عناصر الدرس الحادي والعشرون :
خاتمةٌ في سَرِقَةِ الكلامِ وما يَتَّصِلُ بها من الاقتباسِ والتضمينِ ونحوِهما مِمَّا فيهِ إدخالُ معنى كلامٍ سابقٍ في لاحِقٍ
· هذه الخاتمة يذكر فيها أهل البلاغة التأنق؛ أي طلب الحسن في الكلام في مواطن محددة
· مواطن التأنق: الابتاء والتخلص والانتهاء، ونظمها السيوطي
· سرقة الكلام
§ سرِقَةُ الكلامِ أنواعٌ عديدةٌ
§ السرقة كما تكون في الشعر تكون في النثر
§ النوع الأول:أنْ يَأْخُذَ الناثرُ أو الشاعرُ معنًى لغيرِه بدونِ تغييرٍ لنَظْمِه
° ومِثلُ هذا يُسَمَّى نَسْخًا وانتحالاً.
- والنَّسْخُ: النقْلُ، يُقالُ: نَسَخْتُ الكتابَ، أيْ: نَقَلْتُ ما فيهِ إلى كِتابٍ آخَرَ.
- والانتحالُ: أنْ تَدَّعِيَ أنَّ ما لغيرِكَ لكَ، يُقالُ: انْتَحَلَ فلانٌ شِعْرَ غيرِه، إذا ادَّعَاهُ لنفسِه.
° وهذا النوعُ من السَّرِقَةِ سَرِقَةٌ ظاهِرَةٌ مذمومةٌ جِدًّا.
° ما أَخَذَ عبدُ اللهِ بنُ الزَّبَيْرِ بَيْتَيْ مَعْنٍ وادَّعَاهما لنفسِه، وهما:
إذْ أنْتَ لم تُنْصِفْ أخاكَ وجَدْتَهُ ..... على طَرَفِ الْهِجْرانِ إنْ كانَ يَعْقِلُ
ويَركَبُ حَدَّ السيفِ مَنْ تَضِيمُهُ ..... إذا لمْ يكُنْ عنْ شَفْرَةِ السيفِ مَزْحَلُ
- عبدالله بن الزَّبير هذا شاعر مشهور، وليس هو الصحابي الجليل
- مُعن بن أوس بضم الميم وفتح العين شاعر، وليس هو مَعْن بن زائدة
- قصة هذين البيتين
° يدخل في هذا:أنْ تُبَدَّلَ الألفاظُ بما يُرَادِفُها، كأنْ يُقالَ في قولِ الْحُطَيْئَةِ:
- دَعِ الْمَكارِمَ لا تَرْحَلْ لِبُغْيَتِها ..... واقْعُدْ فإنَّكَ أنْتَ الطاعمُ الكاسِي
- ذَرِ المآثِرَ لا تَذهَبْ لِمَطلَبِها ..... واجْلِسْ فإنَّكَ أنْتَ الآكِلُ اللابِسُ
° قريب من هذا أنْ تُبَدَّلَ الألفاظُ بما يُضَادُّها في المعنى معَ رعايةِ النظْمِ والترتيبِ، كما لوْ قيلَ في قولِ حسَّانَ:
- بِيضُ الوجوهِ كريمةٌ أحسابُهم ..... شُمُّ الأُنوفِ من الطرازِ الأوَّلِ
- سُودُ الوجوهِ لئيمةٌ أحسابُهم ..... فُطُسُ الأنوفِ من الطِّرازِ الآخِرِ
§ النوع الثاني:أنْ يَأخُذَ المعنى ويُغَيِّرَ اللفظَ، ويكونَ الكلامُ الثاني دونَ الأوَّلِ أوْ مساويًا لهُ
° ومِثْلُ هذا يُسَمَّى إغارةً ومَسْخًا.
- يُسَمَّى إغارةً؛ لأنَّهُ أَغَارَ على ما هوَ للغَيْرِ فغَيَّرَهُ عنْ وجْهِه
- ومَسْخًا؛ لأنَّهُ بَدَّلَ صورةَ ما لِلْغَيْرِ بصورةٍ أخرى، والغالِبُ كونُها أَقْبَحَ.
- والْمَسْخُ في الأصْلِ تبديلُ صورةٍ بما هوَ أَقْبَحُ منها،
° كما قال أبو الطَّيِّبِ في قولِ أبي تَمَّامٍ:
هَيْهَاتَ لا يأتي الزمانُ بمثلِهِ ..... إنَّ الزمانَ بمثْلِه لَبَخِيلُ
أعدى الزمانَ سخاؤُه فَسَخَا بهِ ..... ولقدْ يكُونُ بهِ الزمانُ بَخيلا
- مصراع بيت أبي تمام أجود سبكا
° إلاَّ أنَّ الْمُصَنِّفَ لم يَذْكُرْ في هذا النوعِ ما يكونُ الثاني أفْضَلَ من الأوَّلِ معَ كونِه أيضًا منْ أقسامِه؛ لأنَّهُ بَصَدَدِ بيانِ ما هوَ غيرُ خالٍ عن القُبْحِ والذَّمِّ.
- وهذا القِسْمُ من الإغارةِ والْمَسْخِ ممدوحٌ ومقبولٌ؛ لكونِه مُشْتَمِلاً على فضيلةٍ أخْرَجَتْهُ إلى نوعٍ من الإبداعِ.
§ النوع الثالث: أن ياخذ المعنى وحده ويكونَ الثاني دونَ الأوَّلِ، أوْ مُساوِيًا لهُ
° وهذا يُسَمَّى إلْمَامًا وسَلْخًا.
- إلمامًا، منْ أَلَمَّ بالمنزِلِ إذا نَزَلَ به، ويُعَبَّرُ بهِ عن القَصْدِ كما ههنا؛ فإنَّ القائِلَ الثانيَ قدْ قَصَدَ أَخْذَ المعنى منْ لفْظِ غيرِه.
- وسَلْخًا، وهوَ في اللغةِ كَشْطُ الْجِلْدِ عن الشاةِ، فكأنَّهُ كَشَطَ عن المعنى جِلْدًا وأَلْبَسَهُ جِلْدًا آخَرَ؛ فإنَّ اللفظَ للمعنى بمنزِلَةِ الْجِلْدِ واللِّبَاسِ.
° مثاله: ما قالَ أبو تَمَّامٍ في قولِ مَنْ رَثَى ابنَهُ:
والصبرُ يُحْمَدُ في المواطنِ كلِّها ..... إلاَّ عليكَ فإنَّهُ لا يُحْمَــدُ
وقدْ كانَ يُدْعَى لابسُ الصبرِ حازمًا ..... فأصبَحَ يُدْعَى حازمًا حِينَ يَجْزَعُ