دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > مكتبة علوم العقيدة > شرح أسماء الله الحسنى > المرتبع الأسنى

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 جمادى الآخرة 1431هـ/25-05-2010م, 06:36 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي البابُ الثاني والعشرونَ: في بيانِ معنى كلمةِ (الذَّاتِ)

قال ابن القيم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت:751هـ) كما في المرتبع الأسنى: (البابُ الثاني والعشرونَ: في بيانِ معنَى كلمةِ ((الذاتِ))
(قدْ عُلِمَ بالاضطرارِ أنَّ اللهَ - سُبحانَهُ - لهُ ذاتٌ مَخصوصةٌ. يُقالُ: ذاتُ اللهِ، كما قالَ خُبَيْبٌ:

وذلكَ في ذاتِ الإلهِ وإنْ يَشَأْ يُبَارِكْ علَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ

(([و] رُوِّينَا... بإسنادٍ صحيحٍ، عنْ ثابتٍ، عنْ حبيبِ بنِ أبي ثابتٍ، أنَّ حَسَّانَ بنَ ثابتٍ أَنْشَدَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ:
شَهِدْتُ بإذنِ اللهِ أنَّ مُحَمَّداً = رسولُ الذي فوقَ السَّمَاواتِ مِنْ عَلُ
وأنَّ أبا يَحْيَى ويحيَى كِلاهما = لهُ عَمَلٌ مِنْ رَبِّهِ مُتَقَبَّلُ
وأنَّ أخا الأحقافِ إذْ قامَ فيهمُ = يقومُ بذاتِ اللهِ فيهم ويَعْدِلُ

فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((وَأَنَا أَشْهَدُ)) ([1]) ))([2]).
ولفظُ ( ذاتٍ ) في الأصلِ تأنيثُ (ذُو)؛ أيْ: ذاتُ كذا، وذُو كذا، والذي يُضافُ إليهِ (ذُو) نوعانِ:
- وصفٌ: ويُضافُ إليهِ إضافةَ الموصوفِ إلَى صِفتِهِ، كقولِهِ تعالَى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [الذاريات: 58]. وقولِهِ: {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ} [يونس: 60].
فالفضلُ وَصْفُهُ وفِعْلُهُ، وكان النبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - يقولُ في ركوعِه وسجودِهِ: ((سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ)) ([3]).
- والثاني: إضافتُهُ إلَى مخلوقٍ مُنفصِلٍ. كقولِهِ تعالَى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15)} [البروج: 14-15].
فإذا أَطْلَقُوا لفظَ الذاتِ مِنْ غيرِ تقييدِها بإضافةِ مُعَيَّنٍ، دَلَّتْ علَى ماهيَّةٍ لها صفاتٌ تقومُ بها، فكأنَّهم قالوا: صاحبةُ الصِّفَاتِ المخصوصةِ القائمةِ بتلكَ الماهيَّةِ، فدَلُّوا بلفظِ الذاتِ علَى الحقيقةِ وصِفاتِها القائمةِ بها، ومُحالٌ أن يَصِحَّ وُجودُ ذاتٍ لا صِفاتَ لها ولا قَدْرٌ، وإن فَرَضَها الذِّهْنُ فَرْضاً لا وُجودَ لِمُتَعَلَّقِهِ في الخارجِ إلاَّ كما يَفْرِضُ سائرَ الْمُمْتَنِعَاتِ، فالذاتُ هيَ قابلةٌ للصفاتِ والموصوفةُ بالصفاتِ القائمةِ بها. ومنهُ ذاتُ الصدورِ , أيْ: ما فيها مِنْ خيرٍ وشَرٍّ، وقالَ ابنُ الأنباريِّ: معناهُ عليمٌ بحقيقةِ القلوبِ مِن الْمُضْمَرَاتِ، فتَأنيثُ ذاتٍ لهذا المعنَى، كما قالَ: {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} [الأنفال: 7] فأنَّثَ لمعنَى الطائفةِ، كما يقالُ: لَقِيتُهُ ذاتَ يومٍ؛ لأنَّ مَقْصِدَهم: لَقِيتُهُ مَرَّةً في يومٍ. وقالَ الواحديُّ: ذاتُ الصدورِ يَحتملُ مَعنيينِ:
-أحدُهما: أن يكونَ نفسَ الصدورِ؛ لأنَّ ذاتَ الشيءِ نفسُهُ وعينُهُ، يقالُ: فَهِمْتُ ذاتَ كلامِكَ، كما يقالُ: فَهِمْتُ كلامَكَ. قالَ:
* تَطوفُ بذاتِ البيتِ والحِر طاهرُ *.
وقالَ: وفيهِ معنَى التأكيدِ، فيكونُ المعنَى: واللهُ عليمٌ بالصدورِ.
- والثاني: أنَّ ذاتَ الصدورِ الأشياءُ التي في الصدورِ، وهيَ الأسرارُ والضمائرُ، وهيَ ذاتُ الصدورِ؛ لأنَّها فيها تَحُلُّها وتُصَاحِبُها، وصاحبُ الشيءِ ذُوهُ وصاحبتُهُ ذاتُهُ.
قلتُ: أَكثرُ استعمالِهم ذاتَ الشيء بمعنَى السبيلِ والطريقِ الْمُوصِلَةِ إليهِ، كقولِ خُبيبٍ: وذلكَ في ذاتِ الإلهِ، وكذلكَ الْجَنْبُ كقولِهِ: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر: 56]. فليست الذاتُ والْجَنْبُ هنا هيَ نفسَ الحقيقةِ، ومنهُ قولُهُ: {فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ}[العنكبوت: 10]، وقولُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ)) ([4]).
وأمَّا استعمالُهم ذاتَ الشيءِ بمعنَى عينِهِ ونفسِهِ، فلا يكادُ يُظْفَرُ بهِ.
وكذلكَ قولُهُ: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13)} [الملك: 13]، ليسَ المـرادُ بهِ: عَليماً بمُجَرَّدِ الصدورِ، فإنَّ هذا ليسَ فيهِ كبيرُ أمْرٍ، وهوَ بمنـزلةِ أن يُقالَ: عليمٌ بالرؤوسِ والظهورِ والأيدي والأرْجُلِ، وإِنَّمَا المرادُ بهِ: عليمٌ بما تُضْمِرُهُ الصدورُ مِنْ خيرٍ وشَرٍّ، أيْ: بالأسرارِ التي في الصدورِ وصاحبةِ الصدورِ، فأضافَها إليها بلفظٍ يَعُمُّ جميعَ ما في الصدورِ مِنْ خيرٍ وشرٍّ. ([5])
وأمَّا استعمالُ لفظِ ذاتٍ في حقيقةِ الشيءِ الخارجيَّةِ فأَظُنُّهُ استعمالاً مُوَلَّداً، وهوَ مِن العربيَّةِ الْمُوَلَّدَةِ لا العربيَّةِ العَرْبَاءِ، ولَمَّا وَلَّدوا هذا الاستعمالَ أَدْخَلُوا عليها الألفَ واللامَ، وهوَ مِن العربيَّةِ الموَلَّدَة أيضاً، فقالوا: الذاتُ، والعربُ لا تَستعملُها إلاَّ مضافةً، وقدْ تَنازَعَ فيها أهلُ العربيَّةِ، فكثيرٌ منهم يُغَلِّطُ أصحابَ هذا الاستعمالِ، ويقولُ: هوَ خِلافُ لغةِ العربِ، وبعضُهم يَجعلُهُ قِياسَ اللغةِ وإنْ لم يَنْطِقوا بهِ، والصوابُ أنَّهُ مِن العربيَّةِ الْمُوَلَّدَةِ كما قالوا: الكلُّ والبعضُ والكافَّةُ، والعربُ لا تَستعملُها إلاَّ مُضافَةً. وقريبٌ مِنْ هذا لفظُ: الماهيَّةِ والكَمِّيَّةِ والكيفيَّةِ والآنِيَّةِ، ونحوِها، فإنَّ العربَ لم تَنْطِقْ بها فهيَ عَرَبِيَّةٌ مُوَلَّدَةٌ، ويُشْبِهُ هذا قولُهم: الدَّمْعَزَةُ، والطَّلْبَقَةُ، لقولِهم: دامَ عِزُّكَ، وطالَ بقاؤُكَ، وهذا لم يَنْطِقْ بهِ العربُ وإنْ نَطَقَتْ بنظيرِهِ كالبسملةِ والْحَوْقَلَةِ والْحَيْعَلَةِ.
ولَمَّا اسْتَعْمَلُوا الذاتَ بمعنَى النفسِ قالوا: جاءَ بذاتِهِ، ومنهُ قولُ أهلِ السُّنَّةِ: اسْتَوَى علَى عرشِهِ بذاتِهِ؛ أيْ: ذاتُهُ فوقَ العرشِ عاليَةٌ عليهِ، وقدْ غَلَّطَ بعضُهم مَنْ قالَ: جاءَ بذاتِهِ وجاءَ بنفسِهِ، وقالَ: الصوابُ: جاءَ زيدٌ ذاتُهُ ونفسُهُ، ونازَعَهُم في ذلكَ آخَرونَ، وجَوَّزُوا هذا الاستعمالَ). ([6])

[فصلٌ]:
(قالَ [السُّهَيْلِيُّ]: وأمَّا الذاتُ فقد اسْتَهْوَى أكثرَ الناسِ - ولا سِيَّمَا المتكلِّمينَ - القولُ فيها أنَّها في معنَى النفْسِ والحقيقةِ. ويقولونَ: ذاتُ البارِي، وهيَ نفسُهُ، ويُعَبِّرُونَ بها عنْ وُجودِهِ وحقيقتِهِ، ويَحْتَجُّونَ في إطلاقِ ذلكَ بقولِهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ: ((ثَلاثُ كِذْبَاتٍ كُلُّهُنَّ فِي ذَاتِ اللهِ))، وقولِ خُبَيْبٍ: وذلكَ في ذاتِ الإلهِ. قالَ: وليستْ هذهِ اللفظةُ إذا اسْتَقْرَيْتَهَا في اللغةِ والشريعةِ كما زَعَمُوا، ولوْ كانَ كذلكَ لجازَ أن يُقالَ: عندَ ذاتِ اللهِ، واحْذَرْ ذاتَ اللهِ، كما قالَ تعالَى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28] وذلكَ غيرُ مسموعٍ ولا يُقالُ إلاَّ بِحَرْفِ (في) الجارَّةِ ، وحَرفُ (في) للوِعاءِ، وهوَ معنًى مُستحيلٌ علَى نفْسِ الباري تعالَى إذا جاهَدْتَ في اللهِ تعالَى، وأَحْبَبْتُكَ في اللهِ تعالَى، محالٌ أن يكونَ هذا اللفظُ حقيقةً لِمَا يَدُلُّ عليهِ هذا الحرْفُ مِنْ معنَى الوِعاءِ، وإِنَّمَا هوَ علَى حذْفِ المضافِ؛ أيْ: في مَرضاةِ اللهِ وطاعتِهِ، فيكونُ الحرفُ علَى بابِهِ كأنكَ قلتَ: هذا محبوبٌ في الأعمالِ التي فيها مَرضاةُ اللهِ وطاعتُهُ، وأمَّا أنْ تَدَعَ اللفظَ علَى ظاهرِهِ فمُحالٌ. وإذا ثَبَتَ هذا فقولُهُ: في ذاتِ اللهِ، أوْ: في ذاتِ الإلهِ، إِنَّمَا يُريدُ في الدِّيانةِ والشريعةِ التي هيَ ذاتُ الإلهِ، فذاتُ وصفٌ للدِّيانةِ، وكذلكَ هيَ في الأصْلِ موضوعُها نعتٌ لِمُؤَنَّثٍ. ألا تَرَى أنَّ فيها تاءَ التأنيثِ، وإذا كانَ الأمرُ كذلكَ فقدْ صارتْ عِبارةً عمَّا تَشَرَّفَ بالإضافةِ إلَى اللهِ تعالَى عَزَّ وجَلَّ لا عنْ نفسِهِ سبحانَهُ؟! وهذا هوَ المفهومُ مِنْ كلامِ العربِ، ألا تَرَى إلَى قولِ النابغةِ:
مَحلَّتُهم ذاتُ الإلهِ ودينُهم.
فقدْ بانَ غَلَطُ مَنْ جَعَلَ هذهِ اللفظةَ عبارةً عنْ نَفْسِ ما أُضيفَ إليهِ. ا هـ. وهذا مِنْ كلامِهِ مِن الْمُرَقِّصَاتِ فإنَّهُ أَحْسَنَ فيهِ ما شاءَ.
وأصلُ هذهِ اللفظةِ هوَ تأنيثُ ذو بمعنَى صاحبٍ، فذاتُ صاحبةُ كذا في الأصلِ، ولهذا لا يُقالُ: ذاتُ الشيءِ إلاَّ لِمَا لهُ صِفاتٌ ونعوتٌ تُضافُ إليهِ، فكأنَّهُ يقولُ: صاحبةُ هذهِ الصِّفَاتِ والنعوتِ، ولهذا أَنْكَرَ جماعةٌ مِن النُّحاةِ - منهم ابنُ برهان وغيرُهُ - علَى الأصولِيِّينَ قولَهم: الذاتُ، وقالوا: لا مَدْخَلَ للألفِ واللامِ هنا كما لا يُقالُ: الذو في ذو، وهذا إنكارٌ صحيحٌ. والاعتذارُ عنهم أنَّ لفظةَ الذاتِ في اصطلاحِهم قدْ صارتْ عبارةً عنْ نفسِ الشيءِ وحقيقتِهِ وعينِهِ، فلَمَّا استعمَلُوها استعمالَ النفسِ والحقيقةِ عَرَّفُوها باللامِ وجَرَّدُوها، ومِنْ هنا غَلَّطَهُم السهيليُّ؛ فإنَّ هذا الاستعمالَ والتجريدَ أمْرٌ اصطلاحيٌّ لا لُغَوِيٌّ، فإنَّ العربَ لا تَكادُ تقولُ: رأيتُ الشيءَ لعينِهِ ونفسِهِ، وإِنَّمَا يقولونَ ذلكَ لِمَا هوَ مَنسوبٌ إليهِ ومِنْ جِهتِهِ، وهذا كجَنْبِ الشيءِ إذا قالوا: هذا في جَنْبِ اللهِ، لا يُريدونَ إلاَّ فيما يُنْسَبُ إليهِ مِنْ سبيلِهِ ومَرضاتِهِ وطاعتِهِ، لا يُريدونَ غيرَ هذا الْبَتَّةَ.
فلمَّا اصْطَلَحَ المتكلِّمُونَ علَى إطلاقِ الذاتِ علَى النفْسِ والحقيقةِ، ظَنَّ مَنْ ظَنَّ أنَّ هذا هوَ المرادُ مِنْ قولِهِ: ((ثَلاثُ كِذْبَاتٍ فِي ذَاتِ اللهِ)) وقولِهِ: وذلكَ في ذاتِ الإلهِ. فغُلِّطَ واستَحَقَّ التغليطَ، بل الذاتُ هنا كالجَنْبِ في قولِهِ تعالَى: {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر: 56] ألا تَرَى أنَّهُ لا يَحْسُنُ أنْ يُقالَ هاهنا: فَرَّطْتُ في نفْسِ اللهِ وحقيقتِهِ، ويَحْسُنُ أنْ يُقالَ: فَرَّطْتُ في ذاتِ اللهِ، كما يقالُ: فَعَلَ كذا في ذاتِ اللهِ، وقَتَلَ في ذاتِ اللهِ، وَصَبَرَ في ذاتِ اللهِ.
فتَأَمَّلْ ذلكَ فإنَّهُ مِن الْمَباحِثِ العزيزةِ الغريبةِ، التي يُثْنَى علَى مِثْلِها الخناصِرُ، واللهُ الْمُوَفِّقُ الْمُعِينُ) ([7]).

[فصلٌ]:
([إذا تَبَيَّنَ هذا فاعلَمْ أنَّ] الذاتَ لا تَخْلُو مِن الصِّفَاتِ فهيَ قائمةٌ بها ([8]). ولا نقولُ: إنَّ صفاتِها عينُها ولا غيرُها؛ لِمَا في لفظِ الغيرِ مِن الإجمالِ والاشتباهِ. فإنَّهُ قدْ يُرادُ بهما ما جازَ افتراقُهما ذاتاً أوْ زماناً أوْ مكاناً، وعلَى هذا فليست الصِّفَاتُ مغايِرَةً للذاتِ.
وقدْ يُرادُ بالْغَيْرَيْنِ: ما جازَ العلْمُ بأحدِهما دونَ الآخَرِ فيَفترقانِ في الوُجودِ الذهنيِّ , لا في الوجودِ الخارجيِّ، فالصفاتُ غيرُ الذاتِ بهذا الاعتبارِ؛ لأنَّهُ قدْ يَقعُ الشعورُ بالذاتِ حالَ ما يُغْفَلُ عنْ صفاتِها فتَتَجَرَّدُ صفاتُها في شُعورِ العبدِ لا في نفْسِ الأمرِ... و... التفريقُ بينَ الصِّفَاتِ والذاتِ في الوجودِ مستحيلٌ. وهوَ مُمْكِنٌ في الشهودِ بأنْ يَشْهَدَ الصفةَ ويَذْهَلَ عنْ شهودِ الموصوفِ، أوْ يَشهدَ الموصوفَ ويَذْهَلَ عنْ شُهودِ الصفةِ، فتَجريدُ الذاتِ أو الصِّفَاتِ إِنَّمَا يُمْكِنُ في الذِّهْنِ، فالمعرِفَةُ في هذهِ الدرجةِ تَعَلَّقَتْ بالذاتِ والصفاتِ جميعاً، فلَمْ يُفرِّقِ العلمُ والشهودُ بينَهما، ولا ريبَ أنَّ ذلكَ أكملُ مِنْ شهودِ مُجَرَّدِ الصفةِ أوْ مُجَرَّدِ الذاتِ)([9])
).[المرتبع الأسنى: ؟؟]


([1]) رَواهُ أبو يَعْلَى في مُسنَدِه (3/ 135) برَقْـمِ (2645) بدونِ قولِه: (أَشْهَدُ)، والحديثُ أيضًا في مُصنَّفِ ابنِ أبِي شَيْبَةَ (5/ 273) برقْمِ (26017) بدونِ قولِه: (وَأَنَا) كِلاهُما من هذا الطريقِ، قالَ الهَيْثَمِيُّ في المَجْمَعِ (1/ 24): (وهو مُرْسَلٌ) . وكذلك قالَ الذهبيُّ في سِيَرِ أَعلامِ النُّبلاءِ (2/ 519).
([2]) مُختصَرُ الصواعقِ (157).
([3]) رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ (23460)، وأبو داودَ في كتابِ الصلاةِ / بابُ ما يَقُولُ الرجلُ في رُكوعِهِ وسُجودِهِ (873)، والنَّسَائِيُّ في كتابِ التطبيقِ / بابُ نوعٍ آخَرَ مِنَ الذِّكْرِ في الركوعِ (1048) من حديثِ عوفِ بنِ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه.
([4]) رواه التِّرْمِذِيُّ في كتابِ صِفَةِ القيامةِ / بابُ (34) الحديثُ رقْمُ (2472) وابْنُ مَاجَهْ في المقدِّمَةِ / بابُ فَضلِ سَلْمَانَ وأبي ذرٍّ (151) كلاهما عن حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، عن ثابتٍ، عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ مرفوعًا.
([5]) وقال - رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى - في شفاءِ العليلِ (1/ 159): (وذاتُ الصُّدورِ كَلِمةٌ لِمَا يَشْتَمِلُ عليه الصدرُ من الاعتقاداتِ والإراداتِ والحبِّ والبُغضِ، أي صاحبةُ الصدورِ، فإنها لمَّا كانت فيها قائمةً بها نُسِبَتْ إليها نسبةَ الصُّحْبَةِ والمُلازَمَةِ).
([6]) الصَّواعِقُ المُرْسَلَةُ (4/ 1380-1385).
([7]) بَدَائِعُ الفوائدِ (2/ 6-8).
([8]) وقال - رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى - في الصواعقِ المرسَلةِ (1485): (والمقصودُ أن إثباتَ الذاتِ ونفيَ قَدْرِها وصفاتِها جمعٌ بينَ النقيضينِ، فإنه إثباتٌ للشيءِ ونفيٌ لما يستلزِمُ نَفْيَهُ، فإنَّ أَبْيَنَ لَوازِمِ الذاتِ تَمييزُها بحقيقَتِها ومَاهِيَّتِها عن غيرِها، ومُبايَنَتُها له ولو بالتعيينِ، فمَنْ أَنكَرَ مُبايَنَةَ الربِّ لخلقِه وصفاتِه التي وَصَفَ بها نفسَهُ فقد جَحَدَ ذاتَهُ وأَنْكَرَها وإنْ أَقَرَّ بها لفظًا).
([9]) مَدارِجُ السَّالكِينَ (3/ 336-337).


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
البابُ, الثاني

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:26 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir