دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب النكاح

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25 جمادى الأولى 1431هـ/8-05-2010م, 01:43 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب الخلع

بابُ الْخُلْعِ
مَن صَحَّ تَبَرُّعُه من زوجةٍ وأَجْنَبِيٍّ صَحَّ بَذْلُه لِعِوَضِه، فإذا كَرِهَتْ خُلُقَ زَوْجِها أو خَلْقَه أو نَقْصَ دينِه أو خَافَتْ إِثْمًا بتَرْكِ حَقِّه أُبيحَ الْخُلْعُ وإلا كُرِهَ وَوَقَعَ، فإن عَضَلَها ظُلْمًا للاقتداءِ، ولم يكنْ لزِنَاهَا أو نُشوزِها أو تَرْكِها فَرْضًا ففَعَلَتْ، أو خالَعَت الصغيرةُ والمجنونةُ والسفيهةُ، أو الأَمَةُ بغيرِ إذْنِ سَيِّدِها لم يَصِحَّ الْخُلْعُ ووَقَعَ الطلاقُ رَجْعِيًّا إن كان بلفْظِ الطلاقِ أو نِيَّتِه.

  #2  
قديم 28 جمادى الأولى 1431هـ/11-05-2010م, 01:52 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

..................

  #3  
قديم 28 جمادى الأولى 1431هـ/11-05-2010م, 01:53 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي


بابُ الخُلْعِ
وهو فِرَاقُ الزوجةِ بِعِوَضٍ بألفاظٍ مخصوصةٍ، سُمِّيَ بذلك؛ لأنَّ المرأةَ تَخْلَعُ نفسَها من الزوجِ، كما تَخْلَعُ اللِّبَاسَ، قالَ تعالَى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}.
(مَن صَحَّ تَبَرُّعُهُ) وهو الحُرُّ الرشيدُ غيرُ المحجورِ عليهِ (مِن زَوْجَةٍ وأجنبِيٍّ، صَحَّ بَذْلُهُ لِعِوَضِهِ)، ومَن لا، فلا؛ لأنَّه بَذْلُ مالٍ في مُقابَلَةِ ما ليسَ بمالٍ ولا مَنْفَعَةٍ، فصارَ كالتَّبَرُّعِ، (فإذا كَرِهَتِ) الزوجةُ (خَلْقَ زَوْجِها أو خُلُقَه) أُبِيحَ الخُلْعُ، والخَلْقُ بفتحِ الخاءِ صورتُه الظاهرةُ، وبِضَمِّها صورتُه الباطنةُ، (أو) كَرِهَتْ (نَقْصَ دِينِهِ، أو خَافَتْ إِثْماً بِتَرْكِ حَقِّه، أُبِيحَ الخُلْعُ)؛ لقولِهِ تعالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}. وتُسَنُّ إِجَابَتُها إذن، إلاَّ معَ مَحَبَّتِهِ لها، فيُسَنُّ صَبْرُها وعدمُ افْتِدَائِها، (وإلاَّ) يَكُنْ حاجةٌ إلى الخُلْعِ، بل بينَهما الاستقامةُ، (كُرِهَ، ووَقَعَ)؛ لحديثِ ثَوْبَانَ مرفوعاً: ((أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلاَقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ)). رَوَاهُ الخمسةُ غيرَ النَّسَائِيِّ.
(فإنْ عَضَلَها ظُلْماً للافتداءِ)؛ أي: لِتَفْتَدِيَ منه، (ولم يَكُنْ) ذلكَ (لِزِنَاهَا أو نُشُوزِها أو تَرْكِها فَرْضاً، فَفَعَلَتْ)؛ أي: افْتَدَتْ مِنه، حَرُمَ ولم يَصِحَّ؛ لقولِه تعالَى: {وَلاَ تَعْضِلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيَّنَةٍ}. فإنْ كانَ لِزِنَاهَا أو نُشُوزِها أو تَرْكِها فَرْضاً، جازَ وصحَّ؛ لأنَّه ضَرَّها بحقٍّ، (أو خَالَعَتِ الصغيرةُ والمجنونةُ والسفيهةُ) ولو بإذنِ وَلِيٍّ، (أو) خَالَعَتِ (الأَمَةُ بغيرِ إذنِ سَيِّدِها، لم يَصِحَّ) الخُلْعُ؛ لِخُلُوِّهِ عن بَذْلِ عِوَضٍ مِمَّن يَصِحُّ تَبَرُّعُه، (أو وَقَعَ الطلاقُ رَجْعِيًّا إنْ) لم يَكُنْ تَمَامَ عِدَّةٍ، أو (كانَ) الخلعُ المذكورُ (بلفظِ الطلاقِ أو نِيَّتِهِ)؛ لأنَّه لم يَسْتَحِقَّ بهِ عِوَضاً، فإنْ تَجَرَّدَ عن لفظِ الطلاقِ ونِيَّتِهِ، فلَغْوٌ، ويَقْبِضُ عِوَضَ الخُلْعِ زَوْجٌ رشيدٌ، ولو مُكَاتَباً أو محجوراً عليه لِفَلَسٍ، ووَلِيُّ الصغيرِ ونحوُه، ويَصِحُّ الخُلْعُ مِمَّن يَصِحُّ طلاقُه.

  #4  
قديم 28 جمادى الأولى 1431هـ/11-05-2010م, 01:55 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم


باب الخلع([1])

وهو فراق الزوجة بعوض([2]) بألفاظ مخصوصة([3]) سمي بذلك لأن المرأة تخلع نفسها من الزوج، كما تخلع اللباس([4]) قال تعالى ]هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ[([5]) (من صح تبرعه) وهو الحر، الرشيد، غير المحجور عليه (من زوجة وأجنبين صح بذله لعوضه)([6]).
ومن لا فلا([7]) لأنه بذل مال، في مقابلة ما ليس بمال، ولا منفعة، فصار كالتبرع([8]) (فإذا كرهت) الزوجة (خلق زوجها أو خلقه) أُبيح الخلع([9]) والخلع – بفتح الخاء – صورته الظاهرة، وبضمها: صورته الباطنة([10]) (أَو) كرهت (نقص دينه([11]) أو خافت إثما بترك حقه، أُبيح الخلع)([12]).
لقوله تعالى ]فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ[([13]) وتسن إجابتها إذًا([14]) إلا مع محبته لها، فيسن صبرها، وعدم افتدائها([15]) (وإلا) يكن حاجة إلى الخلع، بل بينهما الاستقامة (كره، ووقع)([16])
لحديث ثوبان مرفوعا «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق، من غير ما بأْس، فحرام عليها رائحة الجنة» رواه الخمسة إلا النسائي([17]) (فإن عضلها ظلما للإفتداء) أي لتفتدي منه([18]) (ولم يكن) ذلك (لزناها، أو نشوزها، أو تركها فرضا([19]) ففعلت) أي افتدت منه، حرم ولم يصح([20]).
لقوله تعالى ]وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ[([21]) فإن كان لزناها، أو نشوزها، أو تركها فرضا جاز وصح، لأَنه ضرها بحق([22]) (أو خالعت الصغيرة، والمجنونة، والسفيهة) ولو بإذن ولي([23]) (أو) خالعت (الأَمة بغير إذن سيدها، لم يصح الخلع)([24]) لخلوه عن بذل عوض ممن يصح تبرعه([25]).
(ووقع الطلاق رجعيًا إن) لم يكن تم عدده([26]) و(كان) الخلع المذكور (بلفظ الطلاق، أو نيته)([27]) لأنه لم يستحق به عوضا([28]) فإن تجرد عن لفظ الطلاق ونيته فلغو([29]) ويقبض عوض الخلع زوج رشيد، ولو مكاتبا، أو محجورا عليه لفلس([30]) وولي الصغير ونحوه([31]) ويصح الخلع ممن يصح طلاقه([32])


([1]) الأصل في جواز وقوعه الكتاب، والسنة، والإجماع، قال تعالى ]فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ[ وقصة ثابت، وإجماع الأئمة، كما حكاه غير واحد.

([2]) أي: والخلع فراق الزوج امرأته، بعوض يأخذه الزوج، من امرأته أو غيرها.

([3]) أي فلا يحصل بمجرد بذل المال وقبوله، من غير لفظ الزوج، قال القاضي: هذا الذي عليه شيوخنا، وقدمه في المغني، والشرح، والفروع، وغيرها.

([4]) أي فأصل ا لخلع من خلع الثوب.

([5]) شبه باللباس، لاشتمال كل على صاحبه، اشتمال اللباس على اللابس.

([6]) فمن الزوجة للآية والحديث، ومن والأجنبي: بأن يسأل الزوج أن يخلع زوجته، بعوض يبذله له، وهو مذهب الجمهور، كما في الاختيارات وغيرها، من أنه يجوز أن يختلعها، كما يجوز أن يفتدي الأسير، وكما يجوز أن يبذل الأجنبي لسيد العبد عوضا لعتقه، ولهذا ينبغي أن يكون ذلك مشروطا، بما إذا كان قصده تخليصها من رق الزوج، لمصلحتها في ذلك.

([7]) أي ومن لم يصح تبرعه من زوجة وأجنبي، لم يصح بذله لعوض في الخلع.

([8]) فلم يصح، وشروط الخلع تسعة، بذل العوض ممن يصح تبرعه، وزوج يصح طلاقه، غير هازل، وعدم عضلها إن بذلته، ووقوعه بصيغته، وعدم نية طلاق، وتنجيزه، ووقوعه على جميع الزوجة، وعدم حيلة كما يأتي.
وفائدته: تخلصها منه، على وجه لا رجعة له عليها إلا برضاها، وعقد جديد، وعدم نقص عدد الطلاق.

([9]) على عوض، تفتدي به نفسها منه.

([10]) فالأولى لقصة بنت أبي بن سلول وغيرها، والثانية لما تقدم، من الحث على حسن الخلق، والعشرة، وقوله «خيركم خيركم لنسائه» الحديث.

([11]) أو لكبره، أو ضعفه، ونحو ذلك، أبيح لها الخلع.

([12]) على عوض تفتدي به، وفي الاختيارات: اختلف كلام أبي العباس في وجوب الخلع، لسوء العشرة بين الزوجين.

([13]) أي إلا أن يعلم الزوج أو الزوجة أن لا يقيما حدود الله، يخاف الزوج إذا لم تطعه امرأته أن يعتدي عليها، وتخاف المرأة أن تعصي الله في أمر زوجها، فلا جناح عليهما، فيما افتدت به المرأة نفسها منه، قال ابن عبد البر: لا نعلم أحدا خالف في ذلك إلا المزني، فإنه زعم أنها منسوخة بقوله ]وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ[.

([14]) لما في الصحيح أن امرأة ثابت بن قيس قالت: يا رسول الله ما أعيب عليه من دين ولا خلق، ولكن أكره الكفر في الإسلام. أي كفران العشير المنهي عنه، والتقصير فيما يجب له بسبب شدة البغض له، فقال «أتردين عليه حديقته؟» قالت: نعم، فأمرها بردها، وأمره بفراقها، رواه البخاري، فتستحب إجابتها فيما تقدم من الصور.

([15]) قال أحمد: إن كانت تبغضه وهو يحبها، لا آمرها بالخلع، وينبغي لها أن تصبر، وحمله القاضي على الاستحباب لا الكراهة، لنصه على جوازه في مواضع، وفي الاختيارات: إن كانت مبغضة له لخلقه، أو غير ذلك من صفاته، وهو يحبها، فكراهة الخلع في حقه تتوجه، وقال الشيخ: إذا أبغضته وهو محسن إليها، فإنه يطلب منه الفرقة، من غير أن يلزم بذلك، فإن فعل، وإلا أمرت المرأة بالصبر، إذا لم يكن هناك ما يبيح الفسخ.

([16]) أي كره الخلع منه ومنها في هذه الحالة، ووقع، قال الوزير وغيره:
اتفقوا على أنه يصح الخلع، مع استقامة الحال بين الزوجين، وقال ابن رشد: الجمهور أنه جائز مع التراضي، إذا لم يكن سبب رضاها بما تعطيه إضراره بها.


([17]) والحديث ظاهره التحريم، للوعيد الشديد، وقال الشيخ: إذا كان كل منهما مريدا لصاحبه، فالخلع محدث في الإسلام، والخلع الذي جاءت به السنة: أن تكون المرأة مبغضة للرجل، فتفتدي نفسها منه كالأسير.

([18]) أي فإن عضلها، بأن ضارها بالضرب، والتضييق عليها، أو منعها حقوقها، من القسم، والنفقة، ونحو ذلك، كما لو نقصها شيئًا من ذلك، ظلما لتفتدي نفسها منه.

([19]) أي ولم يكن فعل ذلك – يعني الضرب، والتضييق، والمنع من الحقوق – لزناها، أو نشوزها، أو تركها فرضا من صوم، أو صلاة، ونحو ذلك.

([20]) أي حرم ما أخذ منها، وقاله الشيخ وغيره، ولم يصح الخلع، قال في الإقناع: الخلع باطل، والعوض مردود، والزوجية بحالها، وفي الاختيارات: لو عضلها لتفتدي نفسها منه، ولم تكن تزني، حرمت عليه، وقال ابن عقيل: العوض مردود، والزوجة بائن، قال أبو العباس: وله وجه حسن، ووجه قوي، إذا قلنا: الخلع يصح بلا عوض، فإنه بمنزلة من خلع على مال مغصوب، أو خنزير ونحوه، وتخريج الروايتين هنا قوي جدًا.

([21]) أي لا تضاروهن في العشرة، لتترك بعض ما أصدقتها، أو كله، أو حقا من حقوقها عليك، أو شيئًا من ذلك، على وجه القهر لها والإضرار، قال ابن عباس: هذا في الرجل تكون له المرأة، وهو كاره لصحبتها، ولها عليه مهر، فيضرها لتفتدي به، فنهى تعالى عن ذلك، ثم قال ]إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ[ يعني الزنا، فله أن يسترجع منها الصداق الذي أعطاها، ويضاجرها حتى تتركه له، ويخالعها، وقال بعضهم: النشوز ومعصيتها، والآية تعم ذلك كله.

([22]) وإن لم يعضلها ليذهب ببعض مالها صح، ولكن عليه إثم الظلم، ولا بأس به في الحيض، والطهر الذي أصابها فيه، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يسأل المختلعة عن حالها.

([23]) لم يصح الخلع، لأنه تصرف في المال، ممن ليس بأهل للتصرف، ولا إذن للولي في التبرعات، وقال في المبدع: الأظهر الصحة مع الإذن لمصلحته، وبدونه فلا، لصدوره ممن ليس بأهل للتصرف، فلم يصح.

([24]) سواء كان على شيء معين، أو في ذمتها.

([25]) والرقيق ليس بأهل للتصرف بدون إذن سيده، فلم يصح منه كالمجنون، وبإذنه يصح كالبيع، ويكون العوض في ذمته.

([26]) أي ثلاثا، لأن الثلاث لا رجعة معها إلا بعد نكاح زوج، كما في الآية.

([27]) وقع الطلاق، ولم يصح الخلع.

([28]) أي لأنه لم يستحق بذلك الخلع عوضًا، لصدوره ممن ليس بأهل للتصرف.

([29]) لخلوه عن العوض.

([30]) لأهليتهم للقبض.

([31]) كالصغير، والسفيه، وإن كان الزوج محجورًا عليه لغير فلس، كعبد، وصغير، ومميز، وسفيه، دفع المال إلى سيد العبد، وولي الصغير، والسفيه، لعدم أهليتهم لقبضه.

([32]) وأن يتوكل فيه، مسلما كان أو ذميا، لأنه إذا صح طلاقه صح خلعه، وفي الاختيارات: التحقيق أنه يصح ممن يصح طلاقه، بالمالك، والوكالة، أو الولاية، كالحاكم في الشقاق، وكذا لو فعله الحاكم في الإيلاء أو العنة أو الإعسار، وغيرها من المواضع التي يملك الحاكم فيها الفرقة. قال: والأظهر أن المرأة إذا كانت تحت حجر الأب، أن له أن يخالع بمالها، إذا كان لها فيه مصلحة، ويوافق ذلك بعض الروايات عن مالك، وتخرج على أصول أحمد.


  #5  
قديم 23 ربيع الثاني 1432هـ/28-03-2011م, 04:11 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

بَابُ الْخُلْعِ

قوله: «الخلع» بالفتح والضم، أما بالضم فهو المعنى، وأما بالفتح فهو الفعل، مثل: الغَسل، والغُسل، الغُسل للمعنى، والغَسل للفعل.
وأصل الخلع من خَلَعَ الثوب إذا نزعه، والمراد به اصطلاحاً فراق الزوج زوجته على عوض.
والخلع على المذهب له ألفاظ معلومة، كلفظ الخلع، أو الفداء، أو الفسخ، أو ما أشبه ذلك، فإن وقع بلفظ الطلاق صار طلاقاً.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ أنه ليس له ألفاظ معلومة؛ لأن المقصود به هو فداء المرأة نفسها من زوجها، وعلى هذا فكل لفظ يدل على الفراق بالعوض فهو خلع، حتى لو وقع بلفظ الطلاق، بأن قال مثلاً: طلقت زوجتي على عوض قدره ألف ريال، فنقول: هذا خلع، وهذا هو المروي عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن كل ما دخل فيه العوض فليس بطلاق، قال عبد الله ابن الإمام أحمد: كان أبي يرى في الخلع ما يراه عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أي: أنه فسخ بأي لفظ كان، ولا يحسب من الطلاق.
ويترتب على هذا مسألة مهمة، لو طلق الإنسان زوجته مرتين متفرقتين، ثم حصل الخلع بلفظ الطلاق، فعلى قول من يرى أن الخلع بلفظ الطلاق طلاق تكون بانت منه، لا تحل له إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره، وعلى قول من يرى أن الخلع فسخ ولو بلفظ الطلاق، تحل له بعقد جديد حتى في العدة، وهذا القول هو الراجح.
لكن مع ذلك ننصح من يكتبون المخالعة أن لا يقولوا: طلق زوجته على عوض قدره كذا وكذا، بل يقولوا: خالع زوجته على عوض قدره كذا وكذا؛ لأن أكثر الحكام عندنا ـ وأظن حتى عند غيرنا ـ يرون أن الخلع إذا وقع بلفظ الطلاق صار طلاقاً، ويكون في هذا ضرر على المرأة، فإن كانت الطلقة الأخيرة فقد بانت، وإن كانت غير الأخيرة حُسِبت عليه.
والخلع قد يكون بطلب من الزوج، أو بطلب من الزوجة، أو بطلب من وليها، أو بطلب من أجنبي، فيكون بطلب من الزوج بأن يكون الزوج ملَّ زوجته، لكنه أصدقها مهراً كثيراً، وأراد أن تخالعه بشيء ترده عليه من المهر.
وقد يكون ـ وهو الغالب ـ بطلب من الزوجة، فهل للزوجة أن تطلب الخلع أو لا؟
فالجواب: إن كان لسبب شرعي ولا يمكنها المُقَام مع الزوج فلها ذلك، وإن كان لغير سبب فليس لها ذلك، مثال ذلك: امرأة كرهت عشرة زوجها، إما لسوء منظره، أو لكونه سيئ الخلق، أو لكونه ضعيف الدين، أو لكونه فاتراً دائماً، المهم أنه لسبب تنقص به العشرة، فلها أن تطلب الخلع.
ولهذا قالت امرأة ثابت بن قيس بن شماس ـ رضي الله عنهما ـ للنبي صلّى الله عليه وسلّم: «يا رسول الله ثابت بن قيس لا أعيب عليه في خلق ولا دين ـ فهو مستقيم الدين، مستقيم الخلق ـ ولكني أكره الكفر في الإسلام، تعني بالكفر عدم القيام بواجب الزوج، كما قال صلّى الله عليه وسلّم: «تكثرن اللعن، وتكفرن العشير» [(312)]، وليس مرادها أن تكفر بالله ـ عزّ وجل ـ، بل تكفر بحق الزوج، لأنها قالت: في الإسلام، و«في» للظرفية، وهذا يعني أن إسلامها باقٍ، وفي بعض الروايات شددت في هذا حتى قالت: لولا مخافة الله لبصقت في وجهه[(313)]، من شدة بغضها له، ولا يُستغرب، فالنساء لهن عواطف جياشة كرهاً وحباً، فقال لها النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أتردين عليه حديقته» ، والحديقة هي المهر، حيث كان قد أمهرها بستاناً، فقالت: نعم، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم لثابت: «خذ الحديقة وطلقها» فأخذها وطلقها[(314)].
الشاهد من هذا الحديث أنها قالت: «لا أعيب عليه في خلق ولا دين»، وعلى هذا، فإذا كان الزوج قليل شهود الجماعة في الصلاة، أو قليل الصلاة، أو عاقاً لوالديه، أو يتعامل بالربا، وما أشبه ذلك، فللزوجة أن تطلب الخلع لكراهتها دينه، لا سيما أن بعض الأزواج أولَ ما يخطب تجده يأتي بصورة تروق للناظرين، من حيث الخلق والتدين، كما قال الله عن المنافقين: {{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ}} [المنافقون: 4] أي: ترى أنهم من خيرة عباد الله في الدين، وليس المراد تعجبك في الطول والقصر والسمن وما أشبه ذلك، ولهذا جاء في المقابل: {{وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ}} [المنافقون: 4] فهم يعجبون الناظر والسامع.
فبعض الناس ـ نسأل الله العافية ـ أول ما يخطب تجده متنسكاً، بشوشاً، حسن الخلق، إذا تحدث عن المقصرين في الصلاة قال: أعوذ بالله، هؤلاء لا يخافون الله، وإذا تحدث عن أصحاب القنوات الفضائية، قال: نسأل الله العافية، هؤلاء يخربون بيوتهم بأيديهم، وإذا تزوج ضعف، فلا يصلي، إما مطلقاً، أو لا يصلي مع الجماعة، ثم يأتي بالدش لاستقبال القنوات الفضائية، وهذا واقع حيث ترد علينا أسئلة من هذا النوع، ومثل هذا لا يمكن للمرأة أن تصبر عليه، فلها أن تطلب الخلع.
وإذا وصلت بها الحال إلى ما وصلت إليه امرأة ثابت ـ رضي الله عنهما ـ وطلبت الخلع، فهل يُلزم الزوج بالخلع أو لا يلزم؟
لا شك أنه يستحب للزوج أن يوافق، وهو خير له في حاله ومستقبله، لقوله تعالى: {{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ}} [النساء: 130] لكن إذا أبى وعُرض عليه مهره، فقيل له: نعطيك المهر كاملاً، فهل يُلزَم بذلك أو لا؟
اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في هذه المسألة، فأكثرهم يقول: لا يُلزَم، فهو زوج وبيده الأمر، والقول الراجح أنه يُلزَم إذا قالت الزوجة: أنا لا مانع عندي، أعطيه مهره، وإن شاء أعطيته أكثر؛ لأن بقاءها معه على هذه الحال شقاء له ولها، وتفرق، والشارع يمنع كل ما يحدث البغضاء والعداوة، فالبيع على بيع المسلم حرام لئلا يحدث العداوة، فكيف بهذا؟! فيلزم الزوج أن يطلق، وحديث ثابت ـ رضي الله عنه ـ يدل عليه؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «خذ الحديقة وطلقها» ، والأصل في الأمر الوجوب، وقول الجمهور: إن هذا للإرشاد فيه نظر.
والقول بالوجوب هو الراجح، يقول في الفروع: إنه ألزم به بعض القضاة في عهده، وهؤلاء الذين ألزموا به وُفِّقوا للصواب.

مَنْ صَحَّ تَبَرُّعُهُ مِنْ زَوْجَةٍ، وَأَجْنَبِيٍّ صَحَّ بَذْلُهُ لِعِوَضِهِ،...........
قوله: «من صح تبرعه من زوجة وأجنبي صح بذله لعوضه» «من صح» جملة شرطية، فعل الشرط: «صح» وجواب الشرط: «صح بذله» .
وقوله: «صح» هذا حكم وضعي، أما الحكم التكليفي ففيه تفصيل سيأتي.
وقوله: «تبرعه» التبرع هو إعطاء المال بلا عوض.
ويجب أن نعرف الفرق بين التبرع والتصرف:
فالتصرف: العمل في المال.
والتبرع: بذل المال بلا عوض، وأضرب مثلاً يبين هذا:
ولي اليتيم يصح تصرفه في مال اليتيم، ولا يصح تبرعه من مال اليتيم، أي: لا يصح أن يتبرع ولا بقرش واحد من مال اليتيم، وأما التصرف فيتصرف بكل ماله بالتي هي أحسن.
وعلى هذا يكون التصرف أوسع من التبرع؛ لأنه يصح ممن لا يصح تبرعه.
ولننظر إلى الخلع، هل هو تبرع، أو هو تصرف ومعاوضة؟
الجواب: الخلع تبرع في الواقع؛ لأن الزوجة تتبرع للزوجة بما تعطيه في الخلع، وإن كان هناك مقابل، لكن هو في الأصل تبرع.
فإذا كانت الزوجة لا يصح تبرعها، كالمحجور عليها، وأرادت أن تخالع زوجها فليس لها ذلك؛ لأن تبرعها بمالها لا يصح.
وقوله: «وأجنبي» أي: يصح أن يتبرع أجنبي ببذل عوض الخلع، حتى يخالع الزوج زوجته، بأن يأتي إنسان ويقول للزوج: خالع زوجتك، وأنا أعطيك ألف ريال، فإن هذا يصح.
فإذا قال قائل: الأجنبي ما شأنه والمرأة؟ نعم لو كان أباها أو أخاها أو ما أشبه ذلك من أقاربها، لقلنا: هؤلاء تبرعوا ببذل العوض لمصلحة، لكن الأجنبي ما مصلحته من ذلك؟! ولذلك قال بعض أهل العلم: إنه لا يصح بذل عوض الخلع من أجنبي؛ لأنه لا يستفيد شيئاً.
ولكن الصحيح أنه يصح من الأجنبي، وتبرع الأجنبي بعوض الخلع أقسام:
الأول: أن يكون لمصلحة الزوج، مثل أن يعرف أن الزوج متبرم من زوجته، ولا يريدها، ويكرهها، ولا يستطيع أن يفارقها، وقد بذل لها مهراً كثيراً، فهو في حيرة، فهنا نقول: إذا تبرع أجنبي بعوض الخلع، فالمصلحة للزوج، والزوجة قد يكون لها مصلحة وقد لا يكون، لكنه يقول: أنا أريد أن أخلص هذا الزوج من هذه الحيرة، فنقول له: جزاك الله خيراً، ولا حرج؛ لأن هذا مصلحة.
الثاني: أن يكون لمصلحة الزوجة، بأن تكون الزوجة كارهة لزوجها، وزوجها متعِب لها، لكن ليس عندها المال الذي تفدي به نفسها منه، فيأتي رجل ويقول: يا فلان خالع زوجتك، وأنا أعطيك كذا وكذا من المال، فهذا جائز، وهو إحسان إليها.
الثالث: أن يكون لمصلحتهما جميعاً، ـ أي: مصلحة الزوج والزوجة ـ بأن يكون كل واحد منهما يرغب الانفكاك، لكن الزوج شاحٌّ بما بذله من المهر، وهي ليس عندها ما تفدي به نفسها.
الرابع: أن يكون للإضرار بالزوج، مثل أن تكون المرأة صالحة خادمة لزوجها معتنية به، فيحسد الزوج على هذا، فيقول له: اخلع زوجتك بعوض، وقصده الإضرار بالزوج؛ لأنه حاسده، فهذا لا شك أنه حرام، وأنه عدوان على أخيه، وهو أشد من الحسد المجرد، والحسد من الكبائر.
فإذا قال قائل: أليس الأمر بيد الزوج، وأنه يستطيع أن يقول: لن أخالع، ولو تعطيني الدنيا كلها؟
فالجواب: بلى، لكن الإنسان قد يخدع ويُغرَى بالمال، بأن يقول له مثلاً: خالع زوجتك وأنا سأعطيك سيارة، ومائة ألف ريال، وقصراً، والإنسان بشر ربما ينخدع ويخالع، فهنا نقول: بذل المال في هذا الخلع محرم لما فيه من العدوان.
وإذا قال هذا الباذل: أنا لم أجبره، والأمر بيده؟
قلنا: لكنك خدعته.
الخامس: أن يكون للإضرار بالزوجة، كأن تكون الزوجة مستقيمة مع الزوج، والحال طيبة، فتأتي امرأة تحسدها ـ وما أكثر ما تحسد النساءُ النساءَ ـ فتقول لها: أنا سأعطيك كذا وكذا، وتخلصي من هذا الرجل، وسوف يرزقك الله رجلاً طيباً ومستقيماً، فتخدعها، وتوافق الزوجة، فهذا حرام لا إشكال فيه؛ لأنه عدوان.
السادس: أن يكون للإضرار بهما جميعاً، بأن يحسد رجل الزوجَ والزوجةَ ويبذل العوض، وهذا ـ أيضاً ـ حرام.
السابع: أن يكون لحظ نفسه، أي لمصلحة الباذل، مثال ذلك: أن يكون الباذل قد أعجبته هذه المرأة التي عند زوجها، فقال للزوج: اخلع زوجتك وسأعطيك عشرة آلاف ريال، فهذا حرام وعدوان وجناية، وهو أشد من تخبيب المرأة على زوجها؛ لأن هذا بالفعل أفسدها عليه.
وسئل الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ عن رجل قال لآخر: طلق زوجتك لأتزوجها بكذا وكذا من الدراهم، فأنكر هذا إنكاراً شديداً، وقال: أيفعل هذا أحد؟! لا يجوز.
الثامن: أن يكون لمصلحة غيره، مثال ذلك: رجل عرف أن فلاناً قد تعلق قلبه بهذه الزوجة، فقال له: أنا أراك تحب فلانة ـ أي الزوجة ـ فقال: نعم ليتها تكون لي، فقال: أنا آتي بها ولكن أعطني دراهم، فأعطاه الدراهم، فذهب وخالعها، فهذا لا يجوز؛ لأنه عدوان وظلم.
التاسع: إذا كان لا سبب له، وإنما يريد أن يفرق بينهما، فلا يريد الإضرار، ولا يريد المصلحة لنفسه ولا لغيره، فهل يجوز أو لا يجوز؟
هذا ينبني على مسألة، وهي هل يجوز الخلع مع استقامة الحال، يعني لو أن المرأة أرادت أن تخلع نفسها من زوجها، والحال مستقيمة، فهل يجوز لها ذلك أو لا؟
في هذا خلاف بين العلماء، منهم من قال: الخلع لا يجوز مع استقامة الحال، واستدل بقوله تعالى: {{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاََّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}} [البقرة: 229] ، فاشترط الله تعالى لنفي الجناح أن نخاف أن لا يقيما حدود الله، وإلا فلا يجوز ولقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة»[(315)].
لكن جمهور العلماء على أنه يصح الخلع مع استقامة الحال، إلا أنه يكره إذا لم يكن له سبب.
وقوله: «صح بذله لعوضه» الضمير يعود على عوض الخلع، فالعوض بالنسبة للزوجة المنفعة بالتخلص من هذا الرجل، وبالنسبة للزوج المال المدفوع له.
والصحيح أنه يجوز أن تجعل عوض الخلع غير مال، كخدمته مثلاً، إلا إذا كان العوض محرماً، فهذا لا يجوز.
ثم ذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ أسباب الخلع فقال:

فَإِذَا كَرِهَتْ خُلُقَ زَوْجِهَا، أَوْ خَلْقَهُ، أَوْ نَقْصَ دِينِهِ، أَوْ خَافَتْ إِثْماً بِتَرْكِ حَقِّهِ أُبِيحَ الخُلْعُ، وَإِلاَّ كُرِهَ وَوَقَعَ،..........
«فإذا كرهت خُلق زوجها أو خَلْقَه» «خُلُق» بضم الخاء واللام، قال بعض العلماء في تعريفه: هو الصورة الباطنة التي يكون بها سلوك المرء، و «خَلْقَه» بفتح الخاء وسكون اللام هي الصورة الظاهرة؛ لأن الصورة الباطنة إذا كانت جميلة صار حسن الأخلاق؛ لأنها هي التي تدبره.
قوله: «أو نقص دينه» أي: نقص الدين الذي لا يوصل إلى الكفر، كأن يتهاون بصلاة الجماعة، أو يشرب الدخان، أو يحلق اللحية، وما أشبه ذلك، فإن وصل إلى الكفر فإن الخلع هنا واجب فيجب أن تفارقه بكل ما تستطيع، ويجب على من علم بحالها من المسلمين إذا كان زوجها ـ مثلاً لا يصلي ـ أن ينقذوها منه بالمال؛ لأنها في مثل هذه الحال في الغالب لو حاكمته إلى القاضي فإنها لن تحصل على طائل؛ لأن القاضي سيطلب منها البينة على عدم صلاته، وإقامة البينة على العدم صعب جداً، بخلاف إقامة البينة على الوجود فإنه سهل؛ لأنه يُرى، لكن على العدم صعب؛ لأنه لا أحد يقول: أنا أشهد أن فلاناً لا يصلي؛ لأنه قد يصلي في بيته، أو يصلي في مسجد آخر، أو في بيت صديقه، ففي مثل هذه الحال إذا علمنا صدق المرأة، وأن الزوج قد طلب لفراقها كذا من المال، فإنه يجب علينا ـ فرض كفاية ـ أن نخلصها منه؛ لأن بقاء المسلمة تحت الكافر أمرٌ محرم بالكتاب، والسنة، والإجماع، ولا يمكن أن تبقى عند هذا الرجل الكافر، يتمتع بها.
قوله: «أو خافت إثماً بترك حقه» أي: ما كرهت منه شيئاً، لكن خافت إثماً بترك حقه، تجد نفسها ليست منقادة له، ولا تجيبه إلى الاستمتاع إلا متبرمة متكرهة، كحال امرأة ثابت ـ رضي الله عنهما ـ؛ فإذا خشيت المرأة أن تضيع حق الله فيه، فهل يباح الخلع؟
نعم لقوله تعالى: {{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاََّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}} [البقرة: 229] فإذا خافا أن لا يقيما حدود الله قال المؤلف:
«أبيح الخلع» «أبيح» مبني للمجهول، أي: صار مباحاً لها، أي: جائزاً.
قوله: «وإلا» يعني وإلا يكون له سبب.
قوله: «كره ووقع» المكروه هو الذي يثاب تاركه امتثالاً، ولا يعاقب فاعله، ومع ذلك يقع الخلع، فلو أن المرأة ـ مثلاً ـ مستقيمة الحال مع زوجها، ولكنها لأي سببٍ من الأسباب قالت: سأعطيك ما أعطيتني وخلني، طلقني، فما الحكم؟
نقول: الخلع مكروه، ويقع؛ لأنه ليس محرماً، والمكروه ينفذ، هذا هو المشهور من المذهب، وهناك قولٌ آخر أن الخلع في حال الاستقامة محرم ولا يقع، وهذا هو الصحيح؛ لقوله تعالى: {{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاََّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}} [البقرة: 229] فإن مفهوم الآية أنه إن لم يخافا أن لا يقيما حدود الله فعليهما جناح، وهذا يشهد لصحة الحديث، وإن كان ضعيفاً: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرامٌ عليها رائحة الجنة»[(316)] ، فهذا يقتضي أن يكون من كبائر الذنوب.
فالحاصل أننا نقول: الآية تؤيد الحديث، وعلى هذا فنقول: إنه إذا كان لغير سبب فإن الصحيح أنه محرم، وأنه لا يقع، فهو محرم للآية وللحديث، ولا يقع لقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»[(317)] .
ولكن إذا قلنا: لا يقع الخلع، فهل يقع طلاقاً؟
الجواب: إن كان بلفظ الخلع، ولم ينو به الطلاق فإنه لا يقع الطلاق؛ لأنه ما تلفظ به ولا نواه، والخلع وقع غير صحيح، وقولنا: بلفظ الخلع مثل أن يقول: خالعتها أو فسختها أو فاديتها أو ما أشبه ذلك، فهنا لا يقع خلعٌ ولا طلاق، وإن كان بلفظ الطلاق أو بنية الطلاق فإنه يقع الطلاق على المذهب؛ لأن الخلع إذا كان بلفظ الطلاق صار طلاقاً، وعلى القول بأنه لا يقع الخلع إلا إذا كان بلفظ الفسخ أو الفداء فإنه لا يقع الطلاق أيضاً؛ لأنه تبين أنه حرام لا فائدة فيه.
والعجيب أن المؤلف ـ رحمه الله ـ قال: «كره ووقع» واستدل بحديث: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة»[(318)] ، ومقتضى الاستدلال أن يكون الحكم حراماً، بل من كبائر الذنوب، وكأنه ـ والله أعلم ـ لم يصح عنده، وقد مر علينا عن صاحب النكت على المحرر ابن مفلح ـ رحمه الله ـ أنه قال: إن الحديث إذا كان ضعيفاً، وكان مفيداً للوجوب فإنه للاستحباب، هذا ما لم يكن الضعف شديداً بحيث لا يقبل، وإذا كان مقتضياً للتحريم صار للكراهة؛ لأن ضعف سنده يتبعه ضعف الحكم، وكونه ورد ونسب إلى الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يوجب للإنسان شبهة، بأنه قد قاله النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ فنجعل الحكم بين التحريم وبين الإباحة، وكذلك بالنسبة للوجوب؛ لأن الأصل عدم الإيجاب حتى يتبين بدليلٍ بيِّن، لكن نقول: نظراً إلى احتمال أن يكون صحيحاً يجب أن تفعل، هذا ما ذكره ـ رحمه الله ـ في هذه القاعدة، ولعل المؤلف ـ رحمه الله ـ في هذا الباب أخذ به.

فَإِنْ عَضَلَهَا ظُلْماً لِلافْتِدَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ لِزِنَاهَا، أَوْ نُشُوزِهَا، أَوْ تَرْكِهَا فَرْضاً فَفَعَلَتْ، أَوْ خَالَعَتْ الصَّغِيرَةُ، وَالْمَجْنُونَةُ، وَالسَّفِيهَةُ، أَوَ الأَمَةُ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهَا لَمْ يَصحَّ الخُلْعُ،
قوله: «فإن عضلها» أي: أن الزوج منعها حقها.
قوله: «ظلماً» أي: بغير حق.
قوله: «للافتداء» اللام للتعليل، أي: عضلها لتفدي نفسها بشيء من المال.
قوله: «ولم يكن لزناها أو نشوزها» ، فإذا خالعت في هذه الحال لا يصح الخلع؛ لأنه قد أرغمها، وقد قال الله ـ عزّ وجل ـ {{وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}} [النساء: 19] ، فإذا فعل هذا بدون سبب، كرجل ـ والعياذ بالله ـ طماع لا يخاف رب العالمين، ولا يرحم الخلق، ما أحب هذه الزوجة، وقال: لا يمكن مالي يذهب هدراً، وصار يضيق عليها، ويمنعها حقها، ويهجرها في المضجع؛ من أجل أن تفتدي منه، نقول: هذا حرام عليك؛ لأن الله نهى عنه.
وقوله: «ولم يكن لزناها» فإذا كان لغير زناها، لكن لتوسعها في مخاطبة الشباب، تتكلم في الهاتف، وما أشبه ذلك، فهل نقول: إن هذا من سوء الخلق الذي يبيح له أن يعضلها لتفتدي منه؟
نعم، ونجعل قوله: «لزناها» شاملاً لزنا النطق، والنظر، والسمع، والبطش، والمشي، كما أخبر الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ «أن العين تزني، والأذن تزني، واليد تزني، والرجل تزني» [(319)]، فهذا الرجل يقول: ما أصبر على هذه المرأة، وهي بهذه الحال، فصار يضيق عليها لتفتدي منه، فهذا جائز.
فإن قال قائل: إن الله يقول: {{إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}} والكلام أو النظر ليس من الفواحش، فنقول: إن هذا وسيلة إلى الفواحش، ثم إن كثيراً من الناس يكون عنده غَيْرة، أن تخاطب امرأته الرجال، أو أن تتحدث إليهم.
ولكن إذا قدر أنه عضلها لزناها فلم تبذل، ولم يهمها، فهل يجوز أن يبقيها عنده على هذه الحال؟
الجواب: لا يجوز، ويجب أن يفارقها؛ لأنه لو أبقاها عنده وهي تزني ـ والعياذ بالله ـ صار ديوثاً.
وقوله: «أو نشوزها» ، وهو معصية الزوجة زوجها فيما يجب عليها، فإذا صار عندها نشوز وعضلها وضيق عليها لتفتدي فلا حرج.
قوله: «أو تركها فرضاً» كأن تترك الصلاة دون أن تصل إلى الكفر، أو تترك الصيام، أو تترك الزكاة، أو تترك أي فرض، أو تترك الحجاب، وتقول: سأخرج مكشوفة الوجه، فله أن يعضلها إذا لم يمكن تربيتها، أما إذا كان يرغب في المرأة ويمكن أن يربيها فلا حرج أن تبقى معه.
قوله: «ففعلت» أي: افتدت.
قوله: «أو خالعت الصغيرة» أي: فلا يصح الخلع؛ لأنه لا يصح تبرعها من مالها، فإن خالع وليها عنها من مالها لتضررها بهذا الزوج جاز؛ لأن ذلك لمصلحتها.
قوله: «والمجنونة» فلو خالعت لم يصح الخلع من باب أولى؛ لأن ذلك بذل مال، والمجنونة ليست أهلاً لذلك.
قوله: «والسفيهة» وهي التي لا تحسن التصرف في مالها، فإذا خالعته وبذلت عوض الخلع من مالها فإنه لا يصح؛ لأنه لا يصح تبرعها كما سبق.
قوله: «أو الأمة بغير إذن سيدها» إذا خالعت الأمة بغير إذن سيدها لم يصح الخلع؛ لأن الأمة لا تملك مالاً، فالمملوك مالُه لسيده ولا يملك، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من باع عبداً له مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع»[(320)] أي: المشتري، والشاهد قوله صلّى الله عليه وسلّم: «له مال فماله للذي باعه».
فإذا قال قائل: اللاَّمان متناقضتان، يقول: «له مال» ثم يقول: «ماله للذي باعه» فما الجمع؟
فالجواب: أن اللام الأولى للاختصاص، والثانية للتمليك، فمعنى «له مال» أن بيده مالاً أعطاه السيد إياه يتجر فيه، أو ما أشبه ذلك، كما تقول: الزمام للناقة، وهي لا تملك، لكن اللام هنا للاختصاص.
وقوله: «بغير إذن سيدها» ، مثل أن يكون لها زوج لا يقوم بحقها، وآذاها، وضيَّق عليها، فجاءت إلى سيدها، وقالت: يا سيدي إن هذا الرجل لا تستقيم الحال معه، فأذن لي أن أخالعه، فإذا أذن صح.
قوله: «لم يصح الخلع» ولكن ماذا تكون هذه الفرقة؟ بينها المؤلف بقوله:

وَوَقَعَ الطَّلاَقُ رَجْعِيّاً إِنْ كَانَ بِلَفْظِ الطَّلاقِ، أَوْ نِيَّتِهِ.
«ووقع الطلاق رجعياً» هذا إذا كان الطلاق أول مرة، أو ثاني مرة، فإن كان الثالثة فالطلاق يكون بائناً؛ لأنها تطلق ثلاثاً.
قوله: «إن كان بلفظ الطلاق» بأن قال لزوجته: طلقتك على عوض قدره كذا.
قوله: «أو نيته» يعني أن الزوج نوى بهذا الفراق الطلاق، فإنه يقع الطلاق رجعياً.
هذا ما ذهب إليه المؤلف بناءً على أن الخلع إذا وقع بلفظ الطلاق فهو طلاق، والصواب أنه لا يقع شيء، لا طلاق ولا خلع، أما عدم وقوع الخلع فلأنه ليس هناك عوض، وأما عدم وقوع الطلاق فلأن الخلع ليس بطلاق، حتى لو وقع بلفظ الطلاق.



[312] (جزء من حديث: «ما رأيت من ناقصات عقل...» ).
[313] أخرجه أحمد (4/3)؛ وابن ماجه في الطلاق/ باب المختلعة يأخذ ما أعطاها (2057) عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ.
[314] أخرجه البخاري في الطلاق/ باب الخلع وكيف الطلاق فيه (5276) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
[315] أخرجه أبو داود في الطلاق/ باب في الخلع (2226)؛ والترمذي في الطلاق/ باب في المختلعات (1187)، وابن ماجه في الطلاق/ باب كراهية الخلع للمرأة (2055) عن ثوبان ـ رضي الله عنه ـ، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان (9/409) انظر: الإرواء (2035).
[316] سبق تخريجه ص(458).
[317] أخرجه مسلم في الأقضية/ باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات في الأمور (1718) (18) عن عائشة رضي الله عنها.
[318] سبق تخريجه ص(458).
[319] أخرجه البخاري في الاستئذان/ باب زنا الجوارح دون الفرج (6243)؛ ومسلم في القدر/ باب قُدِّر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره (2657) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[320] أخرجه البخاري في المساقاة/ باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط (2379)، ومسلم في البيوع/ باب من باع نخلاً عليها ثمر (1543) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الجمع, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:01 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir