النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: مَعْرِفَةُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ
وَالصَّحَابِيُّ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ r فِي حَالِ إِسْلَامِ الرَّائِي, وَإِنْ لَمْ تَطُل صُحْبَتُهُ لَهُ, وَإِنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ شَيْئًا. هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ العُلَمَاءِ, خَلَفًا وَسَلَفًا.
وَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الرُّؤْيَةِ كَافٍ فِي إِطْلَاقِ الصُّحْبَةِ: البُخَارِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ, وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي أَسْمَاءِ الصَّحَابَةِ, كَابْنِ عَبْدِ البَرِّ, وَابْنُ مَنْدَهْ وَأَبِي مُوسَى المَدِينِيِّ, وَابْنُ الأَثِيرِ فِي كِتَابِهِ (الغَابَةُ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ), وَهُوَ أَجْمَعُهَا وَأَكْثَرُهَا فَوَائِدَ وَأَوْسَعُهَا -أَثَابَهُمُ اللَّهُ أَجْمَعِينَ-.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَقَدْ شَانَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ كِتَابَهُ (الاسْتِيعَابَ) بِذِكْرِ مَا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ مِمَّا تَلَقَّاهُ مِنْ كُتُبِ الأَخْبَارِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ.
وَقَالَ آخَرُونَ: لَا بُدَّ في إِطْلَاقِ الصُّحْبَةِ مَعَ الرُّؤْيَةِ أَنْ يَرْوِيَ حَدِيثًا أَوْ حَدِيثَيْنِ.
وعَن سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ: لا بُدَّ مِن أَنْ يَصْحَبَهُ سَنَةً أوْ سَنَتَيْنِ، أو أنْ يَغْزُوَ معه غَزْوَةً أو غَزْوَتَيْنِ. وروَى شُعْبَةُ عن مُوسَى السَّبَلانِيِّ، وأَثْنَى عليه خَيْرًا، قال: قُلتُ لأَنَسِ بنِ مَالِكٍ: هل بَقِيَ مِن أَصْحَابِ رَسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- أحدٌ غَيْرُكَ؟ قالَ: نَاسٌ مِنَ الأعرابِ رَأَوْهُ، فأمَّا مَنْ صَحِبَهُ فَلا. رواه مُسلِمٌ بحَضْرَةِ أَبِي زُرْعَةَ.
وهذا إنما نفَى فِيهِ الصُّحْبَةَ الخاصَّةَ، ولا يَنْفِي ما اصْطَلَحَ عليه الجمهورُ مِن أَنَّ مُجَرَّدَ الرُّؤْيَةِ كَافٍ في إطلاقِ الصُّحْبَةِ لشَرَفِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- وجلالةِ قَدْرِه، وقَدْرِ مَن رآهُ مِنَ المُسْلِمِينَ، ولهذا جاءَ في بعضِ أَلفاظِ الحَدِيثِ: (تَغْزُونَ فيُقالُ: هَل فِيكُمْ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-؟ فيقولونَ: نَعَمْ. فيُفْتَحُ لَكُمْ). حتى ذَكَر (مَنْ رَأَى مَنْ رَأَى رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-) الحديثَ بتَمامِه.
وقال بعضُهم في مُعاوِيَةَ وعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيزِ: لَيَوْمٌ شَهِدَهُ مُعاوِيَةُ معَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- خيرٌ مِن عُمَرَ بنِ عبدِ العَزِيزِ وأَهْلِ بَيْتِهِ.