دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 ربيع الأول 1438هـ/18-12-2016م, 03:04 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي تطبيقات على درس الأسلوب الاستنتاجي

تطبيقات على درس الأسلوب الاستنتاجي
الدرس (هنا)

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 ربيع الأول 1438هـ/18-12-2016م, 07:49 AM
هناء محمد علي هناء محمد علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 439
افتراضي

رسالة في آداب الاستئذان من قوله تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ ۖ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ۖ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ، لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ .
..
سورة النور ( 27 - 29 )

قال الله تعالى : ( والله جعل لكم من بيوتكم سكنا ) النحل 80 ...
أي راحة وقرارا وسكينة ...
فقد امتن الله على عباده بنعمة البيوت التي جعلها لراحة الإنسان وسكنه ... وتخففا من أعباء يومه ... وتخففا من كلف الحذر والحرص خارجها ... فيأمن ساكنها على عوراته وحرماته وماله ... وجعل الله في ذلك للعباد سترة ووقاية من نظر أو إنصات واستماع إلى ما يكره أن يطلع عليه أحد ... وحفظا لذلك الحق شرع الله الاستئذان ... وبين آداب الدخول إلى البيوت ، وما في ذلك من أثر في صيانة المجتمع والحفاظ على طهارته ... فكانت هذه الآيات التي بينت هذا الأدب الجليل كيف يكون ... وحوت فوائد جمة حفظت هذا الحق ... وصانت العورات ... وطهرت النفوس من الشحناء والبغضاء ...

-روي في نزول الآية :
قال أشعث عن عدي بن ثابت أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول اللّه إني أكون في منزلي على الحال التي لا أحب أن يراني عليها لا والد ولا ولد، وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحال، قال: فنزلت: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا} الآية "أخرجه ابن أبي حاتم" .

ومما حوته وبينته هذه الآيات من الآداب :
1- جاءت هذه الآيات في سورة النور والتي صدرها الله بقوله ( سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات )
وقد بين المفسرون أن ذلك لمزيد عناية بها وبأحكامها ... والتأكيد على أهمية ما فيها من أحكام ، و قوله تعالى ( وفرضناها ) التي قال بعضهم أن كل ما فيها من أمر أو نهي فرض ... وذلك يدل على عظم هذه الآداب وأهميتها ...

2 - هذه الآيات جاءت بعد آيات الزنا وحده ، والقذف وحده ، وحادثة الإفك ، فكأنها تنبيه أن هذه الآداب الواردة في الآيات هي حفظ للمجتمع من تلك الآفات ، فهي صيانة للعين من النظر إلى ما لا يحل وما ينتج عن ذلك من مفاسد ، وصيانة للأذن من سماع ما ستر عنها ، فلا يتناقل الناس أحاديث سمعوها أو يفشوا سر عورة رأوها ...

3- بدأت هذه الآية بذلك الخطاب المحبب إلى النفوس والمنبه إلى ما بعدها ( يا أيها الذين آمنوا ) ... فخطابهم بالإيمان تشريف لهم ... وتنبيه لهم أن من لوازم إيمانهم أن يعملوا بما أمروا ...

4 - وجوب الاستئذان عن دخول الإنسان بيتا غير بيته وذلك بالنهي التام عن الدخول بلا استئذان ( لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا ) ، ونسبة البيت هنا إنما هي نسبة إلى ساكنه لا إلى مالكه خصوصا ، وبذلك يكون بيت الإنسان كل بيت يسكنه كان مالكا له أو مستأجرا له أو مستعيرا ... والاستئذان لئلا يطلع على عورة غيره أو يرى ما يريد أهل البيت ستره أو يسمع ما لا يراد له سماعه أو يفزع أهل البيت بقدومه دون استعدادهم ...
- قال عطاء : الاستئناس واجب على كل محتلم .
- في حديث سهل بن سعد قال : اطلع رجل من جحر في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم ومعه مدرى يحك بها رأسه ، قال : لو أعلم أنك تنظر لطعنتك بها في عينيك ، إنما جعل الاستئذان من اجل النظر . وفي لفظ ( من اجل البصر ) ... رواه البخاري ومسلم

- وقال مقاتل ابن حيان في الآية: كان الرجل في الجاهلية إذا لقي صاحبه لا يسلم عليه، ويقول: حييت صباحاً وحييت مساء، و كان ذلك تحية القوم بينهم، وكان أحدهم ينطلق إلى صاحبه فلا يستأذن حتى يقتحم ويقول: قد دخلت ونحو ذلك، فيشق ذلك على الرجل، ولعله يكون مع أهله، فغيّر اللّه ذلك كله في ستر وعفة، وجعله نقياً نزهاً من الدنس والقذر والدرن. فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها} الآية،
ذكره ابن كثير

- وفي قصة الملائكة لما دخلوا على داود عليه السلام بيان أن دخولهم من غير الباب أدى إلى فزعه ، فقال تعالى ( وهل أتاك نبؤ الخصم إذ تسوروا المحراب ، إذ دخلوا على داود ففزع منهم ) ص 22 فهم تسوروا المحراب ولم يدخلوا من الباب ففزع منهم ، ولو دخلوا باستئذان من الباب فأذن لهم لم يفزع ...

5 - يستأذن الرجل عند دخوله منزله إن كان في المنزل أمه أو أخته أو غيرها من محارمه وذلك لئلا يطلع على عورة منهم ...
- روي أن رجلا قال : يا رسول الله أستأذن على أمي ؟ قال نعم ، قال إنما هي أمي ولا خادم لها غيري ، قال : أتحب أن تراها عريانة؟ قال لا ، قال فاستأذن عليها . رواه أبو داود في المراسيل من طريق عطاء بن يسار ، ورواه مالك في موطئه والطبري في تفسيره ، وذكره ابن عطية

- قال ابن مسعود : ينبغي للإنسان ألا يدخل البيت الذي فيه أمه إلا بعد الاستئناس

- قال عطاء بن ابي رباح قلت لابن عباس : أستأذن على أخواتي أيتام في حجري معي في بيت واحد؟ قال: نعم، فرددت عليه ليرخص لي فأبى، فقال: تحب أن تراها عريانة؟ قلت: لا، قال: فاستأذن، قال: فراجعته أيضاً فقال: أتحب أن تطيع اللّه؟ قال، قلت: نعم، قال: فاستأذن ، رواه ابن جريج وذكره ابن الجوزي وابن كثير

- وقال طاووس: ما من امرأة أكره إليَّ أن أرى عورتها من ذات محرم قال: وكان يشدد في ذلك. رواه ابن جريج

6 - استحباب أن يعلم الرجل زوجه بقدومه ويستأنس لئلا يقع منها على ما تكره ويكره ،
- ولهذا جاء في الصحيح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه نهى أن يطرق الرجل على أهله طروقاً ، فعن جَابِرٍ رضي الله عنهما قال : (نهى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا يَتَخَوَّنُهُمْ أو يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ) رواه البخاري ومسلم

- وفي الحديث الآخر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قدم المدينة نهاراً فأناخ بظاهرها وقال: (انتظروا حتى ندخل عشاء - يعني آخر النهار - حتى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة). رواه البخاري ومسلم

- وروى ابن جرير عن زينب امرأة عبد اللّه بن مسعود قالت: كان عبد اللّه إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح وبزق، كراهة أن يهجم منا على أمر يكرهه ، أخرجه ابن جرير وقال ابن كثير: إسناده صحيح""

- و عن أبي هريرة قال: كان عبد اللّه إذا دخل الدار استأنس تكلم ورفع صوته ... رواه ابن أبي حاتم

- قال ابن كثير : وقال ابن جريج: قلت لعطاء أيستأذن الرجل على امرأته؟ قال: لا، وهذا محمول على عدم الوجوب، وإلا فالأولى أن يعلمها بدخوله ولا يفاجئها به، لاحتمال أن تكون على هيئة لا تحب أن يراها عليها.

7 - نهى الله عن دخول البيوت حتى ( تستأنسوا ) ، والاستئناس أعم وأوسع من مجرد الاستئذان ، فالاستئذان طلب الإذن ... أما الاستئناس فهو يضيف إلى طلب الإذن معان أخرى ... منها :
- أن الاستئناس بمعنى الاستعلام ، أي تستعلموا من في البيت وتستبصروا
قال الزجاج : تستأنسوا : تستعلموا، أي تستعلموا هل يريد أهلها أن تدخلوا أم لا ؟
- وقال ابن عطية : يقال آنست إذا علمت عن حس وإذا أبصرت ولذلك قال تعالى ( فإن آنستم منهم رشدا ) أي علمتم ، ( آنست نارا ) أي أبصرت ... ،
- وهي استفعل من أنس : استأنس
قال أبو هلال العسكري : الهمزة والنون والسين أصل واحد وهو ظهور الشيء ، وكل شيء خالف طريقة التوحش ...
- قال الزمخشري : والاستئناس عكس الاستيحاش لأن الذي يطرق باب غيره لا يدري أيؤذن له ام لا فهو كالمستوحش حتى يؤذن له فإذا أذن له استأنس ...
فكأن الله يطلب من الزائر أن يطلب ما يؤنسه ويؤنس مضيفه به ... فيأنس هو إلى أهل البيت ويأنسوا له
وكم في هذا اللفظ من لطائف لو تأملها كل زائر لزكت النفوس وطابت عند كل زيارة ...

8 - من الاستئناس تعريف الزائر بنفسه ، ولا يكفي أن يقول معرفا نفسه : أنا ..
- فعن جابر قال: أتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم في دين كان على أبي، فدققت الباب، فقال: (من ذا؟) فقلت: أنا، قال: (أنا أنا)، كأنه كرهه "رواه البخاري .. ومسلم
قال ابن كثير : وإنما كره ذلك لأن هذه اللفظة لا يعرف صاحبها حتى يفصح باسمه أو كنيته التي هو مشهور بها، وإلا فكل أحد يعبر عن نفسه بأنا، فلا يحصل بها المقصود من الاستئذان المأمور به في الآية،

- وكذلك لما كان رسول الله صلى معتزلا في المشربة وجاءه عمر قال للغلام : استأذن لعمر ، فعرف بنفسه مع الإذن

9 - استحباب السلام عند زيارة البيوت ، فقد قال تعالى ( فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة ) النور 61
فجل الله السلام تحية أهل الإسلام يتبادلونها بينهم إفشاء للسلام والرحمة بينهم ... وهي تحية الله لأهل الجنة ( تحيتهم يوم يلقونه سلام ) الأحزاب 44 ، وهي تحية الملائكة لهم ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ، سلام عليكم بما صبرتم فنعمى عقبى الدار ) الرعد 23 ، 24... فسبحان من جعل السلام والرحمة عنوانا لالتقاء المسلمين يسلمون على أنفسهم بها ليغسلوا ما في نفوسهم من شحناء عند كل لقاء ...

- وقد قرن سبحانه في هذه الآية بين الاستئذان والسلام ، وإن كان السلام غير مختص بزيارة البيوت ، ولكنه هنا أخص ... وتنبيه أن الاستئذان لا يغني عن السلام ... وقد فرق الفقهاء بينهما في الحكم مع اقترانهما فقال ابن العربي : الاستئذان فرض والسلام مستحب ... وبين ابن عاشور أن قرنهما ليس لمساواتهما في الحكم لورود أدلة من السنة تصرف الابتداء بالسلام إلى الندب مع وجوب رده إن ابتدئ به ...
قال ابن عاشور مبينا ذلك ( ومن المعنى فإن فائدة الاستئذان دفع ما يكره عن المطروق المزور ، وقطع أسباب الإنكار والشتم والإغلاظ في القول مع سد ذرائع الريب وكلها أو مجموعها يقتضي وجوب الاستئذان ، وأما فائدة السلام مع الاستئذان فهي تقوية الألفة المتقررة فلا تقتضي أكثر من تأكد الاستحباب )

- عن جابر بن عبد الله قال : إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم تحية من عند الله مباركة طيبة ،... أخرجه البخاري

10- اختلف في أيها يقدم أيبدأ بالسلام ثم الاستئذان ، أم يستأذن أولا ثم يسلم ...
- قال ابن العربي المالكي : إذا وقعت العين على العين فالسلام قد تعين ، ولا تعد رؤيتك له إذنا في دخولك عليه ، فإذا قضيت حق السلام لأنك الوارد حينئذ تقول : أأدخل ؟ فإن أذن لك فادخل وإلا رجعت ...
فجعل السلام يتعين قبل الاستئذان إذا رأى أهل البيت ، وإلا فليستأذن ... وهو اختيار الماوردي ...

- وقال جمهور الفقهاء أن السلام أولا لما ورد من تعليم النبي كيفية الاستئذان إذ روي عنه صلى الله عليه وسلم :
- روى احمد والبخاري في الأدب وأبو داود والبيهقي في السنن من طريق ربعي بن حراش أن رجلا من بني عامر استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهوفي بيت فقال أألج ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه أخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان فقل له : قل السلام عليكم ، أأدخل ؟ ... أخرجه البخاري في الادب المفرد

- وعن خالد بن إياس قال حدثتني جدتي أم إياس قالت: كنت في أربع نسوة نستأذن [على عائشة] فقلت: ندخل؟ قالت: لا ، قلن لصاحبتكن: تستأذن. فقالت: السلام عليكم، أندخل؟ قالت: ادخلوا، ثم قالت: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا } رواه ابن أبي حاتم ...

11- يحرص المؤمن على التزام ما أمر به ... ويظهر حرص الصحابة في التزامهم ما أمروا به من صيغ السلام ...
فقد ورد في حديث تعليم رسول الله للرجل الاستئذان أن يقول : ( السلام عليكم ، أأدخل ؟) ، وكذلك حديث عائشة مع النسوة ...

- وكذلك روي عن عمرو بن سعيد الثقفي أن رجلاً استأذن على النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: أألج أو أنلج؟ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لأمة له يقال لها روضة: (قومي إلى هذا فعلميه، فإنه لا يحسن يستأذن، فقولي له يقول السلام عليكم أأدخل؟)، فسمعها الرجل فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فقال: (ادخل) ""أخرجه أبو داود"".

- وقال مجاهد: جاء ابن عمر من حاجة وقد آذاه الرمضاء، فأتى فسطاط امرأة من قريش، فقال: السلام عليكم أأدخل، قالت: ادخل بسلام، فأعاد، فأعادت وهو يراوح بين قدميه قال: قولي ادخل، قالت ادخل، فدخل ...
فكان ذلك حرصا منهم على التزام الإذن بالصيغة التي علمهم إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم ...

- وإن كانت صيغ الاستئذان اليوم اختلفت ، إذ هناك أبواب وأسوار ... والزائر إما يطرق بابا أو يقرع جرسا ... ثم يسلم بعد دخوله ...

12- في الألفاظ ( تستأنسوا وتسلموا ) من الأدب الجليل والرفيع الذي لا يختلف مهما اختلفت وسيلة الاستئذان وهي الترفق عند الإذن والحرص على حصول الاستئناس بالقادم ، وإشاعة السلام ، فمن الأدب من الزائر أن لا يطرق الباب طرقا عنيفا فيفزع أهل البيت ... ولا يستمر في قرع الجرس بلا انقطاع فيزعج أهل البيت أو يوقظ نائمهم ويؤرق مريضهم ... وإنما يطرق طرقا خفيفا يعلم به أهل البيت أن زائرا بالباب ...

13 - ومن الأدب ألا يستقبل الباب بوجهه ، فإن أذن له وفتح كشف شيئا أو عورة لم يتمكن أهل البيت من إخفائها بسرعة ... وإنما يقف إلى الباب من يمينه أو شماله
- عن عبد اللّه بن بشر قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، ويقول: (السلام عليكم، السلام عليكم)، وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور. رواه أبو داود واحمد وصححه الألباني

- وعن هزيل بن شرحبيل قال : جاء رجل فوقف على باب النبي صلى اللّه عليه وسلم يستأذن، فقام على الباب - يعني: مستقبل الباب - فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم : (هكذا عنك - أو هكذا - فإنما الاستئذان من النظر) "أخرجه أبو داود وصححه الألباني

14 - أن الله جعل الخير في الاستئذان لما في ذلك من استجابة للأمر الإلهي وإثابة عليه ، وستر للعورات ، وأن لا يطلع المسلم على مالا يسره في بيت غيره ، وأن يحفظ للمرء حقه في ألا يتصرف أحد بملكه إلا بإذنه حتى نظرا أو سماعا ... فقال ( ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون )

15 - لم تبين الآية مرات الاستئذان ، وإنما أوجبت الاستئذان على من يريد دخول بيت غيره ... وبينت السنة أن الاستئذان ثلاث ، فمن شاء اقتصر على واحدة فإن أذن له وإلا رجع ، ومن شاء أتمها ثلاثا ...
- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلاَثاً فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ ، فَلْيَرْجِعْ " [ متفق عليه ]

- عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قال : "كُنَّا فِي مَجْلِسٍ عِنْدَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه، فَأَتَى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رضي الله عنه مُغْضَبًا حَتَّى وَقَفَ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ هَلْ سَمِعَ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ، فَإِنْ أُذِنَ لَكَ، وَإِلَّا فَارْجِعْ»؟ قَالَ أُبَيٌّ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَمْسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ، ثُمَّ جِئْتُهُ الْيَوْمَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ، أَنِّي جِئْتُ أَمْسِ فَسَلَّمْتُ ثَلَاثًا، ثُمَّ انْصَرَفْتُ.. قَالَ: قَدْ سَمِعْنَاكَ وَنَحْنُ حِينَئِذٍ عَلَى شُغْلٍ، فَلَوْ مَا اسْتَأْذَنْتَ حَتَّى يُؤْذَنَ لَكَ. قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ كَمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَوَاللهِ، لَأُوجِعَنَّ ظَهْرَكَ وَبَطْنَكَ، أَوْ لَتَأْتِيَنَّ بِمَنْ يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا. فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: فَوَاللهِ، لَا يَقُومُ مَعَكَ إِلَّا أَحْدَثُنَا سِنًّا، قُمْ، يَا أَبَا سَعِيدٍ. فَقُمْتُ حَتَّى أَتَيْتُ عُمَرَ، فَقُلْتُ: قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ هَذَا". رواه مسلم

- قال قتادة في قوله: {حتى تستأنسوا}: هو الاستئذان ثلاثاً، فمن لم يؤذن له منهم فليرجع، أما الأولى فليسمع الحي، وأما الثانية فليأخذوا حذرهم، وأما الثالثة فإن شاءوا أذنوا وإن شاءوا ردّوا؛ ولا تقفنَّ على باب قوم ردوك عن بابهم، فإن للناس حاجات ولهم أشغال واللّه أولى بالعذر

16- من أدب الاستئذان أنك إن استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لك فارجع ... ، ولا تقف على الباب تنتظر أن يؤذن لك ... وذلك يكون على حالتين :
- الأولى أن لا يجد أحدا في البيت فلا يأتيه رد بإذن أو عدمه :
وكم في اللفظ القرآني من دقائق ولطائف لو تأملها المتأمل لوجد فيها شيئا كثيرا ... فالله قال ( فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم ) فقال ( لم تجدوا ) ، وليس لم يكن فيها أحد ، وهذا تنبيه إلى أن الرجوع لايشترط فيه أن تتأكد من خلو البيت فترجع ، وإنما مجرد أن لم يرد عليك هو إيذان بأن لا إذن لك ... وليس لك بعد أن تعتب أن أهل البيت كانوا فيه فلم يأذنوا ولم يفتحوا لك ...فللناس حاجات وأشغال ... ولكل حياته ، وما جعل الاستئذان إلا حفظا لهذه الأمور وتلك الخصوصيات ...

- والثانية : أن يرد عليه بعدم الإذن ، فمن الأدب أنه إذا كان أهل البيت فيه وسمعوك ثم لم يأذنوا لك فارجع طيب النفس بلا ضغينة ولا تحامل ... فالبيوت أسرار ... ولا يعلم أحد ماذا يدور خلف الأسوار والجدران ، فقد يكون أهل البيت في حالة لا يريدون أن يراهم فيها أحد ، وقد يكون عندهم أضياف من ذوي الرحم وزيارتك تفسد جلوسهم معهم لما يضطر من فصل للجلوس ... وقد يكون عندهم من الأشغال ما لا يحتمل تأجيلا أو تعطيلا من زائر ... وقد يكون هناك مريض تؤذيه الزيارة ... وكم في التزام هذا الأمر من حسن خلق وزوال شحناء ،
ولله در صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كم كان حرصهم على اتباع الأمر فهذا قتادة يروي عن رجل من المهاجرين قوله : لقد طلبت عمري كله في هذه الآية فما أدركتها ، أن أستأذن على بعض اخواني فيقول لي ارجع ، فأرجع وأنا مغتبط لقوله تعالى :( وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم ) ذكره الطبري

- وكم جهل المسلمون في يومنا هذا الأدب فإن استأذنوا في الزيارة حتى هاتفيا قبل وصول البيت فلم يؤذن لهم واعتذر صاحب المنزل لم يسلم منهم ... واتهم بسوء التعامل مع أضيافه ، أو بأنه يسد بابه في وجه زواره ،.. فيضطر للتبرير والاعتذار وتوضيح ما كان عنده من أعذار مع أنه ليس عليه كل ذلك ... إذ الأمر واضح ، ( وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا ) ، هذا إن كنت قد وصلت باب المنزل ، فكيف بمن لا يزال في منزله ويطلب إذنا بالزيارة ، فإعذاره لمن يريد زيارته أولى ، فهو لم يتكبد بعد عناء الطريق ولم يقطع من وقته شيئا ...
- والله يبين أن في الرجوع زكاة لهم وطهارة لنفوسهم ( هو أزكى لكم ) ... فسبحانه ما أحكمه ... فكم من مضيف فتح لضيفه الباب خشية ما يترتب عليه عدم إذنه من قطيعة وضغينة ؛ فاطلع الزائر على ما يكره من بيت مضيفه ، وكم سمعنا ممن يأتي ثم لما يجد أن أهل البيت غير مهيئين للزيارة يعتذر فيقول : أعتقد أنني أتيت في وقت خاطئ ...
وكم كان سيرفع الحرج عن نفسه وعن مضيفه لو أنه رجع إن لم يؤذن له ، وعرف المضيف منه أنه بإمكانه أن يعتذر دون أن يترتب على ذلك شحناء ...

17 - دلت الآيات على حرمة دخول البيوت بلا استئذان ، وحرمة النظر إلى داخل البيوت من ثقب أو غيره ، وحرمة التجسس ومحاولة الانصات لما يدور في البيت ... ( فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم ) فكرر تنبيها وتحذيرا ...
- قال تعالى ( ولا تجسسوا )
- و عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ ، فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ " [ رواه البخاري ومسلم ] .

- وكذلك حديث سهل بن سعد قال : اطلع رجل من جحر في حجرة النبي ص ومعه مدرى يحك بها رأسه ، قال : لو أعلم أنك تنظر لطعنتك بها في عينيك ، إنما جعل الاستئذان من اجل النظر . وفي لفظ ( من اجل البصر ) ... رواه البخاري ومسلم

- وحذر الله عباده من التطاول والتعدي على أمر الاستئذان لما في التجاوز من مفاسد فقال ( والله بما تعملون عليم ) أي احذروا فالله يعلم كل ما تعملونه ، ويعلم من يلتزم أمره ومن يخالفه ... ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره )

18- استثنى الفقهاء من الاستئذان على البيوت المسكونة إن كان فيها أمر يستوجب تدخلا سريعا دون استئذان كأن يكون في المنزل حريق أو في البيت شخص يستنجد ... وذلك لأن هناك ضرورة مقدمة وهي حفظ النفس ...

19- رفع الله الحرج عن دخول البيوت غير المسكونة ، لأن علة الاستئذان زالت ، إذ الاستئذان للبيوت المسكونة كان أهلها فيها أم لا ، لما سبق ذكره من أسباب ، أما إن كانت البيوت غير مسكونة كالبيوت المهجورة ، أو الفنادق والنزل أو المدارس والجامعات وأماكن التعليم ، أو الأسواق فهذه يرتادها الناس لحاجات ولا يقيمون فيها ... لذلك لا حرج في دخولها بلا استئذان ... لأن العلة زالت وإذا زالت العلة زال الحكم .. ( ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم )
ولأن هذه البيوت غير المسكونة فيها منافع ومتاع للناس ... ونفى الطبري أن يكون المتاع هنا من الأمتعة وبين أن المقصود به المنفعة والاستماع بتلك المنافع فالفنادق يقيم فيها المسافرون وأبناء السبيل ويستمتعون بمنفعتها ... ، والأسواق يشترون منها فيستمتعون بمنفعتها ، بل حتى الأماكن المهجورة قد يقضي فيها حاجته إن لم يجد حوله مكانا مسكونا لقضاء حاجته ...

- وإنه لما نزلت آية وجوب بالاستئذان قال أبو بكر : يا رسول الله أفرأيت الحانات والمساكن في طرق الشام ليس فيها ساكن ؟ فنزل ( ليس عليكم جناح ) ... رواه الطبراني

- فسبحان من شرع ما أعلمه وما أحكمه ... فما من شرع إلا تجلت فيه حكمة الله وعلمه بالنفس البشرية وما يصلحها ... وهو ( بما تعملون عليم ) و ( يعلم ما تبدون وما تكتمون )
وختم الآية سبحانه بعلمه لما يظهر وما يخفى ليعلم الداخل حتى لتلك البيوت غير المسكونة أن رفع الاستئذان فيها ليس إباحة لما فيها على إطلاقه ، فللأماكن حرمات ومن دخل مكانا منها وله قصد الأذى لا الانتفاع والاستمتاع فالله يعلم ويحذره ...

المراجع :
1- جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ( 310 هـ )
2- معاني القرآن للزجاج ( 311 هـ)
3 - الوجوه والنظائر في القرآن الكريم لأبي هلال العسكري ( 395 هـ)
4 - النكت والعيون للماوردي ( 450 هـ)
5 - الكشاف للزمخشري ( 528 هـ)
6 - المحرر الوجيز لابن عطية ( 541 هـ)
7 - أحكام القرآن لأبي بكر ابن العربي ( 543 هـ)
8 - زاد المسير في علوم التفسير لابن الجوزي ( 597 هـ)
9 - تفسير القرآن العظيم لابن كثير ( 774 هـ )
10 - فتح البيان في مقاصد القرآن لأبي الطيب القنوجي البخاري ( 1307 هـ )
11- التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور ( 1393 هـ)
12- روائع البيان في تفسير آيات الأحكام لمحمد علي الصابوني

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 ربيع الأول 1438هـ/18-12-2016م, 11:31 PM
رضوى محمود رضوى محمود غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 237
افتراضي

رسالة في تفسير قوله تعالى:{قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
{قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}

يخاطب الله تعالى أهل الكتاب مادحاً نبيه صلى الله عليه وسلم وواصفاً إياه بأنه نور وذلك على أحد الأقوال بأن المراد بالنور النبي صلى الله عليه وسلم فقد بين الله به الحق وأظهره ، ومن تبيينه للحق أنه بين كثيرا مما كان اليهود يخفوه من الكتاب ،وقيل أن المراد بالنور في الآية القرآن وقيل الإسلام وذكر ابن عطية قولا مفاده أن النور موسى رضي الله عنه والكتاب التوراة وعقب بأن ظاهر الألفاظ أن النور محمد صلى الله عليه وسلم والكتاب القرآن الكريم.
فالمراد بالكتاب المبين القرآن وهو مبين بمعنى أنه فيه بيان لما اختلفوا فيه من توحيد الله، وأسمائه وصفاته، وحلاله وحرامه، ويبين للناس مافيه مصالحهم في الدنيا والآخرة .
وقوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ} لتعظيم شأن الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن.
{يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} يهدي ويرشد الله عز وجل بهذا الكتاب المبين وقيل الضمير يعود على الرسول صلى الله عليه وسلم والكتاب جميعاً من اتبع رضاه أي اجتهد وحرص على بلوغ مرضاة الله بالنية والعمل فهؤلاء هم المستحقون للهداية.
واختلف العلماء في معنى الرضى من الله عز وجل على قولين:
الأول: أنه بمعنى الثناء والمدح فهو سبحانه وتعالى قابل الإيمان ،ومزكي له ،ومثني على المؤمن بالإيمان.
الثاني: أنه خلاف السخط وهو من صفات الله عز وجل.
{سُبُلَ السَّلَامِ} قيل أن المراد بالسلام الله عز وجل وعلى هذا يكون المراد بسبل السلام دين الله الذي شرع لعباده، قال السدي: (سبيل الله الذي شرعه لعباده ودعاهم إليه ، وابتعث به رسله ، وهو الإسلام الذي لا يقبل من أحد عملا إلا به ، لا اليهودية ، ولا النصرانية ، ولا المجوسية ) ذكره ابن جرير.
وقيل أن المراد بالسلام السلامة ويكون المعنى طرق السلامة التي يسلم صاحبها من العذاب وتوصله إلى دار السلام والمراد طرق الحق ومناهج الإستقامة.
{وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} يخرج وينجي من اتبع رضوانه من ظلمات الكفر والشرك والبدعة والمعصية إلى نور الإسلام والإيمان والسنة والطاعة.
{بِإِذْنِهِ} بتوفيقه وهدايته فيحبب إليه الإيمان ويبصره بطريق الحق ويرزقه اتباعه.
{وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ومن ثمرات اتباع رضوان الله أيضا أن يهديهم الله إلى الدين القويم الذي لا عوج فيه وهو دين الإسلام.
الفوائد:
1- إثبات أن القرآن منزل من الله عز وجل قال تعالى : {قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} وهو كتاب صفته أنه مبين أي واضح مبين لكل ما يحتاجه الناس في مصالح دينهم ودنياهم.
2- جحود اليهود لنعمة الله فقد أرسل إليهم كتاب مبين ورسول كريم يخرجهم من الظلمات إلى النور فتكبروا وأعرضوا .
3- الله هو الهادي الذي بيده الهداية والإضلال فلا هادي لمن أضل ولا مضل لمن هدى من يهد الله فهو المهتد.
4- وجوب اتباع ماجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم مخالفة أمره قال تعالى: { وإن تطيعوه تهتدوا} .
5- إخلاص النية أهم أعمال القلوب وأعظمها فمن ابتغى وقصد رضى الله بصدق وفقه الله وهداه لا محالة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ) رواه مسلم
6- كل ما يجري في الكون هو بمشيئة الله تعالى وإرادته فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن قال تعالى :{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.
7- الهداية مشروطة بصلاح الجبلة كما ذكر ذلك البقاعي في تفسير الآية وقد ورد في القرآن آيات مضمونها أن الله لا يهدي القوم الظالمين ولا يهدي القوم الكافرين ولا يهدي القوم الفاسقين ولا يهدي كيد الخائنين ولا يهدي من هو كاذب كفار.
8- الحق واحد والباطل والضلال متعدد قال تعالى:{وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}.
9- من ثمرات الحرص على مرضاة الله واتباع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم الهداية لكل خير والتبصر بالحق والتوفيق لاتباعه والنجاة والسلامة من عقاب الله.
المصادر:
المحرر الوجيز لابن عطية
التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور
تفسير القرآن العظيم لابن كثير
معاني القرآن للزجاج
جامع البيان في تأويل القرآن للطبري
معالم التنزيل (تفسير البغوي)
نظم الدرر في تناسب الآيلت والسور للبقاعي
محاسن التأويل للقاسمي
تفسير الكريم الرحمن للسعدي

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 20 ربيع الأول 1438هـ/19-12-2016م, 05:39 PM
عقيلة زيان عقيلة زيان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 700
افتراضي

قال الله تعالى :{ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ }(52 النور)

الآية جاءت في سياق بيان فضل طاعة الله ورسوله......فأنكرالله على المنافقين وذمهم في عدمالانقياد و الامتثال لحكم الله ورسوله...ومدح المؤمنين الصادقين المنقادين لأمر الله ورسوله أنهم إذا ما دعوا إلى الله والرسول ليحكم بينهم قالوا سمعا وطاعة؛ وهذا مدح لهم وثناء عليهم في نوع خاص من الطاعة..وهو الطاعة في الحكم ؛ ثم أعقب بعد ذلك بيان فضل طاعة الله والرسول عموما.

قال الشيخ البقاعي:.."ولما رتب سبحانه الفلاح على هذا النوع الخاص من الطاعة،تبعه عموم الطاعة فقال: {ومن يطع الله} " اهـ.

وهذه الآية من أجمع الآيات لأن الله جمع فيها أسباب الفوز.

قال ابن عباس :{...سأل بعض الملوك عن آية كافية جامعة فذكرت له هذه الآية ، وسمعها بعض بطارقة الروم فأسلم ، وقال إنها جمعت كل ما التوراة والإنجيل ..} ..ذكره ابن الجوزي.
وَمَنْ: اسم شرط؛ وهو من أسماء الشرط المشتركة....لفظه مفرد...ومعناه يصلح للمفرد والجمع و المذكر و المؤنث على حد سواء.

يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ:


الطاعة: هي امتثال الأمر واجتناب النهى....فهي موافقة الأمر...و لا يكون ذلك إلا بتصديق خبر الله وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
والمراد بالطاعة في الآية هو امتثال الأمر لاقترانها بالتقوى...ذلك أن التقوى و الطاعة من الألفاظ التي إذا أفردت دخل كل منهما في معنى الآخر وإذا اجتمعت اختص كلٌ منها بمعنى.
فالطاعة إذا أفردت فهي بمعنى التقوى..وهو امتثال الأوامر واجتناب النواهي .وإذا قرن بينهما جعلت لكل لفظ معنى خاص به..فحمل لفظ الطاعة على فعل الأوامر والتقوى على ترك النواهي .
.وقرن بين طاعة

وطاعة الرسول..لأن الطاعة حق مشترك بين الله والرسول صلى الله عليه وسلم
وتكون طاعة الله في امتثال الأمر الذي في كتابه وطاعة الرسل في امتثال الأمر الذي في سنته..

وَيَخْشَ اللَّهَ :

الخشية : بمعنى الخوف ، لــكنها أخص منه وهي من أجلّ أنواع العبادة؛ ....فالخشية لا تكون إلا مع العلم بعظم المخشي. أما الخوف لا يشترط له ذلك فقد يخاف من مجهول.
فالخشية : خوف مقرون بمعرفة الله ، قال تعالى : (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء) [فاطر :68] ، وقال تعالى: { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّه..
(سورة الأحزاب: 399) . ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ))


قال أبو هلال العسكري:...والخشية: حالة تحصل عند الشعور بعظمة الخالق وهيبته وخوف الحجب عنه، وهذه حالة لا تحصل إلا لمن اطلع على حال الكبرياء وذاق لذة القرب، ولذا قال تعالى: :{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 28] .فالخشية: خوف خاص، وقد يطلقون عليها الخوف. .اهـ

وَيَتَّقْهِ : وردت قراءات في هذه الكلمة
القراء فيه بالنسبة إلى القاف على مرتبتين:
الأولى: تسكينُ القاف، ولم يقرأ بها إلاّ حفص. والباقون بكسرها.
وأما بالنسبة إلى هاء الكناية فإنهم فيها على خمس مراتب:
الأولى: تحريكُهَا مَفْصُولةً قولاً واحداً، وبها قرأ ورشٌ وابن ذَكْوَانَ وخَلَفٌ وابن كثير والكسائيّ.
الثانية: تسكينها قولاً واحداً، وبها قرأ أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم.
لرابعة: تحريكها من غير صلة، وبها قرأ قالون وحفص.
الخامسة: تحريكها موصولة أو مقصورة، وبها قرأ هشام..ذكره ابن عادل.
والتقوى..هي أن يجعل العبد بينه وبين عذاب الله وقاية بامتثال الأمر و اجتناب النهى...فكل من فعل ما أمره الله به و انزجر عما نهاه الله عنه فقد اتقى ربه.

قال طلق بن حبيب: إذا وقعت الفتنة فأطفئوها بالتقوى. قالوا: يا أبا علي: وما التقوى؟قال: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله

.
وقال الشريف الجرجاني :..... وعند أهل الحقيقة؛ هو الاحتراز بطاعة الله عن عقوبته، وهو صيانة النفس عما تستحق به العقوبة من فعل أو ترك..اهـ
والمراد بالتقوى في الآية ..هو حفظ النفس عما يُؤثم، وذلك بترك المحظور..لأنها اقترنت بالطاعة..وسبق بيان ذلك..أن التقوى والطاعة من الألفاظ التي إذا اجتمعت افترقت وإذا افترقت اجتمعت
و الخشية والتقوى حق مختص بالله،..لا يشاركه فيها أحد.

فَأُولَئِكَ : الفاء واقعة في جواب شرط..فهي رابطة الجواب.
والمشار إليهالموصوفون بما ذكر من الطاعة والخشية والاتقاء؛وأشير إليهم " بأولئك" الدالة على البعد؛ إشارة على علو مرتبتهم .

هُمُ:
ضمير فصل..وتؤتى به في الجمل لثلاثة فوائد..الحصر والتوكيد و للتفريق بين الخبر والصفة

الْفَائِزُونَ:
الفوز: الظَّفَرُ بالخير مع حصول السلامة والنجاة من كل مكروه، أو هلاك.
فهؤلاء الموصوفون بالطاعة والتقوى والخشية قد فازوا بالجنة ونجوا من النار.
قال السدي : فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ إِلَى نَعِيمٍ مُقِيمٍ...ذكره ابن أبي حاتم

الفوائد المستخرجة من الآية
1- الحث على طاعة الله والرسول..وذلك بذكر الثواب العظيم المترتب عليه.
2- الطاعة والتقوى والخشية عبادة من العبادات لأن الله رتب على فعلها الثواب و الأجر العظيم...و قد علم أن من طرق معرفة العمل أنه عبادة هو ترتيب الجزاء على فعله.

3- جواز اقتران اسم الله واسم الرسول في الأمر الذي يكون مشتركا بينهما؛ويمتنع هذا الاقتران فيما يكون حقا لله وحده... وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على الذي قال: ما شاء الله وشئت بقوله: أجعلتني لله ندا قل ما شاء الله وحده ....رواه أحمد
4- الطاعة عبادة مشتركة بين الله و الرسول ..فهي حق محض لله وللرسول..لأن الله جمع بينها
5- الخشية والتقوى حق خاص بالله وحده لا شريك له فيهما..ويترتب على هذا الفائدة الموالية .

6- يحرم صرف عبادة الخشية والتقوى لغير الله..فمن صرفهما لغير الله فقد أشرك مع الله فيما هو حق محض له.

7- حصر الفوز في الموصوفين بالطاعة و الخشية والتقوى دون غيرهم

8- عظم شأن هذه العبادات..الطاعة و الخشية والتقوى..إذ بها نال العبد أعظم فوز...فليحرص العبد على القيام بها على أحسن حال..وأن يخلص لله فيها.

9- في الآية رد على من يتسمى بالقرآنيين..الله علق الفوز بطاعة الله وطاعة الرسول..وهم يقولون نكتفي بالقران ولا نأخذ بالسنة..فأنى يكون لهم الفوز.. وقد توعد الله من يخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم ..قال تعالى {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا } النساء/115.

10- في الآية رد على المقلدين المتعصبين للمذاهب أو الطرق أو الأحزاب...لأنهم أطاعوا الرؤساء و القادة..و لم يدخلوا في جملة من أطاع الرسول..فبينهم وبين الفوز مفاوز... قال {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَاوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا } الفرقان(26-27)

11- وفي الآية أيضا رد على أهل البدع..الذين يبتدعون في دين الله ويزيدون على ما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم فهو لم يأتوا بشرط الفوز وهو طاعة الرسول.. و في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ..: "{ من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} رواه البخاري.

12- وفي الآية رد على الجبرية...الله أسند فعل الطاعة والتقوى والخشية للعبد .فهو الفاعل لها ..وهم يقولون أن العبد لا اختيار له فهو كالريشة في مهب الريح.

13- التفريق بين الطاعة والتقوى والخشية لأن الآية فرقت بينهم.

1-الفرق بين التقوى والطاعة ..
ذكر الشيخ السعدي في كتابه قواعد الحسان وابن عثيمين في تفسيره
أن الطاعة والتقوى من الألفاظ إذا اجتمعت افترقت و إذا افترقت اجتمعت
إذا أفردت الطاعة والتقوى فهما بمعنى واحد وهو فعل الأمر واجتناب النهى
أما إذا ذكرا سويا فتحمل الطاعة على فعل الأمر..وتحمل التقوى على اجتناب النهى.

2- الفرق بين التقوى والخشية

قال ابن عباس :{ وَيَخْشَ الله } فيما مضى من ذنوبه { وَيَتَّقْهِ } فيما يستقبل..ذكره ابن جزى

وذكره ابن أبي حاتم عن قتادة. قال عَنْ قَتَادَةَ: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ: مَنْ يُطِعِ اللَّهَ فِيمَا أَمَرَ بِهِ وَرَسُولَهُ قَالَ فِيمَا أَمَرَ بِهِ، وَيَخْشَ اللَّهَ قَالَ: فِيمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ وَيَتَّقِهِ قَالَ: يَخْشَاهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ.
فظهر من كلامهم أن الخشية فيما مضى من الذنوب ..يخشى الله ويخافه فيها فيدفعه ذلك إلي الاستغفار والتوبة و أن التقوى لما يستقبل فليحذر من أن يقع في الذنوب والمعاصي.

وقال أبو هلال العسكري:الفرق بين الاتقاء والخشية: أن في الاتقاء معنى الاحتراس مما يخاف وليس ذلك في الخشية.اهـ

و قال ابن عثيمين في تفسيره: التقوى هي نتيجة الخشية ؛ لأن من خشي الله اتقاه..والذي يخافه بهيبة وتعظيم وإجلال ؛لابد أن يتقيه ؛ فالرابط بينها وبين الخشية :أنها فرع عنها ونتيجة عنها ؛فمن خشي الله اتقاه بلا شك.اهـ

14- النبي محمد عليه الصلاة والسلام مبلغ عن ربه لأن شأن الرسول تبليغ رسالة المرسل.

15- طاعة الرسول التي هي شرط في حصول الفوز هي فيما الأمور الدينية الشرعية...أما في الأمور الدنيوية فلا تدخل في حكم الآية..لأن الله علق الفوز بطاعة الرسول.. الرسول هو المرسل من ربه فيطاع في شرع الله..وجاء في السنة ما يدل على هذا المعنى روى الإمام مسلم في صحيحه عن أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ فَقَالَ « لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ ». قَالَ فَخَرَجَ شِيصًا فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ « مَا لِنَخْلِكُمْ ». قَالُوا قُلْتَ كَذَا وَكَذَا قَالَ « أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ »
وفي رواية أخرى لمسلم فَقَالَ « إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَىْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَىْءٍ مِنْ رَأْىٍ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ »
وقد بوب الإمامالنوويفي شرحمسلم هذه الأحاديث تحت باب وجوب امتثال ما قاله شرعا، دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي.

.
16- علو مرتبة الموصوفين بالطاعة والتقوى والخشية..لأنه أشار إليهم بأولئك.

17- طرق وأسباب الفوز إجمالا ثلاثة
*..طاعة الله والرسول
*خشية الله
*تقوى الله.

18- أعظم الفوز هو الفوز بالجنة.وفيه عزاء لمن فاته شيء من حطام الدنيا فبكى عنها وحزن يقال له...الفوز أمامك اعمل لتظفر به ..

19- من نال شيء من الدنيا من مال أو جاه أو منصب ففرح لذلك .واطمئن له ..يقال له رويدك.. مهلك.. ليس هذا هو الفوز المطلق إنما الفوز هو دخول الجنة والنجاة من النار ..احذر من الدنيا و الانخداع بها.

20- الفوز وصف يزيد وينقص..فكلما كملت تلك الأوصاف وهي الطاعة والتقوى و الخشية كان الفوز أكمل و كلما نقصت نقص الفوز بحسب نقصانها..فالمطلق للمطلق والحصة للحصة.

21- الله علق الفوز باجتماع الطاعة والتقوى والخشية فإذا انخرم أو نقص واحد منها نقص الفوز أو ذهب.

22- العبودية أثر أو مقتضى للألوهية ....ذلك أن الآية قرنت بين العابدة وبين اسم " الله"...فالوصف الدال عليه اسم "الله" هو الألوهية.. و أوصاف الألوهية هي جميع أوصاف الكمال وأوصاف الجلال والعظمة والجمال، وأوصاف الرحمة والبر والكرم والامتنان. لأجلها استحق أن يُؤله ويُعبد ... فالعباد يألهونه ويعبدونه، ويبذلون له مقدورهم من التأله القلبي والروحي والقولي والفعلي بحسب مقاماتهم لما عرفوا عن ربهم من صفات الجلال والجمال .
كلما ازدادت معرفة العبد بالذي يألهه ازداد انقياده و خضوعه وذله وعبوديته له.
قال ابن عباس:قال: "الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين"، رواه ابن جرير .
وقد جمع الله هذين المعنيين في عدة مواضع من القرآن، مثل قوله تعالى: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) [طه: 14]، وقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 25]، وقوله: (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) [مريم: 65].

23- لحوق جملة جواب الشرط "فاء" رابطة جواب الشرط ..إذا لم تصلح الجملة الواقعةجوابا لأن تقع بعد أداة الشرط وجب اقترانها بالفاء..كأن تكون الجملة اسمية..مثل ما ورد في الآية.جملة (فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) اسمية..لهذا دخلت الفاء.

24- يشار بأسماء الإشارة إلى الأشياء المعنوية.."أولئك"..أشير به في الآية إلى علو المنزلة و علو المرتبة
.
المراجع والمصادر
-الجامع الصحيح المسمى صحيح مسلم لمسلم بن الحجاج النيسابوري (261 ه)
- جامع البيان في تأويل القرآن .لمحمد بن جرير أبو جعفر الطبري ( 310هـ)
- تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم.لابن أبي حاتم (327هـ)
-الفروق اللغوية..لأبي هلال العسكري(نحو 395ه)
-معالم التنزيل للبغوي ( 510هـ)
-المحرر الوجيز لابن عطية ( 541 هـ)
زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي (597هـ)
التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الكلبي الغرناطي المالكي (741 هـ)
-شرح قطر الندى وبل الصدى لابن هشام (761هـ)
- تفسير القرآن العظيم لابن كثير ( 774 هـ)
-اللباب في علوم الكتاب لابن عادل.. (775هـ)
-كتاب التعريفات..للجرجاني (816هـ)
-نظم الدرر في تناسب الآيات والسور لأبي بكر البقاعي (885هـ)
- فتحُ البيان في مقاصد القرآن لأبي الطيب محمد صديق خان بن حسن لقِنَّوجي ( 1307هـ)
- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي ( 1376 هـ)
- القواعد الحسان في تفسير القرآن للسعدي ( 1376 هـ)
- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي (: 1393هـ)
- التحرير والتنوير لابن عاشور (1393هـ)
- تفسير القرآن الكريم لابن عثيمين ( 1421 ه)
-فقه الأسماء الحسنى عبد الرزاق البدر

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 25 ربيع الأول 1438هـ/24-12-2016م, 01:12 AM
حنان بدوي حنان بدوي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: إسكندرية - مصر
المشاركات: 392
افتراضي



رسالة في قول الله تعالى :
(وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) طه " 131"


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده وسوله .


في الآية الكريمة عند تدبرها والوقوف على مدلولالتها ؛ العديد من الفوائد التي يعجز الخلق عن حصرها :
منها :
1- في الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتعزية له عن الدنيا الفانية .

2- وفيها أن المخاطب في الآية هو النبي صلى الله عليه وسلم وأمته تبعا له مخاطبة بها ، وقد قيل أن الخطاب له والمراد أمته فقط لأنه صلى الله عليه وسلم كان أبعد شيء عن إطالة النظر إلى زينة الدينا وزخارفها وأعلق بما عند الله عز وجل من كل أحد ، كما أنه كان صلى الله عليه وسلم شديد النهي عن الاغترار بالدنيا والنظر إلى زخرفها .

3- (لا تمدنّ) أبلغ من لا تنظرنّ ، لأن في مد البصر الحرص عليه ، ولا يظهر ذلك في مجرد النظر ،
- ومدّ العينين: مستعمل في إطالة النظر للتعجيب لا للإعجاب، شبه ذلك بمد اليد لتناول شيء مشتهى ... قاله ابن عاشور
وقيل هو للإعجاب والاستحسان ذكره السعدي وغيره

4- النهي عن تمني واشتهاء ما في يد الغير من المبتلين بمتاع الدنيا ونعيمها ، أو استحسان ما بأيديهم أو الإعجاب به ، لأن ذلك قد يؤدي بالمرء إلى الحقد والغيرة ولربما الحسد ، وذلك كما قيل لقارون :{ يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِىَ قَـٰرُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظّ عَظِيمٍ } وقد رد عليهم أولوا العلم والإيمان والألباب : { وَيْلَكُمْ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لّمَنْ ءامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً }

5- النهي عن الأسف عن ما في أيدي المشركين من الدنيا والمال، ببيان سؤ عاقبتهم .وذلك حسب المعني الآخر لمد العينين وذكره المواردي.

6- التأكيد على النهي ( بالنون الثقيلة ) عن مد النظر والتمعن فيه وتطويله والحرص على ذلك ؛ مما يفيد تخليص القلب من مرارة الحسرة من ما فات العبد من المتاع والرفه ، فمن أدام نظره أدام حسرته فأضر قلبه .

كما قال الشاعر :
كل الحوادث مبدأها من النظر ** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها ** فتك السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها ** في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته ** لا مرحبا بسرور عاد بالضرر

7- وفي النهي عن مد البصر لما عند الفساق والمترفين فوات غرضهم لجذب الانتباه والشهرة ، والتفاخر والتباهي والتعالي والتكبر على الخلق، وإرادة الإغراء بالتأسي بهم وتقليدهم .

8- وفيه أن النظر غير الممدود معفو عنه ، وذلك مثل نظر من فوجئ بوقوع نظره على شيء ، ثم غض الطرف عنه ، ويشهد له ما أخرجه مسلم عن جرير بن عبد الله قال سألت رسول الله عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري "
وكما في صحيح أبي داوود عن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : " يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة

9- " متعنا " معناها لذذنا أو أعطينا .

10- بيان أن ما فيه أصحاب المتع والرفه فهو من عند الله وحده ، ويدل عليه الضمير الدال على العظمة في ( متعنا ) ، فهو وحده سبحانه الذي يعطي هذا أصنافا من نعيم الدنيا وهو وحده الذي يمنع عن هذا ، فهو القابض الباسط سبحانه ، والكل ملكه يتصرف فيه كيف يشاء

11- بيان حقيقة التلذذ بمتاع الدنيا الفانية الزائلة من رؤية المناظر الجذابة وسماع الأصوات العذبة أو شم الروائح العطرة وغيرها من الملابس والمناكح فهي كالزهرة سرعان ما تزهر وتتفتح وسرعان ما تذبل وتضمحل وتزول ، والنهي عن الانخداع والاغترار بزهوها وزينتها فما هي إلا " دنيا " فأي دنو أعظم من هذا ؟.يدل عليه قوله : ( زهرة الحياة الدنيا )

12- تتنوع المتع وتختلف بتنوع أصحابها وعلى اختلاف بينهم فيها فمنهم من يمتع بالمال ومنهم من يمتع بجوار الأحبة ومنهم من يمتع بالجاه والسلطان ومنهم من يمتع بكثرة الأولاد . وذلك في قوله ( أزواجا منهم ) أي أصنافا وأشباها وأمثالا من الكفرة ... حاصل ما ذكر ابن جرير و البيضاوي وغيرهم

13- عدم الاغترار بزهو المترفين أو صفاء ألوانهم أو نضارة وجوههم أو بهي زيهم ، بخلاف أهل الصلاح والإيمان الذين لا يضعون الدنيا في قلوبهم ولكنهم يعدونها مجرد معبر إلى الآخرة .
وذلك حسب التفسير بأن ( زهرة ) وصف للأزواج كما ذكره الزمخشري في تفسيره ..

14- ما يحصله الكفار والطغاة من الرفاهية والترف لن ينتفعوا به في الآخرة لأنهم لم يصرفوه في طاعة الله ويدل عليه قوله (الحياة الدنيا )

15- وجوب الصبر والرضا والقناعة بما قسم الله للعبد ، والإيمان بقدر الله عز وجل ومشيئته ، فالقناعة بما قسمه الله ، ورضاه بقضاءه وقدره ؛ تجعله زاهدا غير مكترثا بما لم يقسم له ، له من الأجور والعاقبة الحسنة ما فيه خيري الدنيا والآخرة .

16- واللاّم في " لنفتنهم " للعلّة المجازية التي هي عاقبة الشيء، مثل قوله تعالى:{ فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً } ذكره ابن عاشور ، فمتع الدنيا وفتحها على العباد لم تكن أبداً علتها محبة الله للعبد أو رضاه عن صنيعه إنما قد تكون استدراجا ، ويكون الله قد جعلها وقدّرها من أجل الاختبار والافتتان والابتلاء والامتحان ،بأن يزيد عليهم في النعمة فيزدادوا كفرا وجحودا ونكرانا ،أو لإقامة الحجة عليهم ،أو لتعذيبهم به في الدنيا بالعيش الضنك و في الآخرة بالعذاب الأليم

17- والفتنة: اضطراب النفس وتبلبل البال من خوف أو توقع أو التواء الأمور، وهي بمعنى الإضلال لهم أيضا ،فكل من أشرك بالله لا يخلُو من ذلك، وإن بدا عليه الترف والتنعم والغنى، فَلشركهم يقذف الله في قلوبهم الغم والتوقع والضنك والضيق ، ومزيد إضلال وبعد عن الله ، كما نجد في البلاد الغنية المترفة من ارتفاع نسب الانتحار والاكتئاب وتفشي الأمراض النفسية .

18- و(في) للظرفية المجازية، فتحصل الفتنة في خلال متاعهم ، أي نفتنهم فيما متعناهم فيه فكلٌّ يحصل له فتنته المناسبة لمتاعه وبحسبه.

19- إثبات صفة الرَزق لله عز وجل ، بل هو خير الرازقين .

20- بيان كامل عناية ورعاية الله عز وجل واختصاص ربوبيته بنبيه وعباده وأوليائه الصالحين وتدبير أمورهم وشؤونهم . وذلك يظهر من اختصاص الربوبية بالذكر وكذلك ورود ضمير المخاطب ( ربك)

21- بيان أن رزق الله لا ينحصر في المال أو الجاه أو غيره من المتع الزائلة ، وإنما يكون في القناعة وما يوفق له العبد من الأعمال الصالحة والأجور التي تؤهله لجوار الملك والتنعم برؤية وجهه الكريم والنجاة من النار والفوز بالجنة والنعيم المقيم فيها فقال :( ورزق ربك خير وأبقى ) وقال { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ }
ويشهد له أيضا ما رواه مسلم عن عمر رضي الله عنه قال (دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وإنَّهُ لعلى حصيرٍ ما بينَه وبينَه شيٌء . وتحت رأسِه وسادةٌ من أُدْمٍ حشوُها ليفٌ . وإنَّ عند رجليْهِ قِرْظًا مضبورًا . وعندَ رأسِه أُهُبًا معلقةً . فرأيتُ أثرَ الحصيرِ في جنبِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ . فبكيتُ . فقال : " ما يُبكيك ؟ " فقلتُ : يا رسولَ اللهِ ! إنَّ كسرى وقيصرَ فيما هما فيهِ . وأنت رسولُ اللهِ ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : " أما ترضى أن تكونَ لهما الدنيا ولكَ الآخرةُ ؟ "

22- نسبة الرزق للرب تبارك وتعالى للتشريف ، وفيها بيان أن رزق الله عز وجل لنبيه من نعمة الإسلام والنبوة ولعباده المطيعين من التوفيق للصالحات والطيبات ؛أخير وأبقى فلا زوال معه ولا فناء ولا انقطاع ، كما أن رزق الله الحلال لهم في الدنيا أكثر بركة وزكاة وكفاية وخيرية من غيره وإن قلّ.وذلك في قوله : ( رزق ربك خير وأبقى ) وكقوله تعالى (ما عندكم ينفد وما عند الله باق).

23- " خير " الخير عامة لا يكون خيراً على الحقيقة إلا إن كان من عند الله عز وجل وإن بدا غير ذلك ، فمن ظن الخيرية في شيء بعيدا عن اتباع الصراط المستقيم فهذه الخيرية لم تكن كذلك في حقيقتها ، ولكنها تكون كذلك في الظاهر فقط .

24- من أوتي القرآن والعلم الشرعي والعلم عن الله تعالى فقد كفاه الله وغناه ورزقه ما ينفعه ولزمه حمد ربه وشكره وعدم التطلع لزخرف الدنيا وزهوها الزائل . كما في قوله { وَلَقَدْ ءاتَيْنَـٰكَ سَبْعًا مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْءَانَ ٱلْعَظِيمَ لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ }

25- ضرورة تذكير العبد لنفسه بما ينتظره من رزق ربه في الآخرة ؛ حين يرى منها طموحاً إلى زينة الدنيا ومتاعها وترفها وزخرفها .

- ورزق ربك خير وأبقي فيهما فائدتان فوق ما ذكر ؛ من اجتهادي المطلق حسب ما تبين لي :

26- فيه دلالة على عدم فناء الجنة ، فالجنة رزق من الله لعباده المؤمنين في الآخرة ورزقه تعالى باق بل وأبقى فعلى ذلك فالجنة باقية لا فناء لها .

27- فيه دلالة على خلود أهل الجنة فيها ، فلا انقطاع لرزق الله لأهل الجنة فيها فلا خروج لهم منها ولا تحول

هذه بعض الفوائد فيما ظهر لي فإن كان خيرا فمن الله وإن كان غير ذلك فمن نفسي والشيطان .
سبحانك اللهم وبحمد أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

المراجع :
جامع البيان في تأويل القرآن .لمحمد بن جرير أبو جعفر الطبري (310هـ)
النكت والعيون للمواردي ( 450 هـ)
تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ)
الكشاف للزمخشري ( 538 هـ)
المحرر الوجيز لابن عطية ( 546 هـ)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ( 671هـ)
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي ( 685ه)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير ( 774 هـ )
تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ)
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي ( 885ه)
تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ)
فتحُ البيان في مقاصد القرآن لأبي الطيب محمد صديق خان بن حسن لقِنَّوجي ( 1307هـ)
تيسير الكريم الرحمن للسعدي ( 1376ه)
التحرير والتنوير لابن عاشور (1393هـ)

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 25 ربيع الأول 1438هـ/24-12-2016م, 10:36 AM
رشا نصر زيدان رشا نصر زيدان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
الدولة: الدوحة قطر
المشاركات: 359
افتراضي التطبيق الثالث

التطبيق الثالث: الأسلوب الاستنتاجي:

إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا {الإسراء:(9)}

من أراد الهداية فعليه بكتاب الله،و من أراد السعادة فعليه بكتاب الله ،و ليمسك و يتمسك بهديه ونهجه مع السنة الكريمة، فلا يشقى في الحياة الدنيا و لا في الآخرة،و من أعرض عنه فإن له معيشة ضنكاً و يحشره الله يوم القيامة أعمى. كما كان في هذه الدنيا أعمى.

قال قتادة رحمه الله ـ في بيان معنى هذه القاعدة ـ: "إن القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم فأما دائكم فالذنوب والخطايا وأما دواؤكم فالاستغفار".

فمن أراد الهداية وجدها فيهما، ومن كان في عينيه عشى، أو في قلبه عمى، فليتهم نفسه، ولا يرمين نصوص الوحي بالنقص والقصور:

قد تنكرُ العينُ ضوء الشمسِ من رمدٍ *** ويُنْكِرُ الفَمُّ طَعْمَ الماء منْ سَقَم

و الله تعالى يمدح كتابه؛ قائلا عز من قال :"يهدي للتي هي أقوم"، و كذلك الله تعالى قال:" ذلك الكتاب لا ريب فيه * هدى للمتقين". فكل من تصدى للتأليف يعتذر في بداية كتابه عن التقصير و الخلل في محتوى المادة، و لكن الله تعالى يمدح كتابه ليعطي الثقة للباحث عن الحقيقة و المخلص في بحثه.

فكل مخلص باحث عن الحقيقة سيجد الهدي في كتاب الله. و لكن عليك بالسؤال الصحيح لتحصل على الإجابة الصحيحة.

وقد يستفاد من الآية أنه من علم في نفسه المقدرة للتصدي للمهام فليثق بقدراته،و عليه ان يتقدم لحمل المهمة و المسؤولية.

و في هذه الآية تأكيد و تأييد لمعجزة الإسراء بالنبي صل الله عليه و سلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في بدايات السورة. استئناف ابتدائي عاد به الكلام إلى الغرض الأهم من هذه السورة وهو تأييد النبي صلى الله عليه وسلم بالآيات والمعجزات.

الأقوم: الأصوب ؛قال ابن زيد، في قوله ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) قال: التي هي أصوب: هو الصواب وهو الحقّ؛ قال: والمخالف هو الباطل. وقرأ قول الله تعالى فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ قال: فيها الحقّ ليس فيها عوج. وقرأ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا يقول: قيما مستقيما.

فعليك بالطريق المستقيم الذي لا يوجد به عوج،حتما ستصل ،قيل أقصر الطرق بين نقطتين،الطريق المستقيم. فعليك بانتهاج طريق الحق.و هو الطريق الأعدل والأصوب.
و معجزة هدايات القرآن لا تنفذ و لا تنقطع فاستمرارها باستمرار تلاوة كلام الله. ففي كل عصر سيبهرنا القرآن بهدياته و معجزاتة.

و من الهدي القويم أن هذا القرآن حل لكل ما تواجهه الأمة من مشكلات‘ فهي رسالة عالمية،لكن المتآمرين استغلوا ضعاف النفوس ليوهموهم أن امكانية هذا القرآن محدودة؛ فأصبحوا كالأوباق المزعجة لا تعي شيئاً.

و من هديه القويم أنه جعل القوامة في يد الرجل دون المرأة لعلم الله تعالى بخلقه،فالمرأة كائن تكمن قوته في ضعفها و تحتاج إلى من يحنو عليها و يرعى شؤونها. و ليست القوامة مالية فقط،فإذا وجد المال سقطت القوامة. "الرجال قوامون على النساء بما فضل بعضهم"

و من هديه القويم توزيع المواريث بهذه الدقة المتناهية؛ "و لذكر مثل حظ الأنثيين"، فاوجد للرجل القوامة و خصه بالضعف في الميراث لما يواجهه من مسؤوليات، بينما المرأة تجد من ينفق عليها ابنة و زوجة و أم.فأين القانون الوضعي الذي يتصف بصفة القويم والذي يضبط هذه المنظومة.

ومن هديه القويم؛ أنه نادى بوحدانية الله تعالى،و قيل القوامة هي قول لا إله إلا الله و جميع آياته تشير إلى وحدة المصدر.

ومن هديه القويم أنه يحمل البشارة للمؤمنين و النذارة للكافرين فهو بين الرغبة و الرهبة، إذ هو يهدي للطريق التي هي أقوم مما سلكه بنو إسرائيل و الأمم السابقة ، ولذلك ذكر مع الهداية بشارة المؤمنين الذين يعملون الصالحات ، ونذارة الذين لا يؤمنون بالآخرة.

و من هديه القويم أن من يقرأه و يتدبر آياته و ينتهج أحكامه قال تعالى فيه:"و جعلنا له نورا يمشي به في الناس" فهو مصدر هداية للآخرين. فهو يضبط توازن العبد ليكون ظاهرا عنوانا لباطنه.
و لذلك بعد الهداية جاءت البشارة بالأجر الكبير، وجاء في الحديث، عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا))؛ متفق عليه. فعلينا أهل القرآن الذين يهتدون بهديه و ينتهجون سبيله أن نكون مفاتح للخير،مغالق للشر.و لنكن بخلقنا مصدر لترغيب الناس في كتاب الله تعالى و سنة الرسول صل الله عليه وسلم.

ويبشر أيضا مع هدايته من اهتدى به للسبيل الأقصد الذين يؤمنون بالله ورسوله، ويعملون في دنياهم بما أمرهم الله به، وينتهون عما نهاهم عنه بأن (لَهُمْ أجْرًا) من الله على إيمانهم وعملهم الصالحات ( كَبِيرًا ) يعني ثوابا عظيما، وجزاء جزيلا وذلك هو الجنة التي أعدّها الله تعالى لمن رضي عمله. عن ابن جريج ( أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ) قال: الجنة، وكلّ شيء في القرآن أجر كبير، أجر كريم، ورزق كريم فهو الجنة.و لهم الأجر في الدنيا أن الله تعالى سيجل لهم وداً في قلوب المؤمنين.

و من هديات الآية اعطي الأجير أجره قبل أنيجف عرقه، فلا نبخس الناس أشيائهم.

و الحمد لله رب العالمين

المراجع:

• تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الطبري (ت 310 ه)
• تفسير معالم التنزيل للبغوي (ت 450ه)
• تفسير القرآن العظيم،(ابن كثير (ت774ه)
• تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان السعدي(1376ه)
• تفسير أضواء البيان للشنقيطي (ت 1393ه)
• تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور (ت1393ه).

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 25 ربيع الأول 1438هـ/24-12-2016م, 11:30 PM
مريم أحمد أحمد حجازي مريم أحمد أحمد حجازي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2014
المشاركات: 308
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى : } يَآ أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُون { ] الصف :2-3[
فهذه فوائد من تدبر قول الله تعالى: {يآ أيُّها الَّذينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُنَ مَا لاَ تَفْعَلُون * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولوا مَا لاَ تَفْعَلُون } وبيان ما تضمَّنه من هدايات جليلة القدر عظيمة النفع لمن وفّقه الله:
*منها : الاستفهام في الآية للتوبيخ و التقريع على جهة الإنكار ، أي : لم تقولون من الخير ما لا تفعلونه ؟
*و منها :أن (لم) مركبة من :اللام الجارة ، و (ما) الاستفهامية ، حذفت ألفها تخفيفًا لكثرة استعمالها كما في نظائرها .
* ومنها : ناداهم بوصف الإيمان تعريضًا بأن الإيمان من شأنه أن يمنع المؤمن من أن يخالف فعله قوله في الوعد بالخير .
*منها : في الآية إنكار على من يعد وعدًا ، أو يقول قولاً لا يفي به ، لأن من أخلاق المؤمنين الراسخة موافقة القول العمل
*و منها : إخلاف الوعد مذموم شرعًا و مستوجب للإثم و المؤاخذة .
* و منها : أهمية الوفاء بالوعد ، و ما يدلّ عليه من السنة ما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ((آية المنافق ثلاث : إذا حدّث كذب ، و إذا وعد أخلف ، و إذا اؤتمن خان )) . وفي الحديث الآخر : ((أربع من كنّ فيه كان منافقًا خالصًا ، و من كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها .....فذكر منهن إخلاف الوعد .
* إذا تعلق الوعد بغرم على الموعود فهو على قولين : الأول: وجوب الوفاء به ذهب إليه الإمام مالك – رحمه الله- و قال : هو كما لو قال لغيره (تزوج و لك علي كل يوم كذا) فتزوج ، وجب عليه أن يعطيه ما دام كذلك لأنه تعلق به حقّ آدمي ، و هو مبني على المضايقة .الثاني: لا يجب مطلقًا ؛ وهو قول الجمهور ، وحملوا الآية على أنها نزلت حين تمنوا فريضة الجهاد ، فلما فرض عليهم نكل بعضهم .
*و منها : من ألزم نفسه عملاً فيه طاعة لله وجب عليه الوفاء ،و استدل بهذه الآية على وجوب الوفاء بالنذر
*و منها : في قوله :( لم تقولون ما لا تفعلون ) يحتمل الكذب ، و خلف الوعد فمن ادّعى الإيمان وجب عليه اجتنابهما ، وإلا فلا حقيقة لإيمانه .
*و منها : ينبغي للآمر بالخير أن يكون أول الناس إليه مبادرة ، و للناهي عن الشر أن يكون أبعد الناس عنه ، قال تعالى : } أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم و أنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون{ (البقرة:449) ، وقال شعيب: } و مآ أريد أن أخالفكم إلى ما أنهكم عنه { (هود:88) ، و قال النخعي : ثلاث آيات في كتاب الله منعتني أن أقضي على الناس ؛ و هي الآيات السابقة و قوله تعالى : } يا أيها الّذين آمنوا لم...........{
* و منها: (كَبُرَ) قيل معناها :- عظم ذلك في المقت ، و هو أشد البغض ، و المقت و المقاتة مصدران ؛يقال: ممقوت و مقوت إذا لم يحبّه الناس .
-قال الكسائي: (كبر) فعل بمعنى بئس ،و (أن تقولوا)في موضع رفع ،و( مقتًا ) منتصب على التمييز ، و على هذا يكون (كبر) ضمير مبهم مفسر بالنكرة ، و (أن تقولوا) هو المخصوص بالذم
-و قيل :قصد بقوله (كبر)التعجب و قد عدّه ابن عصفور من أفعال التعجب المبوب في النحو ، و إليه نحا الزمخشري و قال : هذا من أفصح الكلام و أبلغه . و معنى التعجب : تعظيم الأمر في قلوب السامعين ، لأن التعجب لا يكون إلا من شئ خارج عن نظائره و أشكاله
-و قيل : ليس من أفعال الذم و لا من أفعال التعجب ،بل هو مسند إلى (أن تقولوا) و (مقتًا) تمييز محول عن الفاعل ؛ للإشعار بأن قولهم هذا مقت خالص لا تشوبه شائبة الرضا ، أي كبر و عظم المقت الناشئ عن قولكم قولا لا تطابقه أفعالكم
*و منها : قوله تعالى (كبر مقتًا عند الله) للإشعار بشناعة هذا البغض من الله تعالى لهم بسبب مخالفتهم قولهم لفعلهم ؛ فإذا كانت هذه الصفة عظيمة الشناعة عند الله فعلى كل عاقل أن يتجنبها و يبتعد عنها.
*و منها : أن المقت صفة فعلية لله ثابتة في الكتاب و السنة ؛ ففي الكتاب هذه الآية و قوله تعالى : } لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم { ]غافر:10[ و في السنة : حديث عياض بن حمار رضي الله عنه :(......و إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم ؛ عربهم و عجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب .....) رواه مسلم . فنثبت هذه الصفة لله عزّ و جلّ ، و هي صفة حقيقية لله على ما يليق بجلاله ، لا تشبه ما يتصف به المخلوق من ذلك ، و لا يلزم منها ما يلزم في المخلوق .
*و منها : اختير لفظ المقت لأنه أشد البغض ، و من استوجب مقت الله لزمه العذاب
*و منها: أن التوبيخ في الحقيقة على عدم الفعل ، و إنما وجهها إلى قولهم تنبيهًا على تضاعف معصيتهم ،ببيان أن المنكر ليس ترك الموعود فقط ، بل الوعد به أيضًا .
هذا و الله أعلم و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله .
**المراجع :
**المراجع :
*جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ت(310 هـ)
*المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية ت(542هـ)
*التحرير و التنوير لابن عاشور ت ( هـ13903)
*معاني القرآن و إعجازه للزجاج ت (311 هـ)
*تفسير القرآن العظيم لابن كثير ت(774 هـ)
*فتح القدير للشوكاني ت (1250هـ)
*فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق بن حسن القنوجي البخاري
*زاد المسير لابن الجوزي
*محاسن التأويل للقاسمي ت (1332هـ)
*الجواهر في تفسير القرآن الكريم ل طنطاوي جوهري (جزء 24طبعة 1351هـ
*المقتطف من عيون التفاسير ل مصطفى الحصن المنصوري (مجلد 5)
*تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للعلامة عبد الرحمن السعدي
*التفسير الموضوعي
* تفسير البغوي
* روح المعاني للألوسي
*الوسيط للطنطاوي
*الدر المصون في علوم الكتاب المكنون للسمين الحلبي ت(756هـ)

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 26 ربيع الأول 1438هـ/25-12-2016م, 05:57 AM
منى محمد مدني منى محمد مدني غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 344
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة تفسيرية

في قوله تعالى:(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا(37) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38)وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39) )سورة النساء



هذه آيات عظيمة اشتمات على أوامر جليلة ..
بدأت بالأمر بعبادة الله وحده والنهي عن الشرك
ثم الأمر بالإحسان إلى الوالدين
ثم الإحسان للقربى وهم ذوو القرابة من جهة الأب والأم
ثم الإحسان لليتامى واليتيم الطفل الذي قد مات والده وهلك قبل البلوغ
ثم الإحسان للمساكين والمسكين هو الذي قد ركبه ذل الفاقة والحاجة، فتمسكن لذلك
ثم أمر الله بالإحسان للجار ذي القربى وقيل في معناه : الجار ذي القرابة والرحم،وقيل : هو جارُ ذي قرابتك ،وقيل: ذي القربى منكم بالإسلام، ورجح الطبري القول الأول لأنه المتعارف عليه من كلام العرب
ثم أمر بالإحسان إلى الجار الجنب وقيل في معناه : الجار البعيد الذي لا قرابة بينك وبينه،وقيل: الجار المشرك والصواب الجمع بين القولين فيكون المراد الجار الغريبُ البعيد، مسلمًا كان أو مشركًا، يهوديًا كان أو نصرانيًا وهذا ترجيح الطبري
ثم أمر بالإحسان للصاحب بالجنب قيل المراد :رفيق الرجل في سَفره،وقيل :امرأة الرجل التي تكون معه إلى جنبه،وقيل :الذي يلزمك ويصحبك رَجاء نفعك ،والصواب الجمع بين هذه الأقوال فيدخل فيها : الرفيقُ في السفر، والمرأة، والمنقطع إلى الرجل الذي يلازمه رجاءَ نفعه، لأن كلهم بجنب الذي هو معه وقريبٌ منه.
ثم أمر بالإحسان إلى ابن السبيل قيل هو المسافر ،وقيل : الضيف والراجح الأول .
ثم أمر بالإحسان إلى ملك اليمين وهم الارقاء لأن الرقيق ضعيف الحيلة أسير في أيدي الناس.
ثم ذم الله كل مختالا في نفسه ، معجبا متكبرا و ذم الفخور وهو :المفتخر على عباد الله بما أنعم الله عليه من آلائه، وبسط له من فضله، ولا يحمده على ما أتاه من طَوْله، ولكنه به مختال مستكبر، وعلى غيره به مُسْتطيل مفتخر وذكر جملة من الصفات التي ينبغي الحذر منها .


وهذه آيات عظيمة تضمنت فوائد كثيرة يصعب حصرها :


منها :الأمر بتوحيد الله وإفراده بالعبادة يؤخذ من قوله تعالى (وَاعْبُدُوا )فالأمر بعبادة الله هو أمر بإخلاص العبادة له لأن العبادة لاتقبل حتى يتحقق فيها الإخلاص والمتابعة ،وعليه كل موطن فيه الأمر بالعبادة يدل على الاخلاص والتوحيد وهو من طرق تقرير التوحيد في القرآن .
ومنها : يستفاد من قوله (وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) النهي عن عموم الشرك ،لأن شيئا نكرة في سياق النهي تدل على العموم فالنهي في الآية عن الشرك بالله في النيات والأقوال والأفعال والشرك الأكبر والأصغر والخفي والجلي .
ومنها :البدء بالأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك دليل على أهميتهما وأن الأعمال إنما تقبل بالتوحيد وتحبط بالشرك ، فكل ما ذكر في الآية من أعمال الإحسان للناس تقبل عند الله ويثاب فاعلها إذا كان موحدا أما المشرك فتكون أعماله حباء منثورا .
ومنها :يستفاد من قوله (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) عقب الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك عظيم حقهما وجاء حقهما مقرونا بتوحيد الله في مواضع مما يدل على تقديم حقهما على غيرهما .
ومنها : يستفاد من قوله (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) على الإطلاق دون التقييد ارادة العموم فيحسن اليهما بالقول الطيب والفعل الجميل والإنفاق والإكرام والصلة .
ومنها : يستفاد من قوله (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) من مفهوم المخالفة النهي عن الإساءة للوالدين وكذلك النهي عن ترك الإحسان اليهما ويفهم هذا المعنى أيضاَ من قاعدة الأمر بالشيء نهي عن ضده .
ومنها : يستفاد من قوله (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) امر الله ولم يعين نوعاً معيناً من الإحسان ليعم كل ماتجدد من الأوصاف والأحوال وعليه ينبغي مراعاة الزمان والأحوال والعادات والعرف لأن القرآن يقر العرف والعوائد ولا يخالفهما.
ومنها: في قوله (وَبِذِي الْقُرْبَىٰ ) يشمل جميع الأقارب قربوا أو بعدوا ولم يحدد وجه الإحسان اليهم فدل ذلك على عموم الإحسان بالقول والفعل حسب العرف والعادة الجارية
ومنها: في قوله (وَبِذِي الْقُرْبَىٰ ) الأمر بالشيء نهي عن ضده ففيه النهي عن الإساءة اليهم ومن ذميم الإخلاق الإساءة اليهم لأن القريب يأمن قريبه غالباً ولايتوقع الأذى منه
ومنها: في قوله (وَبِذِي الْقُرْبَىٰ ) يؤخذ من هذا الأمر أن أحق الناس بالإحسان القرابة ،فلا ينبغي ترك الإحسان اليهم والانشغال بالأباعد عن الأقارب ،ولكن يقدم القريب على البعيد ويتلمس حاجته ويحرص على بذل الإحسان له .
ومنها : في قوله (وَالْيَتَامَىٰ) أمر الله بالإحسان اليهم ولم يخصص فدل ذلك على العموم فيحسن اليهم بالكفالة والبر والإكرام والكلام الطيب والتأديب والتربية وجبر الخواطر والمساعدة المالية وتوجيههم لمصالحهم الدينية والدنيوية .
ومنها: في قوله (وَالْمَسَاكِينِ ) أمر بالإحسان اليهم وأول مايدخل في الإحسان الاحسان بمال فمن لم يجد المال فيحسن اليهم بالكلمة الطيبة ويحض على مساعدتهم ، فلا يعنى عدم القدرة على المساعدة المالية أن ينقطع عن الإحسان اليهم بل يحث أصحاب المال ويدلهم على أماكن المساكين ويوصل إليهم المساعدات ويتفقد أحوالهم وحاجاتهم فيكون بذلك قد أحسن إليهم إحساناً عظيما قد لا يتأتى لأصحاب الأموال .
ومنها: أوصى الله باليتيم والمسكين لضعفهما ،ة فينبغي على المسلم أن يساعد الضعفاء وأن يحسن اليهم وإن لم يكونوا من الأصناف التي ذكرتهم الآية لعلة وجود الضعف والعجز
ومنها: (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ) دلت على أن الجار كلما كان أقرب بابًا كان آكد حقًّا، وعليه يحسن إلى جيرانه مراعيا ً قربهم منه بأنواع الإحسان المختلفة كالهدية والصدقة والدعوة واللطافة بالأقوال والأفعال وعدم أذيته بقول أو فعل مع مراعاة العرف في ذلك كله لأن الله لم يخصص نوعاً من الإحسان
ومنها :(وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) يدخل فيه الرفيق في السفرو الزوجة، و الصاحب مطلقا وكون الله أوصى به وخصه بالذكر دل ذلك على أن له حق زائد على مجرد إسلامه وكلما زادت الصحبة تأكد الحق وزاد وعليه يزيد حق الزوجة في الإحسان ويتأكد لما لها من طول الملازمة والمصاحبة .
ومنها : (وَابْنِ السَّبِيلِ) أطلق الإحسان ولم يقيد فدل ذلك على العموم فيحسن بما يقدر عليه
ومنها:( وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) أطلق الإحسان ليدل على العموم وجاء في السنة بيان كيفية الإحسان اليهم بالقيام بكفايتهم وتأديبهم وتعليمهم وعدم تحميلهم مايشق عليهم وغيرها من أوجه الإحسان .
ومنها : في ختم الآية بقوله (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) دلالة على أن من أتصف بالإختيال وهو التكبر والفخر والبطر لا يحسن إلى الأصناف السابقة لأن أتصافه بهما يمنع من القيام بالحقوق
ومنها: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) يفهم من مفهوم المخالفة محبة الله للمتواضع .
ومنها :(إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) يفهم من مفهوم المخالفة أن من اتصف بالتواضع هان عليه أداء حقوق العباد والإحسان اليهم لأن نفسه طيبة منشرحة لا ترى أن لها منزلة ورفعة على غيرها فتبذل الخير والإحسان للناس
ومنها: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ) يتضح من الآيات أن المختال الفخور يبخل ويأمر الناس بالبخل ويكتم ما آتاه الله من فضله وسبب ذلك أن المختال الفخور مريض القلب يظن أن ما أنعم الله عليه من نعمة إنما هي بسبب من عنده فهذا مبدأ الأمر ثم يصيبه الكبر والفخر وعندما تتمكن هذه المشاعر من قلبه يمنع الناس لأنه يظن أنه هو مالك النعمة وصاحبها ، فمبدأ الأمر مرض في القلب أدى إلى سلوك غير مرضي وتعدى الأمر لنهي غيره عن الإحسان
ومنها : أهمية معالجة القلب من آفتي الكبر والفخر لأن مفاسدهما ومضارهما كثيرة تمتد إلى السلوك وتجعل الإنسان يمتنع عن الإحسان ويمنع غيره منه
ومنها : وقاية القلب من آفتي الكبر والفخر وذلك بالذل والخضوع لله واستشعار أن النعم كلها من عند الله وبذلك يسلم القلب ويحسن العبد للناس
ومنها: أهمية أعمال القلوب وما يترتب عليها من محبة الله والفوز برضاه أو غضبه ومايترتب عليها من سلوك .
ومنها : أن الجزاء من جنس العمل فمن أتصف بالكبر والفخر أذله الله بالعذاب المهين
ومنها : (وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) دلت الآية على عقوبة من كتم العلم ويفهم بمفهوم المخالفة أن من علم الناس موعود بالجزاء الحسن وبالعزة والرفعة عند الله ولقد جاء هذا المعنى في نصوص آخرى مصرحاً به
ومنها :(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) وختم الآية بقوله (وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) دلت الآية على عقوبة من يبخل ويأمر الناس بالبخل ويفهم بمفهوم المخالفة أن من اتصف بالكرم وأمر غيره به ليحسن للناس فهو موعود بالأجر وهذا المعنى يفهم أيضاً من قاعدة النهي عن الشيء أمر بضده
ومنها :(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ) أن من أعظم المصائب أن يهتم الإنسان بنظر الناس إليه فينفق ماله رئاء الناس فيحبط عمله ولايؤجر عليه ،وإذا علم هذا ينبغي للكيس الفطن أن ينزل الناس منزلتهم وأن لايتعلق بهم فلايسعى لمدحهم فإن التعلق بهم وطلب الرفعة والعزة والثناء منهم سبب للهلاك والخسران
ومنها:( وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ ) أن أساس كل بلية عدم الإيمان باليوم الآخر فيصير الإنسان متعلقاً بالدنيا طالباَ للذاتها ولنيل الرفعة والعزة فيها فيلتفت قلبه للناس ولمدحهم ،وعلاج هذه البلية هي الإيمان بالله وباليوم الآخر بالتأمل في النصوص الواردة في ذلك فينقلب حال الإنسان عندما يتعلق قلبه بالله واليوم الآخر وإذا علم أن الله يضاعف الأجر لمن تصدق وأخلص وأخفى نفقته حرص وبادر .
ومنها:(وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا) من استغنى عن الله وأتصف بالكبروالفخر ولم يؤمن بالله ولا باليوم الآخر فقد أتخذ الشيطان قريناً له والشيطان قرين السوء يأمره بكل مفسدة توجب له العقوبة فمبدأ الأمر من عند الإنسان بإعراضه وانتهى الأمر بملازمة الشيطان له وإبعاده من كل خير .
ومنها : يستنبط من مجموع الآيات قاعدة عظيمة نافعة بإذن الله وهي
أن التوحيد وتعظيم الله والإيمان باليوم الآخر (قيم قلبية )>>>>>تثمر سلوكاً وأخلاقا رفيعة فتجد الإنسان محسناَ ويأمرغيره بالإحسان .
وكلما زاد توحيده وتعظيمه لله وإيمانه باليوم الآخر >>>>زاد إحسانه للخلق
والعكس صحيح
الشرك بالله وعدم تعظيمه وعدم الإيمان باليوم الآخر (مرض في القلب)>>>>يثمر سلوكاً وأخلاقاً سيئة
فتجد الإنسان مسيئاً لغيره آمرا بالإساءة وإذا أحسن طلب الدنيا بإحسانه
ومن الشواهد على هذه القاعدة :
سورة الماعون ( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ(5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)
صدر سورة المطففين (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ(2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)
وهذه قاعدة عظيمة مستفادة من هذه الآيات مفيدة لمن أراد أن يقوم السلوك ، وهي تحل كثير من المشاكل التي يعاني منها اصحاب التربية في محاولة تقويم السلوك لأنها تبين لهم أن صب الجهود على تقويم السلوكيات لايجدي نفعاً والصواب الاعتناء بغرس القيم في القلوب ومتى ما غرست شجرة التوحيد وتعظيم الله أثمرت في القلب أثمرت سلوكاً وأخلاقاً وتعاملاً راقياً وكان العبد مباركاً نافعاً كالنخلة نافعة في كل أجزائها ومن هنا يفهم قوله تعال (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24)تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ (26) سورة إبراهيم ،والكلمة الطيبة هي كلمة التوحيد ومتى ماغرست أثمرت أفضل الثمار ومتى ماغرست شجرة الشرك أثمرت حنظلاً وسلوكا سيئاً .
فمن أراد سلوكاً وأخلاقاً راقية فليغرس قيماً في القلب وسيجد الثمار النافعة بإذن الله
ومما سبق يعلم أن التوحيد هو أساس الغرس وهو الجالب للثمار الطيبة والاخلاق النبيلة بل هو الجالب للخير كله في الدنيا والآخرة .
لهذا ختم الله هذه الآيات بذكر ركائز الأخلاق من الإيمان به جل في علاه والإيمان باليوم الآخر والإيمان بصفة من صفاته العظيمة وهي صفة العلم وهذه الركائز هي الأساس والأخلاق تبع لهذه الركائز
قال تعالى (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39) سورة النساء
المراجع :
الكتاب: جامع البيان في تأويل القرآن
المؤلف: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)
الكتاب: تفسير القرآن العظيم
المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)
الكتاب: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
المؤلف: عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (المتوفى: 1376هـ)
الكتاب :القواعد الحسان في تفسير القرآن
المؤلف: عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (المتوفى: 1376هـ)
ـ[التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد» ]ـ
المؤلف: محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى: 1393هـ)



رد مع اقتباس
  #9  
قديم 27 ربيع الأول 1438هـ/26-12-2016م, 09:06 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تقويم تطبيقات الأسلوب الاستنتاجي


أحسنتم أحسن الله إليكم وجعلكم نافعين مباركين.
جعلكم الله كالغيث أينما حلّ نفع، وجعلكم كالنجوم بأيهم يقتدى يهتدى.

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ . تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}

- يلاحظ على بعض الرسائل أن أولها مكتوب بأسلوب التقرير العلمي، وهو غير لازم في الأسلوب الاستنتاجي إلا بما يستدعيه البيان عن اللفظ لأجل فهم ما يترتّب عليه من فوائد وأحكام.


1: هناء محمد علي أ+
أحسنتِ بارك الله فيك وزادك نورا وعلما وفضلا.
- فاتك تخريج بعض الآثار.

2: رضوى محمود
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- يلاحظ على غالب الفوائد المستخرجة أنها وإن كانت صحيحة في نفسها إلا أنك لم تجعلي الآية أصل استنباطها، بل ربطتيها بأدلّة أخرى، لذلك وحتى نتأكد من صحة الاستنباط -وليس فقط صحة الفائدة نفسها- يجب أن نبيّن وجه المناسبة بين الآية والفائدة.
فمثلا إخلاص النية ووجوب اتّباع النبي صلى الله عليه وسلم، هذه فوائد صحيحة ولها شاهد من الآية، لكنك ذكرت شواهد من خارجها، والمطلوب بيان شواهد الآية نفسها أولا ثم لا بأس بالتقوية بمزيد من الشواهد.
- ولأجل فوات فوائد أخرى مهمّة ربما أثّر عليها الانشغال بتفسير الآية أولا، فالرسالة ستحتاج لتعديل يسير بإذن الله لإضافة ما فات من الفوائد، والاستدلال للفوائد المستخلصة من الآية نفسها، على غرار الفوائد الثلاث الأولى والفائدة الثامنة، وأرجو أن يكون في إعادة النظر في الآية وتدّبرها فائدة كبيرة لك بإذن الله، بارك الله فيك.

3: عقيلة زيان أ+
أحسنتِ بارك الله فيك وزادك سدادا وتوفيقا.

4: حنان علي محمود أ+
أحسنتِ بارك الله فيك ونفع بك وزادك من نعمه وأفضاله.
- عند وجود خلاف في تفسير أحد ألفاظ الآية، ويترتّب على اختلاف المعنى فوائدة متعدّدة، فيجب في هذه الحالة تبيين المعنى أولا حتى يفهم وجه الدلالة على الفائدة.

5: رشا نصر زيدان أ
أحسنتِ بارك الله فيك ونفع بك، والآية موضوع الرسالة آية جليلة فيها من الفوائد والحكم ما لا يحصى، وتحتاج لجهد لحصر بعضها، ولعلك تراجعينها في وقت لاحق -إن شاء الله- وتوليها بمزيد من العناية والتحسين.
وأثني جدا على اجتهادك في الرسالة وأسلوبك فيها، واستشهادك لكل فائدة، ولو أطلتِ لكان أفيد وأمتع.
- يلاحظ على الرسالة عدم تخريجك للآثار التي أوردتيها في الرسالة.
- لو صنّفتِ الفوائد على العقائد والعبادات والمعاملات، يعني بيان أن القرآن يهدي للتي هي أقوم في باب العقائد وباب العبادات وباب المعاملات، والاستشهاد لكل فائدة، فيراعى ترتيب الفوائد وتصنيفها بدلا من تداخلها.
- تصحيح الآية: {للذكر مثل حظ الأنثيين}.

6: مريم أحمد حجازي أ+
أحسنتِ بارك الله فيك ونفع بك.

7: منى مدني أ+
أحسنتِ جدا بارك الله فيك ونوّر قلبك وهداك وهدى بك.


سدّد الله خطاكم، ووفقكم جميعا لما يحبه ويرضاه.


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 28 ربيع الأول 1438هـ/27-12-2016م, 09:22 AM
ندى علي ندى علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 311
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


قال تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(191) ) سورة آل عمران


الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
ورد في صحيح ابن حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها:(إن في خلق السماوات والأرض)) , ففي هذا الحديث حثٌّ على التفكر في هذه الآية وتدبرها , والتأمل فيها , وهنا بعضٌ مما يسر الله استنباطه أو جمعه من فوائد الآيات وهداياتها :

- في الآية دلالة على أنّ خلق السموات والأرض وتقلب الليل والنهار دالّ على وجود خالق عظيم أتقن هذا الخلق وذلك من الآيات والعبر التي تحصل للمتفكر كما قال تعالى ( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات ).
- وفيها دلالة على إثبات البعث , إذ أنّ الله قادر على خلق السموات والأرض مع كونها أعظم من خلق الإنسان , فلا يعجزه – سبحانه - أن يعيد خلق الإنسان وإعادته أهون من خلقه , دلّ عليه قوله تعالى ( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات ) ولعل هذا من الآيات التي دل عليها خلقهما .
- وفي الآية دلالة على عظمة خلق السموات والأرض , والليل والنهار , لأن الله اختصها بالذكر في هذا الموضع ودعا إلى التفكر فيها (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات ).
- وفيها أنه يدخل في معنى اختلاف الليل والنهار في قوله تعالى (واختلاف الليل والنهار ) اختلافهما في القصر والطول إلى جانب اختلافهما في النور والظلام , كما ذكر ذلك ابن عطية .
.............
- وفيها دلالة على تعدد آيات الله في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار وكثرتها وعمومها وعدم القدرة على الإحاطة بها وحصرها , دلّ عليه لفظ الجمع في قوله (لآيات) مع إبهامها , كما قال السعدي : " وأبهم قوله: (آيات) ولم يقل: "على المطلب الفلاني" إشارة لكثرتها وعمومها، وذلك لأن فيها من الآيات العجيبة ما يبهر الناظرين، ويقنع المتفكرين، ويجذب أفئدة الصادقين، وينبه العقول النيرة على جميع المطالب الإلهية، فأما تفصيل ما اشتملت عليه، فلا يمكن لمخلوق أن يحصره، ويحيط ببعضه، وفي الجملة فما فيها من العظمة والسعة، وانتظام السير والحركة، يدل على عظمة خالقها، وعظمة سلطانه وشمول قدرته. وما فيها من الإحكام والإتقان، وبديع الصنع، ولطائف الفعل، يدل على حكمة الله ووضعه الأشياء مواضعها، وسعة علمه. وما فيها من المنافع للخلق، يدل على سعة رحمة الله، وعموم فضله، وشمول بره، ووجوب شكره, وكل ذلك يدل على تعلق القلب بخالقها ومبدعها، وبذل الجهد في مرضاته، وأن لا يشرك به سواه، ممن لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء".
- وفيها دلالة أن النفع يحصل لأهل العقول الذي يعملون عقولهم فيما ينفعهم لا لغيرهم ممن عطل عقله وفكره عما ينفعه , لأن الله نسب الآيات ( لأولي الألباب) أي أصحاب العقول .
- وفيها دلالة على أن العقل من الضروريات التي دعا لحفظها الإسلام , ونهى عما يذهبه أو يؤثر به , دلّ عليه نسبة الانتفاع لأهل العقول ( لآيات لأولي الألباب) ففيه حث على حفظها وإعمالها.
- وفيها دلالة على النهي عن الغفلة ونسيان الله , دلّ عليه مفهوم قوله تعالى : ( لآيات لأولي الألباب – الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ), فمفهومه أن من لا يذكر الله ويغفل عنه لا يحصل له الانتفاع الحامل على الاستجابة لأمر الله .
- وفيها تفاوت الناس في إدراك هذه الآيات , ويدل عليه قوله تعالى (لأولي الألباب ) فنسب إدراك تلك الآيات إلى العقول ومعلوم أن العقول تتفاوت في الفهم والإدراك , فمن الناس من يفتح الله له في الفهم ويوسع له , فيدرك مالا يدرك غيره بما آتاه الله من العلم فيكون ذلك سببا لقربه من الله ورفعة درجته وبلوغه منزلة الإحسان , ومنهم من ينال من ذلك قدراً لا بأس به , ومنهم من يُحرم من ذاك الإدراك بالكلية – والعياذ بالله – ذلك أنّه عطّل عقله وأعرض وتكبر عما ينفعه .
- وفيها دلالة على أنه لابد للإنسان أن يتعظ بالمواعظ والآيات وينتفع بها , ولا يكون غافلا , دلّ عليه قوله تعالى ( لآيات لأولي الألباب ) فنسب الاتعاظ لأهل العقول ممتدحا لهم .
.............
- وفيها دلالة على أن المؤمن يتعبد الله بالخوف , وهذا أحد الأقوال في قوله تعالى : ( يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ) يذكرون الله أي يخافون الله , أشار إليه ابن الجوزي .
- وفيها حث على أداء الصلاة والمحافظة عليها في جميع الأحوال والإكثار منها على قول من فسر الذكر بالصلاة في قوله تعالى ( يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ) , فيصلي قائما فإن لم يستطع صلى قاعدا فإن لم يستطع فمضطجعا , روي هذا القول عن علي، وابن مسعود، وابن عباس، وقتادة نقله ابن الجوزي وأشار إليه ابن عطية – رحمه الله – وذكره السيوطي.
- وفيها دلالة على يسر الشريعة , حيث أن الله خفف عن العاجز بأن رخص له أن يصلي قاعدا إذا لم يستطع القيام , ومضطجعا إذا لم يستطع القعود على القول بأن معنى الذكر الصلاة (يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم )
- وفيها أنه استدل بها من قال من العلماء بجواز ذكر الله في الخلاء لعموم قوله تعالى ( يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ) ففيه حث على ذكر الله في جميع الأحوال قال بهذا القول ابن عمرو وابن سيرين والنخعي ورجحه القرطبي , وكرهه ابن عباس وعطاء والشعبي لتنزيه ذكر الله تعالى في المواضع المرغوب عن ذكره فيها ككراهية قراءة القرآن في الحمام، و إبقاء على الكرام الكاتبين على أن يحلهم موضع الأقذار والأنجاس لكتابة ما يلفظ به , ساق هذا الخلاف القرطبي .
- وفيها أن المقصود بذكر الله عز وجل في قوله : (يذكرون الله ) ذكر الله باللسان بالتهليل والتكبير والتحميد والتمجيد مع حضور القلب , استدلالاً بظاهر الآية على إحدى الأقوال كما قال ابن عطية .
- وفيها دلالة على الحث على ملازمة ذكر الله في جميع الأحوال إذ أن وصف الله لعباده المؤمنين بأنهم ( يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ) فيه حصر لجميع الأزمان فلا يخلو زمانهم من أن يكونوا قائمين أو قاعدين أو مضطجعين , كما ذكر ذلك ابن عطية – رحمه الله - .
- وفيها دلالة على أنّ العلم يورث العمل فإن عباد الله أولي الألباب لمّا تفكروا في خلق الله وعلموا أن الله هو الرب وهو الخالق الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى , حملهم علمهم بذلك على العمل فذكروا الله في سائر أحوالهم ( لآيات لأولي الألباب – الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم)
- وفيها دلالة على الحث على التفكر في خلق الله , والدعوة إلى التأمل في السموات والأرض ودقة إحكامهما وعجيب صنعهما , وتقلب الليل والنهار وما فيهما من حِكم كالسعي إلى الرزق في النهار , والراحة والسبات ليلا , دلّ على ذلك قوله تعالى (ويتفكرون في خلق السموات والأرض ) فامتدحهم الله لكونهم يتفكرون في خلقه .
.............
- وفيها دلالة على إثبات صفة الرب بما يحمله هذا الاسم من معانٍ , من غير تكييف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل كما قال تعالى على لسان عباده (ربنا ) .
- وفيها دلالة على إثبات توحيد الربوبية لله - عز وجل- لذكره صفة الرب ونسبة الخلق إليه بقوله : (ربنا ما خلقت هذا باطلا) .
- وفيها دلالة أن إخلاص الدعاء لله وحده – عز وجل – وأنه لا يصرف لغيره , فالله أثنى على عباده دعاءهم إياه دون غيره بقولهم ( ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك ).
- وفيها دلالة على أن الله لم يخلق شيئا عبثا إنما خلقه لحكمة أرادها سبحانه علمها من علمها وجهلها من جهلها , دلّ عليه قوله تعالى : (ربنا ما خلقت هذا باطلا) فنفى عباد الله المؤمنون عن الله الباطل وهو العبث , وأقرهم الله على ذلك بامتداحه لهم , ومفهومه أن الله يخلق لحكمة بالغة .
- وفيها دلالة على الأمر بالدعاء والتضرع إلى الله ومناجاته , لأن الله امتدح عباده بأن وصفهم بأنهم يناجونه ويتضرعون إليه بقوله على لسانهم : ( ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار )
- وفيها دلالة على الأمر بتنزيه الله عن كل ما لا يليق به ,لقوله تعالى : (ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك ) فأثنى الله على عباده المؤمنين المسبحين له .
- وفيها دلالة على أنه يستحب أن يدعى الله بأسمائه الحسنى ويتضرع إليه بها , لقوله تعالى على لسان عباده المؤمنين (ربنا ما خلقت هذا باطلا ) .
.............
- وفيها إثبات عذاب النار ويوم القيامة , لقوله تعالى : (فقنا عذاب النار ) دلّ على وجود النار وإثبات عذابها الكائن يوم القيامة .
- وفيها دلالة أن المؤمن يتعبد الله بالرجاء أيضا , كما رجا المؤمنون من ربهم أن يقيهم عذاب النار ( فقنا عذاب النار ) .
- وفيها دلالة على أن من أنواع الدعاء التضرع إلى الله بأعمال العبد الصالحة ؛ ذلك أن الفاء للجزاء في قوله تعالى ( سبحانك فقنا عذاب النار ) أي إذا نزهناك ووحدناك فقنا عذاب النار , وهذا تضرع بالأعمال الصالحة , أشار إليه أبو البقاء العكبري في التبيان .
- وفيها دلالة على إثبات توحيد الله عز وجل بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته , وهذا المعنى مستنبط من قوله تعالى ( سبحانك) والتسبيح متضمنا لتنزيه الله عن كل مالا يليق به ومنه الشرك أشار إليه – ابن عطية – رحمه الله -.
- وفيها أنه يستحب لمن قام الليل أن يمسح وجهه ويستفتح قيامه بالآيات العشر من أواخر سورة آل عمران لما أخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس أنه قَالَ: بتّ عِنْد خَالَتِي مَيْمُونَة فَنَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى انتصف اللَّيْل أَو قبله بِقَلِيل أَو بعده بِقَلِيل ثمَّ اسْتَيْقَظَ فَجعل يمسح النّوم عَن وَجهه بِيَدِهِ ثمَّ قَرَأَ الْعشْر آيَات الْأَوَاخِر من سُورَة آل عمرَان حَتَّى ختم"أورده السيوطي
- وفيها دلالة على الحث على دعاء الله بالخلاص من النار وعذابها , لأن الله أثنى على عباده المؤمنين قولهم: ( فقنا عذاب النار ) دلّ على استحباب دعائهم .
- وفيها أنّ العلم يحمل العبد ويهديه إلى أحسن الأقوال والأعمال, فإن عباد الله المثني عليهم في الآية لمّا علموا أن الله لم يخلق خلقه عبثا , وأن ذلك يقتضي محاسبة عباده , طلبوا الله أن يقيهم عذاب النار ( ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ) فالفاء هنا سببية أي بسبب علمهم بحقيقة الخلق وحكمة الله سألوا الله الوقاية من النار وهذا أحد الأقوال التي أوردها أبو العباس المعروف بالسمين الحلبي .
- وفيها أن سؤال الله الوقاية من النار (فقنا عذاب النار ) متضمنا لسؤال الجنة , فإذا وقاهم الله من النار أدخلهم الجنة وهذا مفهوم الآية كما أشار إليه السعدي – رحمه الله -.
- وفيها دلالة أن الواجب على العبد أن يقرن الدعاء بالعمل وفعل الأسباب الداعية إلى قبول الدعاء , ذلك أن الله أخبر أن حال عباده ( الذين يذكرون الله قياما وقعودا ويتفكرون في خلق السموات والأرض ) فكان ذكر الله والتفكر دأبهم حال دعائهم بقولهم (فقنا عذاب النار).


هذا ما يسر الله ذكره – والله تعالى أعلم- وقد حوت الآيات فوائد جليلة وهدايات كثيرة , ولولا خشية التطويل لآثرت بيانها , أسأل الله لي ولكم الإخلاص والتوفيق والسداد.



المراجع :
جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ت (310)
معاني القرآن وإعرابه للزجاج ت ( 311هـ)
النكت والعيون للماوردي ت (450هـ)
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية ت (542هـ)
زاد المسير في علم التفسير لجمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن الجوزي ت (597هـ)
التبيان في إعراب القرآن لأبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري ت (616هـ)
الجامع لأحكام القرآن لأبو عبد الله محمد القرطبي ت (671هـ)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير ت (774هـ)
الدر المصون في علوم الكتاب المكنون لأبو العباس، شهاب الدين، أحمد المعروف بالسمين الحلبي ت ( 756هـ )
الدر المنثور لعبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي ت (911هـ)
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن السعدي ت (1376هـ)
التحرير والتنوير لابن عاشور ت (1393هـ)

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 30 ربيع الأول 1438هـ/29-12-2016م, 04:52 PM
سناء بنت عثمان سناء بنت عثمان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: May 2015
المشاركات: 286
افتراضي

تطبيق على درس الأسلوبالاستنتاجي
(وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم) سورة النحل

قال تعالى:(وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم)
آية عظيمة في كتاب الله وكل القرآن عظيم، هذه الآية في سورة النحل وتسمى سورة النعم، لتعدد النعم التي وردت فيها، بل معظم آياتها حديث عن النعم الكبرى التي امتن الله بها على بني آدم.قال عنها السامرائي:إن هذه الآية هي محور السورة.
وقال ابن كثير: في الآية تنبيه للعباد على كثرة نعمه وعظيم احسانه إليهم. وجاء في كتاب محاسن التأويل: أن هذا التنبيه من الله عزوجل لعباده بكثرة نعمه عليهم وإحسانه بما لا يحصى إشارة إلى أن حق عبادته غير مقدور.
وقال طلق بن حبيب: إن حق الله أثقل من أن تقوم به العباد، وإن نعم الله أكثر من أن تحصيها العباد، ولكن أصبحوا توابين وأمسوا توابين. ذكره الطبري.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: من لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قل علمه وحضر عذابه. فتح البيان في مقاصد القرآن.
وإن المتأمل في هذه الآية ليقف على كثير من الفوائد التي تجعل القلب يفيض حبا لهذا الخالق العظيم، مسلما له في جميع أمره، ساعيا للقيام بعبادة الله عزوجل أحسن قيام، مع اعترافه بعجزه وشكره لله سبحانه؛ نذكر من هذه الفوائد بعضا منها:
1/إن مرجع الضمير في قوله تعالى:(وإن تعدوا) للناس جميعا، وفي هذا دلالة على أن نعم الله عزوجل ليست خاصة بفئة أو جماعة أو فرد، بل سبحانه ينعم على الجميع مؤمنهم وكافرهم، تقيُّهم وفاجرهم، وأنه سبحانه يتحبب إلى عباده بإنعامه وفضله وهو الغني عنهم سبحانه.
2/أن في قوله تعالى:(وإن تعدوا) مشروعية أن يجلس الإنسان مع نفسه ويأخذ شيئا من وقته متأملا في نعم الله عزوجل عليه، فإن فيها ما يزيد الإيمان ويدفع به للقيام بأعمال صالحة خالصة تقربه من ربه وتعينه على شكر بعض ما أنعم الله عليه. وفيها رسالة لأولئك الذين يرون أنهم أشقياء أو محرمون أن اجلسوا مع أنفسكم، واعملوا عقولكم وأفهامكم في تأمل ما أكرمكم الله عزوجل وتفضل به عليكم.
3/ أن نسبة النعمة إلى الله في قوله تعالى:(نعمة الله) دلالة على أن كل نعمة ظاهرة كانت أو باطنة، قليلة أو كثيرة كلها بأمر الله وقدره، ومثله قوله تعالى:(وما بكم فمن الله) فإنه سبحانه لو لم يرد أن تصل إلى عبده لما وصلت، فليحرص المؤمن على أن يكون أول مبتدئ في شكر كل نعمة أيا كانت لله وحده سبحانه شكرا وثناء له بالقول والعمل، ثم يتبعه بشكر المخلوق الذي كان سببا فيها.
4/ أن تكون هذه النعم من الله عزوجل، وبأمره وقضائه، لا يحمل هذا على أن يجحد الناس في معروف أو إحسان من قد جعلهم الله سببا فيها، بل إن من تمام الشكر للنعمة أن يعترف للبشر بجهدهم واحسانهم، مع حرصه أن يكون أول ذلك شكرا لله وثناء له باللسان وعملا بالجوارح والأركان.
5/ أن في قوله تعالى:(وإن تعدوا نعمة الله) بيان للعباد بأن نعم الله عزوجل على العبد متنوعة منها ما هي قديمة على الانسان مصاحبة له لا يستغني عنها، ومنها ما هو متجدد عليه، وإن من النعم إذا فقدها الإنسان كان نعمة عليه، فليعمل المسلم فكره وفهمه، لتكون له عونا على طاعة الله وشكره.
6/إن إضافة كلمة نعمة إلى اسم الله دون غيره من أسمائه سبحانه، في قوله تعالى:( وإن تعدوا نعمة الله) دلالة على أن من أراد أن يحسن القيام بشكر هذا النعم أن يقوم لله بعبادته على الوجه الذي أمر به، ويجعل هذه النعم في عبادته وطاعته.

7/أن في قوله تعالى:(لا تحصوها) بيان أن الإحصاء لنعمة الله غير مقدور، وذلك لكثرة هذه النعم وتعددها، فهو يعجز عن عدها مما يعلمه من النعم، فضلا عما جهلها فليتفكر المسلم في ذلك ويسعى أن يعمل جهده في شكر هذه النعم من احسان العمل والقيام بطاعة ربه.
8/ أن في قوله تعالى:(لا تحصوها) بيان على الإنسان مهما استفرق وقته وبذله في طاعة الله وعبادته شكرا لما أنعم الله عليه، فإن ذلك الشكر لا يقوم بهذه النعمة، ولن يوفي شكرها.
9/ أن عجز العبد عن القيام بشكر النعم التي أنعم الله بها عليه، لا يعني الإهمال أو التقصير فيها، بل يحرص المسلم على شكر النعم ما استطاع، فيسعى إلى ما يقربه إلى ربه ورضاه سبحانه. وقد قال تعالى:(لا يكلف الله نفسا إلا وسعها).
10/ أن ختام الآية بقوله:(غفور رحيم) بيان لعظيم كرم الله عزوجل، فإنه سبحانه إضافة إلى هذه النعم العظيمة، فهو يغفر لمن اجتهد في شكرها مع تقصير العبد في ذلك، وأنه سبحانه يغفر كذلك لمن نسي أو غفل، ولا يعاقب ولا يعاجل، وهذا أيضا مزيد نعم على ما أنعم عليه.
11/ أن في ختام الآية بقوله:(غفور رحيم) أن كل من أساء وأخطأ وكان عمله لا يرضي ربه، ثم تاب إلى ربه صادقا في توبته، فإنه سبحانه يغفر له ويتجاوز عنه، وذلك لتمام رحمته وعظيم ستره وكرمه، وهذا أيضا من نعمه سبحانه.
12/ أن شكر هذه النعم والقيام بحقها، يكون باعتراف القلب لهذا الخالق العظيم، الذي أنعم على عبده بهذه النعم، ويصحب ذلك قولا باللسان وعملا بالجوارح كل ذلك تعبدا لله سبحانه واخلاصا له.

هذا ما تيسر لي... أتمنى أن أكون وفقت في أدائه، والحمد لله على عونه وتوفيقه ثم الشكر لكم على جهودكم.
وأعتذر عن تأخري.


المراجع:
_جامع البيان في تأويل آي القرآن لابن جرير الطبري.
_الجامع لأحكام القرآن شمس الدين القرطبي.
_محاسن التأويل للقاسمي.
_تفسير القرآن العظيم لابن كثير
_نظم الدرر للبقاعي.
_فتح اليان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان القنوجي.
_أضواء البيان للشنقيطي.
_اللباب في علوم الكتاب
_لمسات بيانية للسامرائي.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 3 ربيع الثاني 1438هـ/1-01-2017م, 10:06 PM
رضوى محمود رضوى محمود غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 237
افتراضي

رسالة في تفسير قوله تعالى:{ قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
{قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}يخاطب الله تعالى أهل الكتاب مادحاً نبيه صلى الله عليه وسلم وواصفاً إياه بأنه نور وذلك على أحد الأقوال بأن المراد بالنور النبي صلى الله عليه وسلم فقد بين الله به الحق وأظهره ، ومن تبيينه للحق أنه بين كثيرا مما كان اليهود يخفوه من الكتاب ،وقيل أن المراد بالنور في الآية القرآن وقيل الإسلام وذكر ابن عطية قولا مفاده أن النور موسى رضي الله عنه والكتاب التوراة وعقب بأن ظاهر الألفاظ أن النور محمد صلى الله عليه وسلم والكتاب القرآن الكريم.
فالمراد بالكتاب المبين القرآن وهو مبين بمعنى أنه فيه بيان لما اختلفوا فيه من توحيد الله، وأسمائه وصفاته، وحلاله وحرامه، ويبين للناس مافيه مصالحهم في الدنيا والآخرة .
وقوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ} لتعظيم شأن الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن.
{يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} يهدي ويرشد الله عز وجل بهذا الكتاب المبين وقيل الضمير يعود على الرسول صلى الله عليه وسلم والكتاب جميعاً من اتبع رضاه أي اجتهد وحرص على بلوغ مرضاة الله بالنية والعمل فهؤلاء هم المستحقون للهداية.
واختلف العلماء في معنى الرضى من الله عز وجل على قولين:
الأول: أنه بمعنى الثناء والمدح فهو سبحانه وتعالى قابل الإيمان ،ومزكي له ،ومثني على المؤمن بالإيمان.
الثاني: أنه خلاف السخط وهو من صفات الله عز وجل.
{سُبُلَ السَّلَامِ} قيل أن المراد بالسلام الله عز وجل وعلى هذا يكون المراد بسبل السلام دين الله الذي شرع لعباده، قال السدي: (سبيل الله الذي شرعه لعباده ودعاهم إليه ، وابتعث به رسله ، وهو الإسلام الذي لا يقبل من أحد عملا إلا به ، لا اليهودية ، ولا النصرانية ، ولا المجوسية ) ذكره ابن جرير.
وقيل أن المراد بالسلام السلامة ويكون المعنى طرق السلامة التي يسلم صاحبها من العذاب وتوصله إلى دار السلام والمراد طرق الحق ومناهج الإستقامة.
{وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} يخرج وينجي من اتبع رضوانه من ظلمات الكفر والشرك والبدعة والمعصية إلى نور الإسلام والإيمان والسنة والطاعة.
{بِإِذْنِهِ} بتوفيقه وهدايته فيحبب إليه الإيمان ويبصره بطريق الحق ويرزقه اتباعه.
{وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ومن ثمرات اتباع رضوان الله أيضا أن يهديهم الله إلى الدين القويم الذي لا عوج فيه وهو دين الإسلام.
الفوائد:
1- إثبات أن القرآن منزل من الله عز وجل قال تعالى : { قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} وهو كتاب صفته أنه مبين أي واضح مبين لكل ما يحتاجه الناس في مصالح دينهم ودنياهم.
2- جحود اليهود لنعمة الله فقد أرسل إليهم كتاب مبين ورسول كريم يخرجهم من الظلمات إلى النور فتكبروا وأعرضوا .
3- الله هو الهادي الذي بيده الهداية والإضلال فلا هادي لمن أضل ولا مضل لمن هدى من يهد الله فهو المهتد.
4- وجوب اتباع ماجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم مخالفة أمره قال تعالى: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ} فلا بد من الاتباع وقال تعالى:{ وإن تطيعوه تهتدوا} .
5- إخلاص النية أهم أعمال القلوب وأعظمها فمن ابتغى وقصد رضى الله بصدق وفقه الله وهداه لا محالة قال تعالى: { يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ } من اتبع رضاه أي اجتهد وحرص على بلوغ مرضاة الله بالنية والعمل ،وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ) رواه مسلم
6- كل ما يجري في الكون هو بمشيئة الله تعالى وإرادته فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن قال تعالى: { وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ } فكل شيء بإذنه،قال تعالى :{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.
7- الهداية مشروطة بصلاح الجبلة كما ذكر ذلك البقاعي في تفسير الآية وهذا في قوله تعالى :{ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ} وقد ورد في القرآن آيات مضمونها أن الله لا يهدي القوم الظالمين ولا يهدي القوم الكافرين ولا يهدي القوم الفاسقين ولا يهدي كيد الخائنين ولا يهدي من هو كاذب كفار.
8- الحق واحد والباطل والضلال متعدد قال تعالى: { وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ} فالظلمات جمعت والنور أفرد، قال تعالى:{وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}.
9- من ثمرات الحرص على مرضاة الله واتباع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم الهداية لكل خير والتبصر بالحق والتوفيق لاتباعه والنجاة والسلامة من عقاب الله.
المصادر:
المحرر الوجيز لابن عطية
التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور
تفسير القرآن العظيم لابن كثير
معاني القرآن للزجاج
جامع البيان في تأويل القرآن للطبري
معالم التنزيل (تفسير البغوي)
نظم الدرر في تناسب الآيلت والسور للبقاعي
محاسن التأويل للقاسمي
تفسير الكريم الرحمن للسعدي
واعتذر عن القصور

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 12 ربيع الثاني 1438هـ/10-01-2017م, 02:22 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع تقويم تطبيقات الأسلوب الاستنتاجي


1: ندي علي أ+
أحسنتِ بارك الله فيك ونفع بك وزادك سدادا وتوفيقا.

2: سناء بنت عثمان أ+
أحسنتِ بارك الله فيك ونفع بك وزادك سدادا وتوفيقا.

3: رضوى محمود ب
أحسنتِ بارك الله فيك ونفع بك.
- ما زال هناك الكثير من الفوائد في هاتين الآيتين العظيمتين، ولو استخلصتِ مسائل الآية بالنظر أولا واجتهدتِ في استنباط الفوائد والهدايات بنفسك قبل قراءة التفاسير وتأمّلتِ بناء ألفاظها لظهر لك أضعاف ما ذكرتيه من الفوائد، فأوصيك بهاتين الآيتين، فتح الله علينا وعليك.


وفقكم الله جميعا لما يحبه ويرضاه.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 24 جمادى الأولى 1438هـ/20-02-2017م, 03:54 PM
فاطمة محمود صالح فاطمة محمود صالح غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
الدولة: الدوحة - قطر
المشاركات: 297
افتراضي

قال تعالى: { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا } [ مريم: 71، 72 ]


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:

هذا الخطاب موجه إلى جميع الخلائق من الجن والإنس ، المؤمن والكافر ، البر والفاجر ، وما من أحد إلا وارد النار من خلال الصراط المنصوب على متن جهنم ، كل بحسب عمله وهو حكم قضاه الله تعالى ، ووعده عباده ، فلا بد من نفوذه ، ولا راد لوقوعه، إلا أنها تكون على المؤمنين بردا وسلاما، كما كانت على إبراهيم عليه السلام، ذكره السعدي

ففي حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يرد الناس النار ثم يصدرون عنها بأعمالهم فأولهم كلمح البرق، ثم كالريح، ثم كحضر الفرس، ثم كالراكب في رحله، ثم كشد الرجل ثم كمشيه". رواه الترمذي في سننه .
وللحديث شواهد في الصحيحين منه ما رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو مَالِكٍ ، عَنْ رِبْعِيٍّ ، عَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَا : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَجْمَعُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى النَّاسَ ، فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ ، حَتَّى تُزْلَفَ لَهُمُ الْجَنَّةُ ، فَيَأْتُونَ آدَمَ ، فَيَقُولُونَ : يَا أَبَانَا ، اسْتَفْتِحْ لَنَا الْجَنَّةَ ، فَيَقُولُ : وَهَلْ أَخْرَجَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ، إِلَّا خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ آدَمَ ، لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ ، اذْهَبُوا إِلَى ابْنِي إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ ، قَالَ : فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ : لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ ، إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلًا مِنْ وَرَاءَ ، وَرَاءَ ، اعْمِدُوا إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ ، الَّذِي كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيمًا ، فَيَأْتُونَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ ، فَيَقُولُ : لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ ، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى ، كَلِمَةِ اللَّهِ وَرُوحِهِ ، فَيَقُولُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ : لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ ، فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَقُومُ فَيُؤْذَنُ لَهُ ، وَتُرْسَلُ الأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ ، فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا ، فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ ، قَالَ : قُلْتُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، أَيُّ شَيْءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ ؟ قَالَ : أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ ، ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وَشَدِّ الرِّجَالِ تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ ، وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ ؟ يَقُولُ : رَبِّ سَلِّمْ ، سَلِّمْ ، حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ ، حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ ، فَلَا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلَّا زَحْفًا ، قَالَ : وَفِي حَافَتَيِ الصِّرَاطِ كَلَالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ ، وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ " ، وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ ، إِنَّ قَعْرَ جَهَنَّمَ لَسَبْعُونَ خَرِيفًا .

اختلف المفسرون في معنى الورود ، فمنهم من قال أن معناها: الدخول، ومنهم من قال : هو المرور على الصراط. وقيل: غيرذلك .
إلا أن الراجح في الآية هنا أن معناه الدخول ، وهو ما ذكره ابن عباس - رضي الله عنهما - من أن جميع ما في القرآن من ورود النار معناه دخولها ، وخير ما يفسر به القرآن القرآن، وهو ما ذكره الشنقيطي ورجحه إمام المفسرين ابن جرير الطبري - رحمهم الله جميعا .
والصراط الذي ورد في الأحاديث هو جسر منصوب على متن جهنم، وهو صراط دقيق جدا كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه قال: "بلغني أن الجسر أدق من الشعرة، وأحد من السيف" . رواه مسلم في صحيحه

كما أن الصراط ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة،: والصراط شرعا هو جسر ممدود على متن جهنم يرده الأولون والآخرون فهو قنطرة جهنم بين الجنة والنار وخُلِق من حين خلقت جهنم. ذكره السفاريني

وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ : أَنَّ وُرُودَ النَّارِ هُوَ الْمُرُورُ عَلَيْهَا ، لِأَنَّ النَّاسَ تَمُرُّ عَلَى الصِّرَاطِ ، وَهُوَ جِسْرٌ مَنْصُوبٌ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ .

قال أسود بن سالم باكيا:
أمامي موقف قدام ربي ****** يسألني وينكشف الغطا
وحسبي أن أمر على صراط ****** كحد السيف أسفله لظى


وفي حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه - وهو حديث طويل : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "ثم يضرب الجسر على جهنم، وتحل الشفاعة، ويقولون: اللهم سلّم سلّم، قيل: يا رسول الله، وما الجسر؟ قال: دحض مزلة - قال في الحاشية: "الدحض والمزلة بمعنى واحد وهو الموضع الذي تزل فيه الأقدام، ولا تستقر"- فيه خطاطيف وكلاليب وحسك- الخطاف هو الحديدة المعوجة كالكلوب يختطف بها الشيء، والكلابيب هي حديدة معطوفة الرأس، ويعلق عليها اللحم، والحسك هي شوكة صلبة معروفة - فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم، حتى يمر آخرهم يسحب سحبًا... الحديث". رواه البخاري ومسلم

والمراد من قوله تعالى: { ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا }
أنه عند مرور الناس كلهم على الصراط فوق النار، يسقط فيها من يسقط من الكفارالمكذبين ، والعصاة أصحاب المعاصي كل بحسب ما اقترف من ذنوب كانت كبيرة أم صغيرة ،ثم ينجى الله تعالى المؤمنين المتقين منها بحسب أعمالهم ، فجوازهم على الصراط وسرعتهم عليه يكون بقدر أعمالهم التي كانت في الدنيا . ذكره ابن كثير

من فوائد الآيتين الكريمتين:
أولًا : أن الورود على النار لا بد منه لجميع الخلائق كان وعدا مقضيا من الله تعالى ، قال تعالى: { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا }
ففي حديث أم مبشر امرأة زيد بن حارثة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت حفصة، فقال: لا يدخل النار أحد شهد بدرًا والحديبية، قالت حفصة: أليس يقول الله تعالى: { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا } ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: { ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا } رواه الإمام أحمد في مسنده

وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم " صحيح البخاري ومسلم وراه أحمد مسنده والترمذي والنسائي .
والمعنى : أن النار لا تمس من مات له من الولد فصبر إلا بقدر الورود ، وقال ابن التين وغيره : والإشارة بذلك إلى قوله تعالى : { وإن منكم إلا واردها }

ثانيًا: الصراط حق يجب الإيمان به، ويكون الاستعداد له بالعمل الصالح، قال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله : "والصراط حق، يوضع على شفير جهنم، ويمر الناس عليه، والجنة من وراء ذلك، نسأل الله السلامة في الجواز"

ثالثًا: على المسلم مراقبة الله تبارك وتعالى في كل أحواله وشؤونه ، فيعمل الطاعات ويترك المعاصي ، استعدادا لملاقاة الله ، فالتقوى هي سبب النجاة في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: { ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا }
وقال تعالى: { وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } [ الزمر: 61]

رابعًا: أن الظلم عاقبته الهلاك والخسران في الدنيا والآخرة، يستدل من قوله تعالى: { وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا }
وقال تعالى: { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [ النمل: 52 ]
وفي حديث أبي موسى الأشعري: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " قال ثم قرأ: { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [ هود: 1022 ] صحيح بخاري ومسلم
وقال تعالى: { وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ } [ إبراهيم: 42]

خامسًا : المسارعة إلى الخيرات والأعمال الصالحة في الدنيا ، فبقدر أعمال المؤمن في طاعة الله فيما أمر ونهى تكون سرعته وتجاوزه على الصراط .
قال تعالى: { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [ آل عمران: 133 ]
وقال تعالى: { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } [ الأنبياء: 90 ]
وقال تعالى: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ } [ فاطر: 32 ]

قال ابن عباس - رضي الله عنه - "السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب". ذكره ابن كثير

نسأل الله السلامة من النار وأن يدخلنا الجنة بأمن وسلام
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

المراجع :
• جامع البيان في تأويل القرآن .لمحمد بن جرير أبو جعفر الطبري (310هـ )
• معالم التنزيل للبغوي ( 510هـ )
• المحرر الوجيز لابن عطية ( 541 هـ )
• بحر الدموع ، لجمال الدين أبو الفرج الجوزي (597هـ )
• تفسير القرآن العظيم لابن كثير ( 774 هـ )
• لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية للسفاريني الحنبلي (1188هـ )
• تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي ( 1376 هـ (
• في ظلال القرآن لسيد قطب ( 1385 هـ )
• التحرير والتنوير لابن عاشور (1393هـ )
• أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي (1393هـ )



رد مع اقتباس
  #15  
قديم 12 رمضان 1438هـ/6-06-2017م, 12:38 AM
منيرة جابر الخالدي منيرة جابر الخالدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 364
افتراضي

رسالة في تفسير قوله تعالى:*(يا أيها الذين آمنوا لاتأكلوا أموالكم أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم)


(يا أيها الذين آمنوا ) ناداهم باسم الإيمان؛ لتحريك العقيدة في قلوبهم، وتحريضهم على الاستجابة لما أمروا به أو نهوا عنه.
( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل )
تأكلوا: فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، والواو فاعل.
أموالكم: مفعول به.
بينكم بالباطل: الظرف متعلق بالفعل قبله وكذلك الجار والمجرور.
وعبر بالأكل لأن المقصود الأعظم من الأموال هو التصرف فيها بالأكل. وهو مجاز في الانتفاع بالشيء انتفاعا تاما لا يعود معه إلى الغير، *والمراد به مطلق الأخذ الذي يشمل سائر التصرفات التي نهي عنها.
بالباطل: أي بغير حق، *وهو اسم لكل تصرف لا يبيحه الشرع من البخس والظلم والربا والغرر والقمار والسرقة والخيانة، وقيل: هي العقود الفاسدة.
والمعنى: لا يحل لكم أن يأكل بعضكم مال غيره بطريقة باطلة لا يقرها الشرع، كما أنه لا يحل لكم أن تتصرفوا في أموالكم التي تملكونها تصرفا منهيا عنه فتنفقونها في وجوه المعاصي التي نهى الله عنها.
والعقود/ إما أن تكون معاوضات أو تبرعات أو توثيقات، وتدور صحة وبطلانا، جوازا وتحريما على العدل ونفي الظلم. فأينما كان العدل فثمّ العقد مشروع وحينما وقع الظلم فثمّ الممنوع والفاسد.

والربا له إطلاقان:*
خاص: وهو الزيادة المحرمة المخصوصة.
وعام: ويشمل كل معاملة مالية محرمة. يقول ابن رجب الحنبلي في قوله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا): فما كان بيعا فهو حلال، وما لم يكن بيعا فهو ربا وحرام، أي: هو زيادة عن البيع الذي أحله الله. فدخل في تحريم الربا جميع أكل المال بالمعاوضات المحرمة الباطلة، مثل: ربا الفضل والنسا، ومثل الأعيان المحرمة كالخمر والميتة، والخنزير، والأصنام، ومثل قبول الهدية.

(إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم)
إلا: استثناء منقطع. لأن التجارة ليست من جنس الأموال المأكولة. والمعنى: لا يحل لكم أن تتصرفوا في أموالكم بالباطل، ويباح بالتجارة الناشئة عن تراض فيما بينكم.*
تكون: فعل مضارع ناقص، وخبرها واسمها ضمير مستتر. أي إلا أن تكون التجارة تجارة، والمصدر المؤول في محل نصب على الاستثناء.*
عن تراض: متعلقتان بمحذوف صفة التجارة. *منكم: متعلقان بتراض.*
تجارة: فيها قراءتان (بالرفع) على أنها فاعل ل(كان) التامة. بمعنى: إلا أن توجد تجارة، أو تقع تجارة عن تراض منكم فيحل لكم أكلها. و(بالنصب) على أنها خبر ل(كان) الناقصة. بمعنى: إلا أن تكون الأموال المتداولة التي تأكلونها بينكم تجارة صادرة عن تراض منكم فيحل لكم هنالك أكلها.
والتجارة لغة: عبارة عن المعاوضة. ومنه الأجر الذي يعطيه الله العبد عوضا عن الأعمال الصالحة كما في قوله تعالى: (هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم) وقوله: (يرجون تجارة لن تبور) وقوله: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم) فسمى ذلك كله بيعا وشراء على وجه المجاز تشبيها بعقود البيع.
والتجارة/ اسم يعود على عقود المعاوضات التي يقصد بها طلب الربح. فكل معاوضة تجارة على أي وجه كان العوض إلا أن قوله بالباطل أخرج منها كل عوض لا يجوز شرعا كما تقدم في الربا العام. وخرج أيضاً كل عقد جائز لا عوض فيه، كالقرض والصدقة والهبة لا للثواب، وهذه جائزة بأدلة أخرى. وخرج دعاء أخيك إياك على طعامه. ومن التجارة؛ البيع ويخرج الربا وإن كان في الصورة بيعا إلا أنه ليس منه لقوله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) فهو مخالف له. وعليه يشترط أن يكون العقد غير عقد ربا.
(عن تراض منكم) إلا أن تكون تجارة عن تراض كائن منكم بما يدل عليه من لفظ أو عرف أو غيره، وهو أساس العقود بصفة عامة، وأساس المبادلات المالية بصفة خاصة.
فشروط البيع/ 1. الرضا بين المتعاقدين (عن تراض منكم)
* * * * * * * * * 2. أن يكون المعقود عليه معلوم الثمن والمثمن إذ لا يتصور الرضا مع الجهل.
* * * * * * * * * 3. مقدورا على تسليمه. إذ غير المقدور على تسليمه شبيه بالقمار (بالباطل)
* * * * * * * * * 4. مباح النفع مطلقا إذ أن الغير مباح يدخل في الباطل المنهي عنه، ويؤدي إلى بطلان العقد.
وهذه الشروط متعلقة بالمعقود عليه، وثمة شروط أخرى متعلقة بالمتعاقدين من جواز التصرف والملك أو الإذن في التصرف، والفرق بينهما أن المتعلقة بالمعقود عليه التشديد فيها أعظم، فلا يُسمح بتخلفها مطلقا، ويبطل العقد مباشرة باختلال أحدها.

ويستفاد من الآية أن:
- بيع الغرر بجميع أنواعه خال من الرضا، فعليه لا ينفذ عقده.
- العقود تنعقد بما دلّ عليها من قول أو فعل لأن الله شرط الرضا، فبأي طريق حصل الرضا انعقد به العقد.
- الحيل الربوية داخلة في أكل أموال الناس بالباطل، ومنها: قلب الدين، العينة، بيع الوفاء، التورق المنظم، جدولة الديون، الأجر على خطاب الضمان.
- الأصل في المعاملات المالية الإباحة إلا ما دلّ الدليل على تحريمه فيكون من أكل المال بالباطل. لكن من شرط العمل بقاعدة الأصل في الأشياء؛ العلم بما يخرج عن هذا الأصل حتى يعلم هل مسألته باقية على الأصل أم هي خارجة عنه. ذكر ذلك ابن تيمية. فلا يسوغ لأحد الاستدلال بهذا الأصل إلا بعد معرفة ما يخرج عنه.
- (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) فإن لم تكن بالباطل فلا بأس بالاكتساب. ففي هذا تكذيب لقول الجهلة من المتصوفين المنكرين طلب الأقوات بالتجارات والصناعات. لأن الله حرّم أكلها بالباطل وأحلها بالتجارة.
- في الآية دليل على أن المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد حيث كان الإيمان يجمعهم على مصالحهم الدينية والدنيوية.

وهذه الآية كما يقول ابن العربي: هي أصل في المعاوضات.







المراجع/
تفسير الطبري
تفسير القرطبي
تفسير البغوي
تفسير ابن عاشور
معاني القرآن وإعرابه للزجّاج
تفسير ابن كثير
تفسير السعدي
تفسير الوسيط للطنطاوي
إعراب القرآن لقاسم دعاس
كتاب البيوع من شرح عمدة الفقه ضمن برنامج البناء العلمي د. عبدالله الغفيلي*
أصول المعاملات المالية المحرمة وتطبيقاتها المعاصرة د. طلال سليمان الدوسري
شرح أخصر المختصرات د. طلال سليمان الدوسري

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 16 رمضان 1438هـ/10-06-2017م, 10:15 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع تقويم تطبيقات الأسلوب الاستنتاجي


فاطمة صالح أ+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.

منيرة الخالدي أ
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
وقد جمعتِ بين أسلوب التقرير العلمي في أول الرسالة مع بسط وتفصيل وبين الأسلوب الاستنتاجي في آخرها، ولا داعي للانشغال بالتفسير إلا فيما يحتاج إليه في الأسلوب المقرّر فقط، والتفريق بين الأساليب مهمّ أثناء التطبيق.


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:15 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir