النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: مَعْرِفَةُ الخَفِيِّ مِنَ المَرَاسِيلِ
وَهُوَ يَعُمُّ المُنْقَطِعَ وَالمُعْضَلَ أَيْضًا وَقَدْ صَنَّفَ البَغْدَادِيُّ فِي ذَلِكَ كِتَابَهُ المُسَمَّى بـ (التَّفْصِيلِ لِمُبْهَمِ المَرَاسِيلِ)
وَهَذَا النَّوْعُ إِنَّمَا يُدْرِكُهُ نُقَّادُ الحَدِيثِ وَجَهَابِذَتُهُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا, وَقَدْ كَانَ شَيْخُنَا الحَافِظُ المِزِّيُّ إِمَامًا فِي ذَلِكَ, وَعَجَبًا مِنَ العَجَبِ, -فَرَحِمَهُ اللَّهُ وَبَلَّ بِالمَغْفِرَةِ ثَرَاهُ-.
فَإِنَّ الإِسْنَادَ إِذَا عُرِضَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ العُلَمَاءِ, مِمَّنْ لَمْ يُدْرِكْ ثِقَاتِ الرِّجَالِ وَضُعَفَاءَهُمْ, قَدْ يَغْتَرُّ بِظَاهِرِهِ, وَيَرَى رِجَالَهُ ثِقَاتٍ, فَيَحْكُمُ بِصِحَّتِهِ, وَلَا يَهْتَدِي لِمَا فِيهِ مِنَ الانْقِطَاعِ, أَوِ الإِعْضَالِ, أَوِ الإِرْسَالِ; لأنَّهُ قَدْ لَا يُمَيِّزُ الصَّحَابِيَّ مِنَ التَّابِعِيِّ وَاللَّهُ المُلهِمُ لِلصَّوَابِ.
ومثَّلَ هذا النوعَ ابنُ الصَّلاحِ بما رَوَى العوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ عنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أبي أَوْفَى، قالَ: (كانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- إذا قالَ بِلالٌ: قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ. نَهَضَ وكَبَّرَ.
قال الإمامُ أَحْمَدُ: لم يَلقَ العَوَّامُ ابنَ أَبِي أَوْفَى، يعني: سَيَكُونُ مُنْقَطِعًا بَيْنَهُما، فيَضْعُفُ الحديثُ لاحتمالِ أنه رَوَاهُ عَن رَجُلٍ ضَعِيفٍ عنه، واللهُ أَعْلَمُ.