دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الدورات العلمية > دورات العقيدة > شرح ثلاثة الأصول وأدلتها

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13 رمضان 1432هـ/12-08-2011م, 08:02 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تلخيص قصص الأنبياء، وبيان دعوتهم

قال شيخ الإسلام: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:

بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم رحمك الله: أن أفرض ما فرض الله عليك، معرفة دينك: الذي معرفته والعمل به، سبب لدخول الجنة ; والجهل به وإضاعته، سبب لدخول النار. ومن أوضح ما يكون لذوي الفهم: قصص الأولين والآخرين، قصص من أطاعه، وما فعل بهم، وقصص من عصاه، وما فعل بهم ; ومن لم يفهم ذلك، ولم ينتفع به، فلا حيلة فيه، كما قال تعالى: {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}.
وقال بعض السلف: القصص جنود الله، يعني أن المعاند لا يقدر يردها.
فأول ذلك ما قص الله عن آدم وإبليس، إلى أن قال: اهبطوا في الأرض؛ ففيها من إيضاح المشكلات، ما هو واضح لمن تأمله، كما قال تعالى: {قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}.
وفي الآية الأخرى: {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا} إلى قوله: {ولعذاب الآخرة أشد وأبقى}.
وهداه الذي وعدنا به: إرسال الرسل، وإنزال الكتب، وقد وفى بما وعد سبحانه؛ فأرسل الرسل مبشرين ومنذرين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل؛ فأولهم نوح عليه السلام، وآخرهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. فاحرص يا عبد الله، على معرفة هذا الحبل الذي بين الله وبين عباده، الذي من استمسك به سلم، ومن ضيعه عطب. فاحرص على معرفة ما جرى لأبيك آدم، وعدوه إبليس، وما جرى لنوح وقومه، وهود وقومه، وصالح وقومه، وإبراهيم وقومه، ولوط وقومه، وعيسى وقومه، وموسى وقومه، ومحمد صلى الله عليه وسلم وقومه.
واعرف ما قصَّه أهل العلم من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وقومه، وما جرى له معهم في مكة، وما جرى له في المدينة ; واعرف ما قص العلماء عن أصحابه، وأحوالهم وأعمالهم، لعلك أن تعرف الإسلام والكفر؛ فإن الإسلام اليوم غريب، وأكثر الناس لا يميز بينه وبين الكفر وذلك هو الهلاك الذي لا يرجى معه فلاح.

فأما قصة آدم وإبليس، فلا زيادة على ما ذكر الله عز وجل في كتابه، ولكن قصة ذريته، فأول ذلك: أن الله أخرجهم من صلبه أمثال الذر، وأخذ عليهم العهود أن لا يشركوا به شيئا، كما قال تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا } ورأى فيهم الأنبياء مثل السرج، ورأى رجلا من أنورهم، فسأله عنه، فأعلمه الله أنه داود، فقال: كم عمره؟
قيل: ستون.
قال: وهبت له من عمري أربعين سنة، وكان عمر آدم ألف سنة.
ورأى فيهم الأعمى، والأبرص، والمبتلى، فقال يا رب: لم لا سويت بينهم؟
قال: إني أحب أن أشكر; فلما مضى من عمر آدم ألف سنة إلا أربعين، أتاه ملك الموت.
فقال: إنه بقي من عمري أربعين سنة، فقال: التي وهبتها لابنك داود، فنسي فنسيت ذريته، وجحد فجحدت ذريته.
فلما مات آدم، بقيت ذريته من بعده عشرة قرون، على دين أبيهم، دين الإسلام، ثم كفروا بعد ذلك.
وسبب كفرهم هو الغلو في حب الصالحين، كما ذكر الله تعالى في قوله: {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا }.
وذلك: أن هؤلاء الخمسة قوم صالحون، يأمرونهم وينهونهم، فماتوا في شهر، فخاف أصحابهم من نقص الدين بعدهم، فصوروا صورهم، فصوروا صورة لكل رجل في مجلسه، لأجل التذكرة بأقوالهم، وأعمالهم إذا رأوا صورهم، ولم يعبدوهم.
ثم حدث قرن آخر، فعظموهم أشد تعظيما من الذين قبلهم ولم يعبدوهم. ثم طال الزمان ومات أهل العلم؛ فلما خلت الأرض من العلماء، ألقى الشيطان في قلوب الجهال: أن أولئك الصالحين ما صوروا صور مشايخهم، إلا ليشفعوا لهم إلى الله عز وجل، فعبدوهم.
فلما فعلوا ذلك؛ أرسل الله إليهم نوحا عليه السلام، ليردهم على دين أبيهم آدم عليه السلام، وذريته الذين مضوا قبل التبديل، فكان من أمرهم ما قص الله في كتابه.
ثم عمر نوح وأهل السفينة الأرض، وبارك الله فيهم، وانتشروا في الأرض أمما، وبقوا على الإسلام مدة لا ندري ما قدرها. ثم حدث الشرك، فأرسل الله الرسل، وما من أمة إلا ويبعث الله فيهم رسولا، يأمرهم بالتوحيد، وينهاهم عن الشرك، كما قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } وقال تعالى: {ثم أرسلنا رسلنا تترا كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون}.
وقال: {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك }.
ولما ذكر الله القصص في سورة الشعراء، ختم كل قصة بقوله: {إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين} فقص الله ما قص في القرآن من القصص لأجلنا، كما قال تعالى: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} .
ولما أنكر الله على أناس من هذه الأمة، في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أشياء فعلوها، قال: {ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات } الآية وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص على أصحابه قصص من قبلهم، ليعتبروا بذلك.
وكذلك أهل العلم، في نقلهم سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جرى له مع قومه، وما قال لهم، وما قيل له ; وكذلك نقلهم سيرة أصحابه، وما جرى لهم مع الكفار والمنافقين، وذكرهم أحوالهم وأقوالهم، وأحوال العلماء بعدهم، كل ذلك لأجل معرفة الخير والشر.
إذا فهمت هذا، فاعلم: أن كثيرا من الرسل وأممهم لا نعرفهم لأن الله لم يخبرنا عنهم، كما قال تعالى: {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك }
لكن أخبرنا عن عاد التي لم يخلق مثلها في البلاد، فبعث الله إليهم هودا عليه السلام، فكان من أمرهم ما قص الله في كتابه، ثم بعدهم ثمود الذين جابوا الصخر بالواد، فبعث الله إليهم صالحا عليه السلام، فكان من أمرهم ما قص الله علينا في كتابه، وبقي التوحيد في أصحاب هود إلى أن عدم بعد مدة لا ندري ما هي، وبقي في أصحاب صالح، ثم عدم بعد مدة لا ندري كم هي.
ثم بعث الله إبراهيم عليه السلام، وليس على وجه الأرض يومئذ مسلم إلا هو، فجرى عليه من قومه ما جرى، وآمنت به امرأته سارة، ثم آمن له لوط عليه السلام، ومع هذا نصره الله ورفع قدره، وجعله إماما للناس.
ومنذ ظهر إبراهيم عليه السلام، لم يعدم التوحيد في ذريته كما قال تعالى: {وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون}
فإذا كان هو الإمام، فنذكر شيئا من أحواله، لا يستغنى مسلم عن معرفتها، فنقول: في الصحيحين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لم يكذب إبراهيم عليه السلام قط، إلا ثلاث كذبات، اثنتين في ذات الله، قوله: {إني سقيم} وقوله: {قال بل فعله كبيرهم هذا }
وواحدة في شأن سارة، فإنه قدم أرض جبار ومعه سارة، وكانت أحسن النساء، فقال لها: إن هذا الجبار، إن يعلم إنك امراتي يغلبني عليك، فإن سألك فأخبريه أنك أختي في الإسلام، فإني لا أعلم في الأرض مسلما غيري وغيرك. فلما دخل أرضه، رآها بعض أهل الجبار، فأتاه فقال: لقد قدم أرضك امرأة لا ينبغي أن تكون إلا لك، فأرسل إليها الجبار، فأتى بها فقام إبراهيم يصلي، فلما دخلت عليه، لم يتمالك أن بسط يده إليها، فقبضت يده قبضة شديدة، قال لها: ادعي الله أن يطلق يدي، فلك الله لا أضرك، ففعلت، فعاد فقبضت قبضة أشد من القبضة الأولى، فقال لها مثل ذلك، فعاد فقبضت أشد من القبضتين الأوليين، فقال لها: ادعي الله أن يطلق يدي، فلك الله لا أضرك، ففعلت فأطلقت يده. ودعا الذي جاء بها، فقال له إنما جئتني بشيطان، ولم تأتني بإنسان، فأخرجها من أرضي، وأعطاها هاجر، فأقبلت، فلما رآها إبراهيم انصرف، وقال لها: مهيم؟ قالت: خيرا، كفى الله كيد الفاجر، وأخدم خادما" قال أبو هريرة: "تلك أمكم يا بني ماء السماء".
وللبخاري: " أن إبراهيم لما سئل عنها، قال: هي أختي، ثم رجع إليها، فقال: لا تكذبين حديثي، فإني أخبرتهم أنك أختي، فوالله ما على الأرض مؤمن غيري وغيرك. فأرسل بها إليه، فقام إليها، فقامت تتوضأ وتصلي، فقالت: اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك، وأحصنت فرجي إلا على زوجي، فلا تسلط علي يد هذا الكافر، فغط حتى ركض برجله الأرض، فقالت: اللهم إن يمت يقال هي قتلته، فأرسل في الثانية، والثالثة، وكلما غط قامت إلى الصلاة والدعاء. ثم بعد ذلك، قال: والله ما أرسلتم إلي إلا شيطانه، أرجعوها إلى إبراهيم، وأعطوها هاجر، فرجعت إلى إبراهيم، فقالت: أشعرت أن الله كبت يد الفاجر، وأخدم وليدة ".
وكان إبراهيم عليه السلام بأرض العراق، وبعد ما جرى عليه من قومه ما جرى، هاجر إلى الشام واستوطنها إلى أن مات فيها. وأعطته سارة الجارية التي أعطاها الجبار، فواقعها، فولدت له إسماعيل عليه السلام، فغارت سارة من الجارية التي أعطتها إبراهيم، فأمره الله بإبعادها عنها، فذهب بها وابنها فأسكنهما مكة ; ثم بعد ذلك وهب الله له، ولسارة إسحاق عليه السلام، كما ذكر الله سبحانه بشارة الملائكة له ولها {بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب}.
وفي الصحيح: عن ابن عباس، قال: " لما كان بين إبراهيم وأهله ما كان، خرج بإسماعيل وأم إسماعيل، ومعه شنة فيها ماء، فجعلت أم إسماعيل تشرب من الشنة، فيدر لبنها على صبيها، حتى قدم مكة فوضعها تحت دوحة، فوق زمزم، في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، ووضع عندهما جرابا فيه تمر، وسقاء فيه ماء. ثم قفى إبراهيم منطلقا، فتبعته أم إسماعيل، فلما بلغ كداء، نادته من ورائه: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي، الذي ليس به أنيس ولا شيء؟ فقالت ذلك مرارا، وهو لا يلتفت إليها، فقالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم ; قالت: إذا لا يضيعنا، وفي لفظ: إلى من تكلنا؟ قال: إلى الله ; قالت: رضيت بالله، ثم رجعت. فانطلق إبراهيم، حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه، فقال: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون}. وجعلت أم إسماعيل ترضعه، وتشرب من الشنة، فيدر لبنها على صبيها، حتى إذا نفد ما في السقاء، عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى. فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل إليها، فقامت عليه واستقبلت الوادي، تنظر هل ترى أحدا، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي، رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود، حتى جاوزت الوادي. ثم أتت المروة، فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرات. قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك سعى الناس بينهما. ثم قالت: لو ذهبت فنظرت بعيني ما فعل الصبي، فذهبت فنظرت، فإذا هو على حاله، كأنه ينشغ للموت، فلم تقر نفسها، فقالت: لو ذهبت فنظرت، لعلي أحس أحدا، حتى تمت سبعا. ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل الصبي، فإذا هي بصوت، فقالت: أغث إن كان عندك خير، فإذا جبرائيل عليه السلام، قال: فقال بعقبه على الأرض، فانبث الماء، فدهشت أم إسماعيل. فقال أبو القاسم: فجعلت تحفر، فقال صلى الله عليه وسلم: يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم، أو قال لو لم تغرف من الماء، لكانت زمزم عينا معينا. وفي حديثه: فجعلت تغرف من الماء في سقائها، قال: فشربت وأرضعت ولدها. فقال لها الملك: لا تخافي الضيعة، فإن هاهنا بيت الله يبنيه هذا الغلام، وأبوه، إن الله لا يضيع أهله. وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية، تأتيه السيول وتأخذ عن يمينه وشماله. فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم، مقبلين من كداء، فرأوا طيرا عائفا، فقالوا: إن هذا الطائر يدور على ماء، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء.
فأرسلوا جريا أو جريين، فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم. فأقبلوا، فقالوا لأم إسماعيل: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟
قالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء .
قالوا: نعم.
قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فألفى ذلك أم إسماعيل، وهي تحب الأنيس. فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم، فنزلوا معهم، حتى إذا كانوا بها أهل أبيات منهم، وشب الغلام، وتعلم العربية منهم، وأنفسهم وأعجبهم حيث شب؛ فلما أدرك زوجوه امرأة منهم، وماتت أم إسماعيل. فجاء إبراهيم: بعدما تزوج إسماعيل، يطلع تركته، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا. ثم سألها عن حالهم وعيشهم وهيئتهم؟ فقالت: نحن بشر، ونحن بضيق وشدة، وشكت إليه، قال: فإذا جاء زوجك، فاقرئي عليه السلام، وقولي له يغير عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل، كأنه أنس شيئا، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألنا كيف عيشنا فأخبرته أنا في ضيق وشدة، قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول: غير عتبة بابك ; قال: ذلك أبي، وأمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك فطلقها.
وتزوج منهم أخرى، فلبث عنهم ما شاء الله، فقال لأهله: إني مطلع تركتي، فجاء فقال لامرأته: أين إسماعيل؟ قالت: ذهب يصيد لنا ; فقالت: ألا تنزل وتطعم وتشرب ; قال: وما طعامكم وشرابكم؟ قالت: طعامنا اللحم، وشرابنا الماء; قال: اللهم بارك لهم في طعامهم، وشرابهم. قال: فقال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: بركة دعوة إبراهيم، فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ولم يكن لهم يومئذ حب، ولو كان لهم دعا لهم فيه. وسألها عن عيشهم وهيئتهم؟ فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله ; قال: إذا جاء زوجك، فاقرئي عليه السلام، ومريه يثبت عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل، قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه، فسألني عن عيشنا، فأخبرته أنا بخير ; قال: هل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، هو يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك، قال: ذلك أبي، وأنت العتبة، وأمرني أمسكك. ثم لبث ما شاء الله، فقال لأهله: إني مطلع تركتي، فجاء فوافق إسماعيل، وهو يبري نبلا له، تحت دوحة قريبا من زمزم، فلما رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بولده، والولد بالوالد ; ثم قال: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع أمر ربك ; قال: وتعينني؟ قال: وأعينك.
قال: إن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتا، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها. قال: فعند ذلك رفع إبراهيم القواعد من البيت فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع، جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} " هذا آخر حديث ابن عباس.
فصارت ولاية البيت ومكة لإسماعيل، ثم لذريته من بعده، وانتشرت ذريته في الحجاز، وكثروا. وكانوا على الإسلام دين إبراهيم وإسماعيل قرونا كثيرة، ولم يزالوا على ذلك، حتى نشأ فيهم عمرو بن لحي، فابتدع الشرك، وغير دين إبراهيم عليه السلام، وتأتي قصته إن شاء الله تعالى.
وأما إسحاق عليه السلام، فإنه نشأ في الشام وذريته، وهم بنو إسرائيل والروم؛ فأما بنو إسرائيل فأبوهم يعقوب عليه السلام ابن إسحاق، ويعقوب هو إسرائيل ; وأما الروم فأبوهم عيص بن إسحاق. ومما أكرم الله به نبيه إبراهيم عليه السلام: أن الله ما بعث بعده نبيا إلا من ذريته، كما قال تعالى: {وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب } وكل الأنبياء والرسل، من ذرية إسحاق.
وأما إسماعيل: فلم يبعث من ذريته إلا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بعثه الله إلى العالمين كافة، فكان من قبله من الأنبياء كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وفضله على جميع الأنبياء.

وأما قصة عمرو بن لحي، وتغييره دين إبراهيم: فإنه نشأ على أمر عظيم من المعروف والصدقة، والحرص على أمور الدين، فأحبه الناس حبا عظيما، ودانوا له لأجل ذلك، وملكوه عليهم حتى صار ملك مكة له، وولاية البيت بيده، وظنوا أنه من أكابر العلماء وأفاضل الأولياء.
ثم إنه سافر إلى الشام، فرآهم يعبدون الأوثان، فاستحسن ذلك وظنه حقا، لأن الشام محل الرسل والكتب، فلهم الفضيلة بذلك على أهل الحجاز وغيرهم، فرجع إلى مكة وقدم معه بهبل، وجعله في جوف الكعبة. ودعا أهل مكة إلى الشرك بالله، فأجابوه. وأهل الحجاز في دينهم تبع لأهل مكة لأنهم ولاة البيت وأهل الحرم؛ فتبعهم أهل الحجاز على ذلك ظنا أنه الحق. فلم يزالوا على ذلك حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بدين إبراهيم، وإبطال ما أحدثه عمرو بن لحي؛ وكانت الجاهلية على ذلك، فيهم بقايا من دين إبراهيم لم يتركوه كله.
وأيضا يظنون أنهم على دين إبراهيم، وأن ما أحدثه عمرو بدعة حسنة، لا تغير دين إبراهيم، وكانت تلبية نزار: لبيك اللهم لبيك، لبيك، لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك، فأنزل الله عز وجل {ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون}.

ومن أقدم أصنامهم " مناة " وكان منصوبا على ساحل البحر بقديد، تعظمه العرب كلها، لكن الأوس والخزرج، أشد تعظيما له من غيرهم، وبسبب ذلك أنزل الله: {إن الصفا والمروة من شعائر الله }
ثم اتخذوا اللات بالطائف، قيل إن أصله رجل صالح، يلت السويق للحجاج، فمات فعكفوا على قبره.
ثم اتخذوا " العزَّى " بوادي نخلة، بين مكة والطائف، فهذه الثلاثة أكبر أوثانهم.
ثم كثر الشرك، وكثرت الأوثان في كل بقعة من الحجاز ; وكان لهم أيضا بيوت يعظمونها كتعظيم الكعبة، وكانوا كما قال الله عز وجل{لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } [سورة آل عمران آية : 164].
ولما دعا إلى الله، كان أشد الناس إنكارا له: علماؤهم، وعبادهم، وملوكهم، وعامتهم، حتى إنه لما دعا رجلا إلى الإسلام، قال له: من معك على هذا؟ قال: (حر وعبد)، ومعه يومئذ أبو بكر وبلال.

وأعظم فائدة لك أيها الطالب، وأكبر العلم، وأجل المحصول: إن فهمت ما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ ))
وقوله: (( لتتبعن سنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. قالوا: يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟))
وقوله: (( ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة)).
فهذه المسألة هي أجل المسائل، ومن فهمها فهو الفقيه، ومن عمل بها فهو المسلم. نسأل الله الكريم المنان، أن يتفضل علينا بفهمها، والعمل بها).

  #2  
قديم 13 رمضان 1432هـ/12-08-2011م, 09:34 PM
بلوغ المرام بلوغ المرام غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 36
افتراضي

جزاكم الله خيرا وبارك فيكم

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تلخيص, قصص

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:46 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir