دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السادس

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #12  
قديم 16 ذو القعدة 1440هـ/18-07-2019م, 10:19 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خليل عبد الرحمن مشاهدة المشاركة
تفسير سورة الكوثر ( الأسلوب البياني )

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
نزلت هذه السورة لتُسرّي عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما هو فيه ، ولِتَعدَه بالخير ، ولأعدائه بالبتر وتوجّهه إلى طريق الشكر . حيث نال الرسول الأذى من المشركين، فهي صورة من رعاية الله المباشرة لرسوله ومن معه ، وتثبيتهم وتطمينهم ، بجميل وعده له ومرهوب وعيده لشانئه .
كما أن هذه السورة تمثل حقيقة الهدى والخير والإيمان ، من الكثرة والفيض والامتداد ، وحقيقة الضلال والشر والكفران ، من القلّة والانحسار والانبتار . وإن ظهر أول الأمر غير ذلك ، وظن الغافلون غير هذا .
فقد ورد أن سفهاء قريش كالعاص بن وائل وأبي لهب وغيرهم كانوا يقولون عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه أبتر ؛ لموت الذكور من ولده وذلك بعد وفاة ابنه القاسم ، وقال أحدهم : دعوه فإنه سيموت لا عقب وينتهي أمره . وكان لهذا الكلام رواجٌ في العرب الذين يتفاخرون ويتكاثرون بالأبناء ، ولعلها أوجعت قلب النبي الشريف ومسّته بالغم ؛ فأنزل الله هذه السورة تسلية وتقريرا لحقيقة بقاء الخير وامتداده ، وحقيقة انقطاع أعدائه وانبتارهم .
قال تعالى : ( إنا أعطيناك الكوثر )
( إنّا ) نا المتكلمين تارة تأتي للجمع وتارة تأتي للتعظيم . والله واحد فلا يمكن حملها على الجمع ، فتكون للتعظيم ؛ لبيان كبرياء الله وعظمته فهو المتفرد بالكبرياء والعظمة سبحانه . وقد صُدِّرت الآية بـ ( إنّا ) للتأكيد لأنها تجري مجرى القسم .
( أعطيناك ) وقرئت : ( أنطيناك ) بالنون بدل الهمزة ، وجاء الفعل بنون العظمة كذلك ؛ ليبيّن أن عطاء ذي الكبرياء والعظمة يتناسب مع كبريائه وعظمته سبحانه . فالمعطِي سبحانه عظيم ، والعطاء عظيم ، فهذا دليل على أن المعْطى ذو منزلة عظيمة عند ربه عز وجل .
وجاء الفعل بصيغة الماضي ( أعطيناك ) ولم يقل سنعطيك ؛ لإفادة أن هذا العطاء حاصل في الأزل ومكتوب في اللوح المحفوظ كما أن فيه إشارة إلى أن الإسعاد والإشقاء وغيرها من المطلوبات والمكروهات سبق حكم الله بها وليست أمرًا حادثا .
واختار لفظ أعطيناك دون لفظ آتيناك ؛ لأن الإيتاء يحتمل أن يكون مستحقًا فيكون واجبًا ويحتمل أن يكون تفضلا ، أما الإعطاء فإنه أقرب للتفضل . ومُشعِر بالدوام والتزايد .
وجاء بكاف الخطاب ولم يأتِ بغيره من الظمائر ؛ لأن فيه إشعار بقربه سبحانه من رسوله صلى الله عليه وسلم ولاسيما في مثل هذه الحال موت الابن وتسلط الأعداء بنعته بالأبتر . كما أنه مشعِرٌ بالخصوصية .
والكوثر على وزن فوعل من الكثرة وهو المفرط الكثرة .
قيل لأعرابيّة رجع ابنها من السفر : بم آب ابنك ؟ قالت : آب بكوثر . وقال شاعرهم : وأنت كثيرٌ يا ابن مروان طيّب *** وكان أبوك ابن العقائل كوثرا .
فالكوثر: الخير الكثير الكثير؛ وهو مطلق غير محدد ، فهو خير لا ممنوع ولا مبتور ، عكس الوصف الذي أطلقه هؤلاء السفهاء . ومن تتبع هذا الكوثر فإنه واجده حيث نظر أو تصوّر ، من النبوة والاتصال بالخالق الكبير ، ومن تنزيل القرآن الذي لا نهاية لبركته وخيره ، ومن صلاة الملأ الأعلى واقتران اسمه باسم الله في الأرض وفي السماء ، ومن سنته الممتدة على مدار القرون وفي أرجاء الأرض ، والملايين بعد الملايين السائرين على أثره الهاتفين باسمه المحبين له ولسيرته . و مظاهر وجود هذا الكوثر لا يمكن إحصاؤها . لذا جاءت الآية بلا تحديد ؛ ليشمل كل ما يكثر من الخير ويزيد .
وقيل: (الكوثر) نهر في الجنة. وهو المشهور عند السلف والخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قرأها حين أنزلت عليه فقال: «أتدرون ما الكوثر؟ إنه نهر في الجنة وعدنيه ربي، فيه خير كثير» . وعن ابن عباس أنه فسر الكوثر بالخير الكثير، فقال له سعيد بن جبير: إن ناساً يقولون: هو نهر في الجنة! فقال: هو من الخير الكثير. فهو كوثر من كوثر . وهذا الأنسب في هذا السياق .
قال تعالى : ( فصل لربك وانحر ) عن عطية: هي صلاة الفجر بجمع، والنحر بمنى. وقيل: صلاة العيد والتضحية. وقيل: هي جنس الصلاة. والنحر: وضع اليمين على الشمال .
والمعنى: بعد توكيد هذا العطاء الكثير الفائض الكثرة ، على غير ما أشاع أعداؤه من أنه أبتر ؛ إرجافًا وكيدًا . وجّه سبحانه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى شكر هذا العطاء والنعم بأن يعبد الله بإخلاص وتجرّد لا شرك معه ، في الصلاة وذبح النسك ، تاركًا ما كان عليه المشركون من ذكر غير اسم الله على ذبائحهم . فالإسلام دين التوحيد الخالص المجرد الواضح ، فهو يخلّصُ الحياة ظهرها وباطنها من مظاهر الشرك ومكامنه ،ويطارده مطاردة عنيفة دقيقة .
قال تعالى : ( إن شانئك هو الأبتر ) شانئك : أبغضك من قومك لمخالفتك لهم . الأبتر : الذي لا عقب له ، ومنه الحمار الأبتر الذي لا ذَنَب له .
بعد أن بيّنت الآية الأولى بطلان ما زعم المشركون ، وأن الرسول صاحب الكوثر ، في هذه الآية يردّ الكيد على كائديه ؛ فيبيّن أن الأبتر هم شانئوه وكارهوه . وقد صدق فيهم وعيد الله في الدنيا قبل الآخرة ؛ فقد انقطع ذكرهم وانطوى . وهذا مَثَلٌ ناطق خالد للقاعدة العامة وهي : أن الإيمان والحقّ والخير والدعوة إلى الله وصاحب هذه الراية لا يمكن أن يكون أبترًا ؛ فهو ممتد الفروع عميق الجذور لأنه موصول بالله الحي الباقي الخالد ، وإنما الكفر والباطل والشرّ وحامل راياتها هو الأبتر مهما ترعرع وزها وتجبّر .



المراجع :
تفسير ابن كثير .
تفسير التحرير والتنوير .
تفسير الزمخشري .
تفسير القرطبي .
أحسنت بارك الله فيك.
- إسناد الأحاديث والأثار وبيان تخريجها لا يجب إغفاله نفع الله بك.
الدرجة:ب+

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:50 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir