دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب النكاح

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 محرم 1430هـ/17-01-2009م, 12:33 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب عشرة النساء (10/11) [الغيلة والعزل]


وعنْ جُذَامَةَ بنتِ وَهْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالَتْ: حَضَرْتُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أُنَاسٍ وهوَ يقولُ: ((لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ، فَنَظَرْتُ فِي الرُّومِ وَالْفُرْسِ فَإِذَا هُمْ يَغِيلُونَ أَوْلَادَهُمْ، فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ أَوْلَادَهُمْ شَيْئًا)). ثمَّ سَأَلُوهُ عن الْعَزْلِ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ)). رواهُ مسلمٌ.
وعنْ أبي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنَّ رَجُلًا قالَ: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّ لي جَاريَةً وَأَنَا أَعْزِلُ عنها، وأنا أَكْرَهُ أنْ تَحْمَلَ، وأنا أُريدُ ما يُريدُ الرجالَ، وإنَّ اليهودَ تُحَدِّثُ أنَّ الْعَزْلَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرى. قالَ:((كَذَبَتْ يَهُودُ، لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَهُ مَا اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصْرِفَهُ)). رواهُ أحمدُ وأبو داودَ، واللفظُ لهُ، والنَّسائيُّ والطحاويُّ، ورجالُهُ ثِقَاتٌ.
وعنْ جابرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: كُنَّا نَعْزِلُ على عَهْدِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والقرآنُ يَنْزِلُ، ولوْ كانَ شَيْئًا يُنْهَى عنهُ لنَهانَا عنهُ القرآنُ. مُتَّفَقٌ عليهِ.
ولمُسْلِمٍ: فبَلَغَ ذلكَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلمْ يَنْهَنَا.


  #2  
قديم 21 محرم 1430هـ/17-01-2009م, 07:15 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


11/964 - وَعَنْ جُذَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُنَاسٍ وَهُوَ يَقُولُ: ((لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَن الْغِيلَةِ، فَنَظَرْتُ فِي الرُّومِ وَفَارِسَ، فَإِذَا هُمْ يُغِيلُونَ أَوْلادَهُمْ، فَلا يَضُرُّ ذَلِكَ أَوْلادَهُمْ شَيْئاً)). ثُمَّ سَأَلُوهُ عَن الْعَزْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَعَنْ جُذَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ): بِضَمِّ الْجِيمِ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ، وَيُرْوَى بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، قِيلَ: وَهُوَ تَصْحِيفٌ، هِيَ أُخْتُ عُكَّاشَةَ بْنِ مُحْصِنٍ مِنْ أُمِّهِ، هَاجَرَتْ مَعَ قَوْمِهَا، وَكَانَتْ تَحْتَ أُنَيْسِ بْنِ قَتَادَةَ: مُصَغَّرُ أَنَسٍ.
(قَالَتْ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُنَاسٍ وَهُوَ يَقُولُ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ): بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ فَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ، (فَنَظَرْتُ فِي الرُّومِ وَفَارِسَ، فَإِذَا هُمْ يُغِيلُونَ أَوْلادَهُمْ، فَلا يَضُرُّ ذَلِكَ أَوْلادَهُمْ شَيْئاً. ثُمَّ سَأَلُوهُ عَن الْعَزْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
اشْتَمَلَ الْحَدِيثُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ:
الأُولَى: الْغِيلَةُ، تَقَدَّمَ ضَبْطُهَا، وَيُقَالُ لَهَا: الْغَيَلُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ المُعْجَمَةِ مَعَ فَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ، وَالْغِيَالُ؛ بِكَسْرِ الْغَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِهَا: مُجَامَعَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَهِيَ تُرْضِعُ، كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ وَالأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَقِيلَ: هِيَ أَنْ تُرْضِعَ الْمَرْأَةُ وَهِيَ حَامِلٌ.
وَالأَطِبَّاءُ يَقُولُونَ: إنَّ ذَلِكَ دَاءٌ، وَالْعَرَبُ تَكْرَهُهُ وَتَتَّقِيهِ. وَلَكِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَبَيَّنَ عَدَمَ الضَّرَرِ الَّذِي زَعَمَهُ الْعَرَبُ وَالأَطِبَّاءُ، بِأَنَّ فَارِساً وَالرُّومَ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَلا ضَرَرَ يَحْدُثُ مَعَ الأَوْلادِ. وَقَوْلُهُ: ((فَإِذَا هُمْ يُغِيلُونَ)) هوَ مِنْ: أَغَالَ يُغِيلُ.
وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْعَزْلُ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ، وَهُوَ أَنْ يَنْزِعَ الرَّجُلُ بَعْدَ الإِيلاجِ؛ لِيُنْزِلَ خَارِجَ الْفَرْجِ، وَهُوَ يُفْعَلُ لأَحَدِ أَمْرَيْنِ:
أَمَّا فِي حَقِّ الأَمَةِ؛ فَلِئَلاَّ تَحْمِلَ؛ كَرَاهَةً لِمَجِيءِ الْوَلَدِ مِن الأَمَةِ، وَلأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يَتَعَذَّرُ بَيْعُهَا، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْحُرَّةِ فَكَرَاهَةَ ضَرَرِ الرَّضِيعِ إنْ كَانَ، أَوْ لِئَلاَّ تَحْمِلَ الْمَرْأَةُ.
وَقَوْلُهُ فِي جَوَابِ سُؤَالِهِمْ عَنْهُ: ((إِنَّهُ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ)) دَالٌّ عَلَى تَحْرِيمِهِ؛ لأَنَّ الْوَأْدَ دَفْنُ الْبِنْتِ حَيَّةً. وَبِالتَّحْرِيمِ جَزَمَ ابْنُ حَزْمٍ مُحْتَجًّا بِحَدِيثِ الْكِتَابِ هَذَا.
وَقَالَ الْجُمْهُورُ: يَجُوزُ عَن الْحُرَّةِ بِإِذْنِهَا، وَعَن الأَمَةِ السُّرِّيَّةِ بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَلَهُمْ خِلافٌ فِي الأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ بِحُرٍّ. قَالُوا: وَحَدِيثُ الْكِتَابِ مُعَارَضٌ بِحَدِيثَيْنِ:
الأَوَّلُ: عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ لَنَا جَوَارٍ، وَكُنَّا نَعْزِلُ، فَقَالَت الْيَهُودُ: تِلْكَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى، فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: ((كَذَبَتِ الْيَهُودُ، وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ خَلْقَهُ لَمْ تَسْتَطِعْ رَدَّهُ)). أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَالثَّانِي: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ.
قَالَ الطَّحْاوِيُّ: وَالْجَمْعُ بَيْنَ الأَحَادِيثِ يَحْمِلُ النَّهْيَ فِي حَدِيثِ جُذَامَةَ عَلَى التَّنْزِيهِ.
وَرَجَّحَ ابْنُ حَزْمٍ حَدِيثَ جُذَامَةَ، وَأَنَّ النَّهْيَ فِيهِ لِلتَّحْرِيمِ، بِأَنَّ حَدِيثَ غَيْرِهَا مُرَجِّحٌ لأَصْلِ الإِبَاحَةِ، وَحَدِيثَهَا مَانِعٌ، فَمَن ادَّعَى أَنَّهُ أُبِيحَ بَعْدَ الْمَنْعِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ.
وَنُوزِعَ ابْنُ حَزْمٍ فِي دَلالَةِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ)) عَلَى الصَّرَاحَةِ بِالتَّحْرِيمِ؛ لأَنَّ التَّحْرِيمَ لِلْوَأْدِ الْمُحَقَّقِ الَّذِي هُوَ قَطْعُ حَيَاةٍ مُحَقَّقَةٍ، وَالْعَزْلُ شَبَّهَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ، وإِنَّمَا هُوَ قَطْعٌ لِمَا يُؤَدِّي إلَى الْحَيَاةِ، وَالْمُشَبَّهُ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ وَأْداً؛ لِمَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ قَصْدِ مَنْعِ الْحَمْلِ.
وَأَمَّا عِلَّةُ النَّهْيِ عَن الْعَزْلِ؛ فَالأَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ مُعَانَدَةٌ لِلْقَدَرِ، وَهذا دَالٌّ عَلَى عَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالأَمَةِ.
فَائِدَةٌ: مُعَالَجَةُ الْمَرْأَةِ لإِسْقَاطِ النُّطْفَةِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ يَتَفَرَّعُ جَوَازُهُ وَعَدَمُهُ عَلَى الْخِلافِ فِي الْعَزْلِ، وَمَنْ أَجَازَهُ أَجَازَ الْمُعَالَجَةَ، وَمَنْ حَرَّمَهُ حَرَّمَ هَذَا بِالأَوْلَى. وَيَلْحَقُ بِهَذَا تَعَاطِي الْمَرْأَةِ مَا يَقْطَعُ الْحَبَلَ مِنْ أَصْلِهِ، وَقَدْ أَفْتَى بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِالْمَنْعِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى قَوْلِهِمْ بِإِبَاحَةِ الْعَزْلِ مُطْلَقاً.
12/965 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ لِي جَارِيَةً وَأَنَا أَعْزِلُ عَنْهَا، وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ، وَأَنَا أُرِيدُ مَا يُرِيدُ الرِّجَالُ، وَإِنَّ الْيَهُودَ تُحَدِّثُ أَنَّ الْعَزْلَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى، قَالَ: ((كَذَبَتِ الْيَهُودُ، لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَهُ مَا اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصْرِفَهُ)).
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَاللَّفْظُ لَهُ، وَالنَّسَائِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ لِي جَارِيَةً وَأَنَا أَعْزِلُ عَنْهَا، وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ، وَأَنَا أُرِيدُ مَا يُرِيدُ الرِّجَالُ، وَإِنَّ الْيَهُودَ تُحَدِّثُ أَنَّ الْعَزْلَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى، قَالَ: كَذَبَتِ الْيَهُودُ، لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَهُ مَا اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصْرِفَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَاللَّفْظُ لَهُ، وَالنَّسَائِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ).
الْحَدِيثُ قَدْ عَارَضَ حَدِيثَ النَّهْيِ، وَتَسْمِيَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَزْلَ الْوَأْدَ الْخَفِيَّ، وَفِي هَذَا كَذَبَ يَهُودُ فِي تَسْمِيَتِهِ الْمَوْءُودَةَ الصُّغْرَى.
وَقَدْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ حَدِيثَ النَّهْيِ حُمِلَ عَلَى التَّنْزِيهِ وَتَكْذِيبِ الْيَهُودِ؛ لأَنَّهُمْ أَرَادُوا التَّحْرِيمَ الْحَقِيقِيَّ، وَقَوْلُهُ: ((لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَهُ...)) إلَى آخِرِهِ، مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَعَالَى إذَا قَدَّرَ خَلْقَ نَفْسٍ فَلا بُدَّ مِنْ خَلْقِهَا، وَأَنَّهُ يَسْبِقُكُم الْمَاءُ فَلا تَقْدِرُونَ عَلَى دَفْعِهِ، وَلا يَنْفَعُكُم الْحِرْصُ عَلَى ذَلِكَ؛ فَقَدْ يَسْبِقُ الْمَاءُ مِنْ غَيْرِ شُعُورِ الْعَازِلِ؛ لِتَمَامِ مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ عَن الْعَزْلِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَوْ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الْوَلَدُ أَهَرَقْتَهُ عَلَى صَخْرَةٍ لأَخْرَجَ اللَّهُ لَهُ مِنْهَا وَلَداً))، وَلَهُ شَاهِدَانِ فِي الْكَبِيرِ لِلطَّبَرَانِيِّ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي الأَوْسَطِ لَهُ عَن ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ.


13/966 - وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ، وَلَوْ كَانَ شَيْئاً يَنْهَى عَنْهُ لَنَهَانَا عَنْهُ الْقُرْآنُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِمُسْلِمٍ: فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَنْهَنَا عَنْهُ.
(وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ، لَوْ كَانَ شَيْءٌ يَنْهَى عَنْهُ لَنَهَانَا عَنْهُ الْقُرْآنُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، إلاَّ أَنَّ قَوْلَهُ: " لَوْ كَانَ شَيْءٌ يَنْهَى عَنْهُ " إلَى آخِرِهِ لَمْ يَذْكُرْهُ الْبُخَارِيُّ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ كَلامِ سُفْيَانَ أَحَدِ رُوَاتِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَالَهُ اسْتِنْبَاطاً.
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَتْحِ: تَتَبَّعْتُ الْمَسَانِيدَ فَوَجَدْتُ أَكْثَرَ رُوَاتِهِ عَنْ سُفْيَانَ لا يَذْكُرُونَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ، انْتَهَى.
وَقَدْ وَقَعَ لِصَاحِبِ الْعُمْدَةِ مِثْلُ مَا وَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ هُنَا، فَجَعَلَ الزِّيَادَةَ مِن الْحَدِيثِ، وَشَرَحَهَا ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَاسْتَغْرَبَ اسْتِدْلالَ جَابِرٍ بِتَقْرِيرِ اللَّهِ لَهُمْ. (وَلِمُسْلِمٍ)؛ أيْ: عَنْ جَابِرٍ، (فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَنْهَنَا عَنْهُ)، فَدَلَّ تَقْرِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ عَلَى جَوَازِهِ.
وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ أَرَادَ جَابِرٌ بِالْقُرْآنِ مَا يُقْرَأُ أَعَمَّ مِن الْمُتَعَبَّدِ بِتِلاوَتِهِ، أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا يُوحَى إلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: فَعَلْنَا فِي زَمَنِ التَّشْرِيعِ، وَلَوْ كَانَ حَرَاماً لَمْ نُقَرَّ عَلَيْهِ. قِيلَ: فَيَزُولُ اسْتِغْرَابُ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ، إلاَّ أَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ عِلْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُمْ فَعَلُوهُ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْعَزْلِ، وَلا تُنَافِيهِ كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ كَمَا دَلَّ لَهُ أَحَادِيثُ النَّهْيِ.

  #3  
قديم 21 محرم 1430هـ/17-01-2009م, 07:26 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


888- وعن جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ رَضِيَ اللهُ عنهَا قَالَتْ: حَضَرْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في أُناسٍ، وهو يَقُولُ: ((لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَن الغِيلَةِ، فَنَظَرْتُ فِي الرُّومِ وفَارِسَ، فَإِذَا هُمْ يُغِيلُونَ أَوْلادَهُمْ، فَلاَ يَضُرُّ ذَلِكَ أَوْلادَهُمْ شَيْئاً)). ثُمَّ سَأَلُوهُ عَنِ العَزْلِ، فَقَالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ((ذَلِكَ الوَأْدُ الْخَفِيُّ)). رواهُ مُسلِمٌ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
مُفرداتُ الحديثِ:
- هَمَمْتُ: قَالَ أهلُ اللُّغَةِ: هَمَّ بالأمْرِ همَّا: عَزَمَ علَى القِيامِ به ولم يَفْعَلْه، فَقَدْ هَمَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنْ يَنْهَى عن الغِيلَةِ، ولكنَّه لَمْ يَنْهَ.
- الغِيلَةُ: بكسرِ الغينِ المُعجمَةِ فمُثنَّاةٍ تَحتيَّةٍ، وهي مُجامَعَةُ الرجُلِ امْرَأَتَهُ وهي تُرْضِعُ، أو حَامِلٌ.
- الرُّومُ: جيلٌ عَظِيمٌ من الناسِ، بَلَغُوا في زَمانِهم الغَايَةَ في الكَثْرَةِ والقُوَّةِ.
قالَ ابنُ حَزْمٍ: إنَّ الرُّومَ نُسِبُوا إلى "رُوملسَ" باني رُوما، ولَمَّا زَحَفَتِ الفُتوحاتُ الإسلامِيَّةُ، اسْتَوْلَتْ على غالِبِ بلادِهم.
- فَارسُ: أُمَّةٌ عَظيمةٌ كثيرةٌ وشديدةٌ فيما وَراءَ النَّهَرِ من بِلادِ العربِ، قالَ ابنُ حَزْمٍ: من بني سَاسَانَ بنِ بهمنَ.
وقالَ في (الموسوعةِ المُيَسَّرَةِ): المُرَجَّحُ أنَّ الفُرْسَ كانوا رُحَّلاً في القَرْنِ السابِعِ قَبْلَ المَسيحِ، واسْتَقَرُّوا بإقليمِ فَارِسَ الخالي بعدَ الأَشُورِيِّينَ.
- العَزْلُ: هو أنْ يَنْزِعَ الرجُلُ ذَكَرَهُ مِن فَرْجِ المرأةِ، حتى لا يُنْزِلَ فيه؛ دَفْعاً لحُصولِ الحَمْلِ.
- الوَأْدُ الخَفِيُّ: بفتحِ الواوِ، ثم هَمْزَةٍ ساكنةٍ، يُقالُ: وَأَدَ الرجُلُ ابْنَتَه يَئِدُها وَأْداً: دَفَنَها حَيَّةً فهي مَوْءُودَةٌ، كما قالَ تعالى: {وَإِذَا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:9].
فلمَّا كانَ العَزْلُ إِتْلافاً للحيواناتِ المَنوِيَّةِ بالإنزالِ خارجَ الفَرْجِ، شُبِّهَ بالوَأْدِ الخَفِيِّ الذي لا يُرَى أَثَرُ قَتْلِه، فهو إتلافُ نَفْسٍ ولو بعيدةً عن الوُجودِ.

889- وعن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ رَجُلاً قالَ: يَا رَسولَ اللهِ, إنَّ لي جَارِيَةً، وأنا أَعْزِلُ عنها، وأنا أَكْرَهُ أنْ تَحْمِلَ، وأنا أُرِيدُ ما يُرِيدُ الرِّجَالُ، وإنَّ اليَهُودَ تَحَدَّثُ أنَّ العَزْلَ المَوْءُودَةُ الصُّغْرَى، قالَ: ((كَذَبَتِ اليَهُودُ، لَوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَخْلُقَهُ مَا اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصْرِفَهُ)). رواهُ أَحْمَدُ، وأبو دَاوُدَ، واللفظُ له والنَّسائِيُّ، والطحاويُّ، ورجالُه ثِقاتٌ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* دَرَجَةُ الحديثِ:
الحديثُ صحيحٌ
فرِجالُه ثِقاتٌ كما قالَ المُصَنِّفُ, رواهُ أحمدُ، والنَّسائِيُّ، وأبو دَاوُدَ، والطحاويُّ، والتِّرْمِذِيُّ، بسَنَدٍ صحيحٍ، وله شَاهِدٌ من حديثِ أبي هُرَيْرَةَ أخْرَجَه أبو يَعْلَى، والبَيْهَقِيُّ بسَنَدٍ حَسَنٍ أيضاً، فالحديثُ صَحِيحٌ.
* مُفرداتُ الحَديثِ:
- الجَارِيَةُ: هي الشابَّةُ من الإماءِ، سُمِّيَتْ به؛ لِخِفَّةِ جَريانِها.
- أَعْزِلُ: العَزْلُ: هو نَزْعُ الذَّكَرِ مِن الفَرْجِ؛ ليُنْزِلَ خارِجَه.
- المَوْءُودَةُ: في الأصلِ هي البِنْتُ التي تُدْفَنُ حَيَّةً تَحْتَ التُّرابِ، شَبَّهَ عَزْلَ الحيوانِ المَنَوِيِّ حينَما يَتْلَفُ قَبْلَ أنْ يَنْمُوَ نُمُوًّا بَشَرِيًّا بالبِنْتِ المَوْءُودَةِ، إلاَّ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كَذَّبَ اليهودَ في ذلك.

890- وعن جَابِرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ ـ قالَ: كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، والقُرْآنُ يَنْزِلُ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ يُنْهَى عَنْهُ، لَنَهَانَا عَنْهُ القُرْآنُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ولمُسلِمٍ: فبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فَلَمْ يَنْهَنَا عَنْهُ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مُفْرَدَاتُ الحديثِ:
- والقُرْآنُ يَنْزِلُ: جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ.
* ما يُؤْخَذُ من الأحاديثِ:
1- قالَ في (النهايةِ): الغِيلَةُ: الاسمُ مِن الغَيْلِ، وهو أَنْ يُجَامِعَ الرجُلُ زَوْجتَه وهي مُرْضِعٌ، وكذلك إذا حَمَلَتْ وهي مُرْضِعٌ، والعَرَبُ تَكْرَهُ ذلك، والأَطِبَّاءُ يَقولونَ: إِنَّ ذلك داءٌ يَضُرُّ بالطِّفْلِ الرضِيعِ.
2- هَمَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنْ يَنْهَى عن الغِيلَةِ، بِناءً على خَبَرِ أَطِبَّاءِ زَمَنِه، وكَوْنِه مُسْتَكْرَهاً عندَ العربِ، لكنَّه لَمْ يَفْعَلْ.
3- لَمَّا نَظَرَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إلى شَعْبِ فَارِسَ وشَعْبِ الرُّومِ، وإذا بِهِم يُغِيلُونَ أَوْلادَهم، يَسْقُونَهم لَبَنَ الحَوامِلِ، ولا يَضُرُّهم شيئاً معَ تَطبيقِ التجربةِ، والتجربةُ هي سُلَّمُ العُلومِ الطبيعيةِ، فظَهَرَ أنَّ الغِيلَةَ لم تَضُرَّ أبناءَ فَارِسَ والرومِ، فأقْصَرَ عن النَّهْيِ عنها.
4- جاءَ في (سُننِ أبي دَاوُدَ) من حديثِ أسماءَ بنتِ يَزِيدَ قالَتْ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: ((لاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ سِرًّا؛ فَإِنَّ الْغَيْلَ يُدْرِكُ الْفَارِسَ فَيُدَعْثِرُهُ عَنْ فَرَسِهِ)). ومعنى يُدَعْثِرُ أي يَصْرَعُه ويُهْلِكُه.
والغَيْلُ أصْلُه أَنْ يُجامِعَ الرجُلُ المَرْأةَ وهي مُرْضِعٌ، فيَقولُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: إنَّ المُرضِعَ إذا جُومِعَتْ فحَمَلَتْ فَسَدَ لَبَنُها ونُهِكَ الوَلَدُ إذا اغْتَذَى بذلك اللَّبَنِ، فيَبْقَى ضَاوِياً فإذا صَارَ رَجُلاً فرَكِبَ الخَيْلَ فرَكَضَها، أَدْرَكَه ضَعْفُ الغَيْلِ، فزَالَ وسَقَطَ عن مُتونِها، فكانَ ذلك كالقَتْلِ له، إلاَّ أنه سِرٌّ لا يُرَى ولا يُشْعَرُ به، كما قالَ الخَطَّابِيُّ في (مَعالِمِ السُّنَنِ).
5- قالَ ابنُ القَيِّمِ في كِتابِه (مِفتاحِ دَارِ السَّعَادَةِ): الغِيلُ: هو وَطْءُ المَرْأَةِ إذا كَانَتْ تُرْضِعُ، وأنه يُشْبِهُ قَتْلَ الوَلَدِ سَواءً، وأنه يُدْرِكُ الفَارِسَ، وقولُه صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في حديثِ: ((لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ ثُمَّ رَأَيْتُ فَارِسَ وَالرُّومَ يَفْعَلُونَ وَلاَ يَضُرُّ ذَلِكَ أَوْلادَهُمْ شَيْئاً)).
فإنَّ الغَيْلَ يَفْعَلُ في الوليدِ مِثْلَ مَا يَفْعَلُ مَن يَصْرَعُ الفَارِسَ عن فَرَسِه، وذلك يُوجِدُ نَوْعَ أَذًى, ولكنَّه ليسَ بقَتْلٍ للوَلَدِ، وإنْ كانَ يَتَرَتَّبُ عليهِ نُوعُ أَذًى للطِّفْلِ، فأرْشَدَهم صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إلى تَرْكِه، ولم يَنْهَ عنه، ثم عَزَمَ على النهْيِ، سَدًّا لذَريعةِ أذًى يَنَالُ الرضيعَ، فرَأَى أنَّ سَدَّ هذه الذريعةِ لا يُقاوِمُ المَفْسَدَةَ التي تَتَرَتَّبُ على الإمساكِ عن وَطْءِ النساءِ مُدَّةَ الرَّضَاعِ، فرَأَى أنَّ هذه المصلحةَ أرْجَحُ من مَفْسَدَةِ سدِّ الذَّرِيعَةِ، فنَظَرَ فإذا الأُمَّتانِ اللَّتانِ هما مِن أَكْثَرِ الأُمَمِ وأشدِّها بَأْساً يَفْعَلونَ ذلك فأَمْسَكَ عن النهْيِ، عنه فلا تَعارُضَ بينَ الحديثيْنِ, واللهُ أعْلَمُ.
6- قالَ الدكتورُ مُحمدٌ عليٌّ البارُّ: الجَنِينُ يَسْتَمِدُّ غِذَاءَه كلَّه من أُمِّه، فتُمِدُّه بجميعِ عَناصِرِ الغِذَاءِ، ولو أَدَّى إلى الإضرارِ بها، فمثلاً تُعطيهِ الكَالْسيومَ ولَوْ أَدَّى إلى سَحْبِه من عِظامِها، كما تُعْطيهِ الحديدَ ولو أصَابَها بفَقْرِ الدَّمِ، وتَمْنَعُه من وُصولِ المَوادِّ الضارَّةِ مثلِ: البَوْلِينَا، وغَازِ أُكْسِيدِ الكَرْبُونِ، وتَمْنَعُهُ المَوادَّ السامَّةَ، معَ أنها تَعِيشُ في جِسْمِها.
ومن المَعلومِ أنَّ الرضيعَ ـ وخاصَّةً في الأشْهُرِ الأُولَى ـ يَعْتَمِدُ اعتماداً كاملاً في غذائِه على لَبَنِ الأُمِّ، وهو يَسْحَبُ الموادَّ الهامَّةَ لبناءِ جِسْمِه، كما يَفْعَلُ الجنينُ أثناءَ الحملِ من الضَّرَرِ الذي يَقَعُ أولاً على الأُمِّ، ثُمَّ يَقَعُ بعدَ ذلك على الجَنينِ؛ لأنَّ دَمَ الأُمِّ أصْبَحَ فَقِيراً بالموادِّ الغذائيةِ، فإذا اسْتُنْفدَتْ مَصادِرُ الكَالْسِيومَ والحديدِ.. إلخ، المُدَّخَرَةِ لَدَى الأُمِّ، أَدَّى ذلك إلى نَقْصِ هذه الموادِّ لَدَى الجَنينِ، ولَدَى الرَّضِيعِ.
7- وقالَ الدكتورُ مُحمدٌ عليٌّ البارُّ أيضاً في كتابِهِ (خَلْقِ الإنسانِ): إنَّ الرَّضاعَ هو أَحَدُ العَواملِ القَديمةِ والهامَّةِ في تحديدِ النَّسْلِ، فالمُرْضِعُ عَادَةً تَتَوَقَّفُ عَادَتُها الشَّهْرِيَّةُ، ويَمْتَنِعُ المِبْيَضُ نتيجةَ الإرضاعِ عن إفرازِ البيضةِ المَعهودةِ في كلِّ شَهْرٍ، وقَدْ قَرَّرَ الإسلامُ حَقَّ المولودِ في الرَّضاعِ حَوْلَيْنِ كامليْنِ لمَن أرَادَ أنْ يُتِمَّ الرَّضاعةَ. ومعَ هذا، فإنَّ القاعِدَةَ قَدْ تَنْخَرِقُ، كما تَنْخَرِقُ بَقِيَّةُ القواعدِ أمامَ الإرادةِ الإلهيةِ، وقدْ رَأَى رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنَّ ذلك قَدْ يُضِرُّ بالجَنِينِ الذي حَمَلَتْ بهِ أُمُّه أثناءَ إرضاعِهِ لأخيهِ أو أُخْتِه.
8- العَزْلُ هو نَزْعُ الذَّكَرِ مِن فَرْجِ المَرأةِ أثناءَ الجِماعِ، وإِرَاقَةُ المَنِيِّ خَارِجَ الفَرْجِ، خَشْيَةَ الحَمْلِ.
والحديثُ رَقْمُ (888) جَعَلَه الوَأْدَ الخَفِيَّ، والوَأْدُ هو دَفْنُ البنتِ حَيَّةً، وإهالةُ التُّرابِ عليها حتى تَمُوتَ، وكانَتْ عَادةً جاهليةً، والوَأْدُ حَرَامٌ، والعَزْلُ يُشْبِهُ الوَأْدَ مِن حَيْثُ إتلافُ نُطْفَةٍ خَفِيَّةٍ عندَها استعدادٌ للنُّمُوِّ؛ لتكونَ إنساناً، لا مِن حيثُ الحُكْمُ الذي هو قَتْلُ النَّفْسِ المعصومةِ البريئةِ بهذه الطريقةِ الوَحْشيَّةِ.
9- يَدُلُّ الحديثُ على أنَّ العُلومَ الطبيعيةَ من طِبٍّ ونَحْوِه تُدْرَكُ بالتجاربِ وتُحَصَّلُ بالنَّتائِجِ.
10- ويَدُلُّ الحديثُ على أنَّ أَخْذَ العُلومِ غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ مِن الأُمَمِ الكافرةِ لا يُعَدُّ ذلك تقليداً لهم، ورُكوناً إليهم، وتَشَبُّهاً بهم، فإنَّ هذا العِلْمَ مِن سُننِ اللهِ الكَوْنِيَّةِ. مَن أََخَذَ بأسبابِها حَصَّلَها مِن مُسْلِمٍ وكَافِرٍ، فلَيْسَتْ مِلْكاً لأحَدٍ، وإنَّما يُدْرِكُها مَن بَحَثَ فيها.
11- ويَدُلُّ الحديثُ على أنَّ حُصولَ الأشياءِ من خَيْرٍ وشَرٍّ، مَنُوطَةٌ(1) بأسبابِها التي رَتَّبَها اللهُ تعالى عليها.
12- يَدُلُّ الحديثُ على مِثْلِ هذهِ العلومِ الدُّنيويةِ، كالغِيلَةِ، وتَأْبِيرِ النَّخْلِ، وأمثالِ ذلك، أنَّها أُمورٌ يأتي بها النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بإدراكِه البَشَرِيِّ، وقَدْ لا يُصِيبُ فيها؛ لأنها لَيْسَتْ مِن الأُمورِ المُتَعَلِّقَةِ بالرِّسالةِ، وإنَّما هي مِن الأُمورِ التي يُرْجَعُ فيها إلى التَّجْرِبَةِ والبَحْثِ.
13- تَحْرِيمُ الوَأْدِ، وهو عَادَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، ومعناهُ: دَفْنُ بناتِهم وهُنَّ أحياءٌ، قالَ تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:9] وتحريمُ ذلك مِمَّا عُلِمَ مِن الدِّينِ بالضَّرُورَةِ.
14- قولُه: ((كُنَّا نَعْزِلُ، وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ)) يَدُلُّ على مَسْأَلَةٍ أُصولِيَّةٍ، وهي أَنَّ ما عَمِلَهُ الصَّحَابَةُ في زَمَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فإنَّه سُنَّةٌ، سواءٌ عَلِمْنَا أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عَلِمَ بهِ أو لَمْ يَعْلَمْ؛ لأنَّ اللهَ تعالى لا يَخْفَى عليهِ شيءٌ، ولا يُقِرُّ المُسلمِينَ على عَمَلٍ يُرِيدُ ـ جَلَّ وَعَلاَ ـ شَرْعَهُ إلاَّ بَيَّنَهُ لهم.
15- وتَدُلُّ هذه الجملةُ على قاعدةٍ أُخْرَى، وهي أَنَّ ما عُمِلَ زَمَنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وأَقَرَّ عليه، فلَمْ يَنْهَ عنه، فهو مِن الأُمورِ المَعْفُوِّ عنها.
16- ويَدُلُّ الحديثُ على أنَّ إرادةَ اللهِ الكونيةَ نَافِذَةٌ، فلا يَرُدُّها عَمَلُ وِقايَةٍ منها، ولا حَذَرٌ، ومعَ هذا: فالإنسانُ مَأْمورٌ بعَمَلِ الأسبابِ المُفيدَةِ النافعةِ، فإنَّ اللهَ تعالى إذا أَرَادَ وِقَايَةَ أَحَدٍ مِن شَيْءٍ جَعَلَ له سَبَباًَ وَاقياً منه.
قالَ ابنُ القَيِّمِ: الذي كَذَّبَ فيه رسولُ الله صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ اليهودَ هو زَعْمُهم أنَّ العَزْلَ لا يُتَصَوَّرُ معَه الحَمْلُ أصلاً، وجَعَلُوه بمَنْزِلَةِ قَطْعِ النَّسْلِ بالوَأْدِ، فأكْذَبَهم وأخْبَرَ أنه لا يَمْنَعُ الحَمْلَ إذا شَاءَ اللهُ خَلْقَه، وإذا لَمْ يُرِدْ خَلْقَه لم تَكُنْ وَأْداً حقيقةً، وإنما سَمَّاهُ وَأْداً خَفِيًّا؛ لأنَّ الرجُلَ إنَّما يَعْزِلُ هَرَباً من الحَمْلِ، فأجْرَى قَصْدَه لذلك مُجْرَى الوَأْدِ، ولكنَّ الفَرْقَ بينَهما: أنَّ الوَأْدَ ظَاهِرٌ بالمُباشَرَةِ، فاجْتَمَعَ فيهِ القَصْدُ والفِعْلُ، والعَزْلَ يَتَعَلَّقُ بالقَصْدِ فَقَطْ؛ فلذلك وَصَفَهُ بكَوْنِه خَفِيًّا، وبهذا حَصَلَ الجَمْعُ بينَ الحديثيْنِ.
17- يَدُلُّ الحديثُ رَقْمُ (889) على إلحاقِ النَّسَبِ معَ العَزْلِ.
18- أَمَّا الحديثانِ رَقْمُ (889) ورَقْمُ (890) فيَدُلانِ على جَوازِ العَزْلِ.
19- واخْتَلَفَ العلماءُ في جَوازِ العَزْلِ تَبَعاً لاختلافِ الأحاديثِ:
فذَهَبَ الأئِمَّةُ الثلاثةُ: إلى جَوازِ العَزْلِ؛ عَمَلاً بالأحاديثِ التي تُبِيحُه.
وذهَبَ الإمامُ أَحْمَدُ: إلى تَحْريمِه إلاَّ إذا أَذِنَتِ الزَّوْجَةُ المشارِكةُ للزوجِ في اللَّذَّةِ والوَلَدِ؛ عَمَلاً بحديثِ جُدَامَةَ بنتِ وَهْبٍ الذي في مُسلمٍ.
* تَحْدِيدُ النَّسْلِ:
ظَهَرَ في هذه العُصورِ المُتأخِّرَةِ نَظَرِيَّةُ تَحديدِ النَّسْلِ، وجَعْلِه مَبْدَأً اقتصاديًّا، نَظَراً عندَهم إلى تَزايُدِ عددِ السكانِ تَزَايداً سَرِيعاً، بينَما تَزايُدُ المَوادِّ الغذائيةِ يَسِيرُ بنسبةٍ حِسابيَّةٍ مُتوالِيَةٍ.
دُرِسَتْ هذهِ النَّظَرِيَّةُ على ضَوْءِ الشريعةِ الإسلاميةِ مِن ظَاهِرِ الحديثيْنِ؛ حديثِ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ رَقْمِ (888) وحديثِ أبي سَعيدٍ (889) فالأولُ يَدُلُّ على تحريمِ العَزْلِ، وأنه جِنايَةٌ على النُّطْفَةِ، وقَتْلٌ لها، والحديثُ الثاني يَدُلُّ على إِبَاحَةِ العَزْلِ، وأنَّه لا أَثَرَ له في إتلافِ النَّفْسِ التي سَتُخْلَقُ مِن تلك النُّطْفَةِ.
ووَجْهُ الجَمْعِ بينَهما: أنَّ العَزْلَ لَيْسَ وَأْداً حَقِيقَةً، وإنَّما سَمَّاهُ وَأْداً لقَصْدِه من العازِلِ مَنْعَ الحَمْلِ، فأُجْرِيَ مُجْرَى الوَأْدِ، بخِلافِ الوَأْدِ: فإِنَّه اجْتَمَعَ فيه القَصْدُ، ومُباشَرَةُ القَتْلِ، وبهذا يُعْرَفُ أنَّ حَدِيثَ رَقْمِ (888) لم يُقْصَدْ به التحريمُ، فلا يُعارِضُ الحديثَ رَقْمَ (889)، وبهذا فمَنْعُ الحَمْلِ لَيْسَ حَرَاماً لذاتِه فيَكُونَ مُحَرَّماً مُطْلقاً، وإنما حَرُمَ لمِقَاصِدِه، فصَارَ فيه التَّفْصِيلُ المُبَيَّنُ في قراراتِ المَجامِعِ الفِقْهِيَّةِ.
وإنما كَرِهَهُ مَن كَرِهَ العَزْلَ لعِدَّةِ مَحاذِيرَ، مِن حِرْمانِ الزوجةِ مِن كمالِ اللَّذَّةِ، ومُشارَكَتِها الزوجَ في التَّمَتُّعِ بالحالةِ الجِنْسِيَّةِ؛ ولأنَّ فيه شِبْهَ مُعارَضَةٍ للقَدَرِ، وسَعْياً إلى رَدِّه بالتدبيرِ حسَبَ ظَنِّ العازِلِ.
وأَمَّا ما يَفْعَلُه الأطباءُ في هذا الزَّمانِ مِن قَطْعِ بعضِ العُروقِ لإبطالِ قُوَّةِ التوليدِ، معَ بقاءِ قُوَّةِ الجِماعِ، لتحديدِ النسلِ، فلا شَكَّ في تحريمِه، فلا يُقاسُ على العَزْلِ قطعاً، فإنَّ بينَهما فَرْقاً كبيراً، فالعَزْلُ سَبَبٌ ظَنِّيٌّ، وأَمَّا قَطْعُ العِرْقِ فسَبَبٌ قَطْعِيٌّ لمَنْعِ الحملِ، ولا يَبْقَى للجَانِي خِيارٌ بعدَ ذلك في وُجودِ الوَلَدِ.
* قَرارُ هيئةِ كِبارِ العُلماءِ بشَأْنِ تحديدِ النسْلِ رَقْمُ (42) بتاريخِ 13 /4/1396 هـ:
الحمدُ للهِ وَحْدَه، والصلاةُ والسلامُ على مَن لا نَبِيَّ بعدَه، وعلى آلِهِ وصَحْبِه، وبعدُ:
ففي الدَّوْرَةِ الثامنةِ لمَجْلِسِ هَيْئَةِ كِبارِالعلماءِ المُنْعَقِدَةِ في النِّصْفِ الأولِ مِن شَهْرِ رَبيعٍ الآخِرِ، عامَ (1396 هـ) بَحَثَ المَجْلِسُ مَوْضُوعَ مَنْعِ الحَمْلِ وتحديدِ النسلِ، وتَنْظِيمِه، بناءً على ما تَقَرَّرَ في الدورةِ السابعةِ للمَجْلِسِ المُنْعَقِدَةِ في النصفِ الأولِ مِن شهرِ شَعْبانَ (1395 هـ) مِن إدراجِ مَوْضُوعِها في جَداولِ أعمالِ الدورةِ الثامنةِ، وقدِاطَّلَعَ المَجْلِسُ على البَحْثِ المُعَدِّ في ذلك من قِبَلِ اللجنةِ الدائمةِ للبُحوثِ والإفتاءِ، وبعدَ تَداوُلِ الرأْيِ والمناقشةِ بينَ الأعضاءِ، والاستماعِ إلى وِجهاتِ النَّظرِ، قَرَّرَ المجلسُ ما يَلِي:
نَظَراً إلى أنَّ الشريعةَ الإسلاميةَ تُرَغِّبُ في انتشارِ النسْلِ وتكثيرِه، وتَعْتَبِرُ النسلَ نِعْمَةً كُبْرَى، ومِنَّةً عَظيمةً، مَنَّ اللهُ بها على عِبادِه، فَقَدْ تَضافَرَتْ بذلك النصوصُ الشرعيةُ مِن كتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسولِه صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، مِمَّا أَوْرَدَتْهُ اللجنةُ الدائمةُ للبُحوثِ العِلْمِيَّةِ والإفتاءِ في بَحْثِها المُعَدِّ للهيئةِ، والمُقَدَّمِ لها، ونظراً إلى أنَّ القَوْلَ بتحديدِ النسلِ، أو مَنْعِ الحَمْلِ مُصادِمٌ للفِطْرَةِ الإنسانيةِ، التي فَطَرَ اللهُ الخَلْقَ عليها، وللشريعةِ الإسلاميةِ التي ارْتَضاهَا الربُّ تعالى لعبادِه.
ونَظَراً إلى أَنَّ دُعاةَ القولِ بتحديدِ النسْلِ أو مَنْعِ الحملِ فِئَةٌ تَهْدِفُ بدعوتِها إلى الكَيْدِ للمُسلمِينَ بصِفَةٍ عَامَّةٍ، وللأُمَّةِ العربيةِ المُسلِمَةِ بصِفَةٍ خاصَّةٍ، حتى تَكُونَ لَدَيْهِم القُدْرَةُ على اسْتعمارِ البلادِ، واستعبادِ أهْلِها، وحَيْثُ إنَّ في الأخذِ بذلك ضَرْباً مِن أعمالِ الجاهليةِ، وسُوءَ ظَنٍّ باللهِ تعالى، وإضعافاً للكِيانِ الإسلاميِّ، المُتكَوِّنِ من كَثْرَةِ اللَّبِناتِ البشريةِ وتَرابُطِها.
لذلك كُلِّه: فإنَّ المَجْلِسَ يُقَرِّرُ بأنَّه لا يَجوزُ تَحديدُ النسلِ مُطْلقاً، ولا يَجوزُ مَنْعُ الحملِ إذا كانَ القصدُ منه خَشْيَةَ الإملاقِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى هو الرزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ، {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} [هود: 6].
وأَمَّا إذا كانَ مَنْعُ الحَمْلِ لضَرُورَةٍ مُحَقَّقَةٍ، ككَوْنِ المرأةِ لا تَلِدُ وِلادَةً عادِيَّةً، وتُضْطَرُّ معَها إلى إجراءِ عَمَلِيَّةٍ جِراحِيَّةٍ لإخراجِ الوَلَدِ، أو كانَ تَأْخِيرُه لفَتْرَةٍ ما لمَصْلَحَةٍ يَراها الزوجانِ؛ فإنه لا مَانِعَ حينَئذٍ مِن مَنعِ الحملِ أو تأخيرِه، عَمَلاً بما جاءَ في الأحاديثِ الصحيحةِ، وما رُوِيَ عن جَمْعٍ مِن الصحابةِ رضوانُ اللهِ عليهم من جَوازِ العَزْلِ، وتَمَشِّياً معَ ما صَرَّحَ به الفُقهاءُ من جَوازِ شُرْبِ الدَّوَاءِ، لإلقاءِ النُّطْفَةِ قَبْلَ الأربعينَ، بَلْ قَدْ يَتَعَيَّنُ مَنْعُ الحَمْلِ في حَالَةِ ثُبوتِ الضَّرُورَةِ المُحَقَّقَةِ.
وقَدْ تَوَقَّفَ فَضِيلَةُ الشيخِ عبدِ اللهِ بنِ غديانَ في حُكْمِ الاستثناءِ، وصَلَّى اللهُ على مُحمدٍ.
هَيْئَةُ كِبارِ العُلماءِ.


* قَرَارُ مَجْمَعِ الفِقْهِ الإسلاميِّ بشأنِ تَنْظِيمِ النسلِ:
إنَّ مَجْلِسَ مَجْمَعِ الفِقْهِ الإسلاميِّ المُنْعَقِدَ في دَوْرَةِ المُؤْتَمَرِ الخَامِسِ بالكُوَيْتِ من 1 إلى 6 جُمادَى الأولى 1409 هـ، 10 إلى 15 كَانُونَ الأولِِيسَمْبِرَ) 1988م.
بعدَ اطِّلاعِه على البحوثِالمُقدَّمَةِ من الأعضاءِ والخُبراءِ في مَوْضُوعِ: (تَنْظِيمِ النَّسْلِ)، واستماعِه للمُناقشاتِ التي دَارَتْ حَوْلَه.
وبناءً على أنَّ مِن مَقاصِدِ الزواجِ في الشريعةِ الإسلاميةِ الإنجابَ، والحفاظَ على النوعِ الإنسانيِّ، وأنه لا يَجوزُ إهدارُ هذا المَقْصِدِ؛ لأنَّ إهدارَه يَتَنافَى معَ نصوصِ الشريعةِ وتوجيهاتِها الداعيةِ إلى تكثيرِ النَّسْلِ، والحفاظِ عليه، والعنايةِ به؛ باعتبارِ حِفْظِ النسلِ أَحَدَ الكُلِّيَّاتِ الخَمْسِ التي جاءَتِ الشرائِعُ برعايتِها.
قَرَّرَ ما يلي:
أولاً: لا يَجوزُ إصدارُ قَانُونٍ عامٍّ يَحُدُّ من حُرِّيَّةِ الزوجيْنِ في الإنجابِ.
ثانياً: يَحْرُمُ استئصالُ القُدْرَةِ على الإنجابِ في الرجُلِ، أو المرأةِ، وهو ما يُعْرَفُ بـ (الإِعْقامِ) أو (التعقيمِ) ما لَمْ تَدْعُ إلى ذلك الضرورةُ بمعايِيرِها الشرعيةِ.
ثالثاً: يَجوزُ التَّحَكُّمُ المُؤَقَّتُ في الإنجابِ، بقَصْدِ المُباعَدَةِ بينَ فَتَراتِ الحَمْلِ، أو إيقافِه لمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مِن الزَّمانِ، إذا دعَتْ إليهِ حَاجَةٌ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعاً، بحَسَبِ تقديرِ الزوجيْنِ، عن تَشاوُرٍ بينَهما وتَراضٍ، بشَرْطِ ألاَّ يَتَرَتَّبَ على ذلك ضَرَرٌ، وأنْ تَكُونَ الوسيلةُ مَشْرُوعةً، وألاَّ يَكُونَ فيها عدوانٌ على حَمْلٍ قَائِمٍ، واللهُ أعْلَمُ.
* قَرارُ مَجْلسِ المَجْمَعِ الفِقهيِّ الإسلاميِّ بمَكَّةَ المُكرَّمَةِ:
الحمدُ للهِ وحْدَه، والصلاةُ والسلامُ على مَن لا نَبِيَّ بعدَه، وعلى آلِه وصحبِه، وبعدُ:
فَقَدْ نَظَرَ مجلسُ المَجْمَعِ الفقهيِّ الإسلاميِّ في موضوعِ تحديدِ النسلِ، أو ما يُسمَّى تضليلاً بـ "تنظيمِ النسلِ".
وبعدَ المُناقشةِ وتَبادُلِ الآراءِ في ذلك قرَّرَ المجلسُ بالإجماعِ ما يلي:
نظراً إلى أنَّ الشريعةَ الإسلاميةَ تَحُضُّ على تكثيرِ نَسْلِ المسلمين وانتشارِه، وتَعْتَبِرُ النسلَ نِعْمَةً، ومِنَّةً عَظِيمَةً، مَنَّ اللهُ بها على عبادِه، وقَدْ تَضافَرَتْ بذلك النصوصُ الشرعيةُ مِن كتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ وسُنَّةِ رسولهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ودَلَّتْ على أنَّ القولَ بتحديدِ النسلِ أو منعِ الحملِ، مُصادِمٌ للفِطْرَةِ الإنسانيةِ التي فَطَرَ اللهُ الناسَ عليها وللشريعةِ الإسلاميةِ التي ارْتضاها اللهُ تعالى لعبادِه, ونظراً إلى أنَّ دُعاةَ القولِ بتحديدِ النسلِ أو مَنْعِ الحَمْلِ فِئَةٌ تَهْدِفُ بدعوتِها إلى الكيدِ للمسلمين -لتقليلِ عَدَدِهم- بصِفَةٍ عامَّةٍ، وللأُمَّةِ العربيةِ المسلمةِ والشعوبِ المُسْتضْعَفَةِ بصفةٍ خاصَّةٍ، حتى تَكُونَ لهم القُدرةُ على استعمارِ البلادِ، واستعبادِ أهْلِها، والتمَتُّعِ بثَرواتِ البلادِ الإسلاميةِ.
وحيثُ إنَّ في الأخْذِ بذلك ضَرْباً مِن أعمالِ الجاهليةِ، وسوءَ ظَنٍّ باللهِ تعالى، وإضعافاً للكيانِ الإسلاميِّ المُتَكَوِّنِ مِن كَثْرَةِ اللَّبِناتِ البشريةِ وترابُطِها.
لذلك كُلِّه فإنَّ مَجْلِسَ المَجْمَعِ الفقهيِّ الإسلاميِّ قَرَّرَ بالإجماعِ أنَّه لا يَجُوزُ تحديدُ النسلِ مطلقاً، ولا يَجوزُ مَنْعُ الحَمْلِ إذا كانَ القَصْدُ من ذلك خَشْيَةَ الإملاقِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى هو الرزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينَُمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِإِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} [هود: 6].
أو كَانَ ذلك لأسبابٍ أُخْرَى غيرِ مُعْتَبَرَةٍ شَرْعاً.
أَمَّا تَعاطِي أسبابِ مَنْعِ الحَمْلِ أو تأخيرِه في حالاتٍ فَرْدِيَّةٍ لضَرَرٍ مُحَقَّقٍ، ككونِ المرأةِ لا تَلِدُ وِلادَةً عادِيَّةً، وتُضْطَرُّ معَها إلى إجراءِ عَمَلِيَّةٍ جِرَاحِيَّةٍ لإخراجِ الجَنِينِ؛ فإنه لا مَانِعَ من ذلك شَرْعاً، وهكذا إذا كانَ تَأْخِيرُه لأسبابٍ أُخَرَ شَرْعِيَّةٍ أو صِحِّيَّةٍ يُقَرِّرُها طَبِيبٌ مُسلِمٌ ثِقَةٌ، بل قَدْ يَتَعَيَّنُ مَنْعُ الحَمْلِ في حالةِ ثُبوتِ الضرَرِ المُحقَّقِ على أُمِّه، إذا كانَ يُخْشَى على حياتِها منه بتقريرٍ ممَّن يُوثَقُ به من الأطِبَّاءِ المسلمين.
أَمَّا الدعوةُ إلى تحديدِ النسلِ، أو مَنْعِ الحملِ بصفةٍ عامَّةٍ، فلا تَجوزُ شَرْعاًَ للأسبابِ المُتَقَدِّمِ ذِكْرُها، وأشَدُّ من ذلك في الإِثْمِ إلزامُ الشُّعوبِ بذلك، وفَرْضُه عليها، في الوَقْتِ الذي تُنْفَقُ فيه الأَموالُ الضَّخْمَةُ على سِباقِ التسَلُّحِ العالميِّ للسيطرةِ والتدميرِ، بَدَلاً من إنفاقِه في التنميةِ الاقتصاديةِ والتعميرِ وحاجاتِ الشعوبِ.
* قَرَارُ المَجْمَعِ الفقهيِّ بشأنِ تَحْويلِ الذَّكَرِ إلى أُنْثَى وبالعَكْسِ:
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على مَن لا نَبِيَّ بعدَه، سَيِّدِنا ونَبِيِّنا محمدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ. أَمَّا بعدُ.
فإنَّ مَجْلِسَ المَجْمَعِ الفِقْهِيِّ الإسلاميِّ لرابطةِ العالَمِ الإسلاميِّ في دورتِه الحاديةَ عَشْرَةَ المُنْعَقِدَةِ بمَكَّةَ المُكرَّمَةِ، في الفترةِ من يومِ الأحدِ 13 رَجَبٍ 1409هـ الموافِقِ 19 فِبْرَايرَ 1989م إلى يومِ الأحَدِ 20 رَجَبٍ 1409هـ الموافِقِ 26 فِبْرايرَ 1989م، قدْ نَظَرَ في مَوضوعِ تحويلِ الذكَرِ إلى أُنْثَى وبالعَكْسِ، وبعدَ البَحْثِ والمُناقَشَةِ بينَ أَعْضائِه، قَرَّرَ ما يأتي:
أولاً: الذكَرُ الذي كَمُلَتْ أعضاءُ ذُكورتِه، والأُنْثَى التي كَمُلَتْ أَعْضاءُ أُنوثَتِها لا يَحِلُّ تَحوِيلُ أَحدِهما إلى النوعِ الآخرِ، ومُحاولةُ التحويلِ جريمةٌ يَسْتَحِقُّ فاعِلُها العُقوبةَ؛ لأنه تَغْيِيرٌ لخَلْقِ اللهِ، وقَدْ حَرَّمَ سبحانَه هذا التَّغْيِيرَ بقولِه تعالى مُخْبِراً عن قولِ الشَّيْطَانِ: {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ} [النساء: 119].
وقَدْ جاءَ في صحيحِ مُسلمٍ عَنِ ابنِ مَسْعودٍ أنه قالَ: ((لَعَنَ اللهُ الوَاشِمَاتِ، وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ)). ثم قالَ ابنُ مَسْعودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: ألاَ أَلْعَنُ مَن لَعَنَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وهو في كتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ, يعني قولَه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].
ثانياً: أَمَّا مَن اجْتَمَعَ في أعضائِه عَلاماتُ النساءِ والرجالِ، فيُنْظَرُ فيه إلى الغالِبِ من حالِه، فإنْ غَلَبَتْ عليهِ الذُّكورَةُ، جازَ عِلاجُه طِبِّيًّا بما يُزِيلُ الاشتباهَ في أُنوثَتِه، سواءٌ أكانَ العلاجُ بالجِراحةِ أو بالهُرْمُوناتِ؛ لأنَّ هذا المَرَضَ والعلاجَ يُقْصَدُ به الشفاءُ منه، وليسَ تَغْيِيراً لخلقِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
وصَلَّى اللهُ على سَيِّدِنا مُحمدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِه، وسَلَّمَ تسليماً كثيراً, والحمدُ للهِ ربِّ العالَمِينَ.


(1) لعلها : " منوط " .



موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, عشرة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:00 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir