دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 11:54 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الاستثناء بغير (إلا)


واسْتَثْنِ مَجرورًا بغيرٍ مُعْرَبَا = بما لِمُستثنًى بإِلَّانُسِبَا
ولِسِوَى سُوَى سَوَاءٍ اجْعَلَا = على الأَصَحِّ ما لِغَيْرٍ جُعِلَا
واسْتَثْنِ ناصبًا بلَيْسَ وخَلَا = وبِعَدَا وبِيَكُونُ بَعْدَ لَا
واجْرُرْ بسابِقَيْ يكونُ إنْ تُرِدْ= وبعدَ مَا انْصِبْ وانجرارٌ قدْ يَرِدْ
وحيثُ جَرَّا فهُمَا حَرفانِ = كما هُما إنْ نَصَبَا فِعلانِ
وكَخَلَا حاشا ولا تَصْحَبُ مَا = وقيلَ حاشَ وحَشَا فاحْفَظْهُمَا

  #2  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 01:38 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


واسْتَثْنِ مَجْرُوراً بِغَيْرٍ مُعْرَبَا = بِمَا لِمُسْتَثْنًى بِإِلاَّ نُسِبَا ([1])

اسْتُعْمِلَ بمعنى (إلاَّ) في الدَّلالةِ على الاستثناءِ ألفاظٌ؛ مِنها ما هو اسمٌ، وهو (غيرٌ وسُوَى وسِوَى وسَوَاءٌ)، ومنها ما هو فِعْلٌ، وهو (ليسَ)، ولا يكونُ، ومِنها ما يكونُ فِعْلاً وحرفاً، وهو (عَدَا وخَلاَ وحَاشَا)، وقد ذَكَرَها المصنِّفُ كلَّها.
فأمَّا (غيرٌ وسِوَى وسُوَى وسَوَاءٌ) فحُكْمُ المُسْتَثْنَى بها الجرُّ؛ لإضافتِها إليه، وتُعْرَبُ (غيرُ) بما كانَ يُعْرَبُ به المستثنَى معَ (إلاَّ)، فتقولُ: (قامَ القومُ غيرَ زيدٍ) بنصبِ (غيرَ)، كما تقولُ: (قامَ القومُ إلاَّ زَيْداً) بنصبِ (زيدٍ)، وتقولُ: (ما قامَ أحدٌ غيرُ زَيْدٍ وغيرَ زَيْدٍ) بالإْتَبَاعِ والنصبِ، والمختارُ الإِتباعُ؛ كما تقولُ: (ما قامَ أحدٌ إلاَّ زيدٌ وإلاَّ زيداً)، وتقولُ: (ما قامَ غيرُ زيدٍ) فتَرْفَعُ (غَيْرُ) وجوباً، كما تقولُ: (ما قامَ إلاَّ زيدٌ) برَفْعِهِ وجوباً، وتقولُ: (ما قامَ أحدٌ غيرَ حِمارٍ) بنصبِ (غَيْرَ) عندَ غيرِ بني تَمِيمٍ، وبالإتباعِ عندَ بني تَمِيمٍ، كما تَفْعَلُ في قولِكَ: (ما قامَ أحدٌ إلاَّ حِمَارٌ وإلاَّ حِماراً).
وأمَّا (سِوَى) فالمشهورُ فيها كسرُ السينِ والقصرُ، ومِن العربِ مَن يَفْتَحُ سِينِها ويَمُدُّ، ومِنهم مَن يَضُمُّ سِينَها ويُقْصِرُ، ومنهم مَن يَكْسِرُ سِينَها ويَمُدُّ، وهذه اللغةُ لم يَذْكُرْها المصنِّفُ، وقلَّ مَن ذَكَرَها، ومِمَّن ذَكَرَها الفاسِيُّ في شَرْحِهِ للشاطبيَّةِ.
ومَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ والفَرَّاءِ وغيرِهما أنها لا تكونُ إلا ظرفاً، فإذا قلتَ: (قامَ القومُ سِوَى زيدٍ) فـ(سِوَى) عندَهم منصوبةٌ على الظرفيَّةِ، وهي مُشْعِرَةٌ بالاستثناءِ، ولا تَخْرُجُ عندَهم عن الظرفيَّةِ إلاَّ في ضرورةِ الشعرِ.
واختَارَ المصنِّفُ أنها كـ(غَيْرٍ)؛ فتُعَامَلُ بما تُعَامَلُ به (غَيْرٌ) مِن الرفعِ والنصبِ والجرِّ، وإلى هذا أشارَ بقولِهِ:
ولِسِوًى سُوًى سَوَاءٍ اجْعَلاَ = عَلَى الأَصَحِّ مَا لِغَيْرٍ جُعِلاَ ([2])

فمِن اسْتِعْمَالِها مجرورةً قولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((دَعَوْتُ رَبِّي أَلاَّ يُسَلِّطَ عَلَى أُمَّتِي عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهَا))، وقولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا أَنْتُمْ فِي سِوَاكُمْ مِنَ الأُمَمِ إِلاَّ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الأَسْوَدِ، أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي الثَّوْرِ الأَبْيَضِ))، وقولُ الشاعِرِ:
171- ولا يَنْطِقُ الْفَحْشَاءَ مَنْ كَانَ مِنْهُمُ = إِذَا جَلَسُوا مِنَّا وَلاَ مِنْ سَوَائِنَا ([3])
ومِن اسْتِعْمَالِها مَرْفُوعَةً قَوْلُهُ:
172- وإذا تُبَاعُ كَرِيمَةٌ أَوْ تُشْتَرَى = فِسِوَاكَ بَائِعُهَا وَأَنْتَ الْمُشْتَرِي ([4])
وقولُه:
173- وَلَمْ يَبْقَ سِوَى الْعُدْوَا = نِ دِنَّاهُمْ كَمَا دَانُوا ([5])
فـ(سِوَاكَ) مرفوعٌ بالابتداءِ، و(سِوَى العُدْوَانِ) مرفوعٌ بالفاعليَّةِ، ومِن استعمالِها منصوبةً على غيرِ الظرفيَّةِ قولُه:
174- لَدَيْكَ كَفِيلٌ بِالْمُنَى لِمُؤَمِّلٍ = وإنَّ سِوَاكَ مَنْ يُؤَمِّلُهُ يَشْقَى ([6])
فـ(سِوَاكَ) اسمُ (إنَّ).
هذا تقريرُ كلامِ المصنِّفِ، ومَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ والجمهورِ أنها لا تَخْرُجُ عن الظرفيَّةِ إلاَّ في ضرورةِ الشعرِ، وما اسْتُشْهِدَ به على خلافِ ذلكَ يَحْتَمِلُ التأويلَ.
واسْتَثْنِ نَاصِباً بِلَيْسَ وخَلاَ = وبِعَدَا وبِيَكُونُ بَعْدَ (لاَ) ([7])
أي: اسْتَثْنِ بِـ(ليسَ) وما بعدَها ناصباً المُسْتَثْنَى، فتقولُ: (قامَ القومُ ليسَ زيداً، وخَلاَ زيداً، وعَدَا زيداً، ولا يكونُ زَيْداً)، فـ(زيداً) في قولِكَ: (ليسَ زيداً، ولا يكونُ زيداً) منصوبٌ على أنه خبرُ (ليس ولا يكونُ)، واسْمُهما ضميرٌ مستترٌ، والمشهورُ أنه عائدٌ على البعضِ المفهومِ من القومِ ([8])، والتقديرُ: ليسَ بعضُهم زيداً، ولا يكونُ بعضُهم زيداً. وهو مُسْتَتِرٌ وُجُوباً، وفي قولِكَ: (خَلاَ زَيْداً، وعَدَا زَيْداً) منصوبٌ على المفعوليَّةِ، و(خَلاَ وعَدَا) فِعلانِ، فاعِلُهما في المشهورِ ضميرٌ عائدٌ على البعضِ المفهومِ من القومِ؛ كما تَقَدَّمَ، وهو مُسْتَتِرٌ وُجُوباً، والتقديرُ: خَلاَ بَعْضُهم زيداً، وعَدَا بَعْضُهم زيداً.
ونَبَّهَ بقولِهِ: (وبِيَكُونُ بَعْدَ لاَ)، وهو قَيْدٌ في يكونُ فقطْ، على أنه لا يُسْتَعْمَلُ في الاستثناءِ مِن لفظِ الكونِ غيرُ يكونُ، وأنها لا تُسْتَعْمَلُ فيه إلاَّ بعدَ (لا)، فلا تَسْتَعْمِلْ فيه بعدَ غَيْرِها من أدواتِ النفيِ، نحوُ: (لم وإنْ ولنْ ولَمَّا ومَا).
واجْرُرْ بِسَابِقَيْ يَكُونُ إِنْ تُرِدْ = وبعدَ (ما) انْصِبْ وانْجِرَارٌ قَدْ يَرِدْ ([9])

أي: إذا لم تَتَقَدَّمْ (ما) على (خَلاَ وعَدَا) فاجْرُرْ بهما إنْ شِئْتَ، فتقولُ: (قامَ القومُ خَلاَ زَيْدٍ وعَدَا زَيْدٍ)، فخَلاض وعَدَا حَرفا جَرٍّ، ولم يَحْفَظْ سِيبَوَيْهِ الجرَّ بهما، وإنما حَكَاهُ الأخفشُ، فمِن الجرِّ بِخَلاَ قولُه:
175- خَلاَ اللهِ لا أَرْجُو سِوَاكَ وَإِنَّمَا = أَعُدُّ عِيَالِي شُعْبَةً مِنْ عِيَالِكَا ([10])
ومن الجرِّ بـ(عَدَا) قولُه:
176- تَرَكْنَا فِي الْحَضِيضِ بَنَاتِ عُوجٍ = عَوَاكِفَ قَدْ خَضَعْنَ إِلَى النُّسُورِ


أَبَحْنَا حَيَّهُمْ قَتْلاً وأَسْراً = عَدَا الشَّمْطَاءِ والطِّفْلِ الصَّغِيرِ ([11])

فإنْ تَقَدَّمَتْ عليهما (ما) وَجَبَ النصبُ بهما، فتقولُ: (قامَ القومُ ما خَلاَ زَيْداً، وما عَدَا زَيْداً)، فـ(ما) مَصْدَرِيَّةٌ و(خلا وعدا) صِلَتُها، وفَاعِلُهما ضميرٌ مُسْتَتِرٌ يعودُ على البعضِ؛ كما تَقَدَّمَ تَقْرِيرُه، و(زيداً) مفعولٌ، وهذا معنى قولِهِ: (وبعدَ ما انْصِبْ)، هذا هو المشهورُ، وأجازَ الكِسَائِيُّ الجرَّ بهما بعدَ (ما) على جَعْلِ (ما) زائدةً، وجَعْلِ (خلا وعدا) حرفي جرٍّ، فتقولُ: (قامَ القومُ ما خَلاَ زَيْدٍ وما عَدَا زَيْدٍ)، وهذا معنى قولِهِ: (وانْجِرَارٌ قَدْ يَرِدْ)، وقد حَكَى الجَرْمِيُّ في الشرحِ الجرَّ بعدَ ما عن بعضِ العربِ.

وحيثُ جَرَّا فَهُمَا حَرْفَانِ = كَمَا هُمَا إِنْ نَصَبَا فِعْلاَنِ ([12])

أي: إنْ جَرَرْتَ بـ(خَلاَ وعَدَا) فهما حرفا جَرٍّ، وإنْ نَصَبْتَ بهما فهما فعلانِ ([13])، وهذا مِمَّا لا خِلافَ فيه.

وكَخَلاَ حَاشَا ولا تَصْحَبُ (ما) = وقيلَ حَاشَ وحَشَا فاحْفَظْهُمَا ([14])

المشهورُ أنَّ (حاشا) لا تكونُ إلاَّ حَرْفَ جَرٍّ، فتقولُ: (قامَ القومُ حاشا زَيْدٍ) بِجَرِّ (زيدٍ)، وذَهَبَ الأخفشُ والجَرْمِيُّ والمازِنِيُّ والمُبَرِّدُ وجماعةٌ مِنهم المصنِّفُ، إلى أنها مِثْلُ (خَلاَ) تُسْتَعْمَلُ فِعْلاً فتَنْصِبُ ما بعدَها، وحرفاً فتَجُرُّ ما بعدَها، فتقولُ: (قامَ القومُ حَاشَا زَيْداً وحاشا زَيْدٍ)، وحَكَى جماعةٌ منهم الفَرَّاءُ وأبو زيدٍ الأنصاريُّ والشَّيْبَانِيُّ النصبَ بها، ومنه (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ولِمَنْ يَسْمَعُ حَاشَا الشَّيْطَانَ وَأَبَا الإِصْبَعِ)، وقولُه:

177- حَاشَا قُرَيْشاً فَإِنَّ اللهَ فَضَّلَهُمْ = عَلَى الْبَرِيَّةِ بِالإِسْلاَمِ وَالدِّينِ ([15])

وقولُ المصنِّفِ: (ولا تَصْحَبُ ما) معناه: أنَّ (حَاشَا) مثلُ (خَلاَ) في أنها تَنْصِبُ ما بعدَها أو تَجُرُّه، ولكِنْ لا تَتَقَدَّمُ عليها (ما) كما تَتَقَدَّمُ على (خَلاَ)، فلا تقولُ: (قامَ القومُ ما حاشا زَيْداً)، وهذا الذي ذَكَرَه هو الكثيرُ، وقد صَحِبَتْها (ما) قليلاً؛ ففي مُسْنَدِ أبي أُمَيَّةَ الطَّرْسُوسِيِّ عن ابنِ عمرَ، أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((أُسَامَةُ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ مَا حَاشَا فَاطِمَة))([16]).
وقولُه:

178- رَأَيْتُ النَّاسَ مَا حَاشَا قُرَيْشاً = فَإِنَّا نَحْنُ أَفْضَلُهُمْ فَعَالاَ ([17])

ويقالُ في (حَاشَا): (حَاشَ وحَشَا).


([1])(اسْتَثْنِ) فِعْلُ أَمْرٍ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ،(مَجْرُوراً) مفعولٌ به لاسْتَثْنِ،(بِغَيْرٍ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ باسْتَثْنِ،(مُعْرَبَاَ) حالٌ مِن غيرٍ،(بِمَا) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِمُعْرَبَ،(لِمُسْتَثْنًى) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِنُسِبَ الآتي،(بإلاَّ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِمُسْتَثْنًى،(نُسِباَ) نُسِبَ: فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، والألفُ للإطلاقِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى ما الموصولةِ، والجملةُ لا مَحَلَّ لها صِلَةُ (ما) المجرورةِ مَحَلاًّ بالباءِ، وتقديرُ البيتِ: اسْتَثْنِ بلفظِ غيرٍ اسْماً مجروراً بإضافةِ غيرٍ إليه حالَ كونِ لفظِ غيرٍ مُعْرَباً بالإعرابِ الذي نُسِبَ للمستثنَى بإلاَّ.

([2])(لِسِوًى) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ باجْعَلْ على أنه مفعولٌ ثانٍ له،(سُوًى، سَوَاءٍ) معطوفانِ على سِوَى بعاطفٍ مُقَدَّرٍ في كلٍّ منهما،(اجْعَلاَ) اجْعَلَ: فِعْلُ أَمْرٍ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ، والألفُ مُنْقَلِبَةٌ عن نونِ التوكيدِ الخفيفةِ،(على الأَصَحِّ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِجُعِلَ،(ما) اسمٌ موصولٌ: مفعولٌ أوَّلُ لاجْعَلْ،(لِغَيْرٍ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بجُعِلَ الآتي على أنه المفعولُ الثاني،(جُعِلاَ) جُعِلَ: فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه، وهو المفعولُ الأوَّلُ، والجملةُ لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ صِلَةُ ما، والألفُ للإطلاقِ.

([3])171- البيتُ للمَرَّارِ بنِ سَلاَمَةَ العُقَيْلِيِّ، وهو من شواهدِ سِيبَوَيْهِ، وقد أَنْشَدَه في كِتَابِهِ مرَّتَيْنِ: إِحْدَاهما في (1/3) ونَسَبَهُ للمَرَّارِ بنِ سَلاَمَةَ، والثانيةُ في (1/302) ونَسَبَه لرجلٍ من الأنصارِ، ولم يُعَيِّنْه.
اللغةُ: (الفَحْشَاءَ) الشيءُ القبيحُ، وتقولُ: أَفْحَشَ الرجلُ في كلامِهِ، وفَحَشَ تَفْحِيشاً، وتَفَحَّشَ، إذا أَرَدْتَ أنه يَتَكَلَّمُ بِقَبِيحِ الكلامِ.
الإعرابُ: (لا) نافيةٌ، (يَنْطِقُ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ،(الفحشاءَ) منصوبٌ على نَزْعِ الخافضِ،(مِن) اسمٌ موصولٌ فاعلُ يَنْطِقُ،(كانَ) فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ، واسمُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى مَنِ الموصولةِ،(مِنْهُمُ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ خبرُ كانَ، والجملةُ من كانَ ومعمولَيْها لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ صِلَةٌ،(إذا) ظَرْفِيَّةٌ،(جَلَسُوا) فعلٌ وفاعلٌ، والجملةُ في مَحَلِّ جرٍّ بإضافةِ إذا إليها،(مِنَّا) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِجَلَسُوا، ومِن الجارَّةُ هنا بمعنى معَ،(ولا) الواوُ عاطِفَةٌ، لا: نافيةٌ، (مِن سَوَائِنَا) الجارُّ والمجرورُ معطوفٌ على الجارِّ والمجرورِ السابقِ، وسَوَاءِ مُضافٌ والضميرُ مُضافٌ إليه، وقِيلَ: مِنَّا ومِن سَوَائِنَا يَتَعَلَّقَانِ بقولِهِ: يَنْطِقُ، وجوابُ إذا محذوفٌ يَدُلُّ عليه سابقُ الكلامِ، والتقديرُ: إذا جَلَسُوا فلا يَنْطِقُ الفحشاءَ... إلخ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (مِن سَوَائِنَا)؛ حيثُ خَرَجَتْ فيه سَوَاءٌ عن الظَرْفِيَّةِ، واسْتُعْمِلَتْ مجرورةً بِمِن، مُتَأَثِّرَةً به، وهو عندَ سِيبَوَيْهِ وأَتْبَاعِهِ معدودٌ من ضروراتِ الشعرِ.
قالَ الأَعْلَمُ في شرحِ شواهدِ سِيبَوَيْهِ عندَ الكلامِ على هذا البيتِ: (أرادَ غَيْرَنَا، فوَضَعَ سَوَاءً موضِعَ غيرٍ ضرورةً، وكانَ يَنْبَغِي ألاَّ يُدْخِلَ مِن عليها؛ لأنَّها لا تُسْتَعْمَلُ في الكلامِ إلاَّ ظرفاً، ولكنَّه جَعَلَها بمنزلةِ غيرٍ في دخولِ مِن عليها؛ لأنَّ معناها كمعناها).اهـ.
ومثلُ هذا البيتِ - في استعمالِ سِوَى مجرورةً للضرورةِ عندَه - قولُ الأَعْشَى مَيْمُونِ بنِ قَيْسٍ:

تَجَانَفُ عَنْ جَوِّ اليَمَامَةِ نَاقَتِي = وَمَا عَدَلَتْ عَنْ أَهْلِهَا لِسَِوَائِكَا

وقولُ عُثْمَانَبنِ صَمْصَامَةَ الجَعْدِيِّ:
عَلَى نُعْمِنَا، لاَ نُعْمِ قَوْمٍ سَِوَائِنَا = هِيَ الْهَمُّ والأحلامُ لَوْ يَقَعُ الحُلْمُ

([4])172- البيتُ لمُحَمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ المَدَنِيِّ، يُخَاطِبُ يَزِيدَ بنَ حاتِمِ بنِ قَبِيصَةَ بنِ المُهَلَّبِ، وقد رَوَى أبو تَمَّامٍ في الحَمَاسَةِ عِدَّةَ أبياتٍ مِن هذه الكَلِمَةِ،أَوَّلُها بيتُ الشاهدِ (انْظُرْ شَرْحَ التِّبْرِيزِيِّ 4/274 بِتَحْقِيقِنَا)،وبعدَه قولُه:
وإِذَا تَوَعَّرَتِ المَسَالِكُ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا السَّبِيلُ إلى نَدَاكَ بِأَوْعَرِ
اللغةُ: (تُباعُ) أرادَ بالبيعِ ههنا الزُّهْدُ في الشيءِ، والانصرافُ عنه، وذَهابُ الرغبةِ في تحصيلِه، كما أرادَ بالشراءِ الحِرْصَ على الشيءِ والكُلْفَ به وشِدَّةَ الرغبةِ في الحصولِ عليه، و(أو) ههنا بمعنى الواوِ، (كريمةٌ) أي: نَفِيسَةٌ حَسَنَةٌ يَتَسَابَقُ الكِرَامُ إليها.
المعنى: إذا رَغِبَ قومٌ في تَحْصِيلِ المكارِمِ وتَأْثِيلِ المجدِ وانْصَرَفَ آخرونَ عن ذلك، فأنتَ الراغبُ في المجدِ المحصِّلِ للمكارِمِ، وغيرُكَ المنصرِفُ عنه الزاهِدُ فيه.
الإعرابُ: (إذا) ظرفٌ تَضَمَّنَ معنى الشرطِ،(تُبَاعُ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ للمجهولِ،(كَرِيمَةٌ) نائبُ فاعلِ تُبَاعُ، والجملةُ مِن تُبَاعُ ونائبِ فاعلِهِ في مَحَلِّ جرٍّ بإضافةِ إذا إليها،(أو) عاطِفَةٌ،(تُشْتَرَى) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ للمجهولِ معطوفٌ على تُبَاعُ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هي يَعُودُ إلى كريمةٌ،(فَسِوَاكَ) الفاءُ لربطِ الجوابِ بالشرطِ، وسِوَى: مبتدأٌ، وسِوَى مُضافٌ والكافُ مُضافٌ إليه،(بائِعُها) بائعُ: خَبَرُ المُبْتَدَأِ، وبائعُ مُضافٌ وها: مُضافٌ إليه، وجملةُ المبتدأِ وخبرِهِ لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ جوابُ إذا،(وأنتَ) مبتدأٌ،(المُشْتَرِي) خَبَرُ المُبْتَدَأِ، والجملةُ معطوفةٌ على الجملةِ السابقةِ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (فِسِوَاكَ)؛فإنَّ (سِوَى) قد خَرَجَتْ عن الظَرْفِيَّةِ، ووَقَعَتْ مبتدأً مُتَأَثِّراً بالعامِلِ، وهذا العاملُ هنا معنويٌّ، وهو الابتداءُ،وهو يَرُدُّ على ما ذَهَبَ إليه سِيبَوَيْهِ والجمهورُ مِن أنَّ (سِوَى) لا تَخْرُجُ عن النصبِ على الظَرْفِيَّةِ، وسَنَذْكُرُ فيما بعدُ أقوالَ العلماءِ في هذا الموضوعِ.

([5])173- البيتُ للفِنْدِ الزَّمَّانِيِّ مِن كَلِمَةٍ يَقُولُها في حَرْبِ البَسُوسِ، واسمُ الفِنْدِ شَهْلُ بنُ شَيْبَانَ بنِ رَبِيعَةَ، وقد رَوَى أبو تَمَّامٍ في مَطْلَعِ ديوانِ الحماسةِ أبياتاً من هذه الكلمةِ يَقَعُ بيتُ الشاهدِ رَابِعَها، وقبلَه قولُه:

صَفَحْنَا عَنْبَنِي ذُهْلٍ= وَقُلْنَا: الْقَوْمُ إِخْوَانُ


عَسَى الأَيَّامُ أَنْ يَرْجِعْـ= ـنَ قَوْماً كالذي كانُوا


فلَمَّا صَرَّحَ الشَّرُّ = وَأَمْسَى وَهْوَ عُرْيَانُ

اللغةُ: (صَفَحْنَا) عَفَوْنَا، والصَّفْحُ: العَفْوُ، وأصلُه من قولِهِم: أَعْرَضْتُ صَفْحاً عن هذا الأمرِ، إذا تَرَكْتَهُ ووَلَّيْتَه جَانِبَكَ،(بَنِي ذُهْلٍ) يُرْوَى في مكانِه: (بَنِي هِنْدٍ)،وهي هِنْدُ بِنْتُ مُرِّ ابنِ أُخْتِ تَمِيمٍ، وهي أمُّ بَكْرٍ وتَغْلِبَ ابْنَي وَائِلٍ،(العُدْوَانِ) الظُّلْمُ الصريحُ،(دِنَّاهُمْ) جَازَيْنَاهُمْ وفَعَلْنَا بِهِم مثلَ الذي فَعَلُوا بِنَا مِن الإساءةِ، وجملةُ (دِنَّاهُمْ) هذه جوابُ (لَمَّا) في قَوْلِهِ: (فَلَمَّا صَرَّحَ الشَّرُّ).
الإعرابُ: (ولم) نافيةٌ جازمةٌ،(يَبْقَ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مجزومٌ بحَذْفِ الألِفِ،(سِوَى) فاعلُ يَبْقَ، وسِوَى مُضافٌ و(العُدْوَانِ) مُضافٌ إليه،(دِنَّاهُمْ) فِعْلٌ وفاعلٌ ومفعولٌ به،(كما) الكافُ جارَّةٌ، وما: يجوزُ أنْ تكونَ موصولاً اسميًّا، وأنْ تكونَ حرفاً مصدريًّا،(دَانُوا) فِعْلٌ وفاعلٌ، فإذا كانَتْ (ما) موصولاً اسميًّا فالجملةُ لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ صِلَةٌ، والعائدُ محذوفٌ، والتقديرُ: دِنَّاهُمْ كالدَّيْنِ الذي دَانُوهُ، وإذا كانَتْ ما مصدريَّةً فهي ومَدْخُولُها في تأويلِ مصدرٍ مجرورٍ بالكافِ، وعلى كلِّ حالٍ فإنَّ الكافَ ومَجْرُورَها مُتَعَلِّقَانِ بمَحْذُوفٍ صِفَةٌ لمصدرٍ محذوفٍ يَدُلُّ عليه قولُه: دِنَّاهُمْ، والتقديرُ: دِنَّاهُم دَيْناً كَائِناً كالدَّيْنِ الذي دَانُوهُ، أو دِنَّاهُمْ دَيْناً مِثْلَ دَيْنِهِم إيَّانَا.
الشاهدُ فيه: قولُه: (سِوَى العُدْوَانِ)؛حيثُ وَقَعَتْ (سِوَى) فاعلاً وخَرَجَتْ عن الظَرْفِيَّةِ، وسَنَذْكُرُ لكَ بَحْثاً نُبَيِّنُ لك فيه مذاهِبَ العلماءِ في هذا الموضوعِ.

([6])174- البيتُ مِن الشواهدِ التي لم يَنْسُبُوهَا لقائلٍ مُعَيَّنٍ، ولم أَقِفْ له على سابقٍ أو لاحِقٍ.
اللغةُ: (كَفِيلٌ) ضامنٌ،(المُنَى) الرَّغَبَاتُ والآمالُ، واحدُها مُنْيَةٌ بِوِزَانِ مُدْيَةٍ وغُرْفَةٍ،(لِمُؤَمِّلٍ) اسمُ فاعلٍ من أَمَّلَ فلانٌ فلاناً تأميلاً، إذا رَجَاهُ،(يَشْقَى) مضارعٌ مِن الشَّقَاءِ،وهو العَنَاءُ والشِّدَّةُ، وفِعْلُه شَقِيَ يَشْقَى،على مِثَالِ رَضِيَ يَرْضَى.
المعنى: إنَّ عِنْدَكَ مِن مكارِمِ الأخلاقِ وشَرِيفِ السَّجَايَا ما يَضْمَنُ لِمَنْ يَرْجُو نَدَاكَ أنْ يَبْلُغَ قَصْدَهُ ويَنَالَ عندَكَ ما يُؤَمِّلُ،فأمَّا غَيْرُكَ مِمَّن يَظُنُّ بهم الناسُ الخيرَ فإنَّ آمالَ الرَّاجِينَ فيهم تَنْقَلِبُ خَيْبَةً وشَقَاءً.
الإعرابُ: (لَدَيْكَ) لَدَى: ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، ولدَى مُضافٌ والكافُ مُضافٌ إليه،(كَفِيلٌ) مبتدأٌ مؤخَّرٌ،(بِالْمُنَى لِمُؤَمِّلٍ) جارَّانِ ومجرورانِ يَتَعَلَّقَانِ بِكَفِيلٌ،(إِنَّ) حرفُ توكيدٍ ونصبٍ،(سِوَاكَ) سِوَى: اسمُ إنَّ، وسِوَى مُضافٌ، والكافُ مُضافٌ إليه،(مَن) اسمٌ موصولٌ مبتدأٌ،(يُؤَمِّلُهُ) يُؤَمِّلُ: فِعْلٌ مُضَارِعٌ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى مَنِ الموصولةِ، والهاءُ مفعولٌ به، والجملةُ لا مَحَلَّ لها صلةُمَنِ الموصولةِ، (يَشْقَى) فِعْلٌ مُضَارِعٌ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى مَنِ الموصولةِ الواقعةِ مبتدأً، والجملةُ في مَحَلِّ رفعٍ خَبَرُ المُبْتَدَأِ الذي هو مَنِ الموصولةُ، وجملةُ المبتدأِ وخبرِهِ في مَحَلِّ رفْعٍ خبرُ إنَّ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (وَإِنَّ سِوَاكَ)؛حيثُ فَارَقَتْ (سِوَى) الظَرْفِيَّةَ ووَقَعَتِ اسماً لإنَّ فتَأَثَّرَتْ بالعاملِ الذي هو إنَّ المُؤَكِّدَةُ.
ومثلُ هذا البيتِ - في وُقُوعِ سِوَى منصوبةً بالعاملِ - الشاهدُ رَقْمُ 175 الآتي (ص 234)،وقولُ عُمَرَ بنِ أبي رَبِيعَةَ المَخْزُومِيِّ (البَيْتُ 17 من الكَلِمَةِ 114).

وصَرَمْتُ حَبْلَكِ إِذْ صَرَمْتِ؛ لأنَّنِي = أُخْبِرْتُ أَنَّكِ قَدْ هَوِيتِ سِوَانَا

وكلُّ هذه الشواهدِ دالَّةٌ على أنَّ هذه الكَلِمَةَ ليسَتْ ملازِمَةً للنصبِ على الظَرْفِيَّةِ كما ذَهَبَ إليه سِيبَوَيْهِ والخليلُ وجمهورُ البَصْرِيِّينَ، وادِّعَاؤُهُمْ أنَّ ذلك خاصٌّ بضرورةِ الشعرِ - معَ كثرةِ ما وَرَدَ منه - مِمَّا لا يجوزُ أنْ يُلْتَفَتَ إليه أو يُؤْخَذَ به، وتأويلُ هذه الشواهدِ الكثيرةِ ممَّا لا تَدْعُو إليه ضرورةٌ، ولا يُمْكِنُ ارْتِكَابُهُ إلاَّ معَ التمَحُّلِ والتكَلُّفِ، ولَئِنْ ذَهَبْنَا إلى ارْتِكَابِهِ لم يَبْقَ تَأْصِيلُ قَوَاعِدِ النحوِ مُمْكِناً.
وقد وَعَدْتُكَ أنْ أُبَيِّنَ لكَ آراءَ النحاةِ في هذه المسألةِ،وأُبَيِّنُ لكَ أَرْجَحَها دَلِيلاً وأَقْرَبَهَا إلى أنْ تَأْخُذَ به، وها أَنَذَا أَفِي لَكَ بِهَذِهِ المَوْعِدَةِ، فأقولُ:
اخْتَلَفَ النُّحاةُ في خُرُوجِ (سِوَى) بجميعِ لُغَاتِها عن النصبِ على الظَرْفِيَّةِ إلى التأثُّرِ بالعواملِ والوقوعِ في مواقعِ الإعرابِ المختلفةِ، ولهم في ذلك ثلاثةُ مذاهِبَ:
الأوَّلُ: وهو مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ والخليلِ بنِ أَحْمَدَ، وحاصلُه: أنها لا تَخْرُجُ عن النصبِ على الظَرْفِيَّةِ، فإنْ وَرَدَ من كلامِ العربِ شيءٌ يَدُلُّ ظاهرُه على خُرُوجِها عن النصبِ على الظَرْفِيَّةِ إلى التأثيرِ بالعواملِ،فهو مُؤَوَّلٌ إنْ أَمْكَنَ تأويلُه، فإنْ لم يُمْكِنْ تَأْوِيلُه فهو شاذٌّ لا يُقَاسُ عليه.
الثاني: وهو مَذْهَبُ الكُوفِيِّينَ، وتَبِعَهُم عليه ابنُ مالِكٍ، وحاصلُه: أنها تأتي ظَرفاً أحياناً، وتأتي اسماً متأثِّراً بالعواملِ أحياناً أُخْرَى مِن غيرِ ضرورةٍ ولا شُذُوذٍ ولا كثرةٍ لأحدِ الوجهيْنِ.
الثالِثُ: وهو ما ذَهَبَ إليه الرُّمَّانِيُّ وأبو البَقَاءِ العُكْبَرِيُّ، وحاصِلُه: أنَّ هذه الكَلِمَةَ تُسْتَعْمَلُ ظرفاً منصوباً على الظَرْفِيَّةِ، وتُسْتَعْمَلُ غيرَ ظرفٍ، ولكنَّ اسْتِعْمَالَهَا ظَرْفاً أكثرُ مِن استعمالِها غيرَ ظرفٍ، وقد اختارَ ابنُ هِشامٍ هذا الرأيَ، وقالَ: (وإلى مَذْهَبِهِما أَذْهَبُ).اهـ.
وأنتَ لو نَظَرْتَ إلى كثرةِ الشواهدِ الواردةِ عن العربِ المُحْتَجِّ، بِكلامِهِم،والتي اسْتُعْمِلَ (سِوَى) فيها اسماً،وتَأَثَّرَتْ بالعواملِ- وَجَدْتَهَا كثيرةً كثرةً تَمْنَعُنا من أنْ نَتَمَحَّلَ لتأويلِها،أو أنْ نَدَّعِيَ أنها ضرورةٌ مِن ضروراتِ الشعْرِ، واسْتَمِعْ إلى قولِ ابنِ مالِكٍ في منظومتِه (الكافيةِ الشافيةِ):

سِوَى كَغَيْرٍ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرْ =وعَدُّهُ مِنَ الظُّرُوفِ مُشْتَهِرْ


ومانِعٌ تَصْرِيفَهُ مَنْ عَدَّهُ= ظَرْفاً وَذَا الْقَوْلُالدَّلِيلُ رَدَّهُ


فإنَّ إِسْنَاداً إِلَيْهَا كَثُرَا = وجَرُّهَا نَثْراً وَنَظْماً شُهِرَا

وقالَ في شرحِ هذا الكلامِ: (سِوَى) اسمٌ يُسْتَثْنَى به، ويَجُرُّ ما يُسْتَثْنَى به للإضافةِ إليه، ويُعْرَبُ هو تقديراً بما يُعْرَبُ به (غيرٌ) لضفظاً، خِلافاً لأكثرِ البصريِّينَ في ادِّعَاءِ لُزُومِها النصبَ على الظَرْفِيَّةِ،وعَدَمَ التصرُّفِ، وإنما اخْتَرْتُ خِلافَ ما ذَهَبُوا إليه لأمريْنِ: أَحَدُهما: إجماعُ أهلِ اللغةِ على أنَّ معنى قولِ القائلِ: (قَامُوا سِوَاكَ) و(قامُوا غَيْرَك) واحدٌ، وأنه لا أحدَ مِنهم يقولُ: إِنَّ سِوَى عِبارةٌ عن مكانٍ أو زمانٍ، وما لا يَدُلُّ على زمانٍ أو مكانٍ فبِمَعْزِلٍ عن الظَرْفِيَّةِ، والثاني: أنَّ مَن حَكَمَ بِظَرْفِيَّتِها حَكَمَ بِلُزُومِ ذلك،وأنها لا تَتَصَرَّفُ، والواقِعُ في كلامِ العربِ نثراً ونَظْماً خِلافُ ذلك.

([7])(واسْتَثْنِ) فِعْلُ أَمْرٍ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ،(نَاصِباً) حالٌ من الفاعلِ المُسْتَتِرِ في اسْتَثْنِ،(بليسَ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ باسْتَثْنِ،(وخَلاَ) معطوفٌ على ليسَ،(وبِعَدَا وبيكُونُ) جارَّانِ ومجرورانِ معطوفانِ على بِلَيْسَ،(بَعْدَ) ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ حالٌ من يكونُ، وبعدَ مُضافٌ و(لا) قُصِدَ لفظُه: مُضافٌ إليه.

([8])للنُّحَاةِ في مَرْجِعِ الضميرِ المُسْتَكِنِّ في يكونُ من قولِكَ:(قامَ القومُ لا يكونُ زَيْداً) والمُسْتَكِنِّ في ليسَ مِن قولِكَ:(قامَ القومُ ليسَ زَيْداً) ثلاثةُ أقوالٍ معروقةٍ:
الأوَّلُ: أنَّ مَرْجِعَه هو البعضُ المفهومُ مِن الكلِّ السابقِ الذي هو المُسْتَثْنَى منه، فتقديرُ الكلامِ: قامَ القومُ لا يكونُ هو (أي: بعضُ القومِ) زيداً، فهو مثلُ قولِهِ تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً}،وهذا أشهرُ المذاهِبِ في هذه المسألةِ.
الثاني: أنَّ مَرْجِعَهُ اسْمُ فاعلٍ مأخوذٌ من الفعلِ العاملِ في المستثنَى منه، فتقديرُ الكلامِ: قامَ القومُ لا يكونُ هو (أي: القائمُ) زيداً.
الثالثُ: أنَّ مَرْجِعَه هو مصدرُ الفعلِ السابقِ العاملِ في المُسْتَثْنَى منه والمُستثنَى نَفْسِه،على تقديرِ مُضافٍ، وتقديرُ الكلامِ على هذا: قامَ القومُ لا يكونُ هو (أي: القيامُ) قيامَ زيدٍ.
ويُضَعِّفُ الوجهيْنِ - الثانِيَ والثالثَ - أنَّ الكلامَ قد لا يكونُ مشتمِلاً على فِعْلٍ، نحوُ قولِكَ: القومُ إخوَتُكَ لا يكونُ زيداً.

([9])(واجْرُرْ) فِعْلُ أَمْرٍ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ،(بِسَابِقَيْ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ باجْرُرْ، وسَابِقَيْ مُضافٌ و(يكونُ) قُصِدَ لفظُه: مُضافٌ إليه،(إنْ) شَرْطِيَّةٌ (تُرِدْ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ فِعْلُ الشرطِ، مجزومٌ بإنْ، وعلامةُ جزمِه السكونُ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ يَدُلُّ عليه سابقُ الكلامِ، والتقديرُ: إنْ تُرِدْ فَاجْرُرْ... إلخ،(وبعدَ) الواوُ عاطِفَةٌ، بعدَ: ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بانْصِبِ الآتي، وبعدَ مُضافٌ و(ما) قُصِدَ لفظُه: مُضافٌ إليه،(انْصِبْ) فِعْلُ أَمْرٍ وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ،(وَانْجِرَارٌ) مبتدأٌ،(قد) حرفُ تقليلٍ،(يَرِدْ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى انْجِرَارٌ، والجملةُ مِن يَرِدْ وفاعِلِهِ في مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ المُبْتَدَأِ.

([10])175- البيتُ من الشواهدِ التي لم يُعَيِّنُوا قائلَها، ولم أَقِفْ له على سابقٍ أو لاحِقٍ.
اللغةُ: (أَرْجُو) مضارعٌ مِن الرجاءِ، وهو ضِدُّ اليأسِ مِن الشيءِ الذي هو قَطْعُ الطَّمَاعِيَةِ في الوصولِ إليه، وتقولُ: رَجَا الإنسانُ الشيءَ يَرْجُوهُ رَجاءً، إذا أَمَّلَهُ وتَوَقَّعَ حُصُولَهُ،(سِوَاكَ) غَيْرَكَ، وهو دليلٌ على أنَّ هذه الكَلِمَةَ تُسْتَعْمَلُ غيرَ ظرفٍ؛لِوُقُوعها مفعولاً به، وتَقَدَّمَتْ هذه المسألةُ مَشْرُوحَةً مُسْتَدَلاًّ لها (ص 230 وما بعدَها)،(أَعُدُّ)؛أي: أَحْسِبُ،(عِيَالِي) العِيَالُ: هم أهلُ بيتِ الإنسانِ ومَن يُمَوِّنُهُم،(شُعْبَةً) طائفةً.
المعنى: إنني لا أُؤَمِّلُ أنْ يَصِلَنِي الخيرُ مِن أحدٍ إلاَّ منكَ، وأنا واثِقٌ كلَّ الثقةِ مِن أنَّكَ لا تَدَّخِرُ وُسْعاً في التفضُّلِ عليَّ والإحسانِ إليَّ؛ لأنَّ أهلِي ومَن تَلْزَمُنِي مُؤَنُهُم في اعتباري - فريقٌ مِن أهلِكَ ومَن تَلْزَمُكَ مُؤَنُهُم.
الإعرابُ: (خَلاَ) حرفُ جَرٍّ،(اللهِ) مجرورٌ بِخَلاَ، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بأَرْجُو الآتي،(لا) نافيةٌ،(أَرْجُو) فِعْلٌ مُضَارِعٌ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنا،(سِوَاكَ) سِوَى: مفعولٌ به لأَرْجُو، وسِوَى مُضافٌ والكافُ ضميرُ المخاطَبِ مُضافٌ إليه،(إِنَّمَا) أداةُ حَصْرٍ،(أَعُدُّ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنا،(عِيَالِي) عِيالِ: مفعولٌأوَّلُ لأَعُدُّ، وعِيَالِ مُضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مُضافٌ إليه مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ جرٍّ،(شُعْبَةً) مفعولٌ ثانٍ لأَعُدُّ،(مِنْ عِيَالِكَا) مِن عِيَالِ: جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ صِفَةٌ لِشُعْبَةً، وعِيَالِ مُضافٌ والكافُ مُضافٌ إليه.
الشاهدُ فيه: قولُه: (خَلاَ اللهِ)،وفي هذه الكَلِمَةِ وَحْدَها شاهدانِ للنحاةِ:
أمَّا الأوَّلُ: فحيثُ اسْتَعْمَلَ الشاعرُ (خلا) حرفَ جَرٍّ، فجَرَّ به لفظَ الجلالةِ،وذَكَرَ الشارِحُ أنَّ هذا مِمَّا نَقَلَه الأخفشُ، وأنَّ سِيبَوَيْهِ لم يَحْفَظْ مِن العربِ الجرَّ بِخَلاَ، وهذا نَقْلٌ غيرُ صحيحٍ، بل نَقَلَه سِيبَوَيْهِ في كِتَابِهِ صَرِيحاً (1/ 377)؛حيثُ يقولُ: (أمَّا حاشَ فليسَ باسمٍ، ولكنَّه حرفٌ يَجُرُّ ما بعدَه كما تَجُرُّ حتَّى ما بعدَها، وفيه معنى الاستثناءِ، وبعضُ العربِ يقولُ: ما أنا من القومِ خلاَ عبدِ اللهِ (بالجرِّ)،فجَعَلُوا خَلاَ بمنزلةِ حاشا، فإذا قلتَ: ما خلا فليسَ فيه إلا النصبُ؛ لأنَّ ما اسمٌ، ولا تكونُ صِلَتَها إلاَّ للفعلِ هنا) اهـ.
وأمَّا الشاهدُ الثاني: فحيثُ قَدَّمَ الاستثناءَ فجَعَلَه أوَّلَ الكلامِ قبلَ المُسْتَثْنَى مِنه،وقبلَ العاملِ في المستثنَى منه، وذلك جائزٌ عندَ الكُوفِيِّينَ، نَصَّ عليه الكِسَائِيُّ، وإليه ذَهَبَ أبو إسحاقَ الزَّجَّاجُ، وذَهَبَ البَصْرِيُّونَ إلى أنَّ ذلك لا يجوزُ، وأجازَ الفريقانِ جميعاً تقديمَ المستثنَى على المستثنَى منه، بشرطِ أنْ يَتَقَدَّمَ العاملُ في المُسْتَثْنَى منه أو بعضِ جملةِ المستثنَى منه.
وأُحِبُّ - في هذا الموضِعِ - أنْ أُبَيِّنُ لكَ صورةَ تَقْدِيمِ المستثنَى، ورَأْيَ النحاةِ في كلِّ صورةٍ منها؛ لِيَتَّضِحَ لكَ الأمرُ غايةَ الوُضُوحِ، ولتكونَ على بَصِيرَةٍ تامَّةٍ، فأقولُ: إنَّ صورةَ تقديمِ المستثنى - كما أَشَرْنَا إلى ذلك فيما مَضَى (ص 216) - ثلاثةٌ:
الصورةُ الأُولى: أنْ يَتَقَدَّمَ المستثنَى على المستثنَى منه وحدَه، ومنه بيتُ الشاهدِ (رَقْمِ 167)،ومنه قولُ الآخَرِ:

النَّاسُ أَلْبٌ عَلَيْنَا فِيكَ لَيْسَ لَنَا = إِلاَّ السُّيُوفَ وَأَطْرَافَ الْقَنَا وَزَرُ

ولا يَخْتَلِفُ الكُوفِيُّونَ والبَصْرِيُّونَ في جَوَازِ هذه الصورةِ.
الصورةُ الثانيةُ: أنْ يَتَقَدَّمَ المُسْتَثْنَى على العاملِ في المُسْتَثْنَى مِنه وَحْدَهُ، نحوُ قولِكَ:(القومُ إلاَّ زيداً ضَرَبْتُ) بِنَصْبِ القومِ على أنه مفعولٌ به لِضَرَبْتُ.
وللنحاةِ خلافٌ في هذه المسألةِ، ولهم فيها ثلاثةُ أقوالٍ:
الأوَّلُ: حاصِلُه أنه يجوزُ تقديمُ المستثنَى على العاملِ في المستثنى منه إذا تَقَدَّمَ المستثنى منه، مُطْلَقاً، نعني: سواءٌ أكانَ العاملُ في المستثنَى منه متصرِّفاً أم كانَ جامداً.
والقولُ الثاني: أنه لا يجوزُ مُطْلَقاً.
والقولُ الثالثُ: التفصيلُ؛ فإنْ كانَ العاملُ في المستثنَى منه متصرِّفاً،نحوُ قولِكَ:(إِخْوَتُكَ إلاَّ زيداً حَضَرُوا) جازَ التقديمُ، وإنْ كانَ العاملُ في المستثنَى منه غيرَ مُتَصَرِّفٍ،نحوُ قولِكَ:(إِخْوَتُكَ إِلاَّ زَيْداً عَسَى أنْ يَفْلَحُوا) لم يَجُزِ التقديمُ.
الصورةُ الثالثةُ: أنْ يَتَقَدَّمَ المُسْتَثْنَى على المستثنَى منه وعلى العاملِ جميعاً، وعلى ذلك يَقَعُ المستثنَى في أوَّلِ الكلامِ،ومن شواهدِهِ البيتُ الذي معَنا (رقم 175)،وقد اخْتَلَفَ في هذه الصورةِ الكُوفِيُّونَ والبَصْرِيُّونَ.
فأمَّا الكُوفِيُّونَ فقالوا: يجوزُ تقديمُ المستثنَى على المستثنَى منه وعلى العاملِ جميعاً، وبعبارةٍ أُخْرَى قالُوا: يجوزُ أنْ يَقَعَ المستثنَى في أوَّلِ الكلامِ؛ لأنَّ العربَ قد اسْتَعْمَلَتْهُ مُقَدَّماً، ولأنَّه جازَ تقديمُه على المستثنَى منه من غيرِ ضرورةٍ، فيجوزُ تقديمُه عليه وعلى العاملِ.
وأمَّا البَصْرِيُّونَ فقالوا: لا يجوزُ تقديمُ المستثنَى على المستثنَى منه وعلى العاملِ جميعاً. وشَبَّهُوا المستثنَى بالبدلِ، وشَجَّعَهُم على هذا التشبيهِ أنَّ المُسْتَثْنَى يُعْرَبُ بَدَلاً في بعضِ الأمثلةِ، ولَمَّا كانَ البَدَلُ لا يجوزُ تقديمُه على المُبْدَلِ مِنه، فما أَشْبَهَ البَدَلَ يَأْخُذُ حُكْمَهُ.
وفي قَوْلِهِ: (لا أَرْجُو سِوَاكَ) شاهدٌ ثالثٌ، وحاصِلُه أنَّ (سِوَى) قد تُفَارِقُ النَّصْبَ على الظَرْفِيَّةِ فتَتَأَثَّرُ بالعواملِ، وقد وَقَعَتْ هنا مفعولاً به، وهذا هو الذي نَبَّهْتُكَ إليه في (ص 230).
([11])176- هذانِ البيتانِ مِن الأبياتِ التي لم نَقِفْ على نِسْبَتِها إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ.
اللغةُ: (الحَضِيضِ) قرارُ الأرضِ عندَ مُنْقَطَعِ الجبلِ،(بَنَاتِ عُوجٍ) أرادَ بها الخيلَ التي يَنْسُبُونَها إلى فرسٍ مشهورٍ يُسَمُّونَهُ (أَعْوَجَ)،ويقالُ: خَيْلٌ أَعْوَجِيَّاتٌ،(عَوَاكِفَ) جمعُ عاكفةٍ، والعُكُوفُ: مُلازَمَةُ الشيءِ والمُوَاظَبَةُ عليه،(خَضَعْنَ) ذَلَلْنَ وخَشَعْنَ،(أَبَحْنَا حَيَّهُم) أرادَ: أَهْلَكْنَا وَاسْتَأْصَلْنَا، والحيُّ: القَبِيلَةُ،(أَسْراً) الأَسْرُ: أنْ يَأْخُذَ الرجلُ الرجلَ في الحربِ مُلْقِياً بِيَدَيْهِ مُعْتَرِفاً بالعَجْزِ عن الدفاعِ عن نفسِه،(الشَّمْطَاءِ) هي العَجُوزُ التي يُخَالِطُ سوادَ شَعَرِها بَيَاضٌ.
الإعرابُ: (تَرَكْنَا) فعلٌ وفاعلٌ،(في الحَضِيضِ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِتَرَكْنَا،(بَنَاتِ) مفعولٌ به لِتَرَكْنَا، وبناتِ مُضافٌ و(عُوجٍ) مُضافٌ إليه،(عَوَاكِفَ) حالٌ من بناتِ عُوجٍ،(قد) حرفُ تَحْقِيقٍ،(خَضَعْنَ) فعلٌ وفاعلٌ، والجملةُ في مَحَلِّ نصبٍ صفةٌ لِعَوَاكِفَ،(إلى النُّسُورِ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِخَضَعْنَ،(أَبَحْنَا) فعلٌ وفاعلٌ،(حَيَّهُمْ) حَيَّ: مفعولٌ به لأَبَاحَ، وحيَّ مُضافٌ والضميرُ مُضافٌ إليه،(قَتْلاً) تمييزٌ،(وَأَسْراً) معطوفٌ على قولِهِ: قَتْلاً،(عَدَا) حرفُ جَرٍّ،(الشَّمْطَاءِ) مجرورٌ بِعَدَا،(والطفلِ) معطوفٌ على الشَّمْطَاءِ،(الصغيرِ) صِفَةٌ للطفلِ.
الشاهدُ فيه: قولُه:(عَدَا الشَّمْطَاءِ)؛حيثُ اسْتَعْمَلَ (عَدَا) حرفَ جَرٍّ، فجَرَّ الشَّمْطَاءَ به، ولم يَحْفَظْ سِيبَوَيْهِ الجرَّ بِعَدَا، ولا ذَكَرَه أبو العبَّاسِ المبرِّدُ، أمَّا الجرُّ بِخَلاَ فقد عَرَفْتَ أنَّ الصحيحَ في النقلِ عن سِيبَوَيْهِ أنه قد رَوَاهُ عن بعضِالعربِ (انْظُرْ شَرْحَ الشاهدِ رَقْمِ 175 السابقِ)؛فقد نَقَلْنَا لكَ فيه نصَّ عِبارةِ سِيبَوَيْهِ، ودَلَلْنَاكَ على مَوْضِعِهِ من كِتَابِهِ.

([12])(وحيثُ) اسمُ شرطٍ عندَ الفَرَّاءِ الذي لا يَشْتَرِطُ في المجازاةِ به اقْتِرَانَهُ بما، وعندَ غَيْرِهِ هو ظرفٌيَتَعَلَّقُ بقولِهِ: (حرفانِ) الآتي؛ لأنَّه في قُوَّةِ المُشْتَقِّ،(جَرَّا) فِعْلٌ ماضٍ، وهو فِعْلُ الشرطِ على القولِ الأوَّلِ، وأَلِفُ الاثنيْنِ فاعلٌ،(فَهُمَا حرفانِ) الفاءُ لربطِ الجوابِ بالشرطِ، وهي زائدةٌ على القولِ الثاني، وما بعدَها جملةٌ مِن مبتدأٍ وخبرٍ في مَحَلِّ جزمٍ جوابُ الشرطِ،(كما) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: (فِعْلاَنِ) الآتي؛ لأنَّه في قوَّةِ المشتقِّ،(هُمَا) ضميرٌ مُنْفَصِلٌ مبتدأٌ،(إنْ) شَرْطِيَّةٌ،(نَصَبَا) فِعْلٌ ماضٍ، فِعْلُ الشرطِ، وألفُ الاثنيْنِ فاعلٌ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ، وجملةُ الشرطِ وجوابُه لا مَحَلَّ لها مُعْتَرِضَةٌ بينَ المبتدأِ وخبرِهِ،(فِعْلاَنِ) خَبَرُ المُبْتَدَأِ.

([13])قد اسْتَشْهَدَ الشارِحُ للجرِّ بِعَدَا وخَلاَ، ومن شواهدِ النصبِ بِخَلاَ قولُ لَبِيدٍ:

أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ اللهَ بَاطِلُ= وَكُلُّ نَعِيمٍ لاَ مَحَالَةَ زَائِلُ

ومن النصبِ بها بعد (ما) قولُ الشاعِرِ:

تَمَلُّ النَّدَامَى مَا عَدَانِي فَإِنَّنِي =بِكُلِّ الَّذِي يَهْوَى نَدِيمِي مُولَعُ


([14])(كَخَلاَ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَحْذُوفٍ خبَرٌ مُقَدَّمٌ،(حَاشَا) قُصِدَ لفظُه: مبتدأٌ مؤخَّرٌ،(ولا) نافيةٌ،(تَصْحَبُ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هي يَعُودُ إلى حاشا،(ما) قُصِدَ لفظُه: مفعولٌ به لِتَصْحَبُ،(وقيلَ) فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمجهولِ،(حاشَ) قُصِدَ لفظُه: نائبُ فاعلِ قِيلَ،(وَحَشَا) معطوفٌ عليه،(فَاحْفَظْهُمَا) احْفَظْ: فِعْلُ أَمْرٍ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ، وهما: مفعولٌ به لاحْفَظْ.

([15])177- هذا البيتُ مِن كلامِ الفَرَزْدَقِ هَمَّامِ بنِ غَالِبٍ.
الإعرابُ: (حَاشَا) فِعْلٌ ماضٍ دالٌّ على الاستثناءِ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ على البعضِ المفهومِ مِن الكُلِّ السابقِ،(قُرَيْشاً) مفعولٌ به لِحَاشَا،(فإنَّ) الفاءُ للتعليلِ، إنَّ: حرفُ توكيدٍ ونَصْبٍ،(اللهَ) اسمُ إنَّ،(فَضَّلَهُمْ) فَضَّلَ: فِعْلٌ ماضٍ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ على اللهَ، هم: مفعولٌ به لفَضَّلَ، والجملةُ مِن فَضَّلَ وفاعِلِهِ ومفعولِهِ في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ (إنَّ)،(على البَرِيَّةِ بالإسلامِ) جارَّانِ ومجرورانِ مُتَعَلِّقَانِ بِفَضَّلَ،(والدِّينِ) عَطْفٌ على الإسلامِ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (حَاشَا قُرَيْشاً)؛فإنَّه اسْتَعْمَلَ (حَاشَا) فِعْلاً، ونَصَبَ به ما بَعْدَهُ.

([16])تَوَهَّمَ النُّحَاةُ أنَّ قَوْلَهُ: (مَا حَاشَا فَاطِمَة) مِن كلامِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،فجَعَلُوا (حَاشا) استثنائيَّةً، واسْتَدَلُّوا به على أنَّ حاشا الاستثنائيَّةَ يَجُوزُ أنْ تَدْخُلَ عليها ما، وذلك غيرُ مُتَعَيَّنٍ، بل يجوزُ أنْ يكونَ هذا الكلامُ مِن كلامِ الراوي يُعَقِّبُ به على قولِ الرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أُسَامَةُ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ))،يريدُ الراوي بذلك أنْ يُبَيِّنَ أنه عليه الصلاةُ والسلامُ لم يَسْتَثْنِ أحداً من أهلِ بَيْتِهِ،لا فَاطِمَةَ ولا غَيْرَها، فما: نافيةٌ، وحاشى: فِعْلٌ ماضٍ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفاطمةَ: مفعولٌ به، ولَيْسَتْ حاشَا هذا هي الاستثنائيَّةَ، بل هي فعلٌ متصرِّفٌ تامُّ التصرُّفِ تُكْتَبُ أَلِفُهُ ياءً؛ لِكَوْنِهَا رابعةً، ومضارِعُه هو الذي وَرَدَ في قولِ النابغةِ الذُّبْيَانِيِّ:

ولا أَرَى فاعلاً في الناسِ يُشْبِهُهُ = وما أُحَاشِي مِن الأقوامِ مِنْ أَحَدِ

والفرقُ بينَ حاشا الاستثنائيَّةِ وهذا الفعلِ من سِتَّةِ أَوْجُهٍ:
الأوَّلُ: أنَّ الاستثنائيَّةَ تكونُ حَرْفاً وتكونُ فِعْلاً، وهذه لا تكونُ إلا فِعلاً.
والثاني: أنَّ الاستثنائيَّةَ - إنْ كانَتْ فِعْلاً - غيرُ مُتَصَرِّفَةٍ، وهذه مُتَصَرِّفَةٌ.
الثالثُ: أنَّ فاعلَ الاستثنائيَّةِ مُسْتَتِرٌ وُجُوباً، وهذه كَغَيْرِهَا مِن الأفعالِ ماضِيها فاعلُه مُسْتَتِرٌ جَوَازاً.
والرابعُ: أنَّ ألفَ الاستثنائيَّةِ تُكْتَبُ أَلِفاً، وهذه تُكْتَبُ أَلِفُها ياءً.
والخامسُ: أنَّ الاستثنائيَّةَ يَتَعَيَّنُ فيها أنْ تكونَ من كلامِ صاحبِ الكلامِ الأوَّلِ السابقِ عليها، وهذه لَيْسَتْ كذلك، بل لو تَكَلَّمَ بها صاحبُ الكلامِ الأوَّلِ لقالَ: ما أُحَاشِي، أو قالَ: ما حَاشَيْتُ، كما قالَ النابغةُ الذُّبْيَانِيُّ: (وما أُحَاشِي).
السادِسُ: أنَّ (ما) التي تَسْبِقُ الاستثنائيَّةَ مَصْدَرِيّةٌ أو زائدةٌ، وأمَّا التي تَسْبِقُ هذه فهي نافيةٌ. فاعْرِفْ ذلك وكُنْ حَرِيصاً عليه، واللهُ يَنْفَعُكَ به.

([17])178- نَسَبَ العَيْنِيُّ هذا البيتَ للأَخْطَلِ غَوْثِ بنِ غِيَاثٍ، وقد رَاجَعْتُ دِيوَانَ شِعْرِهِ فوَجَدْتُ له قِطْعَةً على هذا الوزنِ والرَّوِيِّ يَهْجُو فيها جَرِيرَ بنَ عَطِيَّةَ، وليسَ فيها بَيْتُ الشاهِدِ.
اللغةُ: (رَأَيْتُ) زَعَمَ العَيْنِيُّ أنَّ (رَأَى) ههنا من الرأيِ، مثلُ التي في قَوْلِهِم: رَأَى أبو حَنِيفَةَ حُرْمَةَ كذا، وعلى هذا تكونُ مُتَعَدِّيَةً إلى مفعولٍ واحدٍ، وليسَ الذي زَعَمَهُ بِسَدِيدٍ، بل هي بمعنى العِلْمِ، وتَتَعَدَّى إلى مفعوليْنِ، وقد ذَكَرَ الشاعرُ مَفْعُولَهَا الأوَّلَ وحَذَفَ الثانِيَ، وتَقْدِيرُهُ: رأيتُ الناسَ دُونَنَا أو أَقَلَّ مِنَّا في المَنْزِلَةِ، ونحوُ ذلك، ويجوزُ أنْ تكونَ جُمْلَةُ (فإنَّا نحنُ أَكْثَرُهُم فِعَالاً) في مَحَلِّ نصبٍ مفعولاً ثانياً لِرَأَى، وزِيدَتِ الفاءُ فِيهَا كما زِيدَتْ في خَبَرِ المُبْتَدَأِ في نحوِ قَوْلِهِم: الذي يَزُورُنِي فَلَهُ جائزةٌ سَنِيَّةٌ، (فِعالاً) هو بفتحِ الفاءِ: الكَرَمُ، ويجوزُ أنْ تكونَ الفاءُ مكسورةً على أنه جمعُ فِعْلٍ.
الإعرابُ: (رَأَيْتُ) فِعْلٌ وفاعِلٌ، (النَّاسَ) مفعولٌ أَوَّلُ، والمفعولُ الثاني محذوفٌ؛ لِدَلاَلَةِ الكلامِ عليه، وتقديرُ الكلامِ: رَأَيْتُ الناسَ أَقَلَّ مِنَّا أو دُونَنَا، مَثَلاً،(ما حاشَا) ما: مصدريَّةٌ، حاشا: فِعْلٌ ماضٍ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ على البعضِ المفهومِ من الكلِّ السابقِ، (قُرَيْشاً) مفعولٌ به لِحَاشَا،(فَإِنَّا) الفاءُ للتعليلِ، إنَّ: حَرْفُ توكيدٍ ونَصْبٍ، نا: اسْمُه،(نَحْنُ) تَوْكِيدٌ للضَّمِيرِ المُتَّصِلِ الواقِعِ اسْماً لإنَّ،(أَفْضَلُهُمْ) أفضلُ خَبَرُ إنَّ، وأفضلُ مُضافٌ وهم مُضافٌ إليه،(فِعَالاَ) تَمْيِيزٌ، ويجوزُ أنْ تكونَ الفاءُ زائدةً، وتكونُ جملةُ (إنَّ) واسْمُها وخَبَرُها في مَحَلِّ نصبٍ مَفْعُولاً ثانياً لِرَأَى، ولا عَجَبَ أنْ تُزَادَ الفاءُ في المفعولِ الثاني؛فإنَّ أَصْلَهُ خَبَرٌ، والفاءُ تُزَادُ في خَبَرِ المُبْتَدَأِ كثيراً.
الشاهدُ فيه: قولُه: (ما حَاشَا قُرَيْشاً)؛حيثُ دَخَلَتْ (ما) المصدريَّةُ على (حَاشَا)، وذلك قليلٌ، والأكثرُ أنْ تَتَجَرَّدَ مِنها.
واعْلَمْ أنَّ للنُّحَاةِ في كَلِمَةِ (حاشا) ثلاثةُ مَذَاهِبَ:
الأوَّلُ: أنَّها لا تكونُ إلاَّ حَرْفَ جَرٍّ، وأنَّ ما بَعْدَهَا لا يكونُ إلاَّ مَجْرُوراً، وهذا رَأْيُ سِيبَوَيْهِ، وتَبِعَهُ عليه الزَّمَخْشَرِيُّ، وعُذْرُ سِيبَوَيْهِ أنه لم يَسْمَعِ النصبَ بها عن العربِ ولا عَمَّن رَوَاهُ عنهم، وهو لا يُقَيِّدُ إلاَّ ما اتَّصَلَ بسماعِه.
الثاني: أنها لا تكونُ إلا فِعْلاً، لكِنْ يَجُوزُ فيما بعدَها الجرُّ والنصبُ، فإنْ جَرَرْتَهُ فهو من بابِ حذفِ الجرِّ وبقاءِ عملِه، وإنْ نَصَبْتَهُ فهو من بابِ النصبِ على نَزْعِ الخافِضِ، وأصلُ (حَاشَا زَيْدٍ) - عندَ هؤلاء - حاشا لِزَيْدٍ.
الثالثُ: أنها تكونُ فِعْلاً،فيَنْتَصِبُ ما بعدَها على أنه مفعولٌ به، وتكونُ حرفَ جَرٍّ،فيُجَرُّ ما بعدَه به،وهذا مذهَبُ المُبَرِّدِ والمَازِنِيِّ، وتَبِعَهما ابنُ مالِكٍ، وهذا هو المذهَبُ الذي يُؤَيِّدُهُ السمَاعُ.


  #3  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 01:39 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


فصلٌ: وأصلُ([1])َيْر" أنْ يُوصَفَ بها إمَّا نَكِرَةٌ نحوُ:
َالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}([2]أو معرفةٌ كالنَّكِرَةِ نحوُ: {غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}([3]) فإنَّ موصُوفَها (الَّذِينَ) وهم جِنْسٌ لا قَوْمٌ بأعْيانِهم.
وقد تخرُجُ عن الصفةِ وتُضَمَّنُ معنَى: "إِلاَّ" فيُسْتثْنَى بها اسمٌ مجرورٌ بإضافتِها إليه, وتُعرَبُ هي بما يَسْتَحِقُّه المُسْتَثْنَى بإلاّض في ذلك الكلامِ, فيَجِبُ نَصْبُها([4]) في نحوِ: "قَامُوا غَيْرَ زَيْدٍ", و: َا نَفَعَ هذا المالُ غَيْرَ الضَّرَرِ" عندَ الجميعِ, وفي نحوِ: "مَا فيها أحدٌ غيرَ حِمَارٍ" عندَ الحِجازيِّينَ وعندَ الأكثرِ في نحوِ: "مَا فِيهَا غَيْرَ زَيْدٍ أحَدٌ" ويَتَرجَّحُ([5]) عندَ قومٍ في نحوِ هذا المثالِ وعندَ تَميمٍ في نحوِ: "ما فِيهَا أحَدٌ غيرَ حمارٍ" ويَضْعُفُ([6]) في نحوِ: "ما قَامُوا غيرَ زيدٍ" ويَمتنِعُ في نحوِ: "ما قامَ غيرُ زيدٍ".
فصلٌ: والمُسْتثْنَى([7]) بـ "سِوَى" كالمستثنَى بـ "غَيْر" في وجوبِ الخَفْضِ, ثم قالَ الزجَّاجُ وابنُ مالكٍ:"سِوَى" كـ"غَيْر" معنًى وإعراباً. ويُؤَيِّدُهما حكايةُ الفرَّاءِ: "أتَانِي سِوَاكَ". وقالَ سِيبَوَيهِ والجمهورُ: هي ظرفٌ؛ بدليلِ وصْلِ الموصولِ بها كـ "جاءَ الَّذِي سِواكَ". قالوا: ولا تخرُجُ عن النصْبِ على الظرفيَّةِ إلاَّ في الشِّعرِ؛ كقولِه:
265- ولَمْ يَبْقَ سِوَى العُدْوا = نِ دِنَّاهُمْ كَمَا دَانُوا([8])
وقالَّ الرُّمَّانِيُّ والعُكْبَرِيُّ: تُسْتعَمَلُ ظرفاً غالباً, وكغيرٍ قليلاً, وإلى هذا أذْهَبُ.
فصلٌ: والمُستثنَى بـ "ليسَ" و"لا يَكُونُ" واجِبُ النصْبِ؛ لأنَّه خَبَرُهما, وفي الحديثِ: ((مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفْرَ)). وتقولُ: "أَتَوْنِي لا يَكُونُ زَيْداً".
واسمُهما([9]) ضميرٌ مستترٌ عائدٌ على اسمِ الفاعلِ المفهومِ من الفعلِ السابقِ أو البعضِ المدلولِ عليهِ بكُلِّه السابقِ, فتقديرَُامُوا ليسَ زيداً": ليسَ القَائِمُ أو لَيْسَ بعضُهم, وعلى الثاني فهو نظيرُ: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً}([10]) بعدَ تَقدُّمِ ذكْرِ الأولادِ([11]).
وجُمْلَتَا الاستثناءِ في موضعِ نصبٍ على الحالِ, أو مُسْتأنَفَتانِ, فلا موضِعَ لهما([12]).
فصلٌ: وفي المُستثنَى بـ "خَلاَ" و"عَدَا" وجهانِ:
أحَدُهما: الجَرُّ على أنَّهما حَرْفَا جرٍّ, وهو قليلٌ, ولم يَحْفَظْه سِيبوَيْهِ في "عَدَا" ومن شواهدِه قولُه:
266- أبَحْنَا حَيَّهُمْ قَتْلاً وأسْراً = عَدَا الشَّمْطَاءِ والطِّفْلِ الصَّغِيرِ([13])
وموضِعُهما نصبٌ, فقيلَ: هو نَصْبٌ عن تمامِ الكلامِ. وقيلَ: لأنَّهما مُتعلِّقانِ بالفعلِ المذكورِ([14]).
والثاني: النصبُ على أنهما فعلانِ جامدانِ؛ لوقوعِهما موقِعَ([15]) "إلاَّ", وفاعلُهما ضميرٌ مستترٌ وفي مُفَسِّرِه وفي مَوْضِعِ الجملةِ البحثُ السابقُ.
وتدخُلُ عليهما "ما" المصدريَّةُ, فيَتعيَّنُ النصْبُ؛ لتعَيُّنِ الفعليَّةِ حينَئذٍ كقولِه:
267- أَلاَّ كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ اللهَ بَاطِلُ([16])
وقولِه:
268- تُمَلُّ النَّدَامَى مَا عَدَانِي فَإِنَّنِي([17])
ولهذا دخلتْ نونُ الوقايةِ, وموضِعُ الموصولِ وصلتُه نصْبٌ: إمَّا على الظرفيَّةِ على حذْفِ مضافٍ, أو على الحاليَّةِ على التأويلِ باسمِ الفاعلِ([18]) فمعنَى: "قَامُوا ما عَدَا زَيْداً": قاموا وقْتَ مُجاوَزَتِهم زيداً, أو مُجاوِزينَ زَيْداً, وقدْ يُجَرَّانِ على تقديرِ "ما" زائدةٍ([19]).
فصلٌ: والمُستثنَى بـ "حاشا" عندَ سيبويهِ مجرورٌ لا غيرُ, وسَمِعَ غيرُه النصْبَ([20]) كقولِه: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ولِمَنْ يَسْمَعُ, حَاشَا الشَّيْطَانَ وأبَا الأصْبَغِ".
والكلامُ في موضِعِها جَارَّةٌ وناصبةٌ وفي فاعلِها؛ كالكلامِ في أُخْتَيْها.
ولا يَجوزُ دُخولُ "ما"([21]) عليها؛ خلافاً لبعضِهم, ولا دخولُ"إلاَّ"؛ خلافاً للكِسائيِّ.


([1]) فإنْ قُلْتَ: فكيفَ تقَعُ (غَيْرُ) نَعْتاً، وهي اسمٌ جَامِدٌ، وقدْ قُلْتُم: إنَّ النعْتَ لا يكونُ إلاَّ مُشْتَقًّا أو مُؤَوَّلاً بالمُشْتَقِّ؟
فالجوابُ: أنََّيْرَ) – وإنْ كَانَتِ اسماً جَامِداً– مُؤَوَّلَةٌ بالمُشْتَقِّ؛ لأنَّها في مَعْنَى اسمِ الفاعلِ، فإنَّ قَوْلَكَ: (زَيْدٌ غَيْرُ عَمْرٍو) معناهُ كمعنى قولِكَ: "زَيْدٌ مُغايِرٌ لعَمْرِو". فصَحَّ الوصْفُ بها لذلك السببِ.
فإنْ قُلْتَ: فهل تَتعَرَّفْ ُ(غَيْرُ) بإضافتِها إلى المعرفةِ، أم لا تَتعرَّفُ وإِنْ أُضِيفَتْ إلى المعرفةِ؟
فالجوابُ على ذلك أنَّ للنحاةِ في هذا الموضوعِ خِلافاً، وحاصِلُ هذا الخلافِ أنَّ لهم ثلاثةَ آراءٍ:
الرَّأْيُ الأوَّلُ: أنَّها لا تَتعَرَّفُ أصلاً؛ لأنَّها مُتوَغِّلَةٌ في الإبهامِ، والرأْيُ الثاني: أنَّها تَتعَرَّفُ بالإضافةِ إلى المعرفةِ، مُطْلقاً، والرَأْيُ الثالِثُ: التفصيلُ بينَ أنْ تقَعَ بينَ اسميْنِ مُتضادَّيْنِ ولا وَاسِطَةَ بينَهما، فيكونَ أوَّلُ الاسميْنِ مَوْصوفاً بها, وتَكونَ هِي مُضافةً إلى ثانيهما، نحوَ قولِكَ: "الحَرَكَةُ غَيْرُ السُّكُونِ". وأنْ تقَعَ بينَ اسميْنِ غيرِ مُتضادَّيْنِ نحوَ قولِكَ: "الذهَبُ غَيْرُ الحَجَرِ". أو تقَعَ بينَ اسميْنِ متضادَّيْنِ, ولكنَّ ثَمَّةَ وَاسِطَةً بينَهما نحوُ قولِكَ: "الأبيضُ غيرُ الأسْوَدِ". فالأبيضُ والأسودُ مُتضادَّانِ ولكنَّ ثَمَّةَ لَوْناً غَيْرَ الأسودِ وغيرَ الأبيضِ؛ كالأحمرِ والأزرقِ مَثَلاً، فإذا وقَعَتْ بينَ اسميْنِ مُتضادَّيْنِ ولا واسطةَ بينَهما تَعَرَّفَتْ بالإضافةِ إلى المعرفةِ، ولك أنْ تَحْمِلَ آيةَ الفاتحةِ على هذا، وعلى ذلكَ يَكونُ:َيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} نَعْتاً للذينَ في قولِه تعالى: {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}. وتكونُ المعرفةُ قد وُصِفَتْ بالمعرفةِ, فإنْ جَرَيْتَ على القولِ بأنََّيْر) لا تَتَعَرَّفُ أصْلاً, لَزِمَكَ أنْ تجعَلَ {غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} بَدَلاً من قولِه: {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}. والنكرةُ تُبْدَلُ من المعرفةِ بدونِ تَنْكيرٍ، وأمَّا الآيةُ الأولى التي تَلاها المُؤلِّفُ– وهي قولُه سبحانَه: {صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}. فإن جَرَيْتَ على القولِ الأولِ؛ فإنََّيْرَ الَّذِي} يكونُ نَعْتاً كما قالَ المُؤلِّفُ، وإنْ جَرَيْتَ على القولِ الثاني القائلِ بتَعَرُّفِها مُطْلقاً,أو على القولِ الثالثِ, واعتبَرْتَ الذي كانوا يَعْمَلُونَه ضِدَّ ما قبلَه وهو {صَالِحاً}, وأنَهَّ ليسَ ثَمَّةَ نوعٌ ثالثٌ, كانََيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} بَدَلاً، لا نَعْتاً، فإنْ جَرَيْتَ على القولِ الثالثِ وزَعَمْتَ أنَّ ثَمَّةَ وَاسِطَةً كانََيْرَ الَّذِي} نَعْتاً.
ومن تقريرِ الكلامِ على الوَجْهِ الذي قُلْنَاهُ تُدْرِكُ أنَّ المُؤلِّفَ جَرَى في كلامِه على أنََّيْرَ) لا تَتَعَرَّفُ بالإضافةِ مُطْلقاً. أو زَعَمَ أنَّ ثَمَّةَ وَاسِطَةً.

([2]) سورة فاطرٍ، الآية: 37.

([3]) سورة الفاتحةِ، الآية:7.

([4]) حاصلُ ما أشارَ إليهِ المُؤلِّفُ أنَّه يَجِبُ نَصْبُ (غَيْر) في أربعِ مَسَائِلَ، وهي:
المسألةُ الأُولَى: أنْ يكُونَ الكلامُ تَامًّا مُوجَباً، نحوَ: "قَامَ القَوْمُ غَيْرَ زَيْدٍ". فهذا كلامٌ تَامٌّ قَدْ تَقدَّمَ فيهِ ذِكْرُ المُستثنَى منه، وهو مُوجَبٌ؛ لأنَّه ليسَ فيه نَفْيٌ, ولا شِبْهُ نَفْيٍ.
المسألةُ الثانيةُ: أنْ يكُونَ الاستثناءُ مُنقطعاً، ولا يُمكِنُ تسليطُ العاملِ على المُستثنَى نحوَ قولِكَ: "مَا نَفَعَ هَذَا المَالُ غَيْرَ الضَّرَرِ"؛ فإنَّ هذا استثناءٌ مُنقطِعٌ؛ لأنَّ المُستثنَى وهو الضَّرَرُ ليسَ من جنسِ المُستثنَى منه, وهو المالُ، ولا يُمْكِنُ تسليطُ العاملِ, وهو "نفَعَ" على المُستثنَى؛ إذ لا يُقالُ: "نَفَعَ الضَّرَرُ".
وهاتانِ المسألتانِ مِمَّا أجمَعَ عليهما أهلُ الحِجازِ وبَنُو تَمِيمٍ.
المسألةُ الثالثةُ: أنْ يكُونَ الاستثناءُ مُنقطِعاً، ويُمْكِنُ تسليطُ العاملِ على المُستثنَى، نحوَ قولِكَ: "مَا فِي الدَّارِ أحَدٌ غَيْرَ حِمَارٍ". فإنَّ هذا الاستثناءَ منقطِعٌ؛ لأنَّ المُستثنَى ليسَ من جنسِ المُستثنَى منه، ويمكنُ تسليطُ العاملِ على المُستثنَى، ووُجوبُ النصْبِ في هذهِ المسألةِ لُغةُ الحِجازيِّينَ، وبنو تميمٍ يُجِيزُونَ فيها الإتباعَ.
المسألةُ الرابعةُ: أنْ يَتقدَّمَ المُستثنَى على المُستثنَى منه، نحوُ قولِكَ: "مَا فِي الدارِ غَيْرَ زَيْدٍ أحَدٌ" ووجوبُ النصْبِ في هذه المسألةِ عندَ الأكثرِينَ, كما قالَ المُؤلِّفُ.

([5]) حاصلُ ما ذكَرَه المُؤلِّفُ أنَّه يَترَجَّحُ نصْبُ (غَيْر) في مسألتيْنِ:
المسألةُ الأُولَى: أنْ يَتقَدَّمَ المُستثنَى على المُستثنَى منه، نحوُ قولِكَ: "ما في الدارِ غيرَ زَيدٍ أحَدٌ". وتَرَجُّحُ النصبِ في هذهِ المسألةِ هو ما رآهُ الكُوفِيُّونَ والبَغْدادِيُّونَ، وقد رأَى أكثرُ النحاةِ أنَّ النصْبَ واجبٌ، كما قالَ في المسألةِ الرابعةِ من مسائلِ الوجوبِ.
المسألةُ الثانيةُ: أنْ يكُونَ الاستثناءُ مُنقطعاً ويمكنُ تسليطُ العاملِ على المُستثنَى، نحوَ قولِكَ: "مَا فِي الدَّارِ أحدٌ غَيْرَ حِمارٍ". وتَرجُّحُ النصْبِ في هذه المسألةِ هو لُغةُ تَميمٍ، فأمَّا الحِجَازِيُّونَ فيَجِبُ في لُغَتِهم النصِبُ, كما تَقَدَّمَ.

([6]) حاصلُ ما ذكَرَه المُؤلِّفُ أنَّه يَضْعُفُ نَصْبُ (غَيْر) في مسألةٍ واحدةٍ، وهي أنْ يكُونَ الكلامُ تَامًّا غيرَ مُوجَبٍ نحوَ قولِكَ: "ما حَضَرَ القومُ غَيْرُ زَيْدٍ". فهذا كلامٌ تَامٌّ؛لذكرِ المُستثنَى منه، وهو مَنْفِيٌّ، والاستثناءُ مُتَّصِلٌ؛ لأنَّ المُستثنَى من جِنْسِ المُستثنَى منه، فالراجِحُ فيه الإتباعُ، والنصْبُ على الاستثناءِ ضَعِيفٌ.

([7]) أشارَ المُؤلِّفُ في هذا الفصلِ إلى أنَّ للنحاةِ في (سِوَى) ثلاثةَ آرَاءٍ:
الرأْيُ الأولُ– وهو رَأْيُ الخليلِ بنِ أحمدَ وسِيبَوَيْهِ وجَمْهَرَةِ البصْرِيِّينَ – وحاصلُه أنَِّوَى) ظرفُ مَكانٍ، وأنَّها لا تخرُجُ عن الظرفيَّةِ، فإنْ جاءَ من كلامِ العربِ شَيْءٌ استُعْمِلَتْ فيهِ اسماً غَيْرَ ظَرْفٍ فهو مُؤَوَّلٌ أو ضرورةٌ من ضروراتِ الشِّعرِ، قالَ سِيبَوَيْهِ: (ومِمَّا يَنتصِبُ أيضاً: هذا سِوَاءَكَ، وهذا رجُلٌ سِواءَكَ، فهذا بمنزلِةِ مَكانَكَ، إذا جَعَلْتَه بمعنَى بَدَلَكَ، ولا يكونُ اسماً إِلاَّ في الشعرِ، قالَ بعضُ العربِ لَمَّا اضْطُرَّ في الشعرِ، جعَلَه بمنزلةِ غَيْر، وهو رجُلٌ من الأنصارِ:
ولا يَنْطِقُ الفَحْشَاءَ مَن كَانَ مِنْهُمُ إِذَا جَلَسُوا مِنَّا وَلاَ مِن سِوَائِنَا
وقالَ الأعلمُ في شرحِ هذا الشاهدِ: (أَرَادَ غَيْرَنا، فوَضْعُ"سِوَاء" مَوْضِعَ"غَيْر" ضرورةٌ، وكانَ يَنْبَغِي ألاَّ يُدْخِلَ "مِن" عليها؛ لأنَّها لا تُسْتعمَلُ في الكلامِ إِلاَّ ظرفاً، ولكنَّه جعَلَه بمنزلةِ"غَيْر" في دخولِ"مِن" عليها؛ لأنَّ معناها كمعناها). اهـ.
الرأْيُ الثاني – وهو رَأْيُ الرمانيِّ وأبي البَقَاءِ العُكْبَرِيِّ – وحاصِلُه أنَِّوَى) تُستعمَلُ ظرفاً منصوباً على الظرفيَّةِ، وتُستعمَلُ اسْماً غيرَ ظَرْفٍ، إِلاَّ أنَّ استعمالَها ظرفاً أكثرُ من استعمالِها غيرَ ظَرْفٍ. وقد ارتَضَى المُؤلِّفُ هذا الرأْيَ؛ ولذلك تَرَاهُ يَقولُ: (وإِلَى مَذْهَبِهِمَا اذْهَبِ).
الرأْيُ الثالثِ– وهو رأْيُ جمهورِ الكُوفِيِّينَ، وتَبِعَهم ابنُ مالكٍ– وحاصلُه أنَِّوَى) تُستعمَلُ ظرفاً، وتُستعمَلُ اسماً غيرَ ظَرْفٍ، وأنَّ الاستعماليْنِ سَوَاءٌ، ليسَ أحَدُهما أكثرَ من الثاني، وليسَ أحدُهما ضرورةً ولا خَاصًّا بالشعرِ، واستَدَلَّ هؤلاءِ بثلاثةِ أدِلَّةٍ:
الأولُ: أنَّ أهلَ اللغةِ قد أجْمَعوا على أنَّ قولَ القائلِ: "قَاموا سِواكَ". وقولَه: "قَاموا غَيْرَكَ" بمعنًى واحدٍ.
الثاني: أنَّه لم يَقُلْ وَاحِدٌ من أهلِ اللُّغَةِ أنَّ سِوَى عبارةٌ عن مكانٍ أو زمانٍ، حتى تَكُونَ ظرفاً، وإنَّما تَأَوَّلَها البصْرِيُّونَ بمعنَى بَدَلَكَ، ثم جَعَلوا "بَدَلَكَ" بمعنَى "مَكانَكَ", فحَكَموا بمُقْتَضَى هذا التأويلِ عليها بأنَّها ظرفٌ.
الثالِثُ: أنَّ الواقعَ في كلامِ العربِ نَثْراً ونَظْماً في عددٍ عديدٍ من الشواهدِ يخالِفُ ملازمتَها للنصبِ على الظرفيَّةِ، فقدْ جاءَتْ مجرورةً بحرفِ الجرِّ، ومَجْرورةً بالإضافةِ, وقد وقَعَتْ مرفوعةً بالابتداءِ، ومرفوعةًعلى الفاعليَّةِ، وجاءَتْ معمولةً لنواسخِ الابتداءِ، ووقعَتْ في غيرِ ذلك من مواقعِ الإعرابِ.
فمِن وُقوعِها مجرورةً بحرفِ الجرِّ قولُه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((مَا أَنْتُمْ فِي سِوَاكُمْ مِنَ الأُمَمِ إِلاَّ كَالشَّعَرَةِ البَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الأَسْوَدِ)). وقولُه صلواتُ اللهِ وسَلامُه عليه: ((دَعَوْتُ رَبِّي أَلاَّ يُسَلِّطَ عَلَى أُمَّتِى عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهَا)). ومن ذلك قولُ المَرَّارِ العُقَيليِّ:
وَلاَ يَنْطِقُ الفَحْشَاءَ مَن كَانَ مِنْهُمُ = إِذَا جَلَسُوا مِنَّا وَلاَ مِنْ سِوَائِنَا
ومن ذلك قولُ الأعْشَى:
تَجَانَفُ عن جَوِّ اليَمامةِ نَاقَتِي = ومَا قَصَدَتْ مِن أهْلِهَا لسِوَائِكَا
ومِن وُقوعِها مَجْرورةً بالإضافةِ قولُ الشاعرِ:
فَإِنَّنِي وَالَّذِي يَحُجُّ لَهُ الـ = ـنَّاسُ بِجَدْوَى سِوَاكَ لَمْ أَثِقِ
ومن وُقوعِها مرفوعةً بالابتداءِ قولُ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ مَسْلَمَةَ – وهو من شُعراءِ الحماسةِ:
وإِذَا تُبَاعُ كَرِيمَةٌ أَوْ تُشْتَرَى = فسِوَاكَ بَائِعُها وأنتَ المُشْتَرِي
ومن وُقوعِها مرفوعةً على الفاعليَّةِ قولُ الفِنْدِ الزِّمَّانِيِّ – وهو من شعراءِ الحماسةِ أيضاً:
ولَمْ يَبْقَ سِوَى العُدْوَا = نِ دِنَّاهُمْ كَمَا دَانُوا
ومن وُقوعِها مَعمولةً لنواسخِ الابتداءِ قولُ الشاعرِ:
لَدَيْكَ كَفِيلٌ بالمُنَى لمُؤَمَّلٍ = وإِنَّ سِوَاكَ مَنْ يُؤَمِّلُهُ يَشْقَى
وقولُ أبي دَهْبَلٍ الجُمَحِيِّ:
أَأَتْرُكُ لَيْلَى لَيْسَ بَيْنِي وبينَها = سِوَى ليلةٍ؟ إِنِّي إذاً لصَبُورُ
وسنذكُرُ لك شاهداً وقَعَتْ فيه مَفْعولاً معَ شَرْحِ الشاهدِ 266.
ويقولُ ابنُ مَالِكٍ في كتابِه (الكافيةِ الشافيةِ) الذي لَخَّصَه في الألفيَّةِ:
سِوَى كغَيْرٍ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرْ = وَعَدُّهُ مِنَ الظُّرُوفِ مُشْتَهِرْ
ومَانِعٌ تَصْرِيفَهُ مَنْ عَدَّهُ = ظَرْفاً وذَا القولُ الدليلُ رَدَّهُ
فإنَّ إسْناداً إِلَيْهَا كَثُرَا = وجَرُّها نَثْراً ونَظْماً شُهِرَا
وقالَ في شرحِ هذهِ الأبياتِ: (سِوَى المشارُ إليهِ اسمٌ يُسْتَثْنَى به، ويُجَرُّ ما يُسْتثنَى بهِ للإضافةِ إليه، ويُعْرَبُ= هو تقديراً بما يُعْرَبُ بهِ"غَيْرُ" لَفْظاً، خِلافاً لأكثرِ البصْرِيِّينَ في ادِّعاءِ لُزومِها النصْبَ على الظرفيَّةِ وعَدَمِ التصَرُّفِ، وإنَّما اختَرْتُ خلافَ ما ذَهَبوا إليهِ؛ لأمريْنِ: أحَدُهما: إجماعُ أهلِ اللغةِ على أنَّ معنَى قولِ القائلِ: قَامُوا سِوَاكَ, وقَامُوا غَيْرَكَ. واحدٌ، وأنَّه لا أحَدٌ منهم يقولُ: إنَّ سِوَى عبارةٌ عن مكانٍ أو زمانٍ، وما لا يدُلُّ على مكانٍ أو زَمانٍ فبمَعْزِلٍ عن الظرفيَّةِ.
والثاني: أنَّ مَن حكَمَ بظرفيَّتِها حكَمَ بلزومِ ذلك، وأنَّها لا تَتصرَّفُ، والواقِعُ في كلامِ العربِ نَثْراً ونَظْماً خِلافُ ذلك؛ فإنَّها قد أُضيفَتْ إليها، وابْتُدِئَ بها، وعَمِلَ فيها نواسِخُ الابتداءِ وغيرُها من العواملِ اللفظيَّةِ). اهـ، المقصودُ منه.
وبعدُ، فإنَّ كَثْرَةَ هذهِ الشواهدِ، وتأثُّرَ (سِوَى) فيها وفي كثيرٍ من أمثالِها بالعواملِ المختلفةِ لا يَبْقَى معَه مَحلٌّ لادِّعاءِ عَدَمِ تَصرُّفِها ولُزومِها للظرفيَّةِ، ومن أجْلِ هذا كانَ ما ذهَبَ إليه الكُوفِيُّونَ وارتضاهُ ابنُ مالكٍ في هذهِ المسألةِ هو القولُ الخليقُ بأنْ نَأْخُذَ به، وإنْ خالَفَ ما ذهَبَ إليه الخليلُ بنُأحمدَ وشَيخُ نحاةِ أهلِ البَصْرةِ سِيبَوَيْهِ، فإِنَّا نَتحدَّثُ عن لغةِ العربِ التي نَطَقَتْ بها ألسنتُهم في مُختلِفِ عصورِهم، فلا تَغْفُلْ عن ذلك، واللهُ يَتولاَّكَ بتأيِيدِه.

([8]) 265-هذا الشاهدُ مِن كلامِ الفِنْدِ الزِّمَّانِيِّ – بكسرِ الزايِ وتَشديدِالميمِ مَفْتوحةً– واسمُه شَهْلُ بنُ شَيْبَانَ, وشَهْلٌ وشَيْبَانُ كِلاهما بالشِّينِ المُعْجمةِ، وهو من شعراءِ الحماسةِ.
اللغةُ: (العُدْوانِ) بضَمِّ العينِ وسكونِ الدالِ– الظُّلْمُ، تقولُ: عَدَا يَعْدُو، واعْتَدَى يَعْتَدِي: إذا جاوزَ الحَدَّ فجارَ وظَلَمَ, (دِنَّاهُمْ) جَازَيْناهم وفَعَلْنا بهم مثلَ ما فعَلُوا بنا، وقالوا: كما تَدِينُ تُدانُ. وهم يُرِيدونَ: كما تَفْعَلُ يُفْعَلُ بك، وكما تَفْعَلُ تُجازَى به.
الإعرابُ: (لَمْ) حرفُ نفيٍ وجزمٍ وقلبٍ مَبنِيٌّ على السُّكونِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ,َبْقَ) فعلٌ مضارعٌ مَجْزومٌ بلَمْ, وعلامةُ جَزْمِه حَذْفُ الألفِ, والفتحةُ قَبْلَها دَلِيلٌ عليها,ِوَى) فاعِلُ يَبْقَ مَرْفوعٌ بضمَّةٍ مُقدَّرَةٍ على الألفِ منَعَ من ظُهورِها التعَذُّرُ، وسِوَى مُضافٌ, و(العُدْوانِ) مضافٌ إليه مَجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ,ِنَّاهُمْ) دَانَ: فعلٌ ماضٍ مَبنِيٌّ على فَتْحٍ مُقَدَّرٍ على آخرِه لا مَحلَّ له من الإعرابِ، ونا: فاعلُه وهو ضميرُ المُتكَلِّمِ ومعَه غيرُه, مَبنِيٌّ على السُّكونِ في مَحلِّ رفعٍ، وضميرُ الغائِبِينَ العائِدُ على بَنِي ذهلٍ المَذْكورِينَ في بيتٍ سَابِقٍ على بيتِ الشاهدِ مَفعولٌ بهِ لدانَ, مَبنِيٌّ على السُّكونِ في مَحلِّ نَصْبٍ, (كما) الكافُ حرفُ جَرٍّ مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، وما: حرفٌ مَصْدَرِيٌّ مَبنِيٌّ على السُّكونِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ,َانُوا) دانَ: فعلٌ ماضٍ، وواوُ الجماعةِ فَاعِلُه مَبنِيٌّ على السُّكونِ في مَحلِّ رفعٍ، و"ما" المصدريَّةُ معَ مَدْخولِها في تأويلِ مَصدرٍ مَجرورٍ مُتعلِّقٍ بمحذوفٍ لمصدرٍ يَقَعُ مفعولاً مُطْلقاً, عاملُه قولُهم: دِنَّاهُم، وتقديرُ الكلامِ: دِنَّاهم دَيْناً مُماثِلاً لدَيْنِهم إِيَّانَا، وجملةُِنَّاهم) لا مَحلَّ لها من الإعرابِ, جَوابَُمَّا) المذكورةِ في بيتٍ قبلَ بيتِ الشاهدِ.
وإليكَ بيتيْنِ من أولِ القطعةِ التي منها بيتُ الشاهدِ, على ما رواه أبو تَمَّامٍ في الحَماسةِ:
صَفَحْنَا عَنْ بَنِي ذُهْلٍ = وقُلْنَا القَوْمُ إِخْوَانُ
فَلَمَّا صَرَّحَ الشَّرُّ = وأمْسَى وَهْوَ عُرْيَانُ
الشاهدُ فيه قولُه: (ولَمْ يَبْقَ سِوَى العُدْوانِ) حيثُ أوقَعَ (سِوَى) فاعلاً لقولِه: (يَبْقَ). وهذا عندَ جمهورِ البصْرِيِّينَ ضرورةٌ لا تقَعُ إلاَّ في الشعرِ، وهو عندَ جمهورِ الكُوفِيِّينَ جائِزٌ في سَعَةِ الكلامِ غيرُمُختصٍّ بالشِّعْرِ، ومَذهَبُ الكُوفِيِّينَ في هذهِ المسألةِ أرْجَحُ؛ لورودِها كما قالوا في كثيرٍ من الشواهدِ نَثْرا ونَظْماً، وقد ذَكَرْنا منها جملةً صَالِحةً في البَحْثِ الذي ذَكَرْنا فيهِ أقوالَ النحاةِ فيها، وسنذْكُرُ لك شاهداً منها في شرحِ الشاهدِ 266 الآتي.

([9]) ذكَرَ المُؤلِّفُ في مَرْجِعِ الضميرِ المستتِرِ وجوباً في ليسَ ولا يكونُ قوليْنِ للنحاةِ، ولم يُبَيِّنْ قَائِلُ كُلُّ وَاحِدٍ منهما، وترَكَ قولاً ثَالِثاً، ونحنُ نذكُرُ لك الأقوالَ مَنْسوبةً إلى قائِلِيها، وما يَرِدُ على كلِّ قولٍ منها: فنَقولُ:
القولُ الأولُ: أنَّ هذا الضميرَ عائدٌ على اسمِ فاعلِ الفعلِ العاملِ في المُستثنَى منه، وهذا قولُ سِيبَوَيْهِ، وبيانُ ذلك أنَّكَ حينَ تَقولُ: "جاءَ القومُ ليسَ زَيْداً". يَكونُ تقديرُ الكلامِ: جاءَ القَوْمُ لَيْسَ هُوَ – أي: الجَائِي – زيداً. واعتُرِضَ على هذا القولِ باعتراضاتٍ، أوضَحُها أنَّه قدْ لا يكونُ في الكلامِ السابقِ على المُستثنَى فعلٌ, كما لو قُلْتَ: "القومُ إخوتُكَ ليسَ زَيْداً". فمِن أينَ لنا أنْ نَشْتَقَّ اسمَ الفاعلِ الذي عَوْدُ الضميرِ عليه؟ وأجابَ بعضُ مَن يَنْتَصِرُ لسِيبَوَيْهِ بأنَّا نَتصيَّدُ من معنَى الكلامِ السابقِ فِعْلاً, ونجعَلُ اسمَ فاعلِ هذا الفعلِ المُتصيَّدِ مَرْجِعَ الضميرِ، ففي المثالِ المذكورِ نُقَدِّرُ أنَّ الكلامَ: القَوْمُ يَتَّصِفونَ بأخوتِكَ ليسَ زَيٍداً، ونُقَدِّرُ مَرجِعَ الضميرِ: ليسَ هو, (أي: المُتَّصِفُ بهذهِ الأخوةِ) زَيْداً.
والقولُ الثاني: أنَّ هذا الضميرَ عائدٌ على البعضِ المدلولِ عليه بكُلِّه السابقِ، وهذا رأْيُ جَمهرةِ البصْرِيِّينَ، فتقديرُ"جاءَ القومُ ليسَ زَيْداً": ليسَ هو-"أي: بَعْضُ القومِ- زَيْداً, ومعنَى هذا أنَّكَ نَفَيْتَ أنْ يكُونَ بعضُ القومِ زَيْداً، أي: أنَّ بعضَ القومِ مَن عَدَا زَيْداً، فتكونَ قد أطْلَقْتَ لفظَ البعضِ على الجميعِ إِلاَّ واحداً، وليسَ من المعهودِ إطلاقُ لفظِ البعضِ على الكلِّ إِلاَّ وَاحِداً.
القولُ الثالِثُ: أنَّ الضميرَ يَعودُ إلى مصدرِ الفعلِ السابقِ، بعدَ أنْ تُقَدِّرَ المُستثنَى كانَ مضافاً لمصدرٍ مثلِه، وهذا رَأْيُ الكُوفِيِّينَ، فيكونَ تَقْدِيرُ قولِكَ: "جاءَ القومُ ليسَ زَيْداً": ليسَ المَجِيءُ مَجِيءَ زَيْدٍ، واعتُرِضَ على هذا القولِ باعتراضيْنِ: أوَّلُهما: أنَّه قد لا يكونُ في الكلامِ السابقِ فِعْلٌ، وقد عَرَفْتَ جوابَه في الكلامِ على قولِ سِيبَوَيْهِ، وثانيهما: أنَّ في هذا التقديرِ مُضافاً مَحْذوفاً لم يُلْفَظْ به في كلامٍ قَطُّ.

([10]) سورة النساءِ، الآية:11.

([11]) صَدْرُ هذه الآيةِ الكريمةِ قولُه تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ}. وهذا اللفظُ الكريمُ شَامِلٌ للذكورِ والإناثِ من الأولادِ، أمَّا أوَّلاً؛ فلأنَّ لفظَ الوَلَدِ يَشمَلُ الذكرَ والأنثى لغةً، وأمَّا ثانياً؛ فلأنَّه سبحانَه يَقولُ بعدَ ذلك:ِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ}. فيكونُ قولُه جَلَّ ذِكْرُه: {أَوْلادِكُمْ} معناه الذكورُ والإناثُ، وقولُه سبحانَه بعدَ ذلكَ:َإِنْ كُنَّ نِسَاءً} تعودُ النونُ مِن {كُنَّ} على بعضِ مَن تَقدَّمَ ذِكْرُه في صدرِ الآيةِ، وكأنَّه قِيلَ: فإنْ كُنَّ- أي: الإناثُ مِن أولادِكُمْ- نِسَاءً، فهذا وَجْهث تشبيهِ القولِ بأنَّ مَرْجِعَ الضميرِ المُستتِرِ في "ليسَ" و"لا يكونُ" هو البعضُ المفهومُ من الكلِّ السابقِ بهذهِ الآيةِ.
فإنْ قالَ قَائِلٌ: فإِنِّي لا أجِدُ فائدةً في قولِ القائلِ: فإِنْ كُنَّ الإناثُ نِسَاءً؛ لأنَّه لا يَكونُ النِّساءُ إلاَّ إناثاً.
فالجوابُ على هذا بأنَّ الفائدةَ لم تَتِمَّ عندَ قولِه: {نِسَاءً}. وإنَّما تَمَّتْ بما ذُكِرَ بعدَه من الظرفِ, وهو قولُه جَلَّ ذِكْرُه: {فَوْقَ اثْنَتَيْنِ}. وإنَّما ذُكِرَ قولُه: {نِسَاءً} تَوْطِئَةً وتمهيداً لذكْرِ هذا الوصفِ، وليسَ في ذلك شيءٌ غريبٌ، فإنَّ التمهيدَ والتوطِئَةَ المُشارَ إليها تَجْرِي كثيراً في بابِ الخَبَرِ وفي بابِ النعتِ وفي بابِ الحالِ.
ومن جريانِ التَّوْطِئَةِ في بابِ الخَبَرِ – سِوَى هذهِ الآيةِ– قولُه تعالى: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}. ومِن مَجيئِها في بابِ الحالِ قولُه تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}. وقولُه جَلَّتْ كَلِمَتُه:َكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيًّا}. وقولُه سبحانَه: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ}. والنحاةُ يُسَمُّونَ هذهِ الحالَ (الحالَ المُوَطِّئَةَ).

([12]) على أنَّ جملةَ الاستثناءِ حالَيكونُ تَقْدِيرُ الكلامِ: جَاؤُوا مُجاوِزِينَ زَيْداً، وقد اعتَرَضوا على اعتبارِ جملةِ:َيْسَ زَيْداً", وجملةِ:"لا يَكُونُ زَيْداً" حَالاً من المُستثنَى منه بأنَّه ليسَ بينَ هاتيْنِ الجملتيْنِ والمُستثنَى منه رَابِطٌ مِمَّا يَرْبِطُ جملةَ الحالِ بصَاحِبِها, وهو الضميرُ، أو الواوُ، أو هما مَعاً؛ لأنَّ الضميرَ المُستتِرَ في كلٍّ مِن "لَيْسَ" و"لا يكونُ" لا يعودُ على المُستثنَى منه، بل مَرْجِعُه إمَّا البعضُ, وإِمَّا اسمُ الفاعلِ, وإمَّا المصدرُ, كما عَلِمْتَ، فكيفَ صَحَّ جَعْلُ هذهِ الجملةِ حَالاً من غيرِ رَابِطٍ؟ كما اعتُرِضَ على هذا القولِ بأنَّ المُستثنَى منه قدْ يَكُونُ نَكِرَةً كما لو قُلْتَ:َقِيتُ رِجَالاً لَيْسَ زَيْداً". فكيفَ تكونُ حالاً من النكرةِ من غيرِ مُسَوِّغٍ؟ كما اعتُرِضَ على هذا القولِ بأنَّ"ليسَ" فعلٌ ماضٍ عندَ البصْرِيِّينَ، وهم يَشترِطونَ في الجملةِ الفعليَّةِ التي فعلُها ماضٍ إذا وقعَتْ حالاً, أنْ تكُونَ مُقترِنةً بـ"قدْ" لَفْظاً أو تُقَدَّرُ قبلَها "قدْ"، ولم يَجِدِ العلماءُ مَفَرًّا من أنْ يُسَلِّموا أنَّ هذه الاعتراضاتِ واردةٌ على القولِ بأنَّ الجملةَ حالٌ، ثم يَقولونَ: إنَّ هذهِالجملةَ بخصوصِها مُستثناةٌ من هذه الأحكامِ.

([13]) 266-هذا بيتٌ من الوافرِ، ولم يَتَيَسَّرْ لِيَ الوقوفُ على نسبةِ هذا الشاهدِ لقائلٍ مُعيَّنٍ، وقد أنْشَدوا قبلَ هذا البيتِ قولَه:
تَرَكْنَا فِي الحَضِيضِ بَنَاتِ عُوجٍ = عَوَاكِفَ قَدْ خَضَعْنَ إِلَى النُّسُورِ
ومنه يَتبيَّنُ لك أنَّ قَوَافِيَ الأبياتِ مجرورةٌ.
اللغةُ: "الحَضِيضِ" القَرارُ من الأرضِ عندَ منقطعِ الجَبَلِ، والحضيضُ أيضاً: الأرضُ، وفي الحديثِ أنَّه أُهْدِيَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ هَديَّةٌ فلم يَجِدْ شيئاً يَضَعَها عليهِ فقالَ: ((ضَعْهُ بِالْحَضِيضِ، فإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ)). يريدُ ضَعْهُ على الأرضِ,َنَاتِ عُوجٍ" يُرِيدُ أفراساً كريماتِ الأصولِ غيرَ مُهَجَّناتٍ، وعُوجٍ: جَمْعُ أعْوَجَ، وأعَوْجُ: أصلُه صِفَةٌ من العِوَجِ، وقدْ سُمِّي بها فَرَسٌ لم يكُنْ في خيلِ العربِ فَحَلٌ أشهَرُ منه ولا أكثرُ نَسْلاً، قالَ الأصْمَعِيُّ: كانَ لبَنِي آكلِ المُرَارِ ثم صَارَ لبَنِي هلالِ بنِ عَامِرٍ. وقالَ أبو عُبَيْدَةَ: كانَ لبني كِندةَ فأخذَتْه بنو سُلَيْمٍ في بعضِ أيَّامِهم, فصارَ إلى بني هِلالٍ. والقولانِ متقاربانِ؛ فإنَّ بَنِي آكلِ المُرَارِ من كِنْدةَ، وسُمِّيَ أعْوَجَ؛ لِمَا قالَ ابنُ سِيدَهْ: أعْوَجُ فَرَسٌ سَابِقٌ رُكِبَ صَغِيراً فاعوَجَّتْ قَوائِمُه، والخيلُ الأعوجِيَّةُ منسوبةٌ إليه، ويقالُ: خَيْلٌ أَعْوجِيَّةٌ، وخيلٌ أعْوجِيَّاتٌ، وبناتُ أعْوَجَ.َضَعْنَ" ذَلِلْنَ وخَشَعْنَ, (النُّسُورِ) جمعُ نَسْرٍ, (أبَحْنَا) يُرِيدُ أهْلَكْنَا واستأصَلْنا (حَيَّهُم) الحَيُّ: القبيلةُ, (أسْراً) هو أنْ يأخُذَ الرجلُ الرجلَ في الحربِ، والرجلُ أَسِيرٌ وجَمْعُه أَسْرَى وأُسَارَى, (الشَّمْطاء)ِ المرأةُ التي خَالَطَ البَياضُ سَوادَ شَعَرِها، والرجُلُ أشْمَطُ, (والطفلِ) هو الصبيُّ الذي لا يَزالُ في حدودِ الرَّضاعِ، ثم هو فَطِيمٌ.
الإعرابُ: (أبَحْنَا) أباحَ: فعلٌ ماضٍ مَبنِيٌّ على فتحٍ مُقدَّرٍ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، ونا: فَاعِلُه، وهو ضميرٌ مَبنِيٌّ على السُّكونِ في مَحلِّ رفعٍ, (حَيَّهُمْ) حَيَّ: مفعولٌ به لأباحَ منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، وهو مضافٌ, وضميرُ الغائِبِينَ مضافٌ إليه مَبنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ جَرٍّ, (قَتْلاً) تَمْيِيزٌ منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ, (وأسْراً) الواوُ حرفُ عطفٍ مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، أسْراً: مَعْطوفٌ على قولِه: قَتْلاً. منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ, (عدا) حرفُ جَرٍّ دالٌّ على الاستثناءِ مَبنِيٌّ على السُّكونِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ, (الشَّمْطاءِ) مجرورٌ بَعَدَا، وعلامةُ جَرِّه الكسرةُ الظاهرةُ, (والطفلِ) الواوُ حرفُ عطفٍ، الطفلِ: معطوفٌ على الشمطاءِ والمعطوفُ على المجرورِ مجرورٌ وعلامةُ جَرِّه الكسرةُ الظَّاهِرَةُ, (الصَّغِيرِ) صِفَةٌ للطفلِ وصِفَةُ المجرورِ مجرورةٌ, وعلامةُ الجَرِّ الكسرةُ الظاهرةُ.
الشاهدُ فيه قولُه: (عَدَا الشَّمْطَاءِ). حيثُ جَرَّ الاسمَ الواقِعَ بعدََدَا) على أنَّه حرفُ جَرٍّ.
وشاهدُ وُرُودَِلاَ) حَرْفَ جَرٍّ قولُ الآخرِ: (ولَمْ أقِفْ على اسمِه):
خَلاَ اللهِ لاَ أَرْجُو سِوَاكَ، وإِنَّمَا = أعُدُّ عِيَالِي شُعْبَةً مِن عِيَالِكَا
وفي هذا البيتِ ثلاثةُ أدلَّةٍ في بابِ الاستثناءِ:
الأولُ: الجَرُّ بـ "خَلاَ"، وقدْ نقَلَ قومٌ أنَّ سِيبَوَيْهِ لم يَحْفَظِ الجرَّ بـ "خَلاَ"، وهو نقْلٌ غيرُ صحيحٍ، فقدْ ذكَرَ سِيبَوَيْهِ الجرَّ بـ "خَلاَ" في كتابِه؛ حيثُ يَقولُ (1/377): (وأمَّا حَاشَا فليسَ باسْمٍ، ولكنَّه حرفُ جَرٍّ, يَجُرُّ ما بعدَه كما تَجُرُّ حتى مَا بعدَها، وفيهِ معنَى الاستثناءِ، وبعضُ العَرَبِ يقولُ: ما أتَانِي القَوْمُ خَلاَ عَبْدِ اللهِ."بالجَرِّ" فجَعَلوا خَلاَ بمنزلةِ حَاشَا، فإذا قُلْتَ: ما خَلاَ. فليسَ فيه إِلاَّ النصْبُ؛ لأنَّ ما اسْمٌ، ولا تَكُونُ صِلَتُها إلاَّ الفعلَ هنا، وهي التي في قولِكَ: تَفْعَلُ مَا فَعَلْتَ. ألاَ تَرَى أنَّكَ لو قُلْتَ: أَتَوْنِي مَا حَاشَا زَيْداً. لم يكُنْ كلاماً) اهـ. بحروفِه.
والثاني: مَجِيءُِوَى" مفعولاً به، فيدُلُّ على أنَّ سِوَى تخرُجُ عن الظرفيَّةِ، وهو الشاهدُ الذي نَبَّهْنَاكَ إليهِ سَابِقاً (ص246).
والثالثُ: وُقوعُ الاستثناءِ في أوَّلِ الكلامِ، وتأخُّرُ أركانِ الجملةِ التي يُسْتثنَى من شيءٍ فيها، ألا تَرَى أنَّه قَدَّمَ (خَلا اللهِ) وهو الاستثناءُ– على (لا أَرْجُو سِوَاكَ) وهو أصْلُ الكلامِ الذي يُسْتثنَى منه، وهذا غيرُ تَقديمِ المُستثنَى على المُستثنَى منه وحدَه، وقد ذَكَرْنا لك في صُوَرِ تقديمِ المُستثنَى (ص234) أنَّ هذهِ الصورةَ قد اختَلَفَ الكُوفِيُّونَ والبصْرِيُّونَ في جوازِها، فذهَبَ الكُوفِيُّونَ إلى أنَّه يَجوزُ تقديمُ حرفِ الاستثناءِ أولَ الكلامِ نحوَ قولِكَ: "إِلاَّ طَعَامَكَ ما أكَلَ زَيْدٌ". ونحوَ: "إِلاَّ زَيْداً مَا حَضَرَ القومُ", ونحوَ: "إِلاَّ زَيْداً أكْرَمْتُ القومَ", وأنَّهم استَدَلُّوا على ذلكَ بالسماعِ كما في هذا البيتِ الشاهدِ، وبالقياسِ على تقديمِ المُستثنَى على المُستثنَى منه في نحوِ:َا لِي إِلاَّ مَذْهَبَ الحَقِّ مَذْهَبُ", ونحوِ: "أكْرَمْتُ إِلاَّ زيداً القومَ", وذهَبَ البصْرِيُّونَ إلى أنَّه لا يجوزُ أنْ يقَعَ الاستثناءُ في أولِ الكلامِ بحيثُ يَتقدَّمُ على المُستثنَى منه وعلى العاملِ فيه جميعاً، واستَدَلُّوا على ذلك بضُروبٍ من القياسِ والتعليلِ، وزَعَموا أنَّ ما تَمسَّكَ به الكُوفِيُّونَ من الشواهدِ مُؤَوَّلٌ أو شاذٌّ يُحْفَظُ ولا يُقاسُ عليه، ثم ارجِعْ إلى هذا البحثِ فيما سلَفَ أولَ هذا البابِ (ص234 وما بعدَها).

([14]) حاصِلُ هذا الكلامِ أنَّ النحاةَ اتَّفَقوا على أنَّ مَحلَّ"عدَا" ومجرورِها نصبٌ, ومَحَلَّ "خَلاَ" ومَجْرورِها نصبٌ أيضاً، واخْتَلَفوا في عاملِ النصبِ فيهما، فقالَ قومٌ: العاملُ في مَحَلِّهما النصْبُ, هو الجملةُ التي تَسْبِقُهما، حقيقةً أو تقديراً، سواءٌ أكانَتِ الجُملةُ فِعليَّةً نحوَ قولِكَ: "حضَرَ القَوْمُ عَدَا زَيْدٍ، وخلا زيدٍ". أم كانتِ الجملةُ اسميَّةً نحوَ قولِكَ: "القَوْمُ إخوتُكَ عَدَا زَيْدٍ، وخلا زيدٍ".
فإنْ قُلْتَ: فكيفَ تَكونُ الجملةُ عَامِلَةً؟.
فالجوابُ عن ذلك أنْ نَقولَ لكَ: لقد سَمِعْتَ في أولِ بابِ الاستثناءِ أنَّ من النحاةِ مَن قالَ: إنَّ ناصِبَ المُستثنَى بعدَ إِلاَّ هو تمامُ الكلامِ، وستسمَعُ مثلَ ذلك في بابِ التمييزِ عندَ القولِ على ناصبِ تمييزِ النسبةِ: إنَّه انتصَبَ عن تمامِ الكلامِ، فمعنَى قولِهم: (مَنْصوبٌ عَن تَمامِ الكلامِ) أنَّ الناصِبَ له هو الجملةُ المُتقدِّمَةُ عليه.
والقولُ الثاني: أنَّ الناصِبَ له هو الفِعْلُ المُتقَدِّمُ في نحوِ قولِكَ: "حضَرَ القومُ عَدَا زَيْدٍ، وخَلاَ زَيْدٍ" فيَكونُ الجارُّ والمجرورُ في مَحَلِّ نَصْبٍ بذلك الفعلِ المُتقدِّمِ، أي: أنَّهما في موضِعِ المفعولِ به؛ كما تَقولُ ذلك في قولِِكَ: "مَرَرْتُ بزَيْدٍ" لَمَّا كانَ الفعلُ لا يَتعدَّى إلى المفعولِ بهِ بنفسِه عَدَّيْتَه بحرفِ الجَرِّ.
وقد اختارَ ابنُ هشامٍ في كتابِه (مُغْنِي اللبيبِ) القولَ الأولَ من هذيْنِ القوليْنِ، وعَلَّلَ اختيارَه بأمريْنِ: أَوَّلُهما أنَّه مُطَّرِدٌ، بخِلافِ القولِ الثاني؛ فإنَّه ليسَ مُطَّرِداً؛ لجوازِ ألاَّ يَكونَ في الكلامِ السابِقِ فعلٌ أَصْلاً، نحوَ قولِكَ: "هؤلاءِ القومُ كِرَامٌ عَدَا زَيْدٍ، وخَلا زَيْدٍ".
وثانيهما: أنَّ حَرْفَ الجرِّ الذي يُوصِلُ معنَى الفعلِ إلى الاسمِ هو الذي يَنْتصِبُ بالفعلِ السابقِ عليه، أمَّا حَرْفُ الجرِّ الذي لا يُوصِلُ معنى الفعلِ السابقِ عن الاسمِ، فلا يَنبغِي أنْ يكُونَ الجارُّ والمجرورُ مَنْصوباً بذلك الفعلِ.
وقدْ بَيَّنَّا لكَ فيما سَبَقَ ضَعْفَ هذيْنِ الوجهيْنِ من وجْهِ الاعتراضِ، فلا يَنْبَغِي أنْ تَأْخُذَ بما يَسْتتبِعانِه.

([15]) أمَّا أنَّهما فعلانِ فلتَقَدُّمِ "ما" المَصْدريَّةِ عليهما، وهي لا تُوصَلُ إلاَّ بالأفعالِ، وأمَّا أنَّهما جامدانِ؛ فلأنَّهما موضوعانِ في موضعِ الحرفِ الذي هو إِلاَّ، والفعلُ إذا وقَعَ موقِعَ الحرفِ يَصِيرُ جَامِداً, كما أنَّ الاسمَ إذا وقَعَ موقِعَ الحرفِ يُبْنَى، وأمَّا أنَّهما يَنْصِبانِ ما بعدَهما على أنَّه مفعولٌ بهِ, فذلك ظاهرٌ بالنظرِ إلى عَدَا؛ لأنه مُتَعَدٍّ قبلَ الاستثناءِ؛ إذْ تقولُ: (عَدَا فلانٌ طَوْرَه). وأما بالنظَرِ إلى خَلاَ؛ فلأنَّه عندَ الاستثناءِ ضَمَّنُوه معنَى جَاوَزَ فصَارَ مُتعَدِّياً بعدَ أنْ كانَ قَاصِراً، فاعْرِفْ ذلك.

([16]) 267-هذا الشاهدُ من كلامِ لَبِيدِ بنِ رَبِيعَةَ العامريِّ، وهذا الذي ذَكَرَه المُؤلِّفُ صَدْرُ بيتٍ من الطويلِ، وعَجُزُه قولُه:
*وكُلُّ نَعِيمٍ لا مَحَالَةَ زَائِلُ*
اللغةُ: (مَا خَلاَ اللهَ) أي: ما عَداهُ ومَا جَاوَزَه سبحانَه (بَاطِلٌ) لا أصْلَ له ولا حقيقةَ,"نعيمٍ" ما يَتَلَذَّذُ به الإنسانُ ويَجِدُ فيه نِعْمةً ورَاحةَ بالٍ، وسُمِّي بذلك؛ لأنَّ الأصلَ في هذهِ المادَّةِ النُّعومةُ، كما سَمَّوا شَظَفَ العيشِ وصُعوبتَه من ضِدِّ هذهِ المَادَّةِ فقالوا: هذا عَيْشٌ خَشِنٌ، وفلانٌ يَعِيشُ عِيشَةً خَشِنَةً. وما أشْبَه ذلكَ,َائِلُ" أرادَ أنَّه فانٍ لا خُلودَ له, ولا دَوامَ.
المعنَى: يقولُ: إنَّا إذَا اسْتَثْنَيْنَا اللهَ تعالى لم نَجِدْ لشيءٍ في هذهِ الحياةِ الدُّنْيَا حقيقةً ثابتةً، ولم نَجِدْ نَعِيماً مِمَّا يَتَنَعَّمُ به الناسُ في دُنياهم بَاقِياً لأصحابِه، وليسَ يُرِيدُ أنَّ الحياةَ وما فيها أوهامٌ وخَيالاتٌ، ولكنَّه يُرِيدُ أنَّ حَقائِقَها ليسَتْ مُستقرِّةً ولا دَائمَةً، وإنَّما هي مُتغيِّرَةٌ وصائِرَةٌ إلى الفناءِ، وقدْ قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عن هذا البيتِ: "هو أصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَها شَاعِرٌ".
الإعرابُ: (أَلاَ) حَرْفٌ يُسْتَفْتَحُ به الكلامُ ويُسْتَرْعَى بهِ انتباهُ المخاطَبِ، مَبنِيٌّ على السُّكونِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ,"كلُّ" مبتدأٌ مرفوعٌ بالابتداءِ, وعلامةُ رفعِه الضمَّةُ الظاهرةُ، وكلُّ مُضافٌ, و"شيءٍ" مضافٌ إليه مجرورٌ وعلامةُ جرِّه الكسرةُ الظاهرةُ,"ما" حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ, "خَلاَ" فعلٌ ماضٍ مَبنِيٌّ على فتحٍ مُقدَّرٍ على الألفِ مَنَعَ من ظُهورِه التعَذُّرُ، وفاعلُه ضميرٌ مُستتِرٌ فيه وُجوباً تقديرُه: هو, يعودُ إلى البعضِ المفهومِ من الكلِّ السابقِ,"اللهَ" منصوبٌ على التعظيمِ وعلامةُ نَصْبِه الفتحةُ الظاهرةُ,َاطِلُ" خَبَرُ المبتدأِ الذي هو "كُلُّ" مرفوعٌ بالمبتدأِ, وعلامةُ رفعِه الضمَّةُ الظاهرةُ,"وكُلُّ" مبتدأٌ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وهو مضافٌ, و"نَعِيمٍ" مضافٌ إليه مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ,"لا" نافيةٌ للجنسِ حَرْفٌ مَبنِيٌّ على السُّكونِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ,َحَالَةَ" اسمُ لا النافيةِ للجِنْسِ، مَبنِيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ نَصْبٍ، وخَبَرُ لا مَحْذوفٌ، وتقديرُ الكلامِ: لا مَحالَةَ موجودةٌ، والجملةُ مِن لا النافيةِ للجنسِ واسمِها وخَبَرِها لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ, مُعترِضَةٌ بينَ المبتدأِ وخَبَرِه, "زَائِلُ" هو خَبَرُ المبتدأِ الذي هو قولُه: "كُلُّ نَعِيمٍ". مرفوعٌ, وعلامةُ رفعِه الضمَّةُ الظاهرةُ.
الشاهدُ فيه قولُه: (مَا خَلاَ اللهَ) حيثُ وَرَدَ فيهِ استعمالَُلاَ) مسبوقةً بما المصدريَّةِ، وانتَصَبَ الاسمُ الكريمُ بعدَها، وأنتَ إنْ قَدَّرْتَ (ما) مَصْدَرِيَّةً لم يَكُنْ لك بُدٌّ من جَعْلِ (خَلاَ) فِعْلاً فتَنْصِبُ به ما بعدَه؛ لأنَّ حَرْفَ المصدرِ لا يدخُلُ على الحروفِ، فإنْ ذَهَبْتَ إلى اعتبارِ (ما) زَائِدَةً, جَازَ لك اعتبارَُلاَ) حَرْفاً جَارًّا، من قِبَلِ أنَّ (ما) الزائدةَ لا تَخْتَصُّ بنوعٍ من الكلماتِ دونَ آخرَ، وسيذكُرُ المُؤلِّفُ هذا، فتَفَطَّنْ لذلك.

([17]) 268-لم أقِفْ لهذا الشاهدِ على نسبةٍ إلى قائلٍ مُعيَّنٍ، وهذا الذي ذكَرَه المُؤلِّفُ صَدْرُ بيتٍ من الطويلِ، وعَجُزُه قولُه:
*بكُلِّ الَّذِي يَهْوَى نَدِيمِيَ مُولَعُ*
اللغةُ: (تُمَلُّ) مضارعٌ مَبنِيٌّ للمجهولِ من المَلَلِ والسَّأَمِ، تقولُ: مَلِلْتُ الشيءَ ومَلِلْتُ منه، أمَلُّه وأمَلُّ منه – على مثالِ فَرِحْتُ أفْرَحُ – مَلَلاً، ومَلَّةً، ومَلالَةً، تُرِيدُ أنَّكَ مَجَجْتَهُ وسَئِمْتَه وأحْبَبْتَ تركَه والانصرافَ عنه، وتقولُ: هذا رجُلٌ مَل – بفَتْحٍ فسُكونٍ– وذو مَلَّةٍ، وملولٌ، وتقولُ: أمَلَّ فُلانٌ فُلاناً، وأمَلَّ عليه، تُرِيدُ أنَّه أسْأَمَه, (النَّدَامَى) (جَمْعُ نَدْمَانَ، مثلُ سَكْرَانَ وسُكَارَى، والنَّدْمانُ– ومثلُه النَّدِيمُ– الذي يُجالِسُكَ على الشرابِ,ُولَعُ" هو الوصْفُ من قولِكَ: "أُولِعَ فلانٌ بكذا". إذا أُغْرِيَ به وأحَبَّه، وهو من الأفعالِ الملازمةِ للبناءِ لِمَا لم يُسَمَّ فاعلُه، والوَصْفُ منه على زِنَةِ اسمِ المفعولِ؛ كالمجنونِ من جَنَّ، والمَعْنِيِّ مِن عُنِيَ.
الإعرابُ: (تُمَلُّ) فعلٌ مضارعٌ مَبنِيٌّ للمجهولِ مرفوعٌ؛ لتجَرُّدِه من الناصبِ والجازمِ وعلامةُ رفعِه الضمَّةُ الظاهرةُ, (النَّدَامَى) نائبُ فَاعِلِ تُمَلُّ، مرفوعٌ بضمَّةٍ مُقدَّرَةٍ على الألفِ, منَعَ من ظهورِها التعَذُّرُ, (ما) حرفٌ مَصْدَرِيٌّ مَبنِيٌّ على السُّكونِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ,َدَانِي) عدا: فعلٌ ماضٍ دالٌّ على الاستثناءِ، مَبنِيٌّ على فَتْحٍ مُقدَّرٍ على الألفِ, منَعَ من ظهورِه التعَذُّرُ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، والنونُ للوقايةِ وياءُ المُتكلِّمِ مفعولٌ بهِ مَبنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ نَصْبٍ، وفاعلُ عَدَا ضميرٌ مُستتِرٌ فيه وُجوباً تقديرُه: هو, يَعودُ على البعضِ المفهومِ من الكلِّ السابقِ، وما المصدريَّةُ معَ ما دخَلَتْ عليهِ في تأويلِ مَصْدَرٍ مجرورٍ بإضافةِ اسمِ زمانٍ محذوفٍ إليه، وتقديرُ الكلامِ: تُمَلُّ النَّدَامَى وَقْتَ مُجاوَزَتِهم إيَّايَ,َإِنَّنِي) الفاءُ حرفٌ دالٌّ على التعليلِ، مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، إنَّ: حرفُ توكيدٍ ونصبٍ مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، والنونُ للوِقَايَةِ، وياءُ المُتكلِّمِ اسمُ إنَّ مَبنِيٌّ على السُّكونِ في مَحلِّ نَصْبٍ, (بكُلِّ) الباءُ حرفُ جرٍّ مَبنِيٌّ على الكسرِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، كلِّ: مَجْرورٌ بالباءِ وعلامةُ جَرِّه الكسرةُ الظاهرةُ، والجارُّ والمجرورُ مُتعَلِّقٌ بقولِه: مُولَعُ. الآتي في آخرِ البيتِ، و"كلِّ" مضافٌ, و "الذي" اسمٌ موصولٌ مضافٌ إليه مَبنِيٌّ على السُّكونِ في مَحلِّ جرٍّ, "يَهْوَى" فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ؛ لتجَرُّدِه من الناصبِ والجازمِ وعلامةُ رفعِه ضمةٌ مقدَّرةٌ على الألفِ, منَعَ من ظهورِها التعَذُّرُ,َدِيمِيَ" نَدِيمُ: فَاعِلُ يَهْوَى، مرفوعٌ بضمَّةٍ مُقدَّرَةٍ على ما قبلَ ياءِ المُتكلِّمِ, منَعَ من ظُهورِها اشتغالُ المَحَلِّ بحركةِ المناسبةِ، و"نَدِيمُ" مُضافٌ, وياءُ المُتكلِّمِ مضافٌ إليه مَبنِيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ جَرٍّ، وجملةُ الفعلِ وفاعلِه لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ صِلَةُ الموصولِ، والعائِدُ من جملةِ الصلةِ إلى الموصولِ ضَمِيرُ غَيْبةٍ مَنْصوبُ المَحلِّ بيَهْوَى، وهو محذوفٌ، وتقديرُ الكلامِ: بكلِّ الذي يَهْوَاهُ نَدِيمِيَ,ُولَعُ" خبرُ إنَّ المُؤكِّدَةِ، وهو مرفوعٌ بإنَّ, وعلامةُ رفعِه الضمَّةُ الظاهرةُ.
الشاهدُ فيه قولُه: (مَا عَدَانِي) حيثُ استعمَلَ (عَدَا) مسبوقةً بما المصدريَّةِ، فوجَبَ أنْ تَتمحَّضَ للفعليَّةِ؛ لِمَا ذَكَرْناه في شرحِ الشاهدِ السابقِ، ومِمَّا يُؤَكِّدُ لك أنَّ الشاعرَ نفسَه عامَلَها معاملةَ الأفعالِ، ولم يُعامِلْها معاملةَ الحروفِ، أنَّه ألْحَقَ بها نونَ الوقايةِ حينَ أرادَ أنْ يَصِلَ بها ياءَ المتكلِّمِ، وقدْ عَلِمْتَ أنَّ نونَ الوقايةِ إنَّما تَلْزَمُ معَ الأفعالِ دونَ الحروفِ.

([18]) في موضِعِ (ما عَدَا زَيْداً) و(ما خَلاَ زَيْداً) من الإعرابِ ثلاثةُ وُجوهٍ ذكَرَ المُؤلِّفُ اثنيْنِ منها:
أمَّا الأولُ: فحاصلُه أنَّ (ما) المصدريَّةَ ومدخولَها في تأويلِ مَصْدَرٍ منصوبٍ على الظرفيَّةِ الزمانيَّةِ، وأصلُه مضافٌ إليهِ للفظَِقْتٍ) فحُذِفَ المضافُ وأُقِيمَ المضافُ إليه مُقامَه، فتقديرَُامَ القَوْمُ مَا عَدَا زَيْداً): قامَ القومُ وَقْتَ مُجاوَزَتِهم زَيْداً.
والثاني: أنَّ (ما) وما دخلَتْ عليه في تأويلِ مَصْدرٍ يُرادُ به اسمُ الفاعلِ، وهو حالٌ من المُستثنَى منه، فتقديرُ قَوْلِ: (قامَ القومُ ما عدا زَيْداً): قامَ القومُ مُجاوَزَتِهم زيداً، أي: مُجاوِزِينَ زَيْداً، كما قَدَّرْتَ المصدرَ الصريحَ حينَ وقَعَ حَالاً باسمِ الفاعلِ نحوَ قولِكَ: "جاءَ زَيْدٌ رَكْضاً". أي: رَاكِضاً، وهذا تقديرُ أبي سعيدٍ السِّيرافِيِّ.
والثالِثُ: أنَّ (ما عَدَا زَيْداً) منصوبٌ على الاستثناءِ، مثلَ انتصابَِيْرٍ" في قولِكَ: "قَامَ القَوْمُ غَيْرَ زَيْدٍ" وهذا تقديرُ ابنِ خَروفٍ.
قالَ المُحَقِّقونَ: والذي يَنْبَغِي اختيارُه هو الرأْيُ الأولُ؛ وذلك لأنَّ (ما عَدَا) في تأويلِ المصدرِ عندَ الجميعِ، والمصدرُ يَنوبُ مَنابَ ظرفِ الزمانِ بكثرةٍ؛ كقولِكَ: "أَزُورُكَ طُلُوعَ الشمسِ", و"أَجِيئُكَ قُدُومَ الحَاجِّ". فأما مَجِيءُ الحالِ مَصْدراً فيحتاجُ ألبتَّةَ إلى التأويلِ، على أنَّ بعضَ النحاةِ ذكَرَ أنَّ مجيءَ المصدرِ حالاً إنَّما يكونُ في المصدرِ الصريحِ، فأمَّا المصدرُ المُؤوَّلُ فليسَ له ذلك الحُكْمُ. وأمَّا النصْبُ على الاستثناءِ ففيه من التكلُّفِ ما لا يُجْرِئُ على ارتكابِه.

([19]) هذا ما ذهَبَ إليهِ الجَرْمِيُّ والربعيُّ والكِسائيُّ والفارسيُّ وابنُ جِنِّي، ولم يَرْتَضِ ذلك ابنُ هِشامٍ في (مُغْنِي اللبيبِ), وعَلَّلَ ذلك بأنَّ القولَ بزيادةِ (ما) إمَّا أنْ يكُونَوا قدْ قَالوه بالقياسِ، وإمَّا أنْ يكُونَوا قدْ قالوه مُستندِينَ إلى السماعِ، فإنْ كانوا قدْ قالوه قياساً, فذلك القياسُ خَطَأٌ؛ لأنَّ (ما) تُزادُ معَ حرفِ الجرِّ بوُقوعِها بعدَالحرفِ كما زِيدَتْ معَ"عن" في قولِه تعالى: {عَمَّا قَلِيلٍ} وكما زِيدَتْ معَ الباءِ في قولِه سبحانَه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ}. فأمَّا زيادةُ (ما) قبلَ الحرفِ مثلَ ما هنا فلَيْسَ له نَظِيرٌ، وإنْ كانوا قد قالوه سماعاً فهو من الشُّذوذِ بحيثُ لا يُقاسُ عليه.

([20]) الذينَ رَوَوُا النصْبَ بعدَ (حاشا) هم أبو زيدٍ والفرَّاءُ والأخفشُ والشَّيبانيُّ وابنُ خروفٍ، وأجازَه الجَرْميُّ والمازنيُّ والمُبرِّدُ والزجَّاجُ وابنُ مالكٍ.

([21]) قدْ دخَلَتْ عليها (ما) في قولِ الأخْطَلِ التَّغْلِبِيِّ:
رَأَيْتُ النَّاسَ مَا حَاشَا قُرَيْشاً = فَإِنَّا نَحْنُ أفْضَلُهُمْ فَعَالاً



  #4  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 01:42 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


326 - واسْتَثْنِ مَجْرُورًا بغيرٍ مُعْرَبَا = بِمَا لِمُسْتَثْنًى بِإِلَّا نُسِبَا
(واسْتَثْنِ مَجْرُورًا بِغَيْرٍ مُعْرَبَا* بِمَا لِمُسْتَثْنًى بِإِلَّا نُسِبَا). "مجرورًا" مفعولٌ بـ"اسْتَثْنِ" و"بِغَيْرٍ": مُتَعَلِّقٌ بـ "اسْتَثْنِ" و"مُعْرَبَا": حالٌ مِنْ "غَيْرٍ" و"بِمَا" متعلقٌ بـ "مُعْرَبَا" و"مَا" موصولٌ ، صِلَتُهُ "نُسِبَ" ولِمُسْتَثْنًى متعلقٌ بـ "نُسِبَ" وبـ "إِلَّا" متعلقٌ بـ "مُسْتَنْثًى"
والمَعْنَى أَنَّ غيرَ يُسْتَثْنَى بِهَا مجرورٌ بإضافَتِهَا إِلَيْهِ وتكونُ هِي مُعْرَبةٌ بِمَا نُسِبَ للمُسْتَثْنَى بـ "إِلَّا" مِنَ الإِعْرَابِ فِيْمَا تَقَدَّمَ ، فَيَجِبُ نَصْبُهَا فِي نحوِ: "قَامَ القومُ غَيْرَ زَيْدٍ" و"مَا نَفَعَ هَذَا المالُ غيرَ الضررِ" عندَ الجميعِ ، وفِي نحوِ: "مَا قَامَ أَحَدٌ غَيْرَ حِمَارٍ" عِنْدَ غيرِ تَمِيْمٍ ، وفِي نحوِ: "مَا قَامَ غَيْرَ زَيْدٍ أَحَدٌ" عندَ الأكثرِ ، ويُتَرَجَّحُ فِي هَذَا المِثَالِ عِنْدَ قومٍ ، وفِي نحوِ: "مَا قَامَ أَحَدٌ غيرُ حِمَارٍ" عندَ تَمِيمٍ، ويَضْعُفُ فِي نحوِ: "مَا قامَ أَحدٌ غيرُ زَيْدٍ" ، ويَمْتَنِعُ فِي نحوِ: "مَا قامَ غَيْرُ زَيْدٍ".
تنبيهاتٌ: الأولُ: أَصْلُ غَيْرٍ أَنْ يُوْصَفَ بِهَا إِمَّا نَكِرَةً نحوُ {صَالِحًا غَيْرَ الذِي كُنَّا نَعْمَلُ} أو شَبَهِهَا ، نحوُ {غَيْرِ المَغْضُوْبِ عَلَيْهِمْ} فَإِنَّ "الذِيْنَ" جِنْسٌ لَا قومٌ بِأَعْيَانِهِمْ، وأَيْضًا فَهِي إِذَا وَقَعَتْ بَيْنَ ضِدَّيْنِ ضَعُفَ إِبْهَامُهَا، فَلَمَّا ضُمِّنَتْ مَعْنَى "إِلَّا" حُمِلَتْ عَلَيْهَا فِي الاستثناءِ ، وقَدْ تُحْمَلُ "إِلَّا" عَلَيْهَا، فَيُوْصَفُ بِهَا بشرطِ أَنْ يكونَ الموصوفُ جمعًا ، أو شِبْهَهُ وأَنْ يكونَ نَكِرَةً أو شِبْهَهَا، فالجمعُ نحوُ: {لَوْ كَانَ فِيْهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا} وشِبْهُ الجَمْعِ كقولِهِ [مِنَ البَسِيطِ]:
452 - لَوْ كَانَ غَيْرِي سُلَيْمَى الدَّهْرَ غَيَّرُه = وَقْعُ الحَوَادِثِ إِلَّا الصَّارِمُ الذَّكَرُ
فالصَّارِمُ: صِفَةٌ لـ "غَيْرِي" ومِثَالُ شِبْهِ النكرةِ قَوْلُهُ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
453 - أُتِيْخَتْ فَأَلْقَتْ بَلْدَةً فوقَ بَلْدَةٍ = قَلِيْلٌ بِهَا الأَصْوَاتُ إِلَّا بُغَامُهَا
فـ "الأصواتُ" شبيهٌ بالنكرةِ ؛ لِأَنَّ تَعْرِيْفَهُ بـ "أَلْ" الجِنْسِيَّةِ.
لَكِنْ تُفَارِقُ إِلَّا هَذِهِ غَيْرًا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أنَّهُ لَا يجوزُ حَذْفُ مَوْصُوْفِهَا فَلَا يُقَالُ: "جَاءَنِي إِلَّا زَيْدًا" ويُقَالُ: "جَاءَنِي غَيْرُ زَيْدٍ"، ونَظِيْرُهُ فِي ذلكَ الجُمَلُ والظروفُ، فَإِنَّهَا تَقَعُ صِفَاتٍ، ولَا يجوزُ أَنْ تَنُوبَ عَنْ مَوصُوفَاتِهَا.
ثَانِيْهِمَا: أنَّهُ لَا يُوْصَفُ بِها إِلَّا حَيْثُ يَصِحُّ الاستثناءُ فيجوزُ: "عِنْدِي دِرْهَمٌ إِلَّا دَانِقٌ" لِأنَّهُ يجوزُ "إِلَّا دَانِقًا" ويَمْتَنِعُ: إلَّاجَيِّدٌ؛ لِأنَّهُ يَمْتَنِعُ "إِلَّا جَيِّدًا" ويجوزُ: "عِنْدِي دِرْهَمٌ غَيْرُ جَيِّدٍ".
هَكَذَا قَالَ جَمَاعَاتٌ: وقَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ مُخَالِفٌ لقولِهِمْ فِي: {لَوْ كَانَ فِيْهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا} ومِنْ أَمْثِلَةِ سِيْبَوَيْهِ: لَوْ كَانَ مَعَنَا رَجُلٌ إِلَّا زَيْدٌ لَغَلَبْنَا.
وشَرَطَ ابْنُ الحَاجِبِ فِي وقوعِ "إِلَّا" صِفَةً تَعَذُّرَ الاستثناءِ ، وجَعَلَ مِنَ الشَّاذِّ قولَهُ [مِنَ الوَافِرِ]:
454 - وكُلُّ أَخٍ يُفَارِقُهُ أَخُوهُ = لَعَمْرُ أَبِيْكَ إِلَّا الفَرْقَدَانِ
الثانِي: انْتِصَابُ "غيرٍ" فِي الاستثناءِ كانْتِصَابِ الاسمِ بعدَ "إِلَّا" عِنْدَ المَغَارِبَةِ ، واخْتَارَهُ ابْنُ عُصْفُورٍ ، وعَلَى الحالِ عِنْدَ الفَارِسِيِّ، واخْتَارَهُ الناظمُ ، وعَلَى التشبيهِ بظرفِ المكانِ عِنْدَ جَمَاعَةٍ، واخْتَارَهُ ابْنُ البَاذِش.
الثالثُ: يجوزُ فِي تَابِعِ المُسْتَثْنَى بِهَا مُرَاعَاةُ اللفظِ ومُرَاعَاةُ المَعْنَى، تقولُ: "قَامَ القومُ غَيْرَ زَيْدٍ وعَمْرٍو وعَمْرًا " فَالجَرُّ عَلَى اللفظِ ، والنصبُ عَلَى المَعْنَى ؛ لِأَنَّ مَعْنَى "غَيْرَ زَيْدٍ" إِلَّا زَيْدًا ، وتقولُ: "مَا قَامَ أَحَدٌ غَيْرُ زَيْدٍ وعَمْرٍو"، بالجرِّ ، وبالرفعِ ؛ لِأنَّهُ عَلَى مَعْنَى إِلَّا زَيْدٌ. وظَاهِرُ كلامِ سِيبَوَيْهِ أنَّهُ مِنَ العَطْفِ عَلَى المَحَلِّ ، وذَهَبَ الشَّلُوْبِيْنُ إِلَى أَنَّهُ مِنْ بابِ التَّوَهُّمِ.
["سِوى" وخُرُوجُهَا عَنِ الظَّرْفِيَّةِ]:
327 - ولِسَوَى سُوى سَوَاءٍ اجْعَلَا = عَلَى الأَصَحِّ مَا لِغَيْرٍ جُعِلَا
(ولسِوى) بالكسرِ و(سُوى) بالضمِّ مَقْصُورَتَيْنِ و(سَوَاءٍ) بالفتحِ والمَدِّ (اجَعْلَاَ* عَلَى الأَصَحِّ مَا لِغَيْرٍ جُعِلَا) مِنَ اَلأحكامِ فِيْمَا سَبَقَ ؛ لِأنَّها مِثْلُهَا لِأَمْرينِ:
أَحَدُهُمَا: إِجْمَاعُ أَهْلِ اللغةِ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قولِ القائِلِ: "قَامُوا سِوَاكَ" و"قَامُوا غَيْرَكَ". واحدٌ ، وأَنَّّهُ لَا أَحَدَ مِنْهُم يقولُ: إِنَّ "سِوى" عبارةٌ عَنْ مكانٍ أو زمانٍ.
والثانِي: أَنَّ مَنْ حَكَمَ بِظَرْفِيَّتِهَا حَكَمَ بِلُزِوْمِ ذلكَ ، وأَنَّهَا لَا تَتَصَرَّفُ ، والواقعُ فِي كلامِ العربِ نَثْرًا ونَظْمًا خِلَافُ ذلكَ ، فَمِنْ وقوعِهَا مجرورةً بالحرفِ قولُهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: ((دَعَوتُ رَبِّي أَلَّا يُسَلِّطَ عَلَى أُمَّتِي عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهَا)). وقولُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((مَا أَنْتُم فِي سِوَاكُمْ إِلَّا كالشَّعْرَةِ البَيْضَاءِ فِي الثَّورِ الأَسْوَدِ)). وقولُ الشَّاعِرِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
455 - ولا يَنْطِقُ الفَحْشَاءَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ = إِذَا جَلَسُوا مِنَّا ولَا مِنْ سِوَائِنَا
وقولُهُ [مِنَ البَسِيطِ]:
456 - وكُلُّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ المَوْتَ مُخْطِئُهُ = مُعَلَّلٌ بِسِوَاءِ الحَقِّ مَكْذُوبُ
وبالإضافةِ قولُهُ [مِنَ المُنْسَرِحِ]:
457 - فَإِنَّنِي والذِي يَحُجُّ لهُ = الناسُ بِجَدْوَى سِوَاكَ لَمْ أَثِقِ
ومِنْ وقوعِهَا مرفوعةً بالابتداءِ قولُهُ [مِنَ الكَامِلِ]:
458 - وإِذَا تُبْاَعُ كَرِيْمَةٌ أو تُشْتَرَى = فَسِوَاكَ بَائِعُهَا وأَنْتَ المُشْتَرِي
ومرفوعةٌ بالناسخِ قولُهُ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
459 - أَأَتْرُكُ لَيْلَى لَيْسَ بَيْنِي وبَيْنَهَا = سِوَى لَيْلَةٍ إِنِّي إِذًا لَصَبُورُ
وبالفاعِلِيَّةِ قولُهُ [مِنَ الهَزَجِ]:
460 - ولَمْ يَبْقَ سِوَى العُدْوَا = نِ دِنَّاهُمْ كَمَا دَانُوا
وحَكَى الفَرَّاءُ "أَتَانِي سِوَاكَ"، ومنصوبةً بـ "إِنَّ" قولُهُ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
461 - لَدَيْكَ كَفِيْلٌ بِالْمُنَى لِمُؤَمِّلٍ = وإِنَّ سِوَاكَ مَنْ يُؤَمِّلُهُ يَشْقَى
هَذَا تَقْرِيْرُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الناظمُ، وحَاصِلُ مَا اسْتَدلَّ بِهِ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ) وغيرِهِ.
ومَذْهَبُ الخَلِيْلِ وَسِيبَوَيْهِ وجُمْهُورِ البَصْرِيِّينَ أَنَّ "سِوى" مِنَ الظروفِ اللازمةِ ؛ لِأنَّها يُوْصَلُ بِهَا المَوْصُولُ نحوُ: "جَاءَ الذِي سِوَاكَ"، قالُوا: ولَا تَخْرُجُ عَنِ الظرفيةِ إِلَّا فِي الشِّعْرِ ، وقَالَ الرُّمَّانِيُّ العُكْبَرِيُّ: تُسْتَعْمَلُ ظَرْفًا غَالِبًا، وكـ"غَيْرٍ" قليلًا وهَذَا أَعْدَلُ وَلَا يَنْهَضُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الناظِمُ حُجَّةً، لِأَنَّ كَثِيْرًا مِنْ ذلكَ أو بَعْضَهُ لَا يُخْرِجُ الظرفَ عَنِ اللزومِ، وهُو الجَرُّ وبَعْضُهُ قَابِلٌ للتَّأْوِيْلِ اهـ.
تنبيهاتٌ: الأولُ: حَكَى الفَارِسِيُّ فِي (شَرْحِ الشَّاطِبِيَّةِ) فِي "سِوى" لُغَةً رابعةً ، وهِي المَدُّ مَعَ الكَسْرِ.
الثانِي: أَفْهَمَ كلامُهُ أَنَّهُ يجوزُ فِي المَعْطُوفِ عَلَى المُسْتَثْنَى بِهَا اعتبارُ المَعْنَى كَمَا جَازَ فِي غيرٍ ، ويُسَاعِدُهُ قولُهُ فِي (التَّسْهِيْلِ): تُسَاوِيْهَا مُطْلَقًا سِوَى ، بِعَدَدِ ذِكْرِهِ جَوَازَ اعتبارِ المَعْنَى فِي العطفِ عَلَى مجرورِ "غَيْرٍ".
[الفَرْقُ بَيْنَ سِوَى وغيرٍ فِي الاسْتِثْنَاءِ]:
الثالثُ: تُفَارِقُ "سِوَى" "غَيْرًا" فِي أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ المُسْتَثْنَى بـ "غَيْرٍ" قَدْ يُحْذَفُ إِذَا فُهِمَ المَعْنَى نحوُ: "لَيْسَ غَيْرُ" بالضمِّ وبالفتحِ وبالتنوينِ
بِخِلَافِ "سِوَى".
ثانِيْهِمَا: أَنَّ "سِوَى" تَقَعُ صِلَةَ الموصولِ فِي فَصِيْحِ الكلامِ كَمَا سَلَفَ بِخِلَافِ "غَيْرٍ".
الرابعُ: تَأْتِي "سَوَاءٌ" بِمَعْنََى " وسطٍ" وبِمَعْنَى "تَامٍّ"، فَتُمَدُّ فِيْهِمَا مَعَ الفتحِ نَحْوُ: {فِي سَوَاءِ الجَحِيْمِ} و"هَذَا دِرْهَمٌ سَوَاءٌ" وتَأْتِي بِمَعْنَى "مُسْتَوٍ" فَتُقْصَرُ مَعَ الكَسْرِ ، نحوُ {مَكَانًا سِوًى} وتُمَدَّ مَعَ الفتحِ نحوُ: "مَرَرْتُ بِرَجُلٍ سَوَاءٍ والعَدَمُ" ويُخْبَرُ بِهَا حينئذٍ عَنِ الواحِدِ فَمَا فَوْقَهُ، نحوُ: {لَيْسُوا سَوَاءً} لِأنَّها فِي الأَصْلِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الاستواءِ اهـ.
[الاستثناءُ بـ "لَيْسَ" و"خَلَا" و"عَدَا"]:
328 - واسْتَثْنِ نَاصِبًا بِلَيْسَ وخَلَا = وبِعَدَا وبِيَكُونُ بَعْدَ "لَا"
(واسْتَثْنِ نَاصِبًا) للْمُسْتَثْنَى (بِلَيْسَ وخَلَا* وبِعَدَا وبِيَكُونُ بَعْدَ لَا) النافيةِ، نحوُ: "قَامُوا لَيْسَ زَيْدًا وخَلَا عَمْرًا وعَدَا بَكْرًا ولا يكونُ خَالِدًا".
أَمَّا "لَيْسَ" و"لا يكونُ" فالمُسْتَثْنَى بِهِمَا واجبُ النصبِ ؛ لِأنَّهُ خَبَرُهُمَا ، واسْمُهُمَا ضميرٌ مُسْتَتِرٌ وُجُوبًا يعودُ علَى البَعْضِ المدلولِ عَلَيْهِِ بِكُلِّهِ السابقِ ، فتقديرُ: "قَامُوا لَيْسَ زَيْدًا" لَيْسَ هُو ، أَيْ : بَعْضُهُم ، فهو نَظِيْرُ {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً} بَعْدَ {يُوْصِيْكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} وقِيْلَ: عَائِدٌ عَلَى اسْمِ الفاعِلِ المفهومِ مِنَ الفِعْلِ السابقِ ، والتقديرُ: لَيْسَ هُو، أَيْ: القائِمُ، وقِيْلَ: عَائِدٌ عَلَى الفِعْلِ المفهومِ مِنَ الكلامِ السابقِ ، والتقديرُ: لَيْسَ هُو أَيْ: لَيْسَ فِعْلُهُم فِعَلَ زَيْدٍ ، فَحُذِفَ المُضَافُ ، ويُضْعِفُ هَذَيْنِ عَدَمُ الاطِّرَادِ ؛ لِأنَّهُ قَدْ يكونُ هُنَاكَ فِعْلٌ ، كَمَا فِي نحوِ: "القومُ إِخْوَتُكَ لَيْسَ زَيْدًا".
وأَمَّا "خَلَا" و"عَدَا" فَفِعْلَانِ غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ؛ لِوُقُوعِهِمَا موقعَ "إِلَّا" وانْتِصَابِ المُسْتَثْنَى بِهِمَا علَى الفُعُولِيَّةِ، وفَاعِلُهُمَا ضميرٌ مُسْتَتِرٌ ، وفِي مَرْجِعِهِ الخِلَافُ المَذْكُورُ.
تنبيهانِ: الأولُ، قِيْلَ: مَوْضِعُ جُمْلَةِ الاستثناءِ مِنْ هذِهِ الأربعِ نُصِبَ عَلَى الحَالِ ، وقِيْلَ: مُسْتَأْنَفَةٌ لَا مَوْضِعَ لَهَا ، وصَحَّحَهُ ابْنُ عُصْفُورٍ.
الثانِي: لا تُسْتَعْمَلُ "يكونُ" فِي الاستثناءِ مَعَ غَيْرِ "لَا" مِنْ أدَوَاتِ النَّفْيِ اهـ.
329 - واجْرُرْ بِسَابِقَي يَكُونُ إِنْ تُرِدْ = وبَعْدَ "مَا" انْصِبْ وانْجِرَارٌ قَدْ يَرِدْ
(واجْرُرْ بِسَابِقَي يَكُونُ) وهُمَا "خَلَا" و"عَدَا" إِنْ تُرِدِ الجَرَّ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ ، وإِنْ كانَ قَلِيْلاً فَمِن الجَرِّ بـ "خَلا" قولُهُ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
462 - خَلَا اللهِ لَا أَرْجُو سِوَاكَ وإِنَّمَا = أَعُدُّ عِيَالِي شُعْبَةً مِنْ عِيَالِكَا
ومِنَ الجَرِّ بـ "عَدَا" قولُهُ [مِنَ الوَافِرِ]:
463 - أَبَحْنَا حَيَّهُم قَتْلًا وأَسْرًا = عَدَا الشَّمْطَاءِ والطِّفْلَ الصَّغِيْرَ
تنبيهانِ: الأولُ: لَمْ يَحْفَظْ سِيبَوَيْهِ الجَرَّ بـ "عَدَا" قِيْلَ: ولَا بـ "خَلَا" وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ ذَكَرَ الجَرَّ بـ "خَلَا". الثانِي: قِيْلَ: يَتَعَلَّقَانِ حينئذٍ بِمَا قَبْلَهُمَا مِنْ فِعْلٍ أو شِبْهِهِ عَلَى قَاعِدَةِ حُرُوفِ الجَرِّ ، وقِيْلَ: مَوْضِعُهُمَا نَصْبٌ عَنْ تَمَامِ الكلامِ ، وهُو الصوابُ ؛ لِعَدَمِ اطِّرَادِ الأوَّلِ ؛ ولأنَّهُمَا لا يُعَدِّيَانِ الأفعالَ إِلَى الأسماءِ ، أَيْ: لا يُوَصِّلَانِ مَعْنَاهَا إِلَيْهَا ، بَلْ يُزِيْلَانِ مَعْنَاهَا عَنْهَا ، فأَشْبَهَا فِي عدمِ التعديةِ الحروفَ الزائدةَ، ولأنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ "إِلَّا" وهِي غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ اهـ.
(وبَعْدَ مَا) المَصدَرِيَّةِ (انْصِبْ) حَتْمًا ؛ لِأَنَّهُمَا تَعَيَّنَا بِهَا للفعليةِ كقولِهِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
أَلَا كُلُّ شََيْءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ.
وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
464 - تُمَلُّ النَّدَامَى مَا عَدَانِي فَإِنَّنِي = بِكُلِّ الذِي يَهْوَى نَدِيْمِي مُوْلَعُ
وموضِعُ الموصولِ وصِلَتُهُ نُصِبَ بالاتفاقِ ، فقالَ السِّيْرَافِيُّ عَلَى الحَالِ ، وهَذَا مُشْكِلٌ ؛ لِتَصْرِيْحِهِمْ فِي غَيْرِ هَذَا الموضِعِ بِأَنَّ المصدرَ المُؤَوَّلَ لَا يَقَعُ حَالًا كَمَا يَقَعُ المصدرُ الصريحُ فِي نحوِ: أَرْسَلَهَا العِرَاكَ"، وقِيْلَ: عَلَى الظرفِ ، و"مَا" وَقْتِيَّةٌ نَابَتْ هِي وصِلَتُهَا عَنِ الوقْتِ ، فَالمَعْنَى عَلَى الأولِ: "قَامُوا مُجَاوِزِيْنَ زَيْدًا" وعَلَى الثانِي: "قَامُوا وَقْتَ مُجَاوَزَتِهِمْ زَيْدًا"، وقَالَ ابْنُ خَرُوفٍ: عَلَى الاستثناءِ كانْتِصَابِ "غَيْرٍ" فِي "قَامُوا غَيْرَ زَيْدٍ".
(وانْجِرَارٌ) بِهِمَا حينئذٍ (قَدْ يَرِدْ) أَجَازَ ذلكَ الجَرْمِيُّ والرَّبْعِيُّ والكِسَائِيُّ والفَارِسِيُّ ، لَكِنْ عَلَى تَقْدِيْرِهِ "مَا" زائدةً لا مصدريةً ، فَإِنْ قَالُوا بالقياسِ فَفَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ "مَا" لَا تُزَادُ قَبْلَ الجَارِّ، بَلْ بَعْدَهُ نحوُ {عَمَّا قَلِيْلٍ}، {فَبِمَا رَحْمَةٍ}، وإِنْ قَالُوهُ بِالسَّمَاعِ فَهُو مِنَ الشُّذُوذِ بِحَيْثُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ.
330 - وحَيْثُ جَرَّا فَهُمَا حَرْفَانِ = كَمَا هُمَا إِنْ نَصَبَا فِعْلَانِ
(وحَيْثُ جَرَّا فَهُمَا حَرْفَانِ) بالاتفاقِ (كَمَا هُمَا إِنْ نَصَبَا فِعْلَانِ) بالاتفاقِ ، وسَوَاءٌ فِي الحَالَيْنِ اقْتَرَنَا بـ"مَا" أو تَجَرَّدَا عَنْهَا.
331 - وكَخَلَا حَاشَا ولَا تَصْحَبُ "مَا" = وقِيْلَ "حَاشَ وحَشَا" فَاحْفَظْهُمَا
(وكَخَلَا) فِي جوازِ جَرِّ المُسْتَثْنَى بِهَا ونَصْبِهِ (حَاشَا) تقولُ: "قَامَ القومُ حَاشَا زَيْدٍ وحَاشَا زَيْدًا" فَإِذَا جَرَّتْ كَانَتْ حَرْفَ جَرٍّ ، وفِيْمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ مَا سَبَقَ فِي خَلَا ، وإِذَا نَصَبَتْ كَانَتْ فِعْلًا، والخِلَافُ فِي فَاعِلِهَا وفِي مَحَلِّ الجُمْلَةِ كَمَا فِي "خَلَا".
تنبيهانِ: الأولُ: الجَرُّ بِـ"حَاشَا" هُو الكثيرُ الراجِحُ ، ولِذَلكَ الْتَزَمَ سِيبَوَيْهِ وأَكْثَرُ البَصْرِيِّينَ حَرْفِيَّتَهَا ، ولَمْ يُجِيْزُوا النصبَ ، لَكِنَّ الصحيحَ جَوَازُهُ ، فَقَدْ ثَبُتَ بِنَقْلِ أَبِي زَيْدٍ وأَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ والأَخْفَشِ وابْنِ خَرُوفٍ ، وأَجَازَهُ المَازِنِيُّ والمُبَرِّدُ والزَّجَّاجُ ، ومِنْهُ قولُهُ [مِنَ البَسِيطِ]:
465 - حَاشَا قُرَيْشًا فَإِنَّ اللهَ فَضَّلَهُمْ = عَلَى البَرِيَّةِ بالإِسْلَامِ والدِّيْنِ
وقولُهُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ولِمَنْ يَسْمَعُ حَاشَا الشيطانَ وأَبَا الأَصْبَغِ ، وقولُهُ [مِنَ الكَامِلِ]:
466 - حَاشَا أَبَا ثَوْبَانَ إِنَّ أَبَا = ثَوْبَانِ لَيْسَ بِبُكْمَةٍ فَدْمِ
قالَ المَرْزُوقِيُّ: فِي روايةِ الضَّبِّيِّ "حَاشَا أَبَا ثَوْبَانَ" بالنصبِ.
الثانِي: الذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الفَرَّاءُ أَنَّها فِعْلٌ ، لَكِنْ لَا فَاعِلَ لَهُ والنَّصْبُ بَعْدَه إنَّمَا هُو بالحَمْلِ عَلَى "إِلَّا" ولَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ ذلكَ فِي "خَلَا" و"عَدَا" علَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يقولَ فِيْهِمَا مِثْلَ ذلكَ اهـ.
(ولا تَصْحَبُ "مَا") فَلَا يجوزُ: "قَامَ القومُ مَا حَشَا زَيْدًا" وأَمَّا قولُهُ [مِنَ الوَافِرِ]:
467 - رَأَيْتُ الناسَ مَا حَشَا قُرَيْشًا = فَإِنَّا نَحْنُ أَفْضَلُهُمْ فَعَالا
فَشَاذٌّ (وقِيْلَ) فِي "حَاشَا" (حَاشَ وحَشَا فَاحْفَظْهُمَا) وهَلْ هَاتَانِ اللغتانِ فِي "حَاشَا" الاستثنائيةِ أَو التَّنْزِيْهِيَّةِ؟ الأوَّلُ ظَاهِرُ كلامِهِ هُنَا وفِي (الكَافِيَةِ) وشَرْحِهَا ، والثانِي ظَاهِرُ كلامِهِ فِي (التَّسْهِيْلِ) وهُو الأَقْرَبُ.
[أَوْجُهُ "حَاشَا"]:
تنبيهٌ: "حَاشَا" عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الأولُ: تكونُ استثنائيةً ، وقَدْ تَقَدَّمَ الكلامُ عَلَيْهَا
والثانِي: تَكُونُ تَنْزِيْهِيَّةً نحوُ {حَاشَ للهِ} ولَيْسَتْ حَرْفًا قَالَ فِي (التَّسْهِيْلِ): بِلَا خِلَافٍ بَلْ هِي عِنْدَ المُبَرِّدِ وابْنِ جِنِّيٍّ والكُوفِيِّينَ فِعْلٌ ، قَالُوا: لِتَصَرُّفِهِم فِيْهَا بالحذَفِ ولإِدْخَالِهِمْ إِيَّاهَا عَلَى الحَرْفِ وهَذَانِ الدَّلِيْلَانِ يَنْفِيَانِ الحَرْفِيَّةَ، ولا يُثْبِتَانِ الفعليةَ ، قالُوا: والمَعْنَى فِي الآيةِ جَانَبَ يُوْسُفُ المَعْصِيَةَ لِأَجْلِ اللهِ ولَا يَتَأَتَّى مِثْلُ هَذَا التأويلِ فِي {حَاشَ للهِ مَا هَذَا بَشَرًا} والصحيحُ أَنَّها اسْمٌ مُرَادِفٌ ؛ للتنزيهِ مَنْصُوبٌ انْتِصَابَ المصدرِ الواقعِ بَدَلًا مِنَ اللفظِ بالفعلِ ، بِدَلِيْلِ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ (حَاشَ اللهِ) بالإضافةِ ، كَمَعَاذَ اللهِ ، وسُبْحَانَ اللهِ، وقِرَاءَةِ أَبِي السَّمالِ (حَاشًا للهِ) بالتنوينِ أَيْ: تَنْزِيْهًا للهِ كَمَا يُقَالُ (رَعْيًا لِزَيْدٍ)، والوَجْهُ فِي قراءةِ مَنْ تَرَكَ التنوينَ أَنْ تكونَ مَبْنِيَّةً لِشَبَهِهِا بـ"حَاشَا" الحَرْفِيَّةِ لَفْظًا ومَعْنًى.
الثالثُ: أَنَّهَا تكونُ فِعْلًا مُتَعَدِّيًا مُتَصَرِّفًا تقولُ: "حَاشَيْتُهُ" بمعنَى: اسْتَثْنَيْتُهُ ، ومِنْهُ الحديثُ أنَّهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ قَالَ: ((أُسَامَةُ أَحَبُّ الناسِ إِلَيَّ مَا حَاشَى فَاطِمَةَ)) "مَا" نَافِيَةٌ ، والمَعْنَى أنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَمْ يَسْتَثْنِ فَاطِمَةَ ، وتَوَهَّمَ الشارحُ أنَّهَا المَصْدَرِيَّةُ و"حاشَى" الاستثنائيةُ ، بناءً عَلَى أَنَّهُ مِنْ كلامِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم، فَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: "قَامَ القومُ مَا حَاشَا زَيْدًا" ويَرُدُّهُ أَنَّ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ ((مَا حَاشَى فَاطِمَةَ وَلَا غَيْرُهَا ))ودَلِيْلُ تصرُّفِهِ قولُهُ[مِنَ البَسِيطِ]:
468 - وَلَا أَرَى فَاعِلًا فِي الناسِ يُشْبِهُهُ = وَلَا أُحَاشِي مِنَ الأقوامِ مِنْ أَحَدِ
وتَوَهَّمَ المُبَرِّدُ أَنَّ هَذَا مضارعُ "حَاشَى" الاستثنائيةِ ، وإِنَّمَا تلكَ حرفٌ ، أو فِعْلٌ جَامِدٌ ؛ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الحرفِ ، كَمَا مَرَّ اهـ.
[حُكْمُ الاسمِ الواقعِ بَعْدَ "لَا سِيَّمَا"]:
خاتِمَةٌ: جَرَتْ عَادَةُ النحويينَ أَنْ يَذْكُرُوا "لا سِيَّما" مَعَ أَدَوَاتِ الاستثناءِ مَعَ أَنَّ الذِي بَعْدَهَا مُنَبَّهٌ عَلَى أَوْلَوِيَّتِهِ بِمَا نُسِبَ لِمَا قَبْلَهَا.
ويَجُوزُ فِي الاسمِ الذِي بَعْدَهَا الجَرُّ والرَّفْعُ مُطْلَقًا ، والنصبُ – أَيْضًا – إِذَا كاَنَ نَكِرَةً، وقَدْ رُوِيَ بِهِنَّ قولُهُ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
469 – [أَلَا رُبَّ يَومٍ صَالِحٍ لَكَ مِنْهُمَا] = وَلا سِيَّمَا يَوْمٌٍ بِدَارَةِ جُلْجُلِ
والجَرُّ أَرْجَحُهَا، وهُو عَلَى الإِضَافَةِ و"مَا" زَائِدَةٌ بَيْنَهُمَا مِثْلُهَا فِي {أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ} والرفعُ عَلَى إِنَّهُ خبرٌ لِمُضْمَرٍ مَحْذوفٍ و"مَا" مَوْصُولةٌ أو نكرةٌ مَوْصُوفةٌ بالجملةِ ، والتقديرُ: ولَا مِثْلَ الذِي هُو يَوْمٌ ، أو ولَا مِثْلَ شَيْءٍ هُو يَومٌ ، ويُضْعِفُهُ فِي نَحْوِ: "ولَا سِيَّمَا زَيْدٌ" حَذْفُ العَائِدِ المَرفوعِ مَعَ عدمِ الطولِ وإِطْلَاقِ "مَا" عَلَى مَنْ يَعْقِلُ وعَلَى الوَجْهَيْنِ ، فَفَتْحَةُ "سيّ" إِعْرابٌ ؛ لِأنَّهُ مُضَافٌ، والنصبُ عَلَى التمييزِ كَمَا يَقَعُ التمييزُ بَعْدَ "مِثْلٍ" فِي نحوِ {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} و"مَا" كَافَّةٌ عَنِ الإِضَافَةِ، والفتحةُ بِنَاءٌ مِثْلُهَا فِي: "لَا رَجُلَ".
وأَمَّا انْتِصَابُ المعرفةِ، نحوُ: "ولَا سِيَّمَا زَيْدٌ"، فَمَنَعَهُ الجمهورُ.
وتَشْدِيْدُ يَائِهَا ودخولُ "لَا" عَلَيْهَا ، ودُخولُ الواوِ عَلَى "لَا" واجبٌ ، قَالَ ثَعْلَبٌ: مَنِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى خِلَافِ مَا جَاءَ فِي قولِهِ: "وَلَا سِيَّمَا يَوْمٌ" فهوُ مُخْطِئٌ ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ أنَّهَا قَدْ تُخَفَّفُ ، وَقَدْ تُحْذَفُ الواوُ كقولِهِ [مِنَ البَسِيطِ]:
470 - فِهْ بالعقودِ وبالأَيْمَانِ لَا سِيمَا = عَقْدٌ وفَاءٌ بِهِِ مِنْ أَعْظَمِ القُرَبِ
وهِي عِنْدَ الفَارِسِيِّ نَصْبٌ عَلَى الحَالِ، وعِنْدَ غَيْرِهِ اسْمٌ لـ "لَا" التَّبْرِئَةِ ، وهُو المُخْتَارُ، واللهُ أَعْلَمُ.

  #5  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 01:43 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


حكْمُ المستثنَى بـ(غيرٍ)
325- واسْتَثْنِ مَجروراً بغيرٍ مُعْرَبا = بما لِمُستثنَى بالإ نُسِبَا

هذا هو القِسمُ الثاني مِن أدواتِ الاستثناءِ، وهو ما كان اسماً وهو: (غيرُ) و (سِوَى).
فأمَّا (غيرُ) فمعناها: إفادةُ الْمُغَايَرَةِ، أيْ: الدَّلالةُ على أنَّ ما بعدَها مغايِرٌ لِمَا قَبْلَها في الحكْمِ، مِثالُ ذلك: خَرَجَ الطلاَّبُ غيرَ محمَّدٍ، والمعنى: أنهم خَرَجُوا مغَايِرِينَ ومخالِفينَ في هذا الأمْرِ (محمَّداً) فهو لم يَخْرُجْ.
وفيها بحثانِ:
1- بحْثٌ في المستثنَى بعدَها، وحُكْمُه: الْجَرُّ بها لإضافتِها إليه.
2- بحْثٌ في إعرابِها لأنها اسمٌ، وحُكْمُها: أنها تُعْرَبُ بما كان يُعْرَبُ به المستثنَى بعدَ (إلا) على التفصيلِ السابقِ، فتقولُ: حضَرَ الضيوفُ غيرَ خالدٍ، بنَصْبِ (غيرَ) على الاستثناءِ؛ لأنه كلامٌ تامٌّ موجِبٌ كما تقولُ: حضَرَ الضيوفُ إلاَّ خالداً بنَصْبِ (خالداً) وتقولُ: ما حضَرَ الضيوفُ غيرَ خالدٍ أو غيرُ خالدٍ، بالاتِّباعِ والنصْبِ، وتقولُ: ما حضَرَ غيرُ خالدٍ، برفْعِ (غيرُ) وُجوباً لأنه استثناءٌ مُفَرَّغٌ، وتقولُ: ما حَضَرَ الضيوفُ غيرَ سَيَّارَةٍ، بنَصْبِ (غيرَ) عندَ غيرِ بني تَميمٍ، وبالاتِّباعِ عندَهم.
وهذا معنى قولِه: (واستَثْنِ مَجروراً.. إلخ) أي: استَثْنِ بكلمةِ (غيرَ) مستثنًى مجروراً دائماً حالةَ كونِ (غيرَ) مُعْرَباً بالإعرابِ الذي نُسِبَ وثَبَتَ للمستثنَى بـ (إلاَّ).
واعلَمْ أنَ استعمالَ (غيرَ) في بابِ الاستثناءِ قليلٌ، والأصْلُ في استعمالِها أنها تَقَعُ صِفةً لنكِرَةٍ، نحوُ: سلَّمْتُ على طالِبٍ غيرِ عَلِيٍّ، قالَ تعالى عن الكُفَّارِ: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} أو صفةً لشِبْهِ النَّكِرَةِ وهو المعرِفَةُ المرادُ منها الجنْسُ كقولِِه تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} فكلمةُ (غيرِ) مجرورةٌ، وهي صِفةٌ للاسمِ الموصولِ قَبْلَها، المرادُ به جِنْسٌ لا قومٌ بأعيانِهم، والمعَرَّفُ الذي يُرادُ به الجنْسُ قريبٌ مِن النَّكِرَةِ، وقد تَقعُ مُبتدأً أو خَبَراً لناسِخٍ وغيرِ ذلك.
حُكْمُ المستثنَى بـ(سِوَى).
326- ولسوى سُوًى سواءٍ اجْعَلَا = على الأَصَحِّ ما لِغَيْرٍ جُعِلَا
يَكْثُرُ استعمالُ (سوى) في بابِ (الاستثناءِ) وفيها لُغاتٌ (سِوَى سُوَى سَواءً سِواءٍ) والمستثنَى بها كالمستثنَى بـ (غيرِ) في وُجوبِ جَرِّه لإضافتِها إليه، نحوُ: كَتبتُ الواجِبَ سِوى صَفحتينِ، ما يَنفعُ الإنسانَ سِوى عمَلِهِ الصالِحِ.
وأمَّا (سِوى) ففيها قَولانِ:
الأوَّلُ: أنها ظَرْفُ مكانٍ منصوبٌ على الظرفيَّةِ، ولا تَخرجُ عن الظرفيَّةِ إلى غيرِها وما جاءَ مِن كلامِ العرَبِ شيءٌ استُعْمِلَتْ فيه اسْماً غيرَ ظرْفٍ، فهو مُؤَوَّلٌ أو ضَرورةٌ مِن ضَروراتِ الشعْرِ.
الثاني: أنها كـ (غيرَ) معنًى وإعراباً، فتكونُ مرفوعةً أو مَنصوبةً أو مجرورةً على التفصيلِ المتقَدِّمِ في (غيرَ) وهذا اختيارُ ابنِ مالِكٍ، وهو الراجِحُ لكثرةِ الشواهِدِ، نَثْراً ونَظْماً، على أنها مُتَصَرِّفَةٌ تَتأثَّرُ بالعوامِلِ الْمُخْتَلِفَةِ.
فمِن استعمالِها مجرورةً قولُه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: ((دَعَوْتُ رَبِّي أَلاَّ يُسَلِّطَ عَلَى أُمَّتِي عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهَا)) رواه مسلِمٌ وقولُه، صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: ((مَا أَنْتُمْ فِي سِوَاكُمْ مِنَ الْأُمَمِ إِلاَّ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَبْيَضِ أَوْ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ)) مُتَّفَقٌ عليه، واللفظُ لمسلِمٍ.
وقولُ الشاعرِ:
ولا يَنْطِقُ الفَحشاءَ مَن كانَ مِنهُمُ = اذا جَلَسُوا مِنَّا ولا مِن سوَائِنا
ومِن استعمالِها مَرفوعةً قولُ الآخَرِ:
واذا تُباعُ كريمةٌ أو تُشْتَرَى = فسِواكَ بائِعُها وأنتَ المشتَرِي

فـ (سِواكَ) مُبتدأٌ و (بائعُها) خبرٌ
وقولُ الآخَرِ:
ولم يَبْقَ سِوى العُدْوَا = نِ دِنَّاهُمْ كما دَانُوا
فـ (سِوَى) فاعِلٌ.
ومِن استعمالِها مَنصوبةً قولُ الشاعِرِ:
خَلاَ اللهِ لا أَرْجُو سِواكَ وَإِنَّمَا = أعُدُّ عِيَالِي شُعبةً مِن عِيَالِكَا

فـ (سِواكَ) مفعولٌ به.
وهذا معنى قولِه (ولسِوى سُوى.. إلخ) أي: اجْعَلْ ـ على القولِ المختارِ لـ (سِوى) بالكسْرِ والقَصْرِ (سُوَى) بالضمِّ والقصْرِ (وسَواءً) بالفتْحِ والْمَدِّ ما جُعِلَ لـ (غيرَ) مِن الأحكامِ لأنها مِثْلُها، وأشارَ بقولِه: (على الأَصَحِّ) إلى مُخالَفَةِ مَن يقولُ: إنها ظَرْفٌ غيرُ مُتَصَرِّفٍ.
وهو الخليلُ وسِيبويهِ.
حكْمُ المستثنَى بـ(ليس ولا يكونُ) وبـ(خَلاَ وعَدَا)
327- واسْتَثْنِ ناصباً بليس وخَلَا = وبِعَدَا وبيكونُ بَعْدَ لَا
328- واجْرُرْ بسابِقَيْ يكونُ إن تُرِدْ = وبعدَ ما انْصِبْ وانجرارٌ قد يَرِدْ
329- وحيث جَرَّا فهما حَرفانِ = كما هما إن نَصَبَا فِعلانِ
ذَكَرَ في هذه الأبياتِ القِسْمَ الثالثَ والرابعَ مِن أدواتِ الاستثناءِ، وهو ما كانَ فِعْلاً أو مُتَرَدِّداً بينَ الفِعليَّةِ والْحَرفيَّةِ.
فالقِسْمُ الثالثُ: ليس، ولا يكونُ، وهما فِعلانِ ناسِخانِ جَامِدانِ، وحكْمُ المستثنَى بهما وُجوبُ النصْبِ؛ لأنه خَبَرُهما، نحوُ: قَرأتُ الكتابَ ليس صَفحةً، أو: لا يكونُ صَفحةً، ومنه قولُه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ ((مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ)) متَّفَقٌ عليه.
أمَّا اسْمُهما فضميرٌ مسْتَتِرٌ وُجوباً تقديرُه (هو) يَعودُ على البعضِ المفهومِ مِن الكُلِّ السابقِ، الذي هو المستثنَى منه، فمعنى: قرأتُ الكتابَ ليس صفحةً: أنَّ المقروءَ كلٌّ اسْتُثْنِيَ بعضُه، أيْ: قرأتُ الكتابَ ليس بعضُ الكتابِ المقروءِ صَفحةً.
وجُملةُ الاستثناءِ (ليس صَفحةً) في مَحَلِّ نَصْبِ حالٍ، أو مُسْتَأْنَفَةٌ فلا مَحَلَّ لها مِن الإعرابِ، ويَبْقَى ارتباطُها بما قَبْلَها مِن الناحيةِ المعنوِيَّةِ فقط.
والقِسمُ الرابعُ: خلا، وعدا ويَجوزُ في المستثنَى بهما وَجهانِ:
الأوَّلُ: الْجَرُّ على أنهما حَرْفَا جَرٍّ، نحوُ: نَجَحَ الطلاَّبُ خَلا جابِرٍ فـ (خَلاَ) حَرْفُ جَرٍّ و(جابِرٍ) اسمٌ مجرورٌ، حَكَى سِيبويهِ أنَّ بعضَ العرَبِ يقولُ: ما أَتانِي القومُ خَلاَ عبدِ اللهِ، (بالجَرِّ) وحكى الأخفَشُ قولَ الشاعِرِ:
خَلاَ اللهِ لا أرْجُو سِواكَ وإنما = أَعُدُّ عِيالِي شُعبةً مِن عِيَالِكَا
وحَكَى سِيبَوَيْهِ والأخفَشُ الجَرَّ بـ (عدا) في قولِ الشاعِرِ:
أَبَحْنَا حَيَّهُمْ قَتْلاً وأَسْراً = عَدَا الشَّمْطَاءِ والطفْلِ الصغيرِ
والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقَانِ بالفعْلِ قَبْلَهما كما مَثَّلْنَا، وبما يُشْبِهُه إنْ لم يُوجَدْ في الكلامِ فِعْلٌ، نحوُ: القومُ إخوتُكَ خَلاَ صالحٍ.
الثاني: النصْبُ: على أنهما فِعلانِ جامِدانِ، وفاعِلَهما ضميرٌ مُسْتَتِرٌ وُجوباً، ومَرْجِعُ الضميرِ ومَحَلُّ الجملةِ الإعرابيُّ كما تَقَدَّمَ في (ليس).
وتَدْخُلُ عليهما (ما) الْمَصدريَّةُ فيَتعيَّنُ كونُهما فِعلينِ، ونَصْبُ ما بعدَهما ومنه قولُ الشاعرِ:
ألاَ كُلُّ شيءٍ ما خَلاَ اللهَ باطِلُ = وكلُّ نَعيمٍ لا مَحالةَ زائلُ
وتقولُ: خَرَجَ الضيوفُ ما خَلاَ عَلِيًّا، فـ (ما) مَصدريَّةٌ، و (خلا) فعْلٌ ماضٍ وفاعِلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ ـ كما تَقَدَّمَ ـ و (عليًّا) مفعولٌ به، و (ما) وما دَخَلَتْ عليه في تأويلِ مَصْدَرٍ في مَحَلِّ نَصْبِ حالٍ مُؤَوَّلٍ بالْمُشْتَقِّ، والتقديرُ: خَرَجَ الضيوفُ مُجَاوِزِينَ عَلِيًّا، أو ظرْفِ زمانٍ أيْ: وقتَ مُجاوَزَتِهِمْ عَليًّا.
وأجازَ بعضُ النُّجاةِ الْجَرَّ بهما بعدَ (ما) على اعتبارِ (ما) زائدةً، وهذا رأيٌ ضَعيفٌ، وما وَرَدَ عن العرَبِ لا يُقاسُ عليه لشُذوذِه، دونَ احتياجٍ إلى تأويلٍ.
وهذا معنى قولِه: (واسْتَثْنِ ناصِباً.. إلخ) أي: استَثْنِ بالأدواتِ المذكورةِ، ناصِباً للمستثنَى بها، وأشارَ بقولِه: (وبيكونُ بعدَ (لا)..) على أنه لا يُستعمَلُ في الاستثناءِ مِن لفْظِ الكونِ غيرُ (يكونُ) وهو المضارِعُ للغائبِ، ولا يُستعمَلُ معه مِن أدواتِ النفيِ غيرُ (لا).
ثم ذَكَرَ في البيتِ الثاني أنه يَجُوزُ لك جَرُّ المستثنَى بالأداتينِ السابقتينِ على (يكونُ) ـ إنْ شِئْتَ ـ وهما (خلا، وعدا) وإنْ شِئتَ فانْصِبْه، ويكونُ النصْبُ واجِباً إذا تَقَدَّمَتْ (ما) ثم أشارَ إلى رأيٍ لبعضِ النُّحاةِ: وهو أنهما قد يَجُرَّانِ المستثنَى أَحياناً مع وُجودِ (ما) قَبْلَهما على اعتبارِها زائدةً ثم أوْضَحَ في البيتِ الثالثِ أنهما في حالةِ جَرِّهما المستثنَى يُعتبرانِ حَرْفَيْ جَرٍّ، وأنهما في حالةِ نَصْبِه يُعتبرانِ فِعلينِ.
وقولُه: (وحيث جَرَّا فهما حَرفانِ) (حيثُ) اسمُ شرْطٍ عندَ مَن لا يَشترِطُ اقترانَه بـ (ما) وهو الفَرَّاءُ، وتكونُ الفاءُ في قولِه (فهما) واقعةٌ في جوابِ الشرْطِ؛ لأنه جُملةٌ اسميَّةٌ، أو تكونُ (حيث) ظَرْفاً على رأيِ الجمهورِ وهو متَعَلِّقٌ بقولِه: (حَرفانِ) لأنه بمعنى: تَثْبُتُ حَرْفِيَّتُهما حيثُ جَرَّا، وتكونُ الفاءُ قد دَخلتْ لتنزيلِ الظرْفِ مَنْزِلَةَ الشرْطِ.
حكْمُ المستثنَى بـ(حَاشَا)
330- وكَخَلَا حاشا ولا تَصْحَبُ مَا = وقيلَ حاشَ وحَشَا فاحْفَظْهُمَا
ذَكَرَ في هذا البيتِ (حاشا) وهي شَبيهةٌ بـ (خلا) في أنها تكونُ حرْفَ جَرٍّ، ويكونُ المستثنَى بها مَجروراً وهذا هو الكثيرُ، وتكونُ فِعْلاً ويكونُ المستثنَى بها مَنصوباً ـ كما تَقَدَّمَ ـ ومنه قولُ الشاعرِ:
حاشا قُريشاً فإنَّ اللهَ فَضَّلَهُمْ = على الْبَرِيَّةِ بالإسلامِ والدِّينِ
فـ (حاشا) فعْلٌ ماضٍ وفاعِلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ وُجوباً تقديرُه: (هو) يعودُ على البعضِ المفهومِ مِن الكلِّ السابقِ، وقُريشاً) مفعولٌ به لحاشَا.
ودخولُ (ما) المصدريَّةِ على (حاشا) قليلٌ، حتى إنَّ أَكْثَرَ النَّحْوِيِّينَ مَنَعَه، ومَن أَجَازَهُ اسْتَدَلَّ بقولِ الشاعرِ:
رأيتُ الناسَ ما حاشا قُريشاً = فإنَّا نحنُ أفْضَلُهم فِعَالاَ

وهذا معنى قولِه: (وكخلا حاشا) أيْ: أنَّ (حاشا) شَبيهةٌ بـ (خلا) في كلِّ أحكامِها، لكنْ لا تَجيءُ (ما) قَبلَ (حَاشَا) ثم ذَكَرَ أنَّ فيها لُغاتٍ أشْهَرُها (حاشَ) بحذْفِ الألِفِ الأخيرةِ، و (حشا) بحَذْفِ الأُولَى واللهُ أَعْلَمُ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الاستثناء, بغير

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:00 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir