دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > مكتبة علوم الحديث الشريف > مقدمات المحدثين > مقدمة صحيح مسلم

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26 جمادى الأولى 1431هـ/9-05-2010م, 07:57 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي باب صحة الاحتجاج بالحديث المعنعن

قالَ مسلمُ بنُ الحجاجِ بنِ مسلمٍ القشيريُّ النيسابوريُّ (ت: 261هـ): (وقد تكلم بعض منتحلي الحديث من أهل عصرنا في تصحيح الأسانيد وتسقيمها بقول لو ضربنا عن حكايته وذكر فساده صفحاً - لكان رأياً متيناً ومذهباً صحيحاً.
إذ الإعراض عن القول المطَّرح أحرى لإماتته وإخمال ذكر قائله، وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيهاً للجهال عليه، غير أنا لما تخوفنا من شرور العواقب، واغترار الجهلة بمحدثات الأمور، وإسراعهم إلى اعتقاد خطأ المخطئين والأقوال الساقطة عند العلماء، رأينا الكشف عن فساد قوله ورد مقالته بقدر ما يليق بها من الرد - أجدى على الأنام وأحمد للعاقبة إن شاء الله.
وزعم القائل الذي افتتحنا الكلام على الحكاية عن قوله والإخبار عن سوء رويته أن كل إسناد لحديث فيه فلان عن فلان وقد أحاط العلم بأنهما قد كانا في عصر واحد، وجائز أن يكون الحديث الذي روى الراوي عمن روى عنه قد سمعه منه وشافهه به، غير أنه لا نعلم له منه سماعاً ولم نجد في شيء من الروايات أنهما التقيا قط أو تشافها بحديث - أن الحجة لا تقوم عنده بكل خبر جاء هذا المجيء حتى يكون عنده العلم بأنهما قد اجتمعا في دهرهما مرة فصاعداً، أو تشافها في الحديث بينهما، أو يرد خبر فيه بيان اجتماعهما وتلاقيهما مرة من دهرهما فما فوقها، فإن لم يكن عنده علم ذلك ولم تأت رواية صحيحة تخبر أن هذا الراوي عن صاحبه قد لقيه مرة وسمع منه شيئاً - لم يكن في نقله الخبر عمن روى عنه ذلك، والأمر كما وصفنا حجة وكان الخبر عنده موقوفاً حتى يرد عليه سماعه منه لشيء من الحديث قل أو كثر في رواية مثل ما ورد.

باب صحة الاحتجاج بالحديث المعنعن
وهذا القول - يرحمك الله - في الطعن في الأسانيد قول مخترع مستحدث، غير مسبوق صاحبه إليه، ولا مساعد له من أهل العلم عليه، وذلك أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديماً وحديثاً أن كل رجل ثقة روى عن مثله حديثاً، وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه لكونهما جميعاً كانا في عصر واحد، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام، فالرواية ثابتة والحجة بها لازمة إلا أن يكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه أو لم يسمع منه شيئاً، فأما والأمر مبهم على الإمكان الذي فسرنا، فالرواية على السماع أبداً حتى تكون الدلالة التي بينا.
فيقال لمخترع هذا القول الذي وصفنا مقالته أو للذاب عنه قد أعطيت في جملة قولك أن خبر الواحد الثقة عن الواحد الثقة حجة يلزم به العمل، ثم أدخلت فيه الشرط بعد فقلت حتى نعلم أنهما قد كانا التقيا مرة فصاعداً أو سمع منه شيئاً، فهل تجد هذا الشرط الذي اشترطته عن أحد يلزم قوله؟ وإلا فهلم دليلاً على ما زعمت.
فإذا ادعى قول أحد من علماء السلف بما زعم من إدخال الشريطة في تثبيت الخبر طولب به ولن يجد هو ولا غيره إلى إيجاده سبيلاً، وإن هو ادعى فيما زعم دليلاً يحتج به، قيل له: وما ذاك الدليل؟ فإن قال: قلته لأني وجدت رواة الأخبار قديماً وحديثاً يروي أحدهم عن الآخر الحديث ولما يعاينه ولا سمع منه شيئاً قط، فلما رأيتهم استجازوا رواية الحديث بينهم هكذا على الإرسال من غير سماع - والمرسل من الروايات في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة - احتجت لما وصفت من العلة إلى البحث عن سماع راوي كل خبر عن راويه، فإذا أنا هجمت على سماعه منه لأدنى شيء ثبت عنه عندي بذلك جميع ما يروي عنه بعد، فإن عزب عني معرفة ذلك أوقفت الخبر ولم يكن عندي موضع حجة لإمكان الإرسال فيه.
فيقال له: فإن كانت العلة في تضعيفك الخبر وتركك الاحتجاج به إمكان الإرسال فيه، لزمك أن لا تثبت إسناداً معنعناً حتى ترى فيه السماع من أوله إلى آخره؟
وذلك أن الحديث الوارد علينا بإسناد هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، فبيقين نعلم أن هشاماً قد سمع من أبيه، وأن أباه قد سمع من عائشة، كما نعلم أن عائشة قد سمعت من النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقد يجوز إذ لم يقل هشام في رواية يرويها عن أبيه سمعت أو أخبرني، أن يكون بينه وبين أبيه في تلك الرواية إنسان أخر أخبره بها عن أبيه، ولم يسمعها هو من أبيه، لما أحب أن يرويها مرسلاً ولا يسندها إلى من سمعها منه، وكما يمكن ذلك في هشام عن أبيه، فهو أيضا ممكن في أبيه عن عائشة، وكذلك كل إسناد لحديث ليس فيه ذكر سماع بعضهم عن بعض.
وإن كان قد عرف في الجملة أن كل واحد منهم قد سمع من صاحبه سماعاً كثيراً، فجائز لكل واحد منهم أن ينزل في بعض الرواية، فيسمع من غيره عنه بعض أحاديثه ثم يرسله عنه أحياناً ولا يسمي من سمع منه، وينشط أحياناً فيسمي الرجل الذي حمل عنه الحديث ويترك الإرسال، وما قلنا من هذا موجود في الحديث مستفيض من فعل ثقات المحدثين وأئمة أهل العلم، وسنذكر من رواياتهم على الجهة التي ذكرنا عدداً يستدل بها على أكثر منها - إن شاء الله تعالى - ؛ فمن ذلك أن أيوب السختياني وابن المبارك ووكيعاً وابن نمير وجماعة غيرهم رووا عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: ( كنت أطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحله ولحرمه بأطيب ما أجد ).
فروى هذه الرواية بعينها الليث بن سعد، وداود العطار، وحميد بن الأسود، ووهيب بن خالد، وأبو أسامة، عن هشام قال: أخبرني عثمان بن عروة، عن عروة، عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم-.
وروى هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: ( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله وأنا حائض ).
فرواها بعينها مالك بن أنس، عن الزهري، عن عروة، عن عمرة، عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وروى الزهري وصالح بن أبي حسان، عن أبي سلمة، عن عائشة كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبل وهو صائم.
فقال يحيى بن أبي كثير في هذا الخبر في القبلة، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن عمر بن عبد العزيز أخبره، أن عروة أخبره، أن عائشة أخبرته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبلها وهو صائم.
وروى بن عيينة وغيره، عن عمرو بن دينار، عن جابر قال: ( أطعمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحوم الخيل، ونهانا عن لحوم الحمر ).
فرواه حماد بن يزيد، عن عمرو، عن محمد بن علي، عن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وهذا النحو في الروايات كثير يكثر تعداده، وفيما ذكرنا منها كفاية لذوي الفهم.
فإذا كانت العلة عند وصفنا قوله من قبل في فساد الحديث وتوهينه إذا لم يعلم أن الراوي قد سمع ممن روى عنه شيئاً إمكان الإرسال فيه، لزمه ترك الاحتجاج في قياد قوله برواية من يعلم أنه قد سمع ممن روى عنه إلا في نفس الخبر الذي فيه ذكر السماع، لما بينا من قبل عن الأئمة الذين نقلوا الأخبار أنهم كانت لهم تارات يرسلون فيها الحديث إرسالاً ولا يذكرون من سمعوا منه، وتارات ينشطون فيها فيسندون الخبر على هيئة ما سمعوا، فيخبرون بالنزول فيه إذا نزلوا وبالصعود إن صعدوا كما شرحنا ذلك عنهم.
وما علمنا أحد من أئمة السلف ممن يستعمل الأخبار ويتفقد صحة الأسانيد وسقمها مثل أيوب السختياني، وابن عون، ومالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ومن بعدهم من أهل الحديث فتشوا عن موضع السماع في الأسانيد كما ادعاه الذي وصفنا قوله من قبل.
وإنما كان تفقد من تفقد منهم سماع رواة الحديث ممن روى عنهم - إذا كان الراوي ممن عرف بالتدليس في الحديث وشهر به، فحينئذ يبحثون عن سماعه في روايته، ويتفقدون ذلك منه، كي تنزاح عنهم علة التدليس، فمن ابتغى ذلك من غير مدلس على الوجه الذي زعم من حكينا قوله، فما سمعنا ذلك عن أحد ممن سمينا ولم نسم من الأئمة.
فمن ذلك أن عبد الله بن يزيد الأنصاري وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - قد روى عن حذيفة، وعن أبي مسعود الأنصاري، وعن كل واحد منهما حديثا يسنده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم-، وليس في روايته عنهما ذكر السماع منهما، ولا حفظنا في شيء من الروايات أن عبد الله بن يزيد شافه حذيفة وأبا مسعود بحديث قط، ولا وجدنا ذكر رؤيته إياهما في رواية بعينها، ولم نسمع عن أحد من أهل العلم ممن مضى ولا ممن أدركنا أنه طعن في هذين الخبرين اللذين رواهما عبد الله بن يزيد عن حذيفة وأبي مسعود بضعف فيهما، بل هما وما أشبههما عند من لاقينا من أهل العلم بالحديث من صحاح الأسانيد وقويها، يرون استعمال ما نقل بها والاحتجاج بما أتت من سنن وآثار.
وهي في زعم من حكينا قوله من قبل واهية مهملة حتى يصيب سماع الراوي عمن روى، ولو ذهبنا نعدد الأخبار الصحاح عند أهل العلم ممن يهن بزعم هذا القائل ونحصيها - لعجزنا عن تقصي ذكرها وإحصائها كلها، ولكنا أحببنا أن ننصب منها عدداً يكون سمة لما سكتنا عنه منها.
وهذا أبو عثمان النهدي، وأبو رافع الصائغ، وهما من أدرك الجاهلية وصحبا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البدريين هلم جرا، ونقلا عنهم الأخبار حتى نزلا إلى مثل أبي هريرة وابن عمر وذويهما، قد أسند كل واحد منهما عن أبي بن كعب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثاً ولم نسمع في رواية بعينها أنهما عاينا أبياً أو سمعا منه شيئاً.
وأسند أبو عمر الشيباني وهو ممن أدرك الجاهلية، وكان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً، وأبو معمر عبد الله بن سخبرة، كل واحد منهما عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خبرين.
وأسند عبيد بن عمير، عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم-، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثاً، وعبيد بن عمير ولد في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وأسند قيس بن أبي حازم - وقد أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم - عن أبي مسعود الأنصاري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أخبار.
وأسند عبد الرحمن بن أبي ليلى - وقد حفظ عن عمر بن الخطاب، وصحب علياً - عن أنس بن مالك، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثاً.
وأسند ربعي بن حراش، عن عمران بن حصين، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثين، وعن أبي بكرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثاً، وقد سمع ربعي من علي بن أبي طالب وروى عنه.
وأسند نافع بن جبير بن مطعم، عن أبي شريح الخزاعي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثاً.
وأسند النعمان بن أبي عياش، عن أبي سعيد الخدري ثلاثة أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وأسند عطاء بن يزيد الليثي، عن تميم الداري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثاً.
وأسند سليمان بن يسار، عن رافع بن خديج، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثاً.
وأسند حميد بن عبد الرحمن الحميري، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث.
فكل هؤلاء التابعين الذين نصبنا روايتهم عن الصحابة الذين سميناهم، لم يحفظ عنهم سماع علمناه منهم في رواية بعينها، ولا أنهم لقوهم في نفس خبر بعينه.
وهي أسانيد عند ذوي المعرفة بالأخبار والروايات من صحاح الأسانيد، لا نعلمهم وهنوا منها شيئاً قط، ولا التمسوا فيها سماع بعضهم من بعض ، إذ السماع لكل واحد منهم ممكن من صاحبه غير مستنكر؛ لكونهم جميعاً كانوا في العصر الذي اتفقوا فيه.
وكان هذا القول الذي أحدثه القائل الذي حكيناه في توهين الحديث بالعلة التي وصف - أقل من أن يعرج عليه ويثار ذكره.
إذ كان قولاً محدثاً، وكلاماً خلفاً، لم يقله أحد من أهل العلم سلف، ويستنكره من بعدهم خلف، فلا حاجة بنا في رده بأكثر مما شرحنا إذ كان قدر المقالة وقائلها القدر الذي وصفناه، والله المستعان على دفع ما خالف مذهب العلماء وعليه التكلان ). [مقدمة صحيح مسلم: 1/28-35]


رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, صحة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:00 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir