دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السابع ( المجموعة الأولى)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 جمادى الأولى 1439هـ/7-02-2018م, 02:11 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي تطبيقات على درس الأسلوب الوعظي

تطبيقات على درس الأسلوب الوعظي
الدرس (هنا)
- مجلس مناقشة دروس دورة أساليب التفسير.

تنبيه:
- الآيات موضوع التطبيق تكون من الأجزاء الثلاثة الأخيرة.
وفقكم الله وسددكم.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24 جمادى الأولى 1439هـ/9-02-2018م, 11:44 PM
للا حسناء الشنتوفي للا حسناء الشنتوفي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2016
المشاركات: 384
افتراضي

رسالة تفسيرية في قول الله تعالى : (لقد خلقنا الإنسان في كبد) البلد 4


بسم الله، الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه، أما بعد،


خلق الله سبحانه الإنسان، و هو أعلم به، بل هو أعلم بما توسوس به نفسه، و بيّن تعالى في كتابه طبيعة هذا الإنسان فقال: (و خُلق الإنسان ضعيفا) النساء من الآية:28]، ثم ذكر ظلمه و جهله في قوله : (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) الأحزاب (72) ، و قال جل من قائل في سورة الإسراء، مخبرا عن تسرع الإنسان و عجلته في كل شيء :(وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً) الآية 11.

و ها نحن الآن، نعيش في ظلال آية من آيات التنزيل، يُخبرنا الخالق جل شأنه فيها عن حقيقة أخرى من حقائق الإنسان، ألا و هي المشقة التي لا تخلو منها حياته، طالما هو في دار اختبار، قال سبحانه : (لقد خلقنا الإنسان في كبد).

ذهب المفسرون في المراد بالكبد إلى قولين ،قال السعدي في تفسيره "تيسير الكريم الرحمان " 925 :
يحتملُ أنَّ المرادَ بذلكَ:
-ما يكابدهُ ويقاسيهِ منَ الشدائدِ في الدنيا، وفي البرزخِ، ويومَ يقومُ الأشهادُ، وأنَّهُ ينبغي لهُ أنْ يسعى في عملٍ يريحهُ منْ هذهِ الشدائدِ، ويوجبُ لهُ الفرحَ والسرورَ الدائمَ.
وإنْ لمْ يفعلْ، فإنَّهُ لا يزالُ يكابِدُ العذابَ الشديدَ أبد الآبادِ.
ويحتملُ أنَّ المعنى:
لقدْ خلقْنَا الإنسانَ في أحسنِ تقويمٍ، وأقومِ خلقةٍ، مقدرٍ على التصرفِ والأعمالِ الشديدة.

فانطلاقا من المعنى الأول، يتبيّن للمتدبر لهذه الآية، أن المشقة جزء من اختبار الحياة،و أنه سيعاني - ككل البشر- غنيهم و فقيرهم، شقيهم و سعيدهم، كبيرهم و صغيرهم، رجالهم و نسائهم، في امتحان مختلف عن امتحان الدنيا، ففرصة النجاة و الفلاح فيه تنقضي بانقضاء الأجل، و رجوع الروح إلى بارئها، ليُجزى بالإحسان إن أحسن، و بالإساءة إن أساء.

لقد أرشدنا القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة، حتى لا نتطلّع إلى الكمال أو المثالية في هذه الدار، التي هي دار فناء، و حتى نرى أقدار الله المتصرفة فينا، فنصبر على السراء، و نشكر على الضراء، و هذا من عجيب أمر المؤمن، كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما رواه مسلم :(عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ؛ إن أصابته سرّاء شكر ؛ فكان خيراً له ، وإن أصابته ضرّاء صبر ؛ فكان خيراً له)، فإذا حصل للعبد هذا اليقين، و حصلت له هذه التبصرة، اطمأن قلبه، و انشرح صدره و تنزلت عليه السكينة، لأنه أدرك طبيعة الحياة، فلا رادّ لأقدار الله تعالى، و لا مبدل لسننه.

و إلى مثل هذا التأويل في معنى المكابدة، ذهب الحسن البصري رحمه الله تعالى بقوله : (يكابد الشكر على السرّاء و الصبر على الضراء، لأنه لا يخلو من أحدهما، و يكابد مصائب الدنيا و شدائد الآخرة).

و من أجمل ما قيل عن مشاق الحياتين في هذه الآية، و عن الكبَد الذي كتب على بني البشر، ما ذكره القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن 63/20) :
قال رحمه الله: "قال علماؤنا: أول ما يكابد (أي الإنسان) قطعَ سُرّته، ثم إذا قمط قماطًا، وشدَّ رباطًا، يُكابدُ الضيق والتعب، ثم يكابدُ الارتضاع، ولو فاته لضاع، ثم يكابد نَبْت أسنانه، وتحرّك لسانه، ثم يكابد الفِطام، الذي هو أشد من اللطام، ثم يكابد الختان، والأوجاع والأحزان، ثم يكابد المعلِّم وصولته، والمؤدِّب وسياسته، والأستاذ وهيبته، ثم يكابد شغل التزويج والتعجيل فيه، ثم يكابد شغل الأولاد، والخدم والأجناد، ثم يكابد شُغل الدور، وبناء القصور، ثم الكِبر والهرم، وضعف الركبة والقدم، في مصائب يكثر تعدادها، ونوائب يطول إيرادها، من صداع الرأس، ووجع الأضراس، ورمد العين، وغم الدَّين، ووجع السن، وألم الأُذن. ويكابد مِحَنًا في المال والنفس، مثل الضرب والحبس، ولا يمضي عليه يوم إلا يُقاسي فيه شدة، ولا يُكابد إلا مشقة، ثم الموت بعد ذلك كله، ثم مسألة المَلَك، وضغطة القبر وظلمته، ثم البعث والعرض على الله، إلى أن يستقرَّ به القرار، إما في الجنة وإما في النار، قال الله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: 4]، فلو كان الأمر إليه لما اختار هذه الشدائد. ودلَّ هذا على أن له خالقًا دبّره، وقضى عليه بهذه الأحوال، فليمتثل أمره"
إن المتأمل في آيات الله تعالى، و المتدبر للقرآن الكريم، يكتسب شفافية في الرؤية، فيدرك طبيعة نفسه، و طبيعة هذا العالم الكبير حوله، يعلم سبب مجيئه للحياة، ما ينتابه فيها، و ما لله تعالى له من جزاء في الدار الآخرة إن أحسن و اتقى، فعلى المسلم أن يطمئن لأمر الله تعالى و ما كتبه عليه، و أن مكابدته في هذه الدنيا إنما هي تكفير عن ذنوبه و زيادة في درجاته و تشبه بالأنبياء و الصالحين من قبله، فيرتقي في مراتب الإيمان، و يبلغ بذلك نعيم الجنان.

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 25 جمادى الأولى 1439هـ/10-02-2018م, 01:12 AM
فاطمة إدريس شتوي فاطمة إدريس شتوي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 311
افتراضي

رسالة في تفسير قول الله تعالى: (أَلْهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُر * حتى زرتم المقابر )

صورت افتتاحية السورة الحياة الدنيا كالومضة الخاطفة في الشريط الطويل، وبينت مدى انشغال الناس بمغريات الحياة حتى يأتيهم الموت فجأة، وهذه البداية مخيفة و مرعبة لأصحاب القلوب السليمة.

ومعنى ألهاكم أي: شغلكم عن طاعة الله
(التكاثر): جاء على وزن تفاعل أي في الكثر، ومعناه:
- التباري في الإكثار من شيء مرغوب في كثرته
- ويأتي بمعنى التفاخر بالأموال والأولاد والرجال وغيرهم

وقد ذم الله في هذه الآية الانشغال بالتكاثر ومغريات الدنيا والاستمرار على هذا؛ لذلك جاءت لفظة ( ألهاكم ) مطلقة ولم يحدد عن ماذا ؟
بمعنى أن تكون ألهاكم التكاثر عن ذكر الله وعن عبادته وعن الطريق المستقيم، وسبل رضوانه

كما جيء بلفظ (ألهاكم) ولم يقل أشغلكم ، وكأنها أبلغ في الذم من أشغلكم، فإن العامل قد يستعمل جوارحه بما يعمل وقلبه لاهي عنه " لاهية قلوبهم" فاللهو هو ذهول وإعراض و انصراف إلى ما يدعو إليه الهوى، ومعلوم أن الانصراف إلى أمر ما، يشغل عن الأمور الأخرى وقد تكون أكثر أهمية منه.

وحُذف الملهي عنه ولم يذكر المتكاثر به؛ ليشمل ذلك كل ما يتكاثر به المتكاثرون ويفتخر به المفتخرون من الأموال والأولاد والأنصار والجنود والجاه والخدم وغير ذلك.

أما إذا كان التكاثر بالعلم الشرعي فهو خير، وليس بمذموم ولا يقدح في إخلاص العبد بل هو حقيقة المنافسة واستباق الخيرات، أما إن كان بغير ذلك فهو إما مباح وإما محرم.
فلو تفكر الإنسان بما سيبقى له عند الله؛ لتكاثر بعلمه ودينه خيرا من أن يتكاثر بماله وولده، بل لو استشعر قصر هذه الحياة الدنيا ومدة بقاؤه فيها وأنها فانية لحتقر شأنها, وزهد فيها.

وفي المقابل كلما استكثر الإنسان من حطام هذه الدنيا وانشغل بها زاد تعلق قلبه بها، ومن تعلق بشيء عذب به، ومن المؤسف أيضاً أن يغيب عن أذهان البعض وجوب شكر نعمة الله عليها، فلا يكون هم العبد الاستكثار من النعم دون أداء شكرها، فبشكر تدوم النعم، وشكرها باستعمالها في عبادة الله وتسخيرها في طاعته.

كما ينبغي الحذر وتفقد النية عند الإكثار من الشهادات العلمية والدورات التدريبية واقتناء الكتب دون ابتغاء وجه الله فيها، وقصد الانتفاع بها،
ومن الآيات المبينة لحقيقة الدنيا وأنها فانية، والمرغبة في الله والدار الآخرة قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون )، وقوله ( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر وتكاثر بالأموال والأولاد ) .

وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ ( ألهاكم التكاثر ) قال : يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما تصدقت فأمضيت , أو أكلت فأفنيت , أو لبست فأبليت .وروي عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يهرم ابن آدم وتبقى منه اثنتان: الحرص والأمل". أخرجاه في الصحيحين.

(حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ)
في هذه الأية إشارة واضحة على استمرار انشغال الناس عن الطاعات إلى أن صاروا الى القبور ودفنوا فيها, وجيء بلفظ الزيارة في قوله تعالى : ( حتى زرتم المقابر ) لتُشعر أن الناس في هذه القبور بمنزلة الزائرين غير المستقرين فيها، وأنهم سوف ينتقلون إلى دار أخرى، إما جنة أو نار ، وجاء كذلك التعبير بالفعل الماضي في زرتم لتنزيل المستقبل منزله الماضي لأنه محقق وقوعه مثل: (أتى أمر الله).

وفي مواضع عديدة من القرآن أتت آيات عديدة تُذكر بالبعث والقبر، منها قول الله تعالى: (يوم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر), وقوله (أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور)
ومن المعلوم أن القبر أول منازل الأخرة, لذا لا يجوز قول (انتقل الى مثواه الاخير) لمن مات فهذا الكلام باطل وكذب لان القبور ليست هي المثوى الأخير بل لو أن الإنسان اعتقد مدلول هذا اللفظ لصار كافر بالبعث والكفر بالبعث رده عن الاسلام والمثوى هو الجنة أو النار.

وهذه الآيات جاءت في سياق التهويل والتعظيم؛ لذلك ذكرت لفظة المقابر, وهي الآية الوحيدة التي انفردت بذكر المقابر, فلو استشعر الانسان أن مآله الى القبر لكان له بالغ الأثر على نفسه، و ترك الالتفات للدنيا وزهد فيها، وانشغل بالآخرة واجتهد لها.

فينبغي أن يتذكر الإنسان دائماً أنه لن ينفعه بعد موته مال ولا جاه و لا حسب ولا نسب، فليعمل لذلك اليوم، وكما جاء في الحديث: " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني"

بل أن المتأمل لفترة الإقامة في القبر قد تمتد إلى آلاف السنين، ومع ذلك عُبر عنها بالزيارة؛ فبم نصف إقامتنا في الدنيا التي لا تتجاوز عدد سنين؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور , فزوروا القبور , فإنها تزهد في الدنيا , وتذكر الآخرة )
لذا ينبغي الإكثار من ذكر هادم اللذات؛ لتتخوف النفوس وتنزجر، وتكثر من الأعمال الصالحة، فزيارة القبور وتذكر الموتى وحالهم، من أعظم الأدوية للقلوب القاسية, ودافع قوي للتقرب الى الله، وتفضيل الدار الباقية على الفانية.

كما ورد عن ميمون بن مهران أنه قال كنت جالسا عند عمر بن عبد العزيز فقرأ " ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر " فلبث هنيهة ثم قال: يا ميمون ما أرى المقابر إلا زيارة وما للزائر بد من أن يرجع إلى منزله وقال أبو محمد يعني أن يرجع إلى منزله أى إلى جنة أو إلى نار وهكذا ذكر أن بعض الأعراب سمع رجلا يتلو هذه الآية " حتى زرتم المقابر " فقال بعث القوم ورب الكعبة أي إن الزائر سيرحل من مقامه ذلك إلى غيره.

فأعدوا للسؤال جواباً، وأعدوا للجواب صوابا، واعلموا أنه لا خير في طول العمر إلا مع حسن العمل.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 25 جمادى الأولى 1439هـ/10-02-2018م, 10:12 PM
هيثم محمد هيثم محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 482
افتراضي

الحمدلله الذي شرفنا بخير كتاب أنزل وشرفنا بخير نبي أرسل، والصلاة على من بعثه الله رحمة للعالمين، وأكرمه بهذا الوحي نورا وشفاءا، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين. وبعد، فانطلاقا من قول عبدالله بن مسعود: "من أراد العلم فليثور القرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين"، فهذه رسالة تتضمن فوائد من قوله تعالى: {ولا تمنن تستكثر} (المدثر:6)، نسأل الله التوفيق والسداد والإخلاص.

- أن حذف المتعلق المعمول فيه أفاد العموم، فعمت الآية كل استكثار أيا كان نوعه، لذلك ورد عن المفسرين في معناها أحد عشر قولا سنذكر بعض منها.
- من معاني {تممن}: العطاء، استدلالا بقوله تعالى: {هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ}، فسميت العطية بالمن على سبيل الاستعارة.
- أما معنى: التعداد على المنعم عليه بالنعم، فاستدلالا من قوله تعالى:{لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى}.
- أن رفع {تستكثرَ} لكونها في موضع الحال، فيكون المعنى: لا تمنن مستكثرا.
- في نزول أول السورة في صدر الدعوة: رسالة إلى الدعاة بالإخلاص في تبليغ الرسالة وعدم المن بعملهم وجهدهم على الله، واستكثاره، وانتظار الثناء من المدعوين.
- عدم إعجاب المرء بعمله وعبادته وغروره بذلك، أو انتظار الأجر في الدنيا، خوفا من حبوط عمله، لأن العبد لو أطاع ربه عمره كله، لم يوف شكر نعمة من نعم الله عليه، ووجوب استحضار أن كل ما يفعله العبد هو محض فضل من الله وتوفيق منه.
- شدة مراقبة العبد لكل أقواله لضعف النفس البشرية، فقد يمن بعمله من حيث لا يشعر، فالمن بالقول كما هو بالعمل، وذلك ضد الشكر وقد يؤدي إلى زوال النعمة.
- الخوف الدائم من حبوط العمل وعدم قبوله، فإعجاب المرء بعمله وعباداته هو شعور نفسي داخلي قد لا يتحدث به، ولا يعلمه إلا الله.
- خطورة الرياء في العمل، وأهمية دوام تربيه العبد لنفسه على المراقبة حتى يرى منة الله عليه في كل شيء، وليس لنفسه فيه نصيب.
- اليد العليا خير من اليد السفلى، فعلى الداعية أن يكون يكون عطاءه أكثر من أخذه، خوفا من دخوله في هذه الآية، مع استشعاره بحقارة الدنيا وزوالها.
- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: "لَا تُعْطِ عَطِيَّةً لِتُعْطَى أَكْثَرَ مِنْهَا"، فتكون همة المؤمن للآخرة وليس للدنيا وزخرفها.
- وَقَالَ الْحَسَنُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: "لا تمنن حسناتك عند الله تعالى مستكثرا فينقصك ذلك عند الله تعالى".
- وقال ابن زيد: "لَا تَمْنُنْ بِمَا أَعْطَاك اللَّهُ مِنْ النُّبُوَّةِ وَالْقُرْآنِ مُسْتَكْثِرًا بِهِ الْأَجْرَ مِنْ النَّاسِ"، فعلى على الداعية عدم انتظار الأجر من الناس على الدعوة، وعدم الاستعجال على استجابتهم والصبر عليهم، لما في ذلك من الثواب الجزيل من الله عز وجل.
- وَقال مُجَاهِدٍ أَيْضًا: "لَا تَضْعُفْ فِي عَمَلِك مُسْتَكْثِرًا لِطَاعَتِك"، فيكون ركون العبد لما فعله ظنا منه أنه بذلك سبق وفعل كثيرا، وهذا من غروره بعمله ورضاه عن نفسه.
- وقال إبْرَاهِيمَ: "لا تعط لتزداد"، وقال الفراء: "لا تعط في الدنيا شيئاً لتصيب أكثر منه"، أي: لا تعط لتأخذ أكثر منه، فلا يتعلق المرء بطلب الأجر والثواب من الناس، ولكن من الله وحده، فالمن بالعطية من الصفات السيئة التي نهى الله عنها.
- وقال الْحَسَنِ: "لَا تَسْتَكْثِرْ عَمَلَك فَتَمُنَّ بِهِ عَلَى رَبِّك"، بتقدير التقديم والتأخير، واستدل عليها بقراءة ابن مسعود (ولا تمنن أن تستكثر).
- قال عكرمة: "لا تعط شيئاً لتعطي أكثر منه وكان حراماً عليه - صلى الله عليه وسلم – خاصة"، وقال الضحاك: "هذا حرمه الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مأمور بأشرف الآداب وأجل الأخلاق، وأباحه لأمته"، وقال أبو بكر الجصاص: "يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَاصًّا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي أَعْلَى مَرَاتِبِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ كَمَا حَرَّمَ عَلَيْهِ الصَّدَقَةَ"، وقد امتثل النبي أمر ربه، فكان أجود الناس بالصدقة، وكان يثيب على الهدية.
- وقال ابن قتيبة: "أي لا تُعطِ لتأخُذَ من المكأفاة أكثر مِمَّا أعطَيْتَ"، لأن الانتظار لكل ما يقدمه المرء لغيره يكون من باب الطمع ومعاملة الناس، وهذا منافي للإخلاص، فلا يُهدي المرء غيره انتظار للرد ولكن ابتغاء للأجر.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

المصادر:
- جامع البيان للطبري
- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي
- فتح القدير للشوكاني
- تفسير القرآن العظيم لابن كثير
- المحرر الوجيز لابن عطية
- زاد المسير لابن الجوزي
- التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور
- الفتاوى الكبرى لابن تيمية
- تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة
- معاني القرآن للفراء
- الاكليل في استنباط التنزيل للسيوطي
- أحكام القرآن لابن العربي

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 27 جمادى الأولى 1439هـ/12-02-2018م, 08:39 PM
إجلال سعد علي مشرح إجلال سعد علي مشرح غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 275
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

قول الله تعالى :{فذكر إن نفعت الذكرى}( الأعلى-9)
هذه الآية تحوي معاني جليلة وفوئد عظيمة ،فهنا الله تعالى يأمر بالتذكير
فأما معانيها :
الفاء في قوله {فذكر}للتفريع .(1)
اي :ذكر حيث تنفع الذكرى ،و‏[‏إن‏]‏ هنا شرطية‏،وذكر الماوردي أن [إن] بمعنى ما المصدرية ،وهي بمعنى الظرف، أي‏:‏ ذكر ما نفعت، ما دامت تنفع،وهي قريبة من الشرطية .
وأما قول من قال أنها نافية فهذا غلط بين ‏، فإن الله لا ينفي نفع الذكرى مطلقًا وهو القائل‏:‏ ‏{‏‏فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}.(2)

ما معنى اشتراط النفع هنا مع أن النبي صلى الله عليه وسلم مأمور بالذكرى نفعت أم لم تنفع ؟
يمكن الإجاب عن ذلك :
1- قول شيخ الإسلام ابن تيمية :
أن التذكير عام وخاص‏، ‏‏فالعام‏:‏هو تبليغ الرسالة إلى كل أحد،وهذا يحصل بإبلاغهم ما أرسل به من الرسالة‏. ‏‏ قال تعالى‏:‏‏{‏‏قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ}‏‏ ‏[‏ص‏:‏ 86- 87‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏[COLOR="seagreen"]{‏‏وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَر}[./COLOR]
والخاص: هو التام النافع، وهو الذي حصل معه تذكر لمدكر، فإن هذا ذكرى كما قال‏:‏ ‏{‏‏فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى}‏‏ ‏[‏الأعلى‏:‏ 9 - 11‏]‏، أي يجنب الذكرى، وهو إنما جنب الذكرى الخاصة‏.(3)
‏2- قال الرازي : جاء التعليق بالشرط في قوله- تعالى-:{ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى} مع أنه صلى الله عليه وسلم مطلوب منه أن يذكر الناس جميعا، نفعتهم الذكرى أم لم تنفعهم- للتنبيه على أشرف الحالين، وهو وجود النفع الذي من أجله شرعت الذكرى، كقوله- تعالى-: {سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ}. وللإشعار بأن المراد من الشرط: البعث على الانتفاع بالذكرى.(4)

مفهوم الآية : أنه إن لم تنفع الذكرى، بأن كان التذكير يزيد في الشر، أو ينقص من الخير، لم تكن الذكرى مأمورا بها، بل منهيا عنها.
فالذكرى ينقسم الناس فيها قسمين: منتفعون وغير منتفعين.
فأما المنتفعون، فقد ذكرهم بقوله: سيذكر من يخشى الله تعالى، فإن خشية الله تعالى، وعلمه بأن سيجازيه على أعماله ، توجب للعبد الانكفاف عما يكرهه الله والسعي في الخيرات.
وأما غير المنتفعين، فذكرهم بقوله: ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى وهي النار الموقدة، التي تطلع على الأفئدة.(5)
واما فوائدها:
1-أن لا يضع العلم عند غير أهله .(6)
2- معرفة طبيعة الناس ،فمن الناس من تنفع معه الذكرى ومنهم لا تنفع .
3-أن لا يلتفت إلى الذكرى إذا كانت تؤدي إلى شر أو نقص الخير. (7)
4- المداومة على دعوة الناس .(8)


المراجع :
(1)الوسيط للطنطاوي
(2)مجموع غتاوى ابن تيمية -المجلد السادس- ص153.
(3)المصدر السابق
(4)الوسيط للطنطاوي
(5)تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي.
(6)المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير للمباركفوري .
(7)تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي.
(8)الوسيط للطنطاوي.
بتصرف


هذا والحمد لله رب العالمين.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 28 جمادى الأولى 1439هـ/13-02-2018م, 01:12 PM
ابتسام الرعوجي ابتسام الرعوجي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2016
المشاركات: 341
افتراضي

https://1drv.ms/w/s!AiyOjPsqV0_NdUYZh7YuUqmJSdU

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 29 جمادى الأولى 1439هـ/14-02-2018م, 04:22 PM
وفاء بنت علي شبير وفاء بنت علي شبير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 255
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإنّ الانغماس في الدنيا وملذاتها لاسيما في أوقات الفراغ يثني العبد عن الغاية التي خُلق من أجلها ويشغله عن تذكر الآخرة والاستعداد لها؛ ولذا فإنّ الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من أي عمل يشغله أن ينصب لعبادة ربه ويخلص النية له فقال تعالى: {فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب} [سورة الشرح:7-8]، وقال تعالى: {وتبتل إليه تبتيلا} [المزمل: 8] قال ابن زيد: أي تفرغ لعبادته، فحبذا التبتل إلى الله، وقرأ قول الله: {فإذا فرغت فانصب} [الشرح: 7]. وجاء في الحديث القدسي : " يا ابن آدم تفرَّغ لعبادتي، املأُ صدرك غِنىً وأسدُّ فقرك، وإن لا تفعل ملأتُ يديك شُغلاً، ولم أسُدَّ فقرك". أخرجه الترمذي وابن ماجة والإمام أحمد في مسنده وغيرهم ، وحسنه الترمذي وصححه الألباني .
فامتثل عليه الصلاة والسلام أمر ربه فكان يقوم الليل رغبة ورهبة وشكرا لربه حتى تتفطر قدماه، كما جاء في الحديث الذي روته عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى قام حتى تفطر رجلاه .. قالت عائشة : يا رسول الله أتصنع هذا وقد غُفِرَ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟! ، فقال صلى الله عليه وسلم : يا عائشة أفلا أكون عبدا شكورا ).أخرجه مسلم في صحيحه.
واقتفى أثره أصحابه الكرام من بعده فعمروا حياتهم بالأعمال الصالحة ولم يكن للفراغ سبيلا إليهم، بل كانوا ما إن ينتهون من عمل حتى يشرعون في آخر تأسيا بإمامهم الأول عليه الصلاة والسلام، بل كانوا يحثون بعضهم بعضا على ذلك ويأنفون أن تفنى أعمارهم فيما لا فائدة فيه، حتى أثر عن عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- في ذلك قوله: "إنى لأكره لأحدكم أن يكون خاليا، لا في عمل دنيا ولا دين".وفي رواية أنه قال: "إنى لأنظر إلى الرجل فيعجبني، فإذا قيل: إنه لا عمل له سقط من عيني".
وهذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول: "إني لأمقت أن أرى الرجل فارغاً لا في عمل دنيا ولا آخرة".
بل لو أمعنت النظر في سيرهم لوجدت عجبا فهذا هشام بن عروة يروي عن أبيه أنه قال: "قلت لعائشة رضي الله عنها وأنا يومئذ حديث السن: أرأيت قول الله تعالى : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) قلت : فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بهما ؟ فقالت عائشة : بئسما قلت يا ابن أختي ، إنها لو كانت على ما أولتها عليه كانت : فلا جناح عليه ألا يطوف بهما ، ولكنها إنما أنزلت أن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا كانوا يهلون لمناة الطاغية، التي كانوا يعبدونها عند المشلل . وكان من أهل لها يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة ، فسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا كنا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة في الجاهلية . فأنزل الله عز وجل : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) إلى قوله : ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) قالت عائشة : ثم قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بهما ، فليس لأحد أن يدع الطواف بهما" . أخرجاه في الصحيحين .
فتأمل ياعبد الله هذا حال صغارهم فيم يفكرون ومالذي يشغل أوقاتهم، وكيف يستشكلون معاني القرآن؟ فكيف الشأن بكبارهم!.
وتبعهم على ذلك سلف الأمة الصالح فاهتدوا بهدي من سبقهم فأفنوا أعمارهم في التقرب لربهم وإخلاص العمل، والتاريخ مليء بسيرهم وعبادتهم وتبتلهم لربهم وزهدهم في هذه الدنيا وإيثار الآخرة عليها.
قال بعض الصالحين: "كان الصديقون يستحيون من الله أن يكونوا اليوم على مثل حالهم بالأمس" .
علق ابن رجب: على هذا فقال: "يشير إلى أنهم كانوا لا يرضون كل يوم إلا بالزيادة من عمل الخير، ويستحيون من فقد ذلك و يعدونه خسراناً".
ومن جميل ما قيل في هذا المعنى ذينك البيتين السائرين:
إذا هجع النوام أسبلت عبرتي وأنشدت بيتاً فهو من أحسن الشعر
أليس من الخسران أنَّ ليالياً تمر بلا شيء وتحســب من عمـــــــــــــــــــــــــــر
وفي هذه الدقائق اليسيرة نقف أيها المسلمون مع وقفات وتأملات في رحاب هذه الآية العظيمة:
الوقفة الأولى: أنّ هذه الآية تعد قاعدة جليلة في حث المؤمن على استغلال وقته فيما يقربه من ربه؛ إذ السعادة والأنس كل الأنس في التذلل والتبتل له جل جلاله، فهي إذا أعظم حادٍ إلى العمل، والجد في استثمار الزمن قبل الندم.
الوقفة الثانية: أن هذه الآية جاءت بعد أن عدد عزوجل نعمه السالفة على نبيه صلى الله عليه وسلم، وأفضاله المتتابعة عليه، فأمر الله رسوله أصلا والمؤمنين تبعًا، بشكره والقيام بواجب نعمه لتدوم النعم، كما قال تعالى: لئن شكرتم لأزيدنكم [إبراهيم: 7] وهكذا ينبغي أن يكون ديدن المؤمن فيستشعر عظم منة الله عليه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى فيتبع كل نعمة بشكر وذكر لربه.
الوقفة الثالثة: أنّ في حذف متعلق فرغت؛ دلالة على العموم، فلم يخصص بذلك حالا من أحوال فراغه دون حال، فسواء أكان فراغ من صلاة، أو جهاد، أو أمر دنيا كان به مشتغلا، فهي إذا صيغة من صيغ الدلالة على تعاقب الأعمال، فلا يخلو وقت المؤمن من عبادة، فإذا فرغ من عبادة أتبعها بأخرى، ولا شك أن في المواظبة على العمل واستدامته لذة وقرة عين لا يتذوقها إلا من واضب عليها، فحري بك أيها المؤمن انتهاج هذا الطريق والمثابرة عليه؛ لتجني هذه الثمرة العظيمة.
الوقفة الرابعة: أنه جاء في أحد معاني قوله تعالى: {فإذا فرغت فانصب} الدعاء بعد الفراغ من الصلاة؛ فدل هذا على مشروعية الدعاء والذكر عقب الصلوات المكتوبات، كما دل على أن ذكر الله وعبادته باق لا ينقضي ولا يفرغ منه، بل هو مستمر كما في جاء في هذه الآية، وفي قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ ۚ } [النساء:103]، وقال تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:1-3] ، ولا عجب في ذلك فذكر الله هو حياة القلوب.
الوقفة الخامسة: حول قوله تعالى: {وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ} فإنه قدم الجار والمجرور ليدل على الحصر أي: لا ترغب إلا إلى ربك وحده. ونظير هذا قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ } [التوبة:59]، فتأمل كيف جعل الإيتاء لله ولرسوله وجعل الحسب له وحده، فلم يقل: وقالوا حسبنا الله ورسوله، بل جعله خالص حقه، كما قال تعالى: {إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ} ولم يقل: وإلى رسوله، بل جعل الرغبة إليه وحده.
قال ابن القيم رحمه الله في روضة المحبين: "وأما الرغبة في الله، وإرادةُ وجهه، والشوقُ إلى لقائه، فهي رأس مال العبد، وملاكُ أمره، وقوامُ حياته الطيبة، وأصلُ سعادته وفلاحه ونعيمه، وقرةُ عينه، ولذلك خُلق، وبه أُمِرَ، وبذلك أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، ولا صلاح للقلب ولا نعيم إلا بأن تكون رغبته إلى الله عز وجل وحده، فيكون هو وحده مرغوبه ومطلوبه ومراده، كما قال الله تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}[الشرح: 7، 8]".
الوقفة السادسة:أنّ في تعدية فعل {فارغب} هنا بحرف إلى يتضمن معنى الإقبال والتوجه تشبيها بسير السائر إلى من عنده حاجته كما قال تعالى عن إبراهيم {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الصافات: 99]، فالآية فيها حث وترغيب على الإقبال إليه عزوجل باللسان والقلب والجوارح، والتقرب إليه بجد ونشاط وفرح وسرور.
الوقفة السابعة: أنّ النصوص دلت على الأمر بمسألة الخالق والنهي عن مسألة المخلوق في غير موضع كقوله تعالى في هذه الآية: {فَإِذا فرغت فانصب * وَإِلَى رَبك فارغب}، ومنه قول الخليل: {فابتغوا عِنْد الله الرزق}[العنكبوت: 17] فلم يقل: فابتغوا الرزق عند الله؛ لأن تقديم الظرف يشعر بالاختصاص والحصر كأنه يقول لا تبتغوا الرزق إلا عند الله، كما جاءت السنة بتقرير ذلك فقال صلى الله عليه وسلم لابن عباس: (إِذا سَأَلت فأسال الله واذا استعنت فَاسْتَعِنْ بِاللَّه)، وفي الترمذي: (ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع فإنه إن لم ييسره لم يتيسر)، وفي الصحيح أنه قال لعدي بن مالك والرهط الذين بايعهم معه: (لا تسألوا الناس شيئا) فإن سوط أحدهم يسقط من يده: فلا يقول لأحد ناولني إياه وفي الصحيح في حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب: (هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون). أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ، ففي الآية حث على الاستغناء بالخالق عن المخلوق والطمع فيما عنده، فإنه "كلما قوي طمع العبد فِي فضل الله ورحمته ورجائه لقضاء حاجته ودفع ضَرُورَته قويت عبوديته له وحريته مِمَّا سواه فكما أن طمعه في المخلوق يُوجب عبوديته له فيأسه منه يُوجب غنى قلبه" كما قال ابن تيمية رحمه الله.
وبعد: فيا أيها المباركون استجيبوا لأمر ربكم وتأسوا بحبيبكم عليه الصلاة والسلام وبصحبه الكرام وسلفكم الصالح فسارعوا إلى طاعة ربكم ودواموا عليها وحافظوا على أوقاتكم وأعماركم فإنه لن تزول قدم عبد حتى يسأل عن عمره فيما أفناه فأعدوا للسؤال جوابا، وأخلصوا لربكم فيما تعملون وارغبوا فيما عنده وآثروا الآخرة على العاجلة تفلحوا.
هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المراجع:
1- القرآن الكريم.
2- صحيح البخاري، صحيح مسلم، سنن الترمذي.
3- تفسير الطبري.
4- مجموع الفتاوى، لابن تيمية.
5- الفتاوى الكبرى، لابن تيمية.
6- العبودية، لابن تيمية.
7- روضة المحبين ونزهة المشتاقين، لابن القيم.
8- التفسير القيم لابن القيم.
9- تفسير ابن رجب الحنبلي.
10- تفسير ابن كثير.
11- تفسير ابن جزيء الكلبي.
12- تفسير السعدي.
13- التحرير والتنوير، لابن عاشور.
14- تفسير أضواء البيان، للشنقيطي.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29 جمادى الأولى 1439هـ/14-02-2018م, 10:30 PM
سارة عبدالله سارة عبدالله غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 438
افتراضي

الأسلوب الوعظي

عندما يدخل أهل الجنة الجنة تتلقاهم الملائكة بالبشائر من أول قدم يطأون بها الجنة {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [73]} [الزُّمَر: 73].
ولاتزال البشائر تترى لهم في آيات عديدة تدل على رضا الله عنهم ولعلنا نتناول قوله تعالى : {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24] بشيء من التدارس .
يَقُولُ: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا جَزَاءً مِنَ اللَّهِ لَكُمْ، وَثَوَابًا {بِمَا أَسْلَفْتُمْ} أَوْ عَلَى مَا أَسْلَفْتُمْ: أَيْ عَلَى مَا قَدَّمْتُمْ فِي دُنْيَاكُمْ لِآخِرَتِكُمْ مِنَ الْعَمَلِ بِطَاعَةِ اللَّهِ {فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} يَقُولُ: فِي أَيَّامِ الدُّنْيَا الَّتِي خَلَتْ فَمَضَتْ.
يقال لهم ذلك؛ تفضلا عليهم، وامتنانا وإنعاما وإحسانا. وإلا فقد ثبت في الصحيح، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اعملوا وسددوا وقاربوا واعلموا أن أحدا منكم لن يدخله عمله الجنة". قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل"
يقال لهم : (هنيئا) وذلك إشارة إلى خلوّ المآكل والمشارب مما ينغصهما، فإن الآكل قد يخاف المرض فلا يهنأ له الطعام، أو يخاف النفاد فيحرص عليه، أو يتعب فى تحصيله وتهيئته بالطبخ والإنضاج، ولا يكون شىء من هذا فى الآخرة.
_ وهذا يجعلنا نتذكر اسم الله الشكُوروقد دلت عليها هذه الآية دلالة واضحة فالشكور
هُوَ الَّذِي يجازي بِيَسِير الطَّاعَات كثير الدَّرَجَات وَيُعْطِي بِالْعَمَلِ فِي أَيَّام مَعْدُودَة نعيما فِي الْآخِرَة غير مَحْدُود وَمن جازى الْحَسَنَة بأضعافها , وعلى العبد أن يتخلق بهذا الوصف فيكون شاكراً لمن أسدى إليه إحساناً، مجازياً له بإحسانه مثنياً عليه بإنعامه.
_ وفي هذه الآية يتبين لنا شرف الوقت فالسعداء -أهل الجنة- يقطفون ثمرة الوقت، ثم يقال لهم في الجنة: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَة)) وتأملوا كلمة: (الأيام) فهي الوقت والزمان الذي تعيشون أنتم فيه الآن, فهل من مشمر لملأ وقته بالطاعات لتكون أيامه حجة له لاعليه.
ولأجل هَذَا عظمت مراعاة السَّلَف الصالح رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لأنفاسهم ولحظاتهم وبادروا إلى اغتنام ساعاتهم وأوقاتهم ولم يضيعوا أعمارهم في البطالة والتقصير ولم يقنعوا لأنفسهم إِلا بالجد والتشمير فلله درهم ما أبصرهم بتصريف أوقاتهم.
تَبْغِي الْوُصُولَ بِسَيْرٍ فِيهِ تَقْصِيرُ ** لا شَكَّ أَنَّكَ فِيمَا رُمْتَ مَغْرُورُ
قَدْ سَارَ قَبْلَكَ أَبْطَالٌ فَمَا وَصِلُوا ** هَذَا وَفِي سَيْرِهِمْ جَدٌّ وَتَشْمِيرُ
قال بَعْضهمْ أدركت أقوما كَانُوا على ساعاتهم أشفق منكم على دنانيركم ودراهمكم فكما لا يخَرَجَ أحدكم دنيارًا ولا درهما إِلا فيما يعود نفعه عَلَيْهِ فكذالك السَّلَف لا يحبون أن تخَرَجَ ساعة بل ولا دقيقة من أعمارهم إِلا فيما يعود نفعه عَلَيْهمْ ضد ما عَلَيْهِ أَهْل هَذَا الزمان من قتل الوَقْت عَنْدَ المنكرات.
بَقيَّةُ الْعُمْرِ عِنْدِي مَا لَهُ ثَمَنٌ ... وَإِنْ غَدَا غَيْرَ مَحْسُوبٍ مِنَ الزَّمَنِ
يَسْتَدْرِكُ الْمَرْءُ فِيهَا مَا فَائِتَةٍ ... مِنَ الزَّمَانِ وَيَمْحُو السُّوءَ بِالْحَسَنِ
_ وفي الآية إثبات حقيقة هي قول العامة الدنيا مزرعة الآخرة أي من عمل في الدنيا نال ثمار عمله في الآخرة خيراً أو شراً.
قال مجاهد وغيره: نزلت في الصائمين .
ففيها بشارة لكل صائم فابشر بقول ربك {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} فعند احتسابك الأجر وصبرك على العطش وأرق العمل، تذكر هذه الآية.
قيل للربيع بن خيثمة وقد كان يقوم ليله ويصوم نهاره (أتعب نفسك) فقال:راحتها أطلب.
نفعنا الله بماكتبنا وعلمنا من فضله وجعل اعمالنا خالصة لوجهه.










المراجع:
تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (23/ 234)
ابن كثير
تفسير المراغي (27/ 23)
موارد الظمآن لدروس الزمان (5/ 620)
أيسر التفاسير للجزائري (5/ 424)
تفسير المراغي (22/ 131)

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 30 جمادى الأولى 1439هـ/15-02-2018م, 03:22 AM
رشا عطية الله اللبدي رشا عطية الله اللبدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 340
افتراضي

أهمية إصلاح السريرة وقوله تعالى : ( يوم تبلى السرائر ) سورة الطارق
الحمد لله العلي الأعلى , كاشف البلوى , سامع النجوى , يعلم السر وأخفى , الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى , حمداً يدوم ويبقى .
هذه بعض الوقفات مع قوله تعالى : ( يوم تبلى السرائر )
قال ابن عاشور: السرائر جمع سريرة , وهي ما يسره الإنسان ويخفيه من نواياه وخفاياه .
ويقول ابن كثير: " تبلى السرائر : أي تظهر وتبدو , ويكون السر علانية والمكنون مشهوراً .
والشواهد والنصوص التي توضح أهمية مراقبة خفايا النفس كثيرة , قال تعالى : ( قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ) سورة آل عمران
وقال عز وجل : ( يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور ) سورة غافر
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " رواه مسلم .

والمؤمن يعلم أن من أهم المسئوليات التي على عاتقه , هي إصلاح خواطره , ونياته ومقاصده .
يقول ابن القيم رحمه الله: " قاعدة في ذكر طريق يوصل إلى الإستقامة في الاحوال والأقوال والأعمال , وهما شيئان أحدهما حراسة الخواطر وحفظها والحذر من إهمالها والإسترسال معها , فإن أصل كل فساد من قبلها يجيئ , لأنها بذر الشيطان والنفس في أرض القلب , فإذا تمكن بذرها تعادها الشيطان بسقيه مرة بعد أخرى حتى تصير إرادات ثم يسقيها بسقيه حتى تكون عزائم , ثم لا يزال بها حتى تثمر الاعمال "

ولأنه يسير إلى الله بقلبه, يجتهد أن يكون كل عمل من أعمال هذا القلب في محله وعلى ما يرضي ربه , فإن رأى منه جزعاً محل الرضا أو يئساً محل الرجاء أو إعراضاً محل القبول أو كفراً بنعمة محل الشكر أو شكاً محل اليقين أو طمعاً محل زهد أو لحظ منه لفتة إلى غير وجهة سيره أو احتال بحيلة عليه متطلباً مديحاً أو ثناءاً , عاتبه ولامه وأغلظ عليه في القول , يداويه بنصوص الوحي ونور كلام ربه تارة , وبتذكيره بنعم ربه عليه وآلائه أخرى وبحقيقة الدنيا والناس وماهم عليه من فناء وزوال , وماعند ربه من كمال وبقاء .

علم ذلك السلف ومن قبلهم الأنبياء فكان جل سعيهم له وغاية آمالهم الحصول عليه .
يخبر الله سبحانه وتعالى بمقالة إبراهيم عليه السلام لنقتدي به وننهج نهجه , ( ولا تخزني يوم يبعثون * يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب ٍ سليم )سورة الشعراء فلن تكون النجاة من الخزي إلا بالقلب السليم , ولن يلقى ربه بقلبٍ سليم من إلتفت إلى مقاصد الناس وتنبأ ببواطنهم وحلل مواقفهم , فانشغل بهم عن نفسه وإصلاح خواطره , يقول تعالى : ( قد أفلح من زكاها ) سورة الشمس , وكيف سيزكي نفسه ويطهرها إذ لم تكن هي أولى أولياته , ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون ). سورة المائدة

ويقول الله سبحانه وتعالى ممتدحاً موسى عليه السلام : ( واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلِصاً وكان رسولاً نبياً ) 51 سورة مريم . مخلصاً بكسر اللام في إحدى القراءات .

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم :" وأسألك قلباً سليماً" رواه الإمام أحمد وصححه ابن حبان .

وفي ثنائه سبحانه على المؤمنين في اهتمامهم بسلامة قلوبهم قال : ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم )سورة الحشر

يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " القوة في العمل أن لا تؤخر عمل اليوم للغد , والأمانة ألا تخالف سريرة علانية , واتقوا الله عز وجل فإنما التقوى بالتوقي , ومن يتق الله يقه "

وعن عثمان رضي الله عنه قال: " ما أسر أحد سريرة إلا أظهره الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه "
ويقول سفيان الثوري: " ما عالجت شيئاً أشد علي من نيتي لأنها تتقلب علي "

ذكر الأعمشقال كنت عند إبراهيم النخعي وهو يقرأ المصحف واستأذن عليه رجل فغطى المصحف , وقال : لا يرى هذا أني أقرأ في المصحف في كل ساعة .

وعن القاسم بن محمد قال: كنا نسافر مع ابن المبارك , فكثيراً ما كان يخطر ببالي فأقول في نفسي : بأي شئٍ فضل هذا الرجل علينا, حتى اشتهر في الناس هذه الشهرة , إن كان يصلي إنا لنصلي ولئن كان يصوم فإنا لنصوم , وإنا كان ليغزو فإنا لنغزو , وإن كان يحج إنا لنحج . قال : فكنا في بعض مسيرينا في طريق الشام , ليلة نتعشى في بيت إذ طفئ السراج , فقام بعضنا فاخذ السراج وخرج يستصبح , فمكث هنيهة ثم جاء بالسراج , فنظرت إلى وجه ابن المبارك ولحيته قد ابتلت من الدموع , فقلت في نفسي : بهذه الخشية فضل هذا الرجل علينا , ولعله حين فقد السراج , فصار إلى الظلمة ذكر القيامة .
وعن ابن واسع أنه قال: " إن الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته معه لا تعلم "
وليكن إصلاح سريرتك وباطنك هو مشروع عمرك وأبشر فقد قال الله تعالى في آخر سورة العنكبوت: ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين )

قال ابن القيم: " لله هاتيك القلوب وما انطوت عليه من الضمائر وماذا اودعته من الكنوز والذخائر
ولله طيب اسرارها ولا سيما ( يوم تبلى السرائر )
سيبدو لها طيب ونورٌ وبهجةٌ وحسن ثناء يوم تبلى السرائر

اللهم أصلح سريرتنا وارفع درجتنا وأحسن عاقبتنا واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا , فما لله باق وما لدونه زائل مضمحل . وصلي اللهم وسلم على نبيك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .



المراجع
تفسير القران العظيم لابن كثير
تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور
سير أعلام النبلاء للذهبي
إغاثة اللهفان لابن القيم
طريق الهجرتين لابن القيم

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 1 جمادى الآخرة 1439هـ/16-02-2018م, 04:39 AM
عائشة إبراهيم الزبيري عائشة إبراهيم الزبيري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 328
افتراضي

سبيل النجاة من الخسران
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن جنس الإنسان كله في خسر، كما اخبر ربنا سبحانه وتعالى في سورة العصر (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ) ، وقد أكد سبحانه هذا الخسران بثلاث مؤكدات:
إحداها: القسم.
ثانيها: إنّ.
ثالثها: اللام في
وقد جاءت (في) في قوله: (لفي خسر) وهو أبلغ من لخاسر، لأن (في) للظرفية، التي تصور وكأن الإنسان منغمس في الخسران ومحيط به من كل جانب.
وكل هذا للتأكيد على أن جنس الإنسان كله في خسران ونقصان في جميع أحواله في الدنيا والآخرة، وهذه الآية تدعو الغافل للتنبه والاستيقاظ من غفلته، وتدعو المقصر إلى الإحسان في عمله، وتدعو المقلل من الأعمال إلى الإكثار منها، وذلك لأن الخسران على مراتب متعددة:
- خسران مطلق، كحال من خسر الدنيا والآخرة، ففاته نعيم الجنات ورحمة الله ورضوانه، واستحق الجحيم والنكال والعذاب الشديد والغضب من رب العالمين –نعوذ بالله من ذلك-.
- خسران جزئي، فيكون خاسراً في بعض الأمور وليس كلها، وذلك لاتصافه ببعض الصفات الأربع التي استثنى سبحانه أصحابها من الخسران المطلق.
وهذه الصفات الأربع هي في قوله تعالى: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)، وسنزيد في تفصيل هذه الصفات لأهميتها وعظيم شأنها، إذ هي سبيل النجاة، وكل عاقل يريد النجاة يريد الاتصاف بصفات النجاة من الخسران في الدنيا والآخرة:
1. أولها: الإيمان، والإيمان هو الإعتقاد الجازم الذي لا شك فيه ولا مرية، فيؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره إيماناً جازماً وكأنه يراها عياناً، وهذا هو الإيمان الذي عرفه رسوله الله صلى الله عليه وسلم عندما سأله جبريل عن الإيمان،
فيؤمن بذات الله، وبربوبيته، وألوهيته، وأسماءه وصفاته الذي ذكرها سبحانه في كتابه وذكرها رسولنا صلى الله عليه وسلم عن ربنا جل وعلا بلا تكييف ولا تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل، فيؤمن بالله الملك القدوس العظيم الكبير المتعالي، فيورث في قلبه الخوف منه سبحانه، ويؤمن بالله الرحمن الرحيم الحكيم الودود اللطيف ، فيورث في قلبه محبته سبحانه، ويؤمن بالله العفو الغفور الرحيم، فيورث في قلبه الرجاء، وهذه الثلاث الخوف والمحبة والرجاء هي أركان العبادة التي إن اختل أحدها مال صاحبها عن الطريق المستقيم المؤدي إلى طريق النجاة من الجحيم والفوز بالنعيم.
ويؤمن بملائكته المكرمين المقربين، وهم عباد لله مخلوقون من نور، ووكلوا بأعمال قد علمنا بعضها، منها: جبريل الموكل بالوحي، ميكائيل الموكل بالقطر، مالك الموكل بقبض الأرواح، الملائكة الموكلين بكتابة أعمال العباد، الملائكة الذين يستغفرون للذين ءامنوا، حملة العرش، وملائكة ليس لهم عمل إلا السجود لله سبحانه وتعالى وأُخر ركع، وغيرهم الكثير، وعند التأمل في حال هذا الخلق العظيم الذين كتب الله لهم العصمة مع عظم خلقهم، وكيف هي عبادتهم لله سبحانه، يتبين لنا عظمه سبحانه وتعالى، فعظم المخلوق يدل على عظم الخالق، فعلى عظمهم فالله سبحانه وتعالى اعظم منهم، لأنه سبحانه وتعالى هو الذي خلقهم وأمدهم بالقوة، فعرف الملائكة ذلك حق المعرفة فلا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فكيف هو حالنا مقارنةً بهم، فعندما قصر علمنا عنه سبحانه وتعالى، قصّرنا في عبادته وفي طاعته بالإئتمار بأوامره والإنتهاء عن نواهيه، اللهم تجاوز عنا تقصيرنا.
ويؤمن بكتبه التي انزلها على رسله، وليست التي حرفت وبدلت، فهذه الكتب المتواجدة في هذه الأيام ويدعي أصحابها انها هي الكتب التي أنزلها على رسوله –بخلاف القرآن المحفوظ بحفظ الله- قد حرف فيها أصحابها، فما كان فيها موفقاً للقرآن ولما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فنأخذ به من باب الإيمان بالكتب السابقة ولموافقته لما جاء في المحفوظ، وما خالف ما في المحفوظ فهو مردود عليهم ولا يجوز الإيمان به بأنه من الكتب التي أنزلها ربنا سبحانه وتعالى على رسله، وأما ما لم يوافق المحفوظ ولم يخالفه فنتوقف فيه، فلا نرده فنرد شيئاً قد يكون مما انزله الله على رسله، ولا نقبله وقد يكون مما بدله وحرفه المحرفه فنكون قلنا على الله بغير علم.
ويؤمن برسله جميعاً عليهم السلام، من ذكرت أسمائهم ومن لم تذكر، فنؤمن بانهم بشر فلا نرفعهم فوق مكانتهم ونألههم ونغلو فيهم، ولا نفرط في حقهم وننزلهم أقل من منزلتهم، فهم رسل مصطفون، اصطفاهم الله سبحانه وتعالى لحمل رسالة ليبلغوها للأمم، وهو سبحانه حكيم عليم بمن يصبح لهذا المقام، وهذا المقام من أشرف وأعلى المقامات لايحمله إلا افضل البشر، فدل هذا على أنهم أفضل البشر لتحملهم هذا المقام الجليل العظيم، نؤمن برسولنا محمد صلى الله عليه وسلم خاصةً، إذ هو آخر الأنبياء والرسل الذي امرنا باتباعه إلى يوم القيامة، فهو قد بعث للناس عامة بخلاف باقي الأنبياء والرسل عليهم السلام، وإيماننا بالرسل وتدبر أحوالهم وقصصهم يدعونا إلى الصبر والمجاهدة للوصول لأعلى المراتب بإذن الله.
ويؤمن باليوم الآخر، واليوم الآخر يبدأ منذ موت الإنسان، فكل إنسان تبدأ قيامته منذ موته، فيؤمن بما في القبر، ويؤمن بما بعد البعث من أهوال وحساب وجنة ونار، والكلام في الإيمان باليوم الآخر يطول ولكنه يجعل القلب الغافل يقضاً متربصاً بحاله، فكلما وجد المرء في نفسه غفلة وانتكاس في حاله وكسل فليقرأ في وصف اليوم الآخر وما فيه من اهوال ووصف الجنة والنار الذي يزيد المحبة والخوف والرجاء لله سبحانه وتعالى، فتعلو همتهم للأعالي، ويجتهد في عبادته حق الإجتهاد.
ويؤمن بالقدر خيره وشره، فيؤمن بعلم الله الأزلي الأبدي، ويؤمن بكتابة الله سبحانه وتعالى لذلك العلم في اللوح المحفوظ، ويؤمن بمشيئته سبحانه، ويؤمن بخلقه، وهذه هي أركان الإيمان بالقدر، ولا يظن ظان بأنه ليس له مشيئة وأنه مجبور على أفعاله، فالله سبحانه وتعالى قد كتب في اللوح المحفوظ بعلمه السابق بنا وبما سنعمله ولم يلزمنا بالعمل بما كتبه، فنحن لنا مشيئة نعمل بها ما نشاء ولكن هذه المشيئة تحت مشيئته سبحانه، فقد أريد أن أعمل عملاً، ولكنه سبحانه لا يريد أن أعمله فلن أستطيع عمله مهما حاولت، وهذا دليل على أن مشيئتنا تحت مشيئته سبحانه وتعالى، وللإيمان بالقدر مزيد تفصيل لا يسع المقام، والإيمان بالقدر يؤدي إلى الإعتماد عليه سبحانه وتعالى في جميع أمورنا فنحن نأخذ بالاسباب ونوكل أمرنا إلى الله، فإن كان يه خيراً لنا يسره سبحانه، وإن كان فيه شراً منعه، فيورث هذا الطمأنينة بالقلب والراحة في النفس بأن ما قدره علي هو الخير لي حتى وإن لم يظهر لي الخير.

2. ثانيها: العمل الصالح، فهم علموا وعملوا ولم يقتصروا على العلم، بل دليل الإيمان والعلم هو العمل، وهذا فيه رد على من يقول بأن الإيمان في القلب، بل لابد أن تظهر آثاره على الجوارح، ولا يكون العمل صالحاً إلا إذا كان خالصاً لله سبحانه وتعالى، ومتابعاً فيه للرسول صلى الله عليه وسلم، فالعمل إن لم يكن خالصاً لله فهو مردود، بحيث دخله شرك أو رياء فهو مردود وإن كان في ظاهره أنه عمل صالح، وكذلك إن لم يكن متابعاً فيه للرسول صلى الله عليه وسلم فهو مردود كذلك، لأنك ابتدعت شيئاً لم يشرعه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وقد امرنا بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في عباداتنا، ومن هذا يتبين لنا أهمية معرفتنا لديننا ولما امرنا به ونهانا عنه، لكي لا نبتدع في ديننا ولا ندخل فيه ما ليس منه، فهذه دعوة للتعلم فلا عمل بلا علم.

وبهاذين الصفتين يكمل المرء نفسه، ثم ينتقل لصفتين يكمل بهما غيره.

3. ثالثها: التواصي بالحق، فيدعو لدين الله ولدين رسوله صلى الله عليه وسلم من لا يحسنه، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولهذه الدعوة شروط وطرق ووسائل، وعلى الداعي أن يكون عالماً بالحكم الشرعي وبكيفية الدعوة وبحال المدعو، فيدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادلهم بالتي هي احسن، ويدعوهم على بصيرة، ولا يدعوهم بغير علم فيفسد أكثر مما يصلح، والله المستعان.

4. رابعها: التواصي بالصبر، وهو حبس النفس عما لا ينبغي فعله، وقد جاء التواصي بالصبر بعد التواصي بالحق لأن العمل بالحق والتمسك به والدعوة إلية يتبعه الإبتلاء ومحاولة الصد عن هذه الدعوة من شياطين الإنس والجن، والإبتلاء يحتاج إلى صبر وتصبر، وهذا الصبر يكون على:
• الصبر على طاعته
• الصبر عن معصيته
• الصبر على أقدار الله المؤلمة التي من عند الله مما لا كسب للعباد فيه، أو مما يجزيه الله على أيدي بعض العباد من الإيذاء والإعتداء.
ومما يصبر المرئ عليه تعلم العلم والعمل به وتعليمه، ويوصي بعض الناس بعضهم بالصبر على ذلك كله.

وقد قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- : " فجهاد النفس أربع مراتب أيضا :
إحداها : أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به ، ومتى فاتها علمه شقيت في الدارين .
الثانية : أن يجاهدها على العمل به بعد علمه ، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها .
الثالثة : أن يجاهدها على الدعوة إليه ، وتعليمه من لا يعلمه ، وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات ، ولا ينفعه علمه ، ولا ينجيه من عذاب الله .
الرابعة : أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ، ويتحمل ذلك كله لله . فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين ، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيا حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه ، فمن علم وعمل وعلم فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات . "

وقد جاء ذكر التواصي بالحق والتواصي بالصبر بعد ذكر الإيمان والعمل الصالح مع انهما داخلان في العمل الصالح، للدلالة على أهميتهما وعظيم شأنهما ولإبراز كمال الاعتناء بهما.

وبهذا يتبين لنا سبب قول الشافعي عن هذه السورة: (لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لوسعتهم) فهي كافية للخلق في الحث على التمسك بالدين بالإيمان والعمل الصالح والدعوة لله والصبر على ذلك، وليس مراده بأنها كافية للخلق في جميع الشرعة.
وكذلك يتبين لنا الناجي من الخسران، ومن انغمس في الخسران فخسر الدنيا والآخرة، فبمفهوم المخالفة يتضح لنا بأن الذي كفر ولم يؤمن ولو بواحد من أركان الإيمان، ومن كان عمله فاسداً باطلاً لفقد شرطي الإخلاص والمتابعة، ومن لم يوصي بالحق بالكلية أو تواصى بالباطل، ومن لم يصبر بأن هلع وجزع ولم يوصي غيره بالصبر، فهؤلاء قد خسروا الخسران الحقيقي، أعاذنا الله منه.

والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المصادر:
1. جامع البيان عن تأويل آيّ القرآن لابن جرير الطبري.
2. زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم.
3. تفسير القرآن العظيم لابن كثير
4. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي.
5. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي.
6. تفسير جزء عم لمحمد بن صالح العثيمين.
7. شرح ثلاثة الأصول لمحمد صالح العثيمين.
8. تفسير زبدة التفسير لمحمد سليمان الأشقر.
9. التسهيل لتأويل التنزيل (تفسير جزء عم) في سؤال وجواب لمصطفى العدوي

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 2 جمادى الآخرة 1439هـ/17-02-2018م, 05:34 PM
عبدالعزيز ارفاعي عبدالعزيز ارفاعي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 173
افتراضي

تفسير قوله تعالى ((لقد خلقنا الإنسان في كبد))
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين والعاقبة للمتقين, وأشهد أن لا إله إلا الله الحق المبين ,وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي الأمين بلغ الرسالة وأداء الأمانة ونصح الأمة وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك أما بعد:
أخي المبارك تأمل معي رعاك الله قوله تعالى ((لقد خلقنا الإنسان في كبد)) ففي هذه الآية قاعدة جليلة إذا استشعرها العبد المؤمن ازداد طمأنينة على طمأنينته وراحة فوق راحته, وفيها مصداق حديث رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي رواه عنه ابن عباس في سنن ابن ماجه(وأعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ,وما أخطأك لم يكن ليصيبك), وهذه الآية جواب لقسم سبقها فقد أقسم الله بالبلد الحرام ورسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حل فيه وأقسم بالوالد وهو أبونا آدم عليه السلام وبالولد وهم كل المولودين من ذريته, ثم جاء جواب القسم وقد تقدمه حرف اللام زيادة تأكيد وجاءت قد لزيادة التحقيق أيضا أن الله خلق جميع جنس الإنسان في كبد , فما هو الكبد ؟!!
الكبد يا رعاك الله هو التعب والشدة والعناء وأصل الكبد هو الشدة يقال تكبد اللبن غلظ وخثر واشتد , وتسمى الكبد كبدا لأنها عبارة عن دم تغلظ واشتد ,وكابدت الأمر أي قاسيت شدته.
قال الحسن البصري في هذه الآية (يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة)
فالإنسان منذ أن يولد وهو فهو في مكابدة ومقاساة فأول ما يولد في عالم غير عالم الحمل وبطن والدته فقد كان فيه مكفيّا كل شيء (العالم الخارجي والحر والبرد والأكل والشرب ) ,تجد المولود يستهل صارخا وباكيا متألما ثم يعاني من قطع الحبل السري وتناوله بالأيدي ونقله من مكان إلى مكان وتغيير ملابسة وتغسيله ثم مكابدة الرضاع والفطام والمشي والكلام ومضغ الطعام ثم التخاطب والتعايش مع من حوله من الأنام وما يصيبه من الأمراض و الأسقام , ثم مكابدة التعلم والتأديب ثم البحث عن الوظيفة ومصدر الرزق ثم الزواج وما يعانيه من البحث والتكلف ثم إنجاب الأولاد وتلبية احتياجاتهم وتأمين حياتهم والبحث لهم عن مسكن يؤويهم , والانشغال بما ألقي عليه من مهام سواء وظيفية أو اجتماعية (أهله –جيرانه – زملاءه – وطنه) وما يبذل و يكابد من محن في المال والنفس , ثم بعد القوة الضعف والكهولة ومكابدة الهرم وكثرة الأمراض ثم مكابدة الموت ثم مكابدة أهوال القبر وضمته وما فيه من أحوال ثم مكابدة البعث والنشور وأهوال يوم القيامة وطول الموقف إلى أن يصير إما إلى جنة فيرتاح ويستريح أو إلى نار والعياذ بالله فتزداد المكابدة والتعب وتصبح عذابا أليما فيكون ما قاساه في الدنيا والبرزخ من شدة يعد نعيما بالنسبة لما هو فيه من عذاب النار ولهذا قال السعدي رحمه الله في تفسيره "وأنه ينبغي له أن يسعى في عمل يريحه من هذه الشدائد ويوجب له الفرح والسرور الدائم وإن لم يفعل فإنه لا يزال يكابد العذاب الشديد أبد الآباد"" .
العجيب أنك أيها الإنسان حتى ما تستمتع به يحتاج إلى مكابدة وتعب فأنت لا تأكل ولا تشرب ولا تجامع زوجتك إلا ببذل جهد وتعب ويترتب على ذلك أيضا جهد آخر ففي الأكل تحتاج إلى صنع الطعام والجلوس له ومضغه ثم بعد ذلك تحتاج إلى الخلاء والذهاب إليه وإخراج الفضلات من بطنك وقس عليه الشراب وسائر أصناف الملذات الدنيوية .
فيا أيها الإنسان لو كان الأمر إليك لما اخترت هذا التعب والنصب ,ولكن لك رب خلقك ودبرك وكتب عليك ذلك فلتمتثل أمره ولتجتنبه نهيه حتى لا تصير من تعب إلى تعب ومن شدة إلى شدة
هذا والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 2 جمادى الآخرة 1439هـ/17-02-2018م, 05:35 PM
عبدالعزيز ارفاعي عبدالعزيز ارفاعي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 173
افتراضي تنويه

لم انتبه لموضوع الأخت وأنه مطابق لاختياري ولعله توارد أفكار

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 3 جمادى الآخرة 1439هـ/18-02-2018م, 12:39 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

تقويم تطبيقات على درس الأسلوب الوعظي
----------------------


- للا حسناء الشنتوفي.أ
أحسنتِ وفقكِ الله ونفع بكِ ، وأشيد بحسن استدلالك وإتيانك على أهم عناصر الرسالة وظهور أسلوبك، مع ملحوظات يسيرة .
1: وددت لو بيّنتِ مناسبة الآية لما قبلها ومقصد السورة في مقدمتك، كما وددت لو وقفتِ على بعض الأدلة أو الآثار التي تبين جزاء الصابرين على المشقة في ختام رسالتك بيانا لعنصر الترغيب.
2: بالنسبة لإيرادك لقول السعدي أشيري إلى حدود النص المقتبس بــــ (.......) حتى لا يختلط كلامه بكلامك
.
3:
لم تذكري مصادرك في الرسالة وهي في غاية الأهمية .

- فاطمة إدريس شتوي.أ+
أحسنتِ بارك الله فيكِ ونفع بكِ؛
وأشيد بحسن استدلالك وإتيانك على أهم عناصر الرسالة وظهور أسلوبك، مع ملحوظات يسيرة .
1: لم تذكري مصادرك في الرسالة وهي في غاية الأهمية .
2: بعض الأحاديث التي تناولتها لم تذكري تخريجها.
3: سبب نزول الآيات إن صح ينبغي أن لا نغفل عن ذكره ،لأنّ مقصدنا هو تفسير الآية لكن بطابع وعظي.

- هيثم محمد .ج+
بارك الله في اجتهادك وسددك ، رسالتك يظهر الأسلوب الاستنتاجي بشكل واضح فيها ؛وغاب عنها عناصر التأثير على المخاطبين كالترغيب والترهيب ، فهي تعتني بشكل واضح بالفوائد المتستنبطة من الآية .
** بإمكانك التعديل عليها بما هو مطلوب وتعديل درجتك وفقك الله.

- إجلال سعد علي مشرح.ج
بارك الله فيكِ وسددكِ، رسالتك علمية بحتة لا تناسب مقام الخطاب الوعظي والتأثير بالترغيب والترهيب بمعاني الآية ، وهي مختصرة جدا تحتاج
المصادر .

** بإمكانكِ التعديل عليها بما هو مطلوب وتعديل درجتك وفقك الله.

- ابتسام الرعوجي .أ
أحسنتِ بارك الله فيك في صياغتك واستدلالك وصياغتك وذكركِ للفوائد.

1: بما أنكِ تطرقتِ للحديث عن الآيات السابقة ينبغي ذكر هذه الآيات ولا تكتفي بالمعنى العام .
2: خلاصة القول في المراد بالحسنى يجب أن يكون شاملا للأقوال بما فيها أن يخلفه الله تعالى عوضا عن إنفاقه،وانظري ترجيح ابن جرير لهذا القول وكيف ربطه بما سبقه من الآيات.
3: أتيتِ على تفسري قوله تعالى :( فسنيسره لليسرى) باختصار شديد .

- وفاء بنت علي شبير.أ
أحسنتِ بارك الله فيكِ رسالتك قيّمة جدا وأسلوبك الوعظي ظاهر ومؤثر لكن ظهوره قليل لكثرة النقول في القسم الأول من الرسالة ، أمّا القسم الثاني منها حيث ذكرتِ بعض الوقفات فكان يحسن أن تذكريها في أثناء تفسيرك للآية دون فصلها كفوائد أو وقفات وكأنكِ انتقلت لأسلوب الاستنتاج ، كما أنّ منها لا يناسب مقام الوعظ كذكركِ لمسألة المتعلق وتقديم الجار والمجرور إذا كان الوعظ للعامة ، رسالتك ممتازة فقط تحتاج لترتيب عناصرها بشكل أكثر.

- سارة عبدالله.ب
أحسنتِ بارك الله فيكِ على الرغم من قلة صياغتك ،و النقل لا يزال غالبا على رسالتك لكن من غير عزو لأصحابها.


- رشا عطية اللبدي.أ+
أحسنتِ جدا بارك الله فيكِ ، أسلوبك حاضر ورسالتكِ مؤثرة إلا أن النقول أكثرتِ منها على حساب تعبيرك.

- عائشة إبراهيم الزبيري .ب+
أحسنتِ بارك الله فيكِ وسددكِ رسالتك شاملة لمسائل الآية ومصادرك وأسلوبك ممتاز إلا أنّ رسالتك أقرب للتقرير العلمي ، وعنايتك بالفوائد السلوكية وحديثك عن معاني الآية بما يرغّب ويرهّب مهمّة لإظهار الأسلوب الوعظي .
.
- عبد العزيز ارفاعي.أ+
أحسنت وفقك الله لكن فاتك بيان مصادرك في الرسالة .


- بارك الله في اجتهادكم -

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:18 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir