دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > البلاغة > دروس البلاغة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 1 ربيع الثاني 1431هـ/16-03-2010م, 02:08 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي شرح دروس البلاغة الكبرى لفضيلة الدكتور محمد بن علي الصامل (مفرغ)

بسم الله الرحمن الرحيم
شرح دروس البلاغة الكبرى
لفضيلة الدكتور محمد الصامل حفظه الله
الدرس الأول

القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
الدرس الأول:
قال المؤلفون رحمهم الله تعالى:-
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي قصرت عبارة البلغاء عن الإحاطة بمعانـي آياته، وعجزت ألسن الفصحاء عن بيان بدائع مصنوعاته ، والصلاة والسلام على من ملك طرفي البلاغة إطناباً وإيجازاً ، وعلى آله وأصحابه الفاتحين بهديهم إلى الحقيقة مجازاً .... وبعـد :
فهذا كتاب في فنون البلاغة الثلاثة ، سهل المنال ، قريب المأخذ برئ من وصمة التطويل الممل ، وعيب الاختصار المخل ، سلكنا في تأليفه اسهل التراتيب ، وأوضح الأساليب ، وجمعنا فيه خلاصة قواعد البلاغة وأمهات مسائلها ، وتركنا ما لا تمس إليه حاجة التلامذة من الفوائد والزوائد وقوفاً عند حد اللازم وحرصاً على أوقاتهم أن تضيع في حل معقد ، أو تلخيص مطول ، أو تكميل مختصر ، فتم به مع كتب الدروس النحوية سلم الدراسة في العربية في المدارس الابتدائية والتجهيزية .

الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، وصلى الله وسلم وبارك على رسوله محمد بن عبد الله ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين ... أما بعـد :
ففي هذا الدرس يبدأ شرح كتيب دروس البلاغة الكبرى للمؤلفين حفني ناصف ، ومحمد دياب ، وسلطان محمد ، ومصطفى طموم، وهو كتاب كما وصفه مؤلفوه : سهل المنال قريب المأخذ ، يؤلف لمن يرغب على الإطلاع على فهم علم البلاغة وما يهدف إليه هذا العلم ، والأبواب التي تندرج فيه ن وبعض اللطائف التي يمكن أن تستنبط من أساليبه وموضوعاته وأبوابه .
سلك المؤلفون – رحمهم الله – مسلك السابقين في مقدمتهم حيث استعملوا بعض المصطلحات البلاغية في مقدماتهم ، فحينما بدأوا بالحمد لله – عز وجل – قالوا (الحمد لله الذي قصرت عبارة البلغاء) وهذا مما يذكره البلاغيون مما يدخل في براعة اسهتلال كما سيأتي – إن شاء الله – في شرح أحد دروس البديع حينما ينظر إلى عبارة (قصرت عبارة البلغاء عن الإحاطة بمعاني آياته ، وعجزت ألسن الفصحاء) فيلحظ البلغاء والمعاني والفصحاء إلى آخر ذلك من الألفاظ التي يسميها البلاغيون التورية بمصطلح بلاغي، فهنا كأنه إشارة إلى مضمون الكتاب وأنه سيتحدث عن البلاغة والفصاحة والبيان . ولذلك جاء بعد التصلية على الرسول صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم ، والصلاة والسلام على من ملك طرفي البلاغة إطناباً وإيجازاً ؛ الإطناب : لون من ألوان البلاغة والإيجاز كذلك. ثم : (وعلى آله وأصحابه الفاتحين بهديهم إلى الحقيقة مجازاًً) وهكذا بقية مقدمتهم فهم يلجأون إلى مثل ذلك.
ولعلي أخالف منهجية الشرح في هذه المقدمة لأخرج إلى وضع مقدمة لم تتضمنها مقدمة المؤلفين – رحمهم الله – لبعض القضايا التي أريد تنبيه المتلقي الكريم عليها:
أولاً : أن هذا العلم – علم البلاغة- نشأ في رحاب كتاب الله –تعالى- فحينما يتتبع المؤرخون نشأة هذا العلم يجدون أنهم يتوقفون عند ملحوظات العلماء على بعض المسائل التي تتعلق بفهم كتاب الله – عز وجل – ولذلك القصة الشهيرة التي أوردها ياقوت في معجم الأدباء كما حصل في مجلس الفضل بن الربيع عندما سأله الفيلسوف الكندي وكان بحضور أبي عبيدة – رحمه الله – قال : أنتم تقولون أن القرآن نزل بلغة العرب وخاطب القرآن العرب بغير ما يعرفون فقال الله – عز وجل - : {طلعها كأنه رؤوس الشياطين} فسأل الفيلسوف الكندي وهل رأت العرب رؤوس الشياطين؟ حتى يخاطبهم الله – عز وجل – بمثل ذلك ، ففتح الله على أبي عبيدة في ذلك المجلس بالرد عليه وقال : إنما نزل القرآن طريقة العرب وسننهم في الكلام فهم عندما يريدون أن يهولوا من أمر الشيء يصفونه ببعض الأوصاف التي اتفقوا عليها وإن لم يكونوا رأوها ولذلك يقول امرئ القيس :

أيقتلـنــي والمشـرفـيُّ مضاجعي ......... ومسنونةٌ رزقٌ كأنياب أغـوال

وهل رأت العرب أنياب الأغوال ، إذاً هو لون من تشبيه صورة بصورة ، صورة تعبير القرآن في : {طلعها كأنه رؤوس الشياطين} ، وصورة تعبير امرئ القيس بأنياب الأغوال ، إذاً العرب حينما نزل القرآن عليهم لم يتساءلوا وما رؤوس الشياطين إنما جاء ذلك الفيلسوف باعتبار أنه لم تكن لغته العربية على سليقتها بحيث يدرك ما يدركه العرب السابقون ولذلك من هذه القصة ومن مثيلاتها نشأ البحث في البلاغة العربية ولهذا تكتسب البلاغة العربية قيمتها من قيمة الميدان الذي تبحث فيه . فهي تبحث في أوجه بلاغة القرآن الكريم وبيان أوجه الإعجاز التي أجمع عليها العلماء نظراً لأن البلاغة العربية قد تختلط عند بعض السامعين والمتلقين الكرام ببعض علوم العربية الأخرى فإنني اذكر أيضاً مما سأذكره في هذه المقدمة ما يعين على الفضل في علوم العربية وترتيبها وتركيب بعضها من بعض قبل أن أعرض إلى المراحل التي مرت بها البلاغة العربية في نشأتها .
لو أن القارئ الكريم يتصور أي لغة في الدنيا فهي تتكون من أصوات محددة اللغة الصينية لها أصواتها ، اللغة اليابانية لها أصواتها الإنجليزية لها أصواتها ، واللغة العربية قبل ذلك وبعده لها أصواتها الخاصة بها.
الأصوات التي تسمع في الأذن هي الحروف التي تكتب باليد، ما يكتب في اليد من حروف هي رموز تدل على تلك الأصوات التي يسمعها المتلقي في أذنه لو أننا حصرنا الأصوات من خلال رموزها سنجد أنها ثمانية وعشرين صوت في العربية كل صوت له رمز يخصه لا تخرج اللغة العربية عن هذه الأعداد لو جاء صوت آخر ليس داخلاً فيها يقال حينئذٍ ليس صوتاً عربياً.
هذه الأصوات لا يتعامل معها على أنها أصوات منفصلة؛ بل لابد أن تتكرب هذه الأصوات لتشكل وحدات لغوية منفصلة ، كل مجموعة من الأصوات يمكن أن تلتحم أو تقترب ببعض لتمثل بناءً لغوياً مفرداً وهو ما نسميه الكلمة.
إذاً الأصوات هي المرحلة الأولى من بناء اللغة ، تليها بعد ذلك الكلمات، والكلمات عبارة عن أخذ صوت من هنا ومن هنا ومن هنا وجمعه إلى غيره فيتكون في هذه الحالة وحدة لغوية نسميها الكلمة.
اللغة العربية فيها خمس أبنية بناء ثنائي ، وثلاثي ، ورباعي ، وخماسي وسداسي لا يزيد عن ذلك فيمكن أن تجتمع من هذه الأصوات مجموعات كبيرة من الكلمات فهذه الحروف لو جربنا أن نأخذ حرفاً تجريبياً عشوائياً نأخذ حرف من هنا ومن هنا ومن هنا ونركبه مع غيره بحيث مرة يكون ثنائي وثلاثي إلى سداسي لا يزيد عن ستة ولا يقل عن اثنين سنلحظ أمراً مهماً جداً وهو أن هذه الكلمات تؤخذ من خلال الأصوات تركب منها الوحدات اللغوية بعضها يكون واضحاً مفهوماً مستعملاً له معنى وبعضها لا يكون مفهوماً ولا معروفاً فالعلم الذي يهتم بهذا إذا كان العلم الأول هو علم الأصوات يخرج لنا ما لا يدخل في اللغة العربية من أصوات فالعلم الثاني هو علم اللغة العام أو ما يسمونه الآن العلم المعجمي علم المعاجم ، العلم الذي يرشدك إلى هذه الكلمة أهي مستعملة عند العرب تذكر في معاجم اللغة.
لست مستعملة يمكن أن تذكر يقال هذه كلمة مهملة بمعنى هي تتركب من أصوات عربية ولكن العرب أهملوها ولا يستعملونها؛ لأنها لا تحتمل معنىً محدداً ، إذاً هذا الجانب الأول وهو جانب علم اللغة العام.
إذاً المرحلة التي يحتاجها الناظر هنا أن يتأمل هذه الكلمات ليعرف أهي مستعملة عند العرب وإذا كانت مستعملة ما المعاني التي تحملها ، العلم الذي يرشده إلى هذا هو علم اللغة العام أو العلم المعجمي.
وبعد ذلك تأتي مرحلة من العلوم وهي مرحلة انضباط هذه الكلمات بمعيار اللسان العربي بمعنى أن الكلمات يطرأ عليها بعض التعديل إذا تغيرت بعض مواقع الحروف فيها.
فمثلاً : حينما تتكلم عن القول : القول هو ما يصدر عن اللسان من كلام فلو تغير القول الآن وأردنا أن ننسب حدوثه إلى شخص صدر منه فنحن نقول قول فلان أو نقول قال فلان فكيف نقول كيف تغيرت من قول إلى قال هذا علم يهتم بجانب البناء الخاص بالكلمة وهو ما يسمونه بالميزان الصرفي والعلم الذي يعتني بهذا هو علم الصرف وهو العلم الذي يهتم ببناء الكلمة وصياغتها وفق الطريق التي اعتاد العرب على نطقها.
إذاً تكون عندنا كلمات وفق المعيار الميزان العربي في النطق وهو الصرف ثم قبل ذلك هي كلمات مستعملة ولها معاني وعلم اللغة العام ثم قبل ذلك الأصوات التي تتكون منها هذه الكلمة هي أصوات عربية ، إذاً صارت عندنا الآن : كلمات صحيحة موافقة للغة العرب في استعمالها ولطريقة العرب في نطقها فهل الناس يتخاطبون مع بعضهم بكلمات مفردة؟
لا يتكلمون مع بعضهم بجمع هذه الكلمات إلى بعض أو ما يسمونه نظام الجملة؛ نظام الجملة هو : عبارة عن جمع بعض المفردات إلى بعض وتركيبها بطريقة معينة ، العلم الذي يعنى بذلك هو علم النحو أو ما يمكن تسميته علم صياغة الجملة أو نظم الجملة أو طريقة تركيب الجملة وهو يخص النحو فإذا جاءت الجملة في بدايتها اسم تكون لها مواصفات خاصة، فعل تكون لها مواصفات خاصة ، إذا وقع الاسم في هذا المكان يكون له طريقة محددة يمكن أن نشبهه بالعلم مثل ما يهتم رجل المرور بتنظيم حركة السيارات في المواقع في الشوارع والمواقف وغير ذلك فعلم النحو يتهم بحركة الكلمات في الجملة إلى هذا الحد تكون علوم العربية قد اكتملت في إعطاء المتكلم القدرة على صياغة الجمل والتراكيب التي يمكن أن يتفاهم ويتخاطب معها مع غيره بها فهذه المرحلة تسمى علوم الصحة لابد أن تتوافر هذه العلوم في الكلام حتى يكون صحيحاً.
بعد ذلك تأتي مرحلة أخرى وهي مرحلة ما فوق الصحة ، ومرحلة التفاضل في الكلام ، ومرحلة الجودة الحسن هو كلام صحيح لكن هنا ما هو أحسن منه يجتمع كلامان صحيحان وأحدهما أحسن من الآخر ما المعيار للحكم بالأفضلية وبالأحسنية على أحدهما؟
هذا ما يخص علم البلاغة بعلومه الثلاثة ، فإذا كانت القضية تتصل بتركيب الكلام كما سيأتـي –إن شاء الله- في الدرس القادم أو الذي بعده، تتصل بتركيب الكلام من تقديم وتأخير ، وذكر وحذف ووصل وفصل وإطلاق وتقييد ، وإيجاز وإطناب فهذا يدخل في علم المعاني .
وإذا كان الموضع يتصل بقضية طريقة تأدية المعنى ، سواء كان طريق التأدية المباشرة، الوصف المباشر، التشبيه بالاستعارة ، الكناية فهذا عن طريق علم البيان أو يكون عن طريق تحسين الكلام فيكون عن طريق التحسين اللفظي أو التحسين المعنوي وهذا ما يختص به علم البديع ، إذاً علم البلاغة هو علم يمثل مرحلة عليا من علوم العربية لأنه لا يبحث في قضية الصحة والخطأ فهذه مرحلة تسبقه وإن كان لا يستغنى عنها؛ لأن البلاغيين جعلوا مقدمة سموها الحديث عن الفصاحة والبلاغة هي تختصر على ما سميته قبل قليل علوم الصحة ، تتناول بعض الجزئيات التي تهيئ الكلام ليدخل في ساحة البلاغة ثم بعد ذلك يبحث عن دلالاته وتفاضل أجزائه هذا ما يتصل بتحديد منزلة علوم البلاغة من علوم العربية.
مرت البلاغة بأطوار عديدة كما أشرت قبل قليل في مسألة التأليف فيها وذكر تاريخها أنها عبارة عن ملحوظات متناثرة في مجالس العلماء وفي كتبهم ثم بعد ذلك والأقوال المتناثرة كلام الرواة وكلام العلماء تتمثل في الرسالة العذراء لابن المدبر ، أو صحيفة بشر بن المعتمر أو كتاب الكامل للمبرد أو كتاب مجاز القرآن لأبي عبيدة وإن كان مجاز القرآن لأبي عبيدة يمثل مرة أخرى وهي مسألة التأليف الذي ينطلق من قضية بلاغية وقصة كما ألمحت إليها قبل قليل ، وهذه بدء التأليف لكنها تأليف عام ليس منضبطاً بمعنى واحد إنما هو كلام عام .
مجاز القرآن لأبي عبيدة تتبع فيه بعض طرق القرآن في التعبير وكلمة مجاز لا تعني عند أبي عبيدة المعنى الذي يعرف الآن وهو مقابل الحقيقة وإنما تعني تفسير القرآن أي تفسيـره عند أبي عبيدة وإن كانت تتضمن في بعض مواضعها المعنى المعروف الآن .
ثم يأتي بعد ذلك كتاب (أدب الكاتب) لابن قتيبة وقد أشار فيه إلى مسألتين مهمتين هي : تقويم اليد وتقويم اللسان ؛ تقويم اليد هذا يتم في قضايا معالجة الكتابة وهي ما نسميها القضايا الإملائية في عصرنا الآن.
وتقويم اللسان وهو ما يقع فيه الكتّاب من أخطاء في كلامهم فيقومه وقد ذكر مجموعة من القضايا تتصل بهذا الجانب ثم يأتي المرحلة الثالثة من بدء التأليف عند الجاحظ في كتابه (البيان والتبيين) الذي أشار فيه إلى كثير من القضايا التي تخص بلاغة الكلام وسواء كان عند الأمم السابقة أو بعض ما يقع في حكايا الأعراب أو ما يقع في مجالس العلم .
تأتي بعد ذلك المرحلة الثالثة وهي مرحلة تأليف كتب خاصة تبدأ هذه المرحلة بكتاب (البديع) لابن المعتز ألفه سنة 274 وهو متوفي سنة 296 وربما أضاف إليه قبل وفاته أشياء كثيرة ثم بعد ذلك (مشكل تأويل القرآن) لابن قتيبة يختلف عن مجاز القرآن لأبي عبيدة لأن مشكل تأويل القرآن اعتمد على قضية ما يشكل على القارئ من بعض أساليب القرآن وطريقة القياس على أساليب العرب وقد تضمن موضوعات بلاغية كثيرة جداً في هذا الكتاب.
ثم قواعد الشعر لثعلب وإن كان بلاغياً ولكنه نحى نحو الشعر ورصد ما يخص الشعر من جوانب متعددة . ثم كتاب الصناعتين صناعة الشعر وصناعة لأبي هلال العسكري .
تأتي بعد ذلك المرحلة الرابعة ومرحلة النضج نضج التأليف البلاغي ويجعلها البلاغيون منحصرة عند عبد القاهر الجرجاني المتوفي سنة 470 في كتابيه ( دلائل الإعجاز) و (وأسرار البلاغة) .
ثم تأتي بعد ذلك المرحلة الخامسة وهي مرحلة التبويب ، يعني إن عبد القاهر قد أوصل البلاغة إلى مرحلة النضج في أفكارها في أغراضها في أهدافها في تحليله للأساليب إلا أن مرحلة عبد القاهر تشكو من عدم الترتيب والتبويب والتنظيم لأن القضية عند عبد القاهر يمكن أن تتناول في مواضع كثيرة في كتابيه.
جاءت مرحلة التبويب المرحلة الخامسة عند الفخر الرازي في كتابه (نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز) حيث قام باختصار أو بتلخيص كتابي عبد القاهر (الأسرار) و(الدلائل) ووضعها في كتابه (نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز) .
ثم جاء بعد ذلك أبو يعقوب السكاكي وألف كتاب (مفتاح العلوم) لعلوم العربية كلها لكن الجانب البلاغي كان هو الأبرز في هذا المفتاح ولذلك شاع أكثر من شيوعه في النحو، وفي العروض وفي غيرها.
مفتاح العلوم اتكأ على كتاب (نهاية الإيجاز) واستفاد منه وصنف وبوب وجل ما في نهاية الإيجاز موجود عند عبد القاهر الجرجاني وجل ما في مفتاح العلوم موجود عند الرازي في نهاية الإيجاز لكن لأن مفتاح العلوم كان بعلوم العربية كلها ونظراً لثقل أسلوبه وصعوبة طريقة المؤلف فيه احتاج الأمر إلى تلخيصه فقام الخطيب القزويني المتوفي سنة 739 بتلخيص كتاب المفتاح في كتاب سماه تلخيص المفتاح وهذا الكتاب هو الذي صار مركز التأليف البلاغي عند المتأخرين حيث يرجعون إليه كثيراً لكن التلخيص لأنه حرص على الإيجاز فيه فقد كانت عبارته غامضة مكثفة احتاج إلى إيضاح قام المؤلف نفسه وهو الخطيب القزويني بإيضاحه بإيضاح التلخيص فألف الإيضاح وهو أوسع من التلخيص فصار كتاباً في البلاغة والمرجع في المؤلفات البلاغية التي تمثل مرحلة الاستقرار في التاليف البلاغي.
ولذلك يمكن تقسيم مدارس التأليف البلاغي بعد المرحلة التاريخية التي سردتها قبل قليل إلى مدرسة تنحى في تأليفها منحى دراسة إعجاز القرآن ومظاهر البلاغة النبوية وهذه نسميها مدرسة الإعجاز.
ومدرسة تعنى بتلمس الظاهرة الإبداعية في النص وهذه تسمى المدرسة الأدبية .
المرحلة الأولى مرحلة الإعجاز ربما تتمثل عند ابن قتيبة – رحمه الله – عند الباقلاني في إعجاز القرآن عند عبد القاهر الجرجاني في الدلائل عند المفسرين عند السكاكي ، عند الزمخشري في كشافه عند غيره من المفسرين الذين ينحون التحدير والتدوير لابن عاشور –مثلاً – المتوفي في هذا العصر أو قبل هذا العصر بقليل.
مدرسة الإعجاز كما قلت الأسماء التي ذكرتها آنفاً ، المدرسة، المدرسة الأدبية تتمثل عند ثعلب في قواعد الشعر عند أبي هلال في كتاب الصناعتين عند ابن سنان الخفاجي في سر الفصاحة عند ابن رشيق في العمدة عند ابن الأثير في المثل السائر .
المدرسة العقلية هي مدرسة المتكلمين التي تبدأ في الرازي في نهاية الإيجاز والسكاكي في مفتاح العلوم والقزويني في التلخيص والإيضاح ومن تبعهم بعد ذلك.
تأتي بعد ذلك مدرسة رابعة نسميها اصطلاحي المدرسة البديعية وهي المدرس التي تعتمد على إشاعة الموضوع ومحاولة الجمع بين ميزات المدرسة الأدبية والمدرسة العقلية.
ميزات المدرسة الأدبية أنها تعنى بالتحليل وبيان مراد النص أكثر من عنايتها بالترتيب والتنظيم ، والمدرسة العقلية تعنى بالتنظيم والتبويب والتقسيم والتعريف والتحديد أكثر من عنايتها بالتحليل ولذلك لكل مدرسة من هذه المدارس ميزة . المدرسة البديعية حاولت الجمع بين ميزات المدرسة الأدبية والمدرسة العقلية ولعل رأس هذه المدرسة يمكن أن ينسب لأبي الأصبع المصري في كتابه (تحرير التحيير) وكتابه (بديع القرآن) وإن كان بديع القرآن يمكن تصنيفه إلى مدرسة الإيجاز.
إذاً هذه لمحة عامة عن نشأة البلاغة العربية والمصنفات فيها واتجاهات هذه المصنفات وقبل أن أختم الحديث في هذا الدرس أريد أن أنبه إلى دراسة البلاغة يمكن أن تثري الدارس في معرفة الغاية العظمى التي جعل كثير من العلماء إعجاز كتاب الله عز وجل فيها ويه إعجاز القرآن في بلاغته كيف عجز العرب عن الإتيان بمثل القرآن مع أن كلماته هي كلماتهم ، وحروفه هي حروفهم وطريقة نظمه هي طريقة نظمهم وكيف لم يستطع العرب الإتيان بمثل القرآن؟ الذي يجيب عن هذا السؤال هو تتبع أبواب البلاغة ومعرفة كيف يصاغ الكلام وكيف يعرف التفاضل بين أساليبه؟
أنصح المتلقي الكريم والدارس لمثل هذا العلم استصحاب النية الطيبة في دراسة البلاغة ؛ لأن الدراسة إذا صحبتها النية الطيبة تكون آثارها حسنة – بإذن الله عز وجل - .
أنبه أيضاً إلى ارتباط القضية العقيدية في التأليف البلاغي والبلاغيون الذين أسهموا في التأليف البلاغي كثير منهم ليس على منهج أهل السنة والجماعة ولذلك استطاعوا أن يخدموا اتجاهاتهم العقدية من خلال هذا العلم ، هذا العلم وسيلة هم امتطوها لتحقيق مآربهم وأهدافهم بينما أهل السنة أحجم كثير منهم عن الدخول في مثل هذا العلم لما يعتبره من كثير الأمور التي فيها إشكالات يمكن – بإذن الله- عز وجل – لمن ينوي النية الحسنة ويتتبع أن يجد أن التأليف البلاغي الموافق لفطرة العرب ولطريقة العرب ، وللغة العرب السليمة على سليقتهم هو موافق لمنهج أهل السنة والجماعة – بإذن الله - عز وجل – في هذا الجانب ولذلك أعزوا عزوف كثير من أهل السنة والجماعة إلى ما أثاره أو أثارته بعض القضايا ذات الصلة الوثيقة بالتأليف البلاغي مثل قضية المجاز بالعزوف عن التأليف في البلاغة والبعد عنه مع أن أهل السنة إذا تحدثوا في مثل هذا الجانب أبدعوا أيما إبداع والمتأمل لأقوال ابن القيم الجوزية – رحمه الله – في كثير من تحليله لأساليب القرآن أو لأساليب الكلام بعامة يجد عقلاً متفتحاً عقلاً بلاغياً مفصحاً عن الدلالات التي تحملها التراكيب.
وادعوا الله – عز وجل – لجميع الدارسين لهذا العلم والمستمعين لهذه الدروس ادعوا لهم أن يوفقهم الله –عز وجل- لما فيه الخير في الدنيا والأخرى كما آمل لكل سامع لمثل هذه الدروس أن يدعو للمتكلم ولوالديه ولجميع المسلمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .

* الأسـئـلة :
س: فضيلة الشيخ : ما هي الكتب التي تنصحون المبتدئ بقراءتها في علم البلاغـة ؟
ج: المبتدئ في علم البلاغة يحسن أن يبدأ بدروس البلاغة الكبرى التي اختارتها هذه المؤسسة التي نسأل الله عز وجل التوفيق ؛ لأنه كما ذكر مؤلفوه وهو تقريب لهذا العلم للناشئة ، للذي يرغب على الإطلاع على هذا العلم ثم يتدرج بعد ذلك ليصل غلى بعض المؤلفات التي تحتاج إلى مزيد من العمق والإدراك في متابعة جزئياتها .
المؤلفات البلاغية تنقسم قسمين مثل بقية العلوم :
1- فيها متون .
2- وفيها شروحها فيها تلخيصات وغير ذلك.
والمتون هي أيضاً هي متون نثرية وفيها متون شعرية . من المتون النثرية التي تجمع جل أبواب البلاغة كما ذكرت كتاب التلخيص؛ تلخيص الخطيب القزويني للمفتاح والكتاب الذي شاع وانتشر وجمع قضايا البلاغة بعد استقرارها .
وهناك مجموعة من المتون الأخرى ككتاب الإيضاح للقزويني كذلك وكتاب التبيان في علم البيان للطيبي وهو أكثر شمولاً من كتاب الإيضاح للقزويني ولكنه لعالم أخف مخالفاتٍ مما لدى القزويني – رحمه الله – لأن القزويني عنده اعتزاليات كثيرة.
كذلك أنصح أو من لديه قدرة على الحفظ أن يحفظ في البلاغة متين عقود الجمان للإمام السيوطي – رحمه الله- فقد ألف منظومة جمع فيها علوم البلاغة منطلقاً من التلخيص أو من ما ورد في تلخيص الخطيب القزويني .

س2: بارك الله فيكم : فضيلة الشيخ من المهم أن يتعرف طالب العلم على معالم هذا العلم ومن أهم ذلك أئمة هذا العلم المأمونين في توخيهم العقيدي ؟
ج2: الحقيقة أن هذا السؤال من أهم الأسئلة التي أعني إشاعتها والحديث عنها وتقديم النصح للراغبين في دراسة البلاغة العربية في هذا المجال يحزنني أن أقول إن المؤلفات القديمة قل أن يخلو مؤلف بلاغي من مخالفات عقدية لكنها تقل وتكثر وأغلب الذين ألفوا في البلاغة العربية هم من المعتزلة ومن أصحاب المذهب الأشعري أو الماتريدي وقل أن تجد كتاباً لعالم من علماء أهل السنة ولذلك حاولت أن أنهض بهذه المهمة فألفت كتاباً سميته (المدخل إلى دراسة بلاغة أهل السنة) ورصدت فيه ما ورد عند علماء البلاغة مما يوافق منهج أهل السنة وأشرت إلى ما يخالف منهجهم ونبهت عليه وبفضل الله عز وجل أصبح ما قدمته من دعوة في هذا الكتاب مجالاً رحباً للدارسين وألفت بعد ذلك مجموعة من الكتب التي أتمنى لها الطبع والخروج إلى يد القراء ومن ذلك رسالة نفيسة في قيمتها رائعة في إعدادها مهمة في موضوعها لأنها توازن بين علمين من أهم أعلام المفسرين في الجانب البلاغي وهذه الرسالة بعنوان : (التوجيه البلاغي لآيات العقيدة بين الطبري والزمخشري) الطبري لأنه من أئمة أهل السنة والزمخشري لأنه إمام المعتزلة والذي يعزو إليه كثير من البلاغيين مسألة التوفق والإبداع في الجانب البلاغي هذه الرسالة رسالة ماجستير تقع في مجلدين كبيرين أعدها الباحث الجاد الأخ الفاضل / سيلمان بن عبد العزيز الربعي وكنت مشرفاً على هذه الرسالة وقد نوقشت في نهاية شهر شعبان من عام 1423هـ وأعلم أن صاحبها يعني قد طلبت منه عدداً من دور النشر طبع هذه الرسالة فأسأل الله عز وجل أن يعجل بنشرها.
رسالة أخرى لا تقل عن الرسالة السابقة في أهميتها ولكنها تنحو منحى آخر هو أشبه ما يكون برصد ما في مؤلفات البلاغة وهذه الرسالة نفيسة في موضوعها ورائعة في مضمونها بعنوان : (التوجيه البلاغي في المؤلفات البلاغية في القرنين السابع والثامن الهجريين) للباحث يوسف بن عبد الله العليوي ، وقد أعدت هذه الرسالة بإشراف زميلي وأخي / ناصر بن عبد الرحمن الخنين وأعدها كما قلت : يوسف بن عبد الله العليوي وفقه الله لكل ، وقد أشتركت في مناقشة هذه الرسالة النفيسة لأنها تذكر كل إن كنت أنا في كتابي مدخل إلى بلاغة أهل السنة قد أشرت إلى المخالفات دون تفصيل في وجه المخالفة ومدى موافقتها ولكني نبهت لأني اخترت عنوان مدخل إلى بلاغة أهل السنة ليكون مدخلاً للباحثين من بعدي فقد وفق الباحث الأخ / يوسف العليوي جزاه الله خيراً بالوقوف عند هذه المخالفات وبيان ما يخالفها في منهج أهل السنة والجماعة في هذا الجانب ، فأسال الله عز وجل أن يوفق الباحث وغيره لخدمة هذا العلم الذي نحتاج إلى نشره وتوزيعه لكثرة حاجة الناس إليه ولا يعني هذا أن المؤلفات البلاغية كلها فيها ما يخالف منهج أهل السنة ، أنا قلت في كثير منها هناك قمت على تحقيقه لكنه يختص بواحد من علوم البلاغة هو : (القول البديع في علم البديع) ليوسف بن مرعي الحنبلي العالم الشهير المتوفي سنة 1033هـ وقد لاحظت عليه بعض المخالفات اليسيرة في هذا الجانب.
كتاب السيوطي : (عقود الجمان) سواء في شرح السيوطي لها ، أو في شرح المرشدي العمري أيضاً من الكتب القيمة.
كتاب التبيان في علم البيان وهو للطيبي وهو من الكتب الجيدة في البلاغة التي يمكن أن يستفاد منها لكن الكتاب يتضمن بعض المخالفات اليسيرة من المؤلفات المعاصرة التي يحتاجها القارئ من أفضل المؤلفات في البلاغة فنونها وأفنانها للدكتور م فضل حسن عباس وهو من الكتب الجيدة التي قربت البلاغة بأسلوب معاصر للراغبين في دراستها.
وكذلك كتاب بعنوان : (البلاغة العربية أسسها وغايتها) لعبد الرحمن الميداني وهذه من الكتب الكثيرة التي تنتشر غير أني أنبه أن من أراد العمق وأراد القدرة في التحليل وفي التأهيل فعليه الرجوع إلى كتب شيخنا الوقور الدكتور محمد محمد أبو موسى الأستاذ في جامعة أم القرى حفظه الله ووفقه هو خير من يفهم أساليب البلاغيين فقد ألف رسالته الدكتوراه عن البلاغة في تفسير الزمخشري وإن كان الدكتور – وفقه الله – له بعض الرؤى التي يشجع أبناءه على مخالفته فيها وهو ما يتصل بقضية التمحيص في مسألة الجانب العقدي في المؤلفات البلاغية أسال الله – عز وجل – له ولجميع الدارسين الخير والتوفيق والفلاح .
القارئ : أثابكم الله وبارك فيكم ونفع بعلمكم.



موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المقدمة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:07 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir