دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > الرسالة التدمرية

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 4 ذو الحجة 1429هـ/2-12-2008م, 03:16 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي القاعدة الرابعة: النصوص لا تدل على معان فاسدة

وَهَذَا يَتَبَيَّنُ بِالْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ - وَهِيَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَتَوَهَّمُ فِي بَعْضِ الصِّفَاتِ، أَوْ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا، أَوْ أَكْثَرِهَا، أَوْ كُلِّهَا، أَنَّهَا تُمَاثِلُ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَنْفِيَ ذَلِكَ الَّذِي فَهِمَهُ فَيَقَعُ فِي أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ المَحَاذِيرِ:
أَحَدُهَا: كَوْنُه مَثَّلَ مَا فَهِمَهُ مِنَ النُّصُوصِ بِصِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَظَنَّ أَنَّ مَدْلُولَ النُّصُوصِ هُوَ التَّمْثِيلُ.
الثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا جَعَلَ ذَلِكَ هُوَ مَفْهُومَهَا وَعَطَّلَهُ بَقِيَتِ النُّصُوصُ مُعَطَّلَةً عَمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ اللاَّئِقَةِ بِاللَّهِ، فَيَبْقَى مَعَ جِنَايَتِهِ عَلَى النُّصُوصِ، وَظَنِّهِ السَّيِّئِ الَّذِي ظَنَّهُ بِاللَّهِ وَرَسُولِه - حَيْثُ ظَنَّ أَنَّ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلاَمِهِمَا هُوَ التَّمْثِيلُ الْبَاطِلُ - قَدْ عَطَّلَ مَا أَوْدَعَ اللَّهُ وَرَسُولُه فِي كَلاَمِهِمَا مِنْ إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ لِلَّهِ، وَالْمَعَانِي الْإِلَهِيَّةِ اللاَّئِقَةِ بِجَلاَلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَنْفِي تِلْكَ الصِّفَاتِ عَنِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَيَكُونُ مُعَطِّلًا لِمَا يَسْتَحِقُّهُ الرَّبُّ تَعَالَى.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ يَصِفُ الرَّبَّ بِنَقِيضِ تِلْكَ الصِّفَاتِ مِنْ صِفَاتِ الْمَوَاتِ وَالْجَمَادَاتِ، أَوْ صِفَاتِ الْمَعْدُومَاتِ فَيَكُونُ قَدْ عَطَّلَ صِفَاتِ الْكَمَالِ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا الرَّبُّ تَعَالَى، وَمَثَّلَهُ بِالْمَنْقُوصَاتِ وَالْمَعْدُومَاتِ، وَعَطَّلَ النُّصُوصَ عَمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنَ الصِّفَاتِ، وَجَعَلَ مَدْلُولَهَا هُوَ التَّمْثِيلَ بِالْمَخْلُوقَاتِ، فَيَجْمَعُ فِي اللَّهِ وَفِي كَلاَمِ اللَّهِ بَيْنَ التَّعْطِيلِ وَالتَّمْثِيلِ، فَيَكُونُ مُلْحِدًا فِي أَسْمَائِهِ وَآيَاتِهِ.
مِثَالُ ذَلِكَ أَنَّ النُّصُوصَ كُلَّهَا دَلَّتْ عَلَى وَصْفِ الْإِلَهِ بِالْعُلُوِّ وَالْفَوْقِيَّةِ عَلَى الْمَخْلُوقَاتِ، وَاسْتِوَائِهِ عَلَى الْعَرْشِ، فَأَمَّا عُلُوُّهُ وَمُبَايَنَتُهُ لِلْمَخْلُوقَاتِ فَيُعْلَمُ بِالْعَقْلِ الْمُوَافِقِ لِلسَّمْعِ، وَأَمَّا الِاسْتِوَاءُ عَلَى الْعَرْشِ فَطَرِيقُ الْعِلْمِ بِهِ هُوَ السَّمْعُ، وَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَصْفٌ لَهُ بِأَنَّهُ لاَ دَاخِلَ الْعالَمِ وَلاَ خَارِجَه، وَلاَ مُبَايِنَه وَلاَ مُدَاخِلَه.
فَيَظُنُّ الْمُتَوَهِّمُ أَنَّهُ إِذَا وُصِفَ بِالِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ كَانَ اسْتِوَاؤُهُ كَاسْتِوَاءِ الْإِنْسَانِ عَلَى ظُهُورِ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ، كَقَوْلِهِ: ( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ) فَيَتَخَيَّلُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْشِ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ كَحَاجَةِ الْمُسْتَوِي عَلَى الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ، فَلَو انْخَرَقَتِ السَّفِينَةُ لَسَقَطَ الْمُسْتَوِي عَلَيْهَا، وَلَوْ عَثَرَتِ الدَّابَّةُ لَخَرَّ الْمُسْتَوِي عَلَيْهَا. فَقِيَاسُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ عُدِمَ الْعَرْشُ لَسَقَطَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ثُمَّ يُرِيدُ - بِزَعْمِهِ - أَنْ يَنْفِيَ هَذَا فَيَقُولُ: لَيْسَ اسْتِوَاؤُهُ بِقُعُودٍ وَلاَ اسْتِقْرَارٍ.
وَلاَ يُعْلَمُ أَنَّ مُسَمَّى " الْقُعُودِ " وَ "الِاسْتِقْرَارِ " يُقَالُ فِيهِ مَا يُقَالُ فِي مُسَمَّى "الِاسْتِوَاءِ"، فَإِنْ كَانَتِ الْحَاجَةُ دَاخِلَةً فِي ذَلِكَ فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الِاسْتِوَاءِ وَالْقُعُودِ وَالِاسْتِقْرَارِ، وَلَيْسَ هُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى مُسْتَوِيًا وَلاَ مُسْتَقِرًّا وَلاَ قَاعِدًا، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي مُسَمَّى ذَلِكَ إِلاَّ مَا يَدْخُلُ فِي مُسَمَّى "الِاسْتِوَاءِ" فَإِثْبَاتُ أَحَدِهِمَا وَنَفْيُ الْآخَرِ تَحَكُّمٌ.
وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ بَيْنَ مُسَمَّى "الِاسْتِوَاءِ" وَ (الِاسْتِقْرَارِ" وَ "الْعُقُودِ" فُرُوقًا مَعْرُوفَةً، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا أَنْ يُعْلَمَ خَطَأُ مَنْ يَنْفِي الشَّيْءَ مَعَ إِثْبَاتِ نَظِيرِهِ.
وَكَانَ هَذَا الْخَطَأُ مِنْ خَطَئِهِ فِي مَفْهُومِ اسْتِوَائِهِ عَلَى الْعَرْشِ، حَيْثُ ظَنَّ أَنَّهُ مِثْلُ اسْتِوَاءِ الْإِنْسَانِ عَلَى ظُهُورِ الْأَنْعَامِ وَالْفُلْكِ.
وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الِاسْتِوَاءَ إِلَى نَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ، كَمَا أَضَافَ إِلَيْهَا سَائِرَ أَفْعَالِهِ وَصِفَاتِه، فَذَكَرَ أَنَّهُ خَلَقَ ثُمَّ اسْتَوَى، كَمَا ذَكَرَ أَنَّهُ قَدَّرَ فَهَدَى، وَأَنَّهُ بَنَى السَّمَاءَ بِأَيْدٍ، وَكَمَا ذَكَرَ أَنَّهُ مَعَ مُوسَى وَهَارُونَ يَسْمَعُ وَيَرَى، وَأَمْثَالَ ذَلِكَ. فَلَمْ يَذْكُرِ اسْتِوَاءً مُطْلَقًا يَصْلُحُ لِلْمَخْلُوقِ، وَلاَ عَامًّا يَتَنَاوَلُ الْمَخْلُوقَ، كَمَا لَمْ يَذْكُرْ مِثْلَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ صِفَاتِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ اسْتِوَاءً أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ.
فَلَوْ قُدِّرَ - عَلَى وَجْه الْفَرْضِ الْمُمْتَنِعِ - أَنَّهُ هُوَ مِثْلُ خَلْقِهِ - تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ - لَكَانَ اسْتِوَاؤُهُ مِثْلَ اسْتِوَاءِ خَلْقِهِ. أَمَّا إِذَا كَانَ هُوَ لَيْسَ مُمَاثِلًا لِخَلْقِهِ، بَلْ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ الْغَنِيُّ عَنِ الخَلْقِ، وَأَنَّهُ الْخَالِقُ لِلْعَرْشِ وَلِغَيْرِهِ، وَأَنَّ كُلَّ مَا سِوَاهُ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْغَنِيُّ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ إِلاَّ اسْتِوَاءً يَخُصُّهُ، لَمْ يَذْكُرِ اسْتِوَاءً يَتَنَاوَلُ غَيْرَه وَلاَ يَصْلُحُ لَهُ، كَمَا لَمْ يَذْكُرْ فِي عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَرُؤْيَتِهِ وَسَمْعِهِ وَخَلْقِهِ إِلاَّ مَا يَخْتَصُّ بِهِ - فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْشِ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَوْ سَقَطَ الْعَرْشُ لَخَرَّ مِنْ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
هَلْ هَذَا إِلاَّ جَهْلٌ مَحْضٌ وَضَلاَلٌ مِمَّنْ فَهِمَ ذَلِكَ، أَوْ تَوَهَّمَهُ، أَوْ ظَنَّه ظَاهِرَ اللَّفْظِ وَمَدْلُولَه، أَوْ جَوَّزَ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ الْغَنِيِّ عَنِ الخَلْقِ. بَلْ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ جَاهِلًا فَهِمَ مِثْلَ هَذَا، أَوْ تَوَهَّمَه لَبُيِّنَ لَهُ أَنَّ هَذَا لاَ يَجُوزُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَدُلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ أَصْلًا، كَمَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَظَائِرِهِ فِي سَائِرِ مَا وَصَفَ بِهِ الرَّبُّ نَفْسَهُ.
فَلَمَّا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ ) فَهَلْ يَتَوَهَّمُ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ بِنَاءَهُ مِثْلُ بِنَاءِ الْآدَمِيِّ الْمُحْتَاجِ، الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى زُبُلٍ وَمَجَارِفَ وَأَعْوَانٍ وَضَرْبِ لَبِنٍ وَجَبْلِ طِينٍ.
ثُمَّ قَدْ عُلِمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْعَالَمَ بَعْضَه فَوْقَ بَعْضٍ، وَلَمْ يَجْعَلْ عَالِيَهُ مُفْتَقِرًا إِلَى سَافِلِهِ، فَالْهَوَاءُ فَوْقَ الْأَرْضِ، وَلَيْسَ مُفْتَقِرًا إِلَى أَنْ تَحْمِلَهُ الْأَرْضُ، وَالسَّحَابُ أَيْضًا فَوْقَ الْأَرْضِ، وَلَيْسَ مُفْتَقِرًا إِلَى أَنْ تَحْمِلَهُ، وَالسَّمَاوَاتُ فَوْقَ الْأَرْضِ، وَلَيْسَتْ مُفْتَقِرَةً إِلَى حَمْلِ الْأَرْضِ لَهَا فَالْعَلِيُّ الْأَعْلَى رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُه إِذَا كَانَ فَوْقَ جَمِيعِ خَلْقِهِ كَيْفَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إِلَى خَلْقِهِ، أَوْ عَرْشِهِ؟‍‍1 أَوْ كَيْفَ يَسْتَلْزِمُ عُلُوُّهُ عَلَى خَلْقِهِ هَذَا الِافْتِقَارَ وَهُوَ لَيْسَ بِمُسْتَلْزَمٍ فِي الْمَخْلُوقَاتِ؟ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ مَا ثَبَتَ لِمَخْلُوقٍ مِنَ الغِنَى عَنْ غَيْرِهِ فَالْخَالِقُ سُبْحَانَهُ أَحَقُّ بِهِ وَأَوْلَى.
وَكَذَلِكَ قَوْلُه: ( أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ مُقْتَضَى هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ فِي دَاخِلِ السَّمَاوَاتِ، فَهُوَ جَاهِلٌ ضَالٌّ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كُنَّا إِذَا قُلْنَا: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ فِي السَّمَاءِ، يَقْتَضِي ذَلِكَ، فَإِنَّ حَرْفَ " فِي" مُتَعَلِّقٌ بِمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ، فَهُوَ بِحَسَبِ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إِلَيْهِ.
وَلِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ كَوْنِ الشَّيْءِ فِي الْمَكَانِ، وَكَوْنِ الْجِسْمِ فِي الْحَيِّزِ، وَكَوْنِ الْعَرَضِ فِي الْجِسْمِ، وَكَوْنِ الْوَجْهِ فِي الْمِرْآةِ، وَكَوْنِ الْكَلاَمِ فِي الْوَرَقِ، فَإِنَّ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ خَاصِّيَّةً يَتَمَيَّزُ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ حَرْفُ "فِي" مُسْتَعْمَلًا فِي ذَلِكَ كُلِّه.
فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: الْعَرْشُ فِي السَّمَاءِ أَمْ فِي الْأَرْضِ؟ لَقِيلَ: فِي السَّمَاءِ. وَلَوْ قِيلَ: الْجَنَّةُ فِي السَّمَاءِ أَمْ فِي الْأَرْضِ؟ لَقِيلَ: الْجَنَّةُ فِي السَّمَاءِ. وَلاَ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْعَرْشُ دَاخِلَ السَّمَاوَاتِ، بَلْ وَلاَ الْجَنَّةُ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ الْجَنَّةَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهَا أَعْلَى الْجَنَّةِ، وَأَوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَسَقْفُهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ).
فَهَذِهِ الْجَنَّةُ، سَقْفُهَا الَّذِي هُوَ الْعَرْشُ فَوْقَ الْأَفْلاَكِ، مَعَ أَنَّ الْجَنَّةَ فِي السَّمَاءِ، وَالسَّمَاءُ يُرَادُ بِهِ الْعُلُوُّ، سَوَاءً كَانَ فَوْقَ الْأَفْلاَكِ أَوْ تَحْتَهَا، قَالَ تَعَالَى: ( فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ) وَقَالَ تَعَالَى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا).
وَلَمَّا كَانَ قَدِ اسْتَقَرَّ فِي نُفُوسِ الْمُخَاطَبِينَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى، وَأَنَّهُ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، كَانَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ: ( مَنْ فِي السَّمَاءِ): أَنَّهُ فِي السَّمَاءِ، أَنَّهُ فِي الْعُلُوِّ وَأَنَّهُ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ.
وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ لَمَّا قَالَ لَهَا: (أَيْنَ اللَّهُ؟ قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ)، إِنَّمَا أَرَادَتِ الْعُلُوَّ مَعَ عَدَمِ تَخْصِيصِهِ بِالْأَجْسَامِ الْمَخْلُوقَةِ وَحُلُولِهِ فِيهَا.
وَإِذَا قِيلَ: "الْعُلُوُّ"، فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا فَوْقَ الْمَخْلُوقَاتِ كُلِّهَا، فَمَا فَوْقَهَا كُلِّهَا هُوَ فِي السَّمَاءِ، وَلاَ يَقْتَضِي هَذَا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ ظَرْفٌ وُجُودِيٌّ يُحِيطُ بِهِ، إِذْ لَيْسَ فَوْقَ الْعَالَمِ شَيْءٌ مَوْجُودٌ إِلاَّ اللَّهَ، كَمَا لَوْ قِيلَ: إِنَّ الْعَرْشَ فِي السَّمَاءِ، فَإِنَّهُ لاَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْعَرْشُ فِي شَيْءٍ آخَرَ مَوْجُودٍ مَخْلُوقٍ.
وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ "السَّمَاءَ" الْمُرَادُ بِهَا الْأَفْلاَكُ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ عَلَيْهَا، كَمَا قَالَ: (وَلاَصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ)، وَكَمَا قَالَ: ( فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ)، وَكَمَا قَالَ: ( فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ)، وَيُقَالُ: فُلاَنٌ فِي الْجَبَلِ، وَفِي السَّطْحِ. وَإِنْ كَانَ عَلَى أَعْلَى شَيْءٍ فِيهِ.


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الرابعة, القاعدة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:10 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir