دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 08:06 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


أدواتُ الشرْطِ تَحتاجُ إلى مُضارعيْنِ أوْ ما يَحِلُّ مَحَلَّهما أوْ مَحَلَّ أحَدِهما.
698- فِعْلَيْنِ يَقْتَضِينَ شَرْطٌ قُدِّمَا = يَتْلُو الْجَزَاءَ وَجَوَاباً وُسِمَا
699- وَمَاضِيَيْنِ أَوْ مُضَارِعَيْنِ = تُلْفِيهِمَا أَوْ مُتَخَالِفَيْنِ
كُلُّ أداةٍ مِنْ أدواتِ الشَّرْطِ الْمُتَقَدَّمَةِ تَقْتَضِي فِعلَيْنِ، يُسَمَّى الأوَّلُ شَرْطاً؛ لِتَعْلِيقِ الْحُكْمِ عليهِ، وكَوْنِهِ شَرْطاً لِتَحَقُّقِ الثاني. ويُسَمَّى الثاني جَوَاباً؛ لأنَّهُ مُرَتَّبٌ على الشرْطِ كما يَتَرَتَّبُ الجوابُ على السُّؤَالِ. ويُسَمَّى جَزَاءَ؛ لأنَّ مَضْمُونَهُ جَزاءٌ لِمَضمونِ الشرْطِ.
ويكونُ الشرْطُ مُتَقَدِّماً والجوابُ مُتَأَخِّراً، وإذا وَرَدَ ما ظاهِرُهُ أنَّهُ جَوَابٌ مُتَقَدِّمٌ فليسَ جَوَاباً، بل الجَوَابُ مَحذوفٌ دَلَّ عليهِ ما تَقَدَّمَ على أداةِ الشرْطِ، وسَيَأْتِي ذِكْرُ ذلكَ إنْ شاءَ اللَّهُ.
ويَجِبُ في الشرْطِ أنْ يكونَ فِعْلاً، أَمَّا الجوابُ فالأَصْلُ فيهِ أنْ يكونَ فِعْلاً، نحوُ قولِهِ تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً}، وقدْ يكونُ جُمْلَةً اسْمِيَّةً؛ كقولِهِ تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}.
وإذا كانَ الشرْطُ والجوابُ فِعلَيْنِ فَلَهُمَا أربعةُ أقسامٍ:
1- أنْ يَكُونَا مُضارِعَيْنِ، فتَجْزِمَ الأداةُ لَفْظَيْهِمَا مُباشَرَةً إنْ كَانَا مُعْرَبَيْنِ؛ كقولِهِ تعالى: {وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ}، فـ (تَعُودُوا): مُضَارِعٌ مَجزومٌ بحَذْفِ النونِ، وهوَ فعْلُ الشرْطِ، والواوُ: فاعلٌ، وَ(نَعُدْ): مُضَارِعٌ مجزومٌ بالسكونِ جوابُ الشرْطِ.
2- أنْ يَكُونَا مَاضِيَيْنِ، فتَجْزِمُ الأداةُ مَحَلَّهُما؛ لأنَّ لَفْظَ الماضي لا يُجْزَمُ؛ كقولِهِ تعالى: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا}، فـ (عُدْتُمْ): عادَ: فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ جَزْمٍ فعْلُ الشرطِ، والتاءُ: فاعلٌ، والميمُ: علامةُ الْجَمْعِ، (عُدْنَا): عادَ: فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ فِي مَحَلِّ جَزْمٍ جَوَابُ الشرْطِ، و(نا): فاعلٌ.
3- أنْ يكونَ الشرْطُ مَاضِياً والجزاءُ مُضَارِعاً؛ كقولِهِ تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ}، فجاءَ الشرْطُ ماضياً في قولِهِ: (مَنْ كَانَ) في الْمَوْضِعَيْنِ، والجوابُ مُضَارِعاً في قولِهِ: (نَزِدْ لهَ)، وقولِهِ: (نُؤْتِهِ مِنْهَا)، وتَقَدَّمَ إعرابُ الآيَةِ قريباً.
4- أنْ يكونَ الشرْطُ مُضَارِعاً والجزاءُ مَاضِياً، وهذا قليلٌ؛ ولهذا خَصَّهُ الجمهورُ بالضرورةِ الشِّعْرِيَّةِ، وذَهَبَ الفَرَّاءُ وتَبِعَهُ ابنُ مالِكٍ إلى أنَّ ذلكَ سَائِغٌ في الكلامِ، وهوَ الصحيحُ؛ لِوُرودِ ما يُؤَيِّدُهُ نَثْراً ونَظْماً، أَمَّا النثْرُ فما أَخْرَجَهُ البخاريُّ في صحيحِهِ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))، وما أَخْرَجَهُ أيضاً مِنْ قولِ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ رَقَّ.
ومِن النَّظْمِ قولُ الشاعرِ:
إنْ تَصْرِمُونَا وَصَلْنَاكُمْ وإنْ تَصُولُوا = مَلأْتُمْ أنْفُسَ الأعداءِ إِرْهَاباً
فقَدْ جاءَ فعْلُ الشرْطِ مُضَارِعاً، وهوَ قولُهُ: (تَصْرِمُونَا)، والجوابُ ماضياً، وهوَ قولُهُ: (وَصَلْنَاكُمْ). وكذا قولُهُ: (وَإنْ تَصُولُوا مَلأْتُمْ).
وهذا معنى قولِهِ: (فِعلَيْنِ يَقْتَضِينَ.. إلخ): أيْ أنَّ هذهِ الأدواتِ المذكورةَ فيما سَبَقَ (يَقْتَضِينَ)؛ أيْ: يَطْلُبْنَ فِعلَيْنِ:
الأوَّلُ: هوَ الشرْطُ، ويكونُ مُقَدَّماً.
والثاني: يَتْلُوهُ ويَجيءُ بَعْدَهُ، وهوَ الجزاءُ، ويُسَمَّى جوابَ الشرْطِ. وقولُهُ: (شَرْطٌ)، مُبتدأٌ، وسَوَّغَ الابتداءَ بالنَّكِرَةِ وُقُوعُها في مَقامِ التفصيلِ، وجُملةُ (قُدِّمَ): خَبَرٌ، والألِفُ في قولِهِ: (قُدِّمَا)، وقَوْلِهِ: (وُسِمَا) أَلِفُ الإطلاقِ، ومعنى (وُسِمَ)؛ أيْ: عُلِّمَ وسُمِّيَ. ثمَّ ذَكَرَ أَنَّكَ تَجِدُ هذَيْنِ الفعليْنِ مَاضِيَيْنِ أوْ مُضَارِعَيْنِ أوْ مُتَخَالِفَيْنِ، بأنْ يكونَ الأوَّلُ مُضَارِعاً والثاني ماضياً، أو الأوَّلُ ماضياً والثاني مُضَارِعاً.
رَفْعُ جَوَابِ الشرْطِ:
700- وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ = وَرَفْعُهُ بَعْدَ مُضَارعٍ وَهَنْ
تَقَدَّمَ أنَّهُ إذا كانَ جوابُ الشرْطِ فِعْلاً مُضَارِعاً فإنَّهُ يُجْزَمْ، وذَكَرَ هنا أنَّهُ يَصِحُّ رَفْعُهُ إنْ كانَ فِعْلُ الشرْطِ مَاضِياً، نحوُ: ما صَنَعْتَ مِنْ خَيْرٍ تُثَبْ عليهِ، أوْ تُثَابُ عليهِ. ومنهُ قولُ الشاعرِ:
وإنْ أَتَاهُ خليلٌ يومَ مَسألةٍ = يقولُ: لا غائبٌ مَالِي ولا حَرَمُ
فجاءَ جوابُ الشرْطِ مُضَارِعاً مَرفوعاً، وهوَ قولُهُ: (يَقُولُ)، والشرْطُ ماضياً، وهوَ قولُهُ: (وَإِنْ أَتَاهُ).
فإنْ كانَ الشرْطُ مُضَارِعاً والجَزاءُ مُضَارِعاً وَجَبَ الجزْمُ فيهما، ورَفْعُ الجزاءِ ضَعيفٌ؛ كقولِ الشاعِرِ:
يا أَقْرَعُ بنَ حَابِسٍ يا أَقْرَعُ = إنَّكَ إنْ يُصْرَعْ أَخُوكَ تُصْرَعُ
فجاءَ جوابُ الشرْطِ مُضَارِعاً مَرفوعاً، وهوَ قولُهُ: (تُصْرَعُ)، وفِعْلُ الشرْطِ مُضَارِعاً، وهوَ قولُهُ: (يُصْرَعْ)، وذلكَ ضَعيفٌ.
وما جاءَ مَرفوعاً يُؤْخَذُ على ظاهِرِهِ، فإنْ كانَ في الشعْرِ فهوَ مَرفوعٌ للضرورةِ أوْ على لُغةٍ ضَعيفةٍ، وإنْ كانَ في نَثْرٍ فهوَ مَرفوعٌ مُحَاكَاةً لِلُغَةٍ ضَعيفةٍ. ولا داعِيَ للتكَلُّفِ بالتأويلِ على أنَّ جوابَ الشرْطِ محذوفٌ، أوْ أنَّهُ على إضمارِ الفاءِ.
وهذا معنى قولِهِ: (وبعدَ ماضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ.. إلخ): أيْ أنَّ الشرْطَ إذا كانَ ماضياً جازَ رفْعُ الجوابِ، وهوَ الفعْلُ المضارِعُ، وقولُهُ: (حَسَنْ)؛ أي: الرفْعُ جائزٌ كثيرٌ، لكنْ لا يُفْهَمُ منهُ أنَّهُ أَحْسَنُ مِن الْجَزْمِ، بل الْجَزْمُ أَحْسَنُ؛ لأنَّهُ على الأَصْلِ، وأمَّا رفْعُ الجزاءِ إذا كانَ الشرْطُ مُضَارِعاً فهوَ ضَعيفٌ.
وقولُهُ: (وَهَنْ)، فِعْلٌ ماضٍ، وفاعلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ جوازاً تقديرُهُ: هوَ، يَعودُ إلى (رَفْعُهُ)، والجملةُ خبرُ الْمُبْتَدَأِ (رَفْعُهُ)، ومعناهُ: ضَعُفَ. وقولُهُ: (الْجَزَا) بالْقَصْرِ للضَّرُورةِ.
اقترانُ جوابِ الشرْطِ بالفاءِ أوْ ما يَقُومُ مَقَامَها:
701- وَاقْرُنْ بِفَا حَتْماً جَوَاباً لَوْ جُعِلْ = شَرْطاً لإِنْ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَنْجَعِلْ
702- وَتَخْلُفُ الْفَاءَ إذَا الْمُفَاجَأَهْ = كَإِنْ تَجُدْ إذاً لَنَا مُكَافَأَهْ
لَمَّا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ أدواتِ الشرْطِ وعَمَلَها، ذَكَرَ حُكْمَ اقترانِ جوابِ الشرْطِ بالفاءِ. والقاعدةُ في هذا الْمَوضوعِ أنَّ كلَّ جوابٍ يَمْتَنِعُ جَعْلُهُ شَرْطاً، فإنَّ الفاءَ تَجِبُ فيهِ.
مِثالُ ذلكَ: مَنْ سَعَى في الْخَيْر فسَعْيُهُ مَشكورٌ.
فجوابُ الشرْطِ (سَعْيُهُ مَشكورٌ)، وهوَ لا يَصْلُحُ أنْ يكونَ في مَحَلِّ الشرْطِ؛ لأنَّهُ جُملةٌ اسْمِيَّةٌ، والشرْطُ لا يكونُ إلاَّ فِعْلاً كما تَقَدَّمَ، فأُتِيَ بالفاءِ للرَّبْطِ بَيْنَ جُملةِ الجوابِ وجُملةِ الشرْطِ، وهذهِ الفاءُ زائدةٌ لَيْسَتْ للعَطْفِ ولا لِغَيْرِهِ، ولا تُفيدُ معنًى إلاَّ عَقْدَ الصِّلَةِ والرَّبْطِ الْمَعْنَوِيِّ بَيْنَ جُملةِ الشرْطِ وجُملةِ الجوابِ.
وإعرابُهُ: الفاءُ واقعةٌ في جوابِ الشرْطِ، وَ(سَعْيُهُ مشكورٌ): الْجُملةُ مِن الْمُبْتَدَأِ والخبَرِ في مَحَلِّ جَزْمٍ جوابُ الشرْطِ.
وأَشْهَرُ الأنواعِ التي لا تَصْلُحُ أنْ تكونَ شَرْطاً ويَجِبُ اقترانُها بالفاءِ ما يَأْتِي:
1- الْجُملةُ الاسْمِيَّةُ كما تَقَدَّمَ، ومنهُ قولُهُ تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
2- الْجُملةُ الفِعليَّةُ التي فِعْلُها طَلَبِيٌّ، نحوُ: إنْ حَيَّاكَ أَحَدٌ بتَحِيَّةٍ فَحَيِّهِ بأَحْسَنَ منها. ومنهُ قولُهُ تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي}.
3- الْجُملةُ الفِعليَّةُ التي فِعْلُها جَامِدٌ، نحوُ: مَنْ يُطْلِقْ لِسانَهُ فَلَيْسَ بسَالِمٍ. ومنهُ قولُهُ تعالى: {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ}.
4- الْجُملةُ الفِعليَّةُ التي فِعْلُها مَسبوقٌ بـ(لَنْ)، نحوُ: إنْ صَحِبْتَ الأشرارَ فلَنْ تَسْلَمَ. ومنهُ قولُهُ تعالى: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ}.
5- الْجُملةُ الفِعليَّةُ التي فِعْلُها مَسبوقٌ بـ(قَدْ)، نحوُ: مَنْ مَدَحَكَ بما ليسَ فيكَ فقَدْ ذَمَّكَ. ومنهُ قولُهُ تعالى: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}.
6- الْجُملةُ الفعليَّةُ التي فِعْلُها مسبوقٌ بـ(مَا)، نحوُ: إنْ تَجْتَهِدْ فما أُقَصِّرُ في مُكَافَأَتِكَ. ومنهُ قولُهُ تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ}.
7- الْجُملةُ الفِعليَّةُ التي فِعْلُها مسبوقٌ بالسِّينِ، نحوُ: مَهْمَا تُخْفِ مِنْ طِبَاعِكَ فسَتَظْهَرُ للناسِ. ومنهُ قولُهُ تعالى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى}.
8- الْجُملةُ الفِعليَّةُ التي فِعْلُها مَسبوقٌ بـ(سَوْفَ)، نحوُ: مَنْ ظَلَمَ الناسَ فسَوْفَ يَنْدَمُ. ومنهُ قولُهُ تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ}.
وقدْ تُغْنِي (إِذَا) الفُجائيَّةُ عنْ (الفاءِ) بشَرْطِ أنْ يكونَ الجوابُ جُملةً اسْمِيَّةً، ومعناها: الدَّلالةُ على الْمُفاجأةِ في الحالِ، ولا بُدَّ أنْ يَسْبِقَها كلامٌ. وأَرْجَحُ الأقوالِ في إعرابِها أنَّها حَرْفٌ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ كما تَقَدَّمَ في بابِ الْمُبتَدَأِ والْخَبَرِ.
ومثالُها قولُهُ تعالى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}، فـ(إذا): حَرْفٌ دَالٌّ على الْمُفاجأةِ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، (هم): مُبتدأٌ، (يَقْنَطُونَ): الْجُملةُ في مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ الْمُبتدأِ، والجملةُ مِن المبتدأِ والخبَرِ في مَحَلِّ جَزْمٍ جوابُ الشرْطِ (إنْ).
ومِثَالُها أيضاً قولُهُ تعالى: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ}.
وهذا معنى قولِهِ: (وَاقْرُنْ بِفَا.. إلخ)؛ أي: اقْرُنْ بالفاءِ، (حَتْماً)؛ أيْ: وُجُوباً، كُلَّ جَوَابٍ لوْ جَعَلْتَهُ فِعْلَ شرْطٍ للأداةِ (إنْ) أوْ لغيرِها مِنْ أَخَوَاتِها (لم يَنْجَعِلْ)؛ أيْ: لم يَصْلُحْ فِعْلاً للشرْطِ.
وقولُهُ: (واقْرُنْ) بضَمِّ الراءِ مِنْ بابِ (قَتَلَ)، ويَصِحُّ كَسْرُها مِنْ بابِ (ضَرَبَ)، ثمَّ ذَكَرَ أنَّ (إِذَا) الفُجائيَّةَ تُخْلِفُ (الفاءَ) وتَحِلُّ مَحَلَّها، فَيُصَدَّرُ بها الجوابُ الذي لا يَصْلُحُ أنْ يكونَ شَرْطاً، ثمَّ ذَكَرَ الْمِثالَ، وهوَ: (إِنْ تَجُدْ إذاً لَنَا مُكَافأةٌ)؛ أيْ: مِنَّا مُكَافَأَةٌ، والمعنى: إنْ يَكُنْ منكَ جُودٌ فمِنَّا الْمُجازاةُ، مِنْ كَافَأْتُ الرجُلَ: إذا جَازَيْتَهُ على فِعْلِهِ، فـ(إِذَا): رابطةٌ للجوابِ بالشرْطِ، و(لَنَا): خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، و(مُكَافَأةٌ): مُبتدأٌ مُؤَخَّرٌ، والْجُملةُ في مَحَلِّ جَزْمٍ جَوابُ الشرْطِ. واشتراطُ كَوْنِ الجوابِ معَ (إِذَا) الفُجائيَّةِ جُملةً اسْمِيَّةً يُفْهَمُ مِن الْمِثالِ.
العَطْفُ على جوابِ الشرْطِ بالفاءِ أو الواوِ:
703- وَالْفِعْلُ مِنْ بَعْدِ الْجَزَا إِنْ يَقْتَرِنْ = بِالْفَا أَوِ الْوَاوِ بِتَثْلِيثٍ قَمِنْ
إذا وَقَعَ بعدَ جُملةِ جَوابِ الشرْطِ فعْلٌ مُضارِعٌ مَقرونٌ بالواوِ أو الفاءِ جازَ فيهِ ثلاثةُ أَوْجُهٍ:
1- اعتبارُ (الواوِ) و(الفاءِ) حَرْفَيِ استئنافٍ، فالْجُملةُ بعدَهما استئنافيَّةٌ، والمُضَارِعُ فيها مَرفوعٌ.
2- اعتبارُهما حَرْفَيْ عَطْفٍ، والمُضَارِعُ بعدَهما مَجزومٌ؛ لأنَّهُ معطوفٌ على جوابِ الشرْطِ. ومِثالُ ذلكَ قولُهُ تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}، فقَدْ قَرأَ ابنُ عامرٍ وعاصمٌ برَفْعِ (يَغْفِرُ) على أنَّ الفاءَ استئنافيَّةٌ، والمُضَارِعَ معَ فاعلِهِ الْمُسْتَتِرِ جُملةٌ استئنافيَّةٌ، وبعضُهم يُقَدِّرُ مُبتدأً، فالمُسْتَأْنَفَةُ جُملةٌ اسْمِيَّةٌ؛ أيْ: فهوَ يَغْفِرُ. وقرأَ باقي السَّبْعَةِ بِجَزْمِ (يَغْفِرْ) عَطْفاً على الجوابِ.
3- اعتبارُ الفاءِ للسببيَّةِ والواوِ للمعِيَّةِ، فالمُضَارِعُ بعدَهما مَنصوبٌ بـ(أنْ) مُضْمَرَةٍ وُجوباً. والنَّصْبُ قليلٌ، نحوُ: مَنْ يَكْثُرْ مِزَاحُهُ تَسْقُطْ هَيْبَتُهُ ويَضِيعَ احترامُهُ، بنَصْبِ (يَضِيعَ) على إضمارِ (أنْ).
وهذا معنى قولِهِ: (والفِعْلُ مِنْ بعدِ الْجَزَا إنْ يَقْتَرِنْ.. إلخ): أيْ أنَّ الفعْلَ المُضَارِعَ إذا جاءَ بعدَ جوابِ الشرْطِ وجزائِهِ وقد اقْتَرَنَ بالفاءِ أو الواوِ، فهوَ جديدٌ وحقيقٌ بالتَّثْلِيثِ؛ أي: الأَوْجُهِ الثلاثةِ التي ذَكَرْنَاهَا. وقولُهُ: (قَمِنْ)؛ بفَتْحِ القافِ وكَسْرِ الميمِ، صفةٌ مُشَبَّهَةٌ بمعنى: حقيقٌ، وهيَ خبَرُ الْمُبتَدَأِ، وهوَ قولُهُ: (والفعْلُ).
العطْفُ على الشرْطِ بالفاءِ أو الواوِ:
704- وَجَزْمٌ اوْ نَصْبٌ لِفِعْلٍ إِثْرَ فَا = أَوْ وَاوٍ انْ بِالْجُمْلَتَيْنِ اكْتُنِفَا
إذا وَقَعَ بعدَ جُملةِ الشرْطِ فعْلٌ مُضارِعٌ مَقرونٌ بـ(الفاءِ) أوْ (الواوِ) جازَ فيهِ وَجْهَانِ:
1- اعتبارُ الواوِ والفاءِ حَرْفَيْ عَطْفٍ، والمُضَارِعُ بعدَهما مَجزومٌ؛ لأنَّهُ معطوفٌ على فعْلِ الشرْطِ؛ كقولِهِ تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}، بِجَزْمِ (يَصْبِرْ) عَطْفاً على ما قَبْلَهُ.
2- اعتبارُ الفاءِ للسببيَّةِ والواوِ للمَعِيَّةِ، والمُضَارِعُ بعدَهما مَنصوبٌ بـ(أنْ) مُضْمَرَةٍ وُجوباً؛ كقولِ الشاعرِ:
ومَنْ يَقْتَرِبْ مِنَّا ويَخْضَعَ نُؤْوِهِ = ولا يَخْشَ ظُلْماً ما أَقَامَ ولا هَضْمَا
فإنَّ قَوْلَهُ: (ويَخْضَعَ) مضارِعٌ مَنصوبٌ بـ(أنْ) مُضْمَرَةٍ وُجوباً، وقدْ تَوَسَّطَ بَيْنَ فعْلِ الشرْطِ وجوابِهِ.
وأمَّا الرفْعُ -وهوَ الوجْهُ الثالثُ- فيَمْتَنِعُ هنا عندَ أكثَرِ النُّحاةِ؛ لأنَّهُ لا يَصِحُّ الاستئنافُ قَبْلَ جَوابِ الشرْطِ، لِئَلاَّ يكونَ فاصِلاً بَيْنَ جُمْلَتَيِ الشرْطِ والجوابِ، وهما مُتلازِمتانِ في الْمَعْنَى.
ويَرَى الْمُحَقِّقُونَ جَوازَ الرفْعِ على الاستئنافِ؛ بِناءً على ما قَرَّرَهُ النَّحْوِيُّونَ مِنْ جوازِ وُقوعِ الْجُملةِ الْمُعتَرِضَةِ بَيْنَ جُمْلَتَيِ الشرْطِ والجوابِ؛ كقولِهِ تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ}؛ فإنَّ جُملةَ (وَلَنْ تَفْعَلُوا) مُعْتَرِضَةٌ؛ لتأكيدِ عَجْزِهم في جميعِ الأزمانِ.
وإلى جَوَازِ الوجهَيْنِ الْمَذكورَيْنِ أشارَ بقولِهِ: (وَجَزْمٌ أوْ نصْبٌ لفِعْلٍ إثْرَ فَا.. إلخ): أيْ أنَّ الجزْمَ أو النصْبَ كلٌ منهما ثابِتٌ للفعْلِ المُضَارِعِ المسبوقِ بـ(الفاءِ) أوْ (الواوِ) (إِنْ بالْجُمْلَتَيْنِ اكتُنِفَا)؛ أيْ: إِن اكتَنَفَتْهُ الْجُملتانِ؛ أيْ: أحَاطَتْ بهِ جُمْلَتَا الشرْطِ والجوابِ. وقولُهُ: (اكتُنِفَا) مَبْنِيٌّ للمجهولِ، فهوَ بضَمِّ التاءِ وكسْرِ النونِ؛ أيْ: حُوِّطَ بالْجُملتَيْنِ كما ذَكَرْنَا.
حَذْفُ فعْلِ الشرْطِ أوْ جوابِ الشرْطِ لدَلِيلٍ:
705- وَالشَّرْطُ يُغْنِي عَنْ جَوَابٍ قَدْ عُلِمْ = وَالْعكْسُ قَدْ يَأْتِي إنِ الْمَعْنَى فُهِمْ
الأوَّلُ: أنْ يَدُلُّ عليهِ دليلٌ بعدَ حَذْفِهِ.
الثاني: أنْ يكونَ فعْلُ الشرْطِ مَاضِياً.
مثالُ ذلكَ: أنتَ الكريمُ إنْ صَفَحْتَ عن الْمُذْنِبِ، فَحُذِفَ جَوَابُ الشرْطِ لدَلالةِ (أَنْتَ الكريمُ) عليهِ، والتقديرُ: إنْ صَفَحْتَ عن الْمُذْنِبِ فأَنْتَ الكريمُ.
فإنْ لم يَكُنْ فعْلُ الشرْطِ مَاضِياً، بأنْ كانَ مُضَارِعاً، لم يَصِحَّ حَذْفُ جُملةِ الجوابِ، إلاَّ إِنْ سَدَّ مَسَدَّها جُملةٌ أُخْرَى بعدَها؛ كقولِهِ تعالى: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ}، فقولُهُ: (فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ) ليسَ هوَ الجوابَ، بلْ هوَ دليلُ الجوابِ؛ لأنَّ الجوابَ يَكُونُ مُسَبَّباً عن الشرْطِ، والأَجَلُ آتٍ سواءٌ وُجِدَ الرجاءُ أمْ لم يُوجَدْ، وتقديرُ الجوابِ المحذوفِ، واللَّهُ أعلَمُ: فلْيُبَادِرْ إلى العمَلِ الصالحِ.
وحَذْفُ جوابِ الشرْطِ لِتَقَدُّمِ دَليلِهِ كثيرٌ جِدًّا في القرآنِ؛ كقولِهِ تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}؛ أيْ: إِنْ كُنتمْ مُؤْمِنِينَ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا.
ويَجوزُ حَذْفُ فِعْلِ الشرْطِ بشَرطيْنِ:
1- أنْ يَدُلُّ عليهِ دَليلٌ، ولا يُذْكَرَ بعْدَهُ في الكلامِ ما يُفَسِّرُهُ.
2- أنْ تكونَ الأداةُ (إِن) الْمُدْغَمَةَ في (لا) النافيَةِ.
مِثالُ ذلكَ: قُلْ خَيْراً وإلاَّ فَاصْمُتْ، والتقديرُ: وإنْ لا تَقُلْ خَيْراً فاصْمُتْ. ومنهُ قولُهُ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ في اللُّقَطَةِ: ((فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلاَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا..))، التقديرُ: وإلاَّ يَجِئْ صاحِبُها فاسْتَمْتِعْ بها.
وهذا معنى قولِهِ: (والشرْطُ يُغْنِي عنْ جوابٍ قدْ عُلِمْ.. إلخ): أيْ أنَّ فعْلَ الشرْطِ (يُغْنِي)؛ أيْ: يُذْكَرُ دونَ الجوابِ، بشَرْطِ أنْ يَدُلَّ عليهِ دَليلٌ. (وَالْعَكْسُ)، وهوَ حَذْفُ الشرْطِ لدَلالةِ الجوابِ، (قدْ يَأْتِي)، ويُفْهَمُ مِنْ ذلكَ أنَّ حَذْفَ الشرْطِ أقَلُّ مِنْ حَذْفِ الجوابِ، وقولُهُ: (إِنِ الْمَعنى فُهِمْ)؛ أيْ: بشَرْطِ أنْ يُفْهَمَ المعنى بعدَ الْحَذْفِ.
اجتماعُ الشرْطِ والْقَسَمِ:
706- وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَمْ = جَوَابَ مَا أَخَّرْتَ فَهْوَ مُلْتَزَمْ
707- وَإنْ تَوَالَيَا وَقَبْلُ ذُو خَبَرْ = فَالشَّرْطَ رَجِّحْ مُطْلَقاً بِلا حَذَرْ
708- وَرُبَّمَا رُجِّحَ بَعْدَ قَسَمِ = شَرْطٌ بِلا ذِي خَبَرٍ مُقَدَّمِ
إذا اجتَمَعَ شرْطٌ وقَسَمٌ، فالأصْلُ أنْ يكونَ لكلٍّ منهما جوابٌ يَخُصُّهُ، غيرَ أنَّهُ يَجُوزُ حَذْفُ جوابِ أحَدِهما اكتفاءً بجوابِ الآخَرِ الذي يُغْنِي عنهُ ويَدُلُّ عليهِ.
فإذا اجتَمَعَ شرْطٌ وقَسَمٌ حُذِفَ جوابُ الْمُتَأَخِّرِ منهما؛ لدَلالةِ جوابِ الأَوَّلِ عليهِ، نحوُ: واللَّهِ مَنْ يَعْمَلْ بأحكامِ الشرْعِ لَيَفُوزَنَّ، فالمُضَارِعُ (يَفوزُ) مُؤَكَّدٌ بالنُّونِ؛ لأنَّهُ في جُملةٍ جَوَابِيَّةٍ للقسَمِ الْمُتَقَدِّمِ، وليسَ جواباً للشرْطِ؛ إذْ لوْ كانَ جواباً لهُ لَكَانَ مَجزوماً.
ومنهُ قولُهُ تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ}، فقولُهُ: (لا يَأْتُونَ) جوابٌ للقَسَمِ الْمُقَدَّرِ قبلَ اللامِ الْمُوَطِّئَةِ في (لَئِنْ)؛ ولهذا جاءَ مَرفوعاً، ولوْ كانَ جواباً للشرْطِ لَقِيلَ: (لا يَأْتُوا) بالجزْمِ.
فإنْ تَقَدَّمَ الشرْطُ فالجوابُ لهُ على الأَرْجَحِ، وجوابُ القَسَمِ محذوفٌ، نحوُ: مَنْ يَعْمَلْ بأحكامِ الشرْعِ واللَّهِ يَفُزْ. فالمُضَارِعُ (يَفُزْ) جاءَ مجزوماً؛ لأنَّهُ جوابُ الشرْطِ، وجوابُ القسَمِ محذوفٌ.
فإن اجْتَمَعَ الشرْطُ والقسَمُ وتَقَدَّمَ عليهما ما يَحتاجُ إلى خَبَرٍ؛ كالمبتدأِ، فالجوابُ للشرْطِ مُطْلَقاً، سَوَاءٌ أكانَ مُتَقَدِّماً على القسَمِ أمْ مُتَأَخِّراً، نحوُ: أحكامُ الشرْعِ واللَّهِ مَنْ يَعْمَلْ بها يَفُزْ، وتقولُ: أحكامُ الشرْعِ مَنْ يَعْمَلْ بها واللَّهِ يَفُزْ، بجَزْمِ المُضَارِعِ (يَفُزْ) في الْمِثالَيْنِ؛ لأنَّهُ تَقَدَّمَ الْمُبتدأُ (أَحْكَامُ الشرْعِ)، وخبرُهُ جُملةُ الشَّرْطِ.
وقدْ جاءَ قَليلاً اعتبارُ الجوابِ للشرْطِ معَ تَقَدُّمِ القَسَمِ، وإنْ لم يَتَقَدَّمْ علَيْهِمَا ذُو خَبَرٍ، وهوَ اختيارُ الفَرَّاءِ وابنِ مالِكٍ. ومِنْ ذلكَ قولُ الشاعرِ:
لَئِنْ كانَ ما حُدِّثْتُهُ الْيَوْمَ صَادِقاً = أَصُمْ في نَهَارِ القَيْظِ للشمْسِ بَادِيَا
فقدْ تَقَدَّمَ القسَمُ وتَأَخَّرَ الشرْطُ، وجاءَ الجوابُ للشرْطِ، وهوَ المُضَارِعُ المجزومُ: (أَصُمْ).
والبَصْرِيُّونَ يَحْكُمونَ على هذا بالشُّذُوذِ، أوْ أنَّ اللامَ زائدةٌ ولَيْسَتْ للقَسَمِ، فلا تَحْتَاجُ إلى جوابٍ. وهذا تكَلُّفٌ، فالْحَقُّ أنَّ اللامَ للقَسَمِ، والجوابَ للشرْطِ، وجوابَ القَسَمِ هوَ أداةُ الشرْطِ وما دَخَلَتْ عليهِ مِنْ جُمْلَتَيْهَا.
وإلى ما تَقَدَّمَ أَشارَ ابنُ مالِكٍ بقولِهِ: (واحْذِفْ لَدَى اجتماعِ شَرْطٍ وقَسَمٍ.. إلخ)؛ أيْ: إذا اجْتَمَعَ شرْطٌ وقَسَمٌ فاحْذِفْ جوابَ الْمُتَأَخِّرِ منهما؛ استغناءً بجوابِ الْمُتَقَدِّمِ.
ثمَّ ذَكَرَ أنَّهُما إذا اجْتَمَعا وتَقَدَّمَ علَيْهِما ما يَطْلُبُ خَبَراً، رُجِّحَ الشرْطُ على القسَمِ. وفُهِمَ مِنْ قولِهِ: (رَجِّحْ) أنَّهُ يَجُوزُ الاستغناءُ بجوابِ القسَمِ. وفُهِمَ مِنْ قولِهِ: (مُطْلَقاً)، أنَّ الشرْطَ يَتَرَجَّحُ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ على القَسَمِ أوْ تَأَخَّرَ. وقولُهُ: (بِلا حَذَرٍ) تَتميمٌ لصِحَّةِ الاستغناءِ عنهُ. ثمَّ ذَكَرَ أنَّهُ قدْ يَتَرَجَّحُ الشرْطُ المتأَخِّرُ وإنْ لم يَتَقَدَّمْ ذُو خَبَرٍ، واللَّهُ أعْلَمُ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الجزم, بالشرط

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:18 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir