دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الأقسام العامة > المنتديات > المنتدى العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 جمادى الأولى 1432هـ/25-04-2011م, 05:56 PM
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 3,529
افتراضي عشرة أسباب تعين على الصبر عن معصية الله تعالى

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد ، فهذه عشرة أسباب تعين على الصبر عن معصية الله تعالى من كلام الإمام ابن القيّم الجوزية في كتابه طريق الهجرتين و باب السعادتين.



قاعدة : الصبر عن المعصية ينشأ من أسباب عديدة..




أحدها: علم العبد بقبحها ورذالتها ودناءَتها، وأن الله إنما حرَّمها ونهى عنها صيانة وحماية عن الدنايا والرذائل، كما يحمى الوالد الشفيق [والده] عما يضره. وهذا السبب يحمل العاقل على تركها ولو لم يعلق عليها وعيد بالعذاب.




السبب الثاني: الحياءُ من الله سبحانه، فإن العبد متى علم بنظره إليه ومقامه عليه وأنه بمرأَى منه ومسمع- وكان [حياً] حييّاً- استحى من ربه أن يتعرض لمساخطه.




السبب الثالث: مراعاة نعمه عليك وإحسانه إليك، فإن الذنوب تزيل النعم ولا بد، فما أذنب عبد ذنباً إلا زالت عنه نعمة من الله بحسب ذلك الذنب، فإن تاب وراجع رجعت إليه أو مثلها، وإن أصر لم ترجع إليه، ولا تزال الذنوب تزيل عنه نعمة حتى تسلب النعم كلها، قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}* [الرعد: 11]، وأعظم النعم الإيمان، وذنب الزنا والسرقة وشرب الخمر وانتهاب النهبة يزيلها ويسلبها.


وقال بعض السلف: أذنبت ذنباً فحرمت قيام الليل سنة. وقال آخر: أذنبت ذنباً فحرمت فهم القرآن. وفى مثل هذا قيل:




إذا كنت فى نعمة فارعها == فإن المعاصى تزيل النعم




وبالجملة فإن المعاصى نار النعم تأْكلها كما تأْكل النار الحطب، عياذاً بالله من زوال نعمته وتحويل عافيته.




السبب الرابع: خوف الله وخشية عقابه. وهذا إنما يثبت بتصديقه فى وعده ووعيده والإيمان به وبكتابه وبرسوله. وهذا السبب يقوى بالعلم واليقين ويضعف بضعفهما. قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}* [فاطر:28]، وقال بعض السلف: كفى بخشية الله علماً وبالاغترار بالله جهلاً.




السبب الخامس: محبة الله [سبحانه] وهى أقوى الأسباب فى الصبر عن مخالفته ومعاصيه. فإن المحب لمن يحب مطيع، وكلما قوى سلطان المحبة فى القلب كان اقتضاؤه للطاعة وترك المخالفة أقوى، وإنما تصدر المعصية والمخالفة من ضعف المحبة وسلطانها وفرق بين من يحمله على ترك معصية سيده خوفه من سوطه وعقوبته، وبين من يحمله على ذلك حبه لسيده، وفى هذا قال عمر: ((نعم العبد صهيب، لو لم يخف الله لم يعصه)) يعنى أنه لو لم يخف من الله لكان فى قلبه من محبة الله وإجلاله ما يمنعه من معصيته.


فالمحب الصادق عليه رقيب من محبوبه يرعى قلبه وجوارحه، وعلامة صدق المحبة شهود هذا الرقيب ودوامه.


وههنا لطيفة يجب التنبه لها، وهى أن المحبة المجردة لا توجب هذا الأثر ما لم تقترن بإجلال المحبوب وتعظيمه، فإذا قارنها بالإجلال والتعظيم أوجبت هذا الحياءَ والطاعة، وإلا فالمحبة الخالية عنهما إنما توجب نوع أنس وانبساط وتذكر واشتياق، ولهذا يتخلف عنها أثرها وموجبها، ويفتش العبد قلبه فيرى [فيه] نوع محبة لله، ولكن لا تحمله على ترك معاصيه. وسبب ذلك تجردها عن الإجلال والتعظيم، فما عمر القلب شيء كالمحبة المقترنة بإجلال الله وتعظيمه، وتلك من أفضل مواهب الله لعبده أو أفضلها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاءُ.




السبب السادس: شرف النفس وزكاؤها وفضلها وأنفتها وحميتها أن تختار الأسباب التى تحطها وتضع قدرها، وتخفض منزلتها وتحقرها، وتسوى بينها وبين السفلة.




السبب السابع: قوة العلم بسوءِ عاقبة المعصية، وقبح أثرها والضرر الناشيء منها: من سواد الوجه، وظلمة القلب، وضيقه وغمه، وحزنه وأَلمه، وانحصاره، وشدة قلقه واضطرابه، وتمزق شمله. وضعفه عن مقاومة عدوه، وتعريه من زينته والحيرة فى أَمره وتخلى وليه وناصره عنه، وتولى عدوه المبين له، وتوارى العلم الذى كان مستعداً له عنه، ونسيان ما كان حاصلاً له أَو ضعفه ولا بد، ومرضه الذى إذا استحكم به فهو الموت ولا بد، فإِن الذنوب تميت القلوب، ومنها ذله بعد عزة، ومنها أن يصير أسيراً فى يد أعدائه بعد أن كان ملكاً متصرفاً يخافه أعداؤه، ومنها أن يضع تأثيره فلا يبقى له نفوذ فى رعيته ولا فى الخارج فلا رعيته تطيعه إذا أَمرها، ولا ينفذ فى غيرهم، ومنها زوال أَمنه وتبدله به مخافة، فأخوف الناس أشدهم إساءة، ومنها زوال الأُنس والاستبدال به وحشة، وكلما ازداد إساءة ازداد وحشة، ومنها زوال الرضى واستبداله بالسخط، ومنها زوال الطمأْنينة بالله والسكون إليه والإيواء عنده واستبدال الطرد والبعد منه، ومنها وقوعه فى بئر الحسرات، فلا يزال فى حسرة دائمة كلما نال لذة نازعته نفسه إلى نظيرها إن لم يقض منها وطراً، أو إلى [غيرها] إن قضى وطره منها، وما يعجز عنه من ذلك أضعاف أضعاف ما يقدر عليه، وكلما اشتد نزوعه وعرف عجزه اشتدت حسرته وحزنه.


فيالها ناراً قد عذب بها القلب فى هذه الدار قبل نار الله الموقدة التى تطلع على الأفئدة، ومنها فقره بعد غناه فإنه كان غنياً بما معه من رأْس مال الإيمان وهو يتجر به ويربح الأرباح الكثيرة، فإذا سلب رأْس ماله أصبح فقيراً معدماً، فإما أن يسعى بتحصيل رأْس مال آخر بالتوبة النصوح والجد والتشمير [وإلا] فقد فاته ربح كثير بما أضاعه من رأْس ماله، ومنها نقصان رزقه، فإن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه، ومنها ضعف بدنه، ومنها زوال المهابة والحلاوة التى لبسها بالطاعة فتبدل بها مهانة وحقارة، ومنها حصول البغضة والنفرة منه فى قلوب الناس، ومنها ضياع أعز الأشياءِ عليه وأنفسها وأعلاها، وهو الوقت الذى لا عوض منه، ولا يعود إليه أبداً، ومنها طمع عدوه فيه وظفره به، فإِنه إِذا رآه منقاداً مستجيباً لما يأْمره اشتد طمعه فيه وحدث نفسه بالظفر به وجعله من حزبه حتى يصير هو وليه دن مولاه الحق، ومنها الطبع والرين على قلبه، فإن العبد إذا أذنب نكت فى قلبه نكتة سوداء، فإن تاب منها صقل قلبه، وإن أذنب ذنباً آخر نكت فيه نكتة أُخرى ولا تزال حتى تعلو قلبه، فذلك هو الران، قال الله تعالى: {كَلا بَل رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكسِبُونَ}* [المطففين: 14]، ومنها أنه يحرم حلاوة الطاعة، فإذا فعلها لم يجد أثرها فى قلبه من الحلاوة والقوة ومزيد الإيمان والعقل والرغبة فى الآخرة، فإن الطاعة تثمر هذه الثمرات ولا بد. ومنها أن تمنع قلبه من ترحله من الدنيا ونزوله بساحة القيامة، فإن القلب لا يزال مشتتاً مضيعاً حتى يرحل من الدنيا وينزل فى الآخرة، فإذا نزل فيها أقبلت إليه وفود التوفيق والعناية من كل جهة، واجتمع على جمع أَطرافه وقضاءِ جهازه وتعبئة زاده ليوم معاده، وما لم يترحل إلى الآخرة ويحضرها فالتعب والعناءُ والتشتت والكسل والبطالة لازمة له لا محالة.


ومنها إعراض الله وملائكته وعباده عنه، فإن العبد إذا أعرض عن طاعة الله واشتغل بمعاصيه أعرض الله عنه فأعرضت عنه ملائكته وعباده، كما أنه إذا أقبل على الله أقبل الله عليه وأقبل بقلوب خلقه إليه، ومنها أن الذنب يستدعى ذنبا آخر، ثم يقوى أحدهما بالآخر فيستدعيان ثالثاً، ثم تجتمع الثلاثة فتستدعى رابعاً، وهلم جرا حتى تغمره ذنوبه وتحيط به خطيئته.




قال بعض السلف: إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ومن عقوبة السيئة السيئة بعدها، ومنها علمه بفوات ما هو أحب إليه وخير له منها من جنسها وغير جنسها، فإنه لا يجمع الله لعبده بين لذة المحرمات فى الدنيا ولذة ما فى الآخرة.


كما قال تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِى حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا}* [الأحقاف: 20]، فالمؤمن لا يذهب طيباته فى الدنيا، بل لا بد أن يترك بعض طيباته للآخرة.


وأما الكافر فإنه لا يؤمن بالآخرة فهو حريص على تناول حظوظه كلها وطيباته فى الدنيا، ومنها علمه بأن أعماله هى زاده ووسيلته إلى دار إقامته، فإن تزود من معصية الله أوصله ذلك الزاد إلى دار العصاة والجناة، وإن تزود من طاعته وصل إلى دار أهل طاعته وولايته، ومنها علمه بأَن عمله هو وليه فى قبره وأنيسه فيه وشفيعه عند ربه والمخاصم والمحاج عنه، فإن شاء جعله له، وإن شاء جعله عليه، ومنها علمه بأن أعمال البر تنهض بالعبد وتقوم به وتصعد إلى الله به، فبحسب قوة تعلقه بها يكون صعوده مع صعودها، وأعمال الفجور تهوى به وتجذبه إلى الهاوية وتجره إلى أسفل سافلين، وبحسب قوة تعلقه بها يكون هبوطه معها ونزوله إلى حيث [تستقر] به، قال الله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ والعملُ الصَالِحُ يَرْفَعُهُ}* [فاطر: 10]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَآءِ}* [الأعراف: 40]، فلما لم تفتح أبواب السماء لأعمالهم بل أغلقت عنها، لم تفتح لأرواحهم عند المفارقة بل أُغلقت عنها.



وأهل الإيمان والعمل الصالح لما كانت أبواب السماء مفتوحة لأعمالهم حتى وصلت إلى الله سبحانه، فتحت لأرواحهم حتى وصلت إليه تعالى وقامت بين يديه، فرحمها وأمر بكتابة اسمها فى عليين، ومنها خروجه من حصن الله الذى لا ضيعة على من دخله، فيخرج بمعصيته منه إلى حيث يصير نهباً للصوص وقطاع الطريق.


فما الظن بمن خرج من حصن حصين لا تدركه فيه [آفة] إلى خربة موحشة هى مأْوى اللصوص وقطاع الطريق فهل يتركون معه شيئاً من متاعه؟


ومنها أنه بالمعصية قد تعرّض لمحق بركته [فى كل شيء من أمر دنياه وآخرته فإن الطاعة تجلب للعبد بركات كل شيء والمعصية متحق منه كل بركة].


وبالجملة فآثار المعصية القبيحة أكثر من أن يحيط بها العبد علماً، وآثار الطاعة الحسنة أكثر من أن يحيط بها علماً فخير الدنيا والآخرة بحذافيره فى طاعة الله، وشر الدنيا والآخرة بحذافيره فى معصيته، وفى بعض الآثار يقول الله سبحانه وتعالى: من ذا الذى أطاعنى فشقى بطاعتى؟ ومن ذاى الذى عصانى فسعد بمعصيتى؟.




السبب الثامن: قصر الأمل، وعلمه بسرعة انتقاله، وأنه كمسافر دخل قرية وهو مزمع على الخروج منها، أو كراكب قال فى ظل شجرة ثم سار وتركها. فهو لعلمه بقلة مقامه وسرعة انتقاله حريص على ترك ما يثقله حمله ويضره ولا ينفعه، حريص على الانتقال بخير ما بحضرته، فليس للعبد أنفع من قصر الأمل ولا أضر من التسويف وطول الأمل.




السبب التاسع: مجانبة الفضول فى مطعمه ومشربه وملبسه ومنامه واجتماعه بالناس، فإن قوة الداعى إلى المعاصى إنما تنشأُ من هذه الفضلات، فإنها تطلب لها مصرفاً فيضيق عليها المباح فتتعداه إلى الحرام. ومن أعظم الأشياء ضرراً على العبد بطالته وفراغه، فإن النفس لا تقعد فارغة، بل إن لم يشغلها بما ينفعها شغلته بما يضره ولا بد.




السبب العاشر: وهو الجامع لهذه الأسباب كلها: ثبات شجرة الإيمان فى القلب، فصبر العبد عن المعاصى إنما هو بحسب قوة إيمانه، فكلما كان إيمانه أقوى كان صبره أتمّ وإذا ضعف الإيمان ضعف الصبر، فإن من باشر قلبه الإيمان بقيام الله عليه ورؤيته له، وتحريمه لما حرم عليه، وبغضه له، ومقته لفاعله وباشر قلبه الإيمان بالثواب والعقاب والجنة والنار، وامتنع من أن لا يعمل بموجب هذا العلم.


ومن ظن أنه يقوى على ترك المخالفات والمعاصى بدون الإيمان الراسخ الثابت فقد غلط، فإذا قوى سراج الإيمان فى القلب، وأَضاءَت جهاته كلها به، وأشرق نوره فى أرجائه، سرى ذلك النور إلى الأعضاء، وانبعث إليها، فأسرعت الإجابة لداعى الإيمان، وانقادت له طائعة مذللة غير متثاقلة ولا كارهة بل تفرح بدعوته حين يدعوها، كما يفرح الرجل بدعوة حبيبه المحسن إليه إلى محل كرامته. فهو كل وقت يترقب داعيه، ويتأهب لموافاته. والله يختص برحمته من يَشاءُ، والله ذو الفضل العظيم.


التوقيع :
فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة
توفني مسلما وألحقني بالصالحين
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 22 جمادى الأولى 1432هـ/25-04-2011م, 07:50 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

أحسنت إشراق بتدوين هذا الجزء المهم من درس الشيخ عبدالعزيز الداخل, بارك الله فيك
وجزاك وجزى الشيخ خيراً.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22 جمادى الأولى 1432هـ/25-04-2011م, 10:50 PM
الصورة الرمزية محمد بدر الدين سيفي
محمد بدر الدين سيفي محمد بدر الدين سيفي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
الدولة: الجزائر(صانها الله تعالى وسائر بلاد المسلمين)
المشاركات: 1,159
افتراضي [الأسباب التي تعين على الصبر] للعلامة الحافظ/ ابن القيم الجوزية-رحمه الله تعالى-

بسم الله الرحمن الرحيم

[ الأسباب التى تعين على الصبر ]
من كتاب (عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين)

للعلامة الحافظ ابن القيم الجوزية –رحمه الله تعالى-



( في الأسباب التى تعين على الصبر)

لما كان الصبر مأمورا به جعل الله سبحانه له أسبابا تعين عليه وتوصل إليه وكذلك ماأمر الله سبحانه بالأمر إلا أعان عليه ونصب له أسبابا تمده وتعين عليه كما أنه ما قدر داءا الا وقدر له دواء او ضمن الشفاء باستعماله فالصبر وان كان شاقا كريها على النفوس فتحصيله ممكن وهو يتركب من مفردين العلم والعمل فمنهما تركب جميع الادوية التى تداوى بها القلوب والأبدان فلا بد من جزء علمي وجزء عملى فمنها يركب هذا الدواء الذى هو أنفع الادوية فأما الجزء العلمي فهو إدراك ما في المأمور من الخير والنفع واللذة والكمال وإدراك ما في المحظور من الشر والضر والنقص فإذا أدرك هذين العلمين كما ينبغى أضاف اليهما العزيمة الصادقة والهمة العالية والنخوة والمروءة الإنسانية وضم هذا الجزء إلى هذا الجزء فمتى فعل ذلك حصل له الصبر وهانت عليه مشاقه وحلت له مرارته وانقلب ألمه لذة وقد تقدم أن الصبر مصارعة باعث العقل والدين لباعث الهوى والنفس وكل متضارعين أراد أن يتغلب أحدهما على الآخر فالطريق فيه تقوية من أراد أن تكون الغلبة له ويضعف الآخر كالحال مع القوة والمرض سواء فإذا قوى باعث شهوة الوقاع المحرم وغلب بحيث لا يملك معها فرجه أو يملكه ولكن لا يملك طرفه أو يملكه ولكن لا يملك قلبه بل لا يزال يحدثه بما هناك ويعده ويمنيه ويصرفه عن حقائق الذكر والتفكر فيما ينفعه في دنياه وآخرته فإذا عزم على التداوى ومقاومة هذا الداء فليضعفه أولا بأمور:
أحدهما: أن ينظر إلى مادة قوة الشهوة فيحدها من الاغذية المحركة للشهوة إما بنوعها أو بكميتها وكثرتها ليحسم هذه المادة بتقليلها فإن لم تنحسم فليبادر إلى الصوم فإنه يضعف مجارى الشهوة ويكسر حدتها ولا سيما إذا كان أكله وقت الفطر معتدلا
الثانى: أن يجتذب محرك الطلب وهو النظر فليقصر لجام طرفه ما أمكنه فإن داعى الإرادة والشهوة انما يهيج بالنظر والنظر يحرك القلب بالشهوة وفي المسند عنه: "النظر سهم مسموم من سهام إبليس" وهذا السهم يشرده إبليس نحو القلب ولا يصادف جنة دونه وليست الجنة الا غض الطرف أو التحيز والانحراف عن جهة الرمى فإنه انما يرمى هذا السهم عن قوس الصور فاذا لم تقف على طريقها أخطأ السهم وان نصبت قلبك غرضا فيوشك أن يقتله سهم من تلك السهام المسمومة.
الثالث: تسلية النفس بالمباح المعوض عن الحرام فإن كل ما يشتهيه الطبع ففيهما أباحه الله سبحانه غنية عنه وهذا هو الدواء النافع في حق أكثر الناس كما أرشد اليه النبي فالدواء الأول يشبه قطع العلف عن الدابة الجموح وعن الكلب الضارى لإضعاف قوتهما والدواء الثانى يشبه تغييب اللحم عن الكلب والشعير عن البهيمة لئلا تتحرك قوتهما له عند المشاهدة والدواء الثالث يشبه إعطائهما من الغذاء ما يميل اليه طبعهما بحسب الحاجة لتبقى معه القوة فتطيع صاحبهما ولا تغلب باعطائها الزيادة على ذلك
الرابع: التفكر في المفاسد الدنيوية المتوقعة من قضاء هذا الوطر فانه لو لم يكن جنة ولا نار لكان في المفاسد الدنيوية ما ينهى عن إجابة هذا الداعى ولو تكلفنا عدها لفاقت الحصر ولكن عين الهوى عمياء.
الخامس: الفكرة في مقابح الصورة التى تدعوه نفسه اليها إن كانت معروفة بالإجابة له ولغيره فيعز نفسه أن يشرب من حوض ترده الكلاب والذئاب كما قيل:
سأترك وصلكم شرفا وعزا لخسة سائر الشركاء فيه
وقال آخر
إذ كثر الذباب على طعام رفعت يدى ونفسى تشتهيه
وتجتنب الأسود ورود ماء إذا كان الكلاب يلغن فيه
وليذكر مخالطة ريقه لريق كل خبيث ريقه الداء الدوى فان ريق الفاسق داء كما قيل:
تسل يا قلب عن سمح بمهجته مبذل كل من يلقاه يقرفه
كالماء أى صيد يأتيه ينهله والغصن أى نسيم من يعطفه
وان حلا ريق فاذكر مرارته في فم أبخر يحفيه ويرشفه
ومن له أدنى مروءة ونخوة يأنف لنفسه من مواصلة من هذا شأنه فإن لم تجبه نفسه إلى الإعراض ورضى بالمشاركة فلينظر إلى ما وراء هذا اللون والجمال الظاهر من القبائح الباطنة فإن من مكن نفسه من فعل القبائح فنفسه أقبح من نفوس البهائم فإنه لا يرضى لنفسه بذلك حيوان من الحيوانات أصلا الا ما يحكى عن الخنزير وأنه ليس في البهائم لوطى سواه فقد رضى هذا الممكن من نفسه انه يكون بمنزلة الخنزير وهذاالقبح يغطى كل جمال وملاحة في الوجه والبدن غير أن حبك الشيء عمى ويصم وان كانت الصورة أنثى فقد خانت الله ورسوله وأهلها وبعلها ونفسها وأورثت ذلك لمن بعدها من ذريتها فلها نصيب من وزرهم وعارهم ولا نسبة لجمال صورتها إلى هذا القبح البتة وإذا أردت معرفة ذلك فانظر إلى القبح الذى يعلو وجه أحدهما في كبره وكيف يقلب الله سبحانه تلك المحاسن مقابح حتى تعلو الوحشة والقبح وجهه كما قيل شعرا:
لو فكر العاشق في منتهى حسن الذى يسبيه لم يسبه
وتفصيل هذه الوجوه يطول جدا فيكفي ذكر أصولها.


فصل:
أما تقوية باعث الدين فإنه يكون بأمور:
أحدهما: إجلال الله تبارك وتعالى أن يعصى وهو يرى ويسمع ومن قام بقلبه مشهد إجلاله لم يطاوعه قلبه لذلك البتة.
الثاني: مشهد محبته سبحانه فيترك معصيته محبة له فإن المحب لمن يحب مطيع وأفضل الترك ترك المحبين كما أن أفضل الطاعة طاعة المحبين فبين ترك المحب وطاعته وترك من يخاف العذاب وطاعته بون بعيد.
الثالث: مشهد النعمة والإحسان فإن الكريم لا يقابل بالإساءة من أحسن إليه وإنما يفعل هذا لئام الناس فليمنعه مشهد إحسان الله تعالى ونعمته عن معصيته حياء منه أن يكون خير الله وإنعامه نازلا اليه ومخالفاته ومعاصيه وقبائحه صاعدة إلى ربه فملك ينزل بهذا وملك يعرج بذاك فأقبح بها من مقابلة.
الرابع: مشهد الغضب والانتقام فإن الرب تعالى إذا تمادى العبد في معصيته غضب وإذا غضب لم يقم لغضبه شيء فضلا عن هذا العبد الضعيف.

الخامس: مشهد الفوات وهو ما يفوته بالمعصية من خير الدنيا والآخرة وما يحدث له بها من كل اسم مذموم عقلا وشرعا وعرفا ويزول عنه من الأسماء الممدوحة شرعا وعقلا وعرفا ويكفي في هذا المشهد مشهد فوات الإيمان الذي أدنى مثقال ذرة منه خير من الدنيا وما فيها أضعافا مضاعفة فكيف أن يبيعه بشهوة تذهب لذاتها وتبقى تبعتها تذهب الشهوة وتبقى الشقوة وقد صح عن النبي أنه قال: "لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن" قال بعض الصحابة ينزع منه الإيمان حتى يبقى على رأسه مثل الظلة فإن تاب رجع اليه وقال بعض التابعين ينزع عنه الإيمان كما ينزع القميص فإن تاب لبسه ولهذا روى عن النبي في الحديث الذى رواه البخارى: "الزناة في التنور عراة" لأنهم تعروا من لباس الإيمان وعاد تنور الشهوة الذى كان في قلوبهم تنورا ظاهرا يحمى عليه في النار.
السادس: مشهد القهر والظفر فان قهر الشهوة والظفر بالشيطان له حلاوة ومسرة وفرحة عند من ذاق ذلك أعظم من الظفر بعدوه من الآدميين وأحلى موقعا وأتم فرحة وأما عاقبته فأحمد عاقبة وهو كعاقبة شرب الدواء النافع الذى أزال داء الجسد وأعاده إلى صحته واعتداله.
السابع: مشهد العوض وهو ما وعد الله سبحانه من تعويض من ترك المحارم لأجله ونهى نفسه عن هواها وليوازنه بين العوض المعوض فأيهما كان أولى بالإيثار اختاره وارتضاه لنفسه.
الثامن: مشهد المعية وهو نوعان معية عامة ومعية خاصة فالعامة اطلاع الرب عليه وكونه بعينه لا تخفي عليه حاله وقد تقدم هذا والمقصود هنا المعية الخاصة كقوله {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} وقوله {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} وقوله {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} فهذه المعية الخاصة خير وأنفع في دنياه وآخرته ممن فضى وطره ونيل شهوته على التمام من أول عمره إلى آخره فكيف يؤثر عليها لذةمنغصة منكدة في مدة يسيرة من العمر انما هى كأحلام نائم أو كظل زائل.
التاسع: مشهد المغافصة والمعاجلة وهو أن يخاف أن يغافصه الأجل فيأخذه الله على غرة فيحال بينه وبين ما يشتهى من لذات الآخرة فيا لها من حسرة ما أمرها وما أصعبها لكن ما يعرفها الا من جربها وفي بعض الكتب القديمة يامن لا يأمن على نفسه طرفة عين ولا يتم له سرور يوم الحذر الحذر.
العاشر: مشهد البلاء والعافية فان البلاء في الحقيقة ليس الا الذنوب وعواقبها والعافية المطلقة هي الطاعات وعواقبها فأهل البلاء هم أهل المعصية وان عوفيت أبدانهم وأهل العافية هم أهل الطاعة وان مرضت أبدانهم وقال بعض أهل العلم في الأثر المروى إذا رأيتم أهل البلاء فاسألوا الله العافية فإن أهل البلاء المبتلون بمعاصى الله والأعراض والغفلة عنه وهذا وإن كان أعظم البلاء فاللفظ يتناول انواع المبتلين في أبدانهم وأديانهم والله أعلم.
الحادي عشر: أن يعود باعث الدين ودواعيه مصارعة داعى الهوى ومقاومته على التدريج قليلا قليلا حتى يدرك لذة الظفر فتقوى حينئذ همته فإن من ذاق لذة شئ قويت همته في تحصيله والاعتياد لممارسة الأعمال الشاقة تزيد القوى التى تصدر عنها تلك الأعمال ولذلك تجد قوى الحمالين وأرباب الصنائع الشاقة تتزايد بخلاف البزاز والخياط ونحوهما ومن ترك المجاهدة بالكلية ضعف فيه باعث الدين وقوى فيه باعث الشهوة ومتى عود نفسه مخالفة الهوى غلبه متى أراد.
الثانى عشر: كف الباطل عن حديث النفس واذا مرت به الخواطر نفاها ولا يؤويها ويساكنها فإنها تصير أمانى وهى رءوس أموال المفاليس، ومتى ساكن الخواطر صارت أمانى ثم تقوى فتصير هموما ثم تقوى فتصير ارادات ثم تقوى فتصير عزما يقترن به المراد فدفع الخاطر الأول أسهل وأيسر من دفع أثر المقدور بعد وقوعه وترك معاودته.
الثالث عشر: قطع العلائق والأسباب التى تدعوه إلى موافقة الهوى وليس المراد أن لا يكون له هوى بل المراد أن يصرف هواه إلى ما ينفعه ويستعمله في تنفيذ مراد الرب تعالى فإن ذلك يدفع عنه شر استعماله في معاصيه فإن كل شيء من الانسان يستعمله لله فإن الله يقيه شر استعماله لنفسه وللشيطان وما لا يستعمله لله استعمله لنفسه وهواه ولا بد فالعلم ان لم يكن لله كان للنفس والهوى والعمل ان لم يكن لله كان للرياء والنفاق والمال ان لم ينفق في طاعة الله أنفق في طاعة الشيطان والهوى والجاه ان لم يستعمله لله استعمله صاحبه في هواه وحظوظه والقوة ان لم يستعملها في أمر الله استعملته في معصيته فمن عود نفسه العمل لله لم يكن عليه أشق من العمل لغيره ومن عود نفسه العمل لهواه وحظه لم يكن عليه أشق من الاخلاص والعمل لله وهذا في جميع أبواب الأعمال فليس شيء أشق على المنفق لله من الإنفاق لغيره وكذا بالعكس.
الرابع عشر: صرف الفكر إلى عجائب آيات الله التى ندب عباده إلى التفكر فيها وهى آياته المتلوة وآياته المجلوة فإذا استولى ذلك على قلبه دفع عنه محاظرة الشيطان ومحادثته ووسواسه وما أعظم غبن من أمكنه أن لا يزال محاظرا للرحمن وكتابه ورسوله والصحابة فرغب عن ذلك إلى محاظرة الشيطان من الانس والجن فلا غبن بعد هذا الغبن والله المستعان.
الخامس عشر: التفكر في الدنيا وسرعة زوالها وقرب انقضائها فلا يرضى لنفسه ان يتزود منها إلى دار بقائه وخلوده أخس ما فيها وأقله نفعا إلا ساقط الهمة دنيء المروءة ميت القلب فإن حسرته تشتد إذا عاين حقيقة ما تزوده وتبين له عدم نفعه له فكيف اذا كان ترك تزود ما ينفعه إلى زاديعذب به ويناله بسببه غاية الألم بل اذا تزود ما ينفعه وترك ما هو أنفع منه له كان ذلك حسرة عليه وغبنا.
السادس عشر: تعرضه إلى من القلوب بين أصبعيه وأزمة الأمور بيديه وانتهاء كل شيء اليه على الدوام فلعله أن يصادف أوقات النفحات كما في الأثر المعروف: "ان لله في أيام دهره نفحات فتعرضوا لنفحاته واسألوا الله أن يستر عوراتكم ويؤمن روعاتكم" ولعله في كثرة تعرضه أن يصادف ساعة من الساعات التى لا يسأل الله فيها شيئا الا أعطاه فمن أعطى منشور الدعاء أعطى الاجابة فإنه لو لم يرد اجابته لما ألهمه الدعاء كما قيل:
لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه من جود كفك ما عودتنى الطلبا
ولا يستوحش من ظاهر الحال فإن الله سبحانه يعامل عبده معاملة من ليس كمثله شيء في أفعاله كما ليس كمثله شيء في صفاته فإنه ما حرمه الا ليعطيه ولا أمرضه الا ليشفيه ولا أفقره الا ليغنيه ولا أماته الا ليحييه وما أخرج أبويه من الجنة الا ليعيدهما اليها على أكمل حال كما قيل:"يا آدم لا تجزع من قولى لك واخرج منها فلك خلقتها وسأعيدك اليها".
فالرب تعالى ينعم على عبده بابتلائه ويعطيه بحرمانه ويصحبه بسقمه فلا يستوحش عبده من حالة تسوؤه أصلا الا اذا كانت تغضبه عليه وتبعده منه.
السابع عشر: أن يعلم العبد بأن فيه جاذبين متضادين ومحنته بين الجاذبين جاذب يجذبه إلى الرفيق الأعلى من أهل عليين وجاذب يجذبه إلى أسفل سافلين فكلما انقاد مع الجاذب الأعلى صعد درجة حتى ينتهى إلى حيث يليق به من المحل الأعلى وكلما انقاد إلى الجاذب الاسفل نزل درجة حتى ينتهى إلى موضعه من سجين ومتى أراد أن يعلم هل هو مع الرفيقالأعلى أو الأسفل فلينظر أين روحه في هذا العالم فإنها اذا فارقت البدن تكون في الرفيق الأعلى الذى كانت تجذبه اليه في الدنيا فهو أولى بها فالمرء مع من أحب طبعا وعقلا وجزءا وكل مهتم بشئ فهو منجذب اليه وإلى أهله بالطبع وكل امرئ يصبو إلى ما يناسبه وقد قال تعالى {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِه} فالنفوس العلوية تنجذب بذاتها وهمها وأعمالها إلى أعلى والنفوس السافلة إلى أسفل.
الثامن عشر: أن يعلم العبد أن تفريغ المحل شرط لنزول غيث الرحمة وتنقيته من الدغل شرط لكمال الزرع فمتى لم يفرغ المحل لم يصادف غيث الرحمة محلا قابلا ينزل فيه وان فرغه حتى أصابه غيث الرحمة ولكنه لم ينقه من الدغل لم يكن الزرع زرعا كاملا بل ربما غلب الدغل على الزرع فكان الحكم له وهذا كالذى يصلح أرضه ويهيئها لقبول الزرع ويودع فيها البذور وينتظر نزول الغيث فإذا طهر العبد قلبه وفرغه من ارادة السوء وخواطره وبذر فيه بذر الذكر والفكر والمحبة والإخلاص وعرضه لمهاب رياح الرحمة وانتظر نزول غيث الرحمة في أوانه كان جديرا بحصول المغل وكما يقوى الرجاء لنزول الغيث في وقته كذلك يقوى الرجاء لإصابة نفحات الرحمن جل جلاله في الأوقات الفاضلة والأحوال الشريفة ولا سيما اذا اجتمعت الهمم وتساعدت القلوب وعظم الجمع كجمع عرفة وجمع الاستسقاء وجمع أهل الجمعة فإن اجتماع الهمم والأنفاس أسباب نصبها الله تعالى مقتضية لحصول الخير ونزول الرحمة كما نصب سائر الأسباب مقتضية إلى مسبباتها بل هذه الأسباب في حصول الرحمة أقوى من الأسباب الحسية في حصول مسبباتها ولكن العبد بجهله يغلب عليه الشاهد على الغائب الحسن وبظلمه يؤثر ما يحكم به هذا ويقتضيه على ما يحكم به الآخر ويقتضيه ولو فرغ العبد المحل وهيأه وأصلحه لرأى العجائب فإن فضل الله لا يرده الا المانع الذى في العبد فلو زال ذلك المانع لسارع اليه الفضل من كل صوب فتأمل حال نهرعظيم يسقى كل أرض يمر عليها فحصل بينه وبين بعض الأرض المعطشة المجدية سكر وسد كثيف فصاحبها يشكو الجدب والنهر إلى جانب أرضه.
التاسع عشر: أن يعلم العبد أن الله سبحانه خلقه لبقاء لافناء له ولعز لا ذل معه وأمن لا خوف فيه وغناء لا فقر معه ولذة لا ألم معها وكمال لا نقص فيه وأمتحنه في هذه الدار بالبقاء الذى يسرع اليه الفناء والعز الذى يقارنه الذل ويعقبه الذل والأمن الذى معه الخوف وبعده الخوف وكذلك الغناء واللذة والفرح والسرور والنعيم الذى هنا مشوب بضده لأنه يتعقبه ضده وهو سريع الزوال فغلط أكثر الخلق في هذا المقام إذ طلبوا النعيم والبقاء والعز والملك والجاه في غير محله ففاتهم في محله وأكثرهم لم يظفر بماطليه ! من ذلك والذى ظفر به انما هو متاع قليل والزوال قريب فإنه سريع الزوال عنه والرسل صلوات الله وسلامه عليهم انما جاءوا بالدعوة إلى النعيم المقيم والملك الكبير فمن أجابهم حصل له ألذ ما في الدنيا وأطيبه فكان عيشه فيها أطيب من عيش الملوك فمن دونهم فإن الزهد في الدنيا ملك حاضر والشيطان يحسد المؤمن عليه أعظم حسد فيحرص كل الحرص على أن لا يصل اليه فإن العبد اذا ملك شهوته وغضبه فانقادا معه لداعى الدين فهو الملك حقا لأن صاحب هذا الملك حر والملك المنقاد لشهوته وغضبه عبد شهوته وغضبه فهو مسخر مملوك في زى مالك يقوده زمام الشهوة والغضب كما يقاد البعير فالمغرور المخدوع يقطع نظره على الملك الظاهر الذى صورته ملك وباطنه رق وعلى الشهوة التى أولها لذة وآخرها حسرة والبصير الموفق يعير نظره من الاوائل إلى الأواخر ومن المبادئ إلى العواقب وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
العشرون: أن لا يغتر العبد باعتقاده أن مجرد العلم بما ذكرنا كاف في حصول المقصود بل لا بد أن يضيف اليه بذل الجهد في استعماله واستفراغ الوسع والطاقة فيه وملاك ذلك الخروج عن العوائد فإنها أعداءالكمال والفلاح فلا أفلح من استمر مع عوائده أبدا ويستعين على الخروج عن العوايد بالهرب عن مظان الفتنة والبعد عنها ما أمكنه وقد قال النبي: "من سمع بالدجال فلينا عنه" فما استعين على التخلص من الشر بمثل البعد عن أسبابه ومظانه.
وههنا لطيفة للشيطان لا يتخلص منها إلا حاذق وهى: أن يظهر له في مظان الشر بعض شيء من الخير ويدعوه إلى تحصيله فإذا قرب منه ألقاه في الشبكة والله أعلم.


---

-نزلت هذه المادة بطلب من فضيلة الشيخ/ عبد العزيز الداخل-حفظه الله-أثناء درسه الثاني لشرح ثلاثة الأصول ضمن الدورة الصوتية الأولى لمعهد آفاق التيسير-


التوقيع :
قال الزهري رحمه الله: (العلم ذكر يحبه ذكورة الرجال، ويكرهه مؤنثوهم).اهـ
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 23 جمادى الأولى 1432هـ/26-04-2011م, 06:11 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

جهد مشكور, بارك الله فيك محمد,
وجزى الشيخ خيرا.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 27 جمادى الأولى 1432هـ/30-04-2011م, 06:07 AM
شموخ أنثى شموخ أنثى غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 26
افتراضي

رفع الله قدرك ومقامك عنده في الملاء الاعلى

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13 جمادى الآخرة 1432هـ/16-05-2011م, 02:27 AM
الصورة الرمزية ياسر الشيخ علي
ياسر الشيخ علي ياسر الشيخ علي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 117
Lightbulb الأسباب العشرة المعينة على الصبر على المعصية لإبن القيم الجوزية

بسم الله الرحمن الرحيم

قال شيخنا الفاضل عبد العزيز الداخل - حفظه الله ورعاه - في الدرس الثاني من شرحه على ثلاثة الأصول :
(قد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه طريق الهجرتين عشرة أسباب تعين على الصبر عن المعصية ألخصها لكم في كلمات ومن أراد الاستزادة فليراجعها وحبذا لو نقله أحدكم لينتفع به).

فطمعاً فيما عند الله من الأجر ثم تلبية لرغبة شيخنا - حفظه الله ورعاه - سأنقل كلام إبن القيم رحمه الله تعالى رحمة واسعة . عسى الله أن ينفع به :
قال رحمه الله في كتابه (طريق الهجرتين وباب السعادتين) : (فصل: فى تقسيم الناس من حيث القوة العلمية والعملية)

(قاعدة: الصبر عن المعصية ينشأُ من أسباب عديدة:

أحدها: علم العبد بقبحها ورذالتها ودناءَتها، وأن الله إنما حرَّمها ونهى عنها صيانة وحماية عن الدنايا والرذائل، كما يحمى الوالد الشفيق [والده] عما يضره. وهذا السبب يحمل العاقل على تركها ولو لم يعلق عليها وعيد بالعذاب.

السبب الثانى: الحياءُ من الله سبحانه، فإن العبد متى علم بنظره إليه ومقامه عليه وأنه بمرأَى منه ومسمع- وكان [حياً] حييّاً- استحى من ربه أن يتعرض لمساخطه.

السبب الثالث: مراعاة نعمه عليك وإحسانه إليك، فإن الذنوب تزيل النعم ولا بد، فما أذنب عبد ذنباً إلا زالت عنه نعمة من الله بحسب ذلك الذنب، فإن تاب وراجع رجعت إليه أو مثلها، وإن أصر لم ترجع إليه، ولا تزال الذنوب تزيل عنه نعمة حتى تسلب النعم كلها، قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، وأعظم النعم الإيمان، وذنب الزنا والسرقة وشرب الخمر وانتهاب النهبة يزيلها ويسلبها.
وقال بعض السلف: أذنبت ذنباً فحرمت قيام الليل سنة. وقال آخر: أذنبت ذنباً فحرمت فهم القرآن. وفى مثل هذا قيل:

إذا كنت فى نعمة فارعها فإن المعاصى تزيل النعم

وبالجملة فإن المعاصى نار النعم تأْكلها كما تأْكل النار الحطب، عياذاً بالله من زوال نعمته وتحويل عافيته.

السبب الرابع: خوف الله وخشية عقابه. وهذا إنما يثبت بتصديقه فى وعده ووعيده والإيمان به وبكتابه وبرسوله. وهذا السبب يقوى بالعلم واليقين ويضعف بضعفهما. قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]، وقال بعض السلف: كفى بخشية الله علماً وبالاغترار بالله جهلاً.

السبب الخامس: محبة الله سبحانه وهى أقوى الأسباب فى الصبر عن مخالفته ومعاصيه. فإن المحب لمن يحب مطيع، وكلما قوى سلطان المحبة فى القلب كان اقتضاؤه للطاعة وترك المخالفة أقوى، وإنما تصدر المعصية والمخالفة من ضعف المحبة وسلطانها وفرق بين من يحمله على ترك معصية سيده خوفه من سوطه وعقوبته، وبين من يحمله على ذلك حبه لسيده، وفى هذا قال عمر: "نعم العبد صهيب، لو لم يخف الله لم يعصه" يعنى أنه لو لم يخف من الله لكان فى قلبه من محبة الله وإجلاله ما يمنعه من معصيته.

فالمحب الصادق عليه رقيب من محبوبه يرعى قلبه وجوارحه، وعلامة صدق المحبة شهود هذا الرقيب ودوامه.

وههنا لطيفة يجب التنبه لها، وهى أن المحبة المجردة لا توجب هذا الأثر ما لم تقترن بإجلال المحبوب وتعظيمه، فإذا قارنها بالإجلال والتعظيم أوجبت هذا الحياءَ والطاعة، وإلا فالمحبة الخالية عنهما إنما توجب نوع أنس وانبساط وتذكر واشتياق، ولهذا يتخلف عنها أثرها وموجبها، ويفتش العبد قلبه فيرى فيه نوع محبة لله، ولكن لا تحمله على ترك معاصيه. وسبب ذلك تجردها عن الإجلال والتعظيم، فما عمر القلب شيء كالمحبة المقترنة بإجلال الله وتعظيمه، وتلك من أفضل مواهب الله لعبده أو أفضلها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاءُ.

السبب السادس: شرف النفس وزكاؤها وفضلها وأنفتها وحميتها أن تختار الأسباب التى تحطها وتضع قدرها، وتخفض منزلتها وتحقرها، وتسوى بينها وبين السفلة.

السبب السابع: قوة العلم بسوءِ عاقبة المعصية، وقبح أثرها والضرر الناشيء منها: من سواد الوجه، وظلمة القلب، وضيقه وغمه، وحزنه وأَلمه، وانحصاره، وشدة قلقه واضطرابه، وتمزق شمله. وضعفه عن مقاومة عدوه، وتعريه من زينته والحيرة فى أَمره وتخلى وليه وناصره عنه، وتولى عدوه المبين له، وتوارى العلم الذى كان مستعداً له عنه، ونسيان ما كان حاصلاً له أَو ضعفه ولا بد، ومرضه الذى إذا استحكم به فهو الموت ولا بد، فإِن الذنوب تميت القلوب، ومنها ذله بعد عزة، ومنها أن يصير أسيراً فى يد أعدائه بعد أن كان ملكاً متصرفاً يخافه أعداؤه، ومنها أن يضع تأثيره فلا يبقى له نفوذ فى رعيته ولا فى الخارج فلا رعيته تطيعه إذا أَمرها، ولا ينفذ فى غيرهم.

ومنها زوال أَمنه وتبدله به مخافة، فأخوف الناس أشدهم إساءة، ومنها زوال الأُنس والاستبدال به وحشة، وكلما ازداد إساءة ازداد وحشة، ومنها زوال الرضى واستبداله بالسخط، ومنها زوال الطمأْنينة بالله والسكون إليه والإيواء عنده واستبدال الطرد والبعد منه، ومنها وقوعه فى بئر الحسرات، فلا يزال فى حسرة دائمة كلما نال لذة نازعته نفسه إلى نظيرها إن لم يقض منها وطراً، أو إلى غيرها إن قضى وطره منها، وما يعجز عنه من ذلك أضعاف أضعاف ما يقدر عليه، وكلما اشتد نزوعه وعرف عجزه اشتدت حسرته وحزنه.

فيالها ناراً قد عذب بها القلب فى هذه الدار قبل نار الله الموقدة التى تطلع على الأفئدة، ومنها فقره بعد غناه فإنه كان غنياً بما معه من رأْس مال الإيمان وهو يتجر به ويربح الأرباح الكثيرة، فإذا سلب رأْس ماله أصبح فقيراً معدماً، فإما أن يسعى بتحصيل رأْس مال آخر بالتوبة النصوح والجد والتشمير وإلا فقد فاته ربح كثير بما أضاعه من رأْس ماله، ومنها نقصان رزقه، فإن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه، ومنها ضعف بدنه، ومنها زوال المهابة والحلاوة التى لبسها بالطاعة فتبدل بها مهانة وحقارة، ومنها حصول البغضة والنفرة منه فى قلوب الناس، ومنها ضياع أعز الأشياءِ عليه وأنفسها وأعلاها، وهو الوقت الذى لا عوض منه، ولا يعود إليه أبداً، ومنها طمع عدوه فيه وظفره به، فإِنه إِذا رآه منقاداً مستجيباً لما يأْمره اشتد طمعه فيه وحدث نفسه بالظفر به وجعله من حزبه حتى يصير هو وليه دن مولاه الحق، ومنها الطبع والرين على قلبه.

فإن العبد إذا أذنب نكت فى قلبه نكتة سوداء، فإن تاب منها صقل قلبه، وإن أذنب ذنباً آخر نكت فيه نكتة أُخرى ولا تزال حتى تعلو قلبه، فذلك هو الران، قال الله تعالى: {كَلا بَل رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكسِبُونَ} [المطففين: 14]، ومنها أنه يحرم حلاوة الطاعة، فإذا فعلها لم يجد أثرها فى قلبه من الحلاوة والقوة ومزيد الإيمان والعقل والرغبة فى الآخرة، فإن الطاعة تثمر هذه الثمرات ولا بد. ومنها أن تمنع قلبه من ترحله من الدنيا ونزوله بساحة القيامة، فإن القلب لا يزال مشتتاً مضيعاً حتى يرحل من الدنيا وينزل فى الآخرة، فإذا نزل فيها أقبلت إليه وفود التوفيق والعناية من كل جهة، واجتمع على جمع أَطرافه وقضاءِ جهازه وتعبئة زاده ليوم معاده، وما لم يترحل إلى الآخرة ويحضرها فالتعب والعناءُ والتشتت والكسل والبطالة لازمة له لا محالة.

ومنها إعراض الله وملائكته وعباده عنه، فإن العبد إذا أعرض عن طاعة الله واشتغل بمعاصيه أعرض الله عنه فأعرضت عنه ملائكته وعباده، كما أنه إذا أقبل على الله أقبل الله عليه وأقبل بقلوب خلقه إليه، ومنها أن الذنب يستدعى ذنبا آخر، ثم يقوى أحدهما بالآخر فيستدعيان ثالثاً، ثم تجتمع الثلاثة فتستدعى رابعاً، وهلم جرا حتى تغمره ذنوبه وتحيط به خطيئته.

قال بعض السلف: إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ومن عقوبة السيئة السيئة بعدها، ومنها علمه بفوات ما هو أحب إليه وخير له منها من جنسها وغير جنسها، فإنه لا يجمع الله لعبده بين لذة المحرمات فى الدنيا ولذة ما فى الآخرة.
كما قال تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِى حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف: 20]، فالمؤمن لا يذهب طيباته فى الدنيا، بل لا بد أن يترك بعض طيباته للآخرة.

وأما الكافر فإنه لا يؤمن بالآخرة فهو حريص على تناول حظوظه كلها وطيباته فى الدنيا، ومنها علمه بأن أعماله هى زاده ووسيلته إلى دار إقامته، فإن تزود من معصية الله أوصله ذلك الزاد إلى دار العصاة والجناة، وإن تزود من طاعته وصل إلى دار أهل طاعته وولايته، ومنها علمه بأَن عمله هو وليه فى قبره وأنيسه فيه وشفيعه عند ربه والمخاصم والمحاج عنه، فإن شاء جعله له، وإن شاء جعله عليه، ومنها علمه بأن أعمال البر تنهض بالعبد وتقوم به وتصعد إلى الله به، فبحسب قوة تعلقه بها يكون صعوده مع صعودها، وأعمال الفجور تهوى به وتجذبه إلى الهاوية وتجره إلى أسفل سافلين، وبحسب قوة تعلقه بها يكون هبوطه معها ونزوله إلى حيث [تستقر] به، قال الله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ والعملُ الصَالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَآءِ} [الأعراف: 40]، فلما لم تفتح أبواب السماء لأعمالهم بل أغلقت عنها، لم تفتح لأرواحهم عند المفارقة بل أُغلقت عنها.

وأهل الإيمان والعمل الصالح لما كانت أبواب السماء مفتوحة لأعمالهم حتى وصلت إلى الله سبحانه، فتحت لأرواحهم حتى وصلت إليه تعالى وقامت بين يديه، فرحمها وأمر بكتابة اسمها فى عليين، ومنها خروجه من حصن الله الذى لا ضيعة على من دخله، فيخرج بمعصيته منه إلى حيث يصير نهباً للصوص وقطاع الطريق.

فما الظن بمن خرج من حصن حصين لا تدركه فيه آفة إلى خربة موحشة هى مأْوى اللصوص وقطاع الطريق فهل يتركون معه شيئاً من متاعه؟
ومنها أنه بالمعصية قد تعرّض لمحق بركته فى كل شيء من أمر دنياه وآخرته فإن الطاعة تجلب للعبد بركات كل شيء والمعصية متحق منه كل بركة.

وبالجملة فآثار المعصية القبيحة أكثر من أن يحيط بها العبد علماً، وآثار الطاعة الحسنة أكثر من أن يحيط بها علماً فخير الدنيا والآخرة بحذافيره فى طاعة الله، وشر الدنيا والآخرة بحذافيره فى معصيته، وفى بعض الآثار يقول الله سبحانه وتعالى: من ذا الذى أطاعنى فشقى بطاعتى؟ ومن ذاى الذى عصانى فسعد بمعصيتى؟

السبب الثامن: قصر الأمل، وعلمه بسرعة انتقاله، وأنه كمسافر دخل قرية وهو مزمع على الخروج منها، أو كراكب قال فى ظل شجرة ثم سار وتركها. فهو لعلمه بقلة مقامه وسرعة انتقاله حريص على ترك ما يثقله حمله ويضره ولا ينفعه، حريص على الانتقال بخير ما بحضرته، فليس للعبد أنفع من قصر الأمل ولا أضر من التسويف وطول الأمل.

السبب التاسع: مجانبة الفضول فى مطعمه ومشربه وملبسه ومنامه واجتماعه بالناس، فإن قوة الداعى إلى المعاصى إنما تنشأُ من هذه الفضلات، فإنها تطلب لها مصرفاً فيضيق عليها المباح فتتعداه إلى الحرام. ومن أعظم الأشياء ضرراً على العبد بطالته وفراغه، فإن النفس لا تقعد فارغة، بل إن لم يشغلها بما ينفعها شغلته بما يضره ولا بد.

السبب العاشر: وهو الجامع لهذه الأسباب كلها: ثبات شجرة الإيمان فى القلب، فصبر العبد عن المعاصى إنما هو بحسب قوة إيمانه، فكلما كان إيمانه أقوى كان صبره أتمّ وإذا ضعف الإيمان ضعف الصبر، فإن من باشر قلبه الإيمان بقيام الله عليه ورؤيته له، وتحريمه لما حرم عليه، وبغضه له، ومقته لفاعله وباشر قلبه الإيمان بالثواب والعقاب والجنة والنار، وامتنع من أن لا يعمل بموجب هذا العلم.

ومن ظن أنه يقوى على ترك المخالفات والمعاصى بدون الإيمان الراسخ الثابت فقد غلط، فإذا قوى سراج الإيمان فى القلب، وأَضاءَت جهاته كلها به، وأشرق نوره فى أرجائه، سرى ذلك النور إلى الأعضاء، وانبعث إليها، فأسرعت الإجابة لداعى الإيمان، وانقادت له طائعة مذللة غير متثاقلة ولا كارهة بل تفرح بدعوته حين يدعوها، كما يفرح الرجل بدعوة حبيبه المحسن إليه إلى محل كرامته. فهو كل وقت يترقب داعيه، ويتأهب لموافاته. والله يختص برحمته من يَشاءُ، والله ذو الفضل العظيم.) إنتهى كلامه رحمه الله .

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 30 جمادى الأولى 1433هـ/21-04-2012م, 05:41 PM
ابو اويس ابو اويس غير متواجد حالياً
المستوى الأول - الدورة الأولى
 
تاريخ التسجيل: Apr 2012
المشاركات: 6
افتراضي

السلام عليكم بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أسباب, عشرة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:15 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir