دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > مكتبة علوم العقيدة > أصول الاعتقاد > شرح أصول السنة لأبي القاسم اللالكائي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 رجب 1434هـ/18-05-2013م, 11:13 PM
شيماء رأفت شيماء رأفت غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 220
افتراضي سياق ما روي عن المأثور عن السّلف في جمل اعتقاد أهل السّنّة والتّمسّك بها

قال أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي (ت: 418هـ): (سياق ما روي عن المأثور عن السّلف في جمل اعتقاد أهل السّنّة والتّمسّك بها والوصيّة بحفظها قرنًا بعد قرنٍ
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/170]
اعتقاد أبي عبد اللّه سفيان بن سعيدٍ الثّوريّ رضي اللّه عنه
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/170]
314 - أخبرنا محمّد بن عبد الرّحمن بن العبّاس، قال: حدّثنا أبو الفضل شعيب بن محمّد بن الرّاجيان قال: حدّثنا عليّ بن حربٍ الموصليّ بسرّ من رأى سنة سبعٍ وخمسين ومائتين قال: سمعت شعيب بن حربٍ يقول: «قلت» لأبي عبد اللّه سفيان بن سعيدٍ الثّوريّ: " حدّثني بحديثٍ من السّنّة ينفعني اللّه عزّ وجلّ به، فإذا وقفت بين يدي اللّه تبارك وتعالى وسألني عنه. فقال لي: «من أين أخذت هذا؟» قلت: «يا ربّ حدّثني بهذا الحديث سفيان الثّوريّ، وأخذته عنه فأنجو أنا وتؤاخذ أنت». فقال: " يا شعيب هذا توكيدٌ وأيّ توكيدٍ، اكتب: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم القرآن كلام اللّه غير مخلوقٍ، منه بدأ وإليه يعود، من قال غير هذا فهو كافرٌ، والإيمان قولٌ وعملٌ ونيّةٌ، يزيد وينقص، يزيد بالطّاعة وينقص
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/170]
بالمعصية، ولا يجوز القول إلّا بالعمل، ولا يجوز القول والعمل إلّا بالنّيّة، ولا يجوز القول والعمل والنّيّة إلّا بموافقة السّنّة. قال شعيبٌ: فقلت له: " يا أبا عبد اللّه وما موافقة السّنّة؟ قال: " تقدمة الشّيخين أبي بكرٍ وعمر رضي اللّه عنهما، يا شعيب لا ينفعك ما كتبت حتّى تقدّم عثمان وعليًّا على من بعدهما، يا شعيب بن حربٍ لا ينفعك ما كتبت لك حتّى لا تشهد لأحدٍ بجنّةٍ ولا نارٍ إلّا للعشرة الّذين شهد لهم رسول اللّه وكلّهم من قريشٍ، يا شعيب بن حربٍ لا ينفعك ما كتبت لك حتّى ترى المسح على الخفّين دون خلعهما أعدل عندك من غسل قدميك، يا شعيب بن حربٍ ولا ينفعك ما كتبت حتّى يكون إخفاء بسم اللّه الرّحمن الرّحيم في الصّلاة أفضل عندك من أن تجهر بهما، يا شعيب بن حربٍ لا ينفعك الّذي كتبت حتّى تؤمن بالقدر خيره وشرّه وحلوه ومرّه، كلٌّ من عند اللّه عزّ وجلّ،
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/171]
يا شعيب بن حربٍ واللّه ما قالت القدريّة ما قال اللّه، ولا ما قالت الملائكة، ولا ما قال النّبيّون، ولا ما قال أهل الجنّة، ولا ما قال أهل النّار، ولا ما قال أخوهم إبليس لعنه اللّه، قال اللّه عزّ وجلّ: {أفرأيت من اتّخذ إلهه هواه وأضلّه اللّه على علمٍ وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوةً فمن يهديه من بعد اللّه أفلا تذكّرون} [الجاثية: 23]، وقال تعالى: {وما تشاءون إلّا أن يشاء اللّه}، وقالت الملائكة: {سبحانك لا علم لنا إلّا ما علّمتنا إنّك أنت العليم الحكيم} [البقرة: 32]، وقال موسى عليه السّلام: {إن هي إلّا فتنتك تضلّ بها من تشاء وتهدي من تشاء} [الأعراف: 155]، وقال نوحٌ عليه السّلام: {ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان اللّه يريد أن يغويكم هو ربّكم وإليه ترجعون} [هود: 34]، وقال شعيبٌ عليه السّلام: {وما يكون لنا أن نعود فيها إلّا أن يشاء اللّه ربّنا وسع ربّنا كلّ شيءٍ علمًا} [الأعراف: 89]،
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/172]
وقال أهل الجنّة: {الحمد للّه الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه} [الأعراف: 43]، وقال أهل النّار: {غلبت علينا شقوتنا وكنّا قومًا ضالّين} [المؤمنون: 106]، وقال أخوهم إبليس لعنه اللّه: {ربّ بما أغويتني} [الحجر: 39]. يا شعيب لا ينفعك ما كتبت حتّى ترى الصّلاة خلف كلّ برٍّ وفاجرٍ، والجهاد ماضيًا إلى يوم القيامة، والصّبر تحت لواء السّلطان جار أم عدل ". قال شعيبٌ: فقلت " لسفيان: يا أبا عبد اللّه: «الصّلاة كلّها؟» قال: " لا، ولكن صلاة الجمعة والعيدين، صلّ خلف من أدركت، وأمّا سائر ذلك فأنت مخيّرٌ، لا تصلّ إلّا خلف من تثق به، وتعلم أنّه من أهل السّنّة والجماعة، يا شعيب بن حربٍ إذا وقفت بين يدي اللّه عزّ وجلّ فسألك عن هذا الحديث فقل: يا ربّ حدّثني بهذا الحديث سفيان بن سعيدٍ الثّوريّ «, ثمّ خلّ بيني وبين ربّي عزّ وجلّ»
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/173]
اعتقاد أبي عمرٍو عبد الرّحمن بن عمرٍو الأوزاعيّ
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/174]
315 - أخبرنا الحسن بن عثمان، قال: أخبرنا أحمد بن حمدان، قال: حدّثنا بشر بن موسى، قال: حدّثنا معاوية بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو إسحاق، قال: سألت الأوزاعيّ فقال: " اصبر نفسك على السّنّة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكفّ عمّا كفّوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصّالح، فإنّه يسعك ما وسعهم، وقد كان أهل الشّام في غفلةٍ من هذه البدعة حتّى قذفها إليهم بعض أهل العراق ممّن دخل في تلك البدعة بعدما ردّها عليهم فقهاؤهم وعلماؤهم فأشربها قلوب طوائف من أهل الشّام واستحلّتها ألسنتهم، وأصابهم ما أصاب غيرهم من الاختلاف فيه، ولست بآيسٍ أن يرفع اللّه شرّ هذه البدعة إلى أن يصيروا إخوانًا إلى توادٍّ بعد تفرّقٍ في دينهم وتباغضٍ، ولو كان هذا خيرًا ما خصصتم به دون أسلافكم، فإنّه لم يدّخر عنهم خيرٌ خبّئ لكم دونهم لفضلٍ عندكم، وهم أصحاب نبيّه صلّى الله عليه وسلّم الّذين اختارهم وبعثه فيهم، ووصفهم بما وصفهم به، فقال: {محمّدٌ رسول اللّه والّذين معه أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم تراهم ركّعًا سجّدًا يبتغون فضلًا من اللّه ورضوانًا} [الفتح: 29] "
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/174]
اعتقاد سفيان بن عيينة رضي اللّه عنه
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/175]
316 - أخبرنا عبيد اللّه بن محمّد بن التّوّجيّ، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق بن عبّادٍ التّمّار، قال: حدّثنا عبد العزيز بن معاوية، قال: حدّثنا محمّد بن عبد الجبّار السّلميّ، قال: حدّثنا بكر بن الفرج أبو العلاء، قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: " السّنّة عشرةٌ، فمن كنّ فيه فقد استكمل السّنّة، ومن ترك منها شيئًا فقد ترك السّنّة: إثبات القدر، وتقديم أبي بكرٍ وعمر، والحوض، والشّفاعة، والميزان، والصّراط، والإيمان قولٌ وعملٌ، والقرآن كلام اللّه، وعذاب القبر، والبعث يوم القيامة، ولا تقطعوا بالشّهادة على مسلمٍ "
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/175]
اعتقاد أحمد بن حنبلٍ رضي اللّه عنه
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/175]
317 - أخبرنا عليّ بن محمّد بن عبد اللّه السّكّريّ، قال: حدّثنا عثمان بن أحمد بن عبد اللّه بن بريدٍ الدّقيقيّ قال: حدّثنا أبو محمّدٍ
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/175]
الحسن بن عبد الوهّاب أبو العنبر قراءةً من كتابه في شهر ربيعٍ الأوّل سنة ثلاثٍ وتسعين ومائتين، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ محمّد بن سليمان المنقريّ بتنّيس قال: حدّثني عبدوس بن مالكٍ العطّار قال: سمعت أبا عبد اللّه أحمد بن محمّد بن حنبلٍ يقول: " أصول السّنّة عندنا: التّمسّك بما كان عليه أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، والاقتداء بهم، وترك البدع، وكلّ بدعةٍ فهي ضلالةٌ، وترك الخصومات والجلوس مع أصحاب الأهواء، وترك المراء والجدال والخصومات في الدّين، والسّنّة عندنا آثار رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، والسّنّة تفسّر القرآن، وهي دلائل القرآن، وليس في السّنّة قياسٌ، ولا تضرب لها الأمثال، ولا تدرك بالعقول ولا الأهواء، إنّما هي الاتّباع وترك الهوى، ومن السّنّة اللّازمة الّتي من ترك منها خصلةً لم يقلها ويؤمن بها لم يكن من أهلها: الإيمان بالقدر خيره وشرّه، والتّصديق بالأحاديث فيه، والإيمان بها لا يقال لم ولا كيف، إنّما هو التّصديق بها والإيمان بها، ومن لم يعرف تفسير الحديث ويبلغه عقله فقد كفي ذلك وأحكم له، فعليه الإيمان به والتّسليم له، مثل حديث الصّادق والمصدوق، وما كان مثله في القدر، ومثل أحاديث الرّؤية كلّها، وإن نبت عن الأسماع واستوحش
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/176]
منها المستمع فإنّما عليه الإيمان بها، وأن لا يردّ منها جزءًا واحدًا وغيرها من الأحاديث المأثورات عن الثّقات، لا يخاصم أحدًا ولا يناظره ولا يتعلّم الجدل، فإنّ الكلام في القدر والرّؤية والقرآن وغيرها من السّنن مكروهٌ منهيٌّ عنه، ولا يكون صاحبه إن أصاب بكلامه السّنّة من أهل السّنّة حتّى يدع الجدل ويسلّم ويؤمن بالآثار، والقرآن كلام اللّه وليس بمخلوقٍ، ولا تضعف أن تقول ليس بمخلوقٍ، فإنّ كلام اللّه منه وليس منه شيءٌ مخلوقٌ، وإيّاك ومناظرة من أحدث فيه، ومن قال باللّفظ وغيره، ومن وقف فيه فقال: «لا أدري مخلوقٌ أو ليس بمخلوقٍ»، وإنّما هو كلام اللّه وليس بمخلوقٍ. والإيمان بالرّؤية يوم القيامة كما روي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من الأحاديث الصّحاح، وأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد رأى ربّه، وأنّه مأثورٌ عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم صحيحٌ، رواه قتادة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، ورواه الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عبّاس، ورواه عليّ بن زيدٍ، عن يوسف بن مهران، عن ابن عبّاسٍ، والحديث عندنا على ظاهره كما جاء عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والكلام فيه بدعةٌ، ولكن نؤمن به كما جاء على ظاهره ولا نناظر فيه أحدًا.
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/177]
والإيمان بالميزان كما جاء: يوزن العبد يوم القيامة " فلا يوزن جناح بعوضةٍ، وتوزن أعمال العباد كما جاء في الأثر. والإيمان به والتّصديق به والإعراض عمّن ردّ ذلك، وترك مجادلته. وإنّ اللّه تبارك وتعالى يكلّم العباد يوم القيامة ليس بينهم وبينه ترجمانٌ، والإيمان به والتّصديق به. والإيمان بالحوض، وأنّ لرسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم حوضًا يوم القيامة ترد عليه أمّته، عرضه مثل طوله مسيرة شهرٍ، آنيته كعدد نجوم السّماء، على ما صحّت به الأخبار من غير وجهٍ. والإيمان بعذاب القبر، وأنّ هذه الأمّة تفتن في قبورها، وتسأل عن الإيمان والإسلام، ومن ربّه، ومن نبيّه، ويأتيه منكرٌ ونكيرٌ كيف شاء اللّه عزّ وجلّ وكيف أراد، والإيمان به والتّصديق به. والإيمان بشفاعة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وبقومٍ يخرجون من النّار بعدما احترقوا وصاروا فحمًا، فيؤمر بهم إلى نهرٍ على باب الجنّة كما جاء في الأثر، كيف شاء اللّه وكما شاء، إنّما هو الإيمان به والتّصديق به، والإيمان أنّ المسيح الدّجّال خارجٌ مكتوبٌ بين عينيه كافرٌ، والأحاديث الّتي جاءت فيه، والإيمان بأنّ ذلك كائنٌ،
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/178]
وأنّ عيسى ابن مريم ينزل فيقتله بباب لدٍّ. والإيمان قولٌ وعملٌ يزيد وينقص كما جاء في الخبر: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا». ومن ترك الصّلاة فقد كفر، وليس من الأعمال شيءٌ تركه كفرٌ إلّا الصّلاة، من تركها فهو كافرٌ، وقد أحلّ اللّه قتله. وخير هذه الأمّة بعد نبيّها أبو بكرٍ الصّدّيق، ثمّ عمر بن الخطّاب، ثمّ عثمان بن عفّان، نقدّم هؤلاء الثّلاثة كما قدّمهم أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لم يختلفوا في ذلك، ثمّ بعد هؤلاء الثّلاثة أصحاب الشّورى الخمس عليّ بن أبي طالبٍ، وطلحة، والزّبير، وعبد الرّحمن بن عوفٍ، وسعدٌ، كلّهم يصلح للخلافة وكلّهم إمامٌ. ونذهب إلى حديث ابن عمر: كنّا نعدّ ورسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم حيٌّ، وأصحابه متوافرون: أبو بكرٍ، ثمّ عمر، ثمّ عثمان، ثمّ نسكت. ثمّ من بعد أصحاب الشّورى أهل بدرٍ من المهاجرين، ثمّ أهل بدرٍ من الأنصار من أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم على قدر الهجرة والسّابقة أوّلًا فأوّلًا. ثمّ أفضل النّاس بعد هؤلاء أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم القرن
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/179]
الّذي بعث فيهم، كلّ من صحبه سنةً أو شهرًا أو يومًا أو ساعةً أو رآه، فهو من أصحابه، له من الصّحبة على قدر ما صحبه، وكانت سابقته معه، وسمع منه ونظر إليه نظرةً، فأدناهم صحبةً هو أفضل من القرن الّذين لم يروه، ولو لقوا اللّه بجميع الأعمال كان هؤلاء الّذين صحبوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ورأوه وسمعوا منه ومن رآه بعينه وآمن به ولو ساعةً أفضل بصحبته من التّابعين ولو عملوا كلّ أعمال الخير. والسّمع والطّاعة للأئمّة وأمير المؤمنين البرّ والفاجر، ومن ولي الخلافة فاجتمع النّاس عليه ورضوا به. ومن غلبهم بالسّيف حتّى صار خليفةً وسمّي أمير المؤمنين. والغزو ماضٍ مع الأمراء إلى يوم القيامة البرّ والفاجر لا يترك. وقسمة الفيء وإقامة الحدود إلى الأئمّة ماضٍ ليس لأحدٍ أن يطعن عليهم ولا ينازعهم، ودفع الصّدقات إليهم جائزةٌ ونافذةٌ، من دفعها إليهم أجزأت عنه برًّا كان أو فاجرًا،
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/180]
وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولّى جائزةٌ تامّةٌ ركعتين، من أعادهما فهو مبتدعٌ، تاركٌ للآثار، مخالفٌ للسّنّة، ليس له من فضل الجمعة شيءٌ إذا لم ير الصّلاة خلف الأئمّة من كانوا برّهم وفاجرهم، فالسّنّة أنّ تصلّي معهم ركعتين، من أعادهما فهو مبتدعٌ، وتدين بأنّها تامّةٌ، ولا يكن في صدرك من ذلك شكٌّ. ومن خرج على إمام المسلمين وقد كان النّاس اجتمعوا عليه وأقرّوا له بالخلافة بأيّ وجهٍ كان بالرّضا أو بالغلبة فقد شقّ هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهليّةٍ. ولا يحلّ قتال السّلطان ولا الخروج عليه لأحدٍ من النّاس، فمن فعل ذلك فهو مبتدعٌ على غير السّنّة والطّريق. وقتال اللّصوص والخوارج جائزٌ إذا عرضوا للرّجل في نفسه وماله، فله أن يقاتل عن نفسه وماله ويدفع عنها بكلّ ما يقدر عليه. وليس له إذا فارقوه أو تركوه أن يطلبهم ولا يتبع آثارهم، ليس لأحدٍ إلّا للإمام أو ولاة المسلمين، إنّما له أن يدفع عن نفسه في مقامه ذلك، وينوي بجهده أن لا يقتل أحدًا، فإن أتى عليه في دفعه عن نفسه في المعركة فأبعد اللّه المقتول، وإن قتل هذا في تلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله رجوت له الشّهادة، كما جاء في الأحاديث وجميع الآثار في هذا إنّما، أمر بقتاله ولم يؤمر بقتله ولا اتّباعه، ولا يجهز عليه إن
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/181]
صرع أو كان جريحًا، وإن أخذه أسيرًا فليس له أن يقتله ولا يقيم عليه الحدّ، ولكن يرفع أمره إلى من ولّاه اللّه فيحكم فيه. ولا يشهد على أهل القبلة بعملٍ يعمله بجنّةٍ ولا نارٍ يرجو للصّالح، ويخاف عليه، ويخاف على المسيء المذنب، ويرجو له رحمة اللّه. ومن لقي اللّه بذنبٍ يجب له به النّار تائبًا غير مصرٍّ عليه؛ فإنّ اللّه عزّ وجلّ يتوب عليه ويقبل التّوبة عن عباده ويعفو عن السّيّئات. ومن لقيه وقد أقيم عليه حدّ ذلك الذّنب في الدّنيا فهو كفّارته كما جاء الخبر عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم. ومن لقيه مصرًّا غير تائبٍ من الذّنوب الّتي قد استوجب بها العقوبة، فأمره إلى اللّه عزّ وجلّ، إن شاء عذّبه، وإن شاء غفر له. ومن لقيه كافرًا عذّبه ولم يغفر له. والرّجم حقٌّ على من زنا وقد أحصن إذا اعترف أو قامت عليه بيّنةٌ، وقد رجم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، وقد رجمت الأئمّة الرّاشدون. ومن انتقص أحدًا من أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أو أبغضه لحدثٍ كان منه أو ذكر مساوئه كان مبتدعًا حتّى يترحّم عليهم جميعًا، ويكون قلبه لهم سليمًا. والنّفاق هو الكفر، أن يكفر باللّه ويعبد غيره، ويظهر الإسلام في العلانية مثل المنافقين الّذين كانوا على عهد رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم. وهذه الأحاديث الّتي جاءت:
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/182]
«ثلاثٌ من كنّ فيه فهو منافقٌ» هذا على التّغليظ، نرويها كما جاءت ولا نفسّرها. وقوله: «لا ترجعوا بعدي كفّارًا ضلّالًا يضرب بعضكم رقاب بعضٍ»، ومثل: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النّار»،
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/183]
ومثل: «سباب المسلم فسوقٌ وقتاله كفرٌ»، ومثل: " من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما "، ومثل: «كفرٌ باللّه تبرّؤٌ من نسبٍ، وإن دقّ». ونحوه من الأحاديث ممّا قد صحّ وحفظ فإنّا نسلّم له وإن لم يعلم تفسيرها، ولا يتكلّم فيه ولا يجادل فيه ولا تفسّر هذه الأحاديث إلّا بٍمثل ما جاءت، ولا نردّها إلّا بأحقّ منها. والجنّة والنّار مخلوقتان، قد خلقتا كما جاء عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «دخلت الجنّة فرأيت قصرًا، ورأيت الكوثر، واطّلعت في الجنّة فرأيت لأهلها كذا، واطّلعت في النّار فرأيت كذا، ورأيت كذا» فمن زعم أنّهما لم تخلقا فهو مكذّبٌ بالقرآن وأحاديث رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، ولا أحسبه يؤمن بالجنّة والنّار. ومن مات من أهل القبلة موحّدًا يصلّى عليه ويستغفر له، ولا تترك
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/184]
الصّلاة عليه لذنبٍ أذنبه صغيرًا كان أو كبيرًا، وأمره إلى اللّه عزّ وجلّ
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/185]
اعتقاد عليّ بن المدينيّ ومن نقل عنه ممّن أدركه من جماعة السّلف
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/185]
318 - أخبرنا محمّد بن رزق اللّه، قال: أخبرنا أبو محمّدٍ جعفر بن محمّد بن نصيرٍ قال: حدّثنا أبو محمّدٍ عبد اللّه بن غنّام بن حفص بن غياثٍ النّخعيّ، قال: حدّثنا أبو سعيدٍ يحيى بن أحمد قال: سمعت أبا عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه بن بسطامٍ يقول: سمعت سهل بن محمّدٍ قرأها على عليّ بن عبد اللّه بن جعفرٍ المدينيّ، فقال له: قلت أعزّك اللّه: " السّنّة اللّازمة الّتي من ترك منها خصلةً لم يقلها أو يؤمن بها لم يكن من أهلها: الإيمان بالقدر خيره وشرّه،
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/185]
ثمّ تصديقٌ بالأحاديث والإيمان بها، لا يقال لم ولا كيف، إنّما هو التّصديق بها والإيمان بها وإن لم يعلم تفسير الحديث ويبلغه عقله فقد كفي ذلك، وأحكم عليه الإيمان به والتّسليم ". مثل حديث زيد بن وهبٍ عن ابن مسعودٍ قال: " حدّثنا الصّادق المصدوق. ونحوه من الأحاديث المأثورة عن الثّقات. ولا يخاصم أحدًا ولا يناظر، ولا يتعلّم الجدل، والكلام في القدر وغيره من السّنّة مكروهٌ، ولا يكون صاحبه وإن أصاب السّنّة بكلامه من أهل السّنّة حتّى يدع الجدل ويسلّم ويؤمن بالإيمان. والقرآن كلام اللّه ليس بمخلوقٍ، ولا تضعف أن تقول ليس بمخلوقٍ، فإنّ كلام اللّه عزّ وجلّ ليس ببائنٍ منه وليس منه شيءٌ مخلوقٌ، يؤمن به ولا يناظر فيه أحدًا. والإيمان بالميزان يوم القيامة، يوزن العبد ولا يزن جناح بعوضةٍ، يوزن أعمال العباد كما جاءت به الآثار، الإيمان به والتّصديق والإعراض عن من ردّ ذلك وترك مجادلته. وإنّ اللّه عزّ وجلّ يكلّم العباد يوم القيامة ويحاسبهم ليس بينهم وبينه ترجمانٌ، الإيمان بذلك والتّصديق. والإيمان بالحوض أنّ لرسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم حوضًا يوم القيامة ترد عليه أمّته، عرضه مثل طوله مسيرة شهرٍ، آنيته كعدد نجوم السّماء على ما
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/186]
جاء في الأثر ووصف، ثمّ الإيمان بذلك. والإيمان بعذاب القبر أنّ هذه الأمّة تفتن في قبورها، وتسأل عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ويأتيه منكرٌ ونكيرٌ كيف شاء اللّه عزّ وجلّ وكما أراد، الإيمان بذلك والتّصديق. والإيمان بشفاعة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وإخراج قومٍ من النّار بعد ما احترقوا وصاروا فحمًا، فيؤمر بهم إلى نهرٍ على باب الجنّة كما جاء في الأثر كيف شاء اللّه وكما شاء، إنّما هو الإيمان به والتّصديق. والإيمان بأنّ المسيح الدّجّال مكتوبٌ بين عينيه كافرٌ للأحاديث الّتي جاءت فيه، الإيمان بأنّ ذلك كائنٌ وأنّ عيسى ابن مريم ينزل فيقتله بباب لدٍّ. والإيمان قولٌ وعملٌ على سنّةٍ وإصابةٍ ونيّةٍ. والإيمان يزيد وينقص، وأكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا. وترك الصّلاة كفرٌ، ليس شيءٌ من الأعمال تركه كفرٌ إلّا الصّلاة، من تركها فهو كافرٌ وقد حلّ قتله. وخير هذه الأمّة بعد نبيّها أبو بكرٍ الصّدّيق ثمّ عمر ثمّ عثمان بن عفّان، نقدّم هؤلاء الثّلاثة كما قدّمهم أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ولم يختلفوا في ذلك. ثمّ من بعد الثّلاثة أصحاب الشّورى الخمسة: عليٌّ، وطلحة، والزّبير، وعبد الرّحمن بن عوفٍ، وسعد بن مالكٍ، كلّهم يصلح للخلافة وكلّهم إمامٌ، كما فعل أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ أفضل النّاس بعد أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم القرن الّذي بعث فيهم كلّهم،
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/187]
من صحبه سنةً أو شهرًا أو ساعةً أو رآه أو وفد إليه فهو من أصحابه، له من الصّحبة على قدر ما صحبه، فأدناهم صحبةً هو أفضل من الّذين لم يروه ولو لقوا اللّه عزّ وجلّ بجميع الأعمال كان الّذي صحب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ورآه بعينيه وآمن به ولو ساعةً أفضل بصحبته من التّابعين كلّهم ولو عملوا كلّ أعمال الخير. ثمّ السّمع والطّاعة للأئمّة وأمراء المؤمنين البرّ والفاجر، ومن ولي الخلافة بإجماع النّاس ورضاهم، لا يحلّ لأحدٍ يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يبيت ليلةً إلّا وعليه إمامٌ، برًّا كان أو فاجرًا فهو أمير المؤمنين. والغزو مع الأمراء ماضٍ إلى يوم القيامة البرّ والفاجر، لا يترك. وقسمة الفيء وإقامة الحدود للأئمّة ماضيةٌ ليس لأحدٍ أن يطعن عليهم ولا ينازعهم، ودفع الصّدقات إليهم جائزةٌ نافذةٌ قد برئ من دفعها إليهم وأجزأت عنه برًّا كان أو فاجرًا. وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولّاه جائزةٌ قائمةٌ ركعتان من أعادها فهو مبتدعٌ تاركٌ للإيمان مخالفٌ، وليس له من فضل الجمعة شيءٌ إذا لم ير الجمعة خلف الأئمّة من كانوا برّهم وفاجرهم، والسّنّة أن يصلّوا خلفهم لا يكون في صدره حرجٌ من ذلك. ومن خرج على إمامٍ من أئمّة المسلمين وقد اجتمع عليه النّاس فأقرّوا له بالخلافة بأيّ وجهٍ كانت برضًا كانت أو بغلبةٍ فهو شاقٌّ هذا الخارج عليه العصا، وخالف الآثار عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فإن مات الخارج
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/188]
عليه مات ميتة جاهليّةٍ. ولا يحلّ قتال السّلطان ولا الخروج عليه لأحدٍ من النّاس، فمن عمل ذلك فهو مبتدعٌ على غير السّنّة. ويحلّ قتال الخوارج واللّصوص إذا عرضوا للرّجل في نفسه وماله أو ما دون نفسه، فله أن يقاتل عن نفسه وماله حتّى يدفع عنه في مقامه، وليس له إذا فارقوه أو تركوه أن يطلبهم ولا يتبع آثارهم، وقد سلم منهم، ذلك إلى الأئمّة، إنّما هو يدفع عن نفسه في مقامه وينوي بجهده أن لا يقتل أحدًا، فإن أتى على يده في دفعه عن نفسه في المعركة فأبعد اللّه المقتول، وإن قتل هو في ذلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله رجونا له الشّهادة كما في الأثر وجميع الآثار، إنّما أمر بقتاله، ولم يؤمر بقتله، ولا يقيم عليه الحدّ ولكنّه يدفعه إلى من ولّاه اللّه أمره فيكون هو يحكم فيه. ولا يشهد على أحدٍ من أهل القبلة بعملٍ عمله بجنّةٍ ولا نارٍ، نرجو للصّالح ونخاف على الطّالح المذنب، ونرجو له رحمة اللّه عزّ وجلّ. ومن لقي اللّه بذنبٍ يجب له بذنبه النّار تائبًا منه غير مصرٍّ عليه، فإنّ اللّه يتوب عليه ويقبل التّوبة عن عباده ويعفو عن السّيّئات.
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/189]
ومن لقي اللّه وقد أقيم عليه حدّ ذلك الذّنب فهو كفّارته كما جاء عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم. ومن لقيه مصرًّا غير تائبٍ من الذّنوب الّتي استوجبت بها العقوبة فأمره إلى اللّه عزّ وجلّ، إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له، ومن لقيه مشركًا عذّبه ولم يغفر له. والرّجم على من زنا وهو محصنٌ إذا اعترف بذلك وقامت عليه البيّنة، رجم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ورجم الأئمّة الرّاشدون من بعده. ومن تنقّص أحدًا من أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أو أبغضه لحدثٍ كان منه أو ذكر مساوئه فهو مبتدعٌ حتّى يترحّم عليهم جميعًا، فيكون قلبه لهم سليمًا. والنّفاق هو الكفر، أن يكفر باللّه عزّ وجلّ ويعبد غيره في السّرّ، ويظهر الإيمان في العلانية مثل المنافقين الّذين كانوا على عهد رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقبل منهم الظّاهر، فمن أظهرالكفر قتل. وهذه الأحاديث الّتي جاءت: «ثلاثٌ من كنّ فيه فهو منافقٌ» جاءت على التّغليظ، نرويها كما جاءت، ولا نفسّرها، مثل: «لا ترجعوا بعدي كفّارًا يضرب بعضكم رقاب بعضٍ»، ومثل: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النّار»، ومثل: «سباب المسلم فسوقٌ، وقتاله كفرٌ»، ومثل: «من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما»،
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/190]
ومثل: «كفرٌ باللّه تبرّءٌ من نسبٍ وإن دقّ»، ونحو هذه الأحاديث ممّا ذكرناه وممّا لم نذكره في هذه الأحاديث ممّا صحّ وحفظ، فإنّه يسلّم له وإن لم يعلم تفسيره فلا يتكلّم فيه ولا يجادل فيه ولا يتكلّم فيه ما لم يبلغ لنا منه ولا نفسّر الأحاديث إلّا على ما جاءت، ولا نردّها. والجنّة والنّار مخلوقتان كما جاء عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «دخلت الجنّة فرأيت فيها قصرًا، ورأيت الكوثر، واطّلعت في الجنّة فإذا أكثر أهلها كذا، واطّلعت في النّار فرأيت أكثر أهلها كذا»، فمن زعم أنّهما لم يخلقا فهو مكذّبٌ بالأثر، ولا أحسبه يؤمن بالجنّة والنّار. وقوله: «أرواح الشّهداء تسرح في الجنّة» وهذه الأحاديث الّتي جاءت كلّها نؤمن بها. ومن مات من أهل القبلة موحّدًا مصلّيًا صلّينا عليه واستغفرنا له، لا نحجب الاستغفار ولا ندع الصّلاة عليه لذنبٍ صغيرٍ أم كبيرٍ، وأمره إلى اللّه عزّ وجلّ. وإذا رأيت الرّجل يحبّ أبا هريرة ويدعو له ويترحّم عليه فارج خيره، واعلم أنّه بريءٌ من البدع.
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/191]
وإذا رأيت الرّجل يحبّ عمر بن عبد العزيز ويذكر محاسنه وينشرها فاعلم أنّ وراء ذلك خيرًا إن شاء اللّه. وإذا رأيت الرّجل يعتمد من أهل البصرة على أيّوب السّختيانيّ، وابن عونٍ، ويونس والتّيميّ ويحبّهم ويكثر ذكرهم والاقتداء بهم فارج خيره. ثمّ من بعد هؤلاء حمّاد بن سلمة، ومعاذ بن معاذٍ، ووهب بن جريرٍ، فإنّ هؤلاء محنة أهل البدع. وإذا رأيت الرّجل من أهل الكوفة يعتمد على طلحة بن مصرّفٍ، وابن أبجر، وابن حيّان التّيميّ، ومالك بن مغولٍ، وسفيان بن سعيدٍ الثّوريّ، وزائدة فارجه. ومن بعدهم عبد اللّه بن إدريس، ومحمّد بن عبيدٍ، وابن أبي عتبة، والمحاربيّ فارجه. وإذا رأيت الرّجل يحبّ أبا حنيفة ورأيه والنّظر فيه فلا تطمئنّ إليه وإلى من يذهب مذهبه ممّن يغلو في أمره ويتّخذه إمامًا
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/192]
اعتقاد أبي ثورٍ إبراهيم بن خالدٍ الكلبيّ الفقيه رحمه اللّه
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/193]
319 - أخبرنا محمّد بن رزق اللّه، قال: أخبرنا أحمد بن حمدان، قال: حدّثنا أبو الحسن إدريس بن عبد الكريم قال: أرسل رجلٌ من أهل خراسان إلى أبي ثورٍ إبراهيم بن خالدٍ بكتابٍ يسأل عن الإيمان ما هو؟ ويزيد وينقص؟ وقولٌ أو قولٌ وعملٌ؟ أو قولٌ وتصديقٌ وعملٌ؟ فأجابه: إنّه التّصديق بالقلب، والإقرار باللّسان، وعمل الجوارح. وسأله عن القدريّة من هم؟ فقال: " إنّ القدريّة من قال: إنّ اللّه لم يخلق أفعال العباد وإنّ المعاصي لم يقدّرها اللّه على العباد ولم يخلقها، فهؤلاء قدريّةٌ لا يصلّى خلفهم، ولا يعاد مريضهم، ولا يشهد جنائزهم، ويستتابون من هذه المقالة، فإن تابوا وإلّا ضربت أعناقهم. وسألت: الصّلاة خلف من يقول: القرآن مخلوقٌ؟ فهذا كافرٌ بقوله، لا يصلّى خلفه، وذلك أنّ القرآن كلام اللّه جلّ ثناؤه، ولا اختلاف فيه بين أهل العلم، ومن قال: كلام اللّه مخلوقٌ فقد كفر وزعم أنّ اللّه عزّ وجلّ حدث فيه شيءٌ لم يكن. وسألت: " يخلّد في النّار أحدٌ من أهل التّوحيد؟ والّذي عندنا أن نقول: لا يخلّد موحّدٌ في النّار.
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/193]
اعتقاد أبي عبد اللّه محمّد بن إسماعيل البخاريّ رحمه اللّه في جماعةٍ من السّلف الّذين يروي عنهم
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/193]
320 - أخبرنا أحمد بن محمّد بن حفصٍ الهرويّ، قال: حدّثنا
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/193]
محمّد بن أحمد بن محمّد بن سلمة، قال: حدّثنا أبو الحسين محمّد بن عمران بن موسى الجرجانيّ قال: سمعت أبا محمّدٍ عبد الرّحمن بن محمّد بن عبد الرّحمن البخاريّ بالشّاش يقول: سمعت أبا عبد اللّه محمّد بن إسماعيل البخاريّ يقول: " لقيت أكثر من ألف رجلٍ من أهل العلم أهل الحجاز ومكّة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشّام ومصر لقيتهم كرّاتٍ قرنًا بعد قرنٍ ثمّ قرنًا بعد قرنٍ، أدركتهم وهم متوافرون منذ أكثر من ستٍّ وأربعين سنةً، أهل الشّام ومصر والجزيرة مرّتين والبصرة أربع مرّاتٍ في سنين ذوي عددٍ بالحجاز ستّة أعوامٍ، ولا أحصي كم دخلت الكوفة وبغداد مع محدّثي أهل خراسان، منهم المكّيّ بن إبراهيم، ويحيى بن يحيى، وعليّ بن الحسن بن شقيقٍ، وقتيبة بن سعيدٍ، وشهاب بن معمرٍ، وبالشّام محمّد بن يوسف الفريابيّ، وأبا مسهرٍ عبد الأعلى بن مسهرٍ، وأبا المغيرة عبد القدّوس بن الحجّاج، وأبا اليمان الحكم بن نافعٍ، ومن بعدهم عدّةٌ كثيرةٌ، وبمصر: يحيى بن كثيرٍ، وأبا صالحٍ كاتب اللّيث بن سعدٍ، وسعيد بن أبي مريم، وأصبغ بن الفرج، ونعيم بن حمّادٍ، وبمكّة عبد اللّه بن يزيد المقرئ، والحميديّ، وسليمان بن حربٍ
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/194]
قاضي مكّة، وأحمد بن محمّدٍ الأزرقيّ، وبالمدينة إسماعيل بن أبي أويسٍ، ومطرّف بن عبد اللّه، وعبد اللّه بن نافعٍ الزّبيريّ، وأحمد بن أبي بكرٍ أبا مصعبٍ الزّهريّ، وإبراهيم بن حمزة الزّبيريّ، وإبراهيم بن المنذر الحزاميّ، وبالبصرة أبا عاصمٍ الضّحّاك بن مخلدٍ الشّيبانيّ، وأبا الوليد هشام بن عبد الملك، والحجّاج بن المنهال، وعليّ بن عبد اللّه بن جعفرٍ المدينيّ. وبالكوفة أبا نعيمٍ الفضل بن دكينٍ، وعبيد اللّه بن موسى، وأحمد بن يونس، وقبيصة بن عقبة، وابن نميرٍ، وعبد اللّه وعثمان ابنا أبي شيبة. وببغداد أحمد بن حنبلٍ، ويحيى بن معينٍ، وأبا معمرٍ، وأبا خيثمة، وأبا عبيدٍ القاسم بن سلّامٍ، ومن أهل الجزيرة: عمرو بن خالدٍ الحرّانيّ، وبواسط عمرو بن عونٍ، وعاصم بن عليّ بن عاصمٍ، وبمرو صدقة بن الفضل، وإسحاق بن إبراهيم الحنظليّ. واكتفينا بتسمية هؤلاء كي يكون مختصرًا وأن لا يطول ذلك، فما رأيت واحدًا منهم يختلف في هذه الأشياء: أنّ الدّين قولٌ وعملٌ؛ وذلك لقول اللّه: {وما أمروا إلّا ليعبدوا اللّه مخلصين له الدّين حنفاء ويقيموا الصّلاة ويؤتوا الزّكاة وذلك دين القيّمة} [البينة: 5].
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/195]
وأنّ القرآن كلام اللّه غير مخلوقٍ لقوله: {إنّ ربّكم اللّه الّذي خلق السّموات والأرض في ستّة أيّامٍ ثمّ استوى على العرش يغشي اللّيل النّهار يطلبه حثيثًا والشّمس والقمر والنّجوم مسخّراتٍ بأمره}. قال أبو عبد اللّه محمّد بن إسماعيل: قال ابن عيينة: فبيّن اللّه الخلق من الأمر لقوله: {ألا له الخلق والأمر تبارك اللّه ربّ العالمين} [الأعراف: 54]. وأنّ الخير والشّرّ بقدرٍ لقوله: {قل أعوذ بربّ الفلق من شرّ ما خلق} [الفلق: 2] ولقوله: {واللّه خلقكم وما تعملون} [الصافات: 96] ولقوله: {إنّا كلّ شيءٍ خلقناه بقدرٍ} [القمر: 49]. ولم يكونوا يكفّرون أحدًا من أهل القبلة بالذّنب لقوله: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48]. وما رأيت فيهم أحدًا يتناول أصحاب محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، قالت عائشة: «أمروا أن يستغفروا لهم» وذلك قوله: {ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الّذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلًّا للّذين آمنوا ربّنا إنّك رؤوفٌ رحيمٌ} [الحشر: 10]. وكانوا ينهون عن البدع ما لم يكن عليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه؛
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/196]
لقوله: {واعتصموا بحبل اللّه جميعًا ولا تفرّقوا} [آل عمران: 103] ولقوله: {وإن تطيعوه تهتدوا} [النور: 54]. ويحثّون على ما كان عليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأتباعه لقوله: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلّكم تتّقون} [الأنعام: 153]. وأن لا ننازع الأمر أهله لقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: " ثلاثٌ لا يغلّ عليهنّ قلب امرئٍ مسلمٍ: إخلاص العمل للّه، وطاعة ولاة الأمر، ولزوم جماعتهم، فإنّ دعوتهم تحيط من ورائهم "، ثمّ أكّد في قوله: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم} [النساء: 59]. وأن لا يرى السّيف على أمّة محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم. وقال الفضيل: " لو كانت لي دعوةٌ مستجابةٌ لم أجعلها إلّا في إمامٍ؛ لأنّه إذا صلح الإمام أمن البلاد والعباد. قال ابن المبارك: «يا معلّم الخير، من يجترئ على هذا غيرك»
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/197]
اعتقاد أبي زرعة عبيد اللّه بن عبد الكريم، وأبي حاتمٍ محمّد بن إدريس بن المنذر الرّازيّين، وجماعةٍ من السّلف ممّن نقل عنهم رحمهم اللّه
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/197]
321 - أخبرنا محمّد بن المظفّر المقرئ، قال: حدّثنا الحسين بن
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/197]
محمّد بن حبشٍ المقرئ، قال: حدّثنا أبو محمّدٍ عبد الرّحمن بن أبي حاتمٍ، قال: سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السّنّة في أصول الدّين، وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار، وما يعتقدان من ذلك، فقالا: " أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازًا وعراقًا وشامًا ويمنًا فكان من مذهبهم: الإيمان قولٌ وعملٌ، يزيد وينقص، والقرآن كلام اللّه غير مخلوقٍ بجميع جهاته، والقدر خيره وشرّه من اللّه عزّ وجلّ، وخير هذه الأمّة بعد نبيّها عليه الصّلاة والسّلام أبو بكرٍ الصّدّيق، ثمّ عمر بن الخطّاب، ثمّ عثمان بن عفّان، ثمّ عليّ بن أبي طالبٍ عليهم السّلام، وهم الخلفاء الرّاشدون المهديّون، وأنّ العشرة الّذين سمّاهم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وشهد لهم بالجنّة على ما شهد به رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وقوله الحقّ، والتّرحّم على جميع أصحاب محمّدٍ والكفّ عمّا شجر بينهم. وأنّ اللّه عزّ وجلّ على عرشه بائنٌ من خلقه كما وصف نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم بلا كيفٍ، أحاط بكلّ شيءٍ علمًا، {ليس كمثله شيءٌ وهو السّميع البصير} [الشورى: 11]. وأنّه تبارك وتعالى يرى في الآخرة، يراه أهل الجنّة بأبصارهم
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/198]
ويسمعون كلامه كيف شاء وكما شاء. والجنّة حقٌّ والنّار حقٌّ وهما مخلوقان لا يفنيان أبدًا، والجنّة ثوابٌ لأوليائه، والنّار عقابٌ لأهل معصيته إلّا من رحم اللّه عزّ وجلّ. والصّراط حقٌّ، والميزان حقٌّ، له كفّتان، توزن فيه أعمال العباد حسنها وسيّئها حقٌّ. والحوض المكرم به نبيّنا حقٌّ. والشّفاعة حقٌّ، والبعث من بعد الموت حقٌّ. وأهل الكبائر في مشيئة اللّه عزّ وجلّ. ولا نكفّر أهل القبلة بذنوبهم، ونكل أسرارهم إلى اللّه عزّ وجلّ. ونقيم فرض الجهاد والحجّ مع أئمّة المسلمين في كلّ دهرٍ وزمانٍ. ولا نرى الخروج على الأئمّة ولا القتال في الفتنة، ونسمع ونطيع لمن ولّاه اللّه عزّ وجلّ أمرنا ولا ننزع يدًا من طاعةٍ، ونتّبع السّنّة والجماعة، ونجتنب الشّذوذ والخلاف والفرقة. وأنّ الجهاد ماضٍ منذ بعث اللّه عزّ وجلّ نبيّه عليه الصّلاة والسّلام إلى قيام السّاعة مع أولي الأمر من أئمّة المسلمين لا يبطله شيءٌ. والحجّ كذلك، ودفع الصّدقات من السّوائم إلى أولي الأمر من أئمّة المسلمين. والنّاس مؤمّنون في أحكامهم ومواريثهم، ولا ندري ما هم عند اللّه عزّ وجلّ.
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/199]
فمن قال: إنّه مؤمنٌ حقًّا فهو مبتدعٌ، ومن قال: هو مؤمنٌ عند اللّه فهو من الكاذبين، ومن قال: هو مؤمنٌ باللّه حقًّا فهو مصيبٌ. والمرجئة والمبتدعة ضلّالٌ، والقدريّة المبتدعة ضلّالٌ، فمن أنكر منهم أنّ اللّه عزّ وجلّ لا يعلم ما لم يكن قبل أن يكون فهو كافرٌ. وأنّ الجهميّة كفّارٌ، وأنّ الرّافضة رفضوا الإسلام، والخوارج مرّاقٌ. ومن زعم أنّ القرآن مخلوقٌ فهو كافرٌ باللّه العظيم كفرًا ينقل عن الملّة. ومن شكّ في كفره ممّن يفهم فهو كافرٌ. ومن شكّ في كلام اللّه عزّ وجلّ فوقف شاكًّا فيه يقول: لا أدري مخلوقٌ أو غير مخلوقٍ فهو جهميٌّ. ومن وقف في القرآن جاهلًا علّم وبدّع ولم يكفّر. ومن قال: لفظي بالقرآن مخلوقٌ فهو جهميٌّ أو القرآن بلفظي مخلوقٌ فهو جهميٌّ. قال أبو محمّدٍ: وسمعت أبي يقول: " وعلامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر، وعلامة الزّنادقة
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/200]
تسميتهم أهل السّنّة حشويّةً يريدون إبطال الآثار. وعلامة الجهميّة تسميتهم أهل السّنّة مشبّهةً، وعلامة القدريّة تسميتهم أهل الأثر مجبّرةً. وعلامة المرجئة تسميتهم أهل السّنّة مخالفةً ونقصانيّةً. وعلامة الرّافضة تسميتهم أهل السّنّة ناصبةً. ولا يلحق أهل السّنّة إلّا اسمٌ واحدٌ ويستحيل أن تجمعهم هذه الأسماء
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/201]
322 - قال أبو محمّدٍ: وسمعت أبي وأبا زرعة يأمران بهجران أهل الزّيغ والبدع يغلّظان في ذلك أشدّ التّغليظ، وينكران وضع الكتب برأيٍ في غير آثارٍ، وينهيان عن مجالسة أهل الكلام والنّظر في كتب المتكلّمين، ويقولان: لا يفلح صاحب كلامٍ أبدًا. قال أبو محمّدٍ: «وبه أقول أنا».
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/201]
وقال أبو عليّ بن حبيشٍ المقرئ: «وبه أقول». قال شيخنا ابن المظفّر: «وبه أقول». وقال شيخنا يعني المصنّف: «وبه أقول». وقال الطّريثيثيّ: «وبه أقول». وقال شيخنا السّلفيّ: «وبه نقول»
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/202]
323 - ووجدت في بعض كتب أبي حاتمٍ محمّد بن إدريس بن المنذر الحنظليّ الرّازيّ رحمه اللّه ممّا سمع منه، يقول: مذهبنا واختيارنا اتّباع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه والتّابعين ومن بعدهم بإحسانٍ، وترك النّظر في موضع بدعهم، والتّمسّك بمذهب أهل الأثر مثل أبي عبد اللّه أحمد بن حنبلٍ، وإسحاق بن إبراهيم، وأبي عبيدٍ القاسم بن سلّامٍ، والشّافعيّ. ولزوم الكتاب والسّنّة، والذّبّ عن الأئمّة المتّبعة لآثار السّلف، واختيار ما اختاره أهل السّنّة من الأئمّة في الأمصار مثل: مالك بن أنسٍ في المدينة، والأوزاعيّ بالشّام، واللّيث بن سعدٍ بمصر، وسفيان الثّوريّ، وحمّاد بن زيادٍ بالعراق من الحوادث ممّا لا يوجد فيه روايةٌ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والصّحابة والتّابعين. وترك رأي الملبسين المموّهين المزخرفين الممخرقين الكذّابين، وترك النّظر في كتب الكرابيس، ومجانبة من يناضل عنه من أصحابه وشاجر فيه مثل داود الأصبهانيّ وأشكاله ومتّبعيه. والقرآن كلام اللّه وعلمه وأسماؤه وصفاته وأمره ونهيه، ليس
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/202]
بمخلوقٍ بجهةٍ من الجهات. ومن زعم أنّه مخلوقٌ مجعولٌ فهو كافرٌ باللّه كفرًا ينقل عن الملّة، ومن شكّ في كفره ممّن يفهم ولا يجهل فهو كافرٌ. والواقفة واللّفظيّة جهميّةٌ، جهّمهم أبو عبد اللّه أحمد بن حنبلٍ. والاتّباع للأثر عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وعن الصّحابة والتّابعين بعدهم بإحسانٍ. وترك كلام المتكلّمين، وترك مجالستهم وهجرانهم، وترك مجالسة من وضع الكتب بالرّأي بلا آثارٍ. واختيارنا أنّ الإيمان قولٌ وعملٌ، إقرارٌ باللّسان وتصديقٌ بالقلب وعملٌ بالأركان، مثل الصّلاة والزّكاة لمن كان له مالٌ، والحجّ لمن استطاع إليه سبيلًا، وصوم شهر رمضان، وجميع فرائض اللّه الّتي فرض على عباده، العمل به من الإيمان. والإيمان يزيد وينقص، ونؤمن بعذاب القبر، وبالحوض المكرم به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ونؤمن بالمساءلة في القبر، وبالكرام الكاتبين، وبالشّفاعة المخصوص بها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ونترحّم على جميع أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا نسبّ أحدًا منهم لقوله عزّ وجلّ: {والّذين جاءوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الّذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلًّا للّذين آمنوا ربّنا إنّك رءوفٌ رحيمٌ}.
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/203]
والصّواب نعتقد ونزعم أنّ اللّه على عرشه بائنٌ من خلقه {ليس كمثله شيءٌ وهو السّميع البصير} [الشورى: 11]. ولا نرى الخروج على الأئمّة ولا نقاتل في الفتنة، ونسمع ونطيع لمن ولّى اللّه عزّ وجلّ أمرنا. ونرى الصّلاة والحجّ والجهاد مع الأئمّة، ودفع صدقات المواشي إليهم. ونؤمن بما جاءت به الآثار الصّحيحة بأنّه يخرج قومٌ من النّار من الموحّدين بالشّفاعة. ونقول: إنّا مؤمنون باللّه عزّ وجلّ، وكره سفيان الثّوريّ أن يقول: أنا مؤمنٌ حقًّا عند اللّه ومستكمل الإيمان، وكذلك قول الأوزاعيّ أيضًا. وعلامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر. وعلامة الجهميّة أن يسمّوا أهل السّنّة مشبّهةً ونابتةً. وعلامة القدريّة أن يسمّوا أهل السّنّة مجبّرةً. وعلامة الزّنادقة أن يسمّوا أهل الأثر حشويّةً. ويريدون إبطال الآثار عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم. وفّقنا اللّه وكلّ مؤمنٍ لما يحبّ ويرضى من القول والعمل، وصلّى اللّه على محمّدٍ وآله وسلّم
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/204]
اعتقاد سهل بن عبد اللّه التّستريّ
324 - أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن إبراهيم بن محمّد بن حارست النّجيرميّ قراءةً عليه، قال: سمعت أبا القاسم عبد الجبّار بن شيراز بن يزيد العبديّ صاحب سهل بن عبد اللّه يقول: سمعت سهل بن عبد اللّه يقول، وقيل له: متى يعلم الرّجل أنّه على السّنّة والجماعة؟ " قال: " إذا عرف من نفسه عشر خصالٍ: لا يترك الجماعة، ولا يسبّ أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا يخرج على هذه الأمّة بالسّيف، ولا يكذّب بالقدر، ولا يشكّ في الإيمان، ولا يماري في الدّين، ولا يترك الصّلاة على من يموت من أهل القبلة بالذّنب، ولا يترك المسح على الخفّين، ولا يترك الجماعة خلف كلّ والٍ جار أو عدل.
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/205]
اعتقاد أبي جعفرٍ محمّد بن جريرٍ الطّبريّ
325 - أخبرنا عبيد اللّه بن محمّد بن أحمد قراءةً عليه، قال: أخبرنا القاضي أبو بكرٍ أحمد بن كاملٍ قال: قال أبو جعفرٍ محمّد بن جريرٍ: " فأوّل ما نبدأ فيه القول من ذلك كلام اللّه عزّ وجلّ وتنزيله؛ إذ كان من معاني توحيده. فالصّواب من القول في ذلك عندنا أنّه كلام اللّه عزّ وجلّ غير مخلوقٍ كيف كتب، وكيف تلي، وفي أيّ موضعٍ قرئ، في السّماء وجد أو في الأرض حيث حفظ، في اللّوح المحفوظ كان مكتوبًا أو في ألواح صبيان الكتاتيب مرسومًا، في حجرٍ نقش أو في ورقٍ خطّ، في القلب حفظ أو باللّسان لفظ، فمن قال غير ذلك أو ادّعى أنّ قرآنًا في الأرض أو في السّماء سوى القرآن
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/206]
الّذي نتلوه بألسنتنا ونكتبه في مصاحفنا، أو اعتقد غير ذلك بقلبه أو أضمره في نفسه أو قال بلسانه داينًا به؛ فهو باللّه كافرٌ حلال الدّم وبريءٌ من اللّه، واللّه بريءٌ منه؛ لقول اللّه جلّ ثناؤه: {بل هو قرآنٌ مجيدٌ في لوحٍ محفوظٍ} [البروج: 22]، وقال وقوله الحقّ: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه} [التوبة: 6]، فأخبرنا جلّ ثناؤه أنّه في اللّوح المحفوظ مكتوبٌ، وأنّه من لسان محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم مسموعٌ، وهو قرآنٌ واحدٌ من محمّدٍ مسموعٌ، وفي اللّوح المحفوظ مكتوبٌ، وكذلك في الصّدور محفوظٌ، وبألسن الشّيوخ والشّبّان متلوٌّ، فمن روى عنّا، أو حكى عنّا، أو تقوّل علينا، أو ادّعى علينا أنّا قلنا غير ذلك، فعليه لعنة اللّه وغضبه، ولعنة اللّاعنين والملائكة والنّاس أجمعين، لا يقبل اللّه منه صرفًا ولا عدلًا، وهتك ستره وفضحه على رءوس الأشهاد {يوم لا ينفع الظّالمين معذرتهم ولهم اللّعنة ولهم سوء الدّار} [غافر: 52] وأمّا الصّواب من القول لدينا في رؤية المؤمنين ربّهم يوم القيامة وهو ديننا الّذي ندين اللّه به وأدركنا عليه أهل السّنّة والجماعة، فهو أنّ أهل الجنّة يرونه على ما صحّت به الأخبار عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم. والصّواب لدينا في القول فيما اختلف فيه من أفعال العباد
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/207]
وحسناتهم وسيّئاتهم أنّ جميع ذلك من عند اللّه، واللّه مقدّره ومدبّره، لا يكون شيءٌ إلّا بإرادته، ولا يحدث شيءٌ إلّا بمشيئته، له الخلق والأمر. والصّواب لدينا من القول أنّ الإيمان قولٌ وعملٌ، يزيد وينقص، وبه الخبر عن جماعةٍ من أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، وعليه مضى أهل الدّين والفضل. والقول في ألفاظ العباد بالقرآن فلا أثر فيه أعلمه عن صحابيٍّ مضى، ولا عن تابعيٍّ قفى إلّا عمّن في قوله الشّفاء والغنا رحمة اللّه عليه ورضوانه وفي اتّباعه الرّشد والهدى، ومن يقوم لدينا مقام الأئمّة الأولى أبو عبد اللّه أحمد بن محمّد بن حنبلٍ. فإنّ أبا إسماعيل التّرمذيّ حدّثني قال: سمعت أبا عبد اللّه أحمد بن محمّد بن حنبلٍ يقول: اللّفظيّة جهميّةٌ لقول اللّه عزّ وجلّ: {حتّى يسمع كلام اللّه} [التوبة: 6] ممّن يسمع. وأمّا القول في الاسم أهو المسمّى أو غير المسمّى فإنّه من الحماقات الحادثة الّتي لا أثر فيها فيتّبع ولا قول من إمامٍ فيستمع، والخوض فيه شينٌ، والصّمت عنه زينٌ، وحسب امرئٍ من العلم به والقول فيه أن ينتهي إلى قول الصّادق عزّ وجلّ وهو قوله: {قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرّحمن أيًّا ما تدعو فله الأسماء الحسنى} وقوله: {وللّه الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف: 180].
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/208]
ويعلم أنّ ربّه هو الّذي {على العرش استوى له ما في السّموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثّرى}. فمن تجاوز ذلك فقد خاب وخسر. فليبلّغ الشّاهد منكم أيّها النّاس من بعد منّا فنأى، أو قرب فدنا أنّ الدّين الّذي ندين به في الأشياء الّتي ذكرناها ما بيّنّاه لكم على ما وصفناه، فمن روى خلاف ذلك أو أضاف إلينا سواه أو نحلنا في ذلك قولًا غيره فهو كاذبٌ، فهو مفترٍ معتدٍ متخرّصٌ، يبوء بإثم اللّه وسخطه، وعليه غضب اللّه ولعنته في الدّارين، وحقٌّ على اللّه أن يورده المورد الّذي وعد رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ضرباءه، وأن يحلّه المحلّ الّذي أخبر نبيّ اللّه صلّى الله عليه وسلّم أنّ اللّه يحلّه أمثاله
[شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/209]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ما, سياق

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:45 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir