِي)،بمعنى حَفِظ يَحْفَظُ.
المعنى: إنَّ اللهَ تعالى لم يُقَدِّرْ شيئاً يَحْمِي من الموتِ، كما أنه سُبْحَانَهُ لم يَجْعَلْ لأحدٍ مِن خَلْقِهِ الخلودَ، فاسْتَعِدَّ للموتِ دائماً.
الإعرابُ: (ما) نافيةٌ، (حُمَّ) فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمجهولِ،ِن موتٍ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: (وَاقِيَا) الآتي،ِمًى) نائبُ فاعلٍ لِحُمَّ، (وَاِقيَا) حالٌ مِن حِمًى،(ولا) الواوُ عاطِفَةٌ، ولا: زائدةٌ لتأكيدِ النفيِ، (تَرَى) فِعْلٌ مُضَارِعٌ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ، (مِن) زائدةٌ، (أَحَدٍ) مفعولٌ به لِتَرَى،َاقِيَا) حالٌ مِن أَحَدٍ، وهذا مَبْنِيٌّ على أنََّرَى) بَصْرِيَّةٌ، فإذا جَرَيْتَ على أنَّ (تَرَى) عِلْمِيَّةٌ كانَ قولُه:َاقِيَا) مفعولاً ثانياً لِتَرَى.
الشاهدُ فيه: قولُه: (واقيَا) و(باقِيَا)؛حيثُ وَقَعَ كلٌّ مِنهما حالاً من النكرةِ، وهي (حِمًى) بالنسبةِ لـ (وَاقِيَا)، و(أَحَدٍ) بالنسبةِ لـ (بَاقِيَا)،والذي سَوَّغَ ذلك أنَّ النَّكِرَةَ مسبوقةٌ بالنفيِ في الموضعيْنِ.
وإنما يكونُ الاستشهادُ بقولِهِ: بَاقِيَا إذا جَعَلْنَا (تَرَى) بَصَرِيَّةً؛ لأنَّها تحتاجُ حِينَئِذٍ إلى مفعولٍ واحدٍ، وقد اسْتَوْفَتْهُ، فالمنصوبُ الآخَرُ يكونُ حالاً، أمَّا إذا جَعَلْتَ (تَرَى) عِلْمِيَّةً فإنَّ قولَه:َاقِيَا) يكونُ مفعولاً ثانياً، كما بَيَّنَّاهُ في الإعرابِ.

([9])انْظُرْ ما كَتَبْنَاهُ عن هذه الآيةِ في (ص 256).

([10])185- أكثرُ ما قِيلَ في نِسْبَةِ هذا البيتِ أنه لِرَجُلٍ مِن طَيِّئٍ، ولم يُعَيِّنْهُ أَحَدٌ مِمَّن اسْتَشْهَدَ بالبيتِ أو تَكَلَّمَ عليه.
اللغةُ: (صاحِ) أَصْلُهُ صَاحِبِي، فرَخَّمَ بحذفِ آخرِهِ تَرْخِيماً غيرَ قِيَاسِيٍّ؛إذ هو في غَيْرِ عَلَمٍ، وقياسُ الترخيمِ أنْ يكونَ في الأعلامِ، وهو أيضاًًً مركَّبٌ إضافيٌّ،(هل حُمَّ عَيْشٌ) (انْظُرْ ص 260)،والاستفهامُ ههنا إنكاريٌّ بمعنى النفيِ، فكأنه قالَ: ما قَدَّرَ اللهُ عَيْشاً باقياً،(العُذْرَ) هو كلُّ ما تَذْكُرُهُ لِتَقْطَعَ عنك أَلْسِنَةَ العِتَابِ واللَّوْمِ.
الإعرابُ: (يا) حرفُ نِداءٍ، (صَاحِ) مُنَادًى مُرَخَّمٌ، (هل) حرفُ استفهامٍ،ُمَّ) فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمجهولِ،َيْشٌ) نائبُ فاعلِ حُمَّ، (بَاقِياً) حالٌ مِن عَيْشٌ، (فَتَرَى) الفاءُ فاءُ السببيَّةِ، تَرَى: فِعْلٌ مُضَارِعٌ منصوبٌ تَقْدِيراً بأنْ مُضْمَرَةً بعدَ الفاءِ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ، (لِنَفْسِكَ) الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بِتَرَى، وهو المفعولُ الثاني قُدِّمَ على المفعولِ الأوَّلِ، ونفسِ مُضافٌ وضميرُ المخاطَبِ مُضافٌ إليه،(العُذْرَ) مفعولٌ أوَّلُ لِتَرَى،(فيإِبْعَادِهَا) الجارُّوالمجرورُمُتَعَلِّقٌبالعُذْرَ،وإبعادِ مُضافٌوها مُضافٌ إليه، وهي من إضافةِ المصدرِ إلى فاعلِهِ، (الأَمَلاَ) مفعولٌ به للمَصْدَرِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (باقياً)؛ حيثُ وَقَعَتْ حالاً مِن النكرةِ، وهي قولُه:َيْشٌ)،والذي سَوَّغَ مَجِيءَ الحالِ مِنها وُقُوعُها بعدَ الاستفهامِ الإنكاريِّ الذي يُؤَدِّي معنَى النفيِ.

([11])186- البيتُ - كما قالَ الشارِحُ العلاَّمَةُ - لأبي =نَعَاَمَةَ قَطَرِيِّ بنِ الفُجَاءَةَ التَّمِيمِيِّ الخَارِجِيِّ، وقد نَسَبَه ابنُالناظِمِ إلى الطِّرْمَاحِ بنِ حَكيمٍ، ولهذا صَرَّحَ الشارِحُ بِنِسْبَتِهِ إلى قَطَرِيٍّ؛ قصداً إلى الردِّ عليه وتصحيحِ خَطَئِهِ، وقَطَرِيٌّ: بفتحِ القافِ والطاءِ جميعاً، والفُجَاءَةُ: بِضَمِّ الفاءِ.
اللغة: (الإِحْجَامُ) التأخُّرُ والنُّكُولُ عن لِقَاءِ العدوِّ، والرُّكُونُ إليه: المَيْلُ إليه، والاعتمادُ عليه،(الْوَغَى) الحربُ، (الحِمَامُ) بِكَسْرِ الحاءِ: الموتُ.
المعنى: لا يَنْبَغِي لأحدٍ أَنْ يَمِيلَ إلى الإعراضِ عن اقتحامِ الحربِ، ويَرْكَنُ إلى التوانِي؛ خَوْفاً من الموتِ.
الإعرابُ: (لا) ناهيةٌ، (يَرْكَنَنْ) يَرْكَنَ: فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ على الفتحِ؛ لاتِّصَالِهِ بنونِ التوكيدِ الخفيفةِ في مَحَلِّ جزمٍ بلا الناهيةِ،َحَدٌ) فاعلُ يَرْكَنَ، (إلى الإحجامِ) جارٌّ ومَجْرُورٌة متعَلِّقٌ بِيَرْكَنَ، (يَوْمَ) ظرفُ زمانٍ مُتَعَلِّقٌ بِيَرْكَنَ أيضاًًً، ويومَ مُضافٌ و(الْوَغَى) مُضافٌ إليه،ُتَخَوِّفاً) حالٌ مِن أَحَدٌ، (لِحِمَامِ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمتخوِّفٍ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (مُتَخَوِّفاً)؛حيثُ وَقَعَ حالاً من النكرةِ التي هي قولُه: (أَحَدٌ)، والذي سَوَّغَ مَجِيءَ الحالِ مِن النكرةِ هنا هو وُقُوعُها في حَيِّزِ النهيِ بلا، ألاَ تَرَى أنَّ قَوْلَهُ: (أَحَدٌ) فاعلُ يَرْكَنَ المجزومِ بلا الناهيةِ؟

([12])قَعْدَةُ رَجُلٍ - بكسرِ القافِ وسكونِ العينِ المهملةِ - أي: مِقْدَارُ قَعْدَتِهِ.

([13])بِيضاً - بكسرِ الباءِ الموحَّدَةِ - جمعُ بَيْضَاءَ، وهو حالٌ مِن مائةٌ، ولا يجوزُ أنْ يكونَ تمييزاً؛ إذ لو كانَ تَمْيِيزاً لَوَجَبَ أنْ يكونَ مُفْرَداً لا جَمْعاً، وأنْ يكونَ مجروراً لا منصوباً؛ لأنَّ تمييزَ المائةِ يكونُ كذلك.

([14])اخْتَلَفَ النُّحَاةُ في مَجِيءِ الحالِ مِن النَّكِرَةِ إذا لم يَكُنْ للنكرةِ مُسَوِّغٌ مِن المسوِّغَاتِ التي سَبَقَ بَيَانُها في كلامِ الشارِحِ وفي زِيَادَاتِنَا عليه؛فذَهَبَ سِيبَوَيْهِ رَحِمَه اللهُ إلى أنَّ ذلك مَقِيسٌ، لا يُوقَفُ فيه على ما وَرَدَ به السماعُ، وذَهَبَ الخليلُ بنُ أَحْمَدَ ويُونُسُ بنُ حَبِيبٍ - وهما شَيْخَا سِيبَوَيْهِ - إلى أنَّ ذلك مِمَّا لا يجوزُ أنْ يُقاسَ عليه، وإنما يُحْفَظُ ما وَرَدَ منه، ووجهُ ما ذَهَبَ إليه سِيبَوَيْهِ أنَّ الحالَ إنما يُؤْتَى بها لِتَقْيِيدِ العامِلِ، فلا مَعْنَى لاشتراطِ المسوِّغِ في صاحبِها.


  #3  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 02:32 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


فصلٌ: وأصْلُ صاحِبِ الحالِ التعريفُ([1]) ويقَعُ نَكِرةً بمُسَوِّغٍ([2]كأنْ يَتقَدَّمَ عليه الحالُ, نحوَ: "في الدارِ جَالِساً رَجُلٌ", وقولِه:
269- لِمَيَّةَ مُوحِشاً طَلَلُ([3])
أو يَكونَ مَخْصوصاً إمَّا بوصفٍ؛ كقراءةِ بعضِهم: (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقاً)([4]) وقولِ الشاعرِ:
270- نَجَّيْتَ يَا رَبِّ نُوحاً وَاسْتَجَبْتَ لَهُ = فِي فُلُكٍ مَاخِرٍ في اليَمِّ مَشْحُوناً([5])
وليسَ منه: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا}([6]خلافاً للناظِمِ وابنِه, أو بإضافةٍ نحوَ: {فِي أَرْبَعَةِ أيَّامٍ سَوَاءً}([7]) أو بمعمولٍ نحوُ: "عَجِبْتُ مِن ضَرْبٍ أَخُوكَ شَدِيداً", أو مسبوقاً بنفيٍ نحوَ: {وَمَا أهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ}([8]) أو نَهْيٍ نحوَ:
لا يَبْغِ امْرُؤٌ عَلَى امْرِئٍ مُسْتَسْهِلاً([9])
وقولِه:
271- لا يَرْكَنَنْ أحَدٌ إِلَى الإجْحَامِ = يَوْمَ الوَغَى مُتَخَوِّفاً لحِمَامِ([10])
أو استفهامٍ كقولِه:
272- يَا صَاحِ هَلْ حُمَّ عَيْشٌ بَاقِياً فَتَرَى([11])
وقدْ يقَعُ([12]) نكرةً بغيرِ مُسَوِّغٍ؛ كقولِهم: "عليهِ مِائةٌ بِيضاً"([13]) وفي الحديثِ: "وَصَلَّى وَرَاءَهُ رِجَالٌ قِياماً"([14]).


([1]) أنت تعلَمُ أنَّ الحالَ تُشْبِهُ الخبرَ وتُشْبِهُ النعْتَ، ولشَبَهِها بالخبرِ كانتْ كالحُكْمِ على صاحبِها، ولشَبَهِها بالنعْتِ تراهم يقولونَ: الحالُ وَصْفٌ لصاحبِها قَيْدٌ في عامِلِها، ومن أجلِ شَبَهِها بالخبرِ التزموا أنْ يكُونَ صاحبُها معرفةً؛ لأنَّها حُكْمٌ عليه، والحُكْمُ على المجهولِ- وهو النَّكِرَةُ- لا يُفِيدُ، كما التزموا ذلك في المبتدأِ معَ الخبرِ لنفسِ هذا السببِ، وشيءٌ آخَرُ اقْتَضَى أنْ تكُونَ الحالُ نَكِرةً وأنْ يكُونَ صَاحِبُها معرفةً؛ وذلك أنَّها لو كانتْ مُماثِلَةً لصاحبِها فكانا مَعْرِفتيْنِ أو كانا نَكِرتيْنِ؛ لتَوَهَّمَ السامِعُ أنَّهما نعتٌ ومنعوتٌ، فالتزموا التخالف بينهما، لينتفي عن ذهن السامع من أول وهلة كونهما صفة وموصوفا، وإنما ينتفي هذا الوهم لأن الصفة والموصوف يجب اتفاقهما تعريفا وتنكيرا، وكان صاحبها هو المعرفة، لأنه كما سمعت محكوم عليه، وكانت هي النكرة لكونها حكما، ولهذا تجد المسوغات التي يذكرها النحاة لمجيء صاحب الحال نكرة المدار فيها على أن تنفي عن السامع توهم كون الحال صفة، انظر مثلا إلى تقدم الحال على صاحبها النكرة فإن السر في هذا هو أنَّ النعتَ لكونِه تابعاً لا يَجوزُ أنْ يَتقَدَّمَ على المنعوتِ، فإذا تَقدَّمَ ما قد يُظَنُّ نَعْتاً, زَالَ بتقدُّمِه هذا التوَهُّمُ لهذا السببِ، وهكذا.
والذي أُرِيدُ أنْ أُنَبِّهَكَ إليهِ هو أنَّ النكرةَ أشدُّ احتياجاً إلى النعتِ منها إلى الحالِ؛ ذلك لأنَّ النعتَ يُخَصِّصُ النكرةَ ويُبَيِّنُها نوعَ بيانٍ، فإذا قُلْتَ: "لَقِيتُ رَجُلاً شُجَاعاً" تَبَادَرَ إلى ذِهْنِ سامِعِكَ أنَّ (شُجاعاً) نعتٌ، فإنْ كُنْتَ بَنَيْتَ كلامَك على أنه حالٌ, فقد أوقعْتَ السامعَ في لَبْسٍ، وإنَّه محظورٌ.
فإنْ قُلْتَ: فأيُّ فرقٍ بينَ أنْ يَعتبِرَ السامعُُجاعاً) نعتاً وأنْ يَعتبِرَه حالاً، وأنتم تَقولونَ: إنَّ الحالَ وَصْفٌ لصاحبِها؟
قُلْتُ: إنَّ بينَهما لَفرقاً عظيماً معَ هذا الذي نَقولُه؛ ذلك لأنَّ الحالَ وَصْفٌ لصاحبِها وقَيْدٌ في عاملِها، فمعنَى المثالِ على أنْ تَعتبِرَ شجاعاً نَعْتاً أنَّ الشجاعةَ وَصْفٌ لرجلٍ في وقتِ اللقاءِ وفي غيرِه، ومعنى هذا المثالِ على أنْ تَعتبِرَ شجاعاً حَالاً أنَّ الشجاعةَ وَصْفٌ له في وَقْتِ اللقاءِ دونَ غيرِه، وشَتَّانَ ما بينَ هذيْنِ المَعنييْنِ.

([2]) من المُسوِّغاتِ: أنْ تكُونَ الحالُ جملةً مَقْرونةً بالواوِ؛ وذلك لأنَّ وُجودَ الواوِ في صدرِ جملةِ الحالِ يَمنَعُ تَوَهُّمَ الجملةِ صِفَةً؛ لأنَّ النعتَ لا يُفصَلُ بينَه وبينَ منعوتِه بالواوِ، نحوُ قولِه تعالى:َوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا}. وقولِ الشاعرِ:
مَضَى زَمَنٌ والنَّاسُ يَسْتَشْفِعُونَ بِي = فَهَلْ لِي إِلَى لَيْلَى الغَدَاةَ شَفِيعُ
وقيلَ: إنَّ مَجِيءَ الحالِ من النكرةِ غيرِ الموصوفِ موقوفٌ على السماعِ، لا يُجاوِزُه, لا فيما ذُكِرَ من المُسَوِّغاتِ, ولا في غيرِه.

([3]) 269-يَحتمِلُ أنْ يكُونَ هذا الشاهدُ نِصْفَ بيتٍ من مجزوءِ الوافرِ، ويَحتمِلُ أنَّه قطعةٌ من بيتٍ من الوافرِ، وقدْ رُوِيَ على هذيْنِ الاحتماليْنِ، فرَوَى سِيبَوَيْهِ بَيْتاً, هذا الشاهدُ صَدْرُه، وعَجُزُه قولُه:
َلُوحُ كأنَّهُ خِلَلُ*
ونَسَبَه إلى كُثَيِّرِ عَزَّةَ، وروَى جماعةٌ بَيْتاً آخرَ, هذا الشاهدُ قِطْعَةٌ منه، وهو بتمامِه:
لِمَيَّةَ مُوحِشاً طَلَلٌ قَدِيمُ = عَفَاهُ كُلُّ أَسْحَمَ مُسْتَدِيمُ
واخْتَلفوا في نسبتِه، فنَسَبَه بعضُهم لكُثَيِّرِ عَزَّةَ، ونَسَبَه آخرونَ إلى ذِي الرُّمَّةِ.
اللغةُ: (مَيَّةَ) اسمُ امرأةٍُوحِشاً) اسمُ فاعلٍ من مصدرِ قولِهم: أَوْحَشَ المَنْزِلُ. إذا خَلاَ من أهْلِه, (الطَّلَلُ) ما بَقِيَ شاخِصاً من آثارِ الديارِ، و "خِلَلُ" – بكسرِ الخاءِ وفتحِ اللامِ– جمعُ خِلَّةٍ – بكسرِ الخاءِ– وهي بِطَانَةٌ تُغْشَى بها أجْفَانُ السُّيوفِ، و"الأسْحَمُ" السَّحَابُ الأسودُ، و"المُستديمُ" الدائِمُ.
الإعرابُ: (لِمَيَّةَ) اللامُ حرفُ جَرٍّ مَبنِيٌّ على الكسرِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، مَيَّةَ: مجرورٌ باللامِ, وعلامةُ جَرِّه الفتحةُ نِيابةً عن الكسرةِ؛ لأنَّه اسمٌ لا يَنصرِفُ للعلميَّةِ والتأنيثِ، والجارُّ والمجرورُ مُتعلِّقٌ بمحذوفٍ, خَبرٌ مُقدَّمٌ (مُوحِشاً) حالٌ, يَقولُ العلماءُ: إِنَّ صَاحِبَه هو (طَلَلُ) الآتي، وهذا إنما يَجْرِي على مذهَبِ سِيبَوَيْهِ الذي يُجِيزُ مَجِيءَ الحالِ من المبتدأِ، فأمَّا الجمهورُ الذينَ يَمْنعونَه – بدَعْوَى أنَّ مِن المُقَرَّرِ عندَهم أنَّ العاملَ في الحالِ هو العاملُ في صاحبِها، فإذا كانَ صاحبُها مبتدأً كانَ العاملُ فيه عندَهم الابتداءَ، والابتداءُ عامِلٌ ضعيفٌ، والعامِلُ الضعيفُ لا يَقْوَى على العملِ في شيئيْنِ – فإِنَّهم يَجْعَلونَ صاحِبَ هذا الحالِ هو الضَّمِيرَ المُسْتَكِنَ في الجارِّ والمجرورِ الوَاقِعِ خَبَراً، وهذا الضميرُ عَائِدٌ على الطللِ، والجمهورُ على أنَّ الضميرَ معرفةً, سواءٌ أكانَ ضَمِيرَ غَيْبةٍ, أم كانَ ضَمِيرَ حُضورٍ، وسواءٌ في ضميرِ الغَيْبَةِ أكانَ مَرْجِعُه معرفةً أم نَكِرَةً، فإذا جَعَلْنا صَاحِبَ الحالِ هو الضميرَ المُسْتَكِنَ في الخبرِ, كانَ صاحِبُ الحالِ مَعرفةً عندَ جمهرةِ النحاةِ، فلم يكُنِ البيتُ شاهداً لمجيءِ الحالِ من النكرةِ بمُسَوِّغٍ, كما يَذْكُرُه النحاةُ، والكُوفِيُّونَ يذهَبونَإلى أنَّ ضميرَ الغَيبةِ بحَسَبِ مَرْجِعِه، فإنْ كانَ مَرجِعُه نَكِرَةً فهو نَكِرَةٌ، وإنْ كانَ مَرْجِعُه معرفةً فهو مَعْرِفَةٌ، وقدْ بَيَّنتُ هذه المذاهِبَ ههنا لِمَا سأذْكُرُه لكَ في بيانِ الاستشهادِ بالبيتِ.
َلَلُ) مبتدأٌ مُؤخَّرٌ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ,َلُوحُ" فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ؛ لتَجَرُّدِه من الناصبِ والجازِمِ وعلامةُ رفعِه الضمَّةُ الظاهرةُ, وفاعِلُه ضميرٌ مُستتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه: هو, يعودُ إلى "طَلَلُ"، وجملةُ الفعلِ المضارعِ وفاعلِه في مَحلِّ رفعٍ, صِفَةٌ لـ"طَلَلُ","كأنَّه" كأنَّ: حَرْفُ تشبيهٍ ونَصْبٍ، وضميرُ الغَيْبَةِ العائِدِ إلى الطَّلَلِ اسمُ كأنَّ، مَبنِيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نصبٍ,ِلَلُ) خَبَرُ كأنَّ مرفوعٌ وعلامةُ رفعِه الضمَّةُ الظاهرةُ، والجملةُ مِن "كأنَّ" واسمِه وخَبَرِه في مَحلِّ نَصْبٍ, حالٌ من الضميرِ المُستتِرِ في "يَلُوحُ", الذي هو فَاعِلُه.‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌
الشاهدُ فيه قولُه: (مُوحِشاً). فإنَّه حالٌ من قولِه: (طَلَلُ). وهو نَكِرَةٌ، والذي سَوَّغَ مَجِيءَ الحالِ من النَّكِرَةِ تَقدُّمُه عليها، وأمَّا في البيتِ الآخرِ فالمُسَوِّغُ غيرُ قاصرٍ على التقَدُّمِ، بل الوَصْفُ بقولِه: "قَدِيمُ". وبالجملةِ التي بعدَه.
قالَ أبو رجاءٍ عَفَا اللهُ عنه: هكذا قَالُوا، وفي كلامِهم قُصورٌ من وجهيْنِ:
الوَجْهُ الأوَّلُ: أنَّه لا يَتأتَّى الاستشهادُ بهذا البيتِ إلاَّ على أحدِ قَوْلَيْنِ:
أَوَّلُهما: قولُ سِيبَوَيْهِ: إِنَّ مَجِيءَ الحالِمن المبتدأِ جَائِزٌ، وثانيهما: قولُ الكُوفِيِّينَ: إنَّ الضميرَ الذي يَعودُ إلى النكرةِ نَكِرَةٌ مثلُها، فأمَّا على قولِ جمهورِ البصْرِيِّينَ: إنَّ الحالَ في مثلِ هذا البيتِ مِن الضميرِ المُستَكِنِ في الخبرِ, وإنَّ هذا الضميرَ مَعْرِفَةٌ, ولو أنَّ مَرْجِعَه – وهو المبتدأُ– نَكِرَةٌ؛ فإنَّه لا يَصِحُّ الاستشهادُ بهذا البيتِ.
الوَجْهُ الثاني: أنَّ النكرةَ– وهي (طَلَلُ) – في بيتِ سِيبَوَيْهِ موصوفةٌ بجملةَِلُوحُ ... إلخ. فلَنا أنْ نَدَّعِيَ أنَّ المُسَوِّغَ هنا وَصْفُ النكرةِ، لا تَقَدُّمُ الحالِ عليها.

([4]) سورة البقرةِ، الآية: 101، والاستشهادُ بالآيةِ الكريمةِ مَبنِيٌّ على تقديرِ الجارِّ والمجرورِ مُتعَلِّقاً بمحذوفٍ صِفَةٌ لـ{كِتَابٌ}، فإنْ قدَّرْتَ الجارَّ والمجرورَ مُتعَلِّقاً بـ{جَاءَ}, كانَُصَدِّقاً} حالاً من الضميرِ المُستكِنِ في الجارِّ والمجرورِ إنْ كانَ فيه ضَمِيرٌ حينَئذٍ، ويَجوزُ أيضاً على تقديرِ كَوْنِ الجارِّ والمجرورِ نَعْتاً لـ{كِتَابٌ} أنْ يكُونَ (مُصَدِّقاً) حَالاً من الضميرِ المُستَكِنِ في الجارِّ والمجرورِ, وعلى ذلك لا يَكونُ في الآيةِ شَاهِدٌ للمسألةِ، وهذهِ القراءةِ التي استشهَدَ المُؤلِّفُ بها شَاذَّةٌ.

([5]) 270-لم أقِفْ لهذا البيتِ على نِسْبَةٍ إلى قائِلٍ مُعيَّنٍ، وقدْ روَى شُرَّاحُ الشواهدِ بعدَ هذا البيتِ قولَه:
وعَاشَ يَدْعُو بآيَاتٍ مُبَيِّنةٍ = في قَوْمِهِ ألفِ عامٍ غَيْرَ خَمْسِينَا
ومنه تَتأكَّدُ أنَّ الروايةَ بنصْبِ قولِه: (مَشْحُوناً). الذي هو مَحَلُّ الشاهدِ في البيتِ.
اللغةُ: (نَجَّيْتَ) بتضعيفِ الجيمِ– أنقَذْتَ وخَلَّصْتَ,ُوحاً) هو أبو البَشَرِ الثاني بعدَ آدَمَ، وهو نَبِيٌّ ورسولٌ مِن أنبياءِ اللهِ تعالى ورُسُلِه إلى خَلْقِه، وقالَ بعضُ العلماءِ: إِنَّ هذا الاسْمَ عَرَبِيٌّ مُشُتَقٌّ من النَّوْحِ وهو البُكاءُ, (اسْتَجَبْتَ له) قَبِلْتَ دُعاءَه وأجَبْتَه إلى ما طَلَبَه, (فُلُكٍ) بضَمِّ الفاءِ واللامِ جَمِيعاً– السفينةُ، ويُقالُ أيضاً فيهِ: فُلْكٍ – بزِنَةِ قُفْلٍ – وجمعُه فُلْكٌ, بضَمِّ الفاءِ وسكونِ اللامِ, مثلُ المُفْرَدِ في اللغةِ الثانيةِ, فيَسْتَوِي الواحدُ والجمْعُ في اللفظِ، فيُقَدَّرُ المُستعمَلُ في المفردِ بزِنَةِ قُفْلٍ, والمُستعمَلُ في الجمْعِ بزِنَةِ حُمْرٍ,َاخِرٍ) هو اسمُ الفاعلِ من قولِكَ:َخَرَتِ السَّفِينةُ): إذا شقَّتِ الماءَ فسَمِعْتَ لها صَوْتاً, (اليَمِّ) الماءُ.
الإعرابُ: (نَجَّيْتَ) فعلٌ وفاعلٌ, (يا) حرْفُ نداءٍ، مَبنِيٌّ على السُّكونِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، رَبِّ: مُنادَى منصوبٌ بفتحةٍ مُقدَّرَةٍ على آخرِه منَعَ من ظُهورِها اشتغالُ المَحلِّ بحَرَكةِ المناسبةِ، وهو مُضافٌ, وياءُ المُتكلِّمِ المحذوفةُ اكتفاءً بكسرِ ما قبلَها مضافٌ إليه, (نُوحاً) مفعولٌ بهِ لنَجَّى منصوبٌ, وعلامةُ نصبِه الفتحةُ الظاهرةُ, (واسْتَجَبتَ) الواوُ حرفُ عطفٍ، واستجابَ: فعلٌ ماضٍ مَبنِيٌّ على فتحٍ مُقدَّرٍ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، وتاءُ الخطابِ فَاعِلُه, (له) جارٌّ ومجرورٌ مُتعلِّقٌ باستجابَ, (في فُلُكٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتعلِّقٌ بنَجَّى, (مَاخِرٍ) صِفَةٌ لفُلُكٍ مجرورةٌ بالكسرةِ الظاهرةِ, (في اليَمِّ) جارٌّ ومجرورٌ مُتعلِّقٌ بمَاخِرٍ, (مَشْحُوناً) حالٌ من فُلُكٍ.
الشاهدُ فيه قولُه: (مَشْحوناً). فإنَّه حالٌ من النكرةِالتي هي فُلُكٌ، والذي سَوَّغَ مَجِيءَ الحالِ من النكرةِ هنا أنَّ هذه النكرةَ وُصِفَتْ قبلَ مَجيءِ الحالِ منها بقولِه: (مَاخِرٍ).
والسِّرُّ في ذلك أنَّ الحالَ يُشْبِهُ الحُكْمَ، والحُكْمَ على المجهولِ غَيْرُ مَيْسورٍ، ولكنَّ النكرةَ إذا وُصِفَتْ تَخَصَّصَتْ، فلم تُعَدَّ من الإبهامِ والشيوعِ بحيثُ تُعْتَبَرُ مجهولةً، فافْهَمْ ذلك وتَدبَّرْه.

([6]) سورة الدُّخَانِ، الآية: 4، والأمرُ الأولُ واحدُ الأمورِ, والثاني واحِدُ الأوامِرِ، ووَجْهُ تَخْطِئةِ المُؤلِّفِ للناظمِ وابنِه في التمثيلِ بهذهِ الآيةِ أنَّهما يذهبانِ إلى أنَّ الحالَ لا يَأْتِي من المضافِ إليهِ إلاَّ في ثلاثِ حَالاتٍ، وأمرُ المَجْرورِ الذي هو صَاحِبُ الحالِ مضافٌ إليه، وليسَ واحداً مِن هذه الحالاتِ؛ لأنَّ المضافَ ليسَ عَامِلاً في المضافِ إليه, ولا هو بعضُه, ولا مثلُ بِعْضِه في صِحَّةِ حَذْفِه وإقامةِالمضافِ إليه مقامَه، وفوقَ هذا فإنَّ أمراً المنصوبَ الذي جَعَلاهُ حَالاً, اسمٌ جَامِدٌ، والحالُ كما عَلِمْتَ لا يَكونُ إِلاَّ وَصْفاً.
هذا، ويَجوزُ لكَ في {أمْراً} المنصوبِ من وُجوهِ الإعرابِ أنْ تجعَلَه مَنْصوباً بفعلٍ مَحْذوفٍ، وتقديرُ الكلامِ: أَعْنِي أمْراً من عندِنا، نَصَّ عليهِ الزَّمَخْشَرِيُّ في (الكشَّافِ) قالَ: (أي: أعْنِي بذلك أمْراً كَائِناً مِن لَدُنَّا، وذلكَ تَفْخِيمٌ لشأنِه). ولك أنْ تجعَلَه مَفْعولاً لأجْلِه، وأنْ تجعَلَه مفعولاً مُطْلَقاً منصوباً بفعلٍ من معنَى "يُفْرَقُ"، وأنْ تجعَلَه حالاً مِن كُلِّ المضافِ، وسَوَّغَ – على هذا الوجْهِ – مَجِيءَ الحالِ مِن النكرةِ تَخْصِيصُها بإضافتِها إلى نكرةٍ، وأنْ تجعَلَه حالاً من الفاعلِ أو المفعولِ في{أنْزَلْنَاهُ}, فتقديرُه باسمِ فاعلٍ على الأوَّلِ، أي: آمَرِينَ به، وتقديرُه على الثاني باسْمِ مفعولِ، أي: مأموراً به.

([7]) سورة فُصِّلتْ، الآية: 10، {فَسَوَاءً}: حالٌ من {أرْبَعَةِ} المُضافِ إلى {أيَّامٍ}، وقد عَلِمْتَ أنَّ إضافةَ النكرةِ إلى النكرةِ تَخَصِّصُها وتُبَيِّنُها نوعَ بيانٍ.

([8]) سورة الحِجْرِ، الآية: 4, وفي هذه الآيةِ الكريمةِ ثلاثُ مُسَوِّغاتٍ لمجيءِ الحالِ من النكرةِ:
الأولُ: أنَّه تقدَّمَ على صاحبِ الحالِ فيها النفْيُ، والثاني: اقترانُ جملةِ الحالِ بالواوِ، والثالثُ: وُقُوعُ ِلاَّ}الاستثنائيَّةِ قبلَها؛ لأنَّ الاستثناءَ المُفَرَّغَ لا يقَعُ في النُّعوتِ.
وذهَبَ جَارُ اللهِ الزمخشريِّ إلى أنَّ جملةَ:َهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} صِفَةٌ لـ{قَرْيَةٍ}، وزعَمَ أنَّ الواوَ قبلَها زائدةٌ؛ لتَدُلَّ على شِدَّةِ لصوقِ الصفةِ بالموصوفِ، وارْتَضَى هذا الكلامَ ابنُ هِشَامٍ الخضراويِّ، لكنَّ ابنَ مَالِكٍ ردَّه مُنكِراً، وقالَ: ما ذهَبَ إليهِ جَارُ اللهِمِن تَوَسُّطِ الواوِ بينَ الصفةِ والموصوفِ فَاسِدٌ، ولا يُعْرَفُ نَحْويٌّ بَصْرِيٌّ أو كُوفِيٌّ ذهَبَ إليه، فوَجَبَ ألاَّ يُلْتَفَتَ إليه. وأيضاً فإنَّه قدْ علَّلَ كلامَه بتعليلٍ لا يُناسِبُه؛ وذلك أنَّ أصلَ الواوِ تَدُلُّ على الجمعِ بينَ ما قبلَها وما بعدَها، وذلك مُستلزِمٌ لتغايُرِهما، وذلك ضِدُّ ما يُرادُ من إفادةِ التوكيدِ، فلا يَجوزُ أنْ يُقالَ: إنَّ العاطفَ مُؤكِّدٌ. وأيضاً فإنَّ الواوَ فَصَلَتْ في اللفظِ بينَ الأولِ والثاني، ولولا الوَاوُ لَتَلاصَقَا، فكيفَ يُقالُ: إِنَّها أكَّدَتْ لُصوقَهما. اهـ. كلامُه باختصارٍ وإيضاحٍ.

([9]) من كلامِ ابنِ مالكٍ في الألفيَّةِ.

([10]) 271-هذا بيتٌ من الكاملِ، وهو مِن كلامِ أبي نَعامةَ قَطَرِيِّ بنِ الفُجَاءَةِ المازنيِّ الخارجيِّ، وهو أولُ أبياتٍ أربعةٍ رَوَاها أبو عَلِيٍّ القاليُّ في أماليهِ (2/190 الدار) ورَوَاها أبو تَمَّامٍ حَبِيبُ بنُ أَوْسٍ الطَّائِيُّ في ديوانِ الحماسةِ (التبريزي 1/130 بتحقيقِنا) وبعدَه:
فَلَقَدْ أَرَانِي للرِّمَاحِ دَرِيئَةً = مِن عَنْ يَمِينِي مَرَّةً وأمَامِي
حَتَّى خَضَبْتُ بمَا تَحَدَّرَ مِن دَمِي = أكْنَافَ سَرْجِي أو عِنَانَ لِجَامِي
ثُمَّ انْصَرَفْتُ وقَدْ أَصَبْتُ ولَم أُصِبْ = جَذَعَ البَصِيرَةِ قَارِحَ الإقدامِ
اللغةُ: (لا يَرْكَنَنْ) تقولُ: رَكَنَ فلانٌ إلى فلانٍ يَرْكَنُ – مثل دَخَلَ يَدْخُلُ، ومثلُ عَلِمَ يَعلَمُ, وهي أشْهَرُهما، ومثلُ فَتَحَ يَفْتَحُ بالتداخُلِ, على أنَّ المَاضِيَ من الأولى, والمضارعَ مِن الثانيةِ، ولا يُسَوَّغُ أنْ تكُونَ أصليَّةً؛ لأنَّ مِن شرطِ بابِ"فتَحَ" أنْ تكُونَ عَيْنُه أو لامُه حَرْفَ حَلْقٍ, (الإحجامِ) مصدرُ"أحْجَمَ الرجُلُ عن الشيءِ": إذا نَكَصَ عنه وتأخَّرَ ولم يُقْدِمْ عليه,َوْمَ الوَغَى) الوَغَى في الأصلِ: صَوْتُ النحْلِ وما أشبَهَهُ، ثم استُعْمِلَ في الصوتِ والجَلَبَةِ مطلقاً، ثم استُعْمِلَ في الحربِ لِمَا تَشتمِلُ عليه من جَلَبَةٍ وصياحٍ,ُتَخَوِّفاً) خَائِفاً، أو هو الذي يخافُ شيئاً بعدَ شيءٍ، يعني يَخافُ المَرَّةَ بعدَ المَرَّةِ (لحِمَامِ) الحِمَامُبكسرِ الحاءِ المُهمَلَةِ – الموتُ,َرِيئَةً) أرادَ أرانِي غَرَضاً لأصحابِ الرماحِ يَدْفَعونَ بها إلِيَّ، وقدْ يكونُ معناه أنَّ أصحابَه يَسْتتِرونَ به ويَتَّقونَ به أعداءَهم, فيكونُ هو سُتْرةً لهم,َذَعَ البصيرةِ) أرادَ أنَّه فَتِيُّ الاستبصارِ قَوِيُّ الإدراكِ,َارِحَ الإقدامِ) أصلُ القارِحِ من الحيوانِ الذي بلَغَ النهايةَ من السنِّ، وهم لا يَعُدُّونَ سِنًّا بعدَ القارحِ، ومُرادُه: أنَّه لا يَحتاجُ إلى تهذيبٍ ولا تأديبٍ, كما لا يَحتاجُ الجَذَعُ إلى رياضةٍ وتذليلٍ، وأنَّ إقدامَه قد بلَغَ النهايةَ, كما أنَّ القارِحَ قد بلَغَ نهايةَ السِّنِّ.
الإعرابُ: (لا) حرفُ نَهْيٍ مَبنِيٌّ على السُّكونِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ,َرْكَنَنْ) يَرْكَنَ: فعلٌ مضارعٌ مَبنِيٌّ على الفتحِ؛ لاتِّصالِه بنونِ التوكيدِ الخَفيفةِ في مَحلِّ جَزْمٍ بلا الناهيةِ، ونونُ التوكيدِ الخفيفةُ حرفٌ مَبنِيٌّ على السُّكونِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ, (أحَدٌ) فاعلُ يَرْكَنَ, مَرْفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ, (إلَى) حرفُ جرٍّ مَبنِيٌّ على السُّكونِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ, (الإحجامِ) مجرورٌ بإِلَى، وعلامةُ جرِّه الكسرةُ الظاهرةُ، والجارُّ والمجرورُ مُتعلِّقٌ بيَرْكَنَ,َوْمَ) ظرفُ زمانٍ مَنْصوبٌ بقولِه: يَرْكَنَ. وعلامةُ نصبِه الفتحةُ الظاهرةُ، وهو مضافٌ، و(الوَغَى) مضافٌ إليه، مَجرورٌ بكسرةٍ مُقدَّرَةٍ على الألفِ منَعَ من ظُهورِها التعَذُّرُ,ُتخَوِّفاً) حالٌ من قولِه: (أحَدٌ). الواقعِ فَاعِلاً ليَرْكَنَ, المعمولِ للا الناهيةِ، منصوبٌ, وعلامةُ نصبِه الفتحةُ الظاهرةُ, (لحِمَامِ) اللامُ حرفُ جَرٍّ، مَبنِيٌّ على الكسرِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، وحِمَامٍ: مجرورٌ باللامِ وعلامةُ جَرِّه الكسرةُ الظاهرةُ, والجارُّ والمجرورُ مُتعَلِّقٌ بقولِه: (مُتَخَوِّفاً) الواقِعِ حَالاً.
الشاهدُ فيه قولُه: (مُتخَوِّفاً). فإنَّه حالٌ، وصاحبَه قولُه: (أحَدٌ). وهو نَكِرَةٌ، والذي سَوَّغَ مَجِيءَ الحالِ من النكرةِ وقوعُ هذه النكرةِ بعدَ النهْيِ الذي هو شَبِيهٌ بالنفْيِ.

([11]) 272-نسَبَ ابنُ مالكٍ هذا الشاهدَ إلى رجُلٍ من طَيِّئٍ، ولم يُسَمِّه، وهذا الذي أنشَدَه المُؤلِّفُ صَدْرُ بيتٍ من البسيطِ، وعَجُزُه قولُه:
*لنَفْسِكَ العُذْرَ فِي إبعادِها الأَمَلا*
اللغةُ: (يا صَاحِ) أصلُه يا صَاحِبِي، فرُخِّمَ بحذفِ آخرِه – وهو الباءُ– واكتَفَى بالكسرةِ للدلالةِ على ياءِ المتكلِّمِ, (حُمَّ) فعلٌ ماضٍ مَبنِيٌّ للمجهولِ – ومعناه: قُدِّرَ وقُضِيَ وهُيِّئَ سَبَبُه,َيْشٌ) أرادَ بالعيشِ هنا الحَيَاةُ,َاقِياً) أصْلُ الباقي الذي لا يَفْنَى ولا يَزُولُ ولا يَنْفَدُ، ويُطْلَقُ على ما يَطُولُ أمَدُه وتَتمادَى مُدَّتُه، وأرادَ ههنا المعنَى الأوَّلَ، أو أرادَ المُستقِرَّ الهادِئَ الذي لا يَشُوبُه كَدَرٌ ولا يَعتريهِ تَنْغيصٌ, (فتَرَى) هي هنا بمعنَى تَعْلَمَ,"العُذْرَ" بضَمٍّ فسُكونٍ– بمعنَى المَعْذرةِ، وهي كلُّ ما يُتعَلَّلُ بهِ,"الأمَلُ" هو تَرَقُّبُ الشيءِ وانتظارُه، وأرادَ بإبعادِ الأملِ شِدَّةَ حِرْصِه على الدنيا وعَمَلِه المُتواصِلِ لها دونَ أنْ يُفَكِّرَ في شأنِ الآخرةِ أو يعمَلَ لها.
المعنَى: يَسْتَفْهِمُ استفهاماً إنكارِيًّا عَمَّا إذا كانَ قد قُضِيَ لأحدٍ من الناسِ قبلَ المخاطَبِ أنْ تَدُومَ له الدنيا أو يَعِيشَ فيها عِيشةًمُستقِرَّةٍ لا يَشوبُها كَدَرٌ، فيَكونَ ذلك عُذْراً لمُخاطَبِه في أنْ يَتكالَبَ على حُطامِ الدنيا الفانِي.
الإعرابُ: (يا) حرفُ نداءٍ مَبنِيٌّ على السُّكونِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ,َاحِ) مُنادًى مُرَخَّمٌ، وأصلُه يا صَاحِبُ، فإنْ قَدَّرْناه مُنقطِعاً عن الإضافةِ فهو مَبنِيٌّ على ضَمِّ الحرفِ المحذوفِ لأجْلِ الترخيمِ في مَحَلِّ نَصْبٍ, (هل) حرفُ استفهامٍ مَبنِيٌّ على السُّكونِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ,ُمَّ) فعلٌ ماضٍ مَبنِيٌّ للمجهولِ مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ,َيْشٌ) نائِبُ فاعلِ حُمَّ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ,َاقِياً) حالٌ من "عَيْشٌ" الواقعِ نَائِبَ فاعلٍ لحُمَّ التالي لحرفِ الاستفهامِ الإنكاريِّ الذي بمعنَى حرفِ النفْيِ, (فتَرَى) الفاءُ فاءُ السَّبَبِيَّةِ حرفٌ مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، تَرَى: فعلٌ مُضارعٌ مَنْصوبٌ بأنِ المُضمرةِ وُجوباً بعدَ فاءِ السببيَّةِ، وعلامةُ نصبِه فتحةٌ مُقدَّرَةٌ على الألفِ منَعَ من ظهورِها التعَذُّرُ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُستتِرٌ فيه وجوباً تَقديرُه: أنتَ,"لنفسِكَ" اللامُ حرفُ جرٍّ مَبنِيٌّ على الكسرِ لا مَحَلَّ من الإعرابِ، نفسِ: مَجْرورٌ باللامِ, وعلامةُ جَرِّه الكسرةُ الظاهرةُ، والجارُّ والمجرورُ مُتعلِّقٌ بتَرَى، و"نفسِ" مُضافٌ, وضميرُ المخاطَبِ مضافٌ إليه مَبنِيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ جَرٍّ, "العُذْرَ" مفعولٌ به لتَرَى منصوبٌ, وعلامةُ نصبِه الفتحةُ الظاهرةُ,"في"حرفُ جَرٍّ مَبنِيٌّ على السُّكونِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ,"إبعادِها" إبعادِ: مجرورٌ بـ"في", وعلامةُ جَرِّه الكسرةُ الظاهرةُ، والجارُّ والمجرورُ مُتعلِّقٌ بالعذرِ، و"إبعادِ" مضافٌ, وضميرُ الغائبةِ العائِدُ إلى النفسِ مضافٌ إليه مَبنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ جَرٍّ، وهو من إضافةِ المصدرِ إلى فاعلِه؛ فلهذا الضميرِ مَحَلاَّنِ: أحدُهما: جَرٌّ بالإضافةِ, وثانيهما: رفعٌ بالفاعِلِيَّةِ, "الأمَلاَ" مفعولٌ به للمَصْدَرِ منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، والألفُ للإطلاقِ.
الشاهدُ فيه قولُه: (بَاقِياً). فإنَّه حالٌ, صاحبُه قولُه: (عَيْشٌ). وهو نَكِرَةٌ، والذي سَوَّغَ مجيءَ الحالِ من النكرةِ وُقوعُ هذهِ النكرةِ بعدَ الاستفهامِ الذي هو شَبِيهُ النفيِ.

([12]) ذهَبَ أبو حَيَّانَ إلى أنَّ مَجِيءَ الحالِ من النكرةِ كثيرٌ مَقِيسٌ، ونُقِلَ ذلك عن سِيبَوَيْهِ، والعلماءُ يَنْقُلُونَ القولَ بعدمِ جَوازِ القياسِ على ذلكَ عن الخليلِ ويُونُسَ.

([13]) بِيضٌ: جمعُ أبيضَ، وأرادَ أنَّ المائةَ دَراهِمُ، وليسَتْ فُلوساً ولا دَنانِيرَ؛ لأنَّ الدراهِمَ من الفِضَّةِ وهي بيضاءُ، والدنانيرَ من الذهَبِ وهو أصْفَرُ، والفُلُوسَ من النُّحَاسِ، وهذا مثالٌ رواهُ سِيبَوَيْهِ عن العربِ، و(بِيضاً) يَجِبُ أنْ يكُونَ حالاً من المائةِ، وهي نَكِرَةٌ، فدَلَّ على صِحَّةِ مجيءِ الحالِ من النكرةِ من غيرِ مُسوِّغٍ، في غيرِ الشعرِ، ولا يَجوزُ أنْ يكُونَ (بِيضاً) تَمْيِيزا ًلمائةٍ؛ لوجهيْنِ: أحَدُهما أنَّه جَمْعٌ منصوبٌ، وتَمْيِيزَ المائةِ يكونُ مُفْرداً مجروراً، نحوُ قولِكَ: "له عندي مائةُ دينارٍ".
والوجْهُ الثاني: أنَّكَ لو رَفعْتَ فقلتَ: (عَلَيْهِ مِائةٌ بِيضٌ) لكانَ نَعْتاً، وقد عَلِمْتَ أنَّ النعتَ والحالَ أخوانِ، فلَمَّا جاءَ منصوباً كانَ الأَوْلَى أنْ نَجْعَلَه حَالاً.

([14]) روَى هذا الحديثَ الإمامُ مَالِكُ بنُ أَنَسٍ في المُوَطَّأِ، وقد ترَكَ قومٌ الاستدلالَ به، كما تَرَكوا الاستدلالَ بالحديثِ عامَّةً، بدعْوَى أنَّ الرواةَ قد أجازوا الروايةَ بالمعنَى، فمن الجائزِ أنْ يكُونَ اللفظُ المرويُّ هو لفظَ راوي الحديثِ، وليسَ هو لفظَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وهذا رَأْيٌ خَاطِئٌ, لا نَرَى لكَ أنْ تَأْخُذَ به؛ فإنَّ النحاةَ قد احْتَجُّوا بشعرِ الشعراءِ إلى إبراهيمَ بنِ هَرْمَةَ، أو إلى بَشَّارِ بنِ بُرْدٍ، والذينَ رَوَوْا حديثَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كانوا أوثَقَ من رواةِ الشِّعْرِ، وأدَقَّ منهم تَحَرِّياً، وأوثَقَ منهم ضبطاً، وأكثرُهم عَرَبٌ يُحْتَجُّ بكلامشهم، فلو أنَّ أحدَهم بَدَّلَ لفظَ النبيِّ بلفظٍ مِن عندِه – معَ تَحرِّيهِ إصابةَ المعنَى بدِقَّةٍ – لم يَكُنْ من المُنْكَرِ أنْ تَحْتَجَّ بلفظِه هو.



  #4  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 02:33 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


338 - ولم يُنَكَّرْ غَالِبًا ذو الحالِ إِنْ = لَمْ يَتَأَخَّرْ أَوْ يُخَصَّصْ أَوْ يَبِنْ
339 - مِنْ بَعْدِ نَفْيٍ أَوْ مَضَاهِيهِ كَـ"لاَ = يَبْغِ امرؤٌ على امْرِئٍ مُسْتَسْهِلاَ"
(ولم ينكَّرْ غالبًا ذو الحالِ) ؛ لأنه كالمبتدأِ في المعنى فحقُّه أنْ يكونَ معرفةً. (إِنْ * لم يتأخَّرْ) عنِ الحالِ ، فإنْ تأخَّرَ كانَ ذلك مسوِّغًا لمجيئِه نكرةً نحوَ: "فيها قائمًا رجلٌ" وقولِه [من مجزوءِ الوافرِ]:
473 - لِمَيَّةَ مُوحِشًا طَلَلُ = يلُوحُ كَأَنَّه خَلَلُ
وقولُه [من الطويلِ]:
474 - وَبِالجِسْمِ مِنِّي بينًا لَوْ عَلِمْتِهِ = شُحُوبٌ وَإِنْ تَسْتَشْهِدِي العينَ تَشْهَدِ
(أو يخصصُّ): إما بوصفٍ كقراءةِ بعضِهم: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقًا} ، وقولِه [من البسيط]:
475 - نَجَيَّتَ يَا رَبَّ نُوحًا واسْتَجَبْتَ لَهُ فِي فُلْكِ مَاخِرٍ في اليمِّ مَشْحُونَا
وإما بإضافةٍ نحوَ: { فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءٌ للسَّائِلِينَ} وإمَّا بمعمولٍ ، نحوَ: "عَجِبْتُ مِنْ ضَرْبِ أَخُوكَ شَدِيدًا".
(أو يَبِنْ) أي: يظهرُ الحالُ (مِنْ بعدِ نفيٍ أو مضاهيهٍ): أي: مشابهِهُ وهو : النهيُّ والاستفهامُ ، فالنفيُ نحوَ: { وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} ، وقولِه [من السريع]:
476 - مَا حُمَّ مِنْ مَوْتٍ حِمًى وَاقِيًا = وَلاَ تَرَى مِنْ أَحَدٍ بَاقِيًا
والنهيُ (كلا * يَبْغِ امرؤٌ على امرئٍ مُسْتَسْهِلاً) وقولُه [من الكامل]:
477 - لاَ يَرْكَنَنَّ أَحَدٌ إِلَى الإِحْجَامِ = يَوْم الوَغَى مُتَخَوِّفًا لِحِمَامِ
والاستفهامُ كقولِه [من البسيط]:
478 - يَا صَاحُ هَلْ حُمَّ عَيْشٌ بَاقِيَا فَتَرَى = لِنَفْسِكَ العُذْرَ فِي إِبْعَادِهَا الأَمَلاَ
واحْتَرِزْ بقولِه: "غَالِبًا" ممَّا ورَدَ فيه صاحبُ الحالِ نكرةً مِنْ غيرِ مسِّوغٍ ، من ذلك قولُهم: "مررْتُ بماءٍ قِعْدَةَ رَجُلٍ" وقولُهم: "عليه مِائَةٌ بِيضًا" وأجازَ سيبويه: فيها رجلٌ قائما وفي الحديثِ: "وصلَّى وراءَه رجالٌ قيامًا". وذلك قليلٌ.
تنبيهٌ: زادَ في (التسهيلِ) مِنَ المسوِّغَاتِ ثلاثةٌ:
أحدُها: أنْ تكونَ الحالُ جملةً مقرونةً بالواوِ نحوَ: { أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} لأنَّ الواوَ ترفَعُ توهُّمَ النعتيةِ.
ثانيها: أنْ يكونَ الوصفُ بها على خلافِ الأصلِ نحوَ: "هذا خاتمٌ حديدًا".
ثالثُها: أنْ تشتركَ النكرةُ معَ معرفةٍ في الحالِ نحوَ: "هؤلاءِ ناسٌ وعبدُ اللَّه منطلقِينَ".

  #5  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 02:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


وُقوعُ صاحِبِ الحالِ نَكِرَةً بِمُسَوِّغٍ
337- ولم يُنَكَّرْ غالِباً ذو الحالِ إِنْ = لم يَتَأَخَّرْ أو يُخَصَّصْ أو يَبِنْ
338- مِن بعدِ نَفْيٍ أو مُضاهيهِ كَلَا = يَبْغِ امرؤٌ عَلَى امرئٍ مُسْتَسْهِلاً
حَقُّ صاحِبِ الحالِ أنْ يكونَ مَعْرِفَةً؛ لأنه أَشْبَهَ المبتدأَ في كونِه محكوماً عليه بالحالِ، والمبتدأُ لا يَقَعُ نَكِرَةً إلاَّ بِمُسَوِّغٍ، فكذا الحالُ يَصِحُّ وُقوعُ صاحبِها نَكِرَةً بِمُسَوِّغٍ ومنه ما يَلِي:
1- أنْ يَتَقَدَّمَ الحالُ على النَّكِرَةِ، نحوُ: أتانِي سَائِلاً رَجُلٌ،ـ فـ (سَائِلاً) حالٌ مِن (رَجُلٍ) ومنه قولُ الشاعِرِ:
وما لامَ نَفْسِي مِثْلَها لِي لاَئِمٌ = ولا سَدَّ فَقْرِي مِثْلُ ما مَلَكَتْ يَدِي

فـ (مِثْلَها) حالٌ مِن قولِه (لائمٌ) وهو نَكِرَةٌ، ولكنْ تَقَدَّمَت الحالُ عليها.
2- أنْ تُخَصَّصَ النكِرَةُ بوَصْفٍ أو إضافةٍ، فالوصْفُ، نحوُ: جاءَ رَجُلٌ ضعيفٌ سَائِلاً، ومنه قولُ الشاعرِ:

نَجَّيْتَ يا رَبِّ نُوحاً واسْتَجَبْتَ لَهُ = في فُلْكٍ ماخِرٍ في اليمِّ مَشْحُوناً

فـ (مَشحوناً) حالٌ (مِن فُلْكٍ) و (مَاخِرٍ) صِفَةٌ له.
والإضافةُ، نحوُ: جاءَ غُلامُ هندَ مَسروراً، ومنه قولُه تعالى: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً للسَّائِلِينَ} فـ (سواءً) حالٌ مِن (أربعةِ) وهي مُضَافَةٌ.
3- أنْ تَقَعَ النَّكِرَةُ بعدَ نَفْيٍ أو نَهْيٍ أو استفهامٍ، فالنفْيُ، نحوُ: ما نَدِمَ طالبٌ مُجْتَهِداً، ومنه قولُه تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ} فـ (لها كِتابٌ مَعلومٌ) جُملةٌ في مَوْضِعِ الحالِ مِن (قَرْيَةٍ) وصَحَّ مَجيءُ الحالِ مِن النكِرَةِ لتَقَدُّمِ النفيِ عليها.
والنهيُ، نحوُ: لا تَشْرَبْ في كُوبٍ مَكسوراً، ومنه قولُ الشاعِرِ:

لاَ يَرْكَنَنْ أَحَدٌ إلى الإِحْجَامِ = يَوْمَ الوَغَى مُتَخَوِّفاً لِحِمَامِ

فـ (مُتَخَوِّفاً) حالٌ مِن (أحَدٌ) وهو نَكِرَةٌ وذلك لتَقَدُّمِ النهيِ.
والاستفهامُ، نحوُ: هل أتاكَ رسولٌ مُبَشِّراً بانتصارِ المسلمينَ؟ ومنه قولُ الشاعرِ:
يا صاحِ هل حُمَّ عَيْشٌ باقِياً فَتَرَى = لنَفْسِكَ العُذْرَ في إبعادِها الأَمَلاَ

فـ (باقياً) حالٌ مِن النَّكِرَةِ (عَيْشٌ) وسَوَّغَ ذلك تَقَدُّمُ الاستفهامِ.
وقد وقَعَ صاحبُ الحالِ نَكِرَةً بلا مُسَوِّغٍ كقولِ العرَبِ: مَرَرْتُ بماءٍ قَعْدَةَ رَجُل فـ (قَعْدَةَ) حالٌ مِن (ماءٍ) وهو نَكِرَةٌ لا مُسَوِّغَ لها، وقولُهم: عليه مِائةٌ بِيضاً، فـ (بِيضاً) حالٌ مِن (مِائةٍ) وهو نَكِرَةٌ لا مُسَوِّغَ لها، وفي الحديثِ عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالتْ: (صَلَّى رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ في بَيْتِهِ وهو شَاكٍ فصَلَّى جَالِساً وصَلَّى ورَاءَهُ قومٌ قِياماً) متَّفَقٌ عليه.
والمختارُ في ذلك ما ذَهَبَ إليه بعضُ النُّحاةِ ـ منهم سِيبويهِ كما نَقَلَه عنه أبو حَيَّانَ ـ إلى جوازِ القِياسِ على ما وَرَدَ مِن الحالِ مِن النَّكِرَةِ بلا مُسَوِّغٍ، وأنه لا يُوقَفُ فيه على ما وَرَدَ به السماعُ؛ لأنَّ الحالَ إنما يُؤتَى بها لتَقييدِ العامِلِ فلا معنى لاشتراطِ المسوِّغِ في صاحبِها، وهذه الْحُجَّةُ يُؤَيِّدُها ويُقَوِّيهَا السماعُ الذي يَكفِي للقِياسِ عليه، وإنْ كان ذِكْرُ الْمُسَوِّغِ في كلامِ العربِ أكثَرَ، وهذا هو الذي تَحْسُنُ مُحاكاتُه والأخْذُ به في لُغةِ الكتابةِ والْخِطابِ.
وهذا معنى قولِه: (ولم يُنَكَّرْ غالِباً ذو الحالِ.. إلخ) أيْ: أنَّ الغالِبَ على صاحبِ الحالِ ألاَّ يكونَ نَكِرَةً إلاَّ إذا تَأَخَّرَ عنها صاحبُ الحالِ أو يُخَصَّصُ (أو يُبْنَ) أيْ: يَظْهَرُ صاحبُ الحالِ بعدَ نَفْيٍ أو ما يُضَاهِي النفيَ، أيْ: يُشَابِهُه، وهو هنا: النهيُ والاستفهامُ، ثم ساقَ مثالاً للنهيِ، وقولُه: (مُسْتَسْهِلاً) حالٌ مِن النَّكِرَةِ، (امْرُؤٌ) ومعناه: متَسَاهِلاً في البغْيِ غيرَ خائفٍ عاقِبَتَه.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تنكير, صاحب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:16 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir